خامنئي و"مداحوه" يرون إيران غنية ومتقدمة.. و"موائد الشعب ترى عكس ذلك"

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، في آخر خطاب له إن البلاد تشهد تقدماً، مؤكداً على ضرورة إظهار هذه الإنجازات عبر العمل الإعلامي. لكن هذه الادعاءات ليست سوى أوهام.
محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، في آخر خطاب له إن البلاد تشهد تقدماً، مؤكداً على ضرورة إظهار هذه الإنجازات عبر العمل الإعلامي. لكن هذه الادعاءات ليست سوى أوهام.
فالشعب يزداد فقراً يوماً بعد يوم، والبلاد تغوص في هوة الفقر، بينما يصر المرشد على أوهام التقدم ويطالب بترويجها عبر وسائل الإعلام.
وكان حسين عظيمي، الاقتصادي البارز الذي توفي قبل حوالي 20 عاماً، يقول: "النمو والتنمية الاقتصادية يجب أن تظهر على مائدة الشعب". فإذا كانت موائد الناس عامرة وقدرتهم الشرائية مرتفعة، فإن الحديث عن التقدم يكون صحيحاً. لكن إذا كانت أوضاع المعيشة وقدرة الناس على الشراء تزداد سوءاً، فإن كل هذه الادعاءات تصبح بلا قيمة.
اليوم، يكرر خامنئي مراراً في خطاباته أن البلاد تشهد تقدماً وأننا نقترب من القمم. لكن الحقائق الاقتصادية للبلاد تناقض هذه الادعاءات. من خلال تحليل الإحصائيات والمؤشرات الاقتصادية، يمكننا أن نرى أن هذه الادعاءات غير علمية وغير واقعية.
وتؤكد المؤشرات الاقتصادية، بما في ذلك التضخم، ونصيب الفرد من الدخل، وحالة الإنتاج، إلى أن إيران متخلفة بشكل كبير عن جيرانها، حتى على المستوى الإقليمي. فالتضخم في بعض دول المنطقة يتراوح بين 2 إلى 3 في المائة، بينما في إيران يتجاوز 40 في المائة. هذه الأوضاع لا تعكس تقدماً، بل هي دليل على التراجع الاقتصادي.
إن نصيب الفرد من الدخل في إيران، وفقاً لأفضل التقديرات، يبلغ حوالي 4 آلاف دولار سنوياً. في المقابل، يبلغ نصيب الفرد من الدخل في بعض بلدان الجوار أكثر من 32 ألف دولار. هذه الفروقات توضح أن الوضع الاقتصادي في إيران يعاني من أزمة واضحة.
وبإصرار خامنئي على استخدام مصطلح "التقدم" بدلاً من مصطلحات أكثر علمية مثل "النمو" و"التنمية"، يستخدم مفاهيم لا يوجد لها معايير أو مقاييس محددة. في حين أن النمو والتنمية لهما مؤشرات دولية واضحة يمكن من خلالها قياس الوضع الاقتصادي لأي بلد.
وجدير بالذكر أن المؤشرات الاقتصادية، على عكس المتملقين المحيطين بالمرشد، تُظهر الحقيقة ولا يمكن تغييرها بالدعاية أو الخطابات النمطية. فبدلاً من الاستماع إلى الاقتصاديين والتحليلات العلمية، يفضل المرشد الأعلى أن يثق في المداحين الذين يكررون ادعاءاته. هؤلاء الأشخاص، بدلاً من تقديم تحليلات واقعية، يكررون فقط كلمات المرشد لإرضائه.
ويعتقد الاقتصاديون أن حل المشكلات الاقتصادية في إيران يتطلب تحسين العلاقات مع العالم وإصلاح العلاقة بين النظام والشعب. لكن خامنئي لا يبدي رغبة في تحسين العلاقات الدولية ولا يصغي لمطالب الشعب. وبتجاهله الحقائق الاقتصادية والاعتماد على أوهامه، يقود البلاد نحو أزمات أعمق.
إن استمرار هذه السياسات سيزيد من الفجوة بين الواقع الاقتصادي والدعاية الحكومية، وسيدفع المجتمع الإيراني نحو المزيد من السخط والاحتجاج.

اتجهت أنظار كثيرة في إيران نحو حفل تنصيب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة وبداية عمله في واشنطن. هذا الاهتمام لا يأتي فقط من جانب النظام الإيراني الذي يخشى قدوم ترامب، بل أيضًا من جانب الشعب الذي تعب من أربعة عقود من الظلم والقمع تحت نظام ولاية الفقيه.
هناك أمل بأن يؤدي صعود ترامب إلى إضعاف النظام الإيراني وإسقاطه في النهاية. فبمجرد أن يؤدي ترامب اليمين الدستورية، سيبدأ عمله في البيت الأبيض، ويوقع على سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تم إعدادها مسبقًا.
ومن المتوقع أن يصل عدد هذه الأوامر إلى حوالي 100 أمر أو أكثر، لكن السؤال الأهم بالنسبة للإيرانيين هو: هل سيوقع ترامب في يومه الأول على أمر يتعلق بإيران؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما طبيعة هذه الأوامر؟
من المتوقع أن يكون جزء من هذه الأوامر مخصصًا لسياسة "الضغط الأقصى"؛ وهي السياسة التي أدت في فترة ترامب الرئاسية السابقة إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية إلى أقل من 300 ألف برميل يوميًا.
في المقابل، سمح جو بايدن بتساهل وتهاون أدى إلى زيادة صادرات النفط الإيرانية إلى حوالي 1.7 إلى 2 مليون برميل يوميًا.
ومنذ أن تأكد فوز ترامب في الانتخابات، بدأت الصين، المشتري الرئيسي للنفط الإيراني المهرب، في تقليل مشترياتها من هذا النفط.
ففي الشهرين الماضيين، انخفضت واردات النفط الصينية من إيران بمعدل 500 ألف برميل يوميًا، وهي في طريقها إلى مزيد من الانخفاض.
هذا الإجراء قد يخلق أزمة فورية للنظام الإيراني، حيث سيكون من الصعب جدًا العثور على مشترين جدد للنفط المهرب الذي يبيعه الحرس الثوري.
محمد حسين عادلي، الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني، حذر من أن هذا الوضع قد يخلق أزمة كاملة للاقتصاد الإيراني ويضاعف التضخم.
هذا التحذير يظهر أن انقطاع أو انخفاض حاد في الإيرادات النفطية سيضع الحكومة أمام مشكلات عديدة في دفع الرواتب والإعانات ومعاشات المتقاعدين.
كما أعلن ترامب عن رغبته في مقابلة الرئيس الصيني خلال أول 100 يوم من رئاسته. ومن المحتمل أن يكون أحد الموضوعات المطروحة في هذه المقابلة هو زيادة الضغط على النظام الإيراني.
وإذا قامت الصين بتقليل أو وقف واردات النفط الإيراني المهرب، فلن يكون أمام طهران سوى مواجهة أزمة مالية وعجز كبير في الميزانية.
هذه الأزمة، إلى جانب السخط الشعبي الشديد وزيادة الضغوط الدولية، قد تضع نظام الجمهورية الإسلامية في أضعف وضع ممكن.
مسؤولو النظام الإيراني، على الرغم من محاولاتهم إخفاء خوفهم من ترامب، يدركون جيدًا أن سياسة "الضغط الأقصى" يمكن أن تخلق أزمات مركبة جديدة للنظام الحاكم.
وعلى الرغم من أن المرشد الإيراني دائمًا ما ينكر تأثير هذه الضغوط ويدعي أن سياسات ترامب غير فعالة، إلا أن الواقع يظهر أن هذه الضغوط يمكن أن تحدث تغييرات عميقة في سلوك النظام. بل قد يضطر مسؤولو النظام، خلافًا لمواقفهم السابقة، إلى التفاوض مع إدارة ترامب.
المشكلة الأكبر للنظام الإيراني في مواجهة الرئيس الأميركي المنتخب هي أن الشعب الإيراني، الذي تعب من هذا النظام، ليس فقط غير متضامن مع النظام، بل يرحب بأي إجراء يؤدي إلى إضعافه وإسقاطه.
الشعور العام بالتفاؤل بأن صعود ترامب يمكن أن يضعف نظام الجمهورية الإسلامية يعكس مدى الغضب والسخط من هذا النظام.
في النهاية، على الرغم من أن إسقاط النظام الإيراني يعتمد فقط على إرادة الشعب الإيراني وتحركاته، إلا أن دور العوامل الخارجية في إضعاف هذا النظام لا يمكن إنكاره.
هذا الشعور العام بأن ضغوط ترامب يمكن أن تؤدي إلى تغييرات إيجابية يعكس ضرورة فهم المحللين بدقة لمطالب ومشاعر الشعب.
لقد دُمرت حياة ثلاثة أجيال من الإيرانيين تحت حكم نظام الجمهورية الإسلامية. لقد تعب هذا الشعب من ظلم النظام وفساده وعجزه، وهو الآن ينتظر تحولًا يمكن أن يحقق مستقبلًا أفضل لهم.

عندما بدأت إحدى الهيئات الاستشارية الرئيسية في إيران "مراجعة" القضية المثيرة للجدل بشأن الانضمام إلى الاتفاقيات المالية الدولية، لم يواجه ذلك فقط معارضة من المتشددين، بل أثار أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان المرشد الإيراني قد عدّل من موقفه.
جدير بالذكر أن مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي قيل إنه مفوض من قبل المرشد علي خامنئي للقيام بهذه المراجعة، تم إنشاؤه لحل النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، الهيئة المسؤولة عن منح الموافقة النهائية على جميع التشريعات.
وقد أعلن وزير الاقتصاد، ناصر همتي، مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي أن المرشد وافق على "مراجعة" انضمام إيران إلى الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. فيما لم يدلِ خامنئي بأي تصريحات علنية حول هذه المسألة حتى الآن.
يذكر أن مجموعة العمل المالي (FATF) هي منظمة تم إنشاؤها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتهديدات الأخرى للنظام المالي الدولي. وتم وضع إيران لأول مرة على القائمة السوداء لهذه المجموعة بسبب فشلها في تلبية المعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويعتقد كثير من المراقبين أن التدهور السريع في الاقتصاد الإيراني، إلى جانب المطالب من قبل الإدارة الرئاسية والعديد من السياسيين في طهران، ربما يكون قد دفع خامنئي إلى إعطاء الضوء الأخضر لحل هذه المسألة.
وفي مقابلة نشرت بواسطة "يورونيوز" أول من أمس الثلاثاء، والتي غطتها وسائل الإعلام الإيرانية على نطاق واسع، عبر أسغر فخريه كاشان، نائب محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، عن شعوره بأن الرئيس مسعود بزشكیان قد توصل إلى اتفاق مع خامنئي لحل القضية.
ما دور مجلس تشخيص مصلحة النظام؟
إحدى المهام الرئيسية للمجلس هي التحكيم بين البرلمان والمراقب الدستوري مجلس صيانة الدستور، عندما تتم الموافقة على قانون من قبل الأول ولكنه مرفوض من قبل الثاني، ولا يمكن حل النزاع بينهما. ويتم تعيين رئيس المجلس وأعضائه من قبل خامنئي.
إن الجدل الحالي يتركز حول قانونين تتطلبهما مجموعة "FATF" لإزالة إيران من القائمة السوداء: "اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، وقانون "CFT" لمكافحة تمويل الإرهاب.
وعلى الرغم من أن البرلمان وافق على هذه القوانين في عام 2018، فإن مجلس صيانة الدستور رفضها، مستندًا إلى تعارضها مع "إرشادات الاقتصاد المقاوم"، وسياسات الأمن القومي، و"مخالفتها للشريعة".
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، تمت إحالة القضية إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، حيث ظلت عالقة. ولم يكن من الممكن حدوث هذا التأخير المستمر دون توجيه أو موافقة خامنئي.
جدير بالذكر أن الموافقة من قبل ثلثي الأعضاء الحاليين للمجلس الـ43 ضرورية لتسوية هذين القانونين المتأخرين.
من يدعم ويعارض الانضمام إلى "FATF"؟
كان انضمام إيران إلى الاتفاقيات قضية مثيرة للجدل في الساحة السياسية الإيرانية منذ عام 2016، ويرجع ذلك إلى القيود الكبيرة التي تواجهها إيران في علاقاتها مع البنوك الدولية والتجارة الخارجية نتيجة وجودها على القائمة السوداء لـ"FATF".
وقد دعا بزشكیان مرارًا وتكرارًا إلى الانضمام لاتفاقيات "FATF" خلال حملته الانتخابية كخطوة حاسمة لمنع عزلة البلاد المالية. وتقول حكومته إن الحل النهائي لهذه القضية قد أصبح قريبًا.
يذكر أن المفاوض النووي السابق المتشدد سعيد جليلي، الذي نافس بزشكیان في الانتخابات الرئاسية المبكرة في يوليو (تموز)، هو حاليًا عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويحظى بدعم أعضاء المجلس وبعض النواب في البرلمان.
وفي خطاب ناري ضد أميركا مؤخرًا، انتقد النائب المتشدد مهدي كوشاك زاده الجهود المبذولة للانضمام إلى اتفاقيات مكافحة غسيل الأموال بموجب مجموعة العمل المالي (FATF)، واصفًا ذلك بـ"الموافقة على العبودية لأميركا".
وعبر رسالة في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، صادق آملي لاريجاني، جادل 120 نائبًا بأن الانضمام إلى اتفاقيات باليرمو و"CFT" لن يفيد الأمة الإيرانية. وأكدوا أن مثل هذه الخطوة ستؤدي فقط إلى "تصعيد المشاكل الناجمة عن العقوبات" وتمكين الولايات المتحدة من الكشف عن طرق إيران في التحايل عليها.
وتشير التقارير إلى أن نصف أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام على الأقل لديهم تاريخ من المعارضة ليس فقط لهذه القوانين ولكن لانضمام إيران إلى جميع الاتفاقيات التي تطالب بها "FATF".
ومع ذلك، كما هو الحال في العديد من الحالات الأخرى، قد تؤدي الإشارة الدقيقة من خامنئي عبر القنوات غير الرسمية إلى تغيير مواقف بعضهم.
لماذا يعتبر قرار تشريع "FATF" مهمًا؟
توصي "FATF" بـ"العناية الواجبة المعززة" للمعاملات التي تشمل البلدان المدرجة على القائمة السوداء. وهذا يجعل التعاملات المالية مع إيران مكلفة ومرهقة ومخاطرة بالنسبة للمؤسسات الدولية. وقد تطبق الدول أيضًا تدابير مضادة، مثل إنهاء العلاقات المصرفية، وحظر المعاملات، أو فرض متطلبات تدقيق إضافية.
وسوف يقلل حل القضايا المتعلقة بـ"FATF" من هذه الحواجز، ما قد يسهل الوصول إلى الأسواق المالية الدولية ويخفف الضغط الاقتصادي على إيران.
ما الخطوات التي اتخذتها إيران لتلبية متطلبات "FATF"؟
في عام 2016، وافقت إيران تحت رئاسة حسن روحاني على خطة عمل من "FATF" للانتقال من القائمة السوداء إلى القائمة الرمادية.
ومع ذلك، في عام 2020، أعادت "FATF" إدراج إيران في القائمة السوداء بسبب فشلها في إتمام خطة العمل.
لذلك، حثت "مجموعة العمل المالي" أعضاءها على الاستمرار في تقديم المشورة لمؤسساتهم المالية لتطبيق العناية الواجبة المعززة على علاقات الأعمال والمعاملات مع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من إيران.
وقد تم قبول 37 من أصل 41 توصية قدمتها "FATF" للحكومة الإيرانية في عام 2016، بما في ذلك نظام إعلان النقد، وتم تقديم تشريعات ذات صلة في هذه المجالات. ولكن مكافحة تمويل الإرهاب تظل أكبر عقبة في إيران، حيث يعتقد المتشددون أن ذلك سيقيد قدرة طهران على دعم جماعاتها الوكيلة في الخارج.

من أبرز سمات السياسة الخارجية لإيران التناقضات الظاهرة في تصريحات المسؤولين المختلفين، والتي برزت مرة أخرى بشأن قضايا مثل التفاوض مع الولايات المتحدة، والحديث عن قتل دونالد ترامب، والرد على تهديدات إسرائيل.
فمن جهة، أكد المرشد علي خامنئي، مرارًا أن "التفاوض مع أميركا" غير وارد بسبب "عدم الثقة في هذا البلد". ومن جهة أخرى، حملت تصريحات الرئيس مسعود بزشكيان رسائل مختلفة.
وفي مقابلة مع شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، التي بثت كاملة أمس الأربعاء، أشار بزشكيان إلى استعداد طهران للتفاوض مع واشنطن، وأكد أن طهران لم تسعَ أبدًا لقتل ترامب ولن تسعى لذلك.
استراتيجية متعمدة أم فوضى في صنع القرار؟
قد يكون أحد أسباب هذه التناقضات سياسة "توزيع الأدوار" بين المسؤولين في النظام الإيراني، فيبدو أن خامنئي يسعى لإظهار صورة زعيم لا يقبل التنازل، بينما يُسمح لدبلوماسيين ومسؤولين آخرين مثل بزشكيان وظريف وعراقجي بالحديث عن إمكانية التفاوض مع الولايات المتحدة. وهذا النهج يمنح خامنئي ميزة التفوق في جميع السيناريوهات:
ففي حالة نجاح المفاوضات، يمكنه الادعاء بأن الاتفاق تم رغم عدم ثقته في أميركا، وأنه يمثل مرونة إيران.
وفي حال فشل المفاوضات، يستطيع تحميل المسؤولية للمفاوضين والتمسك بموقفه الأولي بعدم الثقة في الولايات المتحدة.
وبهذا الشكل، يتجنب خامنئي أي مسؤولية عن النتائج ويحافظ على صورته كـ"زعيم مقاوم".
مواجهة التحديات الخارجية والداخلية
مع عودة ترامب إلى الساحة السياسية وزيادة التهديدات الإسرائيلية، يبدو أن إيران تسعى لتخفيف الضغط الدولي باستخدام تصريحات متناقضة، مع الامتناع عن اتخاذ قرارات حاسمة.
ويدرك خامنئي أن ترامب ونتنياهو يمثلان تهديدًا حقيقيًا لاستمرار النظام. لذا، يحاول الحفاظ على مواقفه الصارمة بين أنصاره، مع إيجاد طرق لتخفيف التوترات والتهديدات الخارجية.
وهناك ثلاثة سيناريوهات رئيسية قد تتبعها إيران:
أولا- التفاوض والتوصل إلى اتفاق: فقد تتجه طهران نحو التفاوض مع الولايات المتحدة وتقديم تنازلات بشأن برامجها النووية والصاروخية لتخفيف ضغط ترامب ونتنياهو ومنع سقوط النظام.
ثانيا- المواجهة والتصعيد: فقد ترفض إيران المفاوضات وتستعد لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ثالثا- الامتناع عن التفاوض أو التصعيد: يعني ذلك الامتناع عن التفاوض، مع تجنب استفزاز الولايات المتحدة بإجراءات نووية أو صاروخية تصعيدية.
تحديات خارج سيطرة خامنئي
رغم ذلك، تواجه إيران تحديات خارجة عن سيطرة خامنئي:، مثل
1- عودة ترامب بسياسة "الضغط الأقصى": وهي سياسة تعتمد على مواجهة مباشرة ضد إيران، مع تعزيز التعاون مع إسرائيل.
2- التهديدات العسكرية الإسرائيلية: فقد تستغل إسرائيل الفرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، خصوصًا بدعم ترامب.
3- تآكل نفوذ وكلاء طهران الإقليميين: حيث فقدت إيران كثيرًا من نفوذها في المنطقة بسبب الهزائم والضغوط.
4- العلاقة المتوترة مع أوروبا: حيث أصبحت الدول الأوروبية أكثر تشددًا تجاه إيران بسبب برنامجها النووي ودعمها لروسيا في الحرب الأوكرانية.
5- الأزمات الاقتصادية الداخلية: مع ارتفاع أسعار الدولار، ونقص الموارد المالية، وتفاقم الأزمات مثل انقطاع الكهرباء والغاز، تواجه إيران ضغوطًا متزايدة.
6- الاحتجاجات الشعبية: فالضغوط الخارجية والداخلية قد تؤدي إلى انتفاضات داخلية ضد النظام.
الانقسامات داخل النظام
لقد ظهرت انقسامات داخلية واضحة في النظام الإيراني، حيث ترى بعض التيارات ضرورة التمسك بالمواقف الصارمة، بينما يعتقد آخرون أن التفاوض هو السبيل الوحيد للبقاء.
ومع ذلك، يظل الهدف المشترك لجميع التيارات داخل النظام هو الحفاظ على النظام نفسه، وليس تلبية مطالب الشعب. كما أن خامنئي لم يتخذ بعد قرارًا نهائيًا بشأن المسار الذي سيتبعه. ومع ذلك، فإن أي خيار يتخذه قد لا يضمن بقاء النظام، حيث تُعتبر الأزمات الداخلية والخارجية تهديدًا وجوديًا حقيقيًا لنظام طهران.

قال مركز الأبحاث البريطاني "بوليسي إكستشينج" إن إيران أصبحت الآن في موقف ضعف، وأن بريطانيا يمكنها استخدام هذه الفرصة والانضمام إلى سياسة "الضغط الأقصى" التي يتبناها دونالد ترامب لتهيئة الظروف لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي تقرير صادر عن المركز، اليوم الاثنين 13 يناير (كانون الثاني)، بعنوان "الأزمة والفرصة في الشرق الأوسط: خيارات السياسة البريطانية تجاه إيران في عام 2025"، أشار إلى التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة.
وذكر التقرير أنه على الرغم من أن هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشيرين الأول) 2023 ألحق في البداية ضررًا بسمعة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، إلا أن التطورات في المنطقة بعد أكثر من عام على هذا الحدث سارت في اتجاه آخر؛ "فقد انهارت الآن الجماعات التابعة لإيران، كما أُضعفت القدرات العسكرية للنظام الإيراني".
وأضاف المركز: "إن نظام إيران، الذي كان مصدرًا لمعاناة كبيرة للشعب الإيراني وتهديدات أمنية خطيرة للمنطقة وبريطانيا وشركائنا، قد مر بعام كارثي".
وفي 10 يناير (كانون الثاني)، أشار ويليام بيرنز، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إلى هجومين صاروخيين "فاشلين" شنتهما إيران ضد إسرائيل، و"انهيار" حزب الله في لبنان كأهم جماعة تابعة لطهران، و"تراجع كبير" في قوة حماس في قطاع غزة، وأخيرًا سقوط نظام بشار الأسد، قائلًا: "كل هذه القضايا وضعت النظام الإيراني في موقف استراتيجي أضعف بكثير".
وفي 12 يناير، تناولت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير لها تراجع القدرات العسكرية للنظام الإيراني، وذكرت أن أنظمة الدفاع الجوي التي عرضها الحرس الثوري في مناوراته الأخيرة كانت ذات جودة أقل مقارنة بتلك التي استهدفتها إسرائيل في هجوم أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ووفقًا لتقرير الصحيفة، فإن الأسلحة التي عُرضت في هذه المناورات كانت في الغالب نفس الأسلحة التي استخدمتها إيران في هجوميها المباشرين ضد إسرائيل، لكنها لم تحقق نجاحًا يُذكر.
الضغط الأقصى أم نهج بديل؟
وتطرق تقرير المركز البريطاني إلى التكهنات حول استئناف سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران في إدارة ترامب القادمة، وذكر أن حلفاء واشنطن يواجهون الآن خيارًا بين الانضمام إلى سياسة "الضغط الأقصى" أو تبني نهج بديل تجاه طهران.
وأوصى المركز الحكومة البريطانية بدعم سياسة ترامب ضد إيران للمساعدة في خلق شرق أوسط "مستقر ومزدهر".
وجاء في التقرير: "حلفاؤنا العرب، الذين هم أيضًا شركاؤنا الاقتصاديون الرئيسيون، سيرحبون بتضامن بريطانيا في مواجهة أكبر تهديد أمني لهم. بالإضافة إلى ذلك، في ظل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في المحيط الهادئ، فإن ضمان إمدادات النفط من المنطقة سيكون أمرًا بالغ الأهمية".
كما دعا مارك سيدويل، المستشار الأمني البريطاني السابق، الاثنين 13 يناير (كانون الثاني) إلى موقف مماثل، حيث طالب الحكومة البريطانية بالتحالف مع سياسة "الضغط الأقصى" لترامب لتغيير النظام الإيراني أو إحداث تغييرات جذرية في سلوكه.
وأشار التقرير أيضًا إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في إيران، حيث وصل معدل التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 80 عامًا، بينما زاد الإنفاق الدفاعي-العسكري للنظام الإيراني في الميزانية الأخيرة بنسبة 200%.
في حين أن الشعب الإيراني محروم من تلبية احتياجاته الأساسية، مما أدى إلى تفاقم السخط الاجتماعي.
وفي الأشهر الأخيرة، زاد عدد التظاهرات احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية الصعبة في إيران.
وفي إحدى هذه التظاهرات في 29 ديسمبر (كانون الثاني)، خرجت مجموعة من تجار طهران إلى الشارع في منطقة "15 خرداد" احتجاجًا على التضخم وارتفاع سعر الصرف، حيث أضربوا وأغلقوا محالهم.
الصراع على خلافة خامنئي
وتناول التقرير أيضًا موضوع خلافة المرشد الإيراني علي خامنئي، وحذر من أن "الصراع الشديد" حول هذه القضية بين أركان النظام قد يؤدي إلى "تعزيز أكثر الجماعات تشددًا في إيران"، ويؤثر على البرنامج النووي الإيراني، وقد تمتد تبعاته إلى ما هو أبعد من حدود البلاد.
ودعا المركز الحكومة البريطانية إلى التأكيد على تولي شخص في إيران "مستعد لاتخاذ خطوات نحو توسيع الحريات داخل البلاد والتصرف بمسؤولية على الساحة الدولية".
ووفقًا للتقرير، فإن مثل هذا الشخص سيكون قادرًا على كسب احترام المجتمع الدولي.

قصة الصعود ثم السقوط.. ثم الصعود مجددا لقادة طالبان الذين تنقلوا بين إيران وأفغانستان خلال عقود من الحرب، تروي علاقةً نمت وترعرعت في الظل.