خامنئي.. 21 يومًا في المخبأ

مرّ 21 يومًا على آخر ظهور علني للمرشد الإيراني علي خامنئي، كانت آخر مرة شوهد فيها يوم الأربعاء 11 يونيو (حزيران)، قبل يومين من بدء الهجوم الإسرائيلي، خلال لقائه بأعضاء البرلمان.
مرّ 21 يومًا على آخر ظهور علني للمرشد الإيراني علي خامنئي، كانت آخر مرة شوهد فيها يوم الأربعاء 11 يونيو (حزيران)، قبل يومين من بدء الهجوم الإسرائيلي، خلال لقائه بأعضاء البرلمان.
منذ ذلك الحين، لم يظهر خامنئي في أي مناسبة علنية، ويبدو أنه نُقل إلى مخبأ تحت الأرض، يمكن أن يحميه من خطر القاذفات والطائرات المسيّرة الإسرائيلية.
هذا الوضع يحمل عواقب دعائية وسياسية خطيرة لشخص قال مرارًا إنه سيرتدي زيّ القتال في يوم الحرب. فبينما مرّ أكثر من 10 أيام على انتهاء الحرب، لم يعد خامنئي إلى الظهور العلني، وغيبته تُفهم حتى من قِبل مؤيدي النظام كعلامة ضعف.
في حين يأمل أنصاره أن يُفسَّر ظهوره المرتقب في بيت القيادة كنوع من الولادة الجديدة للنظام، فإن استمرار غيابه يعكس مدى هشاشة وضع النظام ووقوعه في حالة دفاعية حرجة.
وقد يبدو الأمر غريبًا، لكن كثيرًا من مسؤولي النظام ومؤيديه يرون مجرد بقاء المرشد على قيد الحياة وعدم انهيار شكل النظام حتى الآن كـ"انتصار".
ينبع هذا التفكير من واقع أن العديد من هؤلاء المسؤولين كانوا يتوقعون انهيار النظام، ولذلك يُعدّ تجاوز هذه المرحلة بحد ذاته إنجازًا في نظرهم.
غياب "الاستعراض الجماهيري"
أحد السمات الجوهرية للأنظمة السلطوية مثل النظام الإيراني، ألمانيا النازية، الفاشية الإيطالية، والاتحاد السوفيتي، هو اعتمادها على عروض القوة والمظاهر الدعائية الجماعية.
نظام طهران دأب على إعادة بث خطب خامنئي باستمرار، لكنه يختلف عن تلك الأنظمة في نقطة مهمة: الدكتاتور في تلك الأنظمة كان يظهر بين الجماهير ويصافح الناس. خامنئي لم يفعل ذلك قط، باستثناء ظهور محدود ومتنكر عقب زلزال "بم" عام 2003.
منذ تسلمه القيادة عام 1989، ألقى خامنئي أكثر من 1960 خطابًا، أي بمعدل 54 خطابًا سنويًا.
لكن الآن فقد هذا السلاح الدعائي الأساسي. فلم يعد بالإمكان عرض صورته في صلاة الجمعة أو بث خطاباته من بيت القيادة. وهذا يمثل نقطة ضعف استراتيجية كبرى للنظام.
خامنئي بطبيعته شخص يعتمد نفسيًا على الخطابة. لا يشارك في مؤتمرات صحفية ولا في جلسات أسئلة وأجوبة، ويعتبر نفسه فوق المساءلة من الإعلام أو الناس.
وقد كانت الخُطب وسيلته الأساسية للحكم والتأثير لعقود، وهي الخُطب التي كان يتغذى فيها نفسيًا من تصفيق مؤيديه وردود أفعالهم المؤيدة.
الآن، وهو في مخبأ لا جمهور فيه، يبدو أنه يعاني من الاكتئاب.
الفيديوهات التي نُشرت له من المخبأ تُظهر اختلالًا واضحًا في طريقة إلقائه للخطاب مقارنة بخطبه السابقة.
أزمة في اتخاذ القرار
على المستوى الهيكلي، فإن عدم وصول المسؤولين إلى خامنئي له عواقب كبيرة. قبل الحرب، كان يعقد اجتماعات دورية مع الرئيس، وقادة الحرس، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وكان يتدخل شخصيًا في القرارات.
أما الآن، فقد تقلصت هذه اللقاءات أو توقفت، وهو ما أربك عملية اتخاذ القرار في النظام.
القادة العسكريون والسياسيون الذين اعتادوا التوجه إلى بيت القيادة من أجل أدق التفاصيل التكتيكية، باتوا في حالة ضياع دون توجيه مباشر، مما يزيد احتمالية ارتكاب أخطاء استراتيجية فادحة.
خلال الحرب الأخيرة، تمكن الجيش الإسرائيلي من اغتيال القادة الأساسيين لمقر "خاتم الأنبياء"، وهم غلام علي رشيد، وبعده علي شادماني، الذي قُتل بعد 4 أيام فقط من تعيينه.
هذا كان ضربة قاسية وغير مسبوقة للنظام على المستويين العسكري والنفسي.
الآن، يتحاشى النظام الإيراني حتى الكشف عن اسم القائد الجديد لهذا المقر.
هذا التكتم يكشف عن تفوق استخباراتي إسرائيلي واضح، كما يعكس انعدام الثقة في منظومة الأمن والحماية الداخلية.
ورغم أن النظام يقوم اليوم باعتقال مواطنين عاديين بتهمة التجسس، إلا أنه يرفض الاعتراف بأن الخرق جاء من داخل الجهاز نفسه، من أعلى المستويات وليس من الشارع.
من أبرز إخفاقات النظام في هذه الحرب التي دامت 12 يومًا، كان عجزه عن تحليل سلوك الخصم.
كان قادة الحرس وخامنئي نفسه يظنون أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا يريدان الحرب، ويمكن جرّهما إلى المفاوضات عبر المماطلة. لكن هذه القراءة كانت خاطئة تمامًا.
تصوّر النظام بأن بناء خنادق بواسطة وكلائه الإقليميين سيحميه، مع أن طبيعة الحروب تغيّرت، أظهر أن الفكر العسكري السائد في الحرس قديم ومتخلف عن المعادلات الحديثة للحرب.
الهروب إلى الأمام
بعد الهزيمة في الحرب، بدلًا من محاسبة الذات ومراجعة أسباب الفشل، اختار النظام الانتقام من الداخل.
بدأت حملة اعتقالات جماعية، وزادت الضغوط على اليهود والبهائيين، وتم التعامل بقسوة ووحشية مع المهاجرين الأفغان.
هذه السياسات، خصوصًا ضد اللاجئين الأفغان، ليست فقط غير إنسانية، بل هي أيضًا غير مقبولة أخلاقيًا وتكشف عن محاولة مفضوحة لتحميل الأكثر ضعفًا في المجتمع ثمن الفشل السياسي والعسكري للنظام.