وفاة شيوَا أرسطويي.. حين يتحول تشييع "الموتى" إلى تحدٍ للقمع في إيران

رضا أكوانيان
رضا أكوانيان

إيران إنترناشيونال

منذ انطلاق حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، حملت العديد من النساء، دون حجاب إجباري، نعوش أحبائهن في مراسم الدفن بمختلف مدن إيران. وفي أحدث مثال على ذلك، حملت النساء المشاركات في جنازة الكاتبة والمترجمة شيوَا أرسطويي جثمانها على أكتافهن دون ارتداء الحجاب الإجباري، ووارينه الثرى.

جرى تشييع أرسطويي يوم 11 مايو (أيار) الجاري في "بيت الفنانين"، ودُفنت في مقبرة الفنانين في "بهشت زهراء" بطهران.

وتُظهر الصور ومقاطع الفيديو من مراسم التشييع أن مجموعة من النساء، بلا حجاب إجباري، حملن الجثمان في صمت، وسِرن به نحو مثواه الأخير.

وقد اعتُبرت هذه الصور، التي نادرًا ما تتكرر في الذاكرة الجمعية للإيرانيين عبر تاريخهم الحديث، من أبرز مؤشرات استمرار حياة حركة "المرأة، الحياة، الحرية".

ورأى البعض في هذا التشييع انعكاسًا لروح شيوَا أرسطويي المتحررة وإيمانها بالحقوق الفردية والاجتماعية، بينما اعتبره آخرون استمرارًا لنضال النساء ضد القمع والتقاليد الذكورية، التي كبّلت حياتهن لقرون في ظل أنظمة سلطوية إيرانية.

وأعادت هذه الصور للأذهان مشاهد من جنازة الشابة الإيرانية، مهسا أميني، في عام 2022 بمدينة سقز، عندما خلعت النساء حجابهن ولوّحن به في الهواء، وكذلك مشاركة النساء في قيادة احتجاجات حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، والمآتم التي أقامتها أمهات لأبنائهن القتلى في المظاهرات، حين أطلقن الزغاريد ولوّحن بأوشحتهن في السماء.

وكتب حساب "نساء إيران" على "إنستغرام" عن مراسم أرسطويي: "لأول مرة، حملت النساء بشكل موحّد تابوت امرأة ورافقنها إلى منزلها الأبدي".

كما نشر الكاتب والمترجم الإيراني، أسدالله أمرائي، صورة من التشييع، وقال: "النساء شيّعن شيوَا أرسطويي بما ارتدينه من ملابس كما شئن".

أما الشاعر والكاتب، مظاهر شهامت، فكتب: "تابوت شيوَا أرسطويي على أكتاف نساء الوطن".

ووُلدت أرسطويي في مايو 1981 في طهران، وتوفيت في 5 مايو 2025 عن عمر ناهز 64 عامًا.

ونشرت خلال حياتها ثماني روايات، ومجموعتين قصصيتين، وديوانين شعريين، ومن أبرز أعمالها: رواية "حين رأيته أصبحت جميلة"، و"بي ‌بي شهرزاد"، ومجموعة "الشمس والقمر"، و"أتيت لأشرب الشاي مع ابنتي".

وكانت من المدافعات عن حرية التعبير، ومن الموقعين على بيان "نحن كتّاب" عام 1994 الرافض للرقابة، وانضمت إلى رابطة الكُتّاب الإيرانيين عام 1999.

امرأة كسرت "تابو" غناء النساء الكرديات في إيران

شُيعت جنازة المغنية الكردية، فتانه وليدي، التي توفيت في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 عن عمر 71 عامًا، على أكتاف النساء في مسقط رأسها، سنندج.

وكانت وليدي تغني باللغة الكردية، وتعاونت مع الموسيقي حسن كامكار، مؤسس فرقة كامكار الموسيقية، وكانت أول امرأة كردية تكسر "تابو" غناء النساء في إيران. وقبل الثورة عام 1979، شاركت في كورال برنامج الأطفال في إذاعة إيران، لكن بعد الثورة مُنعت من الغناء علنًا.

وقال الموسيقي حسين علي زاده إن فيلم "نصف القمر" للمخرج بهمن قبادي مستوحى من حياتها.

ماهُور تحت نعش والدها

تُوفيّ الشاعر والمفكر البارز، أحمد رضا أحمدي، أحد مؤسسي "الموجة الجديدة" في الشعر الإيراني، في يوليو (تموز) 2023 عن عمر 83 عامًا، بعد صراع مع المرض.

وتحدّت ابنته، ماهُور أحمدي، منع السلطات لها من إلقاء كلمة في مراسم التشييع في مركز التنمية الفكرية للأطفال والناشئة، فألقت شعرًا وتحدثت، دون حجاب إجباري.

وقالت في كلمتها: "والدي لم يتكسّب من السياسة يومًا، لكنه كتب أكثر القصائد السياسية، وتمت إحالته إلى التقاعد من المركز بشكل قسري".

وخُلّدت صورة ماهُور، وهي الوحيدة من دون حجاب تحمل نعش والدها وترفعه، في الذاكرة العامة.

وفي 8 مارس (آذار) 2024، تزامنًا مع يوم المرأة العالمي، أعلنت ماهور أن القضاء الإيراني فتح قضية ضدها؛ بسبب مشاركتها في تشييع والدها دون حجاب، وحُكم عليها بالسجن ثم بالغرامة.

جثمان محمد ملكي على أكتاف نرجس محمدي وشهناز أكمالي

في ديسمبر (كانون الأول) 2020، شاركت الناشطة الحقوقية، نرجس محمدي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وشهناز أكمالي، والدة مصطفى كريمي بيكي (أحد قتلى احتجاجات 2009)، في تشييع جثمان السياسي المعارض، محمد ملكي، بحمله على أكتافهما.

وهتفت محمدي بصوت عالٍ: "التحية لرجل الحرية في إيران، للمجاهد الصامد. التحية للحرية والعدالة". كما ألقت كلمة عن حياته: "ملكِي أفنى عمره في النضال من أجل الحرية، ولم يعرف الراحة، وكانت حياته مقاومةً مستمرةً من أجل حقوق الشعب".

ووصف المستخدمون في شبكات التواصل الاجتماعي ذلك الحدث بأنه تحدٍ شجاع لكسر التقاليد الذكورية.

تشييع "ذكوري تمامًا" لـ"فروغ فرخزاد"

توفيت الشاعرة الإيرانية البارزة، فروغ فرخزاد، في 13 فبراير (شباط) 1967، ودُفنت بعد يومين في مقبرة "ظهير الدولة" بحضور عائلتها ومحبيها.

وتُعد فروغ رمزًا لتمرد النساء الإيرانيات على الظلم والتمييز، فقد عبّرت في شعرها عن معاناتهن اليومية في المنازل.

ورغم مرور نحو 60 عامًا، لا تزال صور تشييعها تظهر رجالاً فقط يحملون نعشها من جميع الجهات، دون أي حضور نسائي في حمل الجثمان.

ولا يقتصر الفرق بين مراسم دفن فروغ فرخزاد عام 1967، وشيوَا أرسطويي عام 2025، على الشكل، بل يُبرز تحقق شعار "المرأة، الحياة، الحرية" من خلال الشجاعة المتنامية للنساء الإيرانيات.

وبعد مضي عامين وثمانية أشهر على انطلاق حركة "المرأة، الحياة، الحرية"، وما تلاها من أحداث، تؤكد الأجواء الراهنة في المجتمع الإيراني أن النساء لا يزلن يواصلن نضالهن من أجل نيل حقوقهن.