برلماني إيراني: هجوم إسرائيل استعراضي.. لكننا سنرد



أفاد تقرير صادر عن مجموعة العمل المالي (FATF)، بأن إيران لا تزال محتفظة بمكانها في "القائمة السوداء" لهذه المنظمة الدولية، بجانب كل من كوريا الشمالية وميانمار، حيث إن هذه الدول الثلاث هي الوحيدة في هذه القائمة.
ويشير التقرير إلى أن استمرار إيران في هذه القائمة يعود إلى عدم التزام بعض الهيئات الخاضعة لسلطة المرشد الإيراني، علي خامنئي، بالمعايير المالية العالمية، منذ عام 2018.
وتصدر مجموعة العمل المالي، المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بانتظام "القائمة السوداء"، التي تشمل الدول ذات المخاطر العالية في هذا المجال، إلى جانب "القائمة الرمادية"، التي تضم الدول التي تتطلب رقابة مالية إضافية.
ويترتب على إدراج الدول في "القائمة السوداء" فرض قيود شديدة على تبادلاتها المالية الخارجية.
وتُبقي المجموعة الدولية على اسم إيران في هذه القائمة منذ عام 2009؛ بسبب استمرار طهران في تمويل مجموعات توصف بـ"الإرهابية"، إلى جانب رفضها التعاون مع المنظمة.
وسبق أن سعت إيران للخروج من القائمة السوداء عقب الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأسبق حسن روحاني، إذ دفع حكومته في عام 2018 لإقرار قوانين مكافحة الجرائم المنظمة عبر الحدود (قوانين باليرمو)، غير أن هذه الجهود باءت بالفشل نتيجة اعتراض المرشد الإيراني والمؤسسات التشريعية التابعة له.
وجددت مجموعة العمل المالي، في بيانها الأخير، الصادر أمس الجمعة، 25 أكتوبر (تشرين الأول)، التزامها بالإبقاء على إيران في "القائمة السوداء"، مستندة إلى رفضها المستمر للانضمام إلى اتفاقيات "باليرمو" ومعايير مكافحة تمويل الإرهاب.
وتعد اتفاقية "باليرمو"، التي وُقّعت عام 2001 تحت إشراف الأمم المتحدة في مدينة باليرمو الإيطالية، من أهم المعاهدات الدولية لمكافحة الجرائم المنظمة عبر الحدود، إذ تنص على حظر تهريب البشر، لا سيما النساء والأطفال، وتهريب الأسلحة.
وتأتي المساعدات المالية والعسكرية الإيرانية لجماعات مسلحة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، المعروفة باسم "محور المقاومة"، كأحد أبرز الأسباب التي تجعل إيران غير راغبة وغير قادرة على الانضمام إلى هذه الاتفاقيات.
وكان الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، قد صرح بأن استمرار إدراج إيران في القائمة السوداء، وإلغاء قوانين المعاملات المصرفية الدولية، يعيد إيران إلى "حقبة استخدام صرافات الأموال كما كان في عهد القاجار (حكموا إيران منذ عام 1794 حتى 1925)".
كما أصدرت مجموعة العمل المالي تحديثًا لـ"القائمة الرمادية" في ختام جلساتها، التي استمرت في الفترة ما بين 21 و25 أكتوبر 2024، وتضم القائمة دولاً مثل: جنوب أفريقيا، والجزائر، وبلغاريا، وتنزانيا، والكونغو الديمقراطية، وساحل العاج، ولبنان، ونيجيريا، وفنزويلا. وتتمتع هذه الدول بوضع مالي دولي أفضل من إيران، نتيجة التزاماتها الجزئية بمعايير "FATF" المالية الدولية.

كسرت الهجمات الجوية المتبادلة بين إسرائيل وإيران النمط التقليدي للامتناع عن الصراع العسكري المباشر بين البلدين، وقد سلطت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية الضوء على هذه الهجمات والأحداث، التي أوصلت الطرفين إلى هذه المرحلة.
يذكر أن إسرائيل قامت، فجر اليوم السبت 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بشن سلسلة من الهجمات الجوية على مواقع عسكرية داخل إيران، وتعد هذه الضربات أول هجوم خارجي واسع النطاق على الأراضي الإيرانية، منذ نهاية الحرب بين إيران والعراق عام 1988.
وذلك بعد أسابيع من إطلاق إيران الصواريخ الباليستية على إسرائيل، في الأول من أكتوبر الجاري، ما أجبر ملايين الإسرائيليين على الاحتماء في الملاجئ.
وذكرت طهران وقتها أن الهجوم جاء انتقامًا لمقتل نائب قائد عمليات القوات البرية في الحرس الثوري، عباس نيلفروشان، وعدد من قادة الفصائل المدعومة من إيران في المنطقة، وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، اللذين قُتلا على يد إسرائيل.
ماذا حدث؟
أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان له عند الساعة 2:30 فجر يوم السبت بالتوقيت المحلي أنه نفذ "هجمات دقيقة ومحددة على أهداف عسكرية في إيران"، مشيرًا إلى أن هذه الهجمات جاءت ردًا على أكثر من عام من هجمات إيران وحلفائها على إسرائيل في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتعدّ هذه المرة من الحالات النادرة التي يؤكد فيها الجانب الإسرائيلي بشكل رسمي قيامه بعمليات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية.
وبالتزامن مع نشر هذا البيان، أفاد إيرانيون بسماع أصوات انفجارات في أرجاء العاصمة طهران وضواحيها.
وأعلن الجيش الإسرائيلي انتهاء عملياته ضد أهداف عسكرية في إيران، بعد الساعة السادسة صباحًا تقريبًا بتوقيت طهران.
وصرّح مسؤولون إسرائيليون بأن العملية استمرت حتى الساعة الخامسة صباحًا؛ حيث استُهدف 20 موقعا خلال الهجمات.
ووفقًا لتقرير "نيويورك تايمز"، فقد ردت إسرائيل على الهجوم الإيراني في أبريل (نيسان) الماضي بعد خمسة أيام فقط، إلا أن عوامل متعددة تسببت في تأخير رد إسرائيل على الهجوم الصاروخي الثاني من قِبل الحرس الثوري الإيراني.
وكانت إيران قد هاجمت إسرائيل في 25 أبريل الماضي بما يزيد على 300 صاروخ كروز، وصواريخ باليستية ومُسيّرات، في أول هجوم مباشر من إيران على الأراضي الإسرائيلية.
وبعد ستة أشهر، وفي مساء الثلاثاء الأول من أكتوبر الجاري، أعلن الحرس الثوري، في بيان له، أنه أطلق عشرات الصواريخ الباليستية على "أهداف عسكرية وأمنية مهمة" في "قلب" إسرائيل.
وأشار الحرس الثوري إلى العمليات الإسرائيلية في غزة ولبنان، واغتيال إسماعيل هنية في طهران، ومقتل حسن نصرالله وعباس نيلفروشان في ضاحية بيروت الجنوبية، مؤكدًا أن الهجوم جاء "بعد فترة من ضبط النفس تجاه انتهاك السيادة الإيرانية".
واستغرقت إسرائيل نحو 25 يومًا للرد على هذا الهجوم، وتعددت أسباب هذا التأخير بين المفاوضات بين إسرائيل وإدارة جو بايدن، ووصول منظومة الدفاع الجوي الأميركية "ثاد"، والعطلات اليهودية.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية، في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، قد يكون له تأثير على توقيت هذا الهجوم الإسرائيلي.
وأظهرت وثيقتان استخباريتان أميركيتان مسرّبتان، الأسبوع الماضي، صورًا فضائية تُظهر استعدادات عسكرية إسرائيلية لهجوم محتمل على إيران، ما أثار قلق واشنطن بشأن هذه المخططات.
كيف وصلت إسرائيل وإيران إلى هذه المرحلة؟
على مدى عقود، انخرطت طهران وتل أبيب في ما يُعرف بـ"حروب الظل"، إذ استخدمت إيران شبكة من وكلائها في المنطقة، من بينها حماس وحزب الله، للهجوم على مصالح إسرائيل، بينما استهدفت إسرائيل كبار المسؤولين في إيران وعلماءها النوويين، وشنّت هجمات سيبرانية ضدها.
ومنذ العام الماضي، وبعد هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، أصبحت هذه المواجهات أكثر وضوحًا وأبعد من كونها خفية.
وقامت إيران بإطلاق صواريخ وطائرات بدون طيار على إسرائيل، في أبريل الماضي، وكان ذلك أول هجوم مباشر من طهران على هذا البلد، ردًا على "استهداف إسرائيل مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق" الذي أدى إلى مقتل ثلاثة من كبار القادة الإيرانيين.
وتمكنت إسرائيل من صد الهجوم الأول للحرس الثوري الإيراني بمساعدة دفاعها الجوي، وكذلك دعم الولايات المتحدة وحلفائها، لترد بعد ذلك بهجوم معاكس.
وفي أواخر يوليو (تموز)، استهدفت طائرات إسرائيلية القيادي البارز في حزب الله، فؤاد شكر، في العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي اليوم التالي، قُتل رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، الذي كان قد سافر إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، إثر انفجار في طهران.
ووعدت الحكومة الإيرانية وحزب الله اللبناني بالانتقام، وبخلاف توقعات الكثيرين، لم ترد طهران سريعًا. لكن في الأول من أكتوبر الجاري، أطلقت نحو 200 صاروخ نحو إسرائيل، ووصف الحرس الثوري الإيراني الهجوم بأنه رد على اغتيال هنية ونصر الله ونيلفروشان.
ما هي أهداف إسرائيل؟
أشارت صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى سعي إسرائيل، بعد إضعاف حماس وحزب الله، إلى تحقيق توازن بين أهدافها الاستراتيجية ومخاوف حلفائها، خاصة الولايات المتحدة، خوفًا من أن يؤدي هجوم جديد إلى تصعيد إقليمي واسع.
ووفقًا لمصدرين مجهولين، فقد أبلغت إسرائيل حكومة بايدن بأنها ستمتنع عن استهداف المنشآت النووية ومنشآت النفط الإيرانية، وأنها ستركز على الأهداف العسكرية.
وفي الهجوم الذي وقع اليوم السبت، أعلنت إسرائيل أن طائراتها الحربية استهدفت منشآت إنتاج الصواريخ، وأنظمة الصواريخ الأرضية، وقواعد عسكرية تابعة لإيران.
من جانبها، أعلنت قوات الدفاع الجوي الإيرانية أن إسرائيل استهدفت قواعد عسكرية في ثلاث محافظات، بما فيها طهران، وأوضحت أن هذه الهجمات تسببت في "أضرار محدودة".
وبالامتناع عن استهداف المنشآت النووية أو النفطية، قللت إسرائيل من احتمالية اندلاع حرب شاملة في المنطقة، التي يمكن أن تكون مدمرة.
قدرات إسرائيل العسكرية
أظهرت إسرائيل مؤخرًا قدرتها على تنفيذ هجمات جوية بعيدة المدى، فقد هاجمت في سبتمبر (أيلول) الماضي، مواقع حوثية في اليمن على بُعد أكثر من ألف ميل، باستخدام طائرات استطلاع ومقاتلات، وقامت بتزويدها بالوقود في الجو.
كما أظهرت إسرائيل قدرتها على اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية؛ حيث شنت في أبريل الماضي أيضًا هجومًا على نظام الدفاع الجوي "S-300" بالقرب من منشأة نطنز النووية.
ووفقًا لتقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، تمتلك إسرائيل خيارات أخرى، مثل الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، التي يمكنها ضرب أهداف في نطاق 2000 ميل، وصواريخ باليستية أطول مدى تصل إلى أكثر من 4000 ميل.
موقف حكومة الولايات المتحدة
أكد الرئيس الأميركي، جو بايدن، في وقت سابق، أنه لن يدعم الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. وقد عبّر البيت الأبيض عن دعمه للهجوم الإسرائيلي الأخير، واصفًا إياه بـ"المستهدف والمتناسب".
وأشار مسؤول أميركي إلى أن إسرائيل أبلغت إدارة بايدن عن هذه الهجمات، دون تحديد توقيت الإبلاغ.
وبحسب "نيويورك تايمز"، يعتقد بعض المحللين أن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة قد تقلل من قدرة البيت الأبيض على التأثير على الإجراءات الإسرائيلية.
وفي حديث مع الصحافيين، قال مسؤول في إدارة بايدن: "إن واشنطن تأمل أن يكون الهجوم الإسرائيلي هو نهاية المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران، ولكن في حال ردّت إيران، فإن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل مجددًا".

أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان لها، أن "من حق طهران وواجبها" الدفاع عن نفسها، "انطلاقا من الحق الأصيل في الدفاع المشروع عن النفس، وهو ما ينعكس أيضا في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ضد أعمال العدوان الأجنبية".

أشار زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، في حسابه على منصة "إكس" إلى الهجوم الإسرائيلي على إيران فجر اليوم، وكتب: "بدلاً من أن تُلحق إسرائيل بإيران ثمناً باهظاً، انشغلت بلعبة الدعاية الإعلامية."

أشارت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، إلى الهجمات الإسرائيلية على إيران، قائلة: "شعب إيران يشعر بالفخر تجاه قدرات البلاد الدفاعية ويثق بها". وأضافت: "الأضرار كانت محدودة وعلى الناس تجنب الالتفات إلى الشائعات".