وتُظهر مراجعات فريق التحقق في "إيران إنترناشيونال" أنه، وبعد أكثر من أربعين يومًا على نهاية الحرب، لاتزال مواقع قيادية عديدة في القوات المسلحة الإيرانية شاغرة.
اختفاء قائد القوة البحرية بالحرس الثوري
في 13 يونيو (حزيران) الماضي، أدّت سلسلة من الضربات الإسرائيلية المركّزة إلى إرباك هيكل القيادة العسكرية للنظام الإيراني.
ونتيجة لهذه الهجمات قُتل أكثر من 20 قائدًا كبيرًا في الحرس الثوري الإيراني، من بينهم رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، محمد باقري، والقائد العام للحرس، حسين سلامي، وقائد مقر خاتم الأنبياء المركزي، غلام علي رشيد، وذلك خلال ساعات قليلة.
قادة قُتلوا وبدلاء غائبون
خلال تلك الهجمات، استُهدف بعض القادة في منازلهم، فيما قُتل آخرون أثناء اجتماع في أحد المخابئ، يُعتقد أنه عُقد بناءً على رسالة مزيفة أرسلها إليهم قراصنة إسرائيليون.
وسارعت السلطات الإيرانية حينها إلى إظهار السيطرة على الوضع، فعيّنت عبد الرحيم موسوي رئيسًا جديدًا للأركان العامة، ومحمد باكبور قائدًا عامًا للحرس الثوري، وأسندت قيادة مقر خاتم الأنبياء إلى علي شادماني.
ولكن بعد خمسة أيام فقط، قُتل شادماني أيضًا في حادث، وصفته ابنته بأنه عملية اغتيال نفذها فريق إسرائيلي أثناء مطاردة. وذكرت صحيفة "كيهان"، المقربة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، أن خليفته عُيّن سرًا لدواعٍ أمنية، لكن ذلك لم يُؤكَد رسميًا.
ورغم هذه التعيينات، لا تزال مناصب أساسية شاغرة، من بينها: نائب العمليات في الأركان العامة (مهدي رباني)، نائب الاستخبارات في الأركان العامة (غلام رضا محرابي)، نائب الاستخبارات في قوة الجو-فضاء التابعة للحرس (خسرو حسني)، إلى جانب قادة ميدانيين مثل محمد رضا زهيري (مدير استخبارات الجنوب الغربي)، ومحسن موسوي (مسؤول استخبارات في فيلق القدس)، ورضا نجفي (قائد حرس إيجرود- زنجان).
وشملت قائمة القادة الثلاثين، الذين قُتلوا تشمل أيضًا أسماء بارزة مثل بهنام شهرياري، مجتبی معین بور، ورضا مظفري نيا، ومعظم هذه المناصب لم يُعيَّن لها بدلاء حتى الآن، ما قد يعيق التنسيق العملياتي واتخاذ القرار داخل القوات المسلحة.
ضربة لـ «فيلق القدس»
تعرض فيلق القدس هو الآخر لضربة، إذ قُتل محمدسعيد إيزدي (مسؤول ملف فلسطين) ومحمد رضا نصير باغبان (نائب الاستخبارات في الفيلق) في هجوم جديد، ولم يُعلن عن أي بدلاء لهما حتى الآن. ويكتسب هذا الغياب أهمية خاصة لأن إيزدي كان لاعبًا رئيسًا في إعادة ترميم ما يُسمى "محور المقاومة" بعد الحرب.
غياب "تنكسيري" الغامض
إلى جانب القادة الذين قُتلوا، يثير غياب علي رضا تنكسيري، منذ نحو شهرين علامات استفهام كبيرة. فالقائد الذي كان نشطًا للغاية إعلاميًا، وشارك في أكثر من 20 خطابًا ومقابلة بين مارس (آذار) ويونيو الماضيين، اختفى تمامًا من المشهد العام منذ أيام قبل اندلاع الحرب.
وفي 8 أغسطس (آب) الجاري، نشرت وكالة "التلفزيون الإيراني" رسالة مكتوبة منسوبة إليه لتهنئة الصحافيين، لكن لا يُعرف ما إذا كان هو من كتبها شخصيًا أو مكتبه. بخلاف ذلك، الاقتباس الوحيد المنسوب إليه خلال هذه الفترة كان تهديدًا بإغلاق مضيق هرمز، تبيّن لاحقًا أنه إعادة نشر لتصريح قديم بثته قناة "المسيرة" اليمنية.
وقال مصدر مطلع لـ "إيران إنترناشونال" إن تنكسيـري مصاب بالسرطان، وإن تدهور حالته الصحية في الأشهر الأخيرة هو السبب وراء غيابه عن الفعاليات والإعلام.
ارتباك في الجهاز الاستخباراتي
يشير مقتل رباني ومحرابي وحسني، ومحمد كاظمي (رئيس منظمة استخبارات الحرس) وخليفته حسن محقق، إلى أن التغييرات القسرية في المؤسسات الأمنية والعسكرية بلغت ذروتها. التعيين العلني الوحيد كان لمجيد خادمي، الذي أُسند إليه أيضًا منصب رئيس منظمة استخبارات الحرس مؤقتًا، دون التخلي عن رئاسته لجهاز حماية المعلومات، ما يعكس أزمة حادة في الكوادر القيادية.
مجلس الدفاع ومحاولة إعادة التنظيم
ردًا على هذا الفراغ القيادي، أُنشئ "مجلس الدفاع" بعضوية ممثلين عن الجيش والحرس ووزارة الاستخبارات والأركان العامة، بقيادة الرئيس الإيراني، وبمشاركة علي شمخاني وعلي أكبر أحمديان كممثلين للمرشد.
لكن استمرار غياب بدلاء لمناصب حساسة، إلى جانب غياب قائد القوة البحرية للحرس، الذي يلعب دورًا استراتيجيًا في الخليج ومضيق هرمز، يهدد بعرقلة التنسيق العسكري في منطقة بالغة الحساسية.
هذه التطورات، إلى جانب غياب الشفافية، تكشف عن مشكلات بنيوية في الهيكل العسكري للنظام الإيراني، مما قد يحد من قدرته على مواجهة التحديات المقبلة.