في تقرير جديد لصندوق النقد الدولي.. "آفاق قاتمة" للاقتصاد الإيراني

مع تصاعد العقوبات الدولية وتفاقم الضغوط الداخلية، تواجه إيران واحدة من أصعب الظروف الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكده تقرير جديد صادر عن صندوق النقد الدولي.
رسم صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير صورة مقلقة للتدهور الاقتصادي، والتضخم الشديد، وانكماش الاقتصاد، وزيادة عجز الموازنة في إيران، مما قد يكون مؤشراً على عدم استقرار طويل الأمد.
توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ نمو الاقتصاد الإيراني في عام 2025 نسبة 0.3 في المائة فقط، في حين كان قد توقع في تقريره السابق في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 نمواً بنسبة 3 في المائة.
يعود هذا الانخفاض الحاد إلى الضغوط المتزايدة للعقوبات الأميركية التي تهدف إلى تقليص عائدات إيران النفطية وقطع وصولها إلى الموارد المالية.
سيشهد قطاع النفط، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الإيراني، مزيداً من الضرر في الظروف الحالية. وقدّر صندوق النقد الدولي أن ينخفض إنتاج وتصدير النفط الإيراني في العام المقبل بمقدار 300 ألف برميل يومياً.
وسبق أن حذرت شركات استشارية في مجال الطاقة مثل "كيبلر" و"فورتيكسا" و"تانكر تراكرز"، في تصريحات لقناة "إيران إنترناشيونال"، من أن تصدير النفط الإيراني قد ينخفض بما يصل إلى 500 ألف برميل يومياً مع تشديد العقوبات.
في أبريل (نيسان) وحده، فرضت إدارة ترامب ثماني حزم عقوبات جديدة على ناقلات النفط وشبكات تصدير النفط الإيراني، وفي مايو (أيار)، فرضت ثلاث حزم عقوبات إضافية حتى الآن.
ووفقاً لإحصاءات قدمتها شركة "كيبلر" لقناة "إيران إنترناشيونال"، بلغ متوسط تفريغ النفط الإيراني في الموانئ الصينية من بداية يناير (كانون الثاني) حتى نهاية أبريل (نيسان) 2025 حوالي 1.38 مليون برميل يومياً، أي أقل بـ100 ألف برميل عن متوسط العام الماضي. وتُعتبر الصين المشتري الرئيسي للنفط الإيراني.
انخفاض الفائض التجاري وزيادة هروب رؤوس الأموال
وفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، ستنخفض إجمالي الصادرات الإيرانية (بما في ذلك النفط، والسلع غير النفطية، والخدمات) بنسبة 16 في المائة هذا العام، لتصل إلى 100 مليار دولار.
كما ستنخفض الواردات بنسبة 10 في المائة لتصل إلى 98 مليار دولار. ونتيجة لذلك، سيكون الفائض التجاري الإيراني 2 مليار دولار فقط، مقارنة بـ10 مليارات دولار في العام الماضي.
على الرغم من الفائض التجاري الإيجابي في السنوات الماضية، لا يزال هروب رؤوس الأموال من إيران عند مستوى مقلق.
وأعلن البنك المركزي الإيراني أن حوالي 14 مليار دولار من رؤوس الأموال غادرت البلاد في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، مقارنة بـ20 مليار دولار في العام السابق له.
ومنذ إعادة فرض العقوبات في عام 2018، تضاعف هروب رؤوس الأموال من البلاد حوالي ست مرات.
انهيار التومان وانكماش الاقتصاد
لكن الصدمة الأكبر تتعلق بالناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وهو مؤشر يعكس حجم اقتصاد الدولة على المستوى العالمي بناءً على الأسعار الجارية وبحساب الدولار الأميركي.
وقدّر صندوق النقد الدولي أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لإيران في عام 2025 إلى 341 مليار دولار، أي أقل بـ60 مليار دولار عن عام 2024.
السبب الرئيسي لهذا الانخفاض هو الانهيار الحاد في قيمة التومان، الذي خسر حوالي نصف قيمته في العام الماضي وحده.
على الرغم من أن إحصاءات النمو الاقتصادي في إيران بناءً على الأسعار الثابتة (لعام 2016) ودون احتساب آثار التضخم وانخفاض قيمة التومان قد تبدو مستقرة، إلا أن الأخذ بالأسعار الجارية يكشف بوضوح الحقيقة المريرة لانكماش الاقتصاد.
في عام 2000، كان اقتصاد إيران أكبر من اقتصادات المملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة، لكن اليوم أصبح اقتصاد السعودية أكبر بأكثر من ثلاثة أضعاف، واقتصاد تركيا أكبر بأربعة أضعاف، واقتصاد الإمارات أكبر بـ1.6 مرة من اقتصاد إيران.
تضخم على مستوى دول مثل فنزويلا وزيمبابوي
ويتسارع التضخم في إيران بسرعة. ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لتضخم إيران في عام 2025 من 37 في المائة في تقريره السابق إلى 43.3 في المائة، ليضع إيران إلى جانب دول مثل فنزويلا والسودان وزيمبابوي في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث التضخم.
ويمكن إرجاع هذا التضخم الشديد إلى انهيار قيمة التومان، والقيود على استخدام الاحتياطيات الأجنبية، وزيادة اقتراض الحكومة الداخلي بشكل حاد، وارتفاع تكاليف الواردات في ظل العقوبات.
موازنة غير مستدامة وبعيدة عن الواقع
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن صندوق النقد الدولي أشار إلى أن إيران ستحتاج لبيع النفط بسعر 163 دولاراً للبرميل لتتمكن من موازنة ميزانيتها لعام 2025 دون عجز، في حين أن متوسط سعر النفط العالمي يبلغ حوالي 66 دولاراً.
وأعدت الحكومة الإيرانية ميزانية العام المقبل بناءً على تصدير 1.85 مليون برميل نفط يومياً بسعر 67 دولاراً، لكن صندوق النقد الدولي يقدّر أن تصدير النفط الخام الإيراني الفعلي لن يتجاوز حوالي 1.1 مليون برميل يومياً.
وتصدر إيران أيضاً حوالي 200 ألف برميل يومياً من المكثفات الغازية، لكن الفجوة بين الصادرات الفعلية وأرقام الموازنة لا تزال ضخمة، مما سيؤدي إلى نقص كبير في إيرادات الحكومة.
وليست هذه الوضعية جديدة على إيران. في السنوات الأخيرة، واجهت الحكومات عادةً عجزاً في الموازنة يعادل حوالي ثلث إجمالي النفقات، ولتغطية هذا العجز، لجأت إما إلى طباعة النقود أو الاقتراض من البنوك وصندوق التنمية الوطني، وهي خطوات أدت إلى تأجيج التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي.
وتوقع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة دين الحكومة الإيرانية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 39.9 في المائة هذا العام، وإلى 41.9 في المائة في العام المقبل، وهي أرقام مقلقة للغاية بالنسبة لاقتصاد يعاني من عقوبات قاسية.