"الوعد الصادق".. هجوم إيران على إسرائيل استعراض للقوة أم الردع غير الرادع؟

ما مآلات عملية "الوعد الصادق" التي نفذتها إيران بإطلاق مئات الطائرات المُسيّرة وعدة صواريخ على إسرائيل؟

ما مآلات عملية "الوعد الصادق" التي نفذتها إيران بإطلاق مئات الطائرات المُسيّرة وعدة صواريخ على إسرائيل؟

تعرضت المنشآت النووية الإيرانية، خلال السنوات الأخيرة، لهجمات إلكترونية وهجمات بطائرات مسيرة عدة مرات، كما لقي بعض قادة الحرس الثوري الإيراني البارزين مصرعهم إثر غارات جوية في سوريا أو بوسائل أخرى في إيران.
ولا تقتصر الهجمات السيبرانية، التي تشنها إسرائيل، على المنشآت النووية الإيرانية، ولا تعلق إسرائيل عادة على هجماتها ضد إيران، ونادرًا ما أكدت تل أبيب أو نفت مثل هذه الهجمات.
وشكل انفجاران في خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الإيرانية، في منتصف فبراير (شباط) الماضي، تهديدًا خطيرًا لأمن الطاقة في إيران؛ حيث حمَّل وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، إسرائيل مسؤولية انفجار خطوط أنابيب الغاز في محافظات: فارس وجهارمحال وبختياري، واصفًا إياه بالعمل الإرهابي.. وتبين لاحقًا أن هذه الانفجارات كانت نتيجة هجوم سيبراني.
7 أكتوبر وتزايد التوتر في المنطقة
دخل الشرق الأوسط، خاصة منطقة البحر الأحمر، مرحلة جديدة من التوتر والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة، بعد هجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ولم تؤثر هجمات الحوثيين على السفن وناقلات النفط في البحر الأحمر وخليج عدن على أسواق الطاقة العالمية فحسب، في أعقاب الرد الإسرائيلي على هذه الهجمات، بل أدت أيضًا إلى زيادة مخاطر سلاسل التوريد العالمية.
وأظهر الحوثيون، باعتبارهم أحد وكلاء إيران، أنفسهم كعامل في المعادلات الإقليمية، من خلال خلق حالة من انعدام الأمن في هذه المنطقة، وسعت طهران بالمقابل من خلال الحوثيين إلى الحصول على تنازلات من الغرب.
مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا
دخل التوتر في المنطقة، مرحلة جديدة بعد مقتل قادة كبار بالحرس الثوري الإيراني في هجوم إسرائيل على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، يوم الإثنين الأول من أبريل (نيسان). ويعتقد بعض الخبراء أن هذه الغارة الجوية تسببت في عودة اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام من غزة إلى إيران لفترة من الوقت.
ويرى مراقبون أن تصفية قادة فيلق القدس والمجموعات التابعة لإيران في المنطقة، ليست نتيجة الأحداث التي تشهدها المنطقة، على سبيل المثال، لا تقتل إسرائيل قادة الحرس الثوري الإيراني ردًا على هجمات الصواريخ الباليستية الحوثية، لكن إسرائيل تستهدفهم وفقًا للخطط وبشكل تدريجي، حتى لا تتمكن الجمهورية الإسلامية من الرد على الهجمات الإسرائيلية بشكل قوي.
رد إيران المحتمل على مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني بدمشق
بعد مقتل قاسم سليماني في بغداد، في يناير (كانون الثاني) عام 2020، إثر هجوم شنته القوات الأميركية، كان من المتوقع أن ترد إيران بقوة شديدة على هذا الهجوم، وكانت قاعدة عين الأسد، مقر القوات الأميركية في غرب العراق، هدفًا للهجمات الصاروخية للحرس الثوري الإيراني، رغم أن الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أعلن لاحقًا أن إيران أبلغت الولايات المتحدة قبل تنفيذ هذه الهجمات، وأن هذه الهجمات كانت للاستهلاك المحلي فقط.
وكانت الهجمات على المصالح الإسرائيلية في المنطقة أحد خيارات إيران في السنوات الأخيرة، وزعم الحرس الثوري الإيراني، في يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه استهدف "مراكز تجسس" إسرائيلية في إقليم كردستان العراق بالصواريخ الباليستية.
وطالبت بعض الجماعات والتيارات السياسية الإيرانية، بمن في ذلك أعضاء سابقون بالبرلمان، باستهداف السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأذربيجانية، باكو، بعد حرب ناغورنو كاراباخ الثانية وضعف موقف إيران في القوقاز.
وعلى الرغم من أن العلاقات بين إيران وأذربيجان كانت متوترة في السنوات الأخيرة، فإن أي هجوم من قبل إيران على السفارة الإسرائيلية في باكو لن يؤدي إلى تفاقم العلاقات بين طهران وباكو فحسب، بل سيؤثر أيضًا على علاقات تركيا- حليفة أذربيجان- مع إيران.
الانتقام الصعب أم الصبر الاستراتيجي؟
إن دخول حرب شاملة مع إسرائيل أو أي دولة أخرى، ليس في مصلحة نظام الجمهورية الإسلامية، بالنظر إلى الوضع الاقتصادي السيئ لإيران واستمرار العقوبات.
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة إلى النظام الإيراني، لعدم رده على الهجمات الإسرائيلية والهجمات في كرمان خلال مراسم الذكرى السنوية لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، إلا أنه يبدو أن قيادة النظام في الوضع الحالي ترجح ما بات يعرف بـ "الصبر الاستراتيجي" على الانتقام.
وعلى الرغم من تزايد التوتر الإقليمي الناجم عن توسع الصراعات، التي بدأت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، وبعد مقتل قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا، فيبدو أن إيران تتمسك بما يعرف بـ "الصبر الاستراتيجي" أمام التحديات القائمة.
موقف أميركا من التطورات الإقليمية
واجهت سياسة استرضاء إدارة بايدن مع إيران، في السنوات الأخيرة، ردود فعل غاضبة من الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والكونغرس الأميركيين. وتسببت أزمة الطاقة وارتفاع أسعار ناقلات الوقود في الولايات المتحدة وزيادة التضخم في إعطاء حكومة بايدن الضوء الأخضر لزيادة بيع النفط الإيراني في السوق، رغم استمرار العقوبات.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني، أمير عبداللهيان، بعد الهجوم على القنصلية الإيرانية في دمشق، أنه بعث بـ "رسالة مهمة إلى أميركا"، وأكد أنه تم استدعاء القائم بأعمال السفارة السويسرية لإرسال هذه الرسالة.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، ردًا على تصريحات المسؤولين الإيرانيين وقادة الحرس الثوري: "لم يكن لنا أي دور في هجوم دمشق".
وبالنظر إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة والحاجة إلى استمرار الاستقرار في سوق الطاقة العالمية، فإن حكومة الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ بشأن الصراع بين إيران وإسرائيل، أو عملاء طهران في المنطقة، كما لا ترغب إيران بالدخول في صراع مباشر مع إسرائيل، رغم رفعها مستوى التهديدات ضد تل أبيب والايات المتحدة.
كيف سيكون الرد الإيراني المحتمل؟
إن تزايد التوتر بين إيران وإسرائيل سيفقد قضية غزة أهميتها في نظر الإعلام والمجتمع الدولي، وهذا لصالح حكومة نتنياهو، كما أن إسرائيل لا تريد صراعًا واسع النطاق مع إيران وتفضل ردودًا واضحة على السياسة الإقليمية للجمهورية الإسلامية من خلال استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني وقادة الميليشيات التابعة لطهران من وقت لآخر. وبهذا الإجراء، سيتم تقليل حجم الهجمات المحتملة التي تشنها القوات التابعة للنظام الإيراني في المنطقة على مصالح إسرائيل.
ويبدو أننا سنشهد زيادة في الهجمات الصاروخية الحوثية على المواقع الإسرائيلية على المدى القصير؛ ومع ذلك، فإن معظم الهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون لا يمكن أن تسبب أضرارًا كبيرة لإسرائيل؛ بسبب بُعد المسافة ونظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي.
والخيار الثاني قد يكون هجمات بطائرات مُسيّرة من قِبل الحوثيين وحزب الله على إسرائيل. ولم يدخل حزب الله اللبناني في صراع شامل مع إسرائيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، لأن إضعاف هذه المجموعة يعرض مصالح إيران في المنطقة للخطر.
وربما تفكر إيران، أيضًا، في شن هجمات صاروخية على إقليم كردستان العراق لتخفيف الضغط الشعبي والرد على الأصوليين، لكن على أي حال، فإن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإيرانية لا تسمح بصراع عسكري شامل مع إسرائيل، ولذلك قد نشهد استمرار سياسة الصبر الاستراتيجي.

شهدت قيمة العملة الإيرانية مسارا هبوطيا في العام الإيراني الماضي(انتهى 20 مارس/آذار الجاري)، وحطمت عدة مرات الأرقام القياسية في هذا المجال. فما العوامل التي تقف وراء تقلبات سعر الصرف في إيران، ولم هذا الانخفاض المتتالي؟
الخبيرة في شؤون الطاقة الإيرانية والصحفية والمديرة السابقة للقسم الفارسي في وكالة "ترند نيوز" الأذربيجانية، دالغا خاتين أوغلو، تناولت هذا السؤال في مقال تحليلي خاص لـ "إيران إنترناشيونال".
أدى السقوط الحر للعملة الوطنية الإيرانية منذ يناير 2024، إلى فقدها حوالي 20 بالمائة من قيمتها في أقل من ثلاثة أشهر. وهو الأمر الذي يزيد من شبح نمو التضخم في الأشهر المقبلة.
وقد انخفض التومان الإيراني لمستوى تاريخي خلال أيام العمل الأولى من العام الإيراني الجديد، وتم تداول كل دولار أميركي بسعر 61 ألف تومان في الأسواق المفتوحة، وهو ما يزيد بنسبة 43 بالمائة عما كان عليه في أبريل 2023.
ومن الصعب تفسير انخفاض قيمة التومان للوهلة الأولى، لأن حجم صادرات النفط الإيرانية زاد بشكل كبير، لكن نظرة فاحصة على الإحصائيات الرسمية تظهر انخفاضا في نمو الدخل.
هذه الأرقام يمكن أن تفسر لماذا تمتلك الحكومة أدوات محدودة للتأثير على سوق العملات.
ووفقا لتحليل شركة البيانات "كيبلر"، صدّرت إيران في عام 2023 حوالي 1.3 مليون برميل يوميا من النفط الخام ومكثفات الغاز، وهو ما يظهر نموا بنسبة 48 بالمائة مقارنة بالعام الماضي.
وبحسب تقديرات "كيبلر"، صدّرت إيران أيضًا 1.39 مليون برميل و1.44 مليون برميل يوميًا خلال شهري يناير وفبراير 2024 على التوالي.
في الوقت نفسه، تشير أحدث إحصائيات الجمارك الإيرانية إلى أن دخل تصدير النفط خلال 11 شهرًا من السنة المالية الماضية، من 20 مارس 2023 إلى 19 فبراير 2024، وصل إلى 32 مليار دولار أميركي، أي بزيادة قدرها 7.8 بالمائة فقط مقارنة بالعام السابق.
ولا يزال سبب الفجوة الكبيرة بين حجم وقيمة صادرات إيران النفطية غير واضح، في حين انخفض سعر النفط في الأسواق العالمية بنسبة 17 بالمائة فقط في عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبقي دون تغيير في الربع الأول لعام 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ويبدو أن إيران تواصل بيع نفطها للصين بتخفيضات أكبر من ذي قبل.
وعندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018 وفرضت عقوبات على تصدير النفط الإيراني، انخفضت صادرات النفط الخام إلى حوالي 300 ألف برميل يوميًا، وهو ما يمثل سُبع حجم الصادرات قبل فرض العقوبات.
لكن بعد انتخاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، وإعلان خطته لإحياء الاتفاق النووي، زادت الصين مشترياتها النفطية من إيران.
وبينما انخرطت إدارة بايدن في مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي، فقد تنفيذ العقوبات زخمه، ما سمح لإيران بزيادة صادراتها النفطية إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
إلا أن الإحصائيات الجمركية تشير إلى انخفاض دخل الصادرات غير النفطية وارتفاع كبير في الواردات، ما أدى إلى عجز في الميزان التجاري الخارجي.
ميزان التجارة الخارجية
رغم أن إحصائيات الجمارك تشير إلى فائض في التجارة الخارجية قدره 19 مليار دولار في 11 شهرا من السنة المالية الماضية، إلا أن هذا الرقم لا يشمل إجمالي واردات إيران، بما في ذلك الخدمات مثل نقل صادرات النفط بالسفن الأجنبية، فضلا عن الواردات من الغاز الطبيعي والبنزين والديزل والكهرباء.
جدير بالذكر أن إيران تستورد نحو 15 مليار دولار من الخدمات سنويا، في حين لا يغطي تصدير الخدمات سوى نصف هذا الرقم. وفي الأشهر الثلاثة الماضية أيضًا، نشرت وسائل الإعلام في طهران تقارير عن الميزان التجاري السلبي.
وأعلن نائب رئيس خطوط الشحن الإيرانية، علي نازي، في مايو 2023 أن موانئ الصين المستقلة، التي تقوم بالجزء الأكبر من عمليات تحميل وتفريغ البضائع، لم تعد تسمح للسفن الإيرانية بالرسو بسبب العقوبات. ونتيجة لذلك، فإن معظم صادرات الطاقة الإيرانية وغيرها من التجارة مع الصين تتم عن طريق السفن الصينية أو دول أخرى.
وأضاف نازي أنه لا يُسمح للسفن الإيرانية بالرسو إلا في ميناءين حكوميين صينيين، وهما "غير مناسبين" لتجارة البضائع بسبب سوء المرافق بالإضافة إلى زيادة وقت وتكاليف التحميل والتفريغ.
وقد واجهت خطوط الشحن الإيرانية ظروفا أكثر صعوبة للعمل في أماكن أخرى، وخاصة الموانئ الأوروبية.
ومن ناحية أخرى، يتعين على إيران استخدام ناقلات النفط الأجنبية وعمليات النقل من سفينة إلى سفينة لتجاوز العقوبات الأميركية وتصدير النفط.
ولهذا السبب يبدو أن عجز الميزان التجاري الخدمي للدولة قد ارتفع بشكل كبير خلال 24 شهرا الماضية.
كما بدأت إيران أيضًا في استيراد الغاز الطبيعي والبنزين والديزل في السنة المالية الماضية، وقد زادت واردات الكهرباء إلى البلاد بسبب النقص المحلي.
والإحصائيات المعلنة من قبل الجمارك لا تشمل هذه الحالات. ومن ناحية أخرى، تواجه إيران قدرًا هائلاً من تدفق رأس المال إلى الخارج.
ولم ينشر البنك المركزي الإيراني إحصائيات تدفق رأس المال إلى الخارج في السنة المالية الماضية، ولكن في الفترة من فبراير 2023 إلى فبراير 2024، بلغ هذا الرقم 15 مليار دولار.
مشكلة العملات الصعبة
إن الميزان التجاري لإيران مع جميع شركائها الرئيسيين باستثناء العراق والصين سلبي. ولذلك، لا تستطيع طهران استخدام الروبية الهندية أو الليرة التركية أو الدينار الإماراتي لمواصلة التجارة مع هذه الدول.
ويمكن لإيران استخدام اليوان الصيني لتغطية الميزان السلبي في التجارة غير النفطية ودفع ثمن الخدمات الصينية، لكنها تحتاج إلى عملات قوية مثل الدولار الأميركي أو اليورو لتغطية الميزان التجاري السلبي مع الشركاء الآخرين.
وبحسب يوروستات (منظمة الإحصاء الأوروبية)، فإن 27 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي صدرت بضائع بقيمة 3 مليارات و934 مليون يورو إلى إيران خلال العام الماضي، في حين استوردت منها ما قيمته 799 مليون يورو فقط.
وعليه، كان العراق هو البوابة الرئيسية الوحيدة لإيران للوصول إلى الدولار الأميركي، لكن في عام 2023، فرضت واشنطن عقوبات صارمة على عدة بنوك عراقية متورطة في تهريب الدولارات الأميركية إلى طهران.
ولا يخفى أن العقوبات الأميركية على البنوك العراقية جعلت إيران في وضع معقد للغاية، لأن طهران لديها فائض تجاري نحو تسعة مليارات دولار مع العراق بسبب تصدير الغاز والكهرباء، في حين أن الدينار العراقي عملة لا فائدة منها لتغطية التوازن السلبي للتجارة الخارجية لإيران.

تظهر إحصائيات منظمات حقوق الإنسان أن آلة الإعدام في إيران تسارعت بعد الانتفاضة الثورية عام 2022. ووفقا للتقارير الحقوقية فقد تم تنفيذ عمليات الإعدام لبث الرعب في المجتمع، ومنع الاحتجاجات ضد النظام.
ووصف المرشد الإيراني علي خامنئي في خطاب ألقاه في 24 فبراير (شباط) الماضي، الأشخاص الذين أُعدموا بـ"المجرمين"، وانتقد الاحتجاجات الدولية ضد هذه الإعدامات ووصفها بأنها "ضجة".
وقال خامنئي إن أعداءنا "كانوا واثقين من أن النظام الحالي في إيران لن يبلغ عقده الرابع"، مبررا الإعدامات في بلاده بالقول: "الغرب ومن أجل إعدام مجرم واحد في إيران يفتعل ضجة، لكنه يغض الطرف عن مقتل 30 ألف إنسان في غزة".
وتعد هذه التصريحات هي أول دعم معلن من قبل المرشد للإعدامات التي شهدتها إيران على خلفية الاحتجاجات عام 2022.
وكان خامنئي قد وصف المظاهرات المناهضة للنظام بعد أحداث مهسا أميني بأنها "أعمال الشغب"، ودعا السلطات القضائية بمحاكمة وإنزال العقاب بهم.
وارتبط اسم النظام الإيراني بالإعدام منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما نفذ النظام أوسع موجة من الإعدامات بحق السياسيين والمناهضين لنظام ما بعد الثورة.
في يوليو (تموز) من عام 2022، بعد أن شهدت إيران عدة جولات من الاحتجاجات على مستوى البلاد في السنوات السابقة، استشهد المرشد بالإعدامات في ثمانينيات القرن الماضي.
وقال خامنئي في ذلك الوقتن بعد أن أشار إلى الأحداث التي رافقت الإعدامات السياسية في ذلك العقد: "الله الذي حفظ نظام الجمهورية الإسلامية من أحداث ثمانينيات القرن الماضي فإنه سيساعده هذه المرة أيضا لتجاوز هذه الأحداث".
ووصف خامنئي السلطة القضائية بأنها "عامل قوة واقتدار"، وقال مخاطباً رئيس القضاء غلام حسين محسني إيجه إي، الذي يعين مباشرة من قبل المرشد نفسه: "عدم استخدام قوة هذه السلطة مثل إساءة استخدامها، سيضعف سلطة النظام".
وبعد ذلك، أعرب نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الدولية عن قلقهم، وحذروا من الاتجاه التصاعدي في عدد عمليات الإعدام في إيران.
واعتبروا أن كلام خامنئي، إلى جانب قرار السلطة القضائية بتسريع تنفيذ أحكام القصاص، عوامل مؤثرة في زيادة عدد عمليات الإعدام.
ولاقت موجة الإعدامات الأخيرة انتقادات واسعة على الصعيدين الخارجي والداخلي، وشملت السجناء السياسيين الذين أدانوا بأشكال مختلفة أحكام الإعدام في إيران، مؤكدين أنها تستخدم كأداة تخويف ورعب يستخدمها النظام ضد المتظاهرين والمحتجين على سياساته الفاشلة.
وتظهر مراجعة إحصائيات مؤسسات حقوق الإنسان أنه وبعد تعليمات خامنئي الجديدة ارتفع عدد حالات الإعدام في العام الذي أعقب الانتفاضة الثورية بنسبة 130% مقارنة بالعام السابق.
ويعتبر الإعدام هو أحد أبرز الأمثلة على انتهاكات حقوق الإنسان بعد ثورة 1979 في إيران، ولاقت انتقادات مستمرة من قبل منظمات حقوق الإنسان التي تطالب نظام طهران بإيقاف عجلة الإعدامات، وعدم استخدامها كأداة سياسية ضد خصومه السياسيين.
وتكشف الإحصائيات التي قدمتها وكالة "هرانا"، المعنية بحقوق الإنسان في إيران، أن النظام أعدم ما لا يقل عن 333 مواطناً بتهم مختلفة في عام 2021.
وارتفع هذا العدد إلى 617 مواطناً في عام 2022 وإلى 767 مواطناً في عام 2023.
وبالنظر إلى هذه الإحصائيات يتبين أن عدد الأشخاص الذين تم إعدامهم عام 2023 ارتفع بنحو 85% مقارنة بعدد عمليات الإعدام عام 2022، ونحو 130% مقارنة بـ2021.
فيما أعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في تقريرها السنوي أن النظام الإيراني أعدم 834 شخصًا في عام 2023، بالتزامن مع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت منتصف سبتمبر (أيلول) من عام 2022 بعد مقتل مهسا أميني في مركز للشرطة الأخلاق في طهران.
وجاء في هذا التقرير أن عدد عمليات الإعدام هذا العام يظهر زيادة بنسبة 43% مقارنة بالعام السابق.
وقال المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران جاويد رحمن، الاثنين 18 مارس (آذار)، في اجتماع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، إنه يشعر بقلق بالغ إزاء عدد أحكام الإعدام في إيران.
زيادة حالات الإعدام في صفوف النساء
وكتب وكالة "هرانا"، في تقريرها السنوي عن انتهاكات حقوق الإنسان عام 2023، أن النظام أعدم 21 امرأة من بين 767 عملية إعدام تم تنفيذها هذا العام.
وبحسب نفس الإحصائيات، فإن عمليات إعدام النساء بعد عام من الانتفاضة تضاعفت تقريباً مقارنة بـ2021 وقبل عام من الانتفاضة.
وأفادت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية أنه تم إعدام ما لا يقل عن 212 امرأة في إيران منذ عام 2010.
وواجهت عمليات الإعدام هذه ردود فعل مستمرة من المجتمع الدولي.
إحصاء الإعدامات على أساس عرقي
وفي تقرير عن عمليات الإعدام التي نفذت في إيران عام 2023، كتبت منظمة "هنغاو" الحقوقية أن من بين السجناء الذين تم إعدامهم، 183 مواطنًا بلوشيًا و168 مواطنًا فارسيًا، ولا تتوفر معلومات تفصيلية عن 155 شخصًا.
ووفقا لتقارير أخرى فإن من بين الذين تم إعدامهم 151 مواطناً كردياً، و55 مواطناً آذاريا، و48 مواطناً من اللور والبختياريين، و28 سجيناً أفغانياً، و27 سجيناً من عرقية الجيلك، و9 سجناء عرب، و3 سجناء تركمان، ومواطنين مزدوجي الجنسية.

وحذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في تقريره الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى الجمعية العامة لهذه المنظمة حول انتهاك حقوق الإنسان في إيران، من السرعة والنمو المثيرين للقلق في تنفيذ أحكام الإعدام.

مسعود كاظمي أجرت "إيران إنترناشيونال"، تحقيقًا استقصائيًا حول إحراق الورشة النووية السرية بمنطقة شادآباد في العاصمة الإيرانية، طهران، واستعانت في ذلك بعشرات الوثائق التابعة للقضاء الإيراني ووزارة الاستخبارات، والتي قدمتها لها مجموعة "عدالة علي" للقرصنة الإلكترونية.
يُذكر أن مجموعة “عدالة علي” للقرصنة الإلكترونية أعلنت حصولها على ملايين الوثائق في هذه القضية، ونشرها بشكل دوري، في 20 فبراير (شباط) الماضي.
وأظهرت وثائق “إيران إنترناشيونال”، أنه في أواخر يوليو (تموز) 2020، تم إشعال النار في ورشة إنتاج بمنطقة شادآباد في العاصمة الإيرانية، طهران، على يد شخص يدعى مسعود رحيمي بمساعدة 8 أشخاص آخرين.
وكان المتهمون قد حصلوا على مليارين وسبعمائة مليون ريال (نحو 6500 دولار أميركي)، من شخص مجهول أخبرهم بأن صاحب تلك الورشة مدين له، ويريد الانتقام منه، وكان الرجل المجهول قد وعدهم بأنه سيدفع لهم المزيد من المال، إذا أشعلوا النار في الورشة، ودمروا ممتلكاتها، وأخذوا صورًا وفيديوهات منها.
ودخل مسعود رحيمي، وشقيقاه: مصطفى ومحمد، مع ستة أشخاص آخرين، إلى هذه الورشة بالأسلحة، وقيدوا يدي وقدمي الحارس، وأشعلوا النار في بعض الآلات، وسرعان ما أصبح هذا الحريق من أهم قضايا الأمن القومي الإيراني، ووصل تقريره إلى المرشد الإيراني علي خامنئي.
واعتُقِل هؤلاء الأشخاص التسعة في الشهر نفسه، واتهموا "بالعمل ضد الأمن القومي بالتعاون مع إسرائيل".
ولم يكن رحيمي والمتهمون الآخرون على علم بأنهم أشعلوا النار في إحدى الورش السرية التابعة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، والتي لم تعلن طهران وجودها لأي منظمة دولية.
وتظهر هذه الوثائق، أن الورشة التي أُحرقت في حي شادآباد، القديم، الذي يقع في المنطقة الثامنة عشرة جنوب غرب طهران، تابعة لمنظمة الطاقة الذرية.
وبحسب وثائق القضاء، فإن إيران تعتبر جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، هو المخطط الرئيس لهذا العمل التخريبي.
وقد وقعت عملية التخريب في الورشة النووية في شادآباد قبل نحو 5 أشهر من اغتيال فخري زاده، رئيس منظمة أبحاث الدفاع الحديثة التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية.
وبحسب إحدى وثائق العملية، فإن مواطنًا أذربيجانيًا إيرانيًا يدعى “رجب”، تواصل مع أحد المتهمين، وطلب منه القيام بـ”التخريب باستخدام البلطجية” مقابل مبلغ مالي.
وأظهرت الوثائق القضائية الإيرانية، التي اطلعت عليها "إيران إنترناشيونال"، أن "رجب" تم تعريفه بأنه ضابط اتصال في الموساد الإسرائيلي.
ووفقاً لإحدى وثائق وزارة الاستخبارات، فإن رجب تواصل مع بهروز منتظر، وزوده بخريطة ورشة شادآباد عبر الفضاء الإلكتروني وقام بتحويل الأموال إلى حسابه.
وقال بهروز منتظر، المتهم الثاني في القضية، خلال استجوابه، إن رجب درس في جامعة قزوين.
وتظهر الوثائق أنه حتى الآن لم يتم القبض على رجب ولا أي شخص آخر كقائد (آمر) أو مخطط في العملية المذكورة.
المتهمون في القضية
اتهم المعتقلون التسعة في هذه القضية في البداية بـ "مواجهة النظام الإسلامي"، و"التخريب"، و"تدمير أحد أجهزة منظمة الطاقة الذرية"، و"العمل ضد الأمن القومي من خلال التعاون مع إسرائيل"، و”حيازة أسلحة نارية ومخدرات”.
وتظهر الوثائق أن القاضي تقبل عدم علمهم بوجود منشآت نووية في المكان، وتم تبرئة المتهمين من تهمة "مواجهة النظام الإسلامي".
ومن بين المتهمين في القضية امرأة، تدعى بروين ميرزايي، وهي مواطنة أفغانية، بحسب إحدى الوثائق في القضية.
وتظهر مئات المراسلات بين القضاء ووزارة الاستخبارات ومنظمة الطاقة الذرية، فضلا عن تحقيق "إيران إنترناشيونال"، أن مسعود رحيمي المتهم الأول في القضية، محكوم عليه بالسجن 10 سنوات، وهو مسجون حاليا في العنبر الرابع بسجن طهران الكبرى.
وبحسب إحدى الوثائق القضائية، فإن مسعود رحيمي، بالإضافة إلى الجنسية الإيرانية، يحمل أيضًا جنسية سنغافورة.
وحُكم على المتهم الثاني، بهروز منتظر، بالسجن 4 سنوات، وهو الآن في العنبر 4 بسجن إيفين.
أما المتهمون الآخرون فقد حُكم عليهم بأحكام أقل من 4 سنوات، بعضهم خرج من السجن بعد انتهاء مدة محكوميته أو على وشك الخروج من السجن.
وكان المتهمون في هذه القضية في سجن إيفين، في البداية، ولكن بعد عدة مشاجرات في هذا السجن من قبل بعض المتهمين ووقوع حريق به في 15 أكتوبر 2022، تم نقلهم إلى سجن طهران الكبرى، وفيما بعد تمت إعادة بهروز منتظر إلى سجن إيفين مرة أخرى.
كما أجرت "إيران إنترناشيونال" مقابلات مع رفاق هؤلاء السجناء الذين تم اعتقالهم بعد العملية وخبراء نوويين شرحوا تفاصيل هذا الحادث.
وقال اثنان من رفاق هؤلاء السجناء، اللذان قضيا معهم أيامًا عديدة في السجن، لـ”إيران إنترناشيونال”: “لقد تم خداعهم ولم يعلموا أن المكان تابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية”.
وأضاف أحدهما: "قال بهروز منتظر أثناء محاكمته إن القاضي قال لنا: حتى إذا افترضنا أنكم لم تكونوا تنوون مهاجمة النظام وأنكم خدعتم، فماذا يجب أن نفعل مع حجم الأضرار التي لحقت بالأجهزة والخسائر المالية الفادحة التي تسببتم بها؟".
وأشار إلى أن المتهمين من الفئات الضعيفة في المجتمع، وقد وافقوا، بسبب الضغوط الاقتصادية، على إحراق تلك الورشة مقابل بعض المال.. مصيفًا: "كان لدى العديد منهم تاريخ في إدمان المخدرات وحيازتها. الإجراء الذي قاموا به كان كبيرا جدا، لكن يبدو أنه حتى القاضي والمؤسسات الأمنية فهمت أنهم ليسوا الجهات الرئيسة التي تقف وراء الحادث، وليس لديهم أي دافع، ولم يفعلوا ذلك إلا بسبب الفقر".
وفي إحدى الوثائق القضائية، ذكر علي قناعت كار، محقق الفرع الأول لمكتب المدعي العام في إيفين، في تقرير سري للغاية موجه إلى المدعي العام في طهران، حصلت "إيران إنترناشيونال" على نسخة منه، أن " رئيس وكالة المخابرات المركزية ومستشار الأمن القومي الأميركي قال إن العاطلين عن العمل، ومدمني المخدرات، والأشخاص الذين يعانون مشكلات جتماعية، مؤهلون لتنفيذ العمليات في إيران".
خامنئي يأمر بأشد العقوبة
بحسب الوثائق القضائية، فقد تم إبلاغ علي خامنئي بسرعة بعد هذه العملية.وأعلن المدير القانوني والقضائي لمكافحة التجسس بوزارة الاستخبارات، في اجتماع عقد في 6 سبتمبر (أيلول) 2020 بمحكمة إيفين، أن "تقرير ملف شادآباد أُرسل إلى خامنئي وبعد قراءته، أصدر أمرًا في 22 أغسطس (آب) 2020 مفاده أن العقوبة القاسية على المجرمين هي إحدى طرق منع مثل هذه الحوادث."
ويظهر أمر خامنئي الصريح في الملف مدى أهمية هذه القضية بالنسبة للنظام الإيراني.
كما أكد محقق فرع التحقيق الأول بنيابة سجن إيفين في جزء من الرسالة، التي كتبها بتاريخ 29 يوليو 2020، إلى المدير القانوني والقضائي لمكافحة التجسس بوزارة الاستخبارات، أنه "نظرًا لأهمية الموضوع فإن جميع الجهات العسكرية وإنفاذ القانون ملزمة بالتعاون معه".
وحتى اليوم لم يتم نشر أي تقرير رسمي عن وجود مركز تابع لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية في منطقة شادآباد بطهران. ولم ترد أنباء عن الحريق في هذه الورشة في عام 2020.
رد الوكالة
قال عضو سابق في البرلمان الإيراني، على دراية بالملف النووي الإيراني، لـ "إيران إنترناشيونال": "أنا على دراية بجميع الأنشطة النووية الإيرانية تقريبًا، وشاهدت معظم هذه المراكز عن قرب، لكنني لم أسمع قط عن وجود مثل هذه المرافق في منطقة شادآباد. وبما أن وزارة الاستخبارات والسلطة القضائية تعتقدان أن هذا الحادث من صنع إسرائيل، فإننا بالتأكيد نتحدث عن ورشة عمل مهمة".
وفي السنوات الأخيرة، واجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحديات خطيرة بشأن ما لا يقل عن ثلاثة مواقع غير معلنة تابعة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية في: ورامين وتورقوز آباد في ضواحي طهران، وكذلك "مريوان" في آباده بمحافظة فارس.
وقال العضو السابق في البرلمان الإيراني: "إذا كنا منخرطين في تخصيب اليورانيوم في مركز ما أو احتفظنا باليورانيوم المخصب فيه، فيجب علينا بالتأكيد إبلاغ الوكالة بذلك. ويجب علينا أيضًا إبلاغ الوكالة بمراكز تصنيع أجهزة الطرد المركزي وتطويرها".
وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ردًا على طلب "إيران إنترناشيونال" للتعليق حول الوثائق المتعلقة بالعملية التخريبية في "شاداباد”: "ليس لدينا معلومات عن هذا المكان".
كما رد المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على "إيران إنترناشيونال"، في السياق نفسه، بالقول: "ليس لدينا تعليق حول تخريب ورشة العمل النووية السرية الإيرانية في شاداباد”.
حالة مشبوهة لشركة "إنيرجي نوين" للهندسة والتجارة
وأظهرت متابعات "إيران إنترناشونال" أن هذه الورشة كانت مرتبطة بشركة "إنيرجي نوين" للهندسة والتجارة وقت وقوع الحادث.
وبحسب الوثائق القضائية فإن اسمي أصغر زارعان، ومنصور صادقي كيلاني، مذكوران في هذه القضية، وطلبت وزارة الاستخبارات التحقيق مع هذين الشخصين بصفتهما "مطلعين". ويظهر تحقيق "إيران إنترناشيونال" أنه في وقت هذه العملية التخريبية، كان زارعان رئيس مجلس الإدارة، وكان صادقي كيلاني المدير التنفيذي لشركة "إنيرجي نوين".
وجاء في مذكرة التفاهم الموقعة عام 2018 بين وزارة الصحة الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية، أن شركة "إنيرجي نوين" للهندسة والتجارة تابعة لمنظمة الطاقة الذرية.
ووفقاً لنظام تسجيل الشركة في إيران، تأسست شركة "إنيرجي نوين" للهندسة والتجارة في أبريل 2016 وما زالت نشطة. وبطبيعة الحال، كان لدى منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في السابق شركة تسمى "إنيرجي نوين" والتي فرضت عليها الحكومة الأميركية عقوبات في عام 2005 وتم تجميد أصولها في هذا البلد.
وقد طلب محقق الفرع الأول لمكتب المدعي العام في إيفين، في رسالة كتبها في سبتمبر 2020، إلى ضابط القضية بوزارة الاستخبارات التحقيق في هذا الصدد مع كل من: أمير مؤيد علائي، ومرتضى بهزاد، ومسعود أسم خاني، وأصغر زارعان، المدير التنفيذي لشركة "إنيرجي نوين" للهندسة والتجارة آنذاك.
وأظهرت تحقيقات "إيران إنترناشيونال" أن أمير مؤيد علائي يشغل حاليًا منصب الرئيس التنفيذي لشركة "أنديشه سازان سلامت بارسيان"، وأن إحدى مهامها هي "تصميم وتصنيع أجهزة الطرد المركزي أو الآلات الدوارة ذات التكنولوجيا المعملية والصناعية العالية".
وكان مرتضى بهزاد عضوًا في مجلس إدارة "الشركة الإيرانية لتخصيب اليورانيوم" عامي 2009 و2010، وفي عام 2018، تم فرض عقوبات عليه من قِبل الولايات المتحدة "بسبب دوره في البحث والتطوير للبرنامج النووي الإيراني".
وحصل أمير مؤيد علائي، ومرتضى بهزاد على "جائزة الاستحقاق والإدارة من الدرجة الثالثة" من الرئيس الإيراني آنذاك، محمود أحمدي نجاد، عام 2007. وسبب منح هذا الوسام لمؤيد علائي الذي كان "مدير التجميع والهندسة في موقع نطنز" في ذلك العام هو "الإدارة المتميزة وتشغيل سلسلة الـ 164 جهاز طرد مركزي"، وسبب منح هذا الوسام لمرتضى بهزاد كان "النشاط الفعال كرئيس تنفيذي لشركة تكنولوجيا الطرد المركزي الإيرانية".
وكان مسعود إسم خاني أيضًا أحد المديرين السابقين لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية.
ولا تظهر الوثائق بالضبط ما هي الأجهزة التي كانت موجودة في هذا الورشة والعدد الذي تم تدميره، لكن وزارة الاستخبارات الإيرانية تشير في عدة رسائل إلى وجود "طابعة ثلاثية الأبعاد" تم استيرادها من الخارج.
وبحسب الوثائق، تشتبه وزارة الاستخبارات في أن البائعين أو الوسطاء في شراء هذه الطابعة ربما كانوا مصدر تسرب المعلومات حول هذه الورشة السرية. وفي وثيقة أخرى، طلب المحقق في القضية من وزارة الاستخبارات "سؤال منظمة الطاقة الذرية عن الغرض من شراء هذه الطابعة."
وتظهر الوثائق أن النشاط السري لهذه الورشة في شادآباد وصل لدرجة أنه لم يتم اتباع العديد من البروتوكولات الأمنية فيه.
ووفقاً لإحدى أوراق هذا الملف القضائي، أعلن ضابط، بوزارة الاستخبارات، في رسالة مكتوبة، أن المدير العام للتخطيط والأمن التكنولوجي في منظمة الطاقة الذرية أعلن في التقرير المؤرخ في 10 أغسطس (آب) 2020 أن جميع الإجراءات (تجهيز وتجديد الورشة، وشراء المعدات، وتركيب وتشغيل مجمع شادآباد) تمت دون علم مسؤولي شؤون الحماية والأمن النووي".
وبحسب إحدى الوثائق، قبل نحو عام من الحريق، أي في 16 سبتمبر 2019، حذرت المديرية العامة للمراكز الحساسة التابعة لوزارة الاستخبارات، الأمن والحماية النووية بشأن حماية ورشة شادآباد.
وأعلنت وزارة الاستخبارات في 1 سبتمبر 2020، أنه "لم يتم تنفيذ بروتوكولات الحماية في ورشة شادآباد، مثل تركيب كاميرات المراقبة خارج وداخل الورشة وداخل غرف المعدات، ولم يتم إصلاح الباب الرئيس للورشة؛ حيث كان يمكن فتحه وإغلاقه بسهولة قبل وقوع الحادث."
وقد وقع الحريق المتعمد في ورشة شادآباد التابعة لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في الأيام الأخيرة من شهر يوليو(تموز) 2020، ولكن بعد مرور أكثر من عام، في 19 أكتوبر(تشرين الأول) 2021، أبلغت إدارة إطفاء طهران عن وقوع حريق في "مجمع ورش 4000 متر في بلدة شادآباد" والذي "ظهر دخانه في كامل المنطقة الغربية من طهران".
كما أفادت وسائل الإعلام، في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2021، بـ"اشتعال النيران في خط أنابيب للغاز في منطقة شادآباد بطهران، بحيث يمكن رؤية ألسنة اللهب من مسافة بعيدة". ومن غير المعروف ما إذا كانت هاتان الحادثتان مرتبطتين بورشة منظمة الطاقة الذرية أم لا.
عمليات تخريبية في البرنامج النووي الإيراني
وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ عمليات تخريبية في المنشآت النووية الإيرانية؛ حيث تم اغتیال خمسة أشخاص شاركوا في أنشطة إيران النووية، في الفترة بين عامي 2009 و2011، وقد وصفت طهران المنفذين بالعملاء لإسرائيل والغرب.
وفي 29 نوفمبر 2010 أيضًا، نجا فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، من محاولة اغتيال، ولطالما اتهمت إيران إسرائيل بأنها تقف وراء هذه الهجمات.
وفي عام 2010، دخل فيروس “ستكسنت” إلى المنشآت النووية الإيرانية في بوشهر، مما أدى إلى تدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي.
وكانت سرقة الوثائق النووية الإيرانية من مستودع في منطقة شورآباد بمحافظة طهران واحدة من الأعمال القليلة التي أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عنها رسميًا.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 30 أبريل 2018، خلال عرض عدد كبير من المجلدات والأقراص المدمجة، إن إسرائيل تمكنت في عملية استخباراتية من الحصول على 55 ألف صفحة و55 ألف ملف رقمي من المعلومات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.
وقد حدثت عدة انفجارات وحرائق في المنشآت النووية الإيرانية، في عام 2020، أهمها ما حدث في 2 يوليو (تموز)، في منشأة نطنز النووية، وأكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أن حادث نطنز تسبب في “أضرار كبيرة” مما يؤخر عملية تركيب أجهزة الطرد المركزي في هذا الموقع “على المدى المتوسط”.
وفي يوم 11 أبريل 2021، أعلنت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، تخريب مجمع التخصيب الإيراني في موقع نطنز. ولم تتضح أبعاد هذا الحادث، لكن بحسب وكالة أنباء “إيرنا”، فقد سقط المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية، بهروز كمالوندي، من ارتفاع عدة أمتار وكُسرت ساقه أثناء زيارته لمجمع التخصيب في اليوم نفسه.
وفي 17 أبريل 2021، أعلنت وزارة الاستخبارات أن منفذ هذا العمل التخريبي، الذي أصيب خلاله، كمالوند، هو شخص يدعى “رضا كريمي نطنز”، وقد غادر البلاد بعد ساعات قليلة من فعلته.
وكان مقتل محسن فخري زاده، رئيس منظمة أبحاث الدفاع الحديثة التابعة لوزارة الدفاع في 27 نوفمبر 2020، أحد الأعمال الأخرى التي تم تنفيذها بهدف تخريب الصناعة النووية الإيرانية، وقبل عامين من هذا الاغتيال، وصفته إسرائيل بأنه أحد مسؤولي “برنامج إنتاج الأسلحة النووية” في إيران.

تقول مؤسسة "برتلسمان" الألمانية إن احتمال إجراء مراجعة جوهرية لسياسات إيران الاجتماعية والاقتصادية والخارجية بعد وفاة المرشد علي خامنئي أمر غير مرجح، وأن آفاق الإصلاحات في إيران "قاتمة"، ومن غير المرجح أن تتحقق دون ضغوط داخلية وخارجية، بغض النظر عمن سيصبح المرشد في المستقبل.
وخلص التحليل الدولي لهذه المؤسسة، الذي جاء في تقريرها "مؤشر الديمقراطية 2024" ونشر يوم الثلاثاء 19 مارس (آذار)، من خلال دراسة مؤشرات "التحول السياسي" و"التحول الاقتصادي" وأيضا "الحكم" في إيران، إلى أنه بالتزامن مع دخول إبراهيم رئيسي في النصف الثاني من فترته الرئاسية، فإن الوضع في إيران أصبح "أكثر سوءاً".
وبحسب هذه الدراسة، تواجه البلاد حالياً "تحديات اقتصادية صعبة"، و"قد شهدت احتجاجات شعبية واسعة النطاق تعتبر تحدياً مهماً للنظام، وفي مجال العلاقات الدولية تكون هذه التكاليف أعلى."
وأشار هذا التقرير إلى احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" التي عمت البلاد في إيران لعدة أشهر، وواجهت القمع العنيف من قبل النظام، مضيفاً أن العديد من الطبقات الاجتماعية شاركت في هذه الاحتجاجات.
وتوقع معدو التقرير احتمال نشوب موجة جديدة من الاحتجاجات، لأن النظام غير قادر على تلبية الاحتياجات الاقتصادية الأساسية لجزء متزايد من المجتمع.
ومن منظور التطورات في إيران، يشير هذا التقرير إلى أن المسار المستقبلي للبلاد يعتمد بالدرجة الأولى على عاملين. داخلياً، أثيرت تساؤلات حول مصير احتجاجات 2022، ومن ناحية أخرى، أصبحت مسألة خلافة المرشد علي خامنئي قضية ساخنة.
ولد علي خامنئي في 19 أبريل (نيسان) 1939، ويبلغ من العمر حاليا 85 عاما. لقد كان مرشداً للنظام الإيراني لمدة 34 عامًا من حياته، ووفقًا لمؤسسة "برتلسمان"، ستحتاج إيران قريبًا إلى مرشد جديد. ومع ذلك، "لا يوجد خليفة محدد في الأفق".
ووفقاً لهذه الدراسة، فإن "الحرس الثوري الإيراني هو في أفضل وضع لتوسيع هيمنته في جميع المجالات وربما يغير التركيبة الأيديولوجية للنظام من الإسلاموية إلى القومية. بالإضافة إلى ذلك، يحتكر المحافظون أو المتطرفون جميع الفروع الثلاثة للسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، لكن هذا لم يؤد إلى سياسات تفيد المجتمع الإيراني أو تعالج القضايا الاجتماعية والاقتصادية المتنامية. ومثل هذه النتيجة يمكن أن تزيد من إحباط المجتمع تجاه النظام السياسي برمته."
ويضيف التقرير أن النظام يلجأ بشكل متزايد إلى "أعمال العنف" في الداخل، "فيما يبدو أن البلاد تدخل في عملية ثورية في المستقبل المنظور. وترجع هذه العملية إلى الاستياء الاقتصادي والسياسي العميق، فضلاً عن عدم قدرة النظام على تلبية الاحتياجات الأساسية للمجتمع، مما أدى إلى حدوث فجوة متزايدة، وربما لا يمكن إصلاحها، بين النظام والمجتمع."
وأضاف معدو التقرير: "باختصار، تبدو آفاق الإصلاحات السياسية والاقتصادية في إيران قاتمة، ومن غير المرجح أن تتحقق دون ضغوط داخلية وخارجية، بغض النظر عمن سيصبح المرشد في المستقبل".
وعلى الصعيد الدولي أيضًا، أدت رغبة حكومة بايدن في إحياء الاتفاق النووي إلى اتخاذ طهران "موقفًا أكثر حسمًا"، وطلبت "امتيازات تتجاوز الاتفاق" الذي تم التوقيع عليه في عام 2015. وقد أدى ذلك إلى تقويض الآمال في إحياء الاتفاق النووي حتى قبل بدء احتجاجات عام 2022، الأمر الذي جعل التعامل مع إيران مكلفاً سياسياً بالنسبة للغرب.
بالإضافة إلى ذلك، أدى تصاعد التوتر النووي الإيراني والاحتمال المحدود لمراجعة الاتفاق النووي إلى زيادة احتمال قيام إسرائيل بالتخريب أو الهجوم العسكري على المنشآت النووية الإيرانية. ومن المحتمل أن يؤدي هذا الوضع إلى إطلاق جولة جديدة من التوترات الإقليمية.
مؤشرات حالة الديمقراطية في إيران
وفي تقييمها لحالة الديمقراطية في 137 دولة حول العالم، وضعت مؤسسة "برتلسمان" إيران في المركز 126 برصيد 2.57 نقطة.
وعلى صعيد التغيير السياسي، تحتل إيران المرتبة 123 برصيد 2.78 نقطة. وفي مجال التغيير الاقتصادي، تحتل إيران المرتبة 127 برصيد 2.36 نقطة. ويعد مؤشر الحكم في إيران من أسوأ الأمثلة، وبناء على تقييم هذه المؤسسة، تحتل إيران المرتبة 133 بـ1.56 نقطة.
وفي وقت سابق، في بداية شهر مارس (آذار)، نُشر التقرير السنوي لقسم الأبحاث في مجموعة الإيكونوميست عن حالة الديمقراطية في العالم عام 2023، واحتلت فيه إيران المرتبة 153 عالمياً وتقل عن دول مثل إريتريا، وبيلاروسيا، وأوزبكستان.
وفي المؤشرات الخمسة للديمقراطية في هذا التقرير، حيث يتم منح الدول نقاطًا من 0 إلى 10، سجلت إيران درجة الصفر في مؤشر "العملية الانتخابية والتعددية".
أخيرًا، بعد 12 يومًا من الهجوم الصاروخي القاتل المنسوب للجيش الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، تم تنفيذ العملية الانتقامية للنظام الإيراني.
وأطلقت منظمة "الجو فضائية" التابعة للحرس الثوري الإيراني، في هذه العملية، عددًا من الطائرات الانتحارية المُسيّرة، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية على أهداف في جنوب ووسط إسرائيل.
ولم يتم ذكر عدد الأسلحة المستخدمة في بياني الحرس الثوري الإيراني، اللذين زعما، قبل دخول جميع الطائرات المُسيّرة والصواريخ إلى الأجواء الإسرائيلية، أن الأهداف المقصودة قد تم تدميرها!
وقالت مصادر إسرائيلية مجهولة لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه تم إطلاق 185 طائرة مُسيّرة، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ باليستية أرض- أرض من الأراضي الإيرانية إلى إسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت إسرائيل لهجوم بطائرات مُسيّرة متفجرة من داخل لبنان والعراق واليمن.
وتدور حرب إعلامية ونفسية بين الجانبين منذ بداية العملية، وهناك تناقض في تقييم نتائج العملية، وحرب الروايات هي المسيطرة حاليًا؛ ففي رواية إيران تعرضت قاعدة "نافاتيم" الجوية لأضرار جسيمة، وأصابت نصف الصواريخ الأهداف المحددة وأُصيب عدد من القوات العسكرية، كما زعم قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، في مقابلة مع مراسل الإذاعة والتليفزيون الإيراني، أن عملية "الوعد الصادق" كانت محدودة، وطالب الحكومة الإسرائيلية بتعلم الدرس، وعدم الهجوم داخل الأراضي الإيرانية، وإلا فإنها ستواجه ردًا أقسى.
وفي المقابل، زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أنه تم اعتراض 99 بالمائة من الصواريخ والطائرات المُسيّرة بمساعدة القوات العسكرية الأميركية والبريطانية والفرنسية، ولم يتعرض سوى مركز عسكري واحد، "نافاتيم" على الأرجح، لأضرار طفيفة، كما نُقِل 12 شخصًا إلى المستشفى، أُصيب معظمهم بجروح أو بصدمة نفسية، ولم تُصَب سوى فتاة عربية تبلغ من العمر 10 سنوات من السكان البدو في صحراء النقب بجروح خطيرة وتتلقى العلاج.
وتشير التطورات إلى أن الصراع المستمر منذ 44 عامًا بين إيران وإسرائيل قد دخل في مرحلة جديدة يمكن أن تغيِّر قواعد اللعبة.
لقد أنهت إيران تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل، وهو الأمر الذي لم يكن رغبتها الأصلية، بالطبع، كما أن شدة الرد الهجومي الإسرائيلي وتغيير سياستها باستهداف قادة الحرس الثوري الإيراني بدلاً من الوكلاء، وضعا النواة الصلبة للنظام في موقف يسمح لها بإعادة بناء الردع؛ لتنفيذ عمليات أكثر قوة، مقارنةً بالماضي.
وتجدر الإشارة إلى أن اقتصاد الشعب الإيراني ومعيشته، والقلق من تعريض سلامته وحياته للخطر، ليسا من العوامل التي تعيق النظام الإيراني؛ حيث إن الطبيعة القتالية لهذا النظام السياسي تجعله يرحب بالنزعة العسكرية.
لكن السؤال الخطير الذي يطرح نفسه هو: ما مدى تأثير عملية "الوعد الصادق" وإمكانية إعادة بنائها بشكل فعّال؟
الجواب الدقيق عن هذا السؤال يتطلب الحصول على مزيد من المعلومات، والتحقق من ادعاءات الطرفين، لكن في ضوء الملاحظات المتوفرة، فإن هذه العملية لم تحقق الأهداف الرادعة المرجوة.
وفي التحليل النهائي، يبدو أن عدد الطائرات المُسيّرة والصواريخ التي تم إطلاقها، ليس مهمًا، لكن نتيجتها النهائية من الدمار والقتل حاسمة من الناحية العسكرية والاستراتيجية.
ولم تقدم المصادر العسكرية والدفاعية الإيرانية حتى الآن مقاطع فيديو موثوقة لصواريخ تضرب إسرائيل، وكان هدف الطائرات المُسيّرة على ما يبدو هو تعطيل نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ والدفاع الجوي الإسرائيلي.
وإذا كان ادعاء إسرائيل صحيحًا؛ فهذا يعني تفوق إسرائيل في القوة الدفاعية ضد القوة الهجومية، وهو ما تم تحقيقه بالطبع بمساعدة أميركا وبريطانيا، ولا تمتلك إيران مثل هذه القوة الدفاعية، ومن غير المرجح أن تحظى بدعم روسيا والصين على الأقل في المدى القصير.
لذلك، فإن العملية التي تم تنفيذها، بالإضافة إلى أنها ليست مناورة قوة، تكشف أيضًا عن نقاط الضعف والأيدي الفارغة لدى النظام الإيراني، الأمر الذي يمكن بدوره أن يشجع إسرائيل على تكثيف نهجها الهجومي، وبذلك، لم يتم تحقق الردع الفعال.
وبطبيعة الحال، هناك أيضًا احتمال أن تكون العملية قد صُممت عمدًا؛ بحيث لا تسبب أضرارًا كبيرة وخسائر بشرية، وتكون "دفاعًا مشروعًا" في إطار القوانين الدولية، لكن تحييدها من قِبل نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي وحلفاء تل أبيب، يجعل من الصعب تصديق هذه الفرضية.
وفي هذه الظروف، فإن رواية إسرائيل عن انتقام إيران، تؤكد أن هذا الانتقام لا يتساوى مع مقتل سبعة من قوات الحرس الثوري الإيراني، اثنان منهم كانا من كبار المسؤولين العسكريين؛ لذلك لا يوجد سبب للرد، إلا إذا كان المقصود هو زيادة التكلفة لمنع تكرار الهجوم المباشر على إسرائيل. ومِن ثمَّ، إذا لم تمنع حكومة الولايات المتحدة ذلك، فهناك احتمال كبير بأن ترد إسرائيل مرة أخرى، وتشن سلسلة من العمليات المضادة.
وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يرحب باستمرار المناخ الأمني، واتساع التوتر بشكل مسيطر عليه، وأن المناخ الأمني أمر مرغوب فيه أيضًا بالنسبة للنظام الإيراني، بشكل عام، فإن كلا الجانبين، والشرق الأوسط والعالم، لا يريدون نشوب حرب تقليدية جديدة.
لذلك، لا يبدو أن توسع مستوى التوتر والانتقال من الحرب بالوكالة إلى حرب مباشرة محدودة أو حرب شاملة، أمر مرجح، في الوقت الحالي، لكن خطأً بسيطًا في الحسابات يمكن أن يشعل حربًا طويلة.
ومن غير المرجح أن يحدث أي جديد حتى انعقاد الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن بُناءً على طلب إسرائيل، وقد أصبحت الأوضاع طبيعية في كلا البلدين، وتم رفع القيود المفروضة على الطيران وحركة المرور.