وأشار البيان، الذي صدر يوم الأحد 17 أغسطس (آب)، وأثار ردود فعل سلبية من جانب المتشددين في النظام الإيراني، إلى نتائج الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، وجاء فيه: "إن تداعيات الحرب، إلى جانب التضخم الجامح، والركود الإنتاجي، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وهروب رؤوس الأموال، جعلت خطر الشلل الاقتصادي أكثر وضوحًا من أي وقت مضى".
ودعت الجبهة، في بيانها، إلى إبداء الاستعداد لتعليق تخصيب اليورانيوم طوعًا، وقبول رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل الرفع الكامل للعقوبات، معتبرةً أن هذه الخطوة تمهيد لبداية مفاوضات شاملة ومباشرة مع الولايات المتحدة وتطبيع العلاقات معها.
كما دعت الجبهة جميع "القوى السياسية الوطنية المدافعة عن النهج الإصلاحي السلمي، سواء في الداخل أو الخارج، وكل مؤسسات اتخاذ القرار الداعمة لحقوق الشعب" إلى "الالتقاء حول محور المصالح الوطنية بدلاً من الاستمرار في خطوط التمايز المصطنعة وغير المجدية".
وكان كل من الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، ومهدي كروبي، أحد قادة "الحركة الخضراء" المعارضة، قد حذّرا في تصريحات سابقة من خطر اندلاع حرب جديدة، منتقدين سياسات النظام الإيراني وداعين إلى مراجعتها.
فقد انتقد مهدي كروبي السياسات الحاكمة ومنها البرنامج النووي، قائلاً إن هذا المسار قاد البلاد إلى "حافة الهاوية"، ودعا إلى "العودة للشعب وإصلاحات هيكلية". أما روحاني فاعتبر خفض التوتر مع أميركا "ضرورة واجبة" وأكد صياغة استراتيجية وطنية جديدة.
وقال كروبي، يوم الخميس 14 أغسطس الحاري: "من أجل بقاء إيران، وقبل أن يفوت الأوان، على الحكّام أن يعودوا إلى الشعب ويمهّدوا لإصلاحات هيكلية تستند إلى إرادة الأمة".
وبدوره، دعا الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، يوم الأربعاء 13 أغسطس الجاري، خلال اجتماع مع مستشاريه إلى صياغة وإكمال "استراتيجية وطنية جديدة" تقوم على مطالب الشعب وتركّز على تنمية وعظمة إيران، محذرًا من أن تجاهل هذه الخطوات قد يعرّض البلاد مجددًا لخطر الحرب.
وتتكوّن جبهة الإصلاحات من 27 تشكيلاً إصلاحيًا مؤيدًا للنظام الإيراني، وقد اعتبرت في بيانها الصادر، يوم الأحد 17 أغسطس، أن تهديد تفعيل "آلية الزناد" من قِبل الدول الأوروبية الثلاث أمر واقعي جدًا، مؤكدة أن عودة الملف النووي الإيراني إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سيعيد عقوبات المنظمة ويُدخل البلاد في ركود أعمق من تداعيات الحرب الأخيرة.
وكانت دول "الترويكا" الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) قد وجّهت، في 12 أغسطس الجاري، رسالة رسمية إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، حذّرت فيها من أنها ستفعّل آلية الزناد، إذا لم تعد إيران إلى طاولة المفاوضات، وهو ما سيؤدي إلى إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن. وأكدت الدول الثلاث أنها منحت طهران مهلة حتى نهاية الشهر الجاري لتفادي ذلك.
وأكدت جبهة الإصلاحات، في بيانها، أن الإبقاء على الوضع الراهن بظل هدنة هشة ومستقبل غامض، أو تكرار الأسلوب التكتيكي المتبع طوال الأعوام الـ 22 الماضية لشراء الوقت، أمر غير مقبول. وشدّدت في المقابل على أن "السبيل الوحيد لإنقاذ إيران هو الاختيار الشجاع للمصالحة الوطنية ووقف العداء داخليًا وخارجيًا، بهدف إصلاح هيكل الحكم والعودة إلى مبدأ سيادة الشعب عبر انتخابات حرة وإلغاء الرقابة التصحيحية، ومن جهة أخرى إنهاء التوتر والعزلة الدولية".
11 مطلبًا قديمًا بلا استجابة
طرحت الجبهة، في إطار ما سمّته "تحقيق المصالحة الوطنية ووقف العداء داخليًا وخارجيًا"، 11 مطلبًا كخريطة طريق عاجلة وعملية للإصلاحات الهيكلية في المجالين الداخلي والخارجي.
وفي البند الأول من مطالبها، دعت إلى "إعلان عفو عام، ورفع الإقامة الجبرية عن زعيم الحركة الخضراء، مير حسين موسوي وزوجته زهرا رهنورد، وإنهاء القيود المفروضة على الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، والإفراج عن جميع السجناء السياسيين وسجناء الرأي والنشطاء المدنيين، ووقف قمع المنتقدين الإصلاحيين، بهدف إعادة بناء الثقة الوطنية ورأب الصدع بين الشعب والسلطة".
كما طالبت الجبهة بتغيير خطاب الحكم نحو التنمية الوطنية القائمة على رفاه وكرامة المواطنين، بدلاً من أولوية النزاعات الأيديولوجية، وبحلّ المؤسسات الموازية، وإحداث تغييرات جوهرية في المؤسسات المعيّنة ونهجها، وإنهاء ازدواجية القرار، وإعادة الصلاحيات للحكومة، ومنع تدخل المجالس فوق الدستورية وغير الشفافة وغير الخاضعة للمساءلة في إدارة البلاد، مؤكدة ضرورة عودة القوات المسلحة إلى ثكناتها وخروجها من مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.
وشملت المطالب أيضًا إنهاء النظرة الأمنية إلى المجتمع، وإلغاء التمييز بين المقرّبين من النظام وباقي المواطنين، وإصلاح إدارة وهيكلة هيئة الإذاعة والتلفزيون، وضمان حرية الإعلام، ورفع الرقابة، وتعديل القوانين المتعلقة بحقوق المرأة.
وفي المجال الاقتصادي، دعت الجبهة إلى "إخراج الاقتصاد الوطني من يد الأوليغارشية الحاكمة، وخلق فرص اقتصادية متساوية لجميع المواطنين، وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي".
أما على صعيد السياسة الخارجية، فقد شدّدت على "إصلاح السياسات الخارجية على أساس المصالحة الوطنية والتضامن بين جميع الإيرانيين في الداخل والخارج"، وعلى "التقارب الإقليمي لإرساء سلام دائم واستغلال فرص التعاون مع دول الجوار".
انتقادات حادة من الأصوليين
أثار نشر بيان جبهة الإصلاحات انتقادات حادة من وسائل الإعلام التابعة للمتشددين الأصوليين داخل النظام الإيراني.
فقد خصصت صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، العنوان الرئيس لعددها الصادر يوم الاثنين 18 أغسطس لهذا البيان، وهاجمته قائلة: "نص البيان ومضمونه يتماهيان بالكامل مع مصالح جبهة الغرب أي الدول الأوروبية وأميركا وإسرائيل".
وكتبت الصحيفة أن المقولات والمضامين الواردة في بيانات جبهة الإصلاحات التي تصدر مؤخرًا بالجملة، تأتي بشكل غريب في خط المهمة الإسرائيلية وإرادة الدول الغربية، بحيث يمكن اعتبار نصوص هذه البيانات بمثابة "ترجمة لتصريحات نتنياهو".
وأضافت "كيهان" أن "المخطط غير المكتمل لإسرائيل وأميركا الرامي لإسقاط النظام الإيراني مستمر عبر جبهة الغرب المتماهية ورؤوس الفتنة في إيران؛ بحيث يُعوّض فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها خلال الحرب الأخيرة عبر تحركات مدّعي الإصلاح".
وقالت الصحيفة إن جبهة الإصلاحات ركزت في بيانها على "مطالب فئوية غير مشروعة" بدلاً من هموم عامة، مثل رفع الإقامة الجبرية، وتغيير نهج هيئة الإذاعة والتلفزيون، وإصلاح السياسة الخارجية على أساس المصالحة الوطنية.
ومن جانبها، ذكرت وكالة أنباء "فارس"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، أن "نشر بيان الجبهة المسماة بالإصلاحات في إيران، والذي شدّد على ضرورة المصالحة الوطنية، والتعليق الطوعي للتخصيب النووي، وقبول الرقابة الواسعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتفاعل الأكبر مع الغرب والجيران، أثار موجة من الانتقادات بين المحللين".
وبحسب "فارس"، فقد وصف بعض الخبراء البيان، الصادر في ظرف حساس بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا، بأنه "وثيقة خضوع للأعداء الخارجيين"، في حين يعتبره أنصاره الإصلاحيون خريطة طريق لتجنب الانهيار الاقتصادي والأمني للبلاد.
وأكدت الوكالة أن "المعطيات والتحليلات تظهر أن محتوى البيان يكرّر مطالب تتطابق مباشرة مع الأهداف بعيدة المدى لأميركا والكيان الصهيوني (إسرائيل)، وهذا التماهي قد يكون مؤشرًا على تبعية أيديولوجية أو عملية".