زفاف ابنة شمخاني… صورة لنظام فقد ذاكرته الثورية

لم يكن مقطع الفيديو الذي انتشر لحفل زفاف ابنة علي شمخاني مجرد مناسبة اجتماعية، بل تحوّل في نظر الإيرانيين إلى مرآة مكبّرة تكشف ما آل إليه قادة الثورة بعد أكثر من أربعة عقود على وعود الزهد والعدالة.

لم يكن مقطع الفيديو الذي انتشر لحفل زفاف ابنة علي شمخاني مجرد مناسبة اجتماعية، بل تحوّل في نظر الإيرانيين إلى مرآة مكبّرة تكشف ما آل إليه قادة الثورة بعد أكثر من أربعة عقود على وعود الزهد والعدالة.
ففي بلدٍ يزداد فقره يومًا بعد يوم، ظهرت العروس فاطمة شمخاني في فندق فاخر بطهران، وسط ديكورات مبهرة وموسيقى عربية على أنغام حسين الجسمي، ترتدي فستانًا مفتوحًا يخالف أبسط ما تفرضه السلطات على النساء في الشوارع.
المشهد لم يمرّ بهدوء؛ فالإيراني الذي يرى ابنته أو اخته تجلد على خصلة شعر، وجد نفسه يشاهد ابنة أحد كبار رموز النظام تحتفل بحرية تامة بلا رقابة. لم يكن الغضب هنا أخلاقيًا بقدر ما كان سياسيًا: لم يكن عن فستان العروس، بل عن دولة فقدت التوازن بين ما تقول وما تفعل.
في الثمانينيات، كانت أجهزة النظام تلاحق الشبان بسبب الجينز أو الموسيقى أو العطر، واليوم بعد أكثر من ثلاثة عقود ما زال المواطن العادي يُحاسب على تفاصيل حياته، بينما أبناء النخبة يحتفلون بما كانوا يجرّمونه بالأمس.
منذ قيام الثورة، قدّم علي شمخاني نفسه نموذجًا للمجاهد المؤمن القادم من جبهات الحرب مع العراق، المقرّب من الحرس الثوري والمخلص للمرشد علي خامنئي. ومع مرور الزمن، تحوّل إلى رمز لذلك الجيل من القادة الذين انتقلوا من "خدمة الثورة" إلى إدارة ثرواتها.
وفي السنوات الأخيرة، ارتبط اسم شمخاني بقضايا فساد والتحايل على العقوبات عبر شركات واجهة، لذلك عندما ظهر مشهد الزفاف الباذخ لابنته، شعر الإيرانيون أنهم يشاهدون العرض الأوضح لوجه السلطة الحقيقي: طبقة مترفة تعيش في رفاهٍ تام بأموال الشعب، بينما يُطلب من المواطنين الصبر باسم "المقاومة ضد الاستكبار العالمي".
وفي أول تعليق له بعد انتشار الفيديو، خاطب شمخاني خصومه في الداخل بعبارة أثارت سخرية واسعة: "يا أولاد الحرام، أنا لا زلت حيًّا". لكن الردّ لم يطفئ الغضب، بل زاد من الانتقادات. وقد لخّص الزميل الصحافي البارز مهدي بربنجي من قناة "إيران إنترناشيونال" هذا التناقض بقوله:
"كان مسؤولو الثورة الإسلامية في بداياتها يرتدون الثياب العسكرية البسيطة، تفوح منهم رائحة العرق وماء الورد، بلحى كثيفة غير مرتبة، وباختصار، كانوا غير مكترثين بزخارف الدنيا. لكن شيئًا فشيئًا، حلَّ محلَّ ذلك الصفاء الثوري الصارم ما سُمِّي بـ(استعراض الترف)، وبدأت الأيديولوجيا الثورية تتآكل من الداخل. فالمسؤولون الحاليون، وفقًا لمعايير الأيام الأولى للثورة، هم جميعًا آكلو الحرام- جيلٌ من الفاسدين الذين راكموا المليارات وولدوا من رحم تلك الثورة نفسها". انتهي الاقتباس.
ولم تكن الصدمة في الترف وحده، بل في خلفيات التسريب؛ إذ أشارت مصادر غير رسمية إلى أن المقطع نُشر من جهات قريبة من الرئيس السابق حسن روحاني، بعد اتهام شمخاني له بأنه كان على علم بدور الحرس الثوري في حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية الذي راح ضحيته العشرات من المسافرين الأبرياء. وسرعان ما حاول شمخاني احتواء الموقف بتصريحه: "كلنا على متن سفينة واحدة، ومن المؤسف أن تؤدي خلافاتنا إلى إغراق هذه السفينة". عبارته هذه كانت محاولة لتخفيف حدّة الصراع، لكنها في الوقت نفسه كشفت عمق التناحر داخل نظام "السفينة الواحدة".
زفاف ابنة شمخاني، وإن بدا تافهًا في ظاهره، فقد شكّل لحظة كاشفة لمآل نظام ولاية الفقيه الذي يعيش اليوم واحدة من أحلك مراحله؛ نظام يترنح داخليًا تحت ضغط الفقر والبطالة وانعدام الثقة، ويُحاصر خارجيًا بالعقوبات وتفعيل آلية الزناد، ويواجه تهديدًا متزايدًا بهجومٍ إسرائيلي محتمل. لقد زاد هذا المشهد من احتقان المواطنين، وأكد أن الفجوة بين الشعب والسلطة بلغت حدا غير مسبوق، في وقت لا يحسد عليه النظام من مشاكل وأزمات داخلية وخارجية.