فيلم يُقدّم صورة جريئة وشفّافة عن جيل الشباب في طهران المعاصرة، ولهذا السبب، لم يُسمح له بالعرض داخل إيران.
بعد فيلمه الأول "تصوّر" الذي عُرض في مهرجان "كان" وبطولة ليلى حاتمي، يواصل بهراد في فيلمه الثاني اختيار أسلوب سردي مغاير، لا يُشبه كثيرًا أعمال المخرجين الإيرانيين الآخرين.
إنه يتبنّى نوعًا من السينما غير المجربة أو المقبولة سلفًا، ومن غير المعروف كيف سيتلقّاه الجمهور العام.
لكن ما هو لافت، أنّ هذا المخرج حُرم في كل مرة من فرصة عرض أفلامه في الداخل ومواجهة ردود فعل المشاهدين. ولم يبقَ له سوى جمهور المهرجانات خارج إيران.
وفي مهرجان "كارلوفي فاري"، التقى الفيلم بجمهور تشيكي امتلأت به القاعة، وتفاعل بشكل لافت مع مشاهده الكوميدية غير التقليدية والغريبة، بالضحك والانخراط.
هذا التميّز بحد ذاته هو ما يُشكّل الميزة الأساسية للفيلم؛ فهو لا يُقدّم سردًا تقليديًا أو حبكة مألوفة. المخرج يرسم في امتداد أفقي مقاطع من تعارف وحب، علاقة يبدو أنّ مصيرها الحتمي هو الفشل.
يبدأ الفيلم بحفل زفاف، حيث يلتقي الحبيبان السابقان بعد سنوات، خلال زفاف أصدقائهما. الفتاة التي كانت قد غادرت إيران والعلاقة معًا، تعود اليوم، وهذه العودة تفتح جراحًا يبدو أنها بلا شفاء.
عبر استرجاعات زمنية غير مرتبة زمنيًا، نُشاهد مشاهد مفصلية من العلاقة، في عرضٍ يشبه تدفق الذكريات.
كأن كلًّا منهما يستعيد لحظاته الخاصة، ولهذا السبب لا تخضع الرواية لتسلسل زمني. فقط عند نهاية كل مشهد ندرك أيّ مرحلة من العلاقة يُمثّلها، وفي النهاية نفهم الترتيب الزمني للمشاهد التي شاهدناها.
اللعب بالزمن هو أبرز ملامح السرد في الفيلم؛ إذ كان من الممكن أن يتعثر الفيلم لو سلك الترتيب الزمني المعتاد. لكن عبر حيلة ذكية، يقوم المخرج بتفكيك الزمن، ويربطه بزمن غير خطي متصل بالذكريات وتعقيداتها.
يبدو المخرج هنا وكأنه يصنع فيلمًا شخصيًا؛ يروي عوالم وعلاقات نابعة من تجربته المعيشة: شباب طهران الميسورون نسبيًا، الذين لا تشغلهم الهموم السياسية أو الاجتماعية أو الفقر، بل يبنون عالمهم الداخلي بعيدًا عن الخارج؛ من ألعاب غريبة، إلى حفلات صاخبة، إلى علاقات مفتوحة، ومشاهدة أفلام على شاشة ضخمة فوق سطح المنزل.
المخرج يعرف هذا الجيل وهذه الاهتمامات، ويريد أن يكون راوياً لهم؛ لشخصيات غابت عن سينما إيران الرسمية. يراقبهم بكاميراته في مشاهد طويلة، تسير بهدوء وتتطلب صبرًا من المشاهد، لتصوّر النظرات، والكلمات، والتفاعلات، في سرد علاقة حب فاشلة.
الكاميرا لا تتدخل عادة، تقف بعيدًا، وتكتفي بالمراقبة. رغم أن الفيلم لا يتبع أسلوب الواقعية بالمعنى التقليدي، إلا أنّه يسعى لتسجيل الواقع في المشهد كما هو، دون أن يتخذ المخرج موقفًا أو يصدر أحكامًا.
لا يُدين الفيلم أياً من الشخصيتين؛ لا الفتاة التي لم تجد مستقبلاً في إيران فغادرت، ولا الشاب الذي لم يتمكن من مرافقتها.
من هذه الزاوية، يُمسك الفيلم بواحد من أهم الأسئلة التي تُواجه المجتمع الإيراني اليوم: البقاء أم الرحيل؟ وغالبًا ما يُقدّم هذا الموضوع في السينما الرسمية بخطاب دعائي، إذ تنحاز الأفلام لمن يختار البقاء وتُدين من يهاجر، في محاولة لترويج خطاب النظام. أما هنا، فالشخصية التي اختارت الهجرة لا تُدان، حتى لو كانت خسرت حبّ حياتها.
لكن الفيلم يحمل مرارة ظاهرة، ربما بسبب الزمن والمكان اللذين يتحرك فيهما؛ حيث لا تدوم حلاوة الحياة، وهي محكومة بالفشل. الفيلم لا يدّعي أنه سياسي أو اجتماعي، لكنه يتحوّل بشكل تلقائي إلى صورة جيلٍ ضحية لزمنه، جيلٌ يتمنى أن يعيش حياة بسيطة، مليئة بالحب، بعيدًا عن التوترات السياسية والاجتماعية- وهي حياة قد تبدو طبيعية وممكنة في أماكن أخرى من العالم- لكنه يُواجه بالقيود، والمصاعب، والأبواب المغلقة، وهي ما تُكسب نهاية الفيلم مرارتها، دون أن يُصرّح المخرج بذلك صراحة.