كيف أعاد المرشد الإيراني هيكلة "منظومة صلاة الجمعة" تدريجيا لتعزيز سلطته؟

أمير هادي أنواري
أمير هادي أنواري

صحفي في إيران إنترناشيونال

ترتبط صلاة الجمعة في أذهان الكثير من الإيرانيين في منتصف العمر وكبار السن بصورة "أيقونية" لرجل دين يُلقي خطبته قبل أربعة عقود، وهو يحمل بندقية هجومية من طراز "G3" تعود إلى السبعينيات، والتي كانت رمزًا للقوة الثورية والتحدي آنذاك.

في الثمانينيات، وبعد الثورة الإسلامية التي قادها آية الله الخميني وخلال الحرب الإيرانية-العراقية، كانت صلاة الجمعة تحظى بجماهيرية واسعة وتأثير كبير.

غير أن الإقبال عليها تراجع تدريجيًا، مع تغيّر قائمة أئمة الجمعة وتزايد الاستياء الشعبي من القيود الاجتماعية التي يفرضها النظام، إلى جانب تفاقم الأوضاع الاقتصادية.

اليوم، باتت صلاة الجمعة أشبه بإحاطات سياسية أسبوعية، يحضرها عادة مسؤولون عسكريون ومدنيون محليون. وتُوجَّه التعليمات من طهران لتحديد محتوى الخطب، ما حوّلها إلى منابر سياسية مُنظمة تخدم أجندة النظام.

ومنذ توليه السلطة، أعاد المرشد علي خامنئي هيكلة "منظومة صلاة الجمعة"، ناقلًا مقرّها التنسيقي من "قُم"، المركز الديني، إلى طهران.

كما استبعد الأئمة الذين عيّنهم سلفه، روح الله الخميني، واستبدلهم برجال دين أصغر سنًا وأكثر توافقًا مع رؤيته.

أرقام وحقائق

وفقًا لتحقيق أجراه موقع "إيران إنترناشيونال":

-يوجد حاليًا 850 إمام جمعة في مختلف أنحاء إيران.

-تم تعيين نحو 85% منهم بعد عام 2017.

-معظم المدن الإيرانية لديها إمامان للجمعة.

-يتولى مقر صلاة الجمعة، المؤلف من سبعة أعضاء تحت إشراف خامنئي، تعيين أئمة الجمعة حتى في البلدات الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 500 نسمة.

-حوالي 70% من الأئمة الذين تم تعيينهم منذ 2017، سبق أن خدموا في القوات المسلحة الإيرانية أو كانوا ضمن الوحدات العسكرية في سوريا.

-لم يبقَ سوى إمام واحد من الذين عينهم الخميني في منصبه حتى اليوم.

لكن إمامة صلاة الجمعة ليست سوى جزء من مهام هؤلاء الأئمة، إذ يشرفون أيضًا على المجالس المحلية المسؤولة عن فرض الرقابة الاجتماعية والثقافية الإسلامية.

كما يتولون الإشراف على هيئات الضرائب الإسلامية، ويعملون كأعضاء في هيئات المحلفين بمحاكم الصحافة، وهم جزء من مجالس أمنية محلية، وأعضاء في مجلس أمناء جامعة "آزاد" الإسلامية، إضافة إلى دورهم في المجالس التربوية وغيرها. ويتمتع بعضهم بإمبراطوريات بيروقراطية خاصة بهم.

تغييرات خامنئي

بعد تولي علي خامنئي منصب المرشد، أقال 4 من الأعضاء السبعة في مقر الإشراف على أئمة صلاة الجمعة. وبعد 10 أشهر، أعاد تسمية هذا الجهاز ليصبح "مقر التخطيط لصلاة الجمعة".

شهدت هذه الهيئة تغييرات كبيرة عقب احتجاجات 2018، حيث عين خامنئي رجل دين شابًا، محمد حاج علي أكبري، رئيسًا لها، وهو أيضًا أحد أئمة الجمعة في طهران.

على عكس باقي المدن، لا يوجد إمام جمعة دائم في طهران. أما في المحافظات الإيرانية الواحدة والثلاثين الأخرى، فإن إمام الجمعة في كل منها يشغل أيضًا منصب ممثل خامنئي الرسمي.

كاظم نور مفيدي، إمام الجمعة في محافظة غلستان، هو الوحيد الذي لا يزال في منصبه من بين المعينين في الفترات الأولى لحكم خامنئي.

تقليديًا، كان العديد من أئمة الجمعة في المحافظات أعضاءً في مجلس القيادة المسؤول عن اختيار المرشد. ومع ذلك، من بين الأئمة المعينين بعد عام 2017، لا يشغل هذا المنصب سوى 6 فقط، إذ تم استبعاد العديد من الأئمة القدامى بسبب عدم توافقهم مع توجهات خامنئي السياسية.

محافظة أصفهان تضم أكبر عدد من أئمة الجمعة بـ86 إمامًا، في حين أن قم وكردستان هما الأقل عددًا، حيث يوجد في كل منهما 8 أئمة فقط.

يحظى أئمة الجمعة بدعم مباشر من خامنئي، ويمتلكون في كثير من الأحيان نفوذًا سياسيًا واسعًا في مدنهم. فهم يتدخلون لحل النزاعات بين المسؤولين، يشرفون على قرارات الإدارات المحلية، وفي فترات الاضطرابات المدنية، يقودون القوات الحكومية والمؤيدين لقمع الاحتجاجات.

لم يقم خميني أبدًا بقيادة صلاة الجمعة، بينما كان خامنئي يقود الصلاة بانتظام في سنواته الأولى كمرشد أعلى.

ومع ذلك، فقد أصبح يشارك في صلاة الجمعة بشكل متقطع في السنوات الأخيرة.