حقوقيون: منع السجناء السياسيين في إيران من العلاج "لإجبارهم على الصمت"
أفادت حملة "الحرية لوريشه مرادي"، أن السجينة السياسية المحكومة بالإعدام، تعاني من وضع صحي متدهور وفي حاجة عاجلة لإجراء عملية جراحية، لكنها محرومة من الرعاية الطبية في سجن إيفين، ولم يُسمح بنقلها إلى المستشفى.
وأفادت حملة "الحرية لوريشه مرادي"، عبر منشور على منصة "إكس"، أن حرمان السجينة السياسية من الرعاية الطبية يعرض حياتها للخطر.
ووفقًا للتقرير، فإن مرادي، وبحسب رأي الأطباء المختصين، تحتاج منذ أكثر من ثلاثة أشهر إلى جراحة عاجلة ورعاية طبية مستمرة، وهو أمر أكده أطباء السجن أيضًا، حيث شددوا على ضرورة علاجها الفوري في مستشفى خارج السجن.
ورغم الوعود المتكررة من مسؤولي سجن إيفين، فإن السلطات القضائية والأمنية لا تزال تمنع تقديم العلاج لها أو نقلها إلى المستشفى.
حرمان السجناء السياسيين من العلاج
واليوم الثلاثاء 1 أبريل (نيسان)، أصدرت منظمة "هيومان رايتس ووتش" بيانًا ذكرت فيه أن إيران تنتهج منذ سنوات سياسة حرمان السجناء، وخصوصًا السياسيين، من العلاج الطبي بهدف "معاقبتهم وإجبارهم على الصمت".
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن من بين السجناء السياسيين الذين لا يزالون محرومين من الرعاية الطبية الكافية في إيران: زینب جلالیان، فاطمة سبهري، راحلة راحمي بور، مطلب أحمديان، ووريشه مرادي، وهي سجينة سياسية كردية محكومة بالإعدام.
وصرّح المدير التنفيذي لـ"هيومان رايتس ووتش" قائلًا: "سياسة السلطات الإيرانية المشينة المتمثلة في حرمان المعتقلين والسجناء من الرعاية الطبية قد تؤدي إلى عواقب مميتة".
معاناة وریشه مرادي
ووفقًا لحملة "الحرية لوريشه مرادي"، فإنها تعاني من انزلاق غضروفي حاد في الظهر والرقبة، بالإضافة إلى شظايا في جسدها. ورغم معاناتها الجسدية الشديدة، فإنها تواصل مقاومتها داخل السجن.
وأكدت الحملة أن منع مرادي المستمر من تلقي العلاج في المراكز الطبية يعرض حياتها للخطر الشديد.
وفي هذا السياق، أطلقت حملة "ثلاثاء لا للإعدام"، في أسبوعها الثاني والستين اليوم الثلاثاء 1 أبريل (نيسان)، نداءً عاجلًا إلى إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق مرادي، مشيرة إلى أن قضيتها ما زالت قيد النظر في المحكمة العليا الإيرانية.
وأكد البيان: "هذا الحكم ليس قرارًا قضائيًا، بل عملية قتل سياسي مخطط لها مسبقًا. نحن نشعر بقلق بالغ إزاء تأكيد حكم الإعدام بحقها وبحق السجناء الآخرين، وسنواصل مقاومتنا ضد هذه الإعدامات".
وفي 15 مارس (آذار)، وقع 240 ناشطًا سياسيًا ومدنيًا بيانًا يحذرون فيه من خطر تنفيذ حكم الإعدام بحق مرادي.
وأشار الموقعون إلى أن مرادي كانت ناشطة في مجال حقوق المرأة، وشاركت في الحرب ضد تنظيم داعش، مؤكدين أنه بعد تحرير كوباني، لعبت دورًا هامًا في تمكين المرأة ونشر الوعي.
وتم اعتقال وريشه مرادي (المعروفة أيضًا باسم جوانا سنه) نهاية يوليو (تموز) 2023 بالقرب من مدينة سنندج، حيث تعرضت لضرب مبرح أثناء اعتقالها.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، حكم عليها القاضي أبو القاسم صلواتي في الفرع 15 من محكمة الثورة في طهران بالإعدام بتهمة "البغي".
الإهمال الطبي في السجون الإيرانية
خلال السنوات الماضية، نُشرت العديد من التقارير عن حرمان السجناء في إيران من الرعاية الطبية وانتهاك حقهم في الحصول على العلاج.
وقد توفي عدد من السجناء السياسيين نتيجة التعذيب، الضغوط النفسية، وحرمانهم من الخدمات الطبية، بينما ترفض السلطات الإيرانية تحمل أي مسؤولية عن هذه الوفيات.
حصلت "إيران إنترناشيونال" على وثائق حصرية تتعلق بقضية سرقة ورشوة وابتزاز، تكشف أن مجموعة من كبار محققي منظمة استخبارات الحرس الثوري الإيراني استغلوا ذريعة مكافحة ما يسمى "الفساد الاقتصادي" لسرقة نحو ألف مليار تومان من إحدى شركات الصرافة في قضية واحدة فقط.
فقبل ثلاث سنوات، وبعد اعتقال رئيس شركة "كريبتولند" للصرافة في طهران، سينا استوي، نظم عدد من الضحايا تجمعات متكررة أمام المحكمة، مطالبين بمحاكمته واستعادة أموالهم.
ونقلت وكالة "ميزان"، التابعة للسلطة القضائية في إيران، عن رئيس عدلية طهران أن القضية تتعلق بـ "مخالفات شركة كريبتولند وشراء المستثمرين كمية كبيرة من عملات BRG الرقمية"، مشيرة إلى أن عدد الشاكين في القضية تجاوز 51 ألف شخص.
وعُقدت محاكمة المتهمين في هذه القضية، وصدر حكم بالسجن 15 عامًا على المتهم الأول، وثماني سنوات على المتهم الثاني، بالإضافة إلى إلزامهما بردّ الأموال ودفع غرامات مالية.
لكن في ديسمبر (كانون الأول) 2023، أفادت وكالة "ميزان" بأن رئيس شركة "كريبتولند" للصرافة، رغم صدور قرار بمنعه من السفر، تمكن من الفرار خارج البلاد.
وفي تقرير استقصائي، كشفت "إيران إنترناشيونال"، استنادًا إلى وثائق تتعلق بمحاكمة عدد من كبار محققي استخبارات الحرس الثوري، إضافة إلى مشاهدتها مقاطع فيديو حصرية وملفًا صوتيًا من جلسة محكمة استمرت ثلاث ساعات، عن الأبعاد الخفية لهذه القضية.
ووفقًا لهذا التحقيق، فلم تكن هناك أية شكوى خاصة بـ "سينا استوي" عند اعتقاله، بل تم استهدافه لأسباب سياسية.
أما الشخصيتان الرئيستان في هذه القضية، فهما مهدی حاجي بور ومهدي بادي، وهما محققان بارزان في الجرائم الاقتصادية التابعة لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني؛ حيث استوليا على أكثر من 21 مليون دولار من العملات الرقمية المسروقة ولم يقوما بإعادتها.
"كريبتولند" وأحمدي نجاد وإسرائيل
في 17 مايو (أيار) 2021، داهمت قوات استخبارات الحرس الثوري منزل مؤسس شركة "كريبتولند" للصرافة، علي رضا استوي، وألقت القبض عليه، ثم نقلته إلى جناح 2-أ في سجن إيفين بطهران.
وبعد ساعات، أعلن المركز المعروف بـ "مكافحة الجرائم الإلكترونية المنظمة" التابع للحرس الثوري، اعتقاله عبر حسابه في منصة "إكس"، وهو الحساب الذي كان مملوكًا لـ "استوي".
وسرعان ما أعادت وسائل الإعلام المتخصصة في العملات الرقمية نشر الخبر، مشيرة إلى أن استوي كان مؤسس "توكن "BRG، مما أدى إلى انهيار قيمة "التوكن" في الأسواق، وأثار قلق المستثمرين، الذين قدموا لاحقًا شكاوى ضده بتوجيه من السلطة القضائية. ورغم ذلك، لم تكن "كريبتولند" مديّنة حتى بألف تومان قبل اعتقال مديرها التنفيذي.
وفي المحكمة، وُجّهت إلى مديري "كريبتولند" تهمة تشكيل شبكة منظمة للإخلال بالنظام الاقتصادي، من خلال إدارة منصة صرافة غير مرخصة وإجراء معاملات بالعملات الرقمية، لكن استجواب استوي خلال فترة احتجازه تجاوز القضايا الاقتصادية.
وضغط عليه المحققون في استخبارات الحرس الثوري للاعتراف بأنه دعّم الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2021. وأكد استوي في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" أنه قدّم ما لا يقل عن 3,000 دولار لأحمدي نجاد، كما قام بالترويج له في عدة قنوات تلغرامية واسعة الانتشار. ومع ذلك، رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح أحمدي نجاد، كما فعل في دورات سابقة. وخلال الاستجواب، حاول المحققون ربط أنشطة استوي بإسرائيل، واتهامه بالعمل لصالح جهازها الأمني. وتشير تحقيقات "إيران إنترناشيونال" إلى أن الهدف الحقيقي وراء القضية كان تنفيذ عملية نهب كبرى لأموال المستثمرين، مع تقديم استوي كواجهة لمنفذي عملية الاحتيال.
سرقة كبرى في مبنى منظمة استخبارات الحرس الثوري
وفقًا لوثيقة على البلوكتشين (تقنية لامركزية لتسجيل المعاملات بطريقة آمنة وشفافة)، تم نقل ستة مليارات وحدة من "توكن BRG" من محفظة استوي إلى محافظ مجهولة بعد يوم من اعتقاله في الساعة 12:46 بتوقيت طهران، وتم بيعها.
واستغرق الأمر نحو شهر حتى سمح المحققون لـ "استوي"، بعد إضرابه عن الطعام، باتخاذ خطوات لوقف المعاملات.
وخلال هذه الفترة، تم تداول نحو مليارين و410 ملايين "توكن "BRG، وتمكن استوي من إيقاف نحو ثلاثة مليارات و750 مليون وحدة توكن.
وقد تم تأكيد هذه التحركات في تقرير خبير قضائي رسمي أُعِد بُناءً على طلب القاضي المسؤول عن القضية، ووصلت نسخة منه إلى "إيران إنترناشيونال".
وخلال هذه الفترة، كان المحققون في استخبارات الحرس الثوري يتظاهرون بعدم علمهم بما يحدث، وكانوا يدّعون أنهم يحاولون مساعدة استوي لاستعادة "التوكنات" المسروقة وإعادة أموال الشاكين.
وفي النهاية، سمح المحقق في القضية، ويُدعى نريماني، لـ "استوي"، في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال، بالذهاب تحت الحراسة إلى مكتبه، وإعادة فتح مكتب "كريبتولند" لتتمكن الشركة من إعادة أموال المستثمرين. وبعد ثلاثة أشهر، وتحديدًا في فبراير (شباط) 2022، تم إطلاق سراح استوي بكفالة قدرها 136 مليار تومان.
شاهرخ.. محمد أم مراد؟
منذ إطلاق سراح استوي وحتى كشف دور محققي الحرس الثوري في السرقة الكبرى من أموال الناس، مر 19 يومًا.
في 3 مارس (آذار) من العام نفسه، أرسل شخص يُدعى شاهرخ رسالة عبر "واتساب" إلى استوي، مدعيًا أن مواطنًا تركيًا يُدعى مراد بيكر يمتلك محفظة "التوكن" المسروقة، ويرغب في الاتصال به بخصوص 4 مليارات وحدة من "توكن BRG"، وأنه لديه فقط 40 دقيقة للرد. وأرفق رسالة باللغة التركية تدعّم ادعاءه.
وفي رسالة أخرى، قال شاهرخ إن الشخص الذي يمتلك "التوكنات" سيقوم بعملية تحويل في وقت معين لإثبات أنه هو من يمتلكها.
وادعى الشخص، الذي عرّف نفسه بشاهرخ، لاحقًا في المحكمة أنه اشترى هذه "التوكنات" في نوفمبر من العام السابق مقابل 250 ألف تتر، ما يعادل 7 مليارات تومان.
وطلب استوي من شاهرخ إثبات هويته عبر مكالمة صوتية ومرئية. خلال تلك المكالمة، أخبره شاهرخ أن اسمه الحقيقي محمد، وأنه يعمل ضابط ًافي الشؤون الاقتصادية في منظمة استخبارات الحرس الثوري.
وتشير الوثائق إلى أن اسمه الحقيقي هو بهنام حاجي بور خیره مسجدی، وُلد في 24 يونيو (حزيران) 1982 في تبريز. ووفقًا لوثيقة صادرة عن السلطة القضائية حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، اعترف في دفاعه بأنه ضابط رفيع المستوى في منظمة استخبارات الحرس الثوري.
وخلال المكالمة، كشف حاجي بور عن وجهه، ثم حاول كسب ثقة استوي عبر فيديو مباشر من داخل مبنى منظمة استخبارات الحرس الثوري. وقال إن لديه طريقًا للوصول إلى ملفه وقرر مساعدته.
في آخر خطوة لكسب الثقة، أرسل حاجي بور فيديو من ساحة مبنى استخبارات الحرس الثوري؛ حيث قال ساخرًا: "هذا المعدة الجائعة.. ماذا أفعل؟ هل آكل الطعام أم آتي إليك؟".
وذكر أرقامًا مختلفة من جانب مراد كقيمة للصفقة، تراوحت من ثلاثة ملايين دولار إلى مليون ونصف المليون دولار.
بعد أن تأكد استوي أن الطرف الآخر هو محقق من استخبارات الحرس الثوري، تواصل مع محقق آخر كان هو الوسيط بينه وبين القاضي المسؤول عن القضية، وروى له القصة وأظهر له الوثائق.
وأخبر استوي المحقق الوسيط بأنه قد أخبر عدة أشخاص بالقصة وشاركهم الوثائق والفيديوهات، ولذلك إذا حدث له شيء، ستُنشر الوثائق.
ورد المحقق الوسيط قائلاً إنه لا يعرف حاجي بور، وطالب استوي بتحديد موعد معه، كما طلب منه أن يأخذ بطاقة هويته العسكرية من الحرس الثوري، ويتذكر الرقم المكتوب عليها.
تم تحديد موعد اللقاء في مطعم "تن فوراور"، في الطابق التاسع من برج "روما سنتر" في منطقة كامرانية الشمالية.
وفي هذا اللقاء، أخبر استوي المحقق الوسيط بأنه يشك في مهدی بادی، أحد المحققين الذين يتعاملون معه؛ لأن جميع المعلومات المتعلقة بالمحافظ كانت في حوزته منذ البداية.
ورد حاجي بور قائلاً: "لا، هم ليسوا على دراية كافية. أنا العالم هنا. لقد فحصت محفظة مهدي بادي. ليس لديه أكثر من 100 ألف دولار. كل ما يملك هو 100 ألف دولار".
وفي النهاية، أظهر حاجي بور له بطاقته: "هذه البطاقة الخاصة بـ PVC. هذه هي بطاقتي الحقيقية. لا تحتوي على شيء سوى كود واحد، هذا الكود هو الذي يفعل كل شيء".
وشاهد استوي الكود الخاص به واحتفظ به، ثم قدمه إلى المحقق الوسيط.
صراع القوى في استخبارات الحرس الثوري و"إدارة الحماية"
بعد يومين من ذلك، قام محقق رابط استوي بترتيب لقاء مع أحد الضباط الكبار في مبنى إدارة الحماية في الحرس الثوري؛ حيث التقى استوي مع أمير حسين صداقت، الضابط المولود في مدينة ري.
وقال صداقت إنه سيتعامل مع القضية من أجل الحفاظ على النظام، لكنه في لحظة مغادرة اللقاء، أشار إلى استوي وطلب منه العودة بمفرده؛ حيث عاد استوي بحجة استخدام هاتفه.
وأخبره صداقت بأن "حاج محمد" يريد ضرب هذه الشبكة، لذا طلب منه التواصل معه مباشرة دون وساطة المحقق الرابط.
وفي تلك المرحلة، كان حسين طائب، رئيس استخبارات الحرس الثوري في ذلك الوقت، تحت ضغط، بسبب سلسلة من الاغتيالات طالت عناصر الحرس الثوري خارج إيران، بالإضافة إلى كشف الدور الكبير للمسؤولين الكبار بهذا الجهاز في قضايا المتهمين بالفساد الاقتصادي.
وفي الوقت نفسه، كان هناك صراع غير خفي بين إدارة الحماية في الحرس الثوري واستخبارات الحرس الثوري، خاصة إذا علمنا أنه بعد أربعة أشهر، تم استبدال حسين طائب بـ "حاج محمد" محمد كاظمي، رئيس إدارة الحماية في الحرس الثوري، ومِن ثمّ فإن هذا النزاع على السلطة أخذ معنى مختلفًا.
كان بهنام حاجي بور وشركاؤه لاعبين جيدين في هذا السيناريو.
ليلة الأربعاء الأخيرة.. دولارات مشفرة ورغبة في "ماء الفراولة"
في ليلة الأربعاء الأخيرة، 15 مارس عام 2022، تسلم استوي 10 آلاف دولار من ضباط إدارة الحماية في الحرس الثوري. وسُجلت أرقام هذه الدولارات مسبقًا لتقديمها كرشوة إلى حاجي بور في معاملة مع شخص وهمي يُدعى مراد، الذي كان في الحقيقة هو نفسه.
وذهب استوي إلى المكان المتفق عليه من قِبل إدارة الحماية في الحرس الثوري، وهو أحد فرعي مطعم "الريعان اللبناني" بالقرب من تقاطع شارع تبريزي في منطقة نياوران. وكان حاجي بور نفسه أحد المستثمرين في كلا الفرعين من المطعم.
وقام الضباط بزرع ميكروفون في سترة استوي، ووضعوا كاميرا في "باور بانك" هاتفه المحمول.
وكان من المقرر أن يعطي حاجي بور، بعد استلام المال، الـ "private keys" للمحفظتين اللتين تحتويان على أكثر من 3 مليارات و700 مليون وحدة من "توكن BRG" إلى استوي. وعند استلام الـ "private keys"، كان من المفترض أن يقول "استوي" جملة رمزية: "هل يوجد هنا ماء فراولة؟".
بعد ثوانٍ، دخل الضباط، وقاموا باعتقال حاجي بور ومنعوه من مسح المحفظتين من هاتفه.
وحسب الوثيقة الخاصة بالخبير القضائي، تم نقل حاجي بور إلى سجن 66 التابع للحرس الثوري، وهو مركز احتجاز خاص بالعاملين في هذه المؤسسة الواقع خلف استاد تختي في شرق طهران.
محققو الحرس الثوري يسرقون 21 مليون دولار من "كريبتولند"
أكد خبير قضائي، في تقرير قدمه للمحكمة، حادثة مطعم "الريعان"، وقضية المحفظتين، واعتقال حاجي بور على يد إدارة الحماية في الحرس الثوري.
وأفاد هذا الخبير القضائي للمحكمة بأن المحفظتين اللتين تحتويان على عملات BRG الرقمية كانت موجودة في هاتف حاجي بور، وأنهما تعودان إليه.
وقد تم تأكيد أن المحفظتين كانتا تحتويان على ثلاث مليارات و742 مليون و100 ألف وحدة من "توكن "BRG، ومِن ثمّ فإن مراد بيكر، التاجر التركي، هو شخصية وهمية اخترعها هذا المحقق الكبير في الحرس الثوري.
كما قدم الخبير القضائي تفاصيل بيع العملات الرقمية من محفظة حاجي بور إلى محفظات المشترين، وفي النهاية، تم تأكيد أنه قد تم بيع مليارين و410 ملايين و700 ألف توكن من "BRG".
ما قيمة هذه "التوكنات"؟
وفقًا للمعلومات الموجودة على موقع "CoinMarketCap"، الذي يسجل أسعار العملات الرقمية يوميًا، كان سعر "توكن BRG"، قبل يوم من اعتقال استوي، 12 سنتًا، وبعد إعلان خبر اعتقاله، انخفض السعر، ووصل إلى نحو سنت واحد بعد خمسة أيام من اعتقاله.
ويؤكد سند الصفقة لـ 50 ألف وحدة من "توكن "BRG، والتي تمت بعد يومين من اعتقال استوي ويوم واحد بعد سرقة المحفظة، أن السعر كان أعلى.
وإذا افترضنا أن متوسط سعر "التوكنات" المسروقة تم حسابه بناءً على السعر المنخفض بعد خمسة أيام، فقد باع حاجي بور أكثر من 2 مليار و400 مليون توكن بنحو 21 مليونًا و700 ألف دولار.
لكن بعد أن توقف استوي عن بيع "التوكنات" من داخل السجن، وفقًا لما ذكره الخبير القضائي، كانت أكثر من 3 مليارات و700 مليون توكن لا تزال موجودة في محفظات حاجي بور. وكان في الواقع يعتزم بيع هذه التوكنات لنفسه باستخدام هوية مزورة باسم مراد بيكر.
بهنام حاجي بور.. عضو في شبكة فساد كبرى داخل استخبارات الحرس الثوري وفقًا للبيانات، في الوقت الذي جرت فيه عملية السرقة وبيع "التوكنات"، كان الدولار الأميركي في إيران يُتداول بنحو 28,400 تومان، مما يعني أن العائدات، التي حصدها المحقق الكبير في الحرس الثوري من بيع التوكنات المسروقة تُقدر بنحو 616 مليار تومان، وهو ما يعادل أكثر من 2235 مليار تومان، حسب سعر الدولار الحالي.
وخلال الاستجواب، استمر حاجي بور في إنكار تورطه في سرقة التوكنات، مدعيًا أنه اشتراها من مراد بيكر. وفي أحد الملفات الصوتية التي حصلت عليها "إيران إنترناشيونال" من جلسة استجواب، أكد المحقق نريماني انتماء حاجي بور إلى الحرس الثوري.
وتشير تقييمات نريماني إلى أن هذا الملف كان يُتابع لصالح إدارة الحماية في الحرس الثوري وبالتوازي ضد جهاز المخابرات نفسه، مما يشير إلى صراع كبير بين الجهتين؛ حيث قال: "أنت لا تدرك حساسية هذه القضية. رئيس السلطة القضائية يتابع قضيتك شخصيًا".
وفي هذه الجلسة، تم ذكر مبلغ 60 مليار تومان، وهو مبلغ أقل بكثير من الـ 616 مليار تومان المزعومة. وفقًا لوثيقة من المحكمة حصلت عليها "إيران إنترناشيونال"، كانت ممتلكات حاجي بور قبل السرقة تُقدر بمليون تومان، ولكن خلال أربعة أشهر فقط بعد السرقة، ارتفعت إلى 60 مليار تومان.
وتشمل الممتلكات، التي اشتراها حاجي بور: • شقة في مشروع شهيد خرازي التابع للحرس الثوري. • منزل في رباط كريم قرب طهران • شقة في مدينة كلستان شمالي إيران • شقة في شارع سهروردي بطهران • سيارات مثل "ساندرو"، "كويك"، "مزدا". • قطعة أرض بمساحة 132 مترًا. • كيلو و99 غرامًا من الذهب والمجوهرات. • استثمار في فرعين لمطعم "الريعان" في نياوران وطهران بارس.
مهدي بادي.. وتلقي الرشى من كبار الفاسدين
يتضح من خلال الوثائق، أن حاجي بور لم يكن الوحيد المتورط في السرقة، بل كان جزءًا من شبكة واسعة من المحققين الكبار في الحرس الثوري.
والمتهم الثاني في هذه القضية هو مهدي بادي، الذي يُعرف باسم دكتور عبادي، وهو من كبار المحققين في الحرس الثوري، وله تاريخ طويل في قضايا فساد اقتصادي. كان بادي، الذي هو ابن شقيق علي أکبر حسيني محراب (الذي كان في وقت ما نائبًا في الحرس الثوري)، يتعاون مع حاجي بور في عمليات فساد كبرى.
وكشفت الوثائق عن أن بادي تلقى رشوة بمئات الآلاف من الدولارات من شخصيات بارزة مثل رسُول دانيال زاده، الذي يُعتبر "سلطان الحديد" في إيران، وكذلك من إسماعيل خلیل زاده، رئيس نادي استقلال طهران السابق، فضلاً عن تلقيه رشى من هادي درويش وند، صاحب مصفاة كرمانشاه.
كما كشفت الوثائق أيضًا أن مهدي بادي ورفاقه، مثل مجید جهان برتو ومجید طباطبایي، كانوا جزءًا من شبكة الفساد نفسها، التي ساعدت في تزييف المستندات.
وبعد تسريب هذه الوثائق وتورط العديد من الأشخاص في هذا الفساد الضخم، حُكم على سینا استوی بـ 15 سنة سجنًا، بينما تم رفض اعتراض حاجي بور ضد الحكم في سبتمبر 2021. وهرب استوی من البلاد تحت ضغط المحققين، الذين سرقوا أموال الضحايا.
وبعد ثلاثة أشهر من اعتقال حاجي بور، أُقيل حسين طائب من رئاسة الحرس الثوري الإيراني وتم تعيين محمد كاظمي خلفًا له. وتم دفع مطالبات نصف المودعين في هذه القضية، والتي بلغت 14 مليون دولار، من حساب سينا استوي، بينما كان في السجن. ومع ذلك، لا يزال نحو 25 ألف شخص يطالبون باسترداد أموالهم، وهي الأموال التي استولى عليها بهنام حاجي بور، ومهدي بادي، وأعضاء الشبكة، دون أن يعيدوها.
كتبت مجلة "فورين بوليسي" في مقال تحليلي أن المؤيدين الأيديولوجيين المخلصين للمرشد الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري يتخلون تدريجيًا عن النظام بسبب ما يصفونه بـ"الخيانة" لمبادئهم، وبالتالي يواجه النظام انقسامات متزايدة تشبه الانهيار التدريجي لنظام بشار الأسد في سوريا.
وأشار المقال إلى أن نظام طهران، بعد 46 عامًا من تأسيسه، يواجه لأول مرة السؤال التالي: هل ستظل "النواة الصلبة" من أنصاره، الذين يشكلون جنود جهاز القمع، تدافع عنه دون تردد إذا اندلعت احتجاجات جديدة في إيران؟
ووفقًا لكتّاب المقال، فإن أسئلة من هذا النوع أثارت الذعر بين النخبة الحاكمة في النظام الإيراني، لأنهم يدركون جيدًا أن هذا الشعور بالإحباط، وفي نهاية المطاف التخلي عن قوات القمع التابعة لديكتاتورية الأسد، هو ما أدى إلى انهيار نظام البعث في سوريا.
فقدان الشرعية التدريجي
على مدى أكثر من أربعة عقود، اعتمد النظام الإيراني على فئات اجتماعية مختلفة للحفاظ على سلطته. فمنذ ثورة 1979، التي حظيت بدعم كبير من مختلف الشرائح، وحتى اليوم، فقدت السلطة الحاكمة تدريجيًا دعم جميع الفئات التي كانت تدّعي يومًا تمثيلها تقريبًا.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه خلال العقد الأول من الثورة، بدأ النظام الإيراني يفقد دعم الطبقة الاجتماعية الحديثة في إيران بسبب تطبيقه سياسات إسلامية صارمة.
كما منحت الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، سلطات غير مسبوقة للقضاء على القوى العلمانية التي ساهمت في الإطاحة بحكومة الشاه.
بدأت التغيرات الكبرى في المجتمع الإيراني خلال العقد الثاني من الثورة. أدى الإرهاق من الحرب ونمو السكان الشباب في إيران إلى ظهور اتجاه جديد للعلمانية والليبرالية بين الطبقات الوسطى في إيران، وفي المقابل، إلى قمع شديد من قبل النظام.
بلغ هذا القمع ذروته في عام 2009 مع التزوير في الانتخابات الرئاسية والتعامل القاسي مع الاحتجاجات اللاحقة، ما أدى إلى فقدان النظام دعم الطبقة الوسطى بالكامل.
ثم جاءت المشكلات الاقتصادية بعد حوالي عقد من الزمن، والتي أدت لأول مرة إلى تراجع دعم الطبقات العاملة والريفية للنظام، وهي الطبقة التي كان الخميني يطلق عليها دائمًا "الطبقة المستضعفة"، وكانت تشكل القاعدة التقليدية لمؤيدي النظام.
تفاقمت عدم القدرة على توفير الاحتياجات اليومية للإيرانيين بسبب سوء إدارة النظام، والفساد الحكومي الواسع النطاق، والضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات في الشوارع.
برزت هذه التظاهرات بشكل أكبر في عامي 2017 و2019، حيث تولت الطبقات العاملة الإيرانية في مدن مثل مشهد وقم، التي كان يعتبرها النظام معقلاً له، قيادة الاحتجاجات.
كان القمع الشديد لهذه الاحتجاجات من قبل الحرس الثوري، خاصة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حيث قُتل 1500 شخص في أيام قليلة، المسمار الأخير في نعش نظام الجمهورية الإسلامية، مما دفع الطبقة الدنيا إلى التخلي عن النظام إلى الأبد.
النواة الصلبة
منذ عام 2019، الذي تزامن تقريبًا مع الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، أصبحت قاعدة مؤيدي النظام تعتمد كليًا على حلقة أيديولوجية ضيقة ومتشددة.
تدعم هذه الشريحة الاجتماعية، المعروفة بـ"النواة الصلبة"، النظام لأسباب أيديولوجية إسلامية.
يعتمد دعم هذه "النواة الصلبة" على فرض سياسات إسلامية صارمة داخل البلاد وخارجها، والتي يعتبرونها "العدالة الإسلامية".
تشمل هذه السياسات دائرة واسعة مثل دوريات شرطة الأخلاق في إيران، ودعم "محور المقاومة" والقوات الوكيلة، وسياسة معاداة اليهود وشعار تدمير إسرائيل، والمعارضة الشديدة لأميركا، والسعي لتطوير الأسلحة النووية، وهي العناصر الأساسية لـ"الأيديولوجية الثورية الإسلامية".
على مدى أربعة عقود، شكلت إيران مجتمعًا من "الموالين" لتعزيز هذه القاعدة الصلبة، ووضعتهم في مواجهة الجزء الأكبر من المجتمع الإيراني الذي يُطلق عليه "الغرباء".
يشكل هؤلاء "الموالون" العناصر الأساسية للحكومة والدولة، ويحصلون على دعم مالي، ويعبرون عن التزامهم الأيديولوجي من خلال أفعال مثل المشاركة التطوعية في مسيرات الدعاية للنظام.
كما تعمل قواتهم غير النظامية كحراس للحجاب، وفي الاحتجاجات الشعبية، ينزلون إلى الشوارع لقمع المتظاهرين.
على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد الأفراد الذين يشكلون هذه النواة الصلبة، إلا أن "فورين بوليسي" استندت إلى تقديرات تشير إلى أن هذا المجتمع لا يتجاوز ثمانية ملايين شخص؛ "هذا العدد، الذي يمثل حوالي 10% من سكان إيران، هو على الأرجح نفس الأشخاص الذين تلقوا طواعية لقاح كوفيد-19 الذي أنتجه الحرس الثوري بدلاً من اللقاحات المعتمدة دوليًا".
وفقًا لمسودة قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي اطلعت عليها “إيران إنترناشيونال” والتي من المقرر طرحها للتصويت في غضون نحو عشرة أيام، سيتم تمديد مهمة المقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق المستقلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لمدة عام آخر.
ومن المتوقع أن يتم تمرير هذا القرار بأغلبية أصوات الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، حيث يدين المجلس “الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في إيران” ويدعو طهران إلى إنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم، وضمان تعاون كامل مع المقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران.
وأكد المجلس في قراره أن “الإفلات الهيكلي من العقاب”، الذي يمنحه النظام الإيراني للمسؤولين والمنفذين لعمليات القمع ومرتكبي الجرائم ضد الشعب، يعزز دائرة العنف وينتهك حق الضحايا في العدالة.
صاغت كل من آيسلندا، ألمانيا، مقدونيا الشمالية، جمهورية مولدوفا، المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية نص هذا القرار، وقدمته إلى أمانة مجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة 21 مارس.
ويتوجب على أمانة المجلس تقديم النص إلى بعثات الدول الـ48 الأعضاء، على أن يجري التصويت عليه خلال إحدى الجلسات المقررة يومي الأربعاء 2 أو الخميس 3 أبريل.
يعرب مجلس حقوق الإنسان في قراره عن قلقه إزاء “انتهاك طيف واسع من الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية” في إيران، مع تركيز خاص على القمع الشديد ضد النساء والأقليات العرقية والدينية، إضافة إلى الزيادة المستمرة في تنفيذ أحكام الإعدام.
كما يدين المجلس الاستخدام السياسي لعقوبة الإعدام بهدف نشر الرعب وقمع المعارضين، محذرًا من أن النهج العقابي للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك إصدار أحكام بالإعدام في جرائم “لا ترقى إلى مستوى أخطر الجرائم”، يشكل انتهاكًا جسيمًا للقوانين الدولية.
وبموجب القوانين الدولية، فإن أشد الجرائم التي يمكن أن يُحكم على مرتكبيها بالإعدام هي تلك التي تتضمن القتل العمد.
ووفقًا للقرار، فإن القمع المنهجي لحرية التعبير والتجمعات الاحتجاجية، واستهداف الصحفيين والعاملين في الإعلام، وتقييد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المدنيين، إلى جانب ممارسة العنف والتمييز متعدد الأوجه ضد الأقليات، تعد من أبرز مظاهر الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في إيران.
تمديد مهمة المقرر الخاص لرصد القمع وتقديم تقارير دورية
بموجب هذا القرار، سيتم تمديد مهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران لمدة عام إضافي حتى انعقاد الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان.
ويكلف المقرر الخاص بـ”المراقبة المستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في إيران، وجمع البيانات والوثائق الموثوقة حول الانتهاكات، وتقييم مدى تقدم أو تراجع إيران في تنفيذ التوصيات السابقة”.
ويتعين عليه تقديم تقريرين دوريّين، أحدهما إلى مجلس حقوق الإنسان والآخر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يُطلب من السلطات الإيرانية التعاون الكامل معه وتوفير إمكانية الوصول الميداني لتقييم الأوضاع على الأرض.
تمديد مهمة هيئة تقصي الحقائق وتوسيع نطاق عملها
كما قرر مجلس حقوق الإنسان تمديد مهمة “هيئة تقصي الحقائق الدولية المستقلة”، التي أُنشئت عقب الاحتجاجات الشعبية العام الماضي، لمدة عام آخر.
وبحسب المهام المحددة في القرار، فإن الهيئة مكلفة بـ”توثيق الأدلة والتقارير المتعلقة بقمع الاحتجاجات، بما يشمل التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعرق، والاستخدام المفرط للقوة، والانتهاكات الواسعة ضد المتظاهرين”، مع الاحتفاظ بهذه المعلومات بشكل منظم.
وأشار القرار إلى أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا العمل هو إعداد أدلة لأي ملاحقات قضائية مستقلة مستقبلية، لضمان عدم إفلات الأفراد والجهات المسؤولة من المحاسبة إذا توفرت الظروف القانونية لذلك.
مطالبات مجلس حقوق الإنسان من طهران
يدعو القرار النظام الإيراني إلى تنفيذ عدة إجراءات، من بينها:
• إنهاء الإفلات الهيكلي من العقاب، وإجراء إصلاحات ضرورية في الدستور والقوانين الجنائية والنظام القضائي، لوقف دورة العنف والقمع المستمرة.
• إلغاء أو تعديل قوانين وسياسات الحجاب الإلزامي وأي شكل من أشكال التمييز والعنف المنهجي ضد النساء والأقليات.
• ضمان محاكمات عادلة، والتأكد من عدم إصدار أحكام بالإعدام في قضايا لا ترتقي إلى مستوى “أشد الجرائم خطورة”، مع ضمان استقلالية القضاء ونزاهة القضاة.
• إنهاء القيود المشددة المفروضة على المجتمع المدني، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنقابيين، وضمان حرية الوصول إلى الإنترنت والحق في التجمع السلمي، إضافة إلى الإفراج عن جميع المعتقلين بسبب أنشطتهم السلمية.
• السماح للمقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بدخول إيران والاطلاع على الوثائق والمشتبه بهم، وفقًا لما ورد في الدعوات الرسمية التي وجهتها طهران سابقًا إلى الهيئات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة.
تحت وطأة القيود الدينية، التي تفرضها سلطات النظام الحاكم في إيران، يتغير المشهد تمامًا مع حلول الليل على العاصمة طهران، التي تتحول إلى عالم خفي مليء بالموسيقى الصاخبة، والرقص، وتتصادم كؤوس المشروبات، ويصنع الشباب الإيرانيون نوعًا خاصًا من الحرية.
يبدأ الأمر برسالة نصية على وسائل التواصل الاجتماعي من مقهى معروف: "إيداع بضعة ملايين من الريالات، ووعد بليلة لا مثيل لها في العاصمة الإيرانية طهران".
يقول مدير المقهى: "عليك دفع بعض المال مقدمًا وحجز مكانك".
"كم المبلغ؟"
"خمسة عشر مليون ريال (نحو 17 دولارًا). سيتم خصمها من فاتورتك في النهاية. كما نطلب سبعة ملايين ريال (8 دولارات تقريبًا) من كل شخص مقابل الخدمة الخاصة".
الخدمة الخاصة. عبارة غامضة ولكنها مغرية، تعني عروض "الدي جي"، والألعاب النارية، والأهم من ذلك، مساحة بلا قيود على الرقص، والشرب، أو الاختلاط بين الجنسين.
مدينة ذات وجهين
خلال النهار، تتردد أصداء النقاشات في برلمان طهران؛ حيث يدفع المتشددون الملتحون نحو تشديد قوانين الحجاب، وتمسح كاميرات الشرطة الشوارع، وتغرّم النساء، اللواتي تجرأن على القيادة دون غطاء رأس، تلقائيًا. ولكن مع حلول الليل، تتشكل حقيقة مختلفة في زوايا معينة من المدينة.
تبدأ ليلتنا بالشراء، وعلى الرغم من أن الكحول محظور في إيران، فإن شبكة سرية تضمن توفر كل شيء من "ويسكي شيفاز" إلى "عرق سكي" (فودكا إيراني محلي الصنع) بسعر معين.
يقول فريد، جهة الاتصال لدينا: "أعرض ويسكي أصليًا معبأً في الخارج بسعر يصل إلى 150 مليون ريال (نحو 170 دولارًا)، وفودكا مهربة إلى إيران بنصف هذا السعر. أو يمكنك أخذ عرق سكي محلي الصنع".
أضحك وأسأل: "هل أنت متأكد أننا لن نُصاب بالعمى؟".
يرد: "يا أخي، أنا لست نصابًا. اشترِ جهاز فحص الإيثانول عبر الإنترنت واختبره بنفسك".
تُلقى زجاجة داخل "كيس بلاستيك" إلى سيارتنا من دراجة نارية عابرة. لا كلمات، لا تبادل. الصفقة تمت مقابل 500 ألف ريال (نحو نصف دولار).
النادي خلف الأبواب المغلقة
كان الموقع في سعادت آباد، وهو أحد الأحياء الشمالية الراقية في طهران. نصل لنجد بابًا عاديًا دون أي علامة على النشاط. لا جرس، فقط مدخل يحمل اسم المقهى أو المطعم. ثم يظهر حارس من خلف شجرة، ويفتح الطريق إلى عالم خفي.
ويجلس 300 إلى 400 شخص جنبًا إلى جنب، في الداخل. الهواء مشبع بالموسيقى، والضحك، وصرير الكؤوس. تقريبًا كل طاولة تحتوي على زجاجات- تبدو كأنها مياه معدنية- تُسكب بحذر في المشروبات الغازية.
ويأخذ "الدي جي" الميكروفون: "أتمنى أن يأتي اليوم الذي تنتظرونه قريبًا". ينفجر المكان بالهتافات، الجميع يعرف بالضبط ما يعنيه.
وتُعزف أغنية مخصصة لقتلى احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، ويتحول الجو إلى تحدٍ، لا ينكسر.
كمما أن إجراءات الأمان مشددة؛ حيث يجول حارسان ذوا بنية قوية في الصالة الكبيرة بأشعة ليزر، يسلطانها على أي شخص يجرؤ على الوقوف. ويعلن "دي جي" آخر: "ممنوع الرقص حتى الواحدة صباحًا".
على طاولتنا، نطلب السلطات والأطباق الجانبية والمشروبات الغازية. أضيف قليلًا من "عرق سكي". يرفع الزوجان على الطاولة المجاورة كأسيهما مبتسمين.
تمر الساعات في ضباب من الموسيقى، والنخب الهادئة، ولحظات سرقة الفرح العابرة، ثم في الواحدة صباحًا، تنطفئ الأضواء.
بداية الرقص
يهز صوت الجهير الأرض، وتومض الأضواء الوامضة. وفجأة، يقف الجميع. فتيات بفساتين ضيقة، رجال بقمصان مصممة، يتحركون، يهزون، يحتفلون بليلة لا ينبغي أن تكون موجودة.
يُحذّر "الدي جي": "ممنوع التصوير. إذا أردتم أن نستضيفكم مرة أخرى، أبقوا هواتفكم منخفضة. فيديو واحد يمكن أن يغلق هذا المكان".
ويميل رجل بجانبي، يرفع صوته فوق الموسيقى: "عدت للتو من إيطاليا، حتى هناك، لا تجد نوادي تعمل حتى هذا الوقت المتأخر".
ويتصفح ضيف آخر "إنستغرام"، ويظهر لنا صفحات مقاهٍ مماثلة تقيم حفلات في مناطق: فرشته وأندرزغو واقدسية بطهران، كل منها يعد بالرفاهية، والسرية، والحرية.
وبحلول الثالثة والنصف صباحًا، نخرج مترنحين، نشعر بنشوة أكثر من مجرد الكحول. الفاتورة؟ خمسة وستون مليون ريال إيراني (نحو 75 دولارًا) مقابل سلطة دجاج، ومشروبات غازية مخلوطة بـ "فودكا فريد"، وشطيرتي لحم بقري. ولكن التكلفة غير مهمة.
تقول صديقتي، بينما نقود للعودة إلى المنزل: "لنفعل هذا مرة أخرى الأسبوع المقبل. إنه مكلف، لكنه أرخص من عطلة نهاية الأسبوع في دبي أو إسطنبول".
إنها محقة. وأنا أفكر في السنوات التي أضعناها في الخوف، في الصمت، أندم على عدم دخول هذا العالم من قبل.
هذه هي طهران، المدينة، التي يتم فيها اضطهاد النساء ومضايقتهن نهارًا، بسبب الحجاب الإجباري، ولكنهن يرقصن ليلاً في صالات خفية، يستعدن الحرية التي يرفضن التخلي عنها.
بدأت إيران عامها المالي الجديد، في 20 مارس (آذار) الجاري، وسط أزمات اقتصادية ونقص متزايد في الطاقة، وهو ما اعترف به مسؤولو النظام الإيراني، الذين أقرّوا بأن الأوضاع من المرجح أن تتفاقم هذا العام.
وفي الوقت نفسه، أدت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإحياء سياسة "الضغط الأقصى"، من قِبل الإدارة الأميركية، إلى تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني.
وفي حين أعلن البنك المركزي أن معدل التضخم السنوي بلغ 45 في المائة الشهر الماضي، تشير وسائل الإعلام المحلية إلى أن الزيادات الفعلية في الأسعار أعلى بكثير؛ حيث تضاعفت أسعار الغذاء والدواء والسلع الأساسية الأخرى تقريبًا.
وعلاوة على ذلك، انتهى العام المالي بارتفاع الدولار الأميركي إلى ما يقرب من مليون ريال إيراني، مما يمثل زيادة بنسبة 65 في المائة منذ بداية العام الماضي، وقد تسارع انخفاض قيمة الريال بشكل حاد في الأيام الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، تكشف بيانات البنك المركزي الإيراني أن الاحتياطيات الأجنبية لإيران تنضب بسرعة؛ حيث انخفضت إلى ربع مستواها في مارس 2024 وعُشر مستواها في مارس 2023 فقط.
وضع التجارة الخارجية لإيران
تظهر أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي الإيراني أن أزمة إيرادات النقد الأجنبي في إيران، قد استمرت في النصف الأول من العام المالي الحالي، الذي بدأ في 20 مارس 2024. ولم يتم الإعلان عن أي بيانات بعد للنصف الثاني من العام نفسه.
وخلال هذه الفترة، سجلت إيران فائضًا تجاريًا إجماليًا قدره 11.5 مليار دولار، بما في ذلك النفط والسلع والخدمات. ومع ذلك، شهدت البلاد أيضًا هروب رؤوس الأموال بقيمة إجمالية بلغت 12.5 مليار دولار.
ونتيجة لذلك، تحول الرصيد الصافي لتدفقات النقد الأجنبي والخروج منها- بما في ذلك السبائك الذهبية- إلى سالب.
ونظرًا للانخفاض الحاد في صادرات إيران النفطية إلى الصين منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فمن المتوقع أن تتفاقم الأوضاع سوءًا، خاصة أن النفط ومنتجاته البترولية والغاز الطبيعي تمثل أكثر من نصف إجمالي صادرات البلاد.
وعلى مدار الأشهر الـ 11 الأولى، استوردت إيران نحو 93 طنًا من السبائك الذهبية بقيمة 7.3 مليار دولار مقابل صادراتها النفطية والسلعية؛ أي ثلاثة أضعاف الكمية المستوردة في العام السابق. وقد تم شراء أكثر من 55 في المائة من هذا الذهب من تركيا.
وفي الواقع، تمت مقايضة نحو 13 في المائة من إجمالي صادرات إيران النفطية وغير النفطية بالذهب، بدلاً من النقد الأجنبي. وهذا يسلط الضوء على عجز الحكومة عن تحصيل مدفوعات الصادرات من السلع والنفط وتحويل النقد الأجنبي إلى البلاد، بسبب العقوبات المصرفية الأميركية. ونتيجة لذلك، تواجه إيران نقصًا حادًا في الاحتياطيات الأجنبية.
أزمة الديون الحكومية
تظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي الإيراني أن ديون الحكومة للنظام المصرفي ارتفعت بنسبة 41 في المائة خلال العام المالي الحالي. ولتغطية عجز الميزانية المتزايد، اعتمدت الحكومة بشكل كبير على الاقتراض من البنوك المحلية، والاستفادة من صندوق التنمية الوطني، وإصدار السندات.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فقد تجاوز إجمالي ديون الحكومة الإيرانية الآن 120 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث اقتصاد البلاد تقريبًا. في المقابل، يبلغ إجمالي الديون الخارجية لإيران، بما في ذلك الالتزامات الحكومية وغير الحكومية، أقل من 10 مليارات دولار- أي 2 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي- مما يؤكد العزلة المالية الشديدة للبلاد، وتردد المؤسسات الدولية في تمويل المشاريع الإيرانية.
وقبل عقدين من الزمن، أي قبل فرض العقوبات الثقيلة، كانت الديون الخارجية لإيران تمثل أكثر من 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة بشكل كبير بالاستثمارات الأجنبية في مشاريع النفط والغاز. اليوم، أدى الاعتماد المتزايد للحكومة على الاقتراض المحلي إلى زيادة حادة في السيولة، مما زاد من تفاقم التضخم، فقد ارتفعت السيولة في إيران بنسبة 28 في المائة خلال العام الماضي وحده.
الفقر والطاقة وأزمة المياه
دفعت الأزمة الاقتصادية المزيد من الإيرانيين إلى براثن الفقر؛ إذ تشير التقارير الرسمية إلى أن ثلث المواطنين يعيشون في فقر مدقع. ومع ذلك، وفقًا لمعايير البنك الدولي للفقر العالمي، فإن نحو 80 في المائة من الأسر الإيرانية تكسب أقل من 600 دولار شهريًا، وتقع تحت خط الفقر.
ولأول مرة، تشهد إيران نقصًا في الكهرباء والغاز على مدار جميع الفصول؛ فخلال ذروة الطلب الصيفي في عام 2024، وصل نقص الكهرباء إلى 20 في المائة، بينما ارتفع نقص الغاز في الشتاء إلى 25 في المائة. وحذر المسؤولون من أن نقص الطاقة قد يزداد سوءًا بنسبة 5 في المائة على الأقل في العام المالي المقبل.
وتظهر التقارير أنه منذ صيف 2024، أجبرت اضطرابات الطاقة 30-40 في المائة من المؤسسات الصناعية الإيرانية على الإغلاق. في الوقت نفسه، تواجه البلاد نقصًا متزايدًا في البنزين والديزل منذ عام 2023. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا العجز بسرعة، دون مشاريع تكرير جديدة.
وفي الوقت نفسه، وصلت أزمة المياه في إيران إلى مرحلة حرجة. يُقال إن الخزانات الرئيسة في طهران تعمل بنسبة 7 في المائة فقط من طاقتها، وحذر المسؤولون من نقص حاد في المياه بحلول صيف 2025.