لم تعد أوروبا وسيطًا، بل تحوّلت إلى شريك للولايات المتحدة في "هندسة الضغط" على النظام الإيراني، ومن المحتمل أن تدخل علاقات طهران والدول الأوروبية بعد "تفعيل الزناد" مرحلة أكثر عداءً ووضوحًا.
•
وقد أدّى تفعيل "آلية الزناد" مجددًا، في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى إزالة آخر العناصر المتبقية من الاتفاق النووي لعام 2015.
والزناد، بما يتجاوز كونه إجراءً تقنيًا، يرسّخ تحولاً استراتيجيًا كان قد بدأ سابقًا في أوروبا.
فمنذ عام 2006، لعبت دول "الترويكا" الأوروبية الثلاث: بريطانيا وفرنسا وألمانيا (E3) دور "المسهّل" وعمليًا "الداعم" للعقوبات الدولية بقيادة الولايات المتحدة، أكثر من لعبها دور الوسيط الحقيقي. لكن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022 وتعميق التعاون العسكري بين طهران وموسكو، لم تعد أوروبا تكتفي بلعب دور العازل لِضغوط واشنطن. فهي تتحول الآن إلى شريك كامل- بل ومهندس منسجم مع واشنطن- في استراتيجيات الغرب لاحتواء إيران.
وسيعتمد مستقبل هذه العلاقة على ثلاثة مجالات مترابطة: 1- العدسة الأمنية التي تنظر أوروبا من خلالها الآن إلى النظام الإيراني. 2- القيود الاقتصادية التي ترسم هامش حركة الطرفين. 3- الديناميكيات العسكرية الإقليمية التي قد تدفع أوروبا إلى اتخاذ خيارات أصعب مما كانت عليه في الماضي.
دبلوماسية احتجاز الرهائن
أصبحت المخاوف الأمنية الآن محور سياسة أوروبا تجاه إيران. فاستمرار "دبلوماسية احتجاز الرهائن"، التي ينتهجها النظام، والمتمثلة في اعتقال واحتجاز المواطنين الأجانب لفترات طويلة بهدف الاستفادة السياسية، جعل المواقف أكثر تشددًا في العواصم الأوروبية.
وتُعد قضية سيسيل كولر وجاك باریس، المواطنين الفرنسيين اللذين احتُجزا لأكثر من ثلاث سنوات بتهمة التجسس قبل إطلاق سراحهما في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري ضمن عملية تبادل، مثال بارز على هذا الوضع.
واليوم، لا يزال الاثنان داخل السفارة الفرنسية في طهران، في انتظار معرفة ما إذا كان بإمكانهما العودة إلى بلادهما بعد محاكمة يناير (كانون الثاني) 2026 الخاصة بالمواطنة الإيرانية، مهدية أسفندياري، التي وجدت هي الأخرى نفسها محاصرة داخل سفارة طهران في باريس.
ولقد كشفت هذه القضية عن نمط تراه أوروبا اليوم "دبلوماسية قسرية"، وليس أحداثًا فردية.
وفي بريطانيا أيضًا، أدى اعتقال لينزي وكريغ فورمن، منذ يناير الماضي، على يد استخبارات الحرس الثوري، وإضرابهما عن الطعام، إلى موجة مشابهة من الغضب التي قضت على ما تبقى من حُسن النية.
العمليات المحبطة
زاد تزايد الأدلة حول النشاطات السرية للنظام الإيراني في أوروبا من حدة التوتر.
فالأجهزة الأمنية في فرنسا وألمانيا وبريطانيا ودول أخرى أحبطت خططًا كان عملاء النظام الإيراني أو الشبكات الإجرامية المرتبطة به يُكلفون فيها برصد أو استهداف معارضين أو صحافيين أو حتى مسؤولين حكوميين.
وجاء في بيان مشترك صادر عن 14 دولة غربية في يوليو (تموز) الماضي، أن أكثر من عشرين عملية قد تم إحباطها في بريطانيا وحدها منذ عام 2022.
وترى طهران أن هذه الاتهامات "ملفقة"، لكن النتيجة واضحة: أوروبا تمنح الأولوية الآن للردع، وتعزز التنسيق الأمني، وتستعد لفترة طويلة من الدبلوماسية الدفاعية؛ وهي فترة قد تشمل أيضًا عمليات طرد إضافية لدبلوماسيي النظام الإيراني.
تراجع التجارة
لا يقدم المجال الاقتصادي هو الآخر أفقًا واضحًا لتخفيف التوتر. فقرار أوروبا بإعادة فرض العقوبات عبر "آلية الزناد" قطع فعليًا وصول إيران إلى التكنولوجيا والاستثمار والأسواق الأوروبية في وقت يعاني فيه الاقتصاد الداخلي ضغطًا شديدًا.
وبلغ إجمالي تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي وإيران في عام 2024 نحو 4.5 مليار يورو، منها 800 مليون يورو واردات و3.7 مليار يورو صادرات. ويُتوقع الآن أن تبتعد الشركات الأوروبية، التي كانت أصلاً قلقة من العقوبات الثانوية الأميركية، بشكل أكبر عن السوق الإيرانية.
ومع ذلك، هناك غموض دائم: فأوروبا تعلم أن أي انفراجة دبلوماسية بين واشنطن وطهران قد تتطلب العودة السريعة إلى نوع من التفاعل الانتقائي، وخصوصًا في قطاع الطاقة.
الملف النووي
تظهر هذه التناقضات اليوم في فيينا. فقبل اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من 19 إلى 21 نوفمبر، أعدت الدول الأوروبية الثلاث مسودة قرار تدعو إيران إلى وقف التخصيب وإعادة المعالجة، استنادًا إلى تقارير المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، بشأن النشاطات غير المعلنة.
ويعتبر النظام الإيراني هذا الإجراء "غير قانوني"، قائلاً إنه بعد انتهاء مفعول القرار 2231 في أكتوبر الماضي لم يعد لهذه المطالب أي معنى.
لكن أوروبا تجد نفسها الآن عالقة بين دورين: من جهة، شريك للولايات المتحدة في فرض العقوبات، ومن جهة أخرى، مدافع عن نظام الرقابة متعدد الأطراف.
دور روسيا
في حين يعيد تفعيل "آلية الزناد" فرض القيود على برنامج الصواريخ الإيراني، ازدادت قدرات طهران على التعاون مع روسيا.
فمنذ عام 2022، وفرت إيران لروسيا طائرات مُسيّرة وذخائر في حربها في أوكرانيا، وفي الوقت ذاته، عززت تعاونها مع موسكو في مجالات التكنولوجيا والدفاع والطاقة النووية. وتم توقيع "اتفاقية التعاون الاستراتيجي لمدة 20 عامًا" في يناير 2025، وجرى التصديق عليها في مايو (أيار) الماضي.
ويجعل استعداد روسيا لمنح إيران التسهيلات داخل مجلس الأمن مسار الضغط الأوروبي عبر القنوات متعددة الأطراف أكثر تعقيدًا.
ظل الحرب
إن أي مواجهة كبرى بين إيران وإسرائيل، سواء مباشرة أو عبر الوكلاء، ستكون لها تداعيات فورية على أمن أوروبا وإمدادات الطاقة وسياساتها الداخلية.
وقد ترد أوروبا عبر زيادة إرسال الأسلحة إلى إسرائيل أو فرض عقوبات أوسع على إيران. لكن الانقسامات الداخلية، خاصة بشأن سلوك إسرائيل في غزة، قد تضعف وحدة الموقف الأوروبي.
كما يبقى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في مجال المعلومات والردع والدبلوماسية عقبة أمام "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي.
الخلاصة
ستحدد الأشهر المقبلة ما إذا كان مسار خفض التوتر لا يزال ممكنًا أم لا. وسيكون قرار الوكالة في فيينا، وسلوك إيران النووي، ومسار التعاون الإيراني- الروسي مؤشرات أساسية.
وإذا لم يتحقق انفراج دبلوماسي ذو مغزى، فسيكون المسار الأكثر ترجيحًا هو تصاعد العداء وتعمّق اصطفاف أوروبا مع الولايات المتحدة في سياسة احتواء إيران. ويبقى السؤال: هل ستستطيع الدبلوماسية التفوق على أجواء الضغط والقسر وسط مشهد جيوسياسي ممزق؟
شكّلت أحداث نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 "الدامية" نقطة تحوّل في تاريخ الاحتجاجات الشعبية في إيران؛ حيث وصل فيها صدام النظام مع الشعب إلى نقطةً اللا عودة.
وفي هذه الاحتجاجات، أقدم قادة النظام الإيراني، من أجل بقائهم، على قطع الإنترنت وقتل المواطنين في عشرات المدن، وقمع المتظاهرين بدموية.
ومع القتل الحكومي والتعامل العنيف والدموي تجاه المتظاهرين، إلى جانب الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنووية والبيئية المتعددة، ومع تجاوز المواطنين لرهبة النظام، ربطت الحركات الاجتماعية في إيران بعضها ببعض، وتحولت إلى حركة ثورية.
ومنذ ذلك التاريخ، أصبحت الإطاحة بالنظام مطلبًا لغالبية كبيرة من الشعب الإيراني.
أوسع الاحتجاجات
كانت احتجاجات نوفمبر 2019 من أوسع الاحتجاجات في إيران منذ قيام النظام الإيراني، ومن حيث الامتداد الجغرافي هي الأوسع خلال عقد.
وفي العقدين، اللذين سبقا نوفمبر 2019، كانت معظم الاحتجاجات محصورة في مدينة أو بضع مدن. ففي عقد 1990، اقتصرت احتجاجات الطلاب بعد حادثة حي جامعة طهران على طهران وتبريز، وبقيت الاحتجاجات الشعبية في مشهد وإسلامشهر وقزوين محصورة في تلك المدن. حتى في الحركة الخضراء، رغم المشاركة المليونية في أحداث مثل تظاهرات 15 يونيو (حزيران) 2009، كان نطاق الاحتجاجات مركّزًا بشكل رئيس في طهران وعدد من المدن الكبرى.
وفي احتجاجات يناير (كانون الثاني) 2018، وبحسب المسؤولين الحكوميين، نزل الناس إلى الشوارع في "160 مدينة كبيرة وصغيرة". لكن في نوفمبر 2019 أصبح نطاق الاحتجاجات أوسع؛ فقد سُجّلت التظاهرات في "أكثر من 200 مدينة"، وشهدت 29 محافظة في البلاد انتفاضاتٍ في الشوارع.
تجاوز المواطنين رهبة النظام
يمثل الفاصل الزمني بين احتجاجات نوفمبر 2019 واحتجاجات يناير 2018 تجاوز الشعب الإيراني لرهبة النظام.
وتُعد صناعة الخوف والرهبة من أعمدة آلة القمع لدى النظام الإيراني. ففي الاحتجاجات السابقة، كان النظام يفرض، عبر مزيج من القمع العنيف والدعاية الواسعة، جوًا من الخوف يجعل تكرار الاحتجاجات أمرًا مستحيلًا لعدة سنوات.
وقد تكرر هذا النمط في يناير 2018، لكن بعد 22 شهرًا فقط، أظهرت انتفاضة نوفمبر 2019 أن المجتمع الإيراني تجاوز هذه الدورة من الخوف المصطنع، ولم يعد لها التأثير السابق.
نهوض الحركة الطلابية من رماد القمع
إن دعم الطلاب في عدة جامعات للاحتجاجات الشعبية في نوفمبر 2019 أفشل مشروع النظام لاحتواء الحركة الطلابية وقمعها.
وكانت احتجاجات الطلاب في 17 و18 نوفمبر بجامعة طهران واسعة، لدرجة أن قوات القمع دخلت الجامعة واعتقلت أكثر من 50 طالبًا.
ومع ذلك، وبعد أسابيع قليلة، ومع إسقاط الطائرة الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري، شهدت أكثر من 20 جامعة كبرى في طهران ومدن أخرى احتجاجات طلابية.
فشل مشروع نزع الطابع السياسي
كان أحد المشاريع المحورية للنظام الإيراني، خاصة بعد احتجاجات 2009، هو الترويج لـ "نزع الطابع السياسي" عن المجتمع. وتحركت حكومتا الرئيسين الأسبقين، محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني، في الاتجاه نفسه.
وكان هدف هذا المشروع تحويل المجتمع إلى مجتمع غير سياسي وخامل، وتحويل الاحتجاجات إلى حركات "محدودة ومسموح بها"، وتقليص مطالب الناس إلى مطالب ضيقة يمكن إدارتها في إطار المجموعات والفصائل الحكومية.
ولكن احتجاجات يناير 2018، ولاحقًا نوفمبر 2019، كشفت عن فشل هذا المشروع. فقد واجه النظام مجتمعًا شديد التسييس والوعي والاحتجاج، ومطالبه لم تعد تغييراتٍ محدودة.
استعراض قوة الشعب
اعتقد النظام الإيراني، بعد قمع الاحتجاجات الشعبية، في أوائل عقد 2010، أنه لم يعد بحاجة للاعتراف بـ "دور الشعب"، حتى بصورة شكلية. ولذلك امتنع عن تقديم أي تنازل للمجتمع.
ولكن انتفاضة نوفمبر 2019 كانت استعراضًا لـ "قوة الشعب"، لدرجة أنه بعد مرور ست سنوات لم يجرؤ أي مسؤول في النظام الإيراني على رفع أسعار البنزين.
دور النساء والشباب
كان النساء والشباب، الذين تحملوا أكبر قدر من القمع والتمييز في عهد النظام الإيراني، من اللاعبين الرئيسين في احتجاجات نوفمبر 2019.
ورغم أن هذه الاحتجاجات كانت ذات جذور اقتصادية، وأن شرارتها كانت "غلاء البنزين"، فإن مطالبها وشعاراتها اكتسبت بسرعة بُعدًا سياسيًا واجتماعيًا، ولعب النساء والشباب دورًا أساسيًا فيها.
وكان النظام لا يزال يعتقد أنه يمكنه، حتى في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أن يفرض منظومته الأيديولوجية على هؤلاء الفاعلين. لكن احتجاجات نوفمبر 2019، وبعدها انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" في عام 2022، أظهرت أن غضب النساء والشباب المتراكم من سنوات القمع والتمييز قد تحوّل إلى وقودٍ لنار تحرق أسس النظام الإيراني.
قطع الإنترنت وفشل آلة القمع
بعد قطع الإنترنت في جميع أنحاء البلاد، خلال احتجاجات نوفمبر 2019، قتل النظام الإيراني ما لا يقل عن "1500 شخص" في عملية القمع الدموي.
وهاتان الخطوتان تُظهران فشل آلة القمع للنظام الإيراني، الذي ينفق سنويًا آلاف المليارات من أموال الشعب على الأجهزة الدعائية، والجيش السيبراني، والإذاعة والتلفزيون، ومئات المؤسسات والمراكز الدعائية، لكن "قطع الإنترنت" في نوفمبر 2019 أظهر أن كل هذه الأجهزة عاجزة عن فرض رواية النظام على المواطنين.
كما أن قوات الشرطة والجيش والأمن، رغم الميزانيات الضخمة، لم تكن قادرة على احتواء الاحتجاجات دون عنف، وبقمعها الدموي زادت من فقدان شرعية النظام على مستوى العالم. وكان أحد أهم نتائج احتجاجات نوفمبر 2019 هو نزع الشرعية بالكامل عن النظام الإيراني.
تحول الاحتجاجات الاجتماعية إلى حركة ثورية
حوّلت احتجاجات نوفمبر 2019 أجواء الحركات الاجتماعية في إيران إلى حركة ثورية. فتحوّل شعار "إصلاحي، أصولي، انتهى الأمر" في احتجاجات يناير 2018 إلى شعارٍ شامل "الموت للديكتاتور" والشعارات المعارضة لكامل النظام الإيراني ومسؤوليه وقادته في احتجاجات نوفمبر 2019، وهو ما كان يعبر عن رغبة عامة في إسقاط النظام الإيراني.
وحوّلت احتجاجات نوفمبر 2019 الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في إيران إلى حركة ثورية، وحوّلت المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المحدودة إلى مطالب للتغيير البنيوي، وفي نهاية المطاف الإطاحة بالنظام الإيراني.
ومع احتجاجات نوفمبر 2019، أصبح الشرخ بين النظام والشعب الإيراني واسعًا وعميقًا وغير قابل للترميم إلى الحد الذي بلغ نقطة اللاعودة.
وفي خضم هذه الأحداث، طالب المواطنون صراحة بإسقاط النظام الإيراني. واستمرار هذه الأجواء الاحتجاجية واتساعها في سبتمبر (أيلول) 2022 بعد مقتل الشابة الإيرانية، مهسا أميني، في احتجاز دورية شرطة الأخلاق، أدى إلى بروز انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" التي جعلت من الإطاحة بالنظام الإيراني والتغيير الجذري السياسي والاجتماعي والثقافي مطلبًا عامًا للشعب الإيراني.
لا يزال العدد الدقيق للقتلى، الذين سقطوا على يد عناصر الأمن والشرطة والقوى شبه الرسمية في النظام الإيراني، خلال احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 غير واضح. فقد اعترف النظام بمقتل 225 شخصًا، بينما تحدثت تقارير وتحقيقات مستقلة عن مئات إلى ألف وخمسمائة متظاهر أو أكثر.
وقد اندلعت احتجاجات نوفمبر 2019 على خلفية ارتفاع أسعار البنزين، ومع انتشارها وقمع المحتجين بعنف من قبل النظام، عُرفت هذه الأحداث باسم "نوفمبر 2019 الدامي". ومع ذلك، لا يوجد رواية موحدة حول عدد الضحايا.
وعلى المستوى الرسمي، امتنعت السلطات الإيرانية لشهور عن إعلان أي أرقام رسمية لعدد القتلى، وحاولت لاحقًا إبراز العدد أقل مما هو عليه في الواقع.
محاولات للتنصل من المسؤولية وتصغير حجم القمع في أبريل (نيسان) 2021، قال عضو البرلمان آنذاك والرئيس الإيراني الحالي، مسعود بزشکیان، في مقابلة مع صحيفة "همدلي" حول سبب عدم متابعة عدد القتلى: "أولئك الذين أعلنوا هذه الأرقام ذهبوا إلى السجن. أنا لم أعلن لأتفادى السجن؛ وأنتم أيضًا إذا أردتم القيام بذلك فستذهبون إلى السجن".
كما أكد عبد الرزاق رحماني فضلي، وزير الداخلية في حكومة الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، في 31 مايو (أيار) 2020 مقتل نحو 225 شخصًا، وبشأن إطلاق النار على رؤوس المتظاهرين، قال- ببرود أعصاب: "حسنًا، لم نطلق النار فقط على الرؤوس، بل أيضًا على الأرجل".
وفي اليوم التالي، أعلن رئيس لجنة الأمن القومي في الدورة العاشرة للبرلمان الإيراني، مجتبي ذو النور، أن عدد قتلى احتجاجات نوفمبر 2019 كان 230 شخصًا، وقال: "الإعلام الأجنبي أعلن أرقامًا كاذبة حتى وصل إلى 10 آلاف قتيل، لكن العدد الإجمالي كان 230، بينهم ستة عناصر أمنية".
وقال النائب السابق في البرلمان الإيراني، مصطفى كواكبيان، في 20 يناير (كانون الثاني) 2020، إن السلطات أبلغت أعضاء هذه اللجنة بأن عدد القتلى في احتجاجات نوفمبر كان 170 شخصًا، لكنه لم يحدد أي جهة جمعت هذه الأرقام وأبلغت بها؛ وهو الرقم الذي نُشر قبل أيام في مجلة "باسدار إسلام" في مدينة قم.
ويرى كثير من المراقبين أن الجزء الأكبر من القمع وقع بعد خطاب المرشد الإيراني، علي خامنئي في 17 نوفمبر 2019؛ حيث وصف المحتجين بأنهم "أشرار" وفتح فعليًا الطريق للقمع العنيف.
صورة أوسع لأبعاد المجزرة في المقابل، كشفت تقارير نشطاء حقوق الإنسان والهيئات والإعلام المستقل عن أرقام تفوق بكثير الروايات الرسمية، مما يعكس حجم القمع الدموي الواسع، الذي تعرض له المتظاهرون.
وأعلنت منظمة العفو الدولية عام 2020، في تقريرٍ لها، أنها استطاعت توثيق مقتل ما لا يقلّ عن 304 متظاهرين بين 16 و19 نوفمبر 2019، وقامت في نوفمبر 2021 بتحديث هذه القائمة إلى أكثر من 324 شخصًا.
ونشر موقع "كلمة"، في 2 يناير 2020، تقريرًا استنادًا إلى الأرقام الواردة في "نشرات سرية مصنّفة بحسب المحافظات في مختلف أنحاء البلاد"، وذكر فيه أن عدد قتلى احتجاجات نوفمبر بلغ 631 شخصًا.
وفي سياقٍ متصل، أفادت وكالة "رويترز"، في 23 ديسمبر (كانون الأول) 2019، استنادًا إلى ثلاثة مسؤولين في وزارة الداخلية ومصدر مقرّب من مكتب المرشد الإيراني، بأن العدد التقريبي للضحايا يصل إلى نحو 1500 قتيل؛ وهي رواية جُمِع فيها المتظاهرون والمارّة والنساء والمراهقون وجزء من عناصر الأمن معًا.
كما أعلنت منظمة حقوق الإنسان في إيران، في 20 ديسمبر 2019، أن ما لا يقلّ عن 324 مواطنًا قُتلوا خلال تلك الاحتجاجات.
ونشر موقع "هرانا"، في 3 ديسمبر 2019، تقريرًا بعنوان "موجز عن احتجاجات نوفمبر الدامية 2019"، قال فيه إن مركز الإحصاء التابع له وضع ثلاث طبقات من البيانات لعدد الضحايا، وأن التقديرات العامة للهيئات ووسائل الإعلام غير الحكومية تشير إلى أكثر من 430 قتيلاً.
وهذا التباين الكبير بين الأرقام المتعلقة بعدد قتلى احتجاجات نوفمبر 2019 هو نتيجة غياب إمكانية إجراء تحقيقٍ مستقل داخل إيران في ظلّ الرقابة المنهجية، التي يفرضها نظام خامنئي، فضلاً على اختلاف طرق جمع البيانات.
الارتفاع الحاد في الوفيات وفق سجلات الأحوال المدنية من جهة أخرى، وعلى الرغم من غياب الإحصاءات الرسمية الشفافة، فقد قدّمت بيانات الأحوال المدنية في البلاد مؤشرًا مهمًا لفهم حجم المجزرة.
ونشرت منظمة الأحوال المدنية عام 2021 الإحصاءات الشهرية للوفيات في خريف 2019؛ وهي بيانات أظهرت تسجيل أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة حالة وفاة إضافية في شهر نوفمبر من ذلك العام، مقارنة بمتوسط السنوات السابقة.
ففي نوفمبر 2019 وحده، سُجِّل في نظام الأحوال المدنية ما لا يقلّ عن 38 ألفًا و517 حالة وفاة؛ أي أكثر بأربعة آلاف حالة من أكتوبر (تشرين الأول) الذي شبقه مباشرة، وبقرابة خمسة آلاف حالة من ديسمبر. وقد أعلن عدد كبير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي آنذاك أن هذا الارتفاع لا يشبه أيّ نمط معروف للوفيات في السنوات السابقة أو اللاحقة.
وفي السنوات التالية، أكدت تحليلات ودراسات إحصائية هذا المشهد، مشيرةً إلى أن الزيادة الاستثنائية البالغة عدة آلاف من الوفيات في خريف 2019 لا يمكن تفسيرها بانتشار "كورونا" أو "الإنفلونزا"، ولا بحوادث السير، ولا بالأخطاء المعتادة في التسجيل؛ إذ لم يُظهر أي من هذه العوامل نمطًا تصاعديًا ينسجم مع هذه الذروة غير الطبيعية.
وهذا الارتفاع الكبير في بيانات الأحوال المدنية، عندما يُوضَع إلى جانب الروايات الميدانية عن طريقة القمع، يرسم صورة أوضح لحجم المجزرة في نوفمبر 2019.
قطع الإنترنت وتوسّع القمع إلى جانب هذا الارتفاع في الوفيات، أدّت شدة القمع في الشوارع وقطع الإنترنت بشكلٍ واسع في الأيام الأخيرة من نوفمبر 2019 إلى إخراج جزء مهم من الواقع عن نطاق التوثيق المستقل.
فمع بدء الاحتجاجات واتّساعها في عشرات المدن ومئات النقاط، قُطع الإنترنت المحمول والمنزلي تمامًا لعدة أيام؛ وهو إجراء حرم المواطنين من إمكان تصوير الأحداث، وإرسال التقارير، وإبلاغ العائلات عما يجري.
وقدمت الشهادات الميدانية وروايات المواطنين، في الأسابيع والأشهر التالية، صورة مماثلة؛ إذ جرى استخدام واسع للأسلحة العسكرية، وإطلاق الرصاص مباشرة على رؤوس ووجوه وصدور المتظاهرين، وفي بعض المناطق مثل مدينة "ماهشهر"، جرى استخدام الرشاشات الثقيلة ضد متظاهرين احتموا بالمستنقعات على أطراف المدينة.
وأكد مسؤولون محليون بالمدينة، في مقابلات لاحقة، حصول هذه المجزرة، لكن لم يُقدَّم أي رقم رسمي عنها؛ وهو النمط نفسه الذي تكرر في عدد من المدن الأخرى في إيران.
وجاء في التقارير المستقلة من "ماهشهر" أن عشرات المتظاهرين، بينهم نساء ومراهقون، استُهدفوا بالرشاشات أثناء لجوئهم إلى المستنقعات. وقدّرَت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عدد ضحايا هذا الحادث بنحو 100 شخص.
الضغط على عائلات الضحايا إلى جانب القمع في الشوارع، شكّل الضغط المنظّم، الذي مارسته الأجهزة الأمنية والقضائية للنظام الإيراني على عائلات الضحايا، عائقًا آخر أمام توثيق الأرقام بدقة.
فقد خضعت عائلات الضحايا في الأشهر والسنوات، التي تلت نوفمبر 2019، لواحدة من أشدّ حملات الضغط والتهديد والمراقبة، بهدف إسكاتهم وثنيهم عن المطالبة بتحقيق العدالة، ومنعهم أيضًا من تسجيل أي رقم يتعارض مع الرواية الرسمية للنظام.
واستُدعي كثير من أفراد هذه العائلات للتعهّد بعدم التحدث مع وسائل الإعلام عن كيفية مقتل أبنائهم. وتعرّض آخرون لتهديدات مباشرة بأنهم إذا لم يصمتوا، فسيُصاب أفراد آخرون من الأسرة بأذى، أو "سيُقتلون".
وحين قصدت بعض العائلات المستشفيات والمراكز الطبية، واجهت جدارًا آخر من الصمت؛ فلم تُعثر على أسماء ذويها في السجلات، ولم يُسلَّم لها أي ملف طبي أو تقرير إسعاف أو نتيجة تشريح. وقيل لها إن الوثائق "سرية" أو يجب متابعتها عبر الأجهزة الأمنية.
وفي بعض الحالات، مُنع حتى تسجيل إصابات الجرحى أو نقل الجثث إلى المستشفيات رسميًا، حتى لا يبقى أي أثر عن وقت الإصابة أو نوعها أو هوية المصابين في الأنظمة الرسمية.
وهذا التعتيم جعل التحقق من سبب الوفاة وطريقتها شبه مستحيل بالنسبة للجهات المستقلة.
وإضافةً إلى التهديدات، واجه كثير من العائلات ظاهرة أخرى؛ فقد سُلّمت جثامين بعض الضحايا للعائلات تحت الضغط والإلحاح، وفي حالات كثيرة جرى الدفن ليلاً، ودون حضور ذوي المتوفين، لمنع إقامة مراسم أو تجمعات أو نشر الصور.
كما استُخدمت في شهادات الوفاة عبارات مبهمة مثل "إصابات ناجمة عن اشتباك"، "ضربة بجسم صلب" أو "توقف القلب"، لإخفاء السبب الحقيقي للوفاة، وهو الإصابة بالرصاص أو جراء إطلاق النار المباشر أو الضرب العنيف.
وفي عدد من الملفات، حاولت قوات الأمن تقديم الضحايا بوصفهم "مثيري شغب" أو "مشتبهين أمنيين"، وتصوير موتهم كأنه نتيجة "اشتباك مسلح”.
وهذه الإجراءات مجتمعة أدت إلى سدّ الطريق أمام التوثيق المستقل، وجعلت الوصول إلى الأرقام الحقيقية غير ممكن.
ونتيجةً لعدم القدرة على الوصول إلى المستشفيات والطب الشرعي والوثائق الرسمية، اضطرت المؤسسات المستقلة إلى اعتماد طرق مختلفة في تسجيل القتلى.
فغالبية منظمات حقوق الإنسان لا تنشر إلا الأسماء، التي جرى التحقق منها، عبر عدة مصادر وشهادات مستقلة؛ لذلك فإن قوائمها تمثل "الحد الأدنى الموثّق" لا "العدد الحقيقي للضحايا".
وفي المقابل، قدّمت وسائل إعلام مثل "كلمة" أو الشبكات المحلية، التي تصل إلى تقارير المحافظات أو مصادر غير رسمية، أرقامًا أعلى.
أما منظمة "هرانا"، المعنية بحقوق الإنسان في إيران، فقد قدمت ثلاثة مستويات من الأرقام: تقدير عام يفوق 430 قتيلاً، قائمة بأسماء 227 شخصًا، و88 حالة مؤكدة بشكل مستقل. هذا الاختلاف في الأساليب يفسر جزءًا مهمًا من التباين بين الأرقام.
وإلى جانب القتلى، امتدّ نطاق القمع في نوفمبر 2019 إلى آلاف الاعتقالات والأحكام القضائية القاسية؛ إذ حُكم على كثيرين بالإعدام، والسجن لمدد طويلة، والنفي، والحرمان من الحقوق الاجتماعية.
ولا يزال محمد جواد وفايي ثاني، الملاكم والسجين السياسي المعتقل بسبب مشاركته في هذه الاحتجاجات، تحت طائلة حكم الإعدام.
وهذا الواقع يذكّر بأن رسالة القمع في أحداث "أبان" (نوفمبر الدامي) لم تُوجّه فقط في الشوارع، بل امتدت إلى محاكم الثورة، وغرف التحقيق، والسجون.
لماذا لم يُعرف العدد النهائي حتى الآن؟ بعد ست سنوات من نوفمبر 2019، يبقى غياب آلية فعالة لكشف الحقيقة، سواء داخل إيران أو على المستوى الدولي، العائق الأكبر أمام تحديد العدد النهائي للضحايا.
فالنظام لم ينشر أبدًا وثائق المستشفيات، أو قوائم القتلى، أو تقارير الطب الشرعي، أو الملفات القضائية الخاصة بهم.
كما أدى قطع الإنترنت، وحذف الأدلة المصوّرة، واعتقال الشهود، وتهديد العائلات، إلى ضياع جزء كبير من الشواهد المستقلة.
وفي هذه الظروف، لا تستطيع الجهات المستقلة سوى الاعتماد على شهادات العائلات والوثائق المحلية وبيانات الأحوال المدنية؛ وهي بيانات تسمح فقط بتقديم "حد أدنى موثّق" لا "رقم نهائي"، وهو ما يفسّر بقاء التباين قائماً.
إن الفجوة بين الأرقام الرسمية، التي يعلنها النظام وبين الأرقام التي تقدّمها المصادر المستقلة ليست اختلافًا تقنيًا؛ بل هي انعكاسٌ لحجب الحقيقة بشكل ممنهج وللسياسات القمعية.
إن جمع بيانات الأحوال المدنية، والروايات الميدانية، وشهادات العائلات، وتقارير حقوق الإنسان يقدم صورة واضحة: "نوفمبر 2019" كان واحدًا من أكثر موجات القمع دموية في تاريخ النظام الإيراني، وعدد ضحاياه الحقيقي أكبر بكثير مما اعترف به النظام.
ولا تُعد مطالبة العائلات بالعدالة مجرد محاولة لتوثيق عدد القتلى، بعد ست سنوات على نوفمبر 2019، بل هي محاولة للحفاظ على حقيقة يسعى النظام الإيراني إلى محوها.
وقد واصل كثير من هذه العائلات، مثل عائلات الضحايا في العقود الماضية، المطالبة بالعدالة، رغم التهديدات المستمرة من الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني، وحوّلوا الحداد والفجيعة إلى فعل سياسي ومدني.
وتُظهر تجارب الدول، التي انتقلت بعد فترات القمع إلى مسار العدالة الانتقالية أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتجاوز جراحه الجماعية، دون كشف الحقيقة كاملة، وتوثيق أسماء جميع الضحايا، ومحاسبة الآمرين والمنفذين.
إن مطالبة عائلات ضحايا نوفمبر 2019 بالعدالة اليوم جزء من هذا المسار؛ مسارٍ سيشكّل مستقبلاً أساس أي آلية لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
ويظل "نوفمبر 2019" ملفًا مفتوحًا، لن يُغلق إلا بتشكيل آلية لكشف الحقيقة ونشر الوثائق الرسمية، فيما يبقى سؤاله المركزي قائمًا: "كم عدد من قتلهم النظام الإيراني في تلك الأحداث؟".
أشار موقع "ديده بان إيران" اليوم السبت 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 إلى أن "تقنين المياه المعدنية" يشمل فرض قيود على البيع، بعدما ارتفع سعر العبوة الواحدة إلى 95 ألف تومان (نحو 8 دولارات)، في حين كان سعرها قبل أشهر يتراوح بين 50 و60 ألف تومان فقط.
كما ذكرت وسائل إعلام إيرانية- استنادًا إلى صور متداولة من المتاجر الكبرى- أنه تم فرض قيود على بيع عبوات المياه المعدنية للمواطنين.
وأفادت تقارير إلى أن تدهور جودة مياه الشرب في المدن، وزيادة الملوحة، وظهور روائح وطعم غير مستساغ في المياه الجارية، دفع كثيرًا من المواطنين إلى الاعتماد على المياه المعدنية للشرب.
وأضاف موقع "ديده بان إيران" أن الارتفاع الحاد في الطلب تسبب في نقص خطير في سوق المياه المعبّأة، ما دفع المتاجر إلى تطبيق سياسة "تقنين" بيعها.
وفي الأيام الأخيرة، تكشفت أبعاد جديدة من أزمة نقص المياه في إيران، وهي أزمة تُنذر بخطر كبير على الحياة اليومية للمواطنين وعلى استمرار نشاط كثير من الصناعات.
وذكر "ديده بان إيران" في تقريره أن الارتفاع في الأسعار لا يعود فقط إلى زيادة الطلب، بل أيضًا إلى عوامل أخرى مثل نقص الموارد المائية، وانخفاض تدفق الينابيع، وهبوط مستويات المياه الجوفية، وارتفاع تكاليف الطاقة اللازمة للاستخراج والتعبئة لدى شركات إنتاج المياه المعدنية.
ويجري فرض سياسة التقنين على المواطنين في الوقت الذي قامت فيه إيران، خلال السنوات الأخيرة، رغم الأزمة الشديدة في الموارد المائية، بتخزين كميات كبيرة من المياه المعدنية لاستخدامها في فعاليات حكومية.
ففي أغسطس (آب) 2024، صرّح برويز فتّاح، رئيس "لجنة تنفيذ أمر الإمام"، بأن هذه المؤسسة قامت بتخزين 16 مليون زجاجة مياه معدنية، إضافة إلى مليوني وجبة جاهزة من أجل مسيرة الأربعين.
وفي عام 2022، صرّح حسن بلارك، المستشار السابق للجنة المركزية للأربعين، بأن أكثر من 150 مليون زجاجة مياه معدنية تم تخزينها لموسم الأربعين، مشيرًا إلى أنه "إذا حضر 5 ملايين زائر، فسيحصل كل زائر على 30 زجاجة مياه".
كما صدرت في الأشهر الماضية تقارير حول رداءة جودة المياه المعدنية الإيرانية.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أعلنت السلطات العُمانية منع استيراد المياه المعدنية من إيران، بعد وفاة شخصين نتيجة شرب "مياه معدنية إيرانية ملوثة".
وأكدت الجهات العُمانية، بعد إجراء الفحوصات على عينات من المنتج، وجود تلوث في الشحنة، وأمرت بسحب منتجات هذه العلامة التجارية الإيرانية من الأسواق.
كان سلوك النظام الإيراني في المجال البحري خلال العقدين الماضيين يتبع نمطاً ثابتاً نسبياً: الاحتجاز الممنهج للسفن في المياه الخليجية وبحر عُمان، عادة تحت عنوانين محدّدين؛ إمّا الادعاء بتهريب الوقود أو ارتباط السفينة بإسرائيل.
وفي العديد من الحالات، سعت طهران إلى تقديم هذه الإجراءات في إطار "تأمين الأمن ومكافحة المخالفات البحرية"؛ وهي رواية تتمتع بمرونة قانونية وتمكّن النظام الإيراني من إظهار أفعاله بأنها مبرَّرة في تعاطيه مع دول المنطقة والهيئات الدولية.
فعلى سبيل المثال، يُصنّف احتجاز الناقلات التي تحمل الوقود المهرّب في يوليو (تموز) من هذا العام وأغسطس (آب) من العام الماضي (القضايا المرتبطة بناقلة بيرل-جي أو شحنات الوقود المهرّب المزعومة في بحر عُمان) ضمن الفئة التي يسمّيها النظام الإيراني "مكافحة التهريب المنظّم".
وفي المقابل، يأتي احتجاز سفينة "إم إس سي أريس" في أبريل (نيسان) من العام الماضي بحجة أنّ السفينة "تابعة لإسرائيل" مثالاً آخر لهذا النمط الذي يستند إلى خطاب أمني-إقليمي.
وفي كلتا الفئتين، كان الهدف من تحركات النظام الإيراني إرسال رسالة قوة وسيطرة وردع في الممرات المائية الحيوية بالمنطقة، من دون أن تؤدي هذه الإجراءات بالضرورة إلى مواجهة مباشرة.
حادثة "تالارا": رسالة طهران الاستراتيجية في مضيق هرمز
لكن احتجاز ناقلة النفط "تالارا" في مضيق هرمز يختلف جذرياً من حيث طبيعته عن الفئتين السابقتين؛ فلا ادعاء بالتهريب طُرح حولها، ولا نُسبت إليها أي صلة بشبكات بحرية إسرائيلية.
وهذا الأمر يضاعف من أهمية الحادثة. فوفقاً لرواية المسؤولين الأميركيين، كانت الناقلة "تالارا" التي ترفع علم جزر مارشال تُبحر من ميناء عجمان في الإمارات نحو سنغافورة، عندما حاصرتها ثلاثة زوارق سريعة تابعة للحرس الثوري وأجبرتها على تغيير مسارها.
وتُظهر بيانات الطيران أنّ طائرة مسيّرة تابعة لسلاح البحرية الأميركي كانت تحلّق فوق المنطقة لساعات وقد سجّلت لحظة بلحظة عملية الاحتجاز. كما أن شركة إدارة الناقلة أعلنت أنّ اتصالها بالسفينة انقطع تماماً ولا تعرف وضعها الحالي.
كما وصف مركز عمليات التجارة البحرية في بريطانيا الحادث بأنه "نشاط حكومي محتمل". إنّ هذا المستوى من الوضوح في الرصد والتوثيق، ووقوع الحادثة في واحدة من أكثر النقاط الجيوسياسية حساسية في العالم، يؤكدان أنّ احتجاز "تالارا" كان خطوة محسوبة بالكامل، وليس حادثاً عرضياً أو ردّ فعل لحظي.
وإذا وضعنا احتجازات النظام الإيراني السابقة في فئتين واضحتين، هما التهريب وقضايا الارتباط بإسرائيل، فإن حادثة "تالارا" لا تندرج ضمن أي منهما، بل تبرز نمطاً ثالثاً: استخدام احتجاز ناقلات النفط كأداة ضغط جيوسياسي في اللحظات الإقليمية والدولية الحرجة.
وقد استُخدمت هذه الأداة بصورة متكررة بين عامي 2019 و2022، لكنها كانت أقل ظهوراً في الأشهر الأخيرة.
والآن، بعد الحرب التي استمرت 12 يوماً بين النظام الإيراني وإسرائيل، يبدو أن طهران أعادت تفعيل هذه الذراع. ففي هذه المرحلة الزمنية، تريد إيران إظهار أنها رغم ما تكبّدته من كلفة في الحرب المباشرة، فإنها ما زالت قادرة على تعطيل تدفق الطاقة العالمي وفرض كلفة استراتيجية على خصومها.
كما يجب اعتبار هذا الإجراء جزءاً من الرد غير المباشر للنظام الإيراني على الهجمات الأميركية ضد منشآته النووية في الصيف الماضي. وهو ردّ يتجنب المواجهة المباشرة، لكنه يبعث برسالة واضحة تماماً.
الرسالة الإقليمية: من الردع في هرمز إلى التلاقي مع الحوثيين
وفي هذا السياق، يُحتمل بجدية أن تكون حادثة "تالارا" مرتبطة بتداعيات ما بعد الحرب بين النظام الإيراني وإسرائيل. فبعد انتهاء الحرب، احتاجت طهران إلى إظهار أنها ليست في موقع ضعف، وأنها ما تزال قادرة على إظهار قدرتها العملياتية في مياه المنطقة.
واحتجاز ناقلة غير متهمة بالتهريب ولا ترتبط بإسرائيل مثالٌ واضح على "استعراض القوة دون تجاوز خطوط الحرب الحمراء".
وهذا الإجراء لا يخاطب أطراف الحرب الأخيرة فحسب، بل يوجّه أيضاً رسالة لدول المنطقة مفادها أنّ أمن مضيق هرمز – وهو الشريان الرئيسي لتجارة الطاقة في العالم – لا يمكن ضمانه من دون أخذ حسابات النظام الإيراني بعين الاعتبار.
وتحاول طهران عبر هذا التحرك الإيحاء بأنّ مرحلة ما بعد الحرب لا تزال تتأثر بقدرات إيران العملياتية في البحر، وأن أي تغيير في التوازن الإقليمي يجب أن يراعي هذه القدرة.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن تقييم الحادثة بمعزل عن الدور المتزايد للقوى الوكيلة للنظام الإيراني في المنطقة. ففي الأشهر الماضية، كانت هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر أحد أهم عوامل زعزعة استقرار تجارة الطاقة والبضائع. وهذه الهجمات التي استمدّت زخمها مباشرة من حرب غزة، أجبرت قطاعات واسعة من الشحن العالمي على تغيير مساراتها.
ومع عودة الحرس الثوري إلى سياسة الاحتجاز في هرمز، يبدو أن النظام الإيراني يفتح جبهة جديدة موازية لجبهة البحر الأحمر.
فإذا كان البحر الأحمر ساحة عمليات الحوثيين، فإن مضيق هرمز هو ساحة عمليات النظام الإيراني مباشرة. ويمكن لهذا التلاقي أن يفرض ضغطاً متزايداً على مسارات الطاقة العالمية، ويضع الدول المستوردة للطاقة من أوروبا إلى شرق آسيا أمام لاعب متكامل من محور إيران.
كما يحمل احتجاز "تالارا" رسالة مهمة أخرى: إن النظام الإيراني في الأشهر الأخيرة، خلافاً للسنوات الماضية، يتحرّك نحو إجراءات بلا أي غطاء قانوني.
ففي احتجازات مزعومة تتعلق بالتهريب، كان هناك على الأقل ادعاء قانوني-قضائي؛ وفي القضايا المتعلقة بإسرائيل، كان هناك تبرير أمني. أما في قضية "تالارا"، فلا يوجد حتى هذا الغطاء الشكلي. وهذا يعني أن طهران تتعمّد الابتعاد عن استراتيجية "الغموض القانوني" لتتجه نحو "إظهار الإرادة العملياتية دون تبرير"؛ وهو سلوك يميّز عادة الفترات الانتقالية ومرحلة التوترات العميقة.
وفي المحصلة، يجب اعتبار احتجاز ناقلة النفط "تالارا" – إذا أُعلن رسمياً من قبل النظام الإيراني – جزءاً من عودة النظام إلى استراتيجية الضغط البحري؛ وهي استراتيجية تُستخدم للردع، والمناورة السياسية، وإرسال الرسائل إلى الخصوم.
وتُظهر الحادثة أن طهران بعد حرب الـ12 يوماً لا تنوي الدخول في مرحلة السكون، بل تسعى إلى إعادة تعريف المعادلة الأمنية في المنطقة بشكل فعّال.
وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد يدخل مضيق هرمز وبحر عُمان مرحلة جديدة من عدم الاستقرار. مرحلة يكون فيها الحرس الثوري في هرمز والحوثيون في البحر الأحمر مكمّلين لبعضهما البعض، وتتعرض فيها الممرات البحرية من المتوسط إلى المحيط الهندي لضغط محور يهدف إلى استعادة حصة ودور النظام الإيراني في التوازنات الإقليمية والدولية.
بعد ست سنوات على احتجاجات "نوفمبر الدامي" 2019، والتي اندلعت إثر الزيادة المفاجئة في أسعار البنزين، تعود مخاوف الإيرانيين مجددًا من رفع أسعار الوقود، بعد حديث حول ذلك من قِبل مسؤولي النظام، كما أن تركيبة الفقر والتضخم وأزمات المياه والكهرباء والغاز تثقل كاهل حياتهم.
وفي 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، أعلنت حكومة الرئيس الإيراني آنذاك، حسن روحاني، زيادة مفاجئة بنسبة 200 في المائة بسعر البنزين، وهو قرار أثار موجة من الغضب والاحتجاج في جميع أنحاء البلاد.
وخلال أقل من أسبوع، شهدت مئات المدن في 29 محافظة تجمعات احتجاجية ضد النظام. بدأت الاحتجاجات بمطالب معيشية، لكنها سرعان ما تحولت إلى شعارات سياسية مناوئة للحكومة.
وأكدت منظمات حقوق الإنسان، مثل العفو الدولية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أن قوات الأمن أطلقت النار مباشرة على رؤوس وصدور وعيون المحتجين من أسطح المباني والمروحيات.
وفي 16 نوفمبر، دافع المرشد الإيراني، علي خامنئي، عن رفع أسعار الوقود ووصف المحتجين بـ "الأشرار والأعداء". وتلا ذلك قطع الإنترنت على نطاق واسع وتصاعد القمع ضد المحتجين.
وحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان، فقد اعتُقل ما لا يقل عن 8600 شخص في مختلف المحافظات الإيرانية خلال تلك الاحتجاجات.
وأكدت المحكمة العليا حكم الإعدام على محمد جواد وفائي ثاني، أحد محتجي نوفمبر 2019، فيما كانت عمليات الاستجواب في العديد من هذه القضايا مصحوبة بالتهديد والاعتداء وأشكال أخرى من التعذيب.
وأُفرج عن كثيرين لاحقًا بكفالات، لكن عددًا من المعتقلين حُكم عليهم بالسجن الطويل أو بالإعدام في محاكمات جائرة، غالبًا دون إمكانية الوصول إلى محامٍ من اختيارهم، وبالاعتماد على اعترافات تحت الضغط.
وبعد ست سنوات، لا تزال عائلات الضحايا تطالب بالكشف عن الحقيقة ومعاقبة المسؤولين عن المجزرة، ولا تزال عبارة "نوفمبر مستمر" تُكتب على قبور الضحايا.
العودة إلى نقطة الانفجار
في خريف 2025، تعود نفس الهمسات مجددًا. تقول حكومة الرئيس الإيراني الحالي، مسعود بزشکیان، إنها لا تخطط لزيادة الأسعار، لكن مشروع "تعدد أسعار البنزين" مطروح في البرلمان والحكومة.
وأعلن عضو لجنة الاقتصاد في البرلمان الإيراني، حسين صمصامي، في 10 نوفمبر الجاري، أن سعر البنزين سيصل إلى خمسة آلاف تومان للتر الواحد، وأن القرار سيُنفذ. وأضاف أن الحكومة لا تدفع أي تكلفة لإنتاج البنزين، بل تبيعه للمصافي بخفض 5 في المائة عن سعره في المنطقة وتشتريه بالسعر نفسه.
وأكد أن "التكلفة الحقيقية للحكومة لكل لتر بنزين أقل من ألفي تومان".
في المقابل، قال نائب الرئيس الإيراني للشؤون التنفيذية، محمد جعفر قائم بناه، في 4 نوفمبر الجاري: "إن اللتر الواحد الذي يضعه الناس في سياراتهم يكلف الحكومة 34 ألف تومان، لكن نبيعه لهم بألف وخمسمائة أو ثلاثة آلاف تومان".
وحذر عدد من النواب المحافظين، في 9 نوفمبر الجاري، من تبعات زيادة الأسعار. كما أشار نائب رئيس لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني، فرهاد شهرکی، في الثامن من الشهر الجاري أيضًا، إلى نفاد الميزانية المخصصة لاستيراد البنزين في الأشهر الأولى من العام، وأن الحكومة لا تمتلك العملة اللازمة للشراء.
وفي 4 نوفمبر، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، أن الحكومة لم تتخذ قرارًا بزيادة سعر البنزين المخصص، وسيظل يُباع بالأسعار الحالية.
قال پزشکیان، الذي كان قد أكد خلال المناظرات الانتخابية "لن نرفع سعر البنزين"، في الأول من آبان إن: "سعر البنزين أرخص حتى من الماء، وفي الواقع لا شكّ في رفع سعره".
وردت هذه التصريحات في وقت أذنت فيه حكومة پزشکیان في الأشهر الأخيرة برفع أسعار بعض السلع الاستهلاكية؛ ومن ذلك زيادة سعر الخبز التي أثارت انتقادات واسعة.
وقبل ذلك، في 19 مهر، نشرت عدة وسائل إعلام داخل إيران صورًا لمصوّبة صدرت في 27 شهریور عن هیأت الوزراء، تفيد بأن حكومة الجمهورية الإسلامية وضعت إطارًا جديدًا لرفع أسعار البنزين وسياسات مرتبطة باستهلاك الوقود.
وحذّر خبراء الاقتصاد من أن أي رفع في أسعار الوقود في ظلّ الظروف التضخّمية الراهنة قد يثير موجة جديدة من السخط والاحتجاج الشعبي.
في اقتصادٍ يعاني في الوقت نفسه من أزمة الطاقة وركودٍ عميق، باتت السياسات السعرية أكثر من أيّ وقت "سياسية ومحفوفة بالمخاطر".
التضخّم والفقر وتآكُل القدرة المعيشية
حذّر فرشاد مومني، الاقتصادي، في 8 نوفمبر الجاري، في مقابلة مع "إيران إنترناشيونال" من عواقب رفع سعر البنزين، معتبراً أن الادّعاء بأن "السياسة الصادمة" (سياسة "العلاج بالصدمة") ستُقلِّص عجز الموازنة هو "كذبة كبيرة".
وشدّد على أن رفع سعر البنزين يَضُرّ بالدرجة الأولى الشرائح الدنيا التي لا تملك سيارات. وتعكس هذه الرؤية قلقًا واسعًا لدى الخبراء الذين يحذرون من أن سياسات الصدمة في ظلّ تضخّم مرتفع تزيد الفجوة الطبقية.
وقال الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي المُقيم في ستوكهولم، أحمد علوي، لـ "إيران إنترناشيونال"، في 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: "في اقتصادٍ يعاني معدلات تضخم عالية وانخفاض نمو الأجور الحقيقية، فإن أي تغيير في أسعار الطاقة، خصوصًا البنزين والديزل، سيؤثّر أبعادًا متعدِّدة على مستويات المعيشة والإنتاج".
كما قال الخبير الاقتصادي، مرتضى افقه، في 15 أكتوبر الماضي، أيضًا لموقع "نشان تجارت": "يبدو أن الحكومة لم تعد تملك أموالًا لاستيراد البنزين، والشعب أيضاً لم يعد يحتمل تراكم موجات التضخّم السنوية".
من محطّات الوقود إلى انقطاع التيار والماء: أزمة أوسع في الطاقة
إيران اليوم، بعد أكثر من أربعة عقود من حكم النظام، لا تواجه مشكلة البنزين فحسب؛ فطيف من النّقائص والتّآكل في البُنى التحتية دفع البلاد إلى حافة انهيار قطاع الطاقة.
وشهدت انقطاعات في التيار الكهربائي صيفًا، وهبوطًا في ضغط الغاز شتاءً، وجفافًا مزمنًا ونقصًا حادًا في المياه على امتداد البلاد. ويقول الخبراء إن هذه الأزمة ليست نتيجة العقوبات فقط، بل نتيجة سنوات طويلة من سوء الإدارة والفساد في شبكات التوزيع والاستثمار.
وأدّى الجفاف وانخفاض منسوب السدود إلى شلّ الزراعة في عشرات المدن، وأُدرج تقنين مياه الشرب في كثير من المناطق على جدول الحياة اليومية. كما أصبح نقص الطاقة قضيّة تتعدّى الأرقام الاقتصادية لتصبح قضية وجودية واجتماعية تؤثر مباشرة على حياة ملايين الإيرانيين.
وفي هذا السياق، تواجه الحكومة الخيار الصعب بين رفع سعر البنزين مع مخاطر إشعال احتجاجٍ شعبي كبير وتكرار أحداث "نوفمبر الدامي" أو الإبقاء على الأسعار ودفع كلفة تفاقم التضخم عبر طباعة المزيد من النقود وزيادة القاعدة النقدية.
ظلّ "نوفمبر الدامي" على قرارات اليوم
في هذا المناخ الملبّد، نبه نواب البرلمان إلى "خطر تكرار الفواجع السابقة"، وذكّر مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي بأن تجربة "نوفمبر الدامي" لا تزال راسخة في الذاكرة الجماعية.
وأشار مراقبون إلى أن السلطات عززت شبكات المراقبة الرقمية، وزادت من استخدام الكاميرات الذكية وشرعت في موجات اعتقالات؛ وهي إجراءات يرى البعض أنها تهدف إلى قمع أي بادرة تجمع أو صوت احتجاجي قبل أن يصل إلى الشارع.
انفجارٌ محتمل
مع ذلك، يحذّر علماء الاجتماع من أن مزيج الفقر ونقص الماء والغضب المكتوم قد يحوّل أي قرار اقتصادي إلى شرارة سياسية. في مجتمعٍ بلغت قدرة صموده الاقتصادية أدنى مستوياتها، قد يصبح أي تغيير طفيف في سعر البنزين أو اضطراب في إمدادات الماء والكهرباء علامة فاصلة بين هدوءٍ هشّ وتوترٍ اجتماعي واسع.
وفي الأسابيع الأخيرة، تزامنًا مع تصاعد النقاشات حول رفع سعر الوقود، سُجّلت موجة جديدة من استدعاءات واعتقالات وتفتيش منازل صحافيين وكتّاب وباحثين ونشطاء اجتماعيين وعمال في مدن مختلفة.
ويرى ناشطون عماليون أن اعتقال مؤيدي الطبقة العاملة ومناضليها دون مبرّر هو دليل على أن قرارات تُعِدّ لإحداث أثر مباشر في جيوب الناس وسلال طعامهم.
ويصف المراقبون هذا السلوك بأنه جزء من نمط متكرّر: تُسبق قرارات اقتصادية كبرى بتدابير أمنية، كأنّ السلطة تجهّز نفسها لمواجهة الاحتجاج بدل الحوار مع المجتمع.