"السيدة الأولى".. ثقافة غائبة في إيران وخلاف حول صاحبة الحق باللقب

جاء اصطحاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لابنته فاطمة في قمة شنغهاي، حيث توفيت زوجته منذ عقود، ليطرح من جديد دور "السيدة الأولى" في المحافل الرسمية والاجتماعية في إيران.

جاء اصطحاب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لابنته فاطمة في قمة شنغهاي، حيث توفيت زوجته منذ عقود، ليطرح من جديد دور "السيدة الأولى" في المحافل الرسمية والاجتماعية في إيران.
وعانت ثقافة ظهور "السيدة الأولى" في المناسبات الرسمية والاجتماعية من الضمور في إيران منذ وصول النظام الإيراني للحكم في عام 1979، رغم بعض النشاطات التي قامت بها زوجات رؤساء إيرانيين على استحياء وسط انتقادات من التيارات الأصولية.
وبرزت فاطمة بزشكيان، الحاصلة على الدكتوراة في الكيمياء، أثناء حملة أبيها الانتخابية ورافقته في جولاته، فيما أفادت وكالة "مهر" في 15 يوليو (تموز) الماضي بقيام ابنة الرئيس، دون تسميتها، بزيارة منزل قائد القوة الجوفضائية أمير علي حاجي زادة لتقديم واجب العزاء لعائلته، وذلك بعد قتله في الغارات الإسرائيلية أثناء حرب الـ12 يوما.
عفت مرعشي زوجة هاشمي رفسنجاني لم يكن لها ظهور كبير على الساحة السياسية وقت رئاسته، خاصة بعد تعرضها لانتقادات حادة من قبل المتشددين عندما رافقت رفسنجاني في زيارة رسمية الى إندونيسيا.
فيما ظهرت زهرة صادقي بجوار زوجها الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في بعض المناسبات، ورافقته في بعض زياراته الخارجية، مثل سفره الى السعودية، مع مشاركتها في عدة أعمال خيرية.
كما ظهرت "زهرا رهنورد" زوجة مير حسين موسوى، المرشح الخاسر في انتخابات الرئاسة 2009، بجانب زوجها في الدعاية الانتخابية.
وساعد على ذك دور أعظم فراحي، زوجة أحمدي نجاد والتي ظهر دورها بقوة خلال فترتي الرئاسة لزوجها (2005-2013) وكانت من أنشط زوجات الرؤساء الإيرانيين.
وكان نجاد يصحبها معه في سفرياته الخارجية، وكان لها دور في الحياة الاجتماعية. ومن أحد أنشطتها أنها كتبت رسالة لسوزان مبارك، زوجة حسني مبارك رئيس مصر الأسبق، وطلبت منها أن تسعى لمساعدة الشعب الفلسطيني. كما انضمت لجمع السيدات صاحبات القرار في المجلس الثقافي – الاجتماعي للسيدات لفترة من الزمن.
ومع قدوم حسن روحاني للرئاسة (1013- 2021) انحسر دور "الزوجة الأولى، ولم تنخرط زوجته "صاحبه عربي" في نشاط اجتماعي أو سياسي بشكل كبير، وحضرت بعض الأنشطة الرسمية.
فيما شاركت جميلة علم الهدى زوجة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي (2021-2024) في نشاطات ولقاءات بنظرائها، وخلال زيارة زوجها لإندونيسيا، زارت جامعة بارامادينا في جاكرتا والتقت بنائبة رئيس الجامعة، وخلال زيارة زوجها إلى نيكاراغوا تم تكريمها من قبل عميدة جامعة نيكاراغوا الوطنية، ومنحها لقب الزائرة الفخرية.
وتسبب لقب "السيدة الأولى" لعلم الهدى في إثارة جدل حاد في إيران، فأثناء تكريمها في أحد المهرجانات في سبتمبر (أيلول) 2023 وصفت بأنها "السيدة الأولى"، فردت بأنه في هيكل النظام الإيراني فإن السيدة الأولى هي زوجة المرشد (علي خامنئي).
وقال مهدي فضائلي، المسؤول الإعلامي في مكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، على منصة "إكس": "لم تكن النساء العظيمات اللاتي لعبن دوراً إلى جانب الرجال العظماء قليلات، لكن من الخطأ أن ينسخ رجال الدولة النموذج غير المناسب لتكريمهن".
كما علقت وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري: "من الخطأ أن نتصور أن تولي شخص منصب الرئاسة سيعطي زوجته مكانة خاصة من حيث بنية الدستور".
صحيفة "فرهيختكان" قالت أيضا إنه إذا كان هدف ممارسات زوجة الرئيس تغطية ضعف الحكام في مجال المرأة، فمن الأفضل أن تستخدم موقعها ونفوذها لحل القضايا الأساسية في مجال المرأة، وأن معنى (السيدة الأولى) لا علاقة له بالتقاليد السياسية الإيرانية.
وأشارت إلى الحظر الصريح الذي يفرضه المرشد الإيراني على حضور ودور أسر المسؤولين. مؤكدة عدم نشر أي صورة أو اسم زوجة خامنئي في وسائل الإعلام الإيرانية.
وفي يناير (كانون الثاني) 2023، استضافت إيران "المؤتمر الدولي الأول للنساء المؤثرات".
وسلطت وسائل إعلام إيرانية الضوء حينها على استخدام وصف "السيدة الأولى" في خطابات ضيفات أجنبيات حضرن المؤتمر بدعوة من السلطات، لتسمية زوجة الرئيس الإيراني.
وقال وزير الخارجية وقتها، حسين أمير عبد اللهيان في كلمته أمام المؤتمر، إنه جاء بمبادرة خاصة من زوجة الرئيس الإيراني.
وأضاف: "في هذا المؤتمر، سُميت زوجة الرئيس بـ(السيدة الأولى)، لكنها ذكرتنا بأن هناك سيدة أولى في البلاد، وهي حاضرة إلى جانب المرشد"، حسبما أشارت صحيفة "الشرق الأوسط".

في بيانهما المشترك اليوم الأربعاء 3 سبتمبر (أيلول)، قالت منظمة العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، إن السلطات الإيرانية تشنّ حملة قمع مروعة بذريعة حماية الأمن القومي في أعقاب الحرب مع إسرائيل.
وأكد البيان أنه منذ 13 يونيو (حزيران)، اعتقلت السلطات أكثر من 20,000 شخص، من بينهم معارضون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، وصحافيون، ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، وأسر ضحايا قتلوا بشكل غير مشروع خلال احتجاجات على مستوى البلاد، إضافة إلى مواطنين أجانب. كما ضمت قائمة المستهدَفين أفغانيين، وأفراد من الأقليتين العرقيتين البلوشية والكردية وأفراد من الأقليات الدينية البهائية والمسيحية واليهودية.
وشدد على أن الأزمة المتفاقمة تُبرز الحاجة الملحة كي يتبنى المجتمع الدولي إجراءات ملموسة لتحقيق المساءلة الجنائية.
تجاهل الانتقادات
لكن الدعوة لمساءلة النظام جنائيا يبدو أنها لا تلقى صدى لدى طهران، حيث دأب النظام على تجاهل هذه الانتقادات، سواء الصادرة من هيئات دولية أو مستقلة أو محلية ووصفها دائما بأنها "مسيسة"، وتخدم أجندات غربية، بل إنه زاد من عمليات قمعه ورفع معدلات الإعدام بشكل غير مسبوق خلال الشهور الأخيرة.
التحذيرات الدولية من تدهور أوضاع حقوق الإنسان في إيران أكثر من أن يتم حصرها، سواء ما يحدث في السجون أو المعارضين أو للنساء أو الأقليات.
سارة حشاش، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية قالت: "بينما يكافح الناس للتعافي من الآثار المدمرة للنزاع المسلح بين إيران وإسرائيل، تشنّ السلطات موجة قمع مروّعة. فتواصل السلطات تشغيل آلة القمع الداخلية بلا هوادة، وتكثف الرقابة المتفشية والقمعية القائمة أصلًا، وتصعّد عمليات الاعتقال الجماعية وحملات التحريض على ممارسات التمييز والعداء والعنف ضد الأقليات".
المتحدث باسم السلطة القضائية أصغر جهانكير" قال في مؤتمره الصحفي اليوم الأربعاء 3 سبتمبر (أيلول)، إن عالم اليوم مليء بالظلم والذين يتشدقون بحقوق الإنسان وخدمة الإنسانية هم في الحقيقة صانعو الظلم والاستبداد في العصر الراهن، وكل خططهم هي الاستيلاء على أرواح وممتلكات جميع المظلومين في العالم.
نظرة المتحدث باسم السلطة لقضائية لدعوات حقوق الإنسان بأنها تخدم "صانعي الظلم والاستبداد"، تعكس رؤية السلطة بأن إجراءات القمع التي تقوم بها إنما تهدف حماية الأمن القومي، وهو ما أشار إليه بيان العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بإعلان السلطة القضائية تشكيل محاكم خاصة لمقاضاة "الخونة والمرتزقة"، وموافقة البرلمان على تعجيل إقرار قانون طارئ ينتظر المصادقة النهائية من مجلس صيانة الدستور، من شأنه أن يوسع استخدام عقوبة الإعدام لتشمل تهُم المساس بالأمن القومي المبهمة مثل تهمتي "التعاون مع حكومات معادية" و"التجسس".
وأشار البيان إلى دعوة مسؤولين كبار إلى محاكمات وإعدامات عاجلة بحق "الداعمين" و"المتعاونين" مع دول معادية. فيما روجت وسائل إعلام مرتبطة بالدولة لتكرار مجازر السجون التي وقعت في 1988، ومنها مقالة وردت في وكالة أنباء "فارس"، جاء فيها: "إن العناصر المرتزقة…تستحق الإعدام على طريقة 1988".
تزايد الإعدامات
وقال تقرير منظمة العفو الدولية السنوي، في أبريل (نيسان) الماضي)، إن إيران استحوذت على أكثر من 64 في المائة من إجمالي حالات الإعدام المسجلة في العالم خلال العام الماضي، ونفذت ما لا يقل عن 972 عملية إعدام في عام 2024. وحذرت المنظمة من أن طهران تستخدم الإعدام كأداة لقمع المعارضين والأقليات.
وسبق وأن صدرت عشرات البيانات من مختلف المؤسسات الحقوقية التي تطالب النظام بوقف "انتهاكاته المروعة" لحقوق الإنسان، لكن خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في يناير (كانون الثاني9 الماضي، ردّت بعثة إيران برئاسة كاظم غريب آبادي، مساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية والقانونية، على الانتقادات الموجهة لوضع حقوق الإنسان في البلاد، مؤكدة أن "تقدماً كبيراً" قد أُحرز في تحسين حياة الإيرانيين.
ووصف غريب آبادي جميع الانتقادات الموجهة لإيران بشأن حقوق الإنسان بأنها "ذات دوافع سياسية".
وفي المقابل، في عام 2024، أعلنت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة أنها جمعت أدلة تشير إلى ارتكاب طهران جرائم تشمل القتل، التعذيب، والاغتصاب، متهمة إيران بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وكان من اللافت أن واشنطن امتنعت ، للمرة الأولى، عن إدانة سجل النظام الإيراني في مجال حقوق الإنسان في هذه الدورة. وهو ما فسره مراقبون بأن الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بعد وصولها للبيت الأبيض ربما كانت تسعى لإرسال رسالة طمأنه للنظام الإيراني.
فيما أكد الاتحاد الأوروبي، في بيان له في يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه سيواصل إدانة النظام الإيراني بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان، وقال إنه سيطالب المسؤولين في الحكومة الإيرانية باحترام حقوق الإنسان لجميع المواطنين، وخاصة النساء والفتيات والأقليات الدينية والعرقية.
وبسبب الانتهاك الواسع لحقوق الإنسان في إيران، طلب الاتحاد الأوروبي من مسؤولي النظام الإيراني التعاون الكامل مع الآليات الحقوقية للأمم المتحدة، وخاصة مع اللجنة المستقلة للتحقيق والمقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن إيران.
كما طالبت المفوضية الأوروبية بالإفراج عن جميع الأشخاص، بما في ذلك المواطنين الأجانب ومزدوجي الجنسية، الذين اعتقلتهم السلطات الإيرانية بشكل تعسفي.
وطالب مقررو الأمم المتحدة مراراً السلطات الإيرانية بالالتزام بتعهداتها الدولية، فيما قال مركز حقوق الإنسان في إيران، في بيانه الصادر يوم الأربعاء 3 سبتمبر (أيلول)، إن نظام طهران جعل من إيران واحدة من "أخطر الدول لعمل الصحفيين المستقلين".
وأشار إلى الضغوط الممارسة على وسائل الإعلام، خاصة بعد الحرب التي استمرت 12 يومًا، موضحًا أن الصحفيين الذين يبتعدون عن الخط الرسمي للنظام يواجهون التهديدات، والتنصت، وإغلاق المكاتب، والاعتقالات التعسفية، والملاحقات القضائية.
غير أن المسار الحالي للنظام يكشف إصراره على نهج القمع تحت ذريعة الحفاظ على الأمن القومي بوصفه وسيلة للحفاظ على سلطته، متجاهلا الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية.

عُرض الفيلم الجديد للمخرج علي عسكري، "الكوميديا الإلهية"، ضمن القسم التنافسي "آفاق" في الدورة الثانية والثمانين لمهرجان البندقية السينمائي، وهو فيلم يقدم صورة صريحة عن واقع مخرج مستقل داخل إيران، يشاركها مع الجمهور.
يشار إلى أن علي عسكري مخرج شاب تألق فيلمه السابق "آيات أرضية" (بالتعاون مع مخرج آخر) في مهرجان كان، والآن يبدو فيلمه الجديد استمرارًا لذلك العمل بنفس الأجواء، ولكنه ربما أكثر شخصية. فأعماله، رغم عرضها في مهرجانات عالمية كبرى وتوزيعها تجاريًا في دول مثل فرنسا، لم تُتح لها فرصة العرض في إيران.
ويروي فيلمه الجديد قصة مخرج شاب عُرض فيلمه الجديد عالميًا، وهو يسعى بكل السبل لمشاركته مع الجمهور الإيراني.
ويبدو أن جزءًا من أحداث الفيلم - من التفاوض مع موظف وزارة الإرشاد إلى لقاءات مع قوات الأمن وطلباتهم للتعاون - يعكس ما يواجهه المخرج في حياته اليومية كمخرج مستقل في إيران.
يدور الفيلم حول تناقض أساسي: فيلم تم إنتاجه وعُرض عالميًا، لكن نظرة المسؤولين الضيقة تمنع عرضه داخل البلاد. الحوار الطويل بين المخرج وموظف وزارة الإرشاد في بداية الفيلم - المصور بكاميرا ثابتة من منظور موظف الإرشاد الذي لا نراه بل نسمع صوته فقط، على غرار الفيلم السابق - يتيح عرض جميع المشكلات، التي تبدو أحيانًا مضحكة، التي يواجهها المخرج أمام الجمهور.
يبدو أن المخرج، المنهك من كل شيء، يسخر من هذه المشكلات والقيود، ولا يجد سوى لغة السخرية لروايتها. لذا، فإن الفيلم، رغم واقعيته المبالغ فيها وسعيه للواقعية في كل الجوانب، هو كوميديا سوداء تحمل نظرة عبثية إلى العالم المحيط؛ حيث تمشي الفتيات بمظهر أكثر حرية في الشوارع لكنهن ممنوعات من دخول المؤسسات الحكومية، أو مخرج يصنع فيلمه داخل إيران بكل الطرق لكنه لا يُسمح له بأن يُعرض في بلده، وأغرب من ذلك مشهد شراء الكوكايين: حيث يرسل البائع المادة إلى المشتري عبر طائرة مسيرة.
كانت أفلام عسكري الأولى تنظر نظرة اجتماعية مباشرة إلى القيود، كما في "حتى الغد"، الذي صور بوضوح تناقض حياة فتاة شابة في بيئة اجتماعية مغلقة في إيران. أما "آيات أرضية" فقد قدم في 9 أجزاء مشكلات اجتماعية لطبقات مختلفة، والآن تصل "الكوميديا الإلهية" إلى هجاء كامل لمشكلات السينما المستقلة في إيران، تسعى للسخرية من كل شيء.
لكن وقوف المخرج على مسافة من موضوعه يُسبب مشكلات للفيلم. "الكوميديا الإلهية" ليست فيلمًا دافئًا، ولا يتحقق التواصل مع الجمهور بسهولة. أسلوب عسكري في أفلامه، الذي يتضمن نوعًا من التباعد، يحول أحيانًا دون فهم الشخصيات أو التعاطف معها. على الرغم من أن المخرج داخل الفيلم - وهو مخرج حقيقي، بهرام أرك - كان يمكن أن يبدو شخصية ملموسة، إلا أن أسلوب السرد يخلق مسافة بينه وبين الجمهور، مما يُتعب المشاهد أحيانًا في منتصف الفيلم، خاصة في مشاهد طويلة مثل لقاء الممثل المالك للسينما، التي كان يمكن أن تكون أقصر.
لقاء موظف الأمن مع المخرج في مقهى واقتراحه تصوير فيلم حسب الطلب يذكّر بلقاء سعيد إمامي مع مخرجين إيرانيين معروفين في فندق استقلال، وهو الآن جزء من تاريخ السينما الإيرانية المحظور.
تجدر الإشارة إلى أن السينما الرسمية، التي يرتبط الآن جزء كبير منها بميزانيات مراكز أمنية متنوعة، يُشار إليها صراحة لأول مرة في تاريخ السينما الإيرانية عبر "الكوميديا الإلهية"، التي تروي، بوعي أو دون وعي، مشهدًا يطلب فيه قاتل المثقفين (سعيد إمامي) من المخرجين صناعة أفلام للنظام.
وينتهي الفيلم بشكل هجائي مع ذات الموظف الأمني، حيث يبدو أن الأحداث القادمة ستغير كل شيء.

تزايدت التحذيرات الأوروبية من سياسيات النظام الإيراني الهادفة إلى إثار القلاقل والأزمات داخل أوروبا، والتي تتخذ مسارات تهديد متعدة سياسيا وأمنيا وعسكريا.
مصدر أمني رفيع مرتبط بهياكل الأمن في الاتحاد الأوروبي حذر من أن نظام طهران أصبح "يقوم بدور متزايد وخطير" في "التهديدات الوجودية لأمن أوروبا".
وأفاد هذا المصدر الأمني المطلع، الذي لم يُكشف عن هويته، لمجلة "أويل برايس" المتخصصة في أخبار صناعة النفط والطاقة، بأن تصرفات النظام الإيراني "تم تأكيدها بوضوح في تقارير استخباراتية خلال الأشهر الماضية، خاصةً بالتنسيق مع روسيا وكذلك الصين وكوريا الشمالية، ولا يمكن لأوروبا السماح باستمرارها".
وتخشى أوروبا من تزايد خطورة البرنامج الصاروخي الباليستي لطهران، وقدرته على الوصول لأغلب المدن الأوروبية، حيث أفادت "أويل برايس" بأن معلومات حديثة من إيران أكدت نجاح اختبار صواريخ الوقود الصلب الجديدة بمدى 4200 كيلومتر وقدرة على حمل رأس نووي بوزن 700 كغم.
ويمكن زيادة المدى إلى 4700 كيلومتر إذا خُفف وزن الرأس إلى 450 كغم، ما يعني أن إيران ستكون قادرة عمليًا على استهداف معظم المدن الكبرى في أوروبا.
وأشارت المجلة إلى أن هذا السبب دفع الدول الأوروبية الثلاث لوضع شرط جديد لأي حوار حول الاتفاق النووي: وهو تحديد مدى صواريخ إيران بألف كيلومتر، وهو ما رفضته طهران صراحةً.
هذا القلق زاد بعد إعلان الترويكا الأوروبية تفعيل "آلية الزناد"، فيما سيبق وحذر موقع "نور نيوز" القريب من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني من أن تفعيل "آلية الزناد" يمكن أن يُعدّ سيفًا ذا حدين، قد يضر بأمن أوروبا أكثر مما يضر بإيران.
تهديدات إرهابية
المخاوف الأوروبية لا تقتصر على البرنامج الصاروخي لكن الكشف عن التهديدات الإرهابية للنظام الإيراني في عدة دول أوروبية دفعتها لإطلاق تحذيرات واسعة واتخاذ إجراءات للحد منها.
ففي يوليو (تموز) الماضي قالت لجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني إن إيران تُعد من "أشدّ وأخطر التهديدات الحكومية" للأمن القومي البريطاني، وأنها في مستوى التهديد الذي تمثله روسيا والصين.
وحذر من زيادة ملحوظة في رغبة طهران بتنفيذ "اغتيالات، تجسس وهجمات سيبرانية" داخل بريطانيا، وطالب الحكومة بـ"إعادة تقييم شاملة" لاستراتيجيتها تجاه طهران.
وأشار التقرير إلى أن النظام الإيراني أطلق في السنوات الأخيرة حملة شاملة لترهيب وتهديد شبكة "إيران إنترناشيونال" الإعلامية، وذلك عبر الضغط على عائلات الصحفيين داخل إيران، وتهديدهم بشكل مباشر، بهدف إيقاف نشاط الشبكة.
وبين يناير (كانون الثاني) 2022 و10 يوليو (تموز) 2025، تم كشف ما لا يقل عن 15 محاولة لاغتيال أو اختطاف داخل بريطانيا استهدفت معارضين أو منتقدين للنظام وعناصر يهودية/إسرائيلية، وقد أحبطت أجهزة الأمن هذه المؤامرات.
كما سلط التقرير الضوء على وجود شبكات مؤيدة لإيران داخل أوروبا، بما فيها إيطاليا، تعمل على ترويج وجهة نظر طهران، واستُخدم فيها مرتزقة وعناصر إجرامية لتنفيذ عمليات مدفوعة الأجر وحملات تضليل.
شبكات التجسس وتنديد غربي
وفي إيطاليا، كشفت تحقيقات في يوليو (تموز) عن شبكة تجسس إيرانية تدار من السفارة في روما تستهدف معارضين إيرانيين، عبر المراقبة والتهديد، تشمل تمويلًا من السلطات الإيرانية.
كما تم إحباط مخطط في ألمانيا لاستهداف أفراد يهود ومؤسسات في برلين، بالتعاون مع عملاء تابعين للحرس الثوري الإيراني.
وكشفت السلطات الأوروبية في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا عن تفكيك شبكة تهريب تابعة لحزب الله، تعمل في مختلف أنحاء أوروبا في أبريل (نيسان) الماضي، حيث اعترضت كميات كبيرة من مكونات الطائرات بدون طيار. شملت أنظمة توجيه إلكترونية ومحركات ومراوح ومركبات كيميائية لتجميع الطائرات المسيرة.
وألقت السلطات الإسبانية القبض على مشتبه به في برشلونة، واتهمته بالحصول على ومحاولة شحن مواد يمكن استخدامها كسلاح.
كما اعتُقل رجل بريطاني-أذربيجاني مزدوج الجنسية في قبرص بتهمة تصوير قواعد عسكرية بريطانية وأميركية في 21 يونيو (حزيران) الماضي.
ويُعتقد أن المشتبه بهما على صلة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، بهدف جمع معلومات استخباراتية تستهدف قواعد عسكرية تابعة لحلف الناتو ومعلومات عن تحركات السفن عبر استخدام معدات تصوير احترافية وعدة هواتف، وكان المشتبه به يراقب قاعدة "أندرياس باباندريو" الجوية في منطقة "بافوس” الغربية منذ أبريل (نيسان) 2025.
ونددت ألمانيا و13 دولة حليفة يوم 31 يوليو (تموز) الماضي، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بما وصفته بتصاعد مؤامرات الاغتيال والخطف والإيذاء التي تحاك من أجهزة المخابرات الإيرانية ضد أفراد في أوروبا وأمريكا الشمالية.
وقالت الدول في بيان مشترك: "نحن موحدون في معارضتنا محاولات أجهزة الاستخبارات الإيرانية الهادفة إلى قتل وخطف وترهيب أشخاص في أوروبا وأمريكا الشمالية، في انتهاك صارخ لسيادتنا".
عدد المؤامرات
وقال المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أنه من بين (218) مؤامرة إيرانية منذ عام 1979 حتى 24 أكتوبر 2024، وقعت (102) مؤامرة تقريبًا في أوروبا، حيث وقع أكثر من نصف هذه المؤامرات (54 حالة تقريبًا) بين عامي 2021 و2024. وقد ركزت هذه العمليات على استهداف المعارضين الإيرانيين (34 حالة)، والمواطنين والدبلوماسيين الإسرائيليين (10 حالات)، واليهود (7 حالات). ومن بين هذه المؤامرات الـ(54)، تضمنت (16) مؤامرة استخدام مجرمين لتنفيذ الهجمات.
وأوضح أن الاستخبارات الإيرانية استغلت أنظمة اللجوء الغربية لتكثيف عمليات التجسس على الأراضي الأوروبية، حيث حصل عملاء إيرانيون على حق اللجوء في بعض الدول الأوروبية واستغلوا الحماية الغربية لتنفيذ حملات دعائية ضد الغرب، ورغم حصولهم على صفة لاجئ، حافظوا على علاقات وثيقة بإيران.
كما يُشتبه في أن بعض العناصر من فيلق القدس وصلوا إلى بريطانيا متنكرين في زي مهاجرين على متن قوارب صغيرة، وهو رقم قياسي بلغ (10,000) شخص عبروا القناة الإنجليزية بهذه الطريقة خلال العام 2025.
يقول جيسون برودسكي، مدير السياسات في مجموعة "متحدون ضد إيران النووية": "الدول الأوروبية بحاجة لأن تكون أكثر يقظة. لدى إيران خطط طوارئ طويلة الأمد لتنفيذ عمليات إرهابية في الغرب".
وأضاف: "ستوظف إيران شبكات إجرامية لإثارة الإرهاب وتنفيذ العمليات، وعلى صناع القرار أن يوضحوا لطهران أن أي عمليات ستُعتبر عملًا حربيًا".

احتفى إعلام النظام بمشاركة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في قمة شنغهاي في تيانجين بالصين، وحضوره العرض العسكري للقوات المسلحة الصينية ببكين، مؤكدا أن هذه المشاركة تعزز تحالفات طهران مع القوى المعارضة للغرب.
سياسة التوجه نحو الشرق اعتمدتها إيران بقوة خلال العقد الأخير لمواجهة الضغوط والعقوبات الغربية التي وصلت ذروتها خلال حرب الـ12 يوما والهجوم الإسرائيلي الأميركي على المنشآت النووية، وتُوجت هذه السياسة باتفاقية الـ25 عاما مع الصين، وتجديد اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع روسيا لمدة 20 عاما.
إعلام النظام اعتبر أن مشاركة بزشكيان في قمة شنغهاي هو استمرار للتوجه نحو الشرق الذي أقره المرشد، حيث قالت صحيفة "كيهان" المقربة من خامنئي، إن "هذا التوجه يدعم سيادة إيران ويعزز مكانتها الإقليمية عبر تحالفات مع قوى معارضة للتدخل الغربي".
لكن هل استفادت إيران من التوجه نحو الشرق؟ وهل ساعد ذلك على مواجهة الضغوط والعقوبات على طهران؟
سياسيا يعتمد النظام الإيراني على دعم بكين وموسكو، وهما طرفان في الاتفاق النووي، لمواجهة الضغوط الغربية، حيث قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على منصة "إكس"، الاثنين الأول سبتمبر (أيلول)، أن وزراء خارجية إيران، والصين، وروسيا أكدوا في بيان مشترك، أن محاولة الاتحاد الأوروبي تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران "غير قانونية من الناحية القانونية وهدّامة من الناحية السياسية".
وأكدت الدول الثلاث: "ما هو مهدد ليس حقوق إيران فقط، بل سلامة وموثوقية الاتفاقات الدولية ككل. إذا تم قبول الالتزام الانتقائي واستغلال الإجراءات، فإن أساس الأمن الجماعي سيتعرض لتدهور قاتل".
وأضاف وزراء خارجية الصين وروسيا وإيران أنهم طلبوا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "التصرف نيابة عن المجتمع الدولي للحفاظ على السلام والأمن".
وفي 28 أغسطس (آب) الماضي، أعلنت فرنسا وبريطانيا وألمانيا بدء عملية تفعيل "آلية الزناد" ضد إيران، داعية إياها إلى العودة للمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة خلال مهلة تبلغ 30 يومًا، والتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتأجيل العقوبات.
انتقادات حادة
ورغم هذا "الدعم المعلن" فإن العديد من الشخصيات الإيرانية وجهت انتقادات حادة لروسيا والصين واتهمتهما باستغلال الضغوط الغربية للعب بورقة إيران في تفاوضهما على مصالحهما الخاصة مع الغرب.
كانت آخر هذه التصريحات التي أثارت جدلا كبيرا ما قاله عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام محمد صدر في تصريحه يوم 23 أغسطس (آب)، خلال مقابلة مع برنامج "سينرجي" على شبكة الإنترنت بأن تحليله المستند إلى معلومات متاحة له هو أنّ "الروس هم الذين سلّموا إسرائيل معلومات عن مراكز الدفاع الجوي الإيرانية".
وأشار صدر إلى أن روسيا كانت من أولى الدول، التي اعترفت بإسرائيل بعد تأسيسها، ورأى أنّ "التحالف الاستراتيجي" الذي تتحدث عنه إيران مع موسكو "كلام فارغ".
وأضاف: "تركيا عضو في الناتو، والناتو خصم لروسيا، ومع ذلك سلّمت روسيا منظومة إس-400 لأنقرة، بينما نحن الذين نتحدث عن تحالف استراتيجي معها لم نحصل عليها. لطالما طُرح موضوع شراء مقاتلات سوخوي-35، ومع أنهم باتوا يملكون سوخوي-50، إلا أنهم لم يبيعوا لنا حتى سوخوي-35".
تصريحات الصدر لم تكن الوحيدة التي وجهت انتقادات حادة للعلاقة بين النظام وروسيا، لكنها تسبب في جدل كبير نظرا لأنها صدرت من شخصية قريبة من النظام، فهو ابن شقيق الإمام موسى الصدر، وصهر ياسر الخميني، نجل أحمد الخميني، حفيد مؤسس النظام الإيراني والمرشد السابق، آية الله الخميني. ويشغل عضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام منذ عام 2017.
وقد شغل صدر منصب معاون الشؤون العربية والأفريقية في وزارة الخارجية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، وكان أيضًا مستشارًا رفيعًا لوزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، في حكومة الرئيس حسن روحاني.
كما سبق وأن وجهت وسائل الإعلام الإيرانية على لسان كبار المحللين انتقادات للمواقف الروسية، بل اتهمتها باتهامات مثل "الخيانة" و"الطعن في الظهر" و"التخلي عن طهران".
ورغم هذه الانتقادات فإن النظام عزز من علاقته بموسكو، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي تم تجديد اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا لمدة 20 عاما، وصادق عيها نواب البرلمان الإيراني في مايو (أيار) الماضي.
وقد وصف بعض المؤيدين هذا الاتفاق بأنه "تحالف مع عدو أميركا"، بينما أشار نواب معارضون إلى ما وصفوه بـ"عيوب جوهرية" في نص الاتفاق.
ولم تُفصح إيران عن تفاصيل هذا الاتفاق، كما فعلت مع الاتفاق الصيني الممتد لـ25 عامًا، بل اكتفت بالقول بشكل عام إن الاتفاق يتألف من 47 مادة ويغطي جميع مجالات التعاون الثنائي.
وتخضع طهران وموسكو لعقوبات غربية واسعة، وهو ما يعيق تعاون اقتصادي واسع بين البلدين، بل إن العقوبات الغربية شملت أيضا بعض السفن والشركات التي تلتف على العقوبات وتقوم بنقل النفط الروسي والإيراني.
وفي أبريل (نيسان) الماضي قدّم سيناتورَان أميركيان من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروعًا إلى الكونغرس يهدف إلى مواجهة "أسطول الظل" الروسي، الذي ينقل في بعض الحالات نفط إيران أيضًا.
المشروع، الذي قدّمه جوني إرنست وريتشارد بلومنتال، يطالب بإنشاء صندوق في وزارة الخزانة الأميركية بميزانية أولية تبلغ 150 مليون دولار لعام 2025، لتسهيل تنفيذ العقوبات ضد الناقلات التي تلعب دورًا في الالتفاف على العقوبات النفطية.
وتستخدم روسيا هذا الأسطول للتحايل على العقوبات الغربية المفروضة بسبب حربها ضد أوكرانيا، لكن بعض ناقلات هذا الأسطول تنقل أيضًا نفط إيران.
أما الصين الذي وقعت معها إيران اتفاقية الـ25 عاما، وتسببت في جدل كبير بسبب عدم الإعلان عن تفاصيلها، فهي تعتبر الشريك الاستراتيجي الأهم لطهران حيث تشتري نحو 90 في المائة من النفط الإيراني، وفقا لرويترز، لعدم قدرة النظام على بيع النفط بسبب العقوبات الغربية. وبحسب "بلومبرج"، يتم نقل كميات كبيرة من النفط الإيراني عبر شبكة تجارية معقدة عبر "أسطول الظل" من الناقلات القديمة إلى مصافي التكرير الخاصة في شمال الصين.
وتشير التقارير إلى أن الصين اشترت ما معدله 1.38 مليون برميل من النفط يوميا من إيران في النصف الأول من عام 2025، بينما في عام 2024 بلغ الرقم 1.48 مليون برميل يوميا، أي نحو 14.6% من واردات الصين من النفط.
ويرى مراقبون أنه إذا نجحت الدول الأوروبية في تفعيل آلية الزناد فإنه استيراد الصين للنفط الإيراني سيواجه صعوبات حادة حيث ستتيح العقوبات للدول تفتيش السفن المشتبه بها في نقل هذا النفط، وهو ما سيمثل ضغوطا هائلة على النظام الإيراني.
مواقف بكين
ويعتبر مراقبون أن حضور مسعود بزشكيان العرض العسكري الصيني بمثابة "رسالة مهمة" على عمق التعاون بين البلدين. لكن التعاون العسكري بينهما ليس معلنا، خاصة أن الصين يبدو أنها تحرص ألا تدخل في صدام حاد مع الغرب لصالح طهران.
وظهر ذلك واضحا بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية، حيث نفت السفارة الصينية في تل أبيب تقرير موقع "ميدل إيست آي" بأن الصين سلّمت أنظمة دفاع جوي جديدة لإيران.
وقالت السفارة الصينية، في تصريح لصحيفة "إسرائيل هيوم" إن "محتوى هذا التقرير غير صحيح. الصين تُعارض مبدأ انتشار أسلحة الدمار الشامل وأنظمة إطلاقها، وتؤكد باستمرار على التنفيذ الصارم لأنظمة الرقابة على الصادرات وعدم الانتشار".
وأضاف البيان: "الصين لا تصدر أبدًا أسلحة إلى دول في حالة حرب، وتفرض رقابة صارمة على تصدير المواد ذات الاستخدام المزدوج العسكري والمدني. وبصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، تتصرف الصين بمسؤولية فيما يتعلق بتصدير المواد المتعلقة بالشؤون العسكرية".
ونقل موقع "ميدل إيست آي" 7 يوليو (تموز)، نقلاً عن مصدر دبلوماسي عربي، أن الحكومة الصينية نقلت أنظمة صواريخ أرض-جو متطورة إلى إيران خلال الأسابيع التالية لاتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في 24 يونيو (حزيران)، وأن النظام الإيراني أرسل شحنات نفطية إلى الصين مقابل هذه المعدات.
وزعم التقرير أن نقل الأسلحة من الصين إلى إيران يشير إلى توسع التعاون العسكري بين طهران وبكين، وعلى الرغم من أن المصادر العربية امتنعت عن ذكر العدد الدقيق للأنظمة التي تم تسليمها، إلا أنها أكدت أن الدفع تم عبر شحنات النفط الخام.
وتشير التقارير إلى أن جزءًا كبيرًا من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية تضرر خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، حيث سيطر الجيش الإسرائيلي في الأيام الأولى على الأجواء الغربية لإيران وحتى المجال الجوي لطهران.
وعلى مدى السنوات الماضية، اعتمدت إيران بشكل رئيسي على أنظمة دفاع جوي روسية الصنع مثل "إس-300" ونماذج مطورة محليًا، لكن بعد التدمير الواسع لهذه البنية التحتية، تسعى طهران الآن إلى بدائل، بما في ذلك أنظمة صينية الصنع.
ووفقًا للتقرير، يُحتمل أن يكون أحد الأنظمة التي تم تسليمها هو نظام "إتش كيو-9" الصيني الصنع، وهو نظام أثبت فعاليته في السابق خلال الاشتباكات بين الهند وباكستان، حيث وردت تقارير عن إسقاطه لعدة طائرات رافال فرنسية متطورة.
وبموجب اتفاقيات سابقة للحرب بين الطرفين، كان من المفترض أن توفر الصين المواد الأولية والقطع اللازمة لإنتاج مئات الصواريخ الباليستية لإيران.
تجربة مليئة بالإخفاقات
الاعتماد الإيراني على الصين وروسيا يبدو أنه لا يأتي بنتائج إيجابية في أغلب الأحيان، حيث علّق المحلل السياسي روح الله رحيم بور في يونيو (حزيران) على التصريحات الأخيرة لعلي أكبر صالحي بشأن عرقلة الروس لجهود إيران، وقال لقناة "إيران إنترناشيونال": "تصريحات صالحي لا تقتصر على روسيا فقط، فقد أشار أيضًا إلى حالات متعددة من عرقلة الجانب الصيني. ووفقًا له، فإن روسيا والصين كثيرًا ما وضعتا إيران في مواقف صعبة ضمن اتفاقيات طويلة الأمد".
وأضاف رحيم بور: "هذه الإشكالات لا تتعلق فقط بالملف النووي؛ بل تشمل أيضًا مجالات أخرى، خصوصًا مشاريع البنى التحتية، حيث كانت تجربة التعاون مع هذين البلدين مليئة بالإخفاقات".
وأشار المحلل إلى أن هذه التجارب، فضلًا عن فشلها الاقتصادي، كانت لها أيضًا عواقب أمنية على إيران.
وأكد قائلًا: "رغم العلاقات الواسعة، لم تدعم روسيا والصين أبدًا المواقف التي تراها طهران حقًا لها داخل مجلس الأمن الدولي؛ وفي أفضل الأحوال، اكتفتا بالامتناع عن التصويت على القرارات والبيانات الدولية. وبصورة عامة، لم تكن الشراكة مع هاتين القوتين لصالح الشعب الإيراني، بل جلبت له تكاليف باهظة".

في تحذير يحمل نبرة تصعيد واضحة، أعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أن لجوء الدول الأوروبية إلى تفعيل "آلية الزناد"، أو ما يُعرف بـ "سناب باك"، يعني "النقض الكامل للاتفاق المبرم مع إيران"، مؤكدًا أن طهران لن تقف مكتوفة الأيدي.
وأضاف محمد إسلامي، في 2 فبراير (شباط) الماضي، عبر التلفزيون الرسمي الإيراني، أنّ مثل هذا الإجراء من جانب الأوروبيين "سيقابله رد مناسب من طهران".
وأعاد هذا التصريح تسليط الضوء على واحدة من أخطر أوراق الضغط في الاتفاق النووي بين إيران والغرب، إذ تُمكّن هذه الآلية من إعادة فرض العقوبات الأممية تلقائيًا على طهران.
لكن ما المقصود بـ "سناب باك" أو "آلية الزناد"، التي لم تُذكر نصًا في الاتفاق النووي المبرم عام 2015، لكنها برزت كأحد أبرز بنوده المثيرة للجدل، بعدما تحولت اليوم إلى ورقة ضغط تُلوّح بها القوى الغربية كتهديد مباشر في وجه طهران؟
"آلية الزناد" في صيف 2015 الحار
بعد دقائق من إعلان التوصل إلى الاتفاق النووي في صيف 2015، وبينما كان وزراء خارجية الدول الأعضاء في ذلك الاتفاق يبتسمون أمام عدسات المصورين في فيينا عاصمة النمسا، ألقى وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري، خطابًا أمام الصحافيين تحدث فيه عن أهمية الاتفاق.
وأثناء حديثه، سُمعت للمرة الأولى كلمة "آلية الزناد"، في إشارة إلى آلية إعادة فرض العقوبات، حال عدم التزام طهران بتعهداتها.
ومنذ ذلك الخطاب، ومع نشر "ورقة الحقائق" (Fact Sheet) من الجانب الأميركي، تحولت "آلية الزناد" إلى واحدة من أكثر قضايا الاتفاق النووي إثارة للجدل، خصوصًا في طهران، حيث اعتبر منتقدو الاتفاق أنّ المفاوضين الإيرانيين قبلوا بتعهدات تضر بمصالح البلاد.
ماذا يقول الاتفاق النووي؟
بحسب "خطة العمل الشاملة المشتركة" (الاتفاق النووي 2015)، فإن هذه الآلية تتعلق بسبعة قرارات عقوبات صادرة عن مجلس الأمن الدولي. ووفقًا للملحق الخامس من الاتفاق، الذي يتناول التنفيذ، فإن القرارات: 1696 و1737 و1747 و1803 و1835 و1929 و2224 تُعتبر منتهية، لكن في حال أثبتت إيران "عدم الالتزام الجسيم والمتعمد" بتعهداتها، بما في ذلك ما يتعلق بـ "القيود على نقل المواد الحساسة المرتبطة بالانتشار النووي"، يمكن إعادة تفعيل هذه القرارات.
وقد جرى تضمين هذه البنود في قرار مجلس الأمن 2231 ليصبح قابلاً للتنفيذ ضمن إطار القانون الدولي.
وعند التوصل إلى الاتفاق، كان التصور أن جميع الالتزامات ستُستكمل خلال ثماني سنوات؛ بحيث تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية الطابع السلمي للبرنامج الإيراني، وتُصادق طهران على البروتوكول الإضافي، لتصبح أوضاع برنامجها "طبيعية بالكامل".
كما تم تحديد فترة عامين إضافيين لضمان التنفيذ الكامل، ثم جرى تعيين "يوم الانتهاء" للقرار 2231، وهو عشر سنوات بعد يوم تنفيذ الاتفاق، أي في 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2025.
لكن هذا المسار يكتمل فقط إذا لم يتم تفعيل آلية "سناب باك" خلال هذه الفترة.
كيفية تفعيل "آلية الزناد"
تنص المادتان 36 و37 من الاتفاق النووي، المتعلقتان بـ "حل النزاعات"، على أنه إذا اتهم أحد أعضاء الاتفاق عضوًا آخر بارتكاب "خرق جسيم"، يُعرض الأمر أولاً على اللجنة المشتركة للاتفاق، ثم على هيئة استشارية. وإذا لم تتم تسويته، يُحال الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
وفي هذه الحالة، يكون أمام المجلس 30 يومًا لإصدار قرار بتمديد العمل بالاتفاق النووي، وإذا لم يتمكن المجلس من التصويت لصالح القرار، تُعاد تلقائيًا القرارات السبعة السابقة الخاصة بالعقوبات إلى حيّز التنفيذ.
وبهذه الصيغة، يُتاح للدول الغربية تجاوز احتمال استخدام روسيا أو الصين لحق النقض (الفيتو) لصالح إيران، بينما تظل قادرة بنفسها على تعطيل أي قرار يُمدد العمل بالاتفاق.
وسعت الولايات المتحدة مرة واحدة إلى استخدام هذه الآلية، خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، وبعد عامين من إعلان واشنطن انسحابها من الاتفاق.
وقال وزير الخارجية الأميركي آنذاك، مايك بومبيو، عند إعلان القرار: "أحد الأمور الصائبة، التي قامت بها الإدارة الأميركية السابقة، هو تضمين آلية تسمح لأي دولة ترى أنه يجب إعادة العقوبات إلى ما كانت عليه، بأن تفعل ذلك. وهذا ما سنقوم به".
لكن عندما عُرض الأمر على مجلس الأمن، عارضه 13 عضوًا، من بينهم أقرب حلفاء واشنطن، بحجة أن الولايات المتحدة لم تعد طرفًا في الاتفاق بعد انسحابها، ومِن ثمّ لا يحق لها استخدام بنوده كعضو في الاتفاق النووي.