إعلام رسمي إيراني: تسريب فيديو زفاف ابنة شمخاني انتهاكٌ للخصوصية واغتيالٌ للشخصية

لا تزال تداعيات الفيديو المسرَّب من حفل زفاف ابنة علي شمخاني، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي وعضو مجلس الدفاع التابع للنظام الإيراني، مستمرة.
لا تزال تداعيات الفيديو المسرَّب من حفل زفاف ابنة علي شمخاني، الأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي وعضو مجلس الدفاع التابع للنظام الإيراني، مستمرة.
فقد تبنّت بعض وسائل الإعلام والمستخدمين المقرّبين من النظام موقفاً دفاعياً عن شمخاني، مركِّزين على "الخصوصية الشخصية" ومستنكرين انتقادات سلوكه.
وكتبت صحيفة "جوان"، التابعة للحرس الثوري، تعليقاً على الجدل الذي أثاره الفيديو أن "الخوض في المخالفات الأخلاقية والسلوكية الشخصية والخاصة للأفراد" أمرٌ منهيٌّ عنه.
وأضافت الصحيفة: "لحسن الحظ، القضية الحالية لا تتعلق بشرب الخمر أو الفساد الأخلاقي، ومن روايات الذين شاهدوا الفيديو يتضح أن المسؤول المذكور تصرّف بوقار واتزان مقبولين خلال الحفل."
وفي السياق ذاته، نسبت بعض وسائل الإعلام والشخصيات الحكومية تسريب الفيديو إلى محاولة من إسرائيل والموساد لـ"اغتيال شخصية" شمخاني، بعد فشل إسرائيل في قتله خلال هجماتها في شهر يونيو الماضي.
فعلى سبيل المثال، وصف عبدالله كنجي، الناشط الإعلامي الموالي للنظام ومستشار عمدة طهران، نشر هذا الفيديو لمجلس "خالٍ من الرجال الأجانب" بأنه عمل لا يليق بالشعب الإيراني، معتبراً إياه نتيجة "عدم أخلاقية عناصر الموساد" و"انتقاماً بأي ثمن".
كما كتب عزت الله ضرغامي، الرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، أن "اختراق الخصوصية الشخصية هو الأسلوب الجديد لعمليات الاغتيال الإسرائيلية."
وردّاً على الانتقادات بشأن "الأسلوب الغربي" في إقامة الحفل وظهور بعض النساء من دون حجاب أمام شمخاني، قال ضرغامي إن المراسم كانت "خاصة ونسائية"، وإن والد العروس "بحسب عاداته العشائرية، كان مطأطئ الرأس وهو يسلّم يد ابنته إلى العريس، وأن بعض النساء كنّ محجّبات والبعض الآخر من المحارم."
أما محمد علي أبْطَحي، نائب الرئيس الإيراني في حكومة خاتمي، فكتب عبر "إنستغرام" أن الحفل كان "غير مختلط"، ومن الطبيعي أن تظهر العروس وبعض المدعوات من دون حجاب في القسم النسائي. واعتبر أن الإشكال يكمن في تسريب الصور لا في إقامة المراسم نفسها.
إلا أن هذا الموقف لم يُقنع المستخدمين المعارضين للنظام الإيراني، الذين أشاروا إلى أن النظام طالما انتقد حتى صور ملفات التعريف الشخصية في شبكات التواصل، بل وفصل بعض المواطنين من وظائفهم بسببها. ولذلك، لا يرون في دعوى "حماية خصوصية عائلة شمخاني" حجة مقبولة.
وأشار آخرون إلى أن السلطات دأبت على نشر صور أو محادثات خاصة لأفراد بهدف انتزاع اعترافات قسرية منهم، مؤكدين أن النظام لا يعترف بالخصوصية إلا لمسؤوليه، لا للمواطنين العاديين.
ويتّهم النظام الإيراني وأجهزته الأمنية منذ عقودٍ بممارسة الضغوط على النشطاء السياسيين والصحافيين الناطقين بالفارسية وأسرهم، وتهديدهم بنشر صورهم ومقاطعهم الخاصة لإرغامهم على الصمت أو ابتزازهم.
ومن أبرز الأمثلة في السنوات الأخيرة تسريب صور خاصة لـ"كاوه مدني"، رئيس معهد المياه والبيئة والصحة التابع لجامعة الأمم المتحدة ونائب رئيس منظمة البيئة الإيرانية سابقاً، وكذلك لـ"مينو خالقي"، المرشحة المثيرة للجدل لعضوية البرلمان عن أصفهان. وهما حالتان كشفتا عن تدخل النظام في الحياة الخاصة لأشخاص يعتبرهم خصوماً أو منافسين له.
وقالت ناشطة مدنية كانت قد سُجنت عام 2022 بسبب نشاطها السياسي لـ"إيران إنترناشيونال" إن المحققين أثناء استجوابها كانوا يفتّشون حياتها الخاصة ويسألونها عن علاقاتها العاطفية أو الجنسية، بهدف الضغط عليها وإخضاعها نفسياً.
وأضافت: "كانت رسالتهم واضحة: "إذا واصلت نشاطك، سنفضح تفاصيل علاقاتك الخاصة ونحطّ من سمعتك أمام أسرتك وزملائك."
صراع السلطة بين أجنحة النظام الإيراني
يرى بعض الإعلاميين القريبين من النظام، إلى جانب شخصيات مؤيدة ومعارضة له، أن تسريب هذا الفيديو يأتي في إطار "صراع داخلي على السلطة" بين الأجنحة المختلفة داخل النظام الإيراني.
ففي مقابلة نُشرت في 12 أكتوبر، قال شمخاني إنه أبلغ الرئيس الأسبق حسن روحاني على الفور بسقوط الطائرة الأوكرانية، في حين أن روحاني وأعضاء حكومته أنكروا علمهم بالأمر في البداية.
وتساءلت صحيفة "وطن امروز" عمّا إذا كانت تصريحات شمخاني الأخيرة حول الطائرة الأوكرانية هي ما "أثار الدافع للانتقام" وأدى إلى نشر هذا الفيديو، مشيرة إلى أن "بذخ الحفل وقضية الحجاب" ألحقت ضرراً بالأمن النفسي للمجتمع.
وكتبت الصحيفة: "إن أثر نشر مثل هذه المقاطع يتمثل مع مرور الوقت في ترسيخ فكرٍ سلبي لدى الناس، يدفعهم إلى اللامبالاة بالأوضاع ثم إلى الأنانية. كما أن تأثيرها يشكل ازدراءً لصمود الشعب في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الراهنة."
وقال محلل سياسي مقيم في طهران لـ"إيران إنترناشيونال"، رفض الكشف عن اسمه، إن تسريب الفيديو ليس "حادثة عرضية أو مجرد خرقٍ للخصوصية"، بل "جزء من لعبة أكبر تدور بين دوائر السلطة في إيران ما بعد الحرب مع إسرائيل، وفي الأيام الأخيرة من حياة المرشد الإيراني الحالي، إذ قد يكون بعضهم كان يعوّل على مقتل شمخاني في الهجوم الإسرائيلي."
مع ذلك، يرى عدد من المحللين أن شمخاني، بوصفه أحد الشخصيات المقربة جداً من علي خامنئي وعضواً أساسياً في دائرته الضيقة، نجا من فضائح وشبهات فساد مالي تخصه وأفراد عائلته، وأن إخراجه من دائرة الحكم ليس بالأمر السهل.
وقال الصحافي مسعود كاظمي، مشيراً إلى قضايا الفساد المالي لعائلة شمخاني، إن شمخاني "أحد زعماء المافيا" في إيران، بما في ذلك مافيا النفط والنقل البحري والأمن، مضيفاً أن "إقصاءه عن دائرة السلطة بمثل هذا الفيديو يبدو أمراً مستبعداً."
ردود الفعل على حفل زفاف ابنة شمخاني
وقد أثار الفساد المالي لعائلة شمخاني في السنوات الأخيرة ضجة إعلامية، حتى إن بعض الصحف الإيرانية تناولته.
فقد نشرت صحيفة "آرمان ملي" العام الماضي تقريراً عن زفاف ابنة شمخاني، ذكرت فيه أن عام 2019 شهد تداول شائعات حول عائلته، من بينها أن نفقات دراسة حسين شمخاني في لبنان تبلغ عشرة آلاف دولار.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن موعود شمخاني ومحمدهادي شمخاني، وهما ابنا شقيق علي شمخاني، يعملان في السفارة الإيرانية في روسيا ومنطقة أروند الحرة على التوالي.
وفي عام 2022، وبعد انهيار مبنى متروبول في عبادان، حصلت "إيران إنترناشيونال" على وثائق أظهرت أن موعود شمخاني هو من قدّم حسين عبدالباقي، المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة مجموعة عبدالباقي ومالك المبنى المنهار، إلى بلدية عبادان من أجل الاستثمار.
أما حسين شمخاني، نجل علي شمخاني، فهو من الشخصيات المحورية في بيع النفط الإيراني لروسيا، وقد فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عقوبات عليه وعلى الشركات التابعة له.
وفي تقرير نشرته "بلومبرغ" في يناير 2025، كُشف أن حسين شمخاني أحد الفاعلين الرئيسيين في بيع الأسلحة الإيرانية لروسيا، وأن شبكته من الشركات تلعب دوراً محورياً في نقل الأسلحة بين طهران وموسكو، بما في ذلك الصواريخ وقطع الطائرات المسيّرة والسلع ذات الاستخدام المزدوج.