وزير الخارجية الإيراني: لا مبرر لاستمرار التفاوض مع واشنطن في ظل تواصل الهجوم الإسرائيلي

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن استمرار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة "غير مبرر"، ما دامت الهجمات الإسرائيلية متواصلة.

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن استمرار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة "غير مبرر"، ما دامت الهجمات الإسرائيلية متواصلة.
وفي حديثه إلى رئيسة الوزراء الإستونية، كايا كالاس، وصف عراقجي الهجمات الإسرائيلية بأنها "نتيجة للدعم المباشر من واشنطن"، مؤكدًا أن "استمرار المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، في ظل استمرار وحشية النظام الصهيوني، أمر لا يمكن تبريره".
ومن جهته، صرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، ردًا على أسئلة الصحافيين بشأن وضع المفاوضات، بأن "التركيز الرئيس في الوقت الراهن ينصب على مواجهة عدوان العدو".
وأعلن بقائي أن المشاركة في المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة "لا معنى لها"، ما لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية على إيران.
وأضاف بقائي، على غرار عراقجي، أن الولايات المتحدة شاركت في الهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك استهداف المنشآت النووية السلمية لإيران، قائلاً: "في مثل هذا الوضع، وطالما لم تتوقف الهجمات الإسرائيلية، فإن المشاركة في محادثات مع طرف هو الداعم الأكبر والمتواطئ مع الطرف المعتدي أمر لا معنى له".
وكان بقائي قد أُعلن، في وقت سابق، أن الجولة السادسة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ستُعقد يوم الأحد 25 يونيو (حزيران) في مسقط.
وكان مقررًا أن تقدّم إيران ردّها على الاقتراح الخطي، الذي تقدم به دونالد ترامب، وهو اقتراح وصفته واشنطن بأنه "خارطة طريق"؛ للتوصل إلى اتفاق، إلا أن مسؤولي النظام الإيراني قالوا إن الاقتراح لم يتضمن حق إيران في التخصيب النووي.

استهدفت الهجمات الإسرائيلية البنية التحتية للقيادة العسكرية التابعة للنظام الإيراني، مما وضع طهران في موقف ضعيف مع خيارات محدودة للرد، ومن بين هذه الخيارات حرب شاملة لا تملك إيران القدرة عليها ولا احتمال للانتصار فيها.
وقدمت هذا التقييم وكالة "رويترز"، يوم السبت 14 يونيو (حزيران)، بناءً على آراء أربعة مسؤولين أمنيين في المنطقة.
ورفعت الهجمات الإسرائيلية المستمرة على إيران والضربات الصاروخية للنظام الإيراني على إسرائيل، التي بدأت مساء الجمعة 13 يونيو، المواجهة بين العدوين اللدودين إلى مستوى غير مسبوق. وهي مواجهة كانت تدور لسنوات في الخفاء، ثم تصاعدت بعد هجوم الحليف الإيراني، حركة حماس، على إسرائيل عام 2023.
ووفقًا لمصادر أمنية إقليمية، فمن غير المرجح أن تتمكن إيران من تنفيذ هجمات بفاعلية الهجمات الإسرائيلية نفسها، حيث إن قدراتها الصاروخية وشبكتها العسكرية في المنطقة قد تدهورت بشدة، منذ بداية حرب غزة، بفعل الهجمات الإسرائيلية المتكررة.
وذكرت وكالة "إرنا" الإيرانية أن طهران أطلقت مئات الصواريخ الباليستية على إسرائيل، ردًا على الهجمات، لكن الجيش الإسرائيلي أفاد بأن عدد الصواريخ كان أقل من 100، وأن معظمها تم اعتراضه أو لم يصب الهدف. وبلغ عدد القتلى في هذا الهجوم ثلاثة أشخاص، بينما وصل عدد الجرحى، حسب آخر الأنباء، إلى 172 شخصًا.
وبحسب المصادر الأمنية، فإن قادة إيران، الذين يشعرون بالإذلال والقلق الشديد على بقائهم، لا يستطيعون أن يظهروا ضعفًا أمام الضغط العسكري الإسرائيلي؛ وهو ما يزيد من خطر تصاعد الصراع، بما في ذلك هجمات خفية ضد إسرائيل أو حتى الخيار المحفوف بالمخاطر المتمثل في محاولة تسريع صنع قنبلة نووية.
ويؤكد الخبراء أن انسحاب إيران من معاهدة عدم الانتشار سيكون خطوة جادة وإشارة إلى تسريع تخصيب اليورانيوم إلى مستوى صنع الأسلحة.
وقال الباحث في مركز كارنيغي في بيروت، مهند الحاج علي، لوكالة "رويترز": "إذا استسلموا، فقد فقدوا بقاءهم. عليهم توجيه ضربة قوية لإسرائيل، لكن خياراتهم محدودة. أعتقد أن خيارهم التالي سيكون الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)".
وأضاف: "إن الهجوم الإسرائيلي كان ضخمًا، استهدف أسماء بارزة وقتل قادة كبارًا، وألحق ضررًا جسيمًا بالقيادة العسكرية للنظام الإيراني وبرنامجها الصاروخي، وهو أمر غير مسبوق".
ماذا عن نتائج المفاوضات؟
لم تعلن طهران بعد ما إذا كانت ستشارك في الجولة السادسة من المفاوضات المتوقفة مع الولايات المتحدة، والمقرر عقدها يوم الأحد، 15 يونيو، في سلطنة عُمان.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، يوم السبت 14 يونيو، أن طهران لا يمكنها الاعتقاد بأن إسرائيل "ارتكبت مثل هذه الأعمال العدوانية في المنطقة دون تنسيق أو موافقة مسبقة من الولايات المتحدة"، مضيفًا: "ما زال من غير الواضح ما القرار، الذي سنتخذه يوم الأحد بهذا الشأن".
والجدير بالذكر أن النفوذ الإقليمي للنظام الإيراني تراجع؛ بسبب الهجمات الإسرائيلية على وكلائها: حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات في العراق، بالإضافة إلى سقوط نظام حليفها المقرب بشار الأسد في سوريا.
كما استهدفت العقوبات الغربية صادرات النفط الإيراني، بينما ينهار الاقتصاد تحت وطأة أزمات متعددة، منها انهيار قيمة العُملة، والتضخم الجامح، ونقص الطاقة والمياه.
وقال المحلل الإقليمي، سَركيس نعوم، لوكالة "رويترز": "لم يعد الإيرانيون قادرين على الرد عبر الوكلاء، بعدما قام الإسرائيليون بتفكيك إمبراطورية إيران قطعة قطعة، وهم يدمرونها شيئًا فشيئًا.. والآن بدأوا يزرعون الشكوك الداخلية حول عدم قابليتها للهزيمة. هذه ضربة قاصمة".
الخيار النووي
قال رئيس مركز دراسات الخليج العربي، عبد العزيز الساجر: "إن إيران قد دُفعت إلى زاوية الحلبة ولم يتبق أمامها سوى خيارات محدودة".
وأضاف: "قد يكون أحد هذه الخيارات تقديم ضمانات سرية بوقف التخصيب وتفكيك البرنامج النووي، حيث إن أي تراجع معلن قد يُثير رد فعل داخليًا حادًا".
وأشار إلى أن الخيار الآخر فقد يكون العودة إلى الحرب السرية، على غرار التفجيرات، التي استهدفت سفارات ومنشآت عسكرية أميركية وإسرائيلية في ثمانينيات القرن الماضي.
وتابع: "أما الخيار الثالث والأكثر خطورة، فهو الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتسريع برنامج التخصيب".
وحذر الساجر من أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة إعلان حرب، ومن المحتمل أن تثير رد فعل دوليًا شديدًا "ليس فقط من إسرائيل، بل من الولايات المتحدة والقوى الغربية أيضًا"، على حد قوله.
وبحسب مصدرين إقليميين، فقد قُتل ما لا يقل عن 20 قائدًا رفيع المستوى في الهجمات الإسرائيلية، بينهم رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، وقائد الحرس الثوري، حسين سلامي، وقائد القوة الجو- فضائية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده.
وفي المقابل، أوضحت المحللة السابقة في الموساد والباحثة الحالية في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS)، سيما شاين، أن إسرائيل لا تستطيع بمفردها تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل.
وأضافت: "لذا، إذا لم تدخل الولايات المتحدة الحرب، فمن المرجح أن يبقى جزء من المشروع النووي الإيراني قائمًا".
زلزال في أركان السلطة
بحسب مسؤول إقليمي رفيع المستوى مقرّب من النظام الإيراني، فإن الهجمات الإسرائيلية، يوم الجمعة 13 يونيو، لم تُلحق فقط أضرارًا استراتيجية، بل هزّت أركان نظام الحكم في إيران.
وقال هذا المسؤول لوكالة "رويترز": "لقد حلّت الحيرة والقلق محلّ العناد، وخلف الأبواب المغلقة، هناك خوف عميق من التهديدات الخارجية، وكذلك من انهيار السيطرة الداخلية".
وأضاف: "لقد انتشرت موجة من الذعر بين قادة البلاد. هناك خوف يتجاوز مجرد تهديد المزيد من الهجمات، إنه الخوف من الاضطرابات الداخلية".
ومن جهته، أكد مسؤول سابق في النظام الإيراني أن مقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بأمر من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ولايته الأولى عام 2020، كان بداية الانهيار.
وأوضح أنه منذ ذلك الحين، فشلت إيران في استعادة نفوذها الإقليمي، ولم تعد الأمور كما كانت أبدًا، مضيفًا: "قد تكون هذه الضربة بداية النهاية".
وحذّر من أن أي احتجاجات داخلية ورد فعل قمعي من النظام قد يأتي بنتائج عكسية، خاصة مع استمرار الغضب الشعبي المتراكم؛ بسبب العقوبات والتضخم والقمع المستمر لسنوات.
ومن جهته تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في رسالة مصورة بعد الهجمات، وقال إنه يسعى لتغيير النظام في إيران، ووجّه رسالة للشعب الإيراني: "نحن لا نحاربكم، نحن نحارب الديكتاتورية القاسية التي قمعتكم طوال 46 عامًا. أؤمن بأن يوم حريتكم قريب".
ويُعتقد أن طموح تغيير النظام قد يكون وراء استهداف عدد كبير من القادة العسكريين الكبار، وهي خطوة يبدو أنها أربكت الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني.
وأضافت المحلّلة سيما شاين لـ "رويترز": "هؤلاء القادة كانوا شخصيات محورية، خدموا لسنوات طويلة في مناصبهم، وكانوا جزءًا أساسيًا من استقرار النظام، خاصة على الصعيد الأمني."
وفي سياق متصل، أفادت وسائل إعلام إيرانية رسمية بمقتل اثنين على الأقل من المسؤولين عن البرنامج النووي الإيراني، هما فريدون عباسي ومحمد مهدي طهرانجي، في الهجمات الإسرائيلية.
الإمبراطورية المتهاوية
أصبح حزب الله اللبناني، أقوى وكلاء النظام الإيراني في المنطقة، في موقف لا يسمح له بالرد على الهجمات، التي تستهدف إيران.
وفي الأيام التي سبقت الهجمات على إيران، كشفت مصادر أمنية مقربة من حزب الله، لوكالة "رويترز"، أن الحليف الإيراني لن يشارك في أي رد انتقامي، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى هجوم إسرائيلي آخر على لبنان.
وقد أضعفت الضربات، التي شنتها إسرائيل ضد حزب الله، العام الماضي، قوته بشكل كبير، حيث قُتل قادته، وفُقد آلاف من مقاتليه، ودُمّرت أجزاء واسعة من قواعده في جنوب لبنان وضواحي بيروت.
ويمكن أن تمتد المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل بسرعة إلى الدول الخليجية الواقعة في خط النار بين العدوين، والتي تستضيف قواعد عسكرية أميركية.
ويقول المحللون إن ترامب قد يستخدم تبعات الهجمات الإسرائيلية لإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات، لكن هذه المرة في ظل ظروف أكثر عزلةً لإيران وإجبارها على تقديم تنازلات أكبر.
وقال نعوم لـ "رويترز" في هذا الصدد: "شيء واحد واضح: إمبراطورية إيران تنهار. هل لا يزال بإمكانهم تحديد شروط هذا التراجع؟ ربما، لكن ليس عسكريًا. فلم يتبقَ سوى خيار واحد فقط: المفاوضات".

تعرض قادة عسكريون إيرانيون لضربة جوية إسرائيلية، فجر الجمعة 13 يونيو (حزيران)، ضمن عملية تحمل اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت قلب العاصمة طهران، وبجانب هؤلاء، قُتل أيضًا شخصان بارزان يشرفان على البرنامج النووي، بالإضافة إلى أمين سابق لمجلس الأمن القومي الإيراني.
مَن هم هؤلاء القتلى وما أسماء من حلّوا محلهم؟
كتب بريت ماكغورك، المدير العام لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بإدارة جو بايدن، تعليقًا ساخرًا، مساء أمس، جاء فيه: "إن الأشخاص الذين كان من المفترض أن ينسقوا الرد من النظام الإيراني (على إسرائيل) قد قُتلوا جميعًا”. ويعد هذا الوصف مختصرًا لما حل برأس الهرم العسكري في النظام الإيراني فجر ذلك اليوم.
وحتى الآن، تأكد مقتل سبعة من القادة العسكريين البارزين، وأهم المسؤولين عن الإشراف على البرنامج النووي في النظام الإيراني، وهم:
القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة، محمد باقري، وقائد القوة الجو- فضائية للحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، وقائد القاعدة المركزية "خاتم الأنبياء"، غلام علي رشيد، (وهذا يختلف عن القاعدة الاقتصادية خاتم الأنبياء)، وفريدون عباسي ومحمد مهدي طهراني، وكلاهما من المسؤولين الرئيسين عن الإشراف على البرنامج النووي الإيراني، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني، والمستشار السياسي للمرشد الإيراني، علي شمخاني.
وليس هؤلاء فقط ضحايا الهجوم، الذي وقع فجر يوم الجمعة 13 يونيو، إذ أفادت التقارير بأن عددًا أكبر من الضباط قد استُهدفوا خلال اجتماع تحت الأرض.
وعيّن المرشد الإيراني، علي خامنئي، قادة جددًا ليحلوا محل القتلى.. فمَن هم هؤلاء الأفراد وماذا كانت مواقعهم السابقة، وما أهمية هذه المناصب داخل بنية النظام الإيراني؟
القائد العام للحرس الثوري
يعد الحرس الثوري القوة العسكرية الرئيسة للنظام الإيراني، ويُعيّن قائده، مثل باقي القادة الكبار، من قِبل المرشد علي خامنئي. ورغم أنه من المفترض خضوع القائد العام للحرس الثوري لقيادة الأركان العامة للقوات المسلحة، فإن السلطة العليا له هي المرشد الإيراني نفسه.
ويشغل القائد العام للحرس الثوري عضوية بعض المجالس العليا، أهمها مجلس الأمن القومي الإيراني، بصفة قانونية. ورغم أن خامنئي يعيّن شخصيًا بعض قادة الفروع التابعة للحرس، فإن السيطرة على فروع الحرس- بما في ذلك القوات البرية والفضائية والبحرية وقوات القدس والباسيج- تقع إلى حد كبير على عاتق القائد العام.
ووُلِد حسين سلامي في كلبايغان بأصفهان، وتُوفيّ عن عمر 64 عامًا، وقد عُيّن بهذا المنصب في مايو (أيار) 2019، وأمضى قرابة ست سنوات في منصبه قبل مقتله أمس. أما محسن رضائي ويحيى صفوي ومحمد علي جعفري، فقد شغلوا المنصب لمدة 16 و10 و12 عامًا على التوالي.
وخلال فترة قيادة سلامي للحرس، وقعت أحداث متعددة في إيران والعالم؛ ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بعد سبعة أشهر من تعيينه، وقعت أحداث "نوفمبر الدامي"، ثم في يناير (كانون الثاني) 2020، اُغتيل قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، من قبل الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، قام الحرس الثوري بهجوم على قاعدة "عين الأسد" الأميركية في العراق، وهو الهجوم الذي كشف ترامب لاحقًا أنه تم بالتنسيق الكامل مع الجانب الأميركي؛ لتجنب وقوع إصابات في صفوف الأميركيين.
وفي تلك الليلة نفسها، أسقطت دفاعات الحرس الثوري طائرة ركاب أوكرانية كانت تحمل 176 شخصًا. وفي 19 فبراير 2020، أُعلن تفشي وباء كورونا في إيران رسميًا.
وخلال تلك الجائحة، كشف سلامي في أبريل (نيسان) 2020، في فيديو دعائي، عن جهاز بمقر قيادة الحرس، أطلق عليه اسم "مستعان 110"، وزعم أنه قادر على "كشف فيروس كورونا".
وأصبح الفيديو سريعًا مادة للسخرية بين الإيرانيين. وبعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بقي سلامي قائدًا للحرس الثوري، وعاصر أحداثًا متعددة، منها استهداف عدد من قادته في دول المنطقة، وعمليتا "الوعد الصادق 1 و2"، ومقتل الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، إثر تحطم طائرته.
وجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على سلامي؛ بسبب قمعه للاحتجاجات الإيرانية خلال أحداث "نوفمبر الدامي" 2019.
وبعد وفاة سلامي، عين خامنئي محمد باكبور، الذي يبلغ من العمر 63 عامًا، خلفًا له. وهو من مواليد مدينة أراك، كما خضع لعقوبات من قِبل الاتحاد الأوروبي- هو مثل سلامي- بسبب مشاركته في قمع احتجاجات 2019 أيضًا.
وقبل تعيينه قائدًا عامًا للحرس الثوري الإيراني، كان باكبور قائدًا للقوات البرية التابعة له، وقبل ذلك كان قائدًا لوحدة "الصابرين الخاصة"، وهي وحدة تُعرف رسميًا باسم "الوحدة المضادة للإرهاب"، وتشبه لواء المظليين 65 في الجيش الإيراني.
رئيس هيئة الأركان العامة
رغم أن القوانين غير المكتوبة تمنح قائد الحرس الثوري سلطة أكبر بين القادة العسكريين في إيران، فإن منصب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة أعلى مكانةً نظريًا، حسب هيكل النظام الإيراني.
ومن بين مهامه واختصاصاته- حسب قوانين النظام الإيراني-: وضع السياسات الدفاعية واستراتيجيات الدفاع الوطني، وتنسيق ومراقبة العمليات المشتركة بين الجيش والحرس وقوات الأمن في حالات الحرب أو الأزمات، وإدارة الأزمات الأمنية وتوجيه العمليات العسكرية ضد التهديدات الداخلية (مثل الاحتجاجات) أو الخارجية، والإشراف على المشاريع الاستراتيجية كتطوير البرامج الصاروخية والسيبرانية والنووية، وهو- كقائد الحرس الثوري- عضو في المجالس العليا، مثل مجلس الأمن القومي.
وشغل هذا المنصب 3 أشخاص، منذ استحداثه في يونيو 1988، وتعيين مير حسين موسوي (رئيس الوزراء آنذاك) أول رئيس له. وبعد تولي خامنئي منصب المرشد، عيّن حسن فيروز آبادي في المنصب حتى 2016، ثم خلفه محمد باقري (واسمه الأصلي محمد حسين أفشردي، شقيق القائد الباسيجي الراحل حسن باقري). وكان باقري في عمر سلامي نفسه عند مقتله. وقد عين خامنئي، عبد الرحيم موسوي خلفًا لباقري، الذي قُتل في الهجمات الإسرائيلية أمس.
وشغل عبد الرحيم موسوي عددًا من المناصب، ومنها: قائد الجيش، ونائب رئيس الأركان العامة، ونائب القائد العام للجيش، ورئيس أركان جيش النظام الإيراني.
موسوي والتصريحات المثيرة
أدلى رئيس هيئة الأركان العامة الجديد، عبد الرحيم موسوي، بعدة تصريحات، أثارت الجدل؛ حيث قال في برنامج "بدون تعارف" التلفزيوني أن أكبر أمانيه هو "تدمير إسرائيل"، وكان ذلك في عام 2018.
وفي العام نفسه، ذكر في خطاب أن "عمر الكيان الصهيوني (إسرائيل) لن يتجاوز 25 سنة إن شاء الله".
قائد القوة الجو- فضائية في الحرس الثوري الإيراني
أنشأ الحرس الثوري الإيراني قوته الجو- فضائية عام 2009، عبر دمج القوة الجوية للحرس مع وحدات الصواريخ. ومنذ تأسيس هذا الفرع كان أمير علي حاجي زاده يقود هذه القوات، حتى استهدافه في الهجوم الإسرائيلي الأخير فجر الجمعة 13 يونيو.
ولعب هذا الفرع دورًا محوريًا في تطوير البرنامج الصاروخي ثم الطائرات المُسيّرة للنظام الإيراني. وكان حاجي زاده مقربًا سياسيًا من رئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، ودعّمه بشكل مباشر وغير مباشر في انتخابات الرئاسة والبرلمان.
وفي سياق دعمه، كان أمير علي حاجي زاده يؤكد أن "قاليباف هو من جعل البرنامج الصاروخي للحرس الثوري يصل إلى هذا المستوى من التطور"، معتبرًا إياه المؤسس الفعلي للبرنامج.
حادثة الطائرة الأوكرانية
بعد أيام من إنكار الحرس الثوري إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية، في يناير 2022، ومقتل جميع ركابها، ظهر حاجي زاده على التلفزيون الإيراني الرسمي لتحمّل المسؤولية، لكنه لم يواجه أي ملاحقة قضائية من أجهزة النظام.
أدوار عسكرية بارزة
قاد حاجي زاده عمليات "الشهيد سليماني" (الهجوم على قاعدة عين الأسد الأميركية بالعراق)، وشارك بشكل محوري في عمليتي "الوعد الصادق 1 و2" ضد إسرائيل، ولم يُعلن عن خليفته حتى الآن من قِبل المرشد خامنئي.
مقر خاتم الأنبياء المركزي
يُعد هذا المقر أعلى مؤسسة عملياتية عسكرية في النظام الإيراني، وغالبًا ما يُخلط بينه وبين "مقر بناء خاتم الأنبياء". تأسس عام 1983 أثناء الحرب العراقية- الإيرانية لتحسين التنسيق بين القوات المسلحة، ثم توسعت صلاحياته بعد الحرب.
وتنحصر مهامه الحالية في تصميم وتنفيذ المناورات العسكرية الكبرى مثل "مدافعو سماء الولاية" و"ذوالفقار 1401"، وتعزيز الردع الدفاعي والتصدي للتهديدات الخارجية (خاصة إسرائيل).
وتولى قيادته غلام علي رشيد (72 عامًا)، المولود في مدينة دزفول، الذي قُتل في الهجوم الإسرائيلي الأخير. وشغل سابقًا مناصب: نائب رئيس أركان القوات المسلحة، ونائب دفاعي في مجلس الأمن القومي، وفُرضت عليه عقوبات من قِبل وزارة الخزانة الأميركية في نوفمبر 2019 كأحد المقربين من خامنئي.
خليفته
عيّن المرشد الإيراني علي شادماني خلفًا لرشيد، وهو أقل خبرة؛ حيث كان آخر منصب له نائب منسق في مقر خاتم الأنبياء.
المسؤولون عن البرنامج النووي الإيراني
قُتل اثنان من أبرز مسؤولي البرنامج النووي الإيراني، في الهجمات الإسرائيلية، فجر الجمعة، وهما:
* فريدون عباسي دواني: الذي كان يبلغ من العمر 66 عامًا عند مقتله، وخدم في الحرس الثوري بين 1987-2019 برتبة عميد، وكان عضوًا في البرلمان الإيراني (2020-2024) عن دائرة كازرون، ورئيس منظمة الطاقة الذرية (2010-2023) في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق، أحمدي نجاد.
وقد ورد اسمه في القرار 1747 لمجلس الأمن 2007 كـ "عالم بارز بوزارة الدفاع ومرتبط بمعهد الفيزياء التطبيقية". نجا من محاولة اغتيال عام 2010 نُسبت لإسرائيل، واعتُبر من الشخصيات المحورية في عسكرة البرنامج النووي تحت إشراف محسن فخري زاده.
* محمد مهدي طهرانجي: خضع لعقوبات من قِبل الولايات المتحدة عام 2020 مع 4 آخرين؛ لاتهامه بالعمل في مشروع "أماد" النووي السري (بدأ عام 2003)، وتولى رئاسة جامعة آزاد الإسلامية (2018-2024) بتعيين من خامنئي، ورئيس جامعة شهيد بهشتي سابقًا، عضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية ومن داعمي "نمط الحياة الإسلامية".
وكان إحدى الشخصيات المشتبه بها منذ البداية في توجيه هذا البرنامج هو محسن فخري زاده؛ حيث ظهر اسم فخري زاده لأول مرة بعد وصول "لاب توب" يحتوي على معلومات سرية للنظام الإيراني إلى أيدي أجهزة الاستخبارات الغربية.
أسماء أخرى
ذكرت بعض المصادر مقتل 10 أفراد آخرين مرتبطين بالبرنامج النووي، منهم: أكبر مطلبي زاده، وأمير حسين فقهي، لكن لم تؤكد جهات موثوقة صلة هذين الاسمين بالبرنامج النووي.

أعرب بعض الإيرانيين عن امتنانهم لإسرائيل؛ لاغتيالها مسؤولين عسكريين وسياسيين كانوا يحتقرونهم، وذلك في رسائل صوتية ومرئية أرسلوها إلى قناة "إيران إنترناشيونال"، مطالبين باستهداف خامنئي وإسقاط النظام.
وقال أحد المتابعين في رسالته: "أردت أن أشكر إسرائيل و(العم) نتنياهو على ما فعلوه الليلة، وأقول لمسؤولي النظام الإيراني: أنتم لا شيء. تدّعون أنكم قوة في المنطقة، لكن ثلاثة من كبار قادتكم قُتلوا في هجوم واحد".
وأضافت متابعة أخرى: "أريد أن يخرج الإيرانيون (إلى الشوارع للاحتجاج)، ويتحدوا معًا؛ ليطيحوا بهذا النظام المتعطش للدماء".
وفي رسالة أخرى، أعرب متابع عن سعادته بالهجوم الإسرائيلي، الذي استهدف- حسب الجيش الإسرائيلي- العشرات من المواقع العسكرية والنووية وأسفر عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين الإسرائيليين، في عملية مفتوحة أطلق عليها نتنياهو اسم "الأسد الصاعد".
وأكدت إيران مقتل قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، محمد باقري، وقائد قوة الجو- فضاء في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، بالإضافة إلى ستة علماء نوويين، بينهم الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، فريدون عباسي.
كما ترددت أنباء غير مؤكدة عن مقتل علي شمخاني، المستشار الأول للمرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي تعهد بـ "عقاب شديد" و"رد قاسٍ".
وتساءل أحد المشاهدين ساخرًا: "سيد بزشكيان (الرئيس الإيراني)، هل تتذكر عندما قلت إن إسرائيل وأميركا يمكنهما ضرب المنشآت النووية الإيرانية، لكنهما لا تستطيعان استهداف العلماء الإيرانيين؟ إسرائيل فعلت ذلك للتو. لماذا تتحدث كل هذا الهراء؟".
وأضاف: "لم تستطيعوا فعل شيء! شكرًا، شكرًا يا عم نتنياهو، حتى لو كنا نحن (الإيرانيين العاديين) من سيعاني العواقب".
مطالبات باستهداف خامنئي
وشكرت متابعة أخرى إسرائيل، لكنها حثتها على ألا تنسى استهداف خامنئي، قائلة: "لا أحد يؤيد الحرب، لكنني متأكدة أنه عندما يتعلق الأمر بالنظام الإيراني القاتل والإرهابي، فإن كل الإيرانيين البالغ عددهم 80 أو 90 مليونًا يوافقون على هذا الهجوم".
وأضافت: "الآن سيدركون خطورة الموقف، وسيفهمون أنه بينما قد يستطيعون التنمر على الشعب الإيراني وقتله في الشوارع، إلا أنهم لا يستطيعون التنمر على العالم والقوى العظمى".
فرح بضوضاء القنابل
أعرب متابع عن سعادته، في رسالة أخرى، عندما أدرك أن الصوت الذي أيقظه كان انفجار القنابل الإسرائيلية وليس البرق، قائلاً: "كانت أخبارًا سارة ونذير حرية لكل الإيرانيين. لقد أحسنت إسرائيل، وانتقمت لكل أولئك الشباب المناضلين من أجل الحرية، الذين تم قمعهم واغتصابهم في الشوارع والمعتقلات".
انتقادات من ولي عهد إيران السابق
اتهم ولي عهد إيران السابق، رضا بهلوي، في بيان نشره على الإنترنت من منفاه، خامنئي بسحب البلاد إلى حرب لا تعبر عن إرادة الشعب الإيراني، واصفًا الصراع الحالي بأنه "حرب خامنئي، وليست حرب إيران".
وحثّ العسكريين والشرطة والعاملين في الأجهزة الأمنية على الابتعاد عما وصفه بـ "القيادة الفاسدة والعاجزة" والانضمام إلى الشعب، مؤكدًا أن الطريق الوحيد للأمام هو إسقاط النظام عبر الاحتجاجات الشعبية والإضرابات الوطنية.
تدهور العُملة الإيرانية بعد الضربة الإسرائيلية
شهدت العملة الإيرانية (الريال)، في أعقاب الضربة العسكرية الإسرائيلية، انخفاضًا حادًا بنسبة 15 في المائة على الأقل في السوق غير الرسمية، مما يعكس القلق المتزايد من التصعيد وعدم الثقة في قدرة الحكومة على استقرار الاقتصاد وسط التوترات الجيوسياسية.
رد فعل خامنئي
وصف المرشد الإيراني، علي خامنئي، الهجوم الإسرائيلي بأنه "جريمة" كشفت عن "طبيعة إسرائيل الشريرة" لاستهدافها مراكز سكنية، وتوعد بأن إسرائيل ستواجه "نهاية مريرة ومؤلمة".
وردّت إيران بإطلاق سيل من الطائرات المُسيّرة والصواريخ تجاه إسرائيل بعد ساعات من الهجوم، لكن مسؤولين إسرائيليين زعموا اعتراض جميع الطائرات المُسيّرة بنجاح.
تفاصيل الضربة الإسرائيلية
كان مسؤول عسكري إسرائيلي، قد قال في مؤتمر صحافي، صباح الجمعة 13 يونيو (حزيران)، إن 200 طائرة مقاتلة شاركت في العملية، التي استهدفت أنظمة الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية الإيرانية الجاهزة لمهاجمة إسرائيل، بالإضافة إلى مواقع تصنيع الصواريخ.
وأضاف أن العملية جاءت بينما "كان البرنامج النووي الإيراني يقترب من نقطة اللا عودة، وتقدم طهران السريع نحو امتلاك سلاح نووي"، مشيرًا إلى أن إسرائيل ضربت "خطتهم النووية وأهدافًا عسكرية قبل أن يتمكن النظام الإيراني من ضربنا بأسلحة الدمار الشامل".
واختتم قائلاً: "لم يكن لدينا خيار آخر، وقمنا بهذه العملية الآن، لأنها التوقيت الأنسب في ظل هذا التهديد الملموس. لقد حصلوا بالفعل على ما يكفي من اليورانيوم لصنع 15 سلاحًا نوويًا".

أكد وزير شؤون الشتات الإسرائيلي، أميخاي شيكلي، في مقابلة خاصة مع "إيران إنترناشيونال"، أن العملية التي تحمل الاسم الرمزي "الأسد الصاعد" ضد النظام الإيراني، نتيجة سنوات من التخطيط والإعداد، وتشكل بداية لما هو قادم.
وقال شيكلي، في حلقة الجمعة 13 يونيو (حزيران) من بودكاست "عين على إيران": "إن التحضير لهذه العملية استغرق سنوات. وإن نجاحها هو ثمرة جهود مضنية من أجهزة استخبارات الجيش الإسرائيلي والموساد، وآلاف الأشخاص الآخرين".
وأضاف الوزير الإسرائيلي، دون أن يذكر تفاصيل عن العملية أو مسارها المستقبلي: "هذه مجرد البداية".
وأشار شيكلي إلى استمرار الهجمات الإسرائيلية، موضحًا لـ "إيران إنترناشيونال" أن هدف هذه العملية ليس تغيير النظام، بل منع إيران من الحصول على قدرة نووية. مضيفًا: "رغم أن كثيرًا من الإيرانيين طلبوا من إسرائيل مساعدتهم في إسقاط النظام، فإن التغيير الحقيقي يجب أن ينبع من داخل البلاد".
وخاطب الإيرانيين بقوله: "حان الوقت لاقتناص هذه اللحظة واستعادة وطنكم من قبضة الحرس الثوري. فهل ستغتنمون هذه الفرصة لتغيير مسار التاريخ أم لا؟".
الأسد الصاعد
أوضح شيكلي أن اسم العملية "الأسد الصاعد" مستمدّ من نص توراتي، ومن آية في سفر العدد (الكتاب الرابع في التوراة)، والتي تنصّ على: "شعب كالأسد ينهض، وكالليث ينتصب، لا يهدأ حتى يفترس".
وختم قائلاً: "نحن نؤمن بأن هذه ليست لحظة أمنية فحسب، بل لحظة للتاريخ المشترك ولسلام مستقبلي".
وجدير بالذكر أن الضربات الجوية الواسعة، التي شنّتها إسرائيل على إيران، قد أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 20 من كبار قادة الحرس الثوري، وعدد من الخبراء في البرنامج النووي الإيراني، كما استُهدفت عدة مواقع عسكرية وصاروخية في البلاد.
وردّت إيران، حتى فجر يوم السبت 14 يونيو، بثلاث موجات من الهجمات، أطلقت خلالها أكثر من 300 صاروخ باتجاه إسرائيل، ما أسفر عن إصابة عدد من الأشخاص ومقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص.
وفي الموجة الأولى من الهجمات، استُهدفت مواقع نووية رئيسة مثل "نطنز" و"فردو"، لكن تقارير تشير إلى أن البنية التحتية النووية الإيرانية منتشرة في عشرات المواقع الأخرى.
وبحسب التقييمات الإسرائيلية وتصريحات مسؤوليها، فإن ضرب كل ما تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا، يتطلب هجمات إضافية.
دبلوماسية بعد الدمار
قال الضابط السابق في الجيش البريطاني، أندرو فوكس، في حديث لـ "إيران إنترناشيونال"، إن "الهجمات الإسرائيلية صُممت بحيث تتجنب تدمير القيادة العليا للنظام الإيراني بالكامل"، موضحًا أن هذه الهجمات كانت حاملة لرسائل أكثر من كونها بداية لحرب شاملة.
وأضاف أنه لو كانت إسرائيل تنوي فعلاً تغيير النظام، لكان المرشد الإيراني ورئيس البلاد من بين الأهداف الأساسية.
وشدد فوكس على أن تغيير النظام قد يظل هدفًا طويل المدى، لكن الأولوية الإسرائيلية الفورية واضحة: "الهدف القصير المدى هو منع إيران من امتلاك القدرة على صنع سلاح نووي".
ورجّح أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سيستغل هذه العملية الإسرائيلية كعامل استراتيجي لإعادة طهران إلى طاولة المفاوضات، بعد أن وصلت الضغوط السياسية والاقتصادية إلى طريق مسدود.
وتابع فوكس: "إن ترامب يتحدث عن إعطاء إيران فرصة أخرى للاتفاق.. هذه هي الصفقة التي أبرمتها إسرائيل مع واشنطن".
وأوضح أن ما يحدث يعكس نمطًا متكررًا: "عندما تفشل العقوبات والدبلوماسية في تغيير سلوك طهران، يتم اللجوء إلى العمل العسكري كملاذ أخير، ليس بالضرورة لبدء حرب، بل لإعادة ضبط شروط اللعبة الدبلوماسية".
أضعف لحظات النظام الإيراني
أكد محلل شؤون الشرق الأوسط ومستشار جهات دفاعية في الولايات المتحدة وإسرائيل، إريك ماندل، في بودكاست "عين على إيران"، أن هذه اللحظة تمثل أضعف وضع يمرّ به النظام الإيراني منذ تأسيسه عام 1979، وتُعد من أبرز المحطات في التاريخ المعاصر لإيران والمنطقة.
وقال ماندل، مدير شبكة معلومات وسياسات الشرق الأوسط (MEPIN)، لـ "إيران إنترناشيونال": "إن إيران تمرّ اليوم بأضعف حالاتها خلال 46 عامًا".
وأضاف أن ترامب يواجه الآن قرارًا تاريخيًا: إما الانكفاء إلى العزلة، أو استغلال الضربات العسكرية الإسرائيلية لإحداث تغيير استراتيجي بعيد المدى.
وأردف: "السؤال الرئيس ليس ماذا ستفعل إسرائيل، بل ماذا سيفعل الرئيس ترامب بما قدمته له إسرائيل".
وأشار ماندل إلى أن أحد الخيارات المطروحة هو شنّ هجوم أميركي على موقع تخصيب اليورانيوم المحصن في عمق الأرض.
وتابع قائلاً: "هل ستقوم الولايات المتحدة بالرد؟ وهل سيتواصل الرئيس مع قاعدة دييغو غارسيا الجوية؛ حيث تتمركز قاذفات B-2 المزودة بقنابل خارقة للتحصينات، لاستهداف الموقع الوحيد المتبقي.. منشأة فردو المدفونة بعمق؟".

صرّح 6 مسؤولين إيرانيين كبار وعضوان من الحرس الثوري، لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، بأن مسؤولي النظام لم يتوقعوا هجومًا قبيل الجولة الجديدة من المفاوضات النووية، وأن هذا الخطأ كان سببًا في الخسائر الجسيمة، التي ألحقتها الغارات الجوية الإسرائيلية.
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن النظام الإيراني اعتبر التحذيرات الدولية والتقارير الإعلامية، التي تحدّثت عن احتمال وشيك لهجوم، مجرد دعاية نفسية إسرائيلية تهدف إلى ممارسة الضغط على إيران قبيل المفاوضات.
وبناءً على هذا التصوّر، تم تجاهل الإجراءات الاحترازية، التي سبق وضعها؛ تحسبًا لسيناريو الهجوم.
وبحسب تقرير "نيويورك تايمز"، فإن من بين نتائج هذا الإهمال، بقاء قادة كبار في الحرس الثوري داخل منازلهم الخاصة.
وقد عقد قائد القوة الجو- فضائية للحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، اجتماعًا طارئًا مع عدد من كبار ضباطه في إحدى القواعد العسكرية بطهران. ولكن هذا الاجتماع عُقد خلافًا للتعليمات الأمنية، التي تمنع تركّز القادة في موقع واحد، واستُهدف المكان بغارة مباشرة من مقاتلات إسرائيلية، ما أدى إلى مقتل جميع من كانوا فيه.
ردود أفعال مسؤولي الحرس الثوري على الهجمات الإسرائيلية
في رسائل نصية تبادلها مسؤولون كبار في النظام الإيراني، وحصلت عليها "نيويورك تايمز"، أبدى بعضهم غضبًا كبيرًا بسبب العجز عن الرد على الهجمات، متسائلين: "أين دفاعاتنا الجوية؟ كيف لإسرائيل أن تضرب أي مكان تشاء ونحن لا نفعل شيئًا؟".
ووفقًا للتقرير، فقد عقد المرشد الإيراني، علي خامنئي، اجتماعًا طارئًا مع المجلس الأعلى للأمن القومي قبيل خطابه التلفزيوني، أمس.
وقال مصدران مطلعان للصحيفة إن خامنئي طالب في هذا الاجتماع بـ "انتقام قاسٍ"، لكنه في الوقت ذاته حذّر من "التحرك بعجلة".
وقد شهد الاجتماع خلافات جدية حول كيفية وتوقيت الرد العسكري؛ حيث أبدى بعض المسؤولين شكوكهم حيال الانخراط في حرب شاملة مع إسرائيل، مشيرين إلى الأضرار الجسيمة، التي لحقت بالبنية التحتية الصاروخية والدفاع الجوي للبلاد.
المناطق والمراكز الإيرانية المستهدفة في الهجوم الإسرائيلي
وبحسب أحد أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، فإن استهداف إسرائيل منشآت حيوية، مثل محطات الطاقة أو شبكات المياه والكهرباء، قد يؤدي إلى اندلاع احتجاجات داخلية في البلاد.
وذكر عضو في الحرس الثوري الإيراني، مطّلع على ما جرى في الاجتماع لـ "نيويورك تايمز"، أن "المسؤولين باتوا يدركون بوضوح أن خامنئي يقف عند مفترق طرق في قيادته الممتدة منذ 40 عامًا، وعليه أن يقرر: إما الدخول في حرب باهظة الكُلفة- قد تفضي إلى سقوط النظام- أو التراجع، وهو ما سيُعتبر فشلاً، سواء داخليًا أو خارجيًا".
وقد استهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية، أمس الجمعة 13 يونيو (حزيران)، ما لا يقل عن 20 قائدًا رفيع المستوى في الحرس الثوري، وعددًا من المراكز العسكرية في مناطق مختلفة من إيران.
ونقلت مصادر مقرّبة من الحرس الثوري أرقامًا غير رسمية، أفادت بإصابة 329 شخصًا ومقتل 78 في العاصمة طهران وحدها.
وفي تصريح أدلى به يوم أمس الجمعة، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفي دفرين، أن أكثر من 200 موقع داخل إيران قد تم استهدافه.
وأكد دفرين أن إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها ضد أي رد انتقامي من جانب النظام الإيراني، دون الحاجة إلى مساعدة حلفائها.