وأشارت الصحيفة، في تقريرها يوم الأربعاء 20 أغسطس (آب)، إلى أن عمق منشأة فردو يتراوح بين 80 و110 أمتار، موضحة أن الشقوق الناجمة عن الانفجار الأول قد تسمح للقنابل التالية بالتوغّل أكثر، غير أن مدى هذا التوغّل يبقى غير متوقَّع.
ووفقاً لقول رايان هرلي، الأستاذ المساعد في الهندسة الميكانيكية بجامعة جونز هوبكنز والمتخصّص في سلوك الصخور تحت الظروف القاسية، فإن الصخور المحيطة بفردو من أكثر الصخور شيوعاً في المنطقة وهي شديدة الصلابة.
وأكد هرلي وخبراء آخرون أنّ حساب حجم الخسائر بدقة من دون محاكاة حاسوبية متقدمة، وبيانات سرّية من تجارب فعلية، ومعلومات دقيقة عن سرعة وشكل القنابل، ومعرفة وافية ببنية فردو وجيولوجيا المنطقة، أمر غير ممكن.
وركّز مخطّطو الهجوم أثناء بحثهم عن نقاط ضعف في فردو على مجاري التهوية (ممرات عمودية أو مائلة تحت الأرض) التي تفتح على سفح الجبل فوق المنشأة، ما أتاح لهم خيار استغلال هذه المسارات بدلاً من محاولة اختراق الصخور الصلبة فوق الموقع.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية مطّلع على عملية اتخاذ القرار إن المجاري الرئيسية لم تكن تنزل بشكل مستقيم، بل كانت في بداياتها ملتوية إلى حد ما، ولم تصبح مباشرة نحو المنشأة إلا في مراحلها الأخيرة.
ولم تُعرف بدقة زوايا هذه المجاري، غير أن التواءها يعني أن القنابل كانت تواجه مزيجاً من الصخور والأنفاق المفتوحة.
وخلص المخطّطون إلى ضرورة استخدام عدة قنابل. ووفقاً لما طُرح في إحاطة بوزارة الدفاع، فإن كل مجرى منها كان يتشعّب إلى ثلاثة في أعلاه. وفي كلا الموقعين، كان الهدف أن تدمّر القنبلة الأولى الغطاء الخرساني، ثم تُسقَط خمس قنابل أخرى على طول المجرى الرئيسي.
ويعتمد حجم الخسائر التي يمكن أن تسببها قنبلة من طراز "GBU-57" أو مجموعة منها على جيولوجيا نقطة الاصطدام.
وذكر عدة جيولوجيين للصحيفة أن دراسة نُشرت عام 2020 في مجلة "جيوبرشيا" الصادرة عن جامعة طهران، تبيّن أن صخور المنطقة المحيطة بفردو تتكون أساساً من صخر بركاني يُسمى "إغنيمبريت".
إسحاق ماكوفسكي، الجيولوجي والأستاذ المشارك بجامعة حيفا في إسرائيل، وصف الإغنيمبريت بأنه مادة ممتازة للحفر.
وأوضح أن المدن القديمة تحت الأرض في "كابادوكيا" بوسط تركيا نُحِتت في الإغنيمبريت، وبعضها يمتد لعدة طوابق وأنفاق مترابطة ومئات المداخل.
وأضاف ماكوفسكي أن درجة صلابة الإغنيمبريت المحيط بفردو غير معروفة على وجه الدقة، لكن، كما في كابادوكيا، ربما سهّلت طبيعة هذا الصخر بناء منشأة تحت الأرض.
وتابع ماكوفسكي قائلاً إن الإغنيمبريت في فردو يبدو ظاهرياً ليناً نسبياً، لكن يلزم إجراء دراسة أعمق للتأكد. وأكّد أن للإغنيمبريت ميزة أخرى لصالح الإيرانيين؛ "بسبب مساميته، يمكنه إضعاف الموجات الانفجارية مثل تلك الناتجة عن القنابل الأميركية".
وأضاف أنه يعمل تماماً مثل "أكياس الرمل التي كانت توضع حول القلاع القديمة لإيقاف الطلقات".
نيك غلومك، أستاذ الهندسة وخبير المتفجرات بجامعة إلينوي في إربانا-شامبين، قال إنه لا شك في التأثير المصدّي للإغنيمبريت أو "الطف البركاني"، موضحاً: "الطف معروف جيداً لدى خبراء الانفجارات، وهو أحد أفضل المواد لامتصاص الطاقة. المواد المسامية كهذه تُستخدم في عدة مجالات للحد من نطاق الأضرار الناجمة عن الانفجارات الكبرى".
استخدام قنابل أكثر
وبحسب مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، فإن منشأة فردو مؤلفة من عدة طوابق، وهو ما جعل واشنطن تحتسب عدداً أكبر من القنابل اللازمة لتدمير أجهزة الطرد المركزي والمعدات الأخرى.
وربما تكون المنشأة محمية أيضاً بوسائل أخرى.
فإيران من كبار منتجي الخرسانة، وقد نشر باحثون إيرانيون دراسات عن خرسانة مدعّمة بألياف فولاذية دقيقة ومواد مقوّية أخرى.
كالي نايتو، أستاذ هندسة الإنشاءات بجامعة "ليهاي" الأميركية، أوضح أن هذه الألياف تشكّل جسوراً بين الشقوق الدقيقة عند تعرض الخرسانة للضغط، مما يزيد مقاومتها للانفجار أو الصدمات.
وأشار نايتو إلى أن "استخدام الألياف قد يضاعف أو يثلث مقاومة الشد في الخرسانة، ويبقي الشقوق مستقرة، مما يعني الحفاظ على تماسكها بدرجة عالية".
لكن أثر هذه التقنية يعتمد على قوة الانفجار والتركيب الدقيق للخرسانة. ولا يُعرف ما إذا كانت إيران قد استخدمت هذه المواد في فردو أم لا، غير أن نايتو قال إن استخدام الخرسانة المرشوشة بالألياف الفولاذية على الجدران الداخلية للأنفاق أصبح ممارسة شائعة في أميركا كطبقة واقية وداعمة.
وقد تشمل طرق أكثر تعقيداً استخدام صفائح فولاذية لامتصاص جزء من صدمة الانفجار أو لمنع تطاير شظايا الخرسانة إلى الداخل وإتلاف المعدات أو إصابة العاملين.
وبعض التدابير الوقائية في فردو معروفة: فقد أشارت تقارير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنوات الماضية إلى غرف ذات جدران سميكة وأبواب ثقيلة مقاومة للانفجار.
إلى أي مدى تضررت فردو؟
يتوقف الجواب بدرجة كبيرة على المسافة بين مواقع انفجار القنابل والمنشأة نفسها. ومع كثرة المتغيّرات والمجهولات، قد لا يكون الوصول إلى نتيجة قطعية ممكناً أبداً.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية إن القنابل ربما لم تصل إلى غرف أجهزة الطرد المركزي، رغم أن المحللين ما زالوا يقيمون التفاصيل. وكان الهدف الأساسي الاعتماد على موجات الصدمة وغيرها من آثار الانفجار لتدمير أجهزة الطرد.
وحتى إذا لم تصل القنابل مباشرة إلى الهيكل، فإن انفجارها بالقرب منه أو داخل مجرى تهوية قد يُحدث أضراراً جسيمة.
ففي مثل هذا الوضع، تتعرض أجزاء من البنية في موقع الصدمة للتلف، كما تتضرر المعدات في الأنفاق الأوسع والمناطق الأبعد، وفقاً لآندرو نيكلسون، مدير شركة Viper Applied Science.
ومع ذلك، إذا نجحت قنبلة أو أكثر في اختراق المبنى، فإن الأضرار، رغم خطورتها، تبقى محدودة.
وقال بيتر ماكدونالد، المدير الآخر في الشركة نفسها: "أعتقد أن مثل هذا الانفجار يمحو فعلياً معظم الأشياء". وأضاف أنه رغم أن الانفجار في فضاء مغلق كارثي على المعدات، فإن الانهيار الكامل لفردو لم يكن متوقعاً، إذ تبقى الأضرار الهيكلية متركزة في المناطق القريبة من مركز الانفجار.
أما البروفيسور هرلي من جامعة جونز هوبكنز، فرأى أن مقاربة البنتاغون بدت منطقية، قائلاً: "إذا كانت الجيولوجيا ومجاري التهوية قد دُرست بالفعل بدقة كما ذُكر، فالأرجح أن الأضرار كانت بالغة".
ويتفق ذلك مع تصاعد ثقة المسؤولين الأميركيين الذين يرون أن الهجوم الأخير ألحق أضراراً شديدة بفردو ودمّر مجموعات أجهزة الطرد المركزي فيها.
لكن جون بي. وولفستال، مدير برنامج المخاطر العالمية في "اتحاد العلماء الأميركيين"، حذّر من أن مدى تأخّر البرنامج النووي الإيراني يتوقف على الكيفية الدقيقة لانتشار موجات الصدمة وغيرها من آثار الانفجار داخل المنشأة.
وأوضح وولفستال أنه إذا اقتصر الأمر على موجة صدمة، فإن الكثير من الأجهزة يمكن إصلاحها، لكن إذا ترافق الانفجار مع حريق ودمار كامل، فقد لا يبقى شيء.
وختم بالقول إنه إلى أن يتضح هذا الأمر، لا يمكن تقديم تقدير دقيق لما دُمّر بالفعل وما لا يزال صالحاً للاستخدام.