وقالت هذه المصادر لـ"رويترز" إن النظام الإيراني، في ظل جمود المفاوضات وتصادم الخطوط الحمراء للطرفين، قد يتجه نحو الصين وروسيا كـ"خطة بديلة"، لكن نظراً للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والنزاع العسكري الروسي في أوكرانيا، فإن هذا المسار البديل أيضاً هش وغير مضمون.
وقال مسؤول رفيع في النظام الإيراني بهذا الخصوص: "الخطة البديلة هي استمرار نفس الاستراتيجية التي اتُبعت قبل بدء المفاوضات. طهران تتجنب التصعيد ومستعدة للدفاع عن نفسها. هذه الاستراتيجية تشمل أيضاً تعزيز العلاقات مع حلفاء مثل روسيا والصين".
ووصف المرشد الإيراني، علي خامنئي، يوم الثلاثاء 20 مايو (أيار)، مطالب الولايات المتحدة بوقف تخصيب اليورانيوم بأنها "هراء وتجاوز للحدود"، محذّراً من أن احتمال نجاح المفاوضات ضئيل.
وقال مسؤولان في إيران ودبلوماسي أوروبي إن طهران لا تُبدي استعداداً لإرسال كامل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج، ولا للدخول في مفاوضات حول برنامجها للصواريخ الباليستية.
وذكرت "رويترز" في تقريرها أن انعدام الثقة المتبادل وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من اتفاق 2015 مع القوى العالمية زاد من حاجة إيران للحصول على ضمانات تلتزم واشنطن بموجبها بأي اتفاق مستقبلي محتمل.
في الوقت ذاته، تواجه إيران أزمات متصاعدة تشمل نقص الطاقة والمياه، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وخسائر عسكرية في صفوف حلفائها الإقليميين، وتزايد المخاوف من هجوم إسرائيلي محتمل على منشآتها النووية. ووفقاً لـ"رويترز"، فقد تفاقمت كل هذه المشكلات بفعل السياسات الصارمة لإدارة ترامب.
وبحسب المصادر المطلعة، فإن عودة ترامب السريعة منذ فبراير (شباط) الماضي إلى سياسة "الضغط الأقصى"، بما في ذلك تشديد العقوبات والتهديدات العسكرية، جعلت القيادة الإيرانية "بلا خيار أفضل" من التوصل إلى اتفاق جديد لتفادي انهيار اقتصادي قد يهدد بقاء النظام.
وأوضحت الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران في السنوات الأخيرة ضد الضغوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي قوبلت بقمع شديد، مدى هشاشة النظام الإيراني أمام الغضب الشعبي، وأدت إلى فرض عقوبات جديدة على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الغرب.
وقال أحد المسؤولين الإيرانيين لـ"رويترز": "من دون رفع العقوبات عن بيع النفط والوصول إلى الموارد المالية، فإن الاقتصاد الإيراني لا يمكن أن يتعافى".
ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب "رويترز" للتعليق.
طريق مليء بالعقبات
قالت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأميركي السابقة، التي ترأست الفريق الأميركي في مفاوضات اتفاق 2015، لـ"رويترز": "إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي ووقف التخصيب، رغم كونه هدفاً مثالياً، أمر مستحيل".
وأضافت: "لهذا السبب تصل المفاوضات إلى طريق مسدود، ونواجه خطر اندلاع حرب، وهو خطر، لأكون صادقة، لا يرغب فيه ترامب أيضاً لأنه يقدّم نفسه كرئيس للسلام".
ووفقاً لـ"رويترز"، حتى لو تم تضييق هوة الخلافات بشأن التخصيب، فإن مسألة رفع العقوبات ستظل تحدياً كبيراً. فالولايات المتحدة تطالب برفع تدريجي للعقوبات المرتبطة بالملف النووي، بينما تصر طهران على الرفع الفوري والشامل لجميع القيود.
ومنذ عام 2018، استهدفت العقوبات الأميركية عشرات الكيانات الاقتصادية الإيرانية الرئيسية، بما في ذلك البنك المركزي وشركة النفط الوطنية، بتهم "دعم الإرهاب أو نشر الأسلحة".
وردّت ويندي شيرمان، رداً على سؤال حول الخيارات المتاحة أمام طهران في حال فشل المفاوضات، قائلة: "من المحتمل أن تواصل إيران التحايل على العقوبات وبيع النفط، خاصة إلى الصين وربما إلى الهند وبعض الدول الأخرى".
وقد ساهمت الصين، كمشترٍ رئيسي للنفط الإيراني رغم العقوبات، في الحد من الانهيار الاقتصادي، لكن الضغوط الكبيرة من إدارة ترامب على الشركات وناقلات النفط الصينية تهدد هذه الصادرات.
ويحذّر المحللون من أن دعم الصين وروسيا له حدوده. فالصين تطالب بتخفيضات كبيرة على أسعار النفط الإيراني، ومع انخفاض الطلب العالمي على النفط، قد تضغط أكثر لتقليل الأسعار.
وفي حال فشل المفاوضات، وهو سيناريو تسعى كل من طهران وواشنطن لتجنبه بحسب "رويترز"، فلن تتمكن لا الصين ولا روسيا من حماية إيران من العقوبات الأحادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقد حذّرت فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا- رغم عدم مشاركتها المباشرة في المفاوضات بين إيران وأميركا- من أنها ستعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة عبر تفعيل "آلية الزناد" في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
وبموجب قرار مجلس الأمن المتعلق بالاتفاق النووي لعام 2015، أمام هذه الدول الثلاث مهلة حتى 18 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل لتفعيل آلية الزناد.
وبحسب دبلوماسيين ووثيقة اطلعت عليها "رويترز"، قد تبادر هذه الدول لتفعيل الآلية حتى قبل هذا الموعد، ربما في شهر أغسطس (آب)، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ملموس بحلول ذلك الحين.
وقال أحد كبار المسؤولين الأوروبيين: "التوصل إلى اتفاق قبل ذلك التاريخ، حتى في أفضل السيناريوهات، لن يؤدي إلا إلى إطار سياسي مؤقت شبيه باتفاق عام 2013، حيث يقدم الطرفان تنازلات فورية ومحدودة لإتاحة الوقت لمفاوضات أوسع".
وأضاف: "لا يوجد ما يشير إلى أن هذه العملية قد تستغرق أقل من 18 شهراً، خاصة أن المعطيات والظروف الجيوسياسية اليوم أكثر تعقيداً بكثير من تلك الفترة".