الإيرانيون يئنون تحت وطأة الضغوط الاقتصادية.. والنظام يضاعف الميزانية العسكرية 200 %
يواجه الشعب الإيراني هذه الأيام ضغوطًا اقتصادية غير مسبوقة، وسط تصاعد التوترات بين إيران وكل من إسرائيل والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، قامت طهران بزيادة كبيرة في ميزانيتها العسكرية لدعم دفاعاتها ونفوذها الإقليمي.
وقال الباحث الرئيس في مركز الحوكمة والأسواق بجامعة بيتسبرغ الأميركية، محمد ماشين جيان، في "بودكاست" موقع قناة "إيران إنترناشيونال" باللغة الإنجليزية: "إنها مأساة حقيقية؛ لقد انخفض مستوى جودة الحياة للإيرانيين بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة، ولكن الوضع أصبح كارثيًا تمامًا في العام الماضي".
وشدد ماشين جيان، في الحوار، على أن الحكومة الإيرانية لا تزال تفضل تمويل الحرس الثوري والمغامرات العسكرية على رفاه المواطنين.
انخفاض قيمة العملة الوطنية
منذ تولي مسعود بزشكيان رئاسة الحكومة الإيرانية، انخفضت قيمة العُملة الوطنية الإيرانية إلى النصف.
ومع ارتفاع معدل البطالة فوق 70 في المائة، يواجه الآن ملايين الإيرانيين صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية؛ حيث غمر التضخم المفرط والفقر حياتهم.
وتسبب هذا الانخفاض الحاد في قيمة العملة الوطنية بارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 40 في المائة، وزادت أسعار المواد الغذائية في بعض الحالات بنسبة 100 في المائة.
ومع تفاقم الأزمة، يتوقع أن يزداد الضغط الاقتصادي على الإيرانيين بشكل أكبر في الأشهر المقبلة.
وأكد ماشين جيان أن بزشكيان قد فوّت العديد من الفرص لمواجهة الأزمة، ولم يتم تخصيص أي بنود في ميزانية البلاد لمساعدة الشعب، قائلاً: "كان بإمكان بزشكيان تنظيم ميزانية العام المقبل؛ بحيث يمكنه على الأقل إقناع المسؤولين في إيران بمنع زيادة الميزانية العسكرية لمدة عام واحد لتجنب تدهور الوضع".
وأضاف قائلاً: "نحن الآن في وضع حرج. كان يجب على بزشكيان توجيه الميزانية نحو الاحتياجات الأساسية للشعب، لكن أولويته كانت الحرس الثوري".
وزادت حكومة بزشكيان الميزانية العسكرية بنسبة 200 في المائة، في العام الإيراني الجديد، وعلى الرغم من العجز المالي وانهيار العملة الوطنية، فإن طهران تحاول تعزيز إيراداتها من خلال زيادة الضرائب.
ويعتقد المحلل الاقتصادي في معهد الدراسات الاقتصادية الدولية في فيينا، مهدي قاضي، أن هذه هي أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها إيران منذ بداية تأسيس النظام الحاكم.
وشدد على أن الوضع الاقتصادي حتى أثناء الحرب الإيرانية- العراقية، التي استمرت ثماني سنوات، كان أفضل مما هو عليه اليوم.
وقال قاضي: "هذه هي أسوأ حالة وأكثرها قتامة وظلامًا شهدتها إيران حتى الآن".
وأضاف أن أسباب هذا الانهيار متعددة الأوجه، منها موقف إيران العسكري في المنطقة؛ باعتباره وسيلة للحفاظ على النظام السياسي.
وشبه الوضع الحالي لإيران بـ "كوميديا سوداء"، وقال: "قادتنا في طهران يعيشون حالة من الفوضى السياسية. هدفهم الوحيد هو البقاء، وللبقاء يحتاجون إلى توسيع دائرة الحرب والتوتر مع دول أخرى".
ما أهمية الإيرادات النفطية؟
زاد الغموض وعدم اليقين الناجم عن احتمال نشوب حرب مع الولايات المتحدة أو التوصل إلى اتفاق نووي جديد من عمق الأزمة الاقتصادية في إيران.
ومنذ تولي إدارة دونالد ترامب السلطة، تفاقم انهيار قيمة العُملة الإيرانية أمام العملات الأجنبية؛ إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى نحو 105 آلاف تومان.
وفرضت إدارة ترامب عقوبات جديدة على صناعة النفط الإيرانية، والتي تشمل حتى المصافي الصغيرة الصينية (المعروفة باسم تيبات)، التي تقوم بتنقية النفط الخام الإيراني.
وصرح وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، مؤخرًا: "لو كنت مكان الإيرانيين، لقمت بتحويل كل أموالي إلى العملات الأجنبية الآن".
وتعتمد الحكومة الإيرانية بشدة على إيرادات النفط، لكن وفقًا لماشين جيان، فإن الإيرادات الحالية من الصادرات النفطية ليست كافية حتى لتوفير الأموال اللازمة لصناديق التقاعد الأساسية.
ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد بلغت صادرات النفط الإيرانية في عام 2024 نحو 54 مليار دولار، وهي زيادة طفيفة على 53 مليار دولار في عام 2023. ووفقًا للتقرير، فإن متوسط حجم الصادرات اليومية لإيران بلغ 1.5 مليون برميل يوميًا، خلال تلك الفترة.
ومع ذلك، وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى "تصفير" صادرات النفط الإيرانية.
ويُعتقد أن الأسواق العالمية قد تتحمل هذا القطع الكامل للصادرات النفطية الإيرانية، لكن الآثار ستكون كارثية على الاقتصاد الإيراني.
وتحاول إيران حاليًا السيطرة على أسعار السلع الأساسية عن طريق ضخ الدولارات في السوق، لكن إذا تم قطع صادرات النفط بالكامل، لن يكون لدى الحكومة احتياطيات كافية من العملات الأجنبية، مما سيؤدي إلى ارتفاع التضخم بشكل أكبر وانهيار قيمة الريال الإيراني، كما سيؤدي هذا إلى عدم قدرة إيران على تقديم الدعم لسعر البنزين.
وحذر الاقتصاديان قاضي وماشين جيان من أنه في حالة رفع الدعم عن البنزين، سيكون هناك احتمال كبير لارتفاع أسعار الوقود خلال الصيف المقبل، وقد يؤدي ذلك إلى احتجاجات واسعة النطاق مشابهة للاحتجاجات، التي حدثت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
وبدأت تلك الاحتجاجات بعد زيادة مفاجئة في أسعار البنزين، وسرعان ما تحولت إلى احتجاج شامل ضد النظام الإيراني، وأسفرت تلك الاحتجاجات عن مقتل المئات واعتقال أكثر من سبعة آلاف شخص.
ومع ذلك، يعتقد كلا الاقتصاديين أن أي تغيير في قيادة إيران من خلال سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية سيكون ممكنًا فقط، إذا حصل الشعب الإيراني على دعم كامل.
ومع استمرار خطر الحرب أو عدم احتمال التوصل إلى اتفاق نووي جديد، من المحتمل أن يستمر انهيار الريال الإيراني، وسيزيد التضخم المرتفع أصلاً والمشاكل الاقتصادية من الاستياء العام، بينما ستظل المخاطر الدبلوماسية والعسكرية مرتفعة.