وقد تفاقمت الأزمات الاقتصادية في إيران منذ بداية هذا العام بشكل أكبر من ذي قبل، وظهرت في مجالات مختلفة، ومنها أزمة الكهرباء في الصيف، والكهرباء والغاز معًا شتاءً، والارتفاع المتكرر لسعر الدولار، وانهيار سوق الأوراق المالية، وهروب المستثمرين الأجانب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونقص الأدوية أو انعدامها، وكلها مجرد أمثلة على هذه الأزمات.
ووصف عدد من المواطنين الوضع الذي يسيطر على الأسواق بقولهم: "كل عام أسوأ من سابقه".
وقال أحد المواطنين، الذي عرّف عن نفسه بأنه صاحب "هايبر ماركت"، في رسالة صوتية لـ "إيران إنترناشيونال": "إن الوضع لا يشبه أبدًا أجواء عيد النوروز، لأن القوة الشرائية اختفت، وأصبحت الوجبات الخفيفة هي الخيار المتاح أمام الناس للشراء".
وأضاف أن المبيعات الرئيسة في المتاجر هي "السجائر والمشروبات الغازية العائلية"، وحتى مواد التنظيف المعتادة لتنظيف المنازل في عيد النوروز لم تعد تجد مشترين.
وتُظهر مقارنة بين أسعار مواد التنظيف، في فبراير (شباط) 2025، وعيد النوروز العام الماضي، أن سعر سائل غسيل الأطباق "ريكاي" بسعة لتر واحد ارتفع من 30 ألف تومان إلى 55 ألفًا، كما ارتفع سعر سائل غسيل الملابس "أكتيف" بسعة 2.5 كيلو غرام من 75 ألفًا إلى 157 ألف تومان.
الناس لا يستطيعون شراء ملابس جديدة
تواجه سوق السلع الأخرى، مثل الملابس، التي كانت تشهد عادة أعلى المبيعات، في مثل هذا الوقت من كل عام، ركودًا مماثلاً.
وأكد أحد متابعي "إيران إنترناشيونال"، الذي قدّم نفسه بأنه موظف في مركز بيع الملابس بمنطقة "ميرداماد" في طهران، أن الناس لا يملكون القدرة على الشراء، وأن عددًا قليلاً جدًا من الأشخاص يأتون يوميًا لشراء "المانتو" (معاطف النساء)، ووصف هذا الوضع بأنه "كارثة اقتصادية".
وأشار مواطن آخر إلى أن سعر "المانتو" يتراوح بين 2 و8 ملايين تومان، وسعر "البدلة النسائية" بين 15 و18 مليون تومان.
وأضاف أنه براتبه البالغ 10 ملايين و200 ألف تومان، والذي يدفع منه نحو 7 ملايين تومان إيجارًا للمنزل، لا يستطيع شراء هذه الملابس أو حتى البديل الأرخص منها.
ولفتت أيضًا صحيفة "همشهري"، التابعة لبلدية طهران، إلى الأجواء "المختلفة" لشهر فبراير هذا العام، وكتبت أنه لا يوجد أي ازدهار في الأعمال التجارية مع اقتراب عيد النوروز، وأن الأسواق شبه خالية، وأن كل شيء من الملابس إلى الأجهزة المنزلية يعاني بسبب الركود.
وذكرت أنه كان من المعتاد أن يتم تعويض المبيعات المنخفضة خلال العام في الشهرين الأخيرين من العام، لكن بائعي الملابس هذا العام يواجهون نقصًا حادًا في المشترين، لأن الملابس ذات الجودة العالية نسبيًا يصل سعرها إلى أكثر من مليون تومان، وهو ما لا تستطيع الأسر الإيرانية تحمله.
وكشفت الصحيفة، في تقريرها، أنه إذا أراد شخص في إيران شراء مجموعة أثاث ذات جودة مقبولة بمناسبة عيد النوروز، فعليه أن يدفع على الأقل 70 إلى 100 مليون تومان، لأن تكاليف الإنتاج، بما في ذلك إيجار الورش، والقماش، والخشب، والوصلات، قد ارتفعت عدة مرات.
وأكدت أن المشترين في هذه الظروف يلجؤون إلى السلع ذات الجودة المنخفضة، ويحاولون شراء مجموعة أثاث رديئة بنحو 20 إلى 30 مليون تومان، وهي "قد تدوم، إذا كانوا محظوظين، لمدة عام أو عامين".
المواطنون في الأسواق يشاهدون ولا يشترون
قال مواطن آخر عرّف نفسه بأنه متقاعد من الضمان الاجتماعي، إن دخله نحو 9 ملايين تومان، وأضاف أنه لا يعرف كيف سيوفر احتياجات عائلته المكونة من أربعة أفراد مع الارتفاع اليومي لأسعار السلع الأساسية.
وأشار إلى أن سعر اللحم البقري "تنظيم السوق" يبلغ 990 ألف تومان، وسعر زجاجة الزيت النباتي 570 ألف تومان، ورغيف الخبز "سنكك" 20 ألف تومان، والكيوي 150 ألف تومان للكيلو، والبرتقال 35 ألف تومان، والتفاح 46 ألف تومان، وقال إنه يشتري الأرز بالتقسيط.
وحذر مواطن آخر في رسالته من "الوضع المزري للطبقة العاملة وانعدام الأمل في الحياة".
وكانت "إيران إنترناشيونال" قد أشارت، في تقرير حديث لها، إلى أن التقارير الصادرة عن مركز الإحصاء التابع للنظام الإيراني، والتي أعلن فيها أن معدل التضخم في المواد الغذائية بلغ 26.6 في المائة، ومعدل التضخم العام 32 في المائة (وهو أقل من المعدل الحقيقي)، تُظهر أن الأسواق وميزانيات الأسر تمر بكارثة اقتصادية.
وقال مواطن، في رسالته إلى "إيران إنترناشيونال"، إنه لاحظ أن المحلات شبه مغلقة في عيد النوروز، وأضاف أن الغالبية العظمى من الناس في الأسواق والشوارع "فقط يشاهدون" السلع، بينما التجار مستاؤون وغاضبون من كساد السوق والزيادة غير المسبوقة في فواتير الماء والكهرباء والغاز.
إيران تواجه سلسلة من أزمات الطاقة
تواجه إيران سلسلة من الأزمات المتزايدة في قطاع الطاقة؛ حيث يعاني المواطنون في هذا الشتاء، بسبب البرودة والتلوث وانقطاع الكهرباء.
وأشار أحد متابعي "إيران إنترناشيونال" إلى أن جميع المدن تعاني جراء انقطاع الكهرباء وكساد السوق، وقال إن كاهل الجميع قد انحنى تحت وطأة الفقر والحرمان، وأن مسؤولي النظام الإيراني لا يفعلون شيئًا لإنهاء هذه المعاناة المستمرة.
ووصف مواطن آخر الوضع الحالي بأنه "مأساوي"، وقال: "في السنوات الماضية كنا نقول إنه لا يمكن أن يصبح الوضع أسوأ من هذا، لكن النظام الإيراني أثبت أن ما هو أسوأ مما كنا نتخيل في الطريق، وعلى وجه السرعة".