لقد حوّل الشعب الإيراني يوم 28 من يونيو (حزيران) عام 2024 إلى يوم عظيم وتاريخي، من خلال مقاطعة الانتخابات بشكل فاعل وواعٍ، وعدم التوجه إلى مراكز الاقتراع، وذلك للمرة الرابعة على التوالي فيما يسمى "الانتخابات"، وكانت نسبة المشاركة أقل من 50%.
أعلنت 3 ميليشيات شيعية عراقية، هي حركة "النجباء" و"كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء"، يوم الأحد 23 يونيو (حزيران)، استعدادها لإرسال قواتها إلى لبنان للمشاركة في حرب محتملة بين حزب الله وإسرائيل.
كما قال قائد القوات البرية للجيش الإيراني إن ما يسمى بقوات جبهة المقاومة لن تبقى صامتة في مواجهة حرب محتملة. ويبدو أن طهران قررت إرسال التسهيلات اللازمة إلى لبنان باستخدام الميليشيات العراقية.
لكن ما هي هذه الجماعات وما علاقتها بإيران؟
حركة "النجباء" جماعة وكيلة أم فرع لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني؟
حركة "النجباء" و"كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء" هي ثلاثة من الركائز الأربع للمجلس التنسيقي لفصائل المقاومة التي تسيطر على السلطة في العراق. و"أنصار الأوفياء" هي الركن الرابع لهذا المجلس.
وأبرز هذه الجماعات حالياً هي حركة "النجباء"، التي عملت تحت عنوان "كتائب الإمام الكاظم" خلال الحرب الأهلية السورية.
تشكلت النواة المركزية لهذه الحركة في بغداد عام 2004، وفي عام 2013 أعلنت علنا عن وجودها من خلال انشقاقها عن جماعة "عصائب أهل الحق".
ومن هذا العام اختارت "عصائب أهل الحق" الدخول في النشاط السياسي، ومحاولة الفوز بمقاعد في البرلمان.
ورغم هذا الانقسام الذي جاء نتيجة الخلاف بين أكرم الكعبي الأمين العام لـ"النجباء"، وقيس الخزعلي زعيم "عصائب أهل الحق"، إلا أن هاتين المجموعتين ما زالتا تتمتعان بعلاقات جيدة مع بعضهما البعض.
وقال مصدر مقرب من الحشد الشعبي لـ"إيران إنترناشيونال" إن حركة "النجباء" تشكلت بإشراف مباشر من قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وبلغت الميزانية الأولية لهذه المجموعة 10 ملايين دولار، قدمها حزب الله اللبناني.
هيكلة هذه المجموعة كانت أيضاً من مسؤولية اللبنانيين. في ذلك الوقت، كان سليماني منزعجًا من "عصائب أهل الحق" لابتعادها عن الأنشطة العسكرية وتحولها إلى الأنشطة السياسية، وطلب من "النجباء" التركيز على الأنشطة العسكرية فقط.
وتمكنت "النجباء" من زيادة عدد قواتها بدعم مالي واسع النطاق من الحرس الثوري الإيراني.
خلال تلك الفترة، عندما كان كل جندي عراقي يتقاضى ما بين 300 إلى 400 دولار شهريا، كانت النجباء تدفع راتبا شهريا يعادل 1400 دولار. ويقدر عدد أعضاء هذه المجموعة بأكثر من 10 آلاف شخص.
وتعتمد "النجباء" بشكل كبير على فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لدرجة أنه لا يمكن حتى وصفها بأنها مجموعة وكيلة.
في الواقع، "النجباء" هي جزء من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يتمتع بعلاقة خاصة مع المرشد علي خامنئي.
ومحسن قمي، المساعد الدولي لمكتب خامنئي، هو جهة الاتصال الخاصة بهم.
ولهذه الجماعة كيان إعلامي وتنظيمي واسع في إيران ممول من قبل "اتحاد الإذاعة والتلفزيون الإسلامي" التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإيرانية. فالقسم الفارسي في موقع "النجباء" وحسابات مستخدمي هذه المجموعة في شبكات التواصل الاجتماعي أحدث وأفضل من القسم العربي.
ولدى النجباء 12 مكتبًا في طهران وقم ومشهد، أحدها عبارة عن مبنى مكون من 8 طوابق في جنت آباد بطهران.
وتتدرب قوات "النجباء" في ثكنة بازوكي في طهران ومقر لواء الإمام الصادق 83 في قم.
وبحسب مصدر مقرب من الحرس الثوري الإيراني، فإن الحرس أنشأ كيانا اقتصاديا لـ"النجباء"، التي لها مكاتب في الصين والإمارات العربية المتحدة وتبيع النفط لصالح الحرس الثوري الإيراني. وفي الواقع، يقوم الحرس الثوري الإيراني بإجراء جزء من معاملاته المالية، التي لا يرغب في تسجيلها، من خلال "النجباء".
وقال هذا المصدر إن "النجباء" تعيد أموال النفط المبيع إلى فيلق القدس، لأن الحرس الثوري الإيراني يدفع كافة نفقات هذه المجموعة.
وتتم الأنشطة العسكرية "للنجباء" تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني، وتقوم القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني بمراقبة إطلاق صواريخ هذه المجموعة على أهدافها.
ويدير عملية المراقبة حميد فاضلي، الرئيس السابق لمنظمة الفضاء الإيرانية ورئيس "الوحدة 340" في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وقال مصدر مقرب من الحشد الشعبي لـ"إيران إنترناشيونال" إن فيلق القدس أنشأ مصنعا "للنجباء" لتصنيع الأسلحة في العراق، ويتم إرسال جزء مهم من هذه الأسلحة إلى لبنان.
أكرم الكعبي، الأمين العام "للنجباء"، يعيش في إيران منذ فترة طويلة، ويذهب إلى العراق بـ"بطاقة ميثاق" وجواز سفر إيرانيين.
و"بطاقة ميثاق" هي بطاقة تُعطى للأشخاص البارزين في الخطوط الأمامية للمقاومة. وتصدر هذه البطاقات كتيبة اسمها "كتيبة الميثاق"، ويمكن لحامليها التنقل بسهولة عبر المطارات ومحاور النقل.
وبحسب مصدر مقرب من الحشد الشعبي، فإن أكرم الكعبي البالغ من العمر 47 عاماً لديه 3 زوجات و9 أطفال يعيشون في منزليه في جنت آباد والقرية الأولمبية.
وهو يظهر في الأوساط السياسية الإيرانية، والتقى بالعديد من السياسيين الإيرانيين، من إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني الراحل، إلى أحمد علم الهدى، خطيب جمعة مشهد، ومحسن رضائي، أمين مجلس التنسيق الاقتصادي الأعلى.
"النجباء" تتكون من 4 مجموعات أصغر
مجموعة "قاسم الجبارين"، وهي المسؤولة عن الهجوم على مطار أربيل. كما أن "سرايا أبابيل" قوية أيضًا في قطاع الطائرات المسيرة، ويعيش بعض أعضائها في مرتفعات الجولان. و"أصحاب الكهف" و"سرايا أولياء الدم" هما قسمان آخران من "النجباء".
وكانت مجموعة "أصحاب الكهف" تنتمي إلى "عصائب أهل الحق"، وكان عماد مغنية، القائد الكبير السابق لحزب الله، أحد مؤسسيها. وكانت المجموعة متخصصة في البداية في تنفيذ عمليات ضد الأميركيين باستخدام القنابل المزروعة على الطرق، لكنها ركزت في السنوات الأخيرة بشكل أساسي على الأنشطة الاستخباراتية ومراقبة الأهداف.
تأسست "سرايا أولياء الدم" أساسًا للعمل ضد القواعد الأميركية في الدول الخليجية، كما نفذت عدة عمليات في بحر عمان. هذه المجموعة، التي يتمركز معظمها في البصرة والفاو، تساعد حاليًا الحوثيين، الميليشيات الشيعية اليمنية المدعومة من إيران.
قبل 7 سنوات، أعلنت النجباء تشكيل جيش تحرير الجولان. وتقول هذه المجموعة إنها مستعدة لاستعادة هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل بناء على طلب سوريا.
بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي وبدء حرب غزة، حاولت حركة "النجباء" مهاجمة إسرائيل. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن شن هجوم صاروخي على ميناء إيلات في إسرائيل.
كتائب حزب الله جذورها في فيلق بدر
أما المجموعة الثانية التي أعلنت استعدادها للحرب مع إسرائيل فهي "كتائب حزب الله". هذه الميليشيا التي تعد من أقوى عناصر جماعات المقاومة الإسلامية في العراق، أسسها أبو مهدي المهندس عام 2003.
وأعلنت هذه المجموعة في البداية أن هدفها هو محاربة تواجد القوات الأميركية في العراق، لكن بعد انسحاب هذه القوات دخلت الحرب الأهلية السورية وقاتلت لصالح بشار الأسد، الدكتاتور السوري.
وأعلنت الولايات المتحدة هذه الجماعة إرهابية في عام 2009.
وقال مصدر مقرب من الحشد الشعبي لـ"إيران إنترناشيونال" إن أصل هذه المجموعة يعود إلى "فيلق بدر" العراقي الذي قاتلت قواته على الجبهة الإيرانية خلال حرب العراق ضد إيران.
وقام أبو المهندس بتشكيل "كتائب حزب الله" باستخدام مجموعات عائلية من "فيلق بدر". ولهذا السبب، لم تكن هذه الجماعة بحاجة إلى حزب الله لبناء هيكل لها.
وكانت هذه المجموعة الأولى التي ترسلها إيران إلى سوريا لمساعدة بشار الأسد في قمع معارضيه في الشوارع.
وقُتل أبو مهدي المهندس، مؤسس هذه الجماعة، في هجوم شنته الولايات المتحدة في 3 يناير (كانون الثاني) 2020، على السيارة التي كانت تقله هو وقاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وبعد ذلك تولى أحمد الحميداوي قيادة هذه الجماعة.
كما تقدم إيران مساعدات مالية لكتائب حزب الله، لكن هذه المجموعة لديها نشاط اقتصادي واسع النطاق، فهم يشترون الأراضي في الدول الأوروبية، ويبيعون النفط، ووفقاً لمصدر عراقي، فقد اشتروا أسهماً في العديد من المصافي في إيران.
وتجني هذه المجموعة ما يقارب 100 مليون دولار من تصدير الأسمدة الكيماوية من إيران إلى العراق.
وفي فبراير (شباط) الماضي، قتلت الولايات المتحدة أبو باقر الساعدي، أحد أبرز قادة هذه الجماعة المسلحة، في هجوم بطائرة مسيرة.
وبعد ذلك هرب زعيم هذه الجماعة أحمد حميداوي وإخوته الثلاثة أسد وأرقد وأخلد إلى إيران ويعيشون الآن هناك.
وسبق أن أُعلن أن أبو مهدي المهندس يعيش مع زوجته الإيرانية في شارع كلستان 1 بطهران.
وزعمت "كتائب حزب الله" أنها نفذت أكثر من 150 هجوما ضد القوات الأميركية منذ بداية حرب غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي.
كتاب سيد الشهداء.. مقاولون لسليماني
كتائب "سيد الشهداء" هي الأصغر بين الميليشيات الثلاث التي أعلنت استعدادها لنقل قواتها إلى لبنان.
وأعلنت هذه المجموعة عن وجودها عام 2013؛ عندما قُتل 3 من عناصرها في ريف دمشق.
وكانت كتائب "سيد الشهداء" تنشط بشكل رئيسي في سوريا، وتقول إنها أرسلت 500 جندي إلى هذا البلد، وهم موجودون بشكل رئيسي في دمشق والغوطة الشرقية.
وبحسب مصدر مقرب من الحشد الشعبي فإنهم كانوا يتعاونون مع قاسم سليماني في الحرب السورية.
على سبيل المثال، مقابل الحفاظ على محور والتقدم 5 كيلومترات، حصلوا على مليوني دولار.
وقد حاولت هذه المجموعة مؤخراً جذب المزيد من الاهتمام من خلال مهاجمة أهداف أميركية.
ورحب زعيم هذه الجماعة، أبو آلاء الولائي، بوصول رئيسي إلى السلطة قبل ثلاث سنوات، وقال إن فوز رئيسي سيعزز الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
ويبلغ عدد أفراد "كتائب سيد الشهداء" نحو 3 آلاف شخص.
ويتم تمويل هذه المجموعة أيضًا من قبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني؛ وعلى الرغم من أن الحكومة العراقية تدفع أيضًا لكتائب سيد الشهداء، وهي عضو في الحشد الشعبي، إلا أن هذه المجموعة لها علاقة وثيقة جدًا مع حزب الله اللبناني، وتتلقى مساعدة مالية وإعلامية من هذه المجموعة.
وقد أعلنت الولايات المتحدة "كتائب سيد الشهداء" جماعة إرهابية في الخريف الماضي.
انتهت اليوم المناظرة الخامسة والأخيرة للمرشحين الستة للانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران، وهم: الإصلاحي مسعود بزشكيان ومصطفى محمدي والأصوليون الأربعة، سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف وعلي رضا زاكاني وقاضي زاده هاشمي.
تحدثوا جميعهم خلال المناظرات الخمسة، بطريقة غير مسبوقة للمسؤولين الإيرانيين حول حقيقة بلدهم خلال السنوات الثلاث الماضية، في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، شملت قضايا النساء وحرية الصحافة والإنترنت والملف النووي.
وفي مثل كل مناظرات انتخابية في العالم، شهدت المناظرات الرئاسية الإيرانية وعودا قد لا يتحقق معظمها، لا سيما في مجال السياسة الخارجية التي يسيطر عليها المرشد علي خامنئي بمساعدة مؤسساته العسكرية والأمنية.
هذا ما أكده المرشحون، وعلى رأسهم الإصلاحي بزشكيان الذي قال إنه سيكون مطيعا لأوامر المرشد في القضايا السيادية.
لكن المثير في ما سمعناه من المرشحين الستة ليس هذا فحسب، وهو أمر جلي لمن يتابع الشأن الإيراني، بل إن المرشحين- ورغم طلب خامنئي نفسه ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون التي أشرفت على المناظرات بعدم التطرق إلى القضايا الجدلية والتي تؤثر سلبا على المجتمع- هو تأكيدهم أن النظام فشل في كل مشاريعه الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية في الداخل والخارج، على الرغم من أن المرشحين الستة تولوا خلال مسيرتهم مسؤوليات سياسية وأمنية كبيرة مثل رئاسة البرلمان والملف النووي وقيادة الحرس الثوري.
على سبيل المثال لا الحصر، قال الإصلاحي بزشكيان مخاطبا المرشحين المنتمين للتيار الأصولي: أنتم لا تعيرون أي اهتمام لتوظيف الخبراء في جميع المجالات لهذا خسائرنا فادحة، ليردوا على الفور:“ إنكم (أي الإصلاحيين) كنتم على سدة الحكم لأربع فترات (محمد خاتمي لفترتين وحسن روحاني لفترتين) ولم تحققوا شيئا، بل نحملكم جميع الهزائم السياسية حيث ذهبتم للتطبيع مع الغرب، ولم تحصلوا على شيء“.
ويعيد بزشكيان مهاجمته لمنافسيه الأربعة بالقول في المناظرة قبل الأخيرة: أنتم من سببتم قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول، وإغلاق السفارات بعد الهجوم على السفارة والقنصلية السعوديتين. وهنا يرد عليه قاضي زاده، الذي تحول خلال المناظرات إلى خصم مباشر ضد بزشكيان، إن "الهجوم وقع في فترة رئاسة حسن روحاني المقرب والمدعوم من الإصلاحيين، وكان هو الأجدر بمعالجة الأزمة، وليس الأصوليون".
تعهد جميع المرشحين مثل سابقيهم بمكافحة الفساد الاقتصادي، الفساد الذي تسبب بإزاحة الطبقة الوسطى، كما قالها محمدي، وووسّع من رقعة الفقر في البلاد. ورد عليه جليلي أن محمدي كان المسؤول الأول في القضاء لمواجهة الفاسدين لفترة طويلة، وأضاف مهددا: "ستكون يا محمدي أول من يٌسأل في حال أصبحت رئيسا للبلاد".
بزشكيان كان الأكثر جرأة بين المرشحين الستة خلال المناظرات، وهو ما فسره المراقبون أنه يسعى عبر هذه الفرصة الوقتية الممنوحة له ولرفاقه من قبل النظام إلى استرجاع سمعة الإصلاحيين المفقودة، حيث بات الشعب يهتف في كل فرصة للاحتجاج: "أيها الإصلاحيون والأصوليون انتهت صلاحياتكم ونريد غيركم".
في آخر مناظرة وعد بزشكيان الشعب الإيراني أنه لن يكذب عليه في حال وصل إلى الرئاسة، وسيكشف عن جميع الحقائق والعوائق.
والسؤال الذي يطرحه المواطن الإيراني الغاضب من سياسات بلاده : هل ستكون يا بزشكيان بهذه الجرأة في ما يخص صلاحيات المرشد والحرس الثوري في حال وصلت للرئاسة؟
لخص المرشح الأصولي محمد باقر قاليباف، الذي تبوأ مناصب كبيرة في الحرس الثوري ورئيسًا للبرلمان الماضي والحالي، نتيجة هذه المناظرات معلقا على منافسيه الخمسة بالقول: "ما فضحناه وتجادلنا حوله خلال المناظرات لن يحل مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولن يمحو الفقر والجوع"، وكأنه يؤكد على أن الأمور ستستمر واليأس بين المواطنين سيبقى على حاله. لأن المرشد، الولي الفقيه صاحب الصلاحيات المطلقة، تعوّد على أن من حوله يطيعونه، ولو وصل إلى عمر 85 عاما.
الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، قال في لقاء صحافي بعد تركه السلطة وحرمانه من أي منصب في النظام : "كنت في فترة رئاستي مثل موظف المشتريات". وهو ملخص الحقيقة لإطار مسؤوليات الرئيس في إيران.
إن المقاطعة المحتملة للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران، من قِبل مصطفى تاج زاده ومير حسين موسوي، وهما من أشد المعارضين للمرشد علي خامنئي، يمكن أن تخلق تحديًا كبيرًا للإصلاحيين، ومرشحهم، مسعود بزشكيان، وتخاطر بانهيار حملته الانتخابية قبل بدء المعركة.
ومن المرجح أن يكون تاج زاده وموسوي يتعرضان لضغوط من "الجبهة الإصلاحية"، التي تضم 31 حزبًا إصلاحيًا ونحو 15 شخصية إصلاحية بارزة، لدعم ترشيح مسعود بزشكيان، لكن لن يكون مثل هذا الدعم من موسوي وتاج زاده سهلاً، بالنظر إلى المواقف السابقة لهذين السياسيين.
يُذكر أن مير حسين موسوي هو قائد الحركة الخضراء، التي قادت الاحتجاجات عام 2009، على خلفية الانتخابات الرئاسية، واتهام النظام بتزوير النتائج، ويخضع، حاليًا، للإقامة الجبرية منذ أكثر من 13 عامًا، فيما يقبع مصطفى تاج زاده في السجن؛ بسبب دعمه للاحتجاجات الشعبية عام 2022، وكذلك انتقاداته للمرشد علي خامنئي.
ويعتبر تاج زاده رمزًا لفكر "الإصلاحات الهيكلية" في إيران اليوم، ويقضي حاليًا عقوبة الحبس لمدة خمس سنوات في سجن إيفين.
ويرى أن فكرة الإصلاحات التقليدية فاشلة، وقال إنه تجاوز هذا النوع من الإصلاحات، ولن يشارك في انتخابات غير حرة.
وقد حدّد تاج زاده الإصلاحات الهيكلية، بإيجاز في عدة أمثلة، ومنها جعل المرشد مسؤولاً ومُحاسَبًا أمام القانون، وتغيير تشكيلة مجلس الخبراء؛ بحيث لا يضم رجال الدين فقط، وإجراء انتخابات حرة حقيقية، وتعديل الدستور عبر الاستفتاء الشعبي.
وقد دعا مير حسين موسوي، الذي ظل رهن الإقامة الجبرية منذ أكثر من 13 عامًا، في رسالته الأخيرة، ضمنًا إلى تجاوز نظام الجمهورية الإسلامية، وتشكيل نظام سياسي جديد.
ودعا إلى إجراء استفتاء وتشكيل المجلس التأسيسي لإنقاذ إيران، وقال إنه خلافًا للماضي؛ حيث كان يدعو لتطبيق الدستور دون تنازلات، فإنه لم يعد يعتبر هذا الأمر فعالًا، بل المطلوب الآن هو صياغة دستور جديد.
ويخضع مير حسين موسوي رهن الإقامة الجبرية بقرار من المرشد، علي خامنئي، الذي يصر على إبقائه في هذه الحالة، رغم المطالبات الشعبية وانتقادات الإصلاحيين وأنصارهم لهذا الوضع.
أما تاج زاده فهو مسجون؛ بسبب انتقاداته الصريحة لـ "خامنئي" ونهجه في الحكم.
وفي المقابل نجد أن مرشح الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، عاد إلى المشهد السياسي، بعد أن كان قد رُفض من قِبل مجلس صيانة الدستور، ولم تتم تزكيته في الانتخابات السابقة، وأصبح اليوم يقول بشكل صريح إنه من الأتباع المخلصين لولاية الفقيه وسياسات المرشد، علي خامنئي، في حين أن تاج زاده ومير حسين موسوي وقفا بوجه خامنئي، واتهماه بالاستبداد.
وفي ضوء ذلك، فإن دعم تاج زاده لـ "بزشكيان" يعني تراجعه عن الإصلاحات الهيكلية وإحباط مؤيديه وتخييب ظنهم؛ لأن هؤلاء المؤيدين أصيبوا بخيبة أمل من الإصلاحيين التقليديين، وهم يأملون في التغيير عبر أصوات شخصيات مثل تاج زاده. كما أن دعم موسوي لـ "بزشكيان" سيكون بمثابة انحراف عن مطالبه السابقة بتشكيل المجلس التأسيسي، وسيؤدي إلى مصير مماثل لـ "تاج زاده" بالنسبة للرأي العام، إذا ما دعم بزشكيان.
ولذلك، من الصعب جدًا الحصول على دعم تاج زاده وموسوي لصالح بزشكيان وجبهة الإصلاحيين، ومع ذلك، يأمل كل من بزشكيان والتيار الإصلاحي أنه إذا لم يدعم موسوي وتاج زاده ترشيحه، فإنهما على الأقل سيلتزمان الصمت، وألا يقاطعا الانتخابات، ويعود سبب هذا القلق إلى النفوذ الكبير، الذي يتمتع به تاج زاده وموسوي بين لجنة الإصلاحيين وأنصار الحركة الخضراء.
والحقيقة هي أنه، إن لم نقل إن تاج زاده وحده يتمتع بنفوذ بين الشباب الإصلاحي يفوق جميع أحزاب جبهة الإصلاح الـ 31، فإن هذا النفوذ على الأقل خطير للغاية، وإذا قاطع الانتخابات الرئاسية مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية، التي أُجريت في الشتاء الماضي، فإن ذلك سيكون بمثابة ضربة كبيرة للحملة الانتخابية لـ "بزشكيان"، ويمكن أن يعزى تأثير مماثل إلى مقاطعة مير حسين موسوي المحتملة للانتخابات.
ويعلم تاج زاده وموسوي أن الصمت بشأن الانتخابات يمكن تفسيره أيضًا بأنه تغليب عنصر المصلحة الشخصية لهما مقابل التيار الإصلاحي وهذا يضر بمكانتهما السياسية والاجتماعية؛ ولذلك، فهما ليسا في وضع يسمح لهما بالتزام الصمت. وربما، عاجلاً أم آجلاً، سيتعين على هذين الاثنين أن يقررا موقفهما بشأن الانتخابات في الأيام المقبلة؛ حيث إن دعمهما يمكن أن يقوي الحملة الانتخابية لـ "بزشكيان"، لكن مقاطعة الانتخابات من قِبلهما يمكن أن تقتل هذه الحملة أيضًا.
أعلنت القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط "سنتكوم"، أنه تم تعيين الأدميرال "الأميركي م أصول إيرانية، كيوان حكيم زاده قائداً للمجموعة الهجومية المتمركزة في منطقة القيادة المركزية.. فمن هو كيوان حكيم زاده، وما المسؤولية التي يتحملها في "سنتكوم" وما أهميتها؟
يبلغ كيوان حكيم زاده من العمر 56 عامًا، وهو أحد كبار الضباط في البحرية الأميركية. ولد في تكساس عام 1968 لأب إيراني وأم أميركية. وأمضى طفولته في إيران، حيث هاجر مع عائلته إلى أميركا وهو في الحادية عشرة من عمره بعد ثورة 1979.
وخلال مسيرته المهنية في البحرية الأميركية، أهّلته خبراته لقيادة حاملة الطائرات "يو إس إس هاري ترومان"، والتي سميت باسم هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثين للولايات المتحدة الأميركية، والذي تولى الرئاسة منذ 1945 إلى 1953.
وتم تعيين الأدميرال حكيم زاده قائداً لحاملة الطائرات هذه في عام 2019 وفي ذروة التوترات بين إيران والولايات المتحدة، وكان قبل ذلك الضابط الآمر للسفينة الحربية "يو إس إس ماونت ويتني"، والتي تعتبر سفينة القيادة في الأسطول الأميركي السادس.
ويقع المقر الرئيسي للأسطول السادس في مدينة نابولي الإيطالية، ومنطقة مسؤوليته هي مياه أوروبا وأفريقيا، وخاصة البحر الأبيض المتوسط.
وقد خدم حكيم زاده لفترة طويلة في نورفولك، المقر والمرسى الرئيسي لحاملات الطائرات الأميركية في المحيط الأطلسي، والذي يقع في ولاية فرجينيا. وله تاريخ من المشاركة في العمليات القتالية في العراق وأفغانستان، وشارك في ثماني عمليات قتالية على متن سبع سفن حربية أميركية.
كما يعد حكيم زاده أحد كبار ضباط الأسطول الخامس للبحرية الأميركية المتمركز في البحرين شمال الخليج، والآن بصفته قائد فرقة العمل المتمركزة في منطقة القيادة المركزية، يقود مجموعة من السفن الحربية الأميركية في المنطقة، بما في ذلك حاملة الطائرات أيزنهاور.
وتشمل هذه المجموعة القتالية التي يتولى قيادتها حكيم زاده، والتي تحمل الاسم المختصر "CSG 2"، الطرادات والمدمرات المرافقة لحاملة الطائرات أيزنهاور ومجموعة الطائرات المقاتلة المتمركزة عليها.
وفي الواقع، يتولى الأدميرال حكيم زاده حالياً قيادة المعركة ضد الحوثيين المدعومين من إيران في البحر الأحمر، والتي تحولت هذه الأيام إلى صراع موسع بين الولايات المتحدة والحوثيين.
وكانت حاملة الطائرات أيزنهاور والسفن المرافقة لها قد انتشرت في البحر الأحمر خلال الأشهر القليلة الماضية، في محاولة لإسقاط الطائرات المسيرة والصواريخ التي يطلقها الحوثيون باتجاه السفن وأيضاً باتجاه جنوب إسرائيل، وتقليص تهديدات الجماعة ضد الشحن الدولي وأمن إسرائيل.
ومن الجدير بالذكر، أنه يتم توفير معظم الطائرات المسيرة التابعة للحوثيين والجماعات الأخرى الوكيلة لإيران بمساعدة الحرس الثوري لإطلاقها على إسرائيل والسفن والقواعد الأميركية في المنطقة.
وهذا يعني في الواقع أن الأدميرال حكيم زاده، والمجموعة الهجومية تحت قيادته، يقاتلون بشكل غير مباشر قوات الحرس الثوري الإيراني التي تسميها طهران "مستشارين عسكريين" ويتمركزون في جميع أنحاء الشرق الأوسط من سوريا إلى لبنان واليمن.
يرتبط جميع المرشحين الستة للرئاسة في إيران بـ"علاقات مختلفة النسب" بالحرس الثوري. فمن لم يكن منهم منتميا إليه، فلا بد أن يكون رئيس حملته الانتخابية أحد عناصر الحرس أو أنه كان مدرسا لعناصره أو سبق وقام بتعيين عنصر من الحرس الثوري نائبا له.
فما طبيعة هذه العلاقات بين الحرس الثوري والمرشحين للرئاسة، وما حدود هذه العلاقة ونسبها؟
على الرغم من ادعاء المتحدث باسم الحرس الثوري، رمضان شريف، قبل أيام بأن الحرس لن يتدخل في الانتخابات، فإن المساعد السياسي للحرس الثوري، يد الله جواني، أشار إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال: "قد تكون مخرجات الانتخابات القادمة أمرين؛ الأول أنها تساهم في زيادة قوة النظام أو أنها تتحول إلى عامل تحد".
تجدر الإشارة إلى أن الحرس الثوري ليس مؤسسة عسكرية عادية، وإنما يضم مجموعات أخرى مثل الباسيج، ومنظمة "المستضعفين"، وقد تحول عمليا إلى حكومة موازية سبق أن هاجمها الرئيس السابق حسن روحاني، واتهمها بعرقلة مسار المفاوضات مع الدول الغربية.
قاليباف.. الجندي الوفي
امتزجت هوية محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الحالي، بالحرس الثوري بشكل وثيق للغاية، فقد انضم إلى الحرس الثوري عندما كان في سن 19، وبقي عضوا فيه من عام 1981 إلى عام 2004.
وفي مارس (آذار) عام 2024 أثنى قائد القوات الجوية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، بشخصية قاليباف ودوره في إنشاء المنظومة الصاروخية للحرس الثوري، وقال إن قاليباف هو شخص "لا يعرف الكلل" و"يحب التحول"، وإن اقتصاد إيران في حاجة إلى "مدير جهادي" مثله.
وذكرت تقارير إعلامية أن فترة رئاسة قاليباف للقيادة الجوية في الحرس الثوري شهدت صدامات بين الجيش والحرس الثوري، الذي حاول الاستيلاء على أراض تابعة للجيش. وقد أدت الصدامات إلى مقتل جندي في الجيش الإيراني الذي رفض التنازل عن أراضيه.
وعندما كان قاليباف عمدة لطهران، وبعد ذلك رئيسا للبرلمان، تابع بشكل حثيث مصالح الحرس الثوري الاقتصادية، وقد كشف تقرير عام 2023 أنه قام بتغيير رئيس البنك المركزي في فترة حكومة إبراهيم رئيسي لتأمين الموارد المالية لفيلق القدس التابع للحرس الثوري.
زاكاني.. الباسيجي الذي أدى مهمته على أكمل وجه
زاكاني، الذي تولي منصب عمدة طهران مثل قاليباف، كانت له علاقة مختلفة مع الحرس الثوري. في عام 1999 وأثناء احتجاجات طلاب جامعة طهران كان زاكاني عضوا في قوات التعبئة الشعبية (الباسيج)، ولعب دورا في قمع الطلاب.
وفي تصريح له قال القيادي بالحرس الثوري، إسماعيل كوثري، إن زاكاني عندما كان مسؤول الباسيج في الجامعة قام بمهمته بشكل جيد، ولهذا نحن ندعمه.
وكالة "فارس"، التابعة للحرس الثوري، أيضا دافعت بقوة عن تولي زاكاني منصب عمدة طهران، وهاجمت المنتقدين، وأكدت أن تولي زاكاني لمنصب عمدة طهران أمر حتمي ومؤكد.
رئيس حملته الانتخابية لطف الله فروزنده أيضا كان قياديا سابقا في الحرس الثوري، ومن الشخصيات المؤثرة في توصيل الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد إلى منصب رئاسة الجمهورية.
سعيد جليلي.. علاقات حميمة عن بُعد
سعيد جليلي، الذي يعرف بمواقفه المتطرفة بين الأصوليين، لم تكن له علاقات رسمية ومعلنة مع الحرس الثوري كما هو الحال بالنسبة لقاليباف وزاكاني.
بالإضافة إلى ذلك هناك مقولات تنسب إلى قاسم سليماني، قائد فيلق القدس السابق، تظهر أنه لا يكن ودا لجليلي ونهجه في الإدارة، حيث قال البرلماني السابق مجتبى ذو النور، في مقطع صوتي مسرب، إن سليماني قال بأنه "سيترك فيلق القدس إذا أصبح جليلي رئيسا. فهو شخص سلطوي، ويريد أن تكون جميع الأشياء تحت سيطرته، وفي ظل وجوده فإن الأمور ستتجمد".
رئيس الحملة الانتخابية لجليلي هو محسن منصوري وقد قام بتعيين رحيم نوعي، أحد أقدم أعضاء الحرس الثوري، في منصب مسؤول اللجنة الشعبية التابعة للحملة الانتخابية.
وتحتفظ مؤسسات الحرس الثوري الإعلامية بعلاقة جيدة مع جليلي. فقد امتلأت غرف وصالات وكالات أنباء مثل "تسنيم" و"فارس" وصحيفة "جوان" وقناة "أفق"، وهي مؤسسات إعلامية تابعة للحرس الثوري، بشخصيات ومحللين من تيار جليلي والمقربين إليه.
مصطفى بور محمدي
في عام 2011 عندما هاجم الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد الحرس الثوري واتهمه بالنشاط غير القانوني، ووصف الحرس الثوري وقيادته بـ"الأخوة المهربين"، كان بور محمدي رئيسا لمنظمة الرقابة في إيران، وقد نفى هذه التهم، وادعى أن الحرس الثوري لم يقم بنشاطات اقتصادية غير قانونية.
وعين بور محمدي، عندما كان وزيرا للداخلية، نائب قائد الحرس الثوري محمد باقر ذو القدر نائبا له، بعد موافقة من المرشد علي خامنئي.
قاضي زاده هاشمي وبزشكيان
كان أمير حسين قاضي زاده هاشمي، لطبيعة عمله كرئيس "مركز الشهداء والمشاركين في الحرب"، يمتلك علاقة عمل مع الحرس الثوري. ورئيس حملته الانتخابية محمد رضا مير شمي كان مساعدا سياسيا في جامعة "الإمام الحسين" التابعة للحرس الثوري.
أما مسعود بزشكيان، المرشح الإصلاحي الذي يبدو عليه أنه ليس لديه علاقات حميمة مع الحرس الثوري، ارتدى زي الحرس الثوري مع باقي نواب البرلمان عندما تم فرض عقوبات على الحرس.
ولديه تصريح آخر يقول فيه، ردا على انتقاد طالب جامعي على ارتدائه زي الحرس الثوري: "سأرتدي من جديد زي الحرس الثوري. لو لم يكن الحرس الثوري موجودا لانتهى وجودنا".
وبحسب الإحصائيات، التي نشرتها وسائل الإعلام الحكومية، فإن نسبة المشاركة في الانتخابات، باستثناء الأصوات الباطلة، بلغت في أحسن الأحوال نحو 40%. ومع خصم الأصوات الباطلة والبيضاء، سيتم تخفيض هذا الرقم بسهولة إلى رقم أكثر إذلالاً لنظام الجمهورية الإسلامية.
ويودع علي خامنئي كل صوت في رصيد النظام، بغض النظر عمن أعطي له، ويعتبره دليلاً على "سمعة" و"صحة" و"ديمومة" الجمهورية الإسلامية. وانطلاقاً من المنطق نفسه، فإن كل صوت لم يتم الإدلاء به وكل مواطن لم يحضر التصويت يجب اعتباره معارضاً نشطاً لنظام الجمهورية الإسلامية.
كان قادة النظام الإيراني يأملون في تعويض هزيمتهم في الانتخابات الثلاث السابقة من خلال خلق منافسة مصطنعة ومسيطر عليها بالكامل، مستغلين الأجواء العاطفية بعد مقتل إبراهيم رئيسي، ومن خلال التلاعب بشخص من الطبقة الأكثر تهميشاً فيما يسمى "الجماعة الإصلاحية" في إيران. ومن خلال زيادة المشاركة، يتوصلون إلى النتيجة المرجوة في تحديد خليفة لرئيسي، ويتحدثون مرة أخرى عن قبولهم وشرعيتهم بين الإيرانيين.
لكن الشعب الإيراني، من خلال إظهار تضامنه الوطني، اتخذ إجراءً جماعيًا لمقاطعة الانتخابات الصورية، وبهذه الطريقة، لم يبدد آمال النظام فحسب، بل فرض أكبر فشل أمام أعين العالم على نظام غريب تماماً عن إيران والإيرانيين.
إن هذا النصر الكبير، خاصة بعد انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، له العديد من المعاني والنتائج المهمة، ويمكن أن يجعل طريق الشعب للانتقال من نظام الجمهورية الإسلامية وإقامة نظام سياسي ديمقراطي علماني قائم على حقوق الإنسان، أكثر سلاسة.
إن مقاطعة الانتخابات في الظروف التي تعيشها إيران اليوم ليس لها معنى وتفسير آخر سوى أن الشعب الإيراني قال بصوت عالٍ "لا" للجمهورية الإسلامية مرة أخرى. وهذا الرفض للنظام الذي جاء ليستخدم أصواتهم لمصلحته دون الالتفات إلى أبسط حقوق ومطالب الشعب الإيراني، سيحظى بلا شك باهتمام على الساحتين الإقليمية والدولية وسيزيد الضغوط على النظام الإيراني.
في المسيرة التي سار عليها الشعب الإيراني منذ يناير (كانون الثاني) 2017، واتباعه للشعار الاستراتيجي والحاسم "إصلاحي أصولي/ انتهت القصة"، فإن النتائج التي تحققت في 28 يونيو (حزيران) تعتبر نقطة تحول، يمكن أن تعيد الأمل والروح للشعب وتجعله مستعدًا لأعمال جماهيرية أخرى مثل الإضرابات والاحتجاجات على مستوى البلاد ضد النظام الفاسد والقمعي والمستبد.
لا تملك الجمهورية الإسلامية الإرادة ولا القدرة على حل مشاكل الناس في مجالات السياسة الداخلية والخارجية والاقتصاد والثقافة والبيئة وغيرها. وهذا يعني بطبيعة الحال أن الأرضية ستكون أكثر ملاءمة لاستمرار وتوسيع الاحتجاجات النقابية والمعيشية والمدنية والسياسية في السنوات الأخيرة.
ولهذا السبب فإن إحباط النظام، الذي جاء بكل قوته واستدعى كل قواه من الإصلاحيين إلى مختلف أطياف التيار الأصولي للتعويض عن إخفاقات السنوات الأخيرة في صناديق الاقتراع، يعطي حافزاً وقوة مزدوجة للانتفاضة الآخذة في الانتشار رغم القمع الدموي والوحشي الذي تتعرض له.
إن هذه المقاطعة وعواقبها لن تعيد الأمل والروح المعنوية إلى معسكر الشعب الإيراني فحسب، بل سيكون لها أيضا انعكاس كبير جداً في معسكر أنصار النظام الإيراني، وتمنع النظام من إمكانية إحداث استقطاب كاذب في المجتمع من خلال تمديد الانتخابات إلى الجولة الثانية.
ورغم أن مسعود بزشكيان حظي بدعم كامل من محمد خاتمي، الذي يشير إليه الإصلاحيون على أنه زعيم الإصلاحات، إلا أنه لم يتمكن من استقطاب نطاق واسع وفعال ممن انفصلوا فعلياً عن هذا الاتجاه، بما في ذلك مير حسين موسوي، وزهراء رهنورد، ومصطفى تاج زاده، وجر أنصارهم إلى صناديق الاقتراع، الأمر الذي يوضح أن ما كان يسمى ذات يوم بـ "الإصلاح في الجمهورية الإسلامية" لم يعد سوى جثة هامدة.
وعلى الرغم من أن الإصلاحيين فقدوا منذ فترة طويلة قاعدتهم الاجتماعية السابقة، التي اكتسبوها في غياب منافسين جديين، إلا أنهم كانوا يأملون في هذه السنوات أن يحظوا مرة أخرى باهتمام علي خامنئي وحصة من السلطة والفوائد الاقتصادية والسياسية الناتجة عن الجلوس على "طاولة الثورة".
لكن عندما اعتبر بزشكيان مراراً وتكراراً خلال المنافسات الانتخابية أن علي خامنئي هو "خطه الأحمر"، وقال إنه ليس لديه خطط وسياسات، وأن نيته هي تنفيذ السياسات التي أعلنها المرشد الأعلى، أصبح من الواضح أن ملف التيار الإصلاحي، بالاسم والتعريف السابقين، قد أُغلق في العلاقات داخل السلطة أيضاً، وعملياً لم تعد هناك حدود ومؤشرات يمكن على أساسها التعرف على الإصلاحيين وتمييزهم عن نظرائهم الأصوليين.
أما داخل الأصوليين، فإن الوضع مأساوي بنفس القدر. فالأصوليون الذين أظهروا عداوتهم مع بعضهم البعض قبل بضعة أشهر فقط خلال المنافسة على دخول البرلمان، فإنهم خلال المنافسة على مقعد إبراهيم رئيسي أيضاً، أظهروا عمق الخلاف بينهم.
إن عدم القدرة على التوصل إلى توافق حول وجود مرشح واحد، وطريقة مواجهة المرشحين وأنصارهم، لا سيما سعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف، تظهر أنهم متعطشون للسلطة وليس عشاق الخدمة، على عكس الشعار الشائع في نظام الجمهورية الإسلامية.
وأياً كان الاسم الذي سيخرج من صناديق اقتراع النظام الإيراني، فإن هناك حقيقة كبيرة ستلقي بظلالها على رأس الحكومة ومستقبل نظام الجمهورية الإسلامية: لقد أظهر الشعب الإيراني إرادته ووعيه من خلال مقاطعة الانتخابات عدة مرات، فالجمهورية الإسلامية، بعد أن فشلت في أدائها، أصبحت أكثر هشاشة من أي وقت مضى، وينبغي لها أن تقلق بشأن المستقبل.