عام آخر ينتهي مع تآكل مؤسسات الحكم في إيران

انتهى العام الإيراني 1403، الذي اختتم أمس الأربعاء 19 مارس (آذار)، بمزيد من إضعاف مؤسسات الدولة الرئيسية، فيما شدد المرشد علي خامنئي قبضته على شبكة من الهيئات المتداخلة، بعضها أنشأها بنفسه.
صحفي

انتهى العام الإيراني 1403، الذي اختتم أمس الأربعاء 19 مارس (آذار)، بمزيد من إضعاف مؤسسات الدولة الرئيسية، فيما شدد المرشد علي خامنئي قبضته على شبكة من الهيئات المتداخلة، بعضها أنشأها بنفسه.
ومع ذلك، وعلى الرغم من نجاح إضعاف مؤسسات الدولة، بما في ذلك البرلمان والرئاسة، إلى حد كبير، فإن ذلك لا يعني أن خامنئي يحكم دون معارضة.
فمع استمرار الاقتصاد الإيراني في الغوص في الأزمات، يأتي العديد من التحديات من داخل معسكره المحافظ نفسه، حيث يوجه المعارضون – غالبًا بصمت – اللوم إليه بسبب فشل النظام، مشيرين إليه بشكل غير مباشر على أنه "النظام السياسي".
على مدار العام، عانت إيران من اقتصاد منهار وتهديد وشيك باضطرابات سياسية. فقد عانت الصناعات والأسر لشهور من نقص الغاز والكهرباء، بينما حذر المسؤولون من أزمة مياه قادمة.
في الوقت نفسه، تضاعفت قيمة الدولار الأميركي مقابل التومان الإيراني. ويُعتبر خامنئي الآن الشخصية الرئيسية المسؤولة عن هذه الأزمات في نظر معظم الإيرانيين.
مع وفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في مايو (أيار) 2024 – والذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه معين وليس منتخبًا – كان على المرشد الإيراني العثور على مساعد مطيع آخر ليكون شريكًا صامتًا في الحكم. لكن الرئيس الجديد أثبت أنه أكثر طاعة مما توقع خامنئي.
وبعد أن أنقذه مجلس صيانة الدستور من الإقصاء بناءً على طلب خامنئي، أكد مرارًا أنه لن يكون رئيسًا لولا دعم المرشد. بل ذهب إلى أبعد من ذلك، معلنًا صراحة أنه لا يملك خططًا أو برنامجًا مستقلًا، وسينفذ ببساطة رؤية خامنئي للبلاد.
وفي مثال حديث، أخبر البرلمان أنه بينما كان يدعم في البداية المفاوضات مع الولايات المتحدة حول البرنامج النووي الإيراني، فإنه عارضها بمجرد أن رفض خامنئي الفكرة.
وتم تشكيل البرلمان الإيراني من قبل خامنئي ومجلس صيانة الدستور في الانتخابات الأخيرة، لضمان أغلبية ساحقة للمحافظين المتشددين.
وأقصى مجلس صيانة الدستور المرشحين المعتدلين والإصلاحيين، في إطار ما وصفه رئيس البرلمان الأسبق علي لاريجاني بـ"التطهير السياسي".
وتحت قيادة كل من رئيسي وبزشكيان، تم اتخاذ القرارات الرئيسية بشأن القضايا الحاسمة، بما في ذلك الميزانية السنوية وقضايا مثيرة للجدل مثل مشروع قانون الحجاب الإجباري، من قبل رؤساء السلطات الثلاث أو مجلس الأمن القومي، وليس من قبل البرلمان. وغالبًا ما يتم انتقاد البرلمان بأنه "أمي وغير كفء".
وتم إضعاف دور مجلس الخبراء، المكلف باختيار المرشد المقبل، بشكل فعال، حيث تقوم لجنة مكونة من ثلاثة أعضاء بتقديم تقاريرها حصريًا إلى خامنئي، وتقوم بفحص المرشحين سرًا لصالحه فقط.
وفي الوقت نفسه، تم تجريد نائب رئيس المجلس، أحمد خاتمي، من امتيازاته لانتهاكه القواعد غير المكتوبة التي وضعها خامنئي.
كما تم نقض قرارات مجلس صيانة الدستور في بعض الأحيان من قبل خامنئي نفسه، مما سمح لمرشحين ممنوعين مثل مصطفى معين ومحسن مهر علي زاده ومسعود بزشكيان بالترشح للرئاسة.
وأصبح مجلس تشخيص مصلحة النظام غير فعال ومشلولًا بسبب الترهيب، لدرجة أنه فشل في إصدار حكم بشأن المصادقة على قوانين تهدف إلى تحسين امتثال إيران للوائح الدولية لمكافحة غسل الأموال.
ولم يكلف خامنئي المجلس بأي مسؤوليات جديدة علنًا لسنوات، مفضلاً اتخاذ جميع القرارات الرئيسية بنفسه.
حتى قبل خمس سنوات، عندما كانت هذه المؤسسات تعمل بدرجة من الكفاءة النسبية، وصف بعض المراقبين الغربيين النظام الإيراني بأنه يشبه الديمقراطية. اليوم، لم يعد مثل هذا الوصف مقنعًا. أصبح المشهد السياسي الإيراني "فريدًا" لأسباب كلها خاطئة.

قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في إيران، مي ساتو، إن قرار مجلس حقوق الإنسان بشأن حالة حقوق الإنسان في إيران، وتمديد المهام الخاصة، سيُقدَّم إلى الدول الأعضاء في المجلس يوم غد الجمعة 21 مارس (آذار)، وسيُطرح لاحقًا للتصويت.
وأشارت ساتو، التي تحدثت مع "إيران إنترناشيونال" مساء الأربعاء 19 مارس (آذار)، إلى أن القرار سيتضمن أيضًا تمديد أو عدم تمديد ولايتها كمقررة خاصة لإيران، قائلة: "أنا أتمنى أن يتم تمديد ولايتي، ولكن كل ما يمكنني فعله الآن هو الالتزام بالمبادئ المهنية، وتقديم تقاريري، وإجراء الاتصالات اللازمة، ومتابعة أنشطة الدعم المتعلقة بولايتي".
وأوضحت أن الدول الأعضاء هي التي ستقرر في النهاية بناءً على تقييم الأعمال التي قامت بها خلال العام الماضي فيما يتعلق بولايتها، مضيفة: "على الدول الأعضاء في المجلس اتخاذ قرار مستنير مع الأخذ في الاعتبار حالة حقوق الإنسان في إيران. أتمنى أن يتم تمديد ولايتي، لأنه في رأيي، هناك العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في إيران التي تحتاج إلى مراقبة وفحص، ومن الناحية المثالية، منع حدوثها".
وردًا على سؤال "إيران إنترناشيونال" حول احتمال تمديد ولاية لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة، أشارت ساتو إلى أن القرار المتعلق بحالة حقوق الإنسان في إيران سيتضمن أيضًا قرارًا بشأن تمديد أو عدم تمديد ولاية هذه اللجنة، قائلة: "لقد قامت لجنة تقصي الحقائق بعمل رائع. ولاية المقرر الخاص وولاية لجنة تقصي الحقائق هما ولايتان مكملتان لبعضهما البعض".
وأوضحت ساتو الفرق في النهج بين ولاية المقرر الخاص ولجنة تقصي الحقائق، قائلة: "تركز لجنة تقصي الحقائق أكثر على التحقيقات المتعمقة، والحفاظ على الأدلة، وجمع الوثائق بهدف مساءلة الجناة. أما ولايتي فتركز على إعداد تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان والمزاعم المطروحة، ولا أفحص كل حالة بالتفصيل كما تفعل لجنة تقصي الحقائق، لأن ولايتي لم تُصمم لهذا الغرض. أنا أركز أكثر على أنشطة الدعم".
وفي إشارة إلى تقريرها عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لعام 2024، الذي قدمته إلى مجلس حقوق الإنسان يوم الثلاثاء 18 مارس (آذار)، قالت ساتو إنها أبرزت عدة قضايا رئيسية في هذا التقرير: "أولاً، الزيادة السريعة في عدد حالات الإعدام المسجلة، ثانيًا، المعاملة التمييزية وتأثيراتها على الأقليات العرقية والدينية، ثالثًا، عدم الشفافية، ورابعًا، استمرار القمع وإسكات أصوات المعارضين".
وأوضحت أنه خلال العام الماضي، تم إعدام ما لا يقل عن 900 شخص في إيران، بينما سُجلت 169 حالة إعدام على الأقل في الشهرين الأولين من هذا العام.
وأضافت: "إذا استمر هذا المعدل، فقد نشهد تجاوز عدد الإعدامات ألف حالة بحلول نهاية هذا العام. هذه الأرقام تؤكد الحاجة إلى استجابة عالمية عاجلة. من الضروري أن يتحد العالم للمطالبة أولاً بالحد من عمليات الإعدام، ثم تعليقها بشكل مؤقت، وأخيراً العمل على إلغائها بشكل كامل".
وشددت ساتو على أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام، أو تلك التي لا تطبقها عمليًا، أو تلك التي تلتزم بالمعايير الدولية فيما يتعلق بتطبيق عقوبة الإعدام فقط في حالات "أشد الجرائم خطورة"، يجب أن "تنضم إلى هذه المطالبة العالمية وتتحد في معارضة استخدام عقوبة الإعدام بما يتعارض مع المعايير الدولية".

في الوقت الذي يقترب فيه الدولار من عتبة 100 ألف تومان، وتواجه السدود نقصًا حادًا في المياه، وتعاني المدن الإيرانية من تلوث هوائي شديد وانقطاعات متكررة للكهرباء، وبينما يعيش المواطنون الإيرانيون بجيوب فارغة وأسواق راكدة في ليلة العيد، تجد إيران نفسها في وضعية حرجة.
إلى جانب هذه الأزمة الاقتصادية، تقف البلاد على أعتاب حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط قد تقرّب إيران أكثر من حافة الانهيار.
وتشير الأدلة إلى أن المرشد علي خامنئي يدفع البلاد نحو صراع كبير. ولكن هل سيكون مستعدًا في اللحظات الأخيرة للتراجع وقبول مطالب إدارة ترامب، والتخلي عن حلم صنع سلاح نووي؟ أم إنه سيدفع بإيران والمنطقة نحو حرب تكون عواقبها غير متوقعة؟
في وقت بلغت فيه التوترات بين إيران والولايات المتحدة ذروتها في اليمن، أعلن دونالد ترامب أن أي هجوم من الحوثيين سيُعتبر بمثابة هجوم من إيران.
هذا الموقف ستترتب عليه عواقب وخيمة على طهران، ومع ذلك، أكد الحوثيون أنهم سيستمرون في هجماتهم، وقاموا يوم الثلاثاء، بعد تهديد ترامب، بإطلاق صاروخ باليستي نحو إسرائيل.
وفي طهران، لا توجد أي إشارة إلى الاستعداد للتوافق مع الإدارة الأميركية.
وأكد مسؤولو الولايات المتحدة أن أي اتفاق يتطلب وقفًا كاملًا للبرنامج النووي وإنهاء دعم إيران للمجموعات الموالية لها في المنطقة. ومع ذلك، فإن تصريحات مسؤولي النظام الإيراني تشير إلى استعدادهم للمواجهة وليس للتفاوض.
وهدد موقع "نور نيوز"، القريب من مجلس الأمن القومي الإيراني، مؤخرًا بأن إيران قد تنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) وتغير سياستها النووية.
وعلى المستوى الدولي، يُنظر إلى الانسحاب من هذه المعاهدة على أنه خطوة نحو بناء أسلحة نووية.
في هذا السياق، تحدثت بعض الشخصيات الحكومية صراحة عن ضرورة امتلاك السلاح النووي. من بينهم نظام الدين موسوي، المدير السابق لوكالة "فارس" الإخبارية، الذي صرح مؤخرًا أن هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية كانت بسبب عدم امتلاكها أسلحة نووية، بينما كانت الولايات المتحدة تمتلكها.
هذه التصريحات تشير إلى أن أجزاء من الحرس الثوري قد خلصت إلى أن الحرب مع الولايات المتحدة حتمية، وأن إيران تحتاج إلى أسلحة نووية للفوز في هذه الحرب.
قبل ذلك، أشار مسؤولون مختلفون في إيران، بما في ذلك علي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية، وكمال خرازي، وزير الخارجية السابق، بشكل ضمني إلى قدرة طهران على بناء أسلحة نووية.
حتى المرشد علي خامنئي أشار في تصريحاته الأخيرة إلى أن إيران لديها القدرة على صنع قنبلة ذرية إذا لزم الأمر.
هذا التصعيد في الخطاب النووي من قبل مسؤولي النظام الإيراني له دور مزدوج؛ فهو يعمل كتهديد لردع الولايات المتحدة عن زيادة الضغوط، ويعكس في الوقت نفسه قناعات القيادة الإيرانية بأن العامل الوحيد الذي يمكن أن يردع الولايات المتحدة وإسرائيل في ظل ضعف القوات الموالية لإيران ليس الصواريخ أو الطائرات المسيرة، بل السلاح النووي.
وبينما يؤكد مسؤولو النظام الإيراني على استمرار التوترات، توقع بعض الخبراء، مثل مسعود روغني زنجاني، الرئيس السابق لمنظمة التخطيط والميزانية، أنه في حالة استمرار الوضع الحالي، قد يصل سعر الدولار إلى 200 ألف تومان.
ولزيادة سعر الصرف تأثير مباشر على أسعار السلع الأساسية، حيث ارتفع سعر الذهب بنسبة 10 في المائة في يوم واحد فقط، ليصل إلى 97 مليون تومان.
هذه التطورات تُظهر أن السياسات المثيرة للتوتر والمغامرة للنظام الإيراني، دون مراعاة عواقبها على الشعب، لا تزال مستمرة.
في حين يحذر الخبراء الاقتصاديون من أن هذا الاتجاه سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني، يواصل مسؤولو النظام الإيراني التأكيد على مسار المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب.
وفي ظل إسناد الولايات المتحدة هجمات الحوثيين مباشرة إلى إيران، يطرح السؤال: هل ستقتصر التوترات على مواجهات محدودة في اليمن، أم إنها ستؤدي إلى حرب واسعة النطاق بين إيران والولايات المتحدة؟
يبدو أن مسؤولي النظام الإيراني، من خلال التأكيد على برنامجهم النووي والتهديدات المتكررة، يستعدون لظروف الحرب، لكن عدم اهتمامهم بالعواقب الاقتصادية والاجتماعية لهذه السياسات على الشعب يُظهر أن القرارات الكبرى تتخذ دون مراعاة المصلحة العامة.
ووصلت إيران اليوم إلى نقطة أن كل خطاب لخامنئي ضد الولايات المتحدة يرفع سعر الصرف بآلاف التومانات، وكل تصريح لترامب ضد طهران يزيد من اضطراب الاقتصاد الإيراني.
السؤال الرئيسي الآن هو: هل سيتراجع النظام في النهاية، أم إنه سيقود البلاد نحو أزمة تتجاوز عواقبها حدود إيران؟
ظل حرب كبرى في الشرق الأوسط يخيم على إيران، وأصبح خطر الحرب أقرب من أي وقت مضى. حرب ليست حرب الإيرانيين، بل هي حرب خامنئي مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

كان العام الإيراني 1403 (الذي ينتهي اليوم الأربعاء 19 مارس/آذار)، واحدًا من أكثر الأعوام تحديًا للنخبة الحاكمة في إيران، إذ عانت البلاد من ركود اقتصادي داخلي وانتكاسات تاريخية على الصعيد الخارجي.
في بداية العام في مارس (آذار) 2024، كانت إيران تعاني بالفعل من اقتصاد متعثر وتهديدات بالاضطرابات السياسية. ومع ذلك، كانت لا تزال تبدو قوية إقليميًا ويمكنها أن تقدم نفسها كمنافس جاد للمصالح الأميركية والإسرائيلية.
ومع بداية العام، كانت إسرائيل منشغلة بحربها مع حركة حماس المدعومة من إيران في غزة. وأعلنت طهران بثقة أن خصمها الإقليمي غارق في صراع لا يمكنه الانتصار فيه، متفاخرة بـ"محور المقاومة"، ومهددة بتصعيد الموقف ضد كل من إسرائيل والمصالح الأميركية.
كما كان الحوثيون في اليمن يواصلون تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ على إسرائيل.
الهجمات الحوثية على التجارة البحرية، التي بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بعد إعلان من المرشد الإيراني علي خامنئي، تسببت في خسائر تقدر بـ200 مليار دولار على الاقتصاد العالمي.
وبعد أقل من شهر على بداية العام الإيراني، شنت طهران في أبريل (نيسان) 2024 هجومًا واسع النطاق بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل ردًا على هجمات إسرائيلية استهدفت مواقع إيرانية في سوريا.
وعلى الرغم من أن معظم القذائف تم اعتراضها بأضرار طفيفة، فإن إيران صورت الهجوم على أنه ضربة قوية ضد "الكيان الصهيوني". حينها، بدت طهران قوية، قادرة على ردع خصمها الأكثر إصرارًا.
لكن في أواخر يوليو (تموز)، بدأت الكفة تميل ضدها، عندما قُتل زعيم حماس إسماعيل هنية في انفجار أثناء إقامته في دار ضيافة حكومية في طهران.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الحادث نتيجة عبوة ناسفة مزروعة أو ضربة صاروخية إسرائيلية، لكن قدرة العدو اللدود لطهران على الضرب في أي مكان لم تكن خافية على أحد.
كان هذا الاغتيال مجرد واحد من سلسلة عمليات تصفية بلغت ذروتها باغتيال قادة من حزب الله عبر أجهزة اتصالات مفخخة، وانتهت بمقتل زعيم الحزب حسن نصر الله.
أزمة سياسية
قبل هذه الضربات المفصلية، تعرضت إيران لصدمة كبيرة أخرى في مايو (أيار)، عندما قُتل الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته في حادث تحطم مروحية غامض في شمال غرب البلاد.
وشكك الكثيرون في الرواية الرسمية التي عزت الحادث إلى سوء الأحوال الجوية، وهو ما لم يتم إثباته بشكل قاطع، مما أثار تكهنات حول وجود مؤامرة داخلية على مستوى عالٍ أو عملية إسرائيلية.
كان رئيسي يُعتبر على نطاق واسع غير فعال، إذ تسبب في تدهور اقتصادي سريع منذ توليه منصبه في 2021.
وفي يونيو (حزيران)، أجرت إيران انتخابات رئاسية، حيث استُبعد العديد من المرشحين الرئيسيين من خلال عملية تدقيق يديرها خامنئي. في النهاية، واجه مسعود بزشكيان، وهو سياسي بلا خبرة تنفيذية، المتشدد سعيد جليلي في جولة إعادة شهدت إقبالًا ضعيفًا، وانتهت بفوز بزشكيان.
وخلال حملته، أوضح بزشكيان أنه لا يملك خططًا خاصة، سوى تنفيذ توجيهات خامنئي.
وبينما كان بعض الإيرانيين يأملون في إصلاحات محدودة أو انفراجة دبلوماسية لتخفيف العقوبات الأميركية، فقد تبددت هذه الآمال عندما أعلن خامنئي رسميًا حظر المفاوضات في فبراير (شباط) الماضي، ما دفع بزشكيان إلى إعلان ولائه للقرار، مما خيب آمال حتى مؤيديه الإصلاحيين.
أزمة اقتصادية
بحلول منتصف 2024، ومع ضعف حزب الله وحماس، وازدياد ثقة إسرائيل في ضرب الأهداف العسكرية الإيرانية، تفاقمت أزمة إيران الاقتصادية. وفقد الريال الإيراني قيمته بسرعة، إذ انخفض من 55 ألف تومان مقابل الدولار في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى 90 ألف تومان في فبراير (شباط)، بل وصل إلى مائة ألف تومان بحلول 18 مارس (آذار) الجاري.
عكس هذا التدهور صورة حكومة غير قادرة على وقف الانهيار. كما أدى النقص الحاد في الطاقة إلى شل الأسر والصناعات خلال فصلي الخريف والشتاء، حيث كانت الحكومة تعلن بانتظام عن انقطاعات للكهرباء في جميع أنحاء البلاد بسبب أزمات التدفئة وانقطاع التيار الكهربائي.
واستمرت صادرات النفط الإيرانية إلى الصين عبر وسطاء وبأسعار مخفضة، لكن إدارة ترامب صعّدت العقوبات على ناقلات النفط والكيانات التجارية عقب حملة بايدن المتأخرة لخفض الصادرات الإيرانية.
ورغم استمرار بعض العائدات النفطية، إلا أنها لم تكن كافية لتغطية احتياجات الحكومة من العملة الأجنبية، خاصة في ظل التزامات طهران المالية تجاه الفصائل الإقليمية التابعة لها.
توقعات قاتمة
يقول العديد من المطلعين السياسيين في طهران الآن إن إدارة بزشكيان قد تكون غير قادرة على معالجة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. الفرصة الوحيدة للخروج من هذا الوضع تكمن في تخفيف العقوبات الأميركية، لكن خامنئي يرفض حتى الآن الرضوخ لضغوط ترامب لتقديم تنازلات.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت واشنطن تسعى فقط إلى اتفاق ملزم لمنع إيران من تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عسكرية، أم أنها تهدف أيضًا إلى الحد من برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية لطهران.
يبدو أن خامنئي يعتمد على سياسة كسب الوقت، على أمل أن تتغير الظروف لصالحه أو أن يتمكن من المماطلة حتى الانتخابات الأميركية المقبلة.
في الوقت نفسه، يواصل ترامب تشديد العقوبات وزيادة التهديدات العسكرية، سواء بشكل مباشر أو عبر إسرائيل.
التحدي الآخر يتمثل في خطر اندلاع اضطرابات شعبية بسبب ارتفاع الأسعار المتسارع وتزايد الشعور بعدم الاستقرار السياسي.
ورغم أن إيران أظهرت مرارًا استعدادها لاستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، فإن قدرتها على قمع الانتفاضات الجماهيرية ليست مضمونة.
وإذا وصلت أسعار السلع الأساسية إلى مستويات تضخمية غير مسبوقة، فقد تبدأ حتى الأجهزة الأمنية والكوادر الموالية للنظام، التي تعتمد على دخول ثابتة، في التردد والانشقاق.

قد يكون "شبح الحرب" الذي يلوح في الأفق على إيران بسبب إنذار الرئيس ترامب بإبرام اتفاق نووي أو مواجهة هجوم، "نعمة" في طياتها للنظام الحاكم في طهران لإدارة السخط الشعبي المتزايد ضده.
المسؤولون الإيرانيون رفضوا مرارًا التفاوض مع الولايات المتحدة تحت الشروط التي وضعها دونالد ترامب، مؤكدين على الموقف المتشدد للمرشد علي خامنئي.
وفي تعليقه على جدوى المفاوضات مع رئيس أميركي "ينقض الاتفاقيات"، رفض خامنئي بعفوية العواقب المترتبة على تجنب التعامل مع واشنطن.
وقال خامنئي في اليوم الذي أكدت فيه وزارة الخارجية الإيرانية أخيرًا استلامها رسالة شخصية للمرشد من ترامب: "الولايات المتحدة تهدد بالعسكرة. الحرب ليست ضربة من جانب واحد. إيران قادرة على الرد وستفعل ذلك بالتأكيد".
أصبحت الحرب، التي كانت تهديدًا بعيدًا في السابق، احتمالًا واضحًا الآن. ويجب أن يثير هذا القلق لدى السلطات في طهران، وربما يفعل ذلك. لكنه قد يخدمها كأداة لردع الخصوم وفرض السيطرة في الداخل.
الحرب كآلية للسيطرة
بالنظر إلى وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية، نجد أن الحديث عن الحرب حاضر في كل مكان. تهيمن الشخصيات العسكرية على الإعلام الحكومي، وتطغى اللغة الأمنية على الروايات الأخرى.
يبدو أن هذا التغيير في النغمة والمضمون- الذي يتم نقله بشكل رئيسي داخل إيران- ليس مجرد رد فعل على التهديدات الخارجية، بل استراتيجية مدروسة لتوحيد الشعب وإخضاعه، وإجبار المجتمع على الاصطفاف من خلال تضخيم مخاوف الصراع.
وهذا النهج مدفوع بعدم الأمان بقدر ما هو مدفوع بالنية.
يشار إلى أن بهزاد نبوي، وزير سابق وعضو برلماني مخضرم من المعسكر الإصلاحي، قال مؤخرًا إن أجواء الحرب يمكن أن تعزز التضامن الوطني، مما يشير إلى أن حتى المعتدلين الذين تم تجنبهم لفترة طويلة من دوائر السلطة يرون أن الخوف قوة موحدة.
وفي الوقت نفسه، كثف النظام القمع على الإنترنت، ووصف تدفق المعلومات الحرة بأنه "حرب معرفية".
وقد لخص هذا الشعور بشكل أفضل قائد الشرطة الوطنية الإيرانية أحمد رضا رادان مؤخرًا. وقال مستحضرًا ذكريات الحرب التي استمرت ثماني سنوات مع العراق في الثمانينيات: "في ذلك الوقت، كنا محاصرين في خندق كميل... اليوم، نحن محاصرون في خنادق افتراضية. إذا لم نكن مقاتلين الآن، سنتراجع بالتأكيد ونسمح للعدو بالسيطرة على الوطن".
الحرب كخطوة للبقاء
تواجه إيران تحديات متعددة ذات خطورة كبيرة؛ اقتصاد متدهور، انهيار بيئي، وعجز في الميزانية، وفساد متجذر. وقد تآكلت ثقة الجمهور، مع احتجاجات متفرقة تشير إلى السخط.
وبينما يخشى المسؤولون من "فتنة" أخرى- وهو مصطلح يستخدم لوصف الاحتجاجات السابقة وتبرير القمع الوحشي- يرون الآن أن "شبح الحرب" يمثل شريان حياة.
لدى النظام سجل حافل في قطع الإنترنت، والاعتقالات التعسفية، وقمع المعارضة بشكل عام. ويمكن توقع المزيد في حالة التهديدات الخارجية المتضخمة، مع إطلاق مصطلحات مثل "التخريب" و"التعاون مع العدو".
وهذه ليست مجرد فرصة، بل هي مقامرة عالية المخاطر.
لقد توحد الإيرانيون بالفعل خلال الحرب مع العراق، خاصة في السنوات الأولى. لكن ذلك كان قبل أربعين عامًا. وخامنئي ليس الخميني، المرشد الأول الذي كان يتمتع باتباع شبه عالمي عندما دعا إلى استبدال النظام الملكي في إيران بجمهورية إسلامية.
اليوم، النظام، كما يحب خامنئي أن يسميه، يكاد يكون مكروهًا عالميًا. وبينما يتمسك بالسلطة من خلال إبقاء القوات الموالية في حالة استعداد وإسكات منتقديه، يواجه ملايين الإيرانيين العاديين معركة مستمرة من أجل البقاء.
قد ينجح تعزيز مخاوف الحرب وعقلية الحصار في كبح الاضطرابات لصالح المرشد. أو قد يتصاعد الوضع بشكل كارثي ويوفر على ترامب خوض حرب لا يرغب فيها بوضوح.
الحرب كرافعة للدفاع والردع
تصور إيران الصراع على أنه ضرورة دفاعية ووسيلة لترهيب الأعداء. وغالبًا ما تتحمل إسرائيل والدول الخليجية وطأة هذا الخطاب.
وحذر قائد كبير في الحرس الثوري مؤخرًا من أن هجومًا على المنشآت النووية الإيرانية سيؤدي إلى "إشعال نار في المنطقة لا يمكن احتواؤها".
وأوضح مسؤول كبير آخر في الحرس الثوري الأمر أكثر: "الوعد الصادق 3 سيحدث في اللحظة المناسبة، مما سيدمر إسرائيل ويدمر تل أبيب وحيفا".
هذه التهديدات مدعومة بالعمل. وفقًا لصحيفة "فاينانشال تايمز"، حيث تضاعفت تقريبًا التدريبات العسكرية الإيرانية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2024، مع تركيز التدريبات بالقرب من منشأة نطنز النووية ومضيق هرمز.
قد لا يكون هذا التصرف فعالاً في ردع الولايات المتحدة أو إسرائيل، لكنه يساعد في تشكيل التصورات الداخلية وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

حذر أحد أبرز المحللين المتشددين في إيران من أن التفاوض مع الولايات المتحدة سيزيد من احتمال تعرض إيران لهجوم، مشيرًا إلى أن قبول شروط واشنطن سيجعل البلاد أكثر ضعفًا.
فؤاد إيزدي، المتشدد الحاصل على تعليم أميركي والذي يُستشهد به غالبًا في وسائل الإعلام الإيرانية كخبير في السياسة الأميركية، صرّح لموقع "نامه نيوز" المحافظ أن واشنطن امتنعت عن مهاجمة إيران، لأنها ترى أن مثل هذه الخطوة ستكون مكلفة للغاية.
وقال إيزدي: "أولئك الذين لا يريدون أن تتعرض بلادهم لهجوم من قبل الولايات المتحدة يجب ألا يكرروا تصريحات ترامب"، مدعيًا أيضًا أن واشنطن تضغط على جيران إيران لقطع العلاقات الاقتصادية، بما في ذلك دفع العراق إلى وقف استيراد الكهرباء والغاز الطبيعي الإيراني.
أدلى إيزدي بهذه التصريحات قبل أن يصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرًا لطهران في 17 مارس (آذار)، محملًا إياها مسؤولية أي هجوم ينفذه الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران.
يشار إلى أن المتشددين في دوائر الحكم الإيرانية يدافعون بشدة عن رفض المرشد علي خامنئي التفاوض مع الولايات المتحدة، رغم التحذيرات الواضحة من إدارة ترامب.
وأوضح إيزدي أن "الولايات المتحدة تسعى إلى الحد من وصول إيران إلى الأسلحة التقليدية، وبالتالي فإن التفاوض مع واشنطن من المرجح أن يزيد من احتمال شن هجوم أميركي على إيران الضعيفة".
وجهة نظر مغايرة من معسكر روحاني
في المقابل، يطرح سياسي بارز مقرب من الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، الذي يدعم المفاوضات، وجهة نظر مختلفة، حيث قال: "الولايات المتحدة تسعى بجدية إلى إيجاد حل لنزاعها مع إيران بشأن برنامج طهران النووي".
وفي مقابلة مع موقع "خبر أونلاین" صرح المحافظ المعتدل، محمود واعظي، كبير مساعدي روحاني ونائب زعيم حزب "الاعتدال والتنمية"، بأن واشنطن تسعى بصدق إلى تخفيف التوترات مع إيران وتأمل في حل النزاع النووي المستمر.
وأضاف واعظي: "رفع العقوبات الأميركية عبر المفاوضات مع واشنطن سيحقق انفراجة اقتصادية في إيران". مشيرًا إلى خطط العام الإيراني الجديد (يبدأ في 20 مارس /آذار)، وأن إيران يجب أن تتخذ قرارات صعبة لمعالجة أزمتها الاقتصادية المتفاقمة، والتي أثرت بشدة على معيشة المواطنين.
وأكد أيضًا على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتهدئة التوترات مع الولايات المتحدة ودول أخرى، معتبرًا ذلك خطوة ضرورية ضمن الإصلاحات الأوسع المطلوبة لتحقيق الاستقرار في الأوضاع المعيشية بإيران.
كما دعا واعظي المسؤولين الإيرانيين إلى العمل على إزالة العوائق أمام التجارة الدولية، وتقليل تدخل الحكومة في الشؤون الاقتصادية، وتعزيز القطاع الخاص. وأكد على أهمية خلق بيئة تنافسية عادلة لتشجيع مشاركة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد.
وكغيره من السياسيين في المعسكر الإصلاحي، بما في ذلك روحاني، شدد واعظي على أن خامنئي لم يستبعد تمامًا فكرة التفاوض مع الولايات المتحدة. كما حاول تسليط الضوء على التناقضات في تصريحات وأفعال ترامب.
دعوة إلى دور دبلوماسي أكثر فاعلية
وفي تطور آخر، اقترح الأكاديمي الإيراني وخبير القانون الدولي مهدي زكريان، في مقابلة مع صحيفة "شرق" الإصلاحية، أن يتولى وزير الخارجية عباس عراقجي دورًا أكثر نشاطًا في كسر الجمود الدبلوماسي الإيراني.
وأشار إلى أن الأزمة الحالية في السياسة الخارجية لا تبرر الجمود، قائلًا: "فن الدبلوماسية يكمن في تقديم حلول للأزمات. الدخول في وضع مثالي والتوقيع على اتفاقية مكتوبة مسبقًا سيكون أمرًا سهلًا لأي شخص".
وأعرب زكريان عن أسفه قائلًا: "لقد أضاعت إيران العديد من الفرص لحل نزاعاتها مع الدول الأخرى والمساهمة في حل النزاعات الإقليمية".
وضرب أمثلة على ذلك بقوله: "كان بإمكان إيران اتخاذ قرارات بناءة خلال الحروب التي شهدها قطاع غزة ولبنان العام الماضي".