لعبة خامنئي السياسية بـ "الخواتم".. من قاسم سليماني إلى إبراهيم رئيسي

أطلقت وسائل الإعلام الإيرانية، دعاية واسعة النطاق، حول خاتم إبراهيم رئيسي، الذي كان في يده وقت الحادث، بعد العثور على جثته في موقع تحطم المروحية، التي كانت تقله ومرافقيه.

أطلقت وسائل الإعلام الإيرانية، دعاية واسعة النطاق، حول خاتم إبراهيم رئيسي، الذي كان في يده وقت الحادث، بعد العثور على جثته في موقع تحطم المروحية، التي كانت تقله ومرافقيه.
وانتشر فيديو "لحظة العثور" على هذا الخاتم بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث أظهره أحد الأشخاص أمام الكاميرا، ويعد نشر هذا الفيديو هو أحدث مثال على استخدام النظام الإيراني للخواتم كأداة للدعاية السياسية.
لكن كيف دخل الخاتم إلى الدعاية في إيران، وكيف يستخدمه مسؤولو النظام بما يتماشى مع أهدافهم السياسية؟
من خاتم قاسم سليماني إلى خاتم إبراهيم رئيسي
إن نشر صور خاتم إبراهيم رئيسي ذكّر المواطن الإيراني على الفور بخاتم قاسم سليماني.
في عام 2020، وفي حالة مماثلة، أطلقت الجمهورية الإسلامية دعاية واسعة النطاق حول خاتم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في ذلك الوقت، بعد مقتله في العراق بأمر من الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب.
وفي ذلك الوقت، انتشرت صورة خاتم سليماني في يده المقطوعة على نطاق واسع في وسائل الإعلام وحسابات المستخدمين لمؤيدي النظام على شبكات التواصل الاجتماعي.
ووصلت الدعاية حول هذا الخاتم إلى حد أنه بعد عامين، عندما تم اختراق موقع صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، والذي نسب إلى قراصنة مرتبطين بإيران، تم وضع صورة على الصفحة الأولى من هذا الموقع، وكانت هناك إشارة إلى خاتم قاسم سليماني.
في تلك الصورة تم رسم صاروخ يطلق من خاتم (تذكر بخاتم يد قاسم سليماني المقطوعة) باتجاه مكان يرمز لموقع ديمونا النووي الإسرائيلي، ودونت هذه الجملة من سليماني موجهة إلى إسرائيل: "نحن أقرب إليكم مما تظنون، في الموقع الذي لا تتخيلونه".
ووصلت الدعاية الواسعة لخاتم قاسم سليماني إلى مرحلة "التسويق"، حيث يقوم بعض تجار المجوهرات في إيران ببيع خواتم محفور عليها صورة قاسم سليماني، على سبيل المثال.
دور خامنئي في تضخيم موضوع الخاتم
كان المرشد الإيراني روح الله الخميني، يرتدي خاتمًا مثل غيره من المتدينين، لكن علي خامنئي، خليفته، هو الذي أدخل الخاتم في الدعاية السياسية للنظام.
وفي أحدث مثال على ذلك، "بارك" خامنئي، خلال زيارته
معرض الكتاب في طهران قبل أسابيع، خاتم امرأة، وأعطاه لأحد أصحاب الغرف في المعرض ليعطيه لمريضة.
وسبق أن أهدى المرشد الإيراني، خاتما في العديد من المناسبات لمن يأتون لزيارته بشكل رسمي.
ويستخدم خامنئي هدايا الخواتم بشكل خاص لإرسال رسائل سياسية
وقبل بضع سنوات، أعطى خاتمًا من عقيق إلى علي رضا كريمي، المصارع الإيراني الذي، بناء على طلب مدربيه، تعمد الخسارة أمام منافسه الروسي على خلال البطولة البولندية، حتى لا يواجه منافسًا إسرائيليًا في الجولة التالية للبطولة.
وفي مثال آخر، في عام 2019 وبعد أن استهدفت القوات المسلحة الإيرانية طائرة أميركية مسيرة في المياه الخليجية قام المرشد بإهداء خاتم لمن قيل أنه ضغط على زر الصاروخ الذي أسقط المسيرة.
كما يقوم المسؤولون الآخرون بتقليد خامنئي في عادة إهداء الخواتيم ويقدمون لأتباعهم هدايا على شكل خواتم بهئيات وصور مختلفة.
وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، وبالتزامن مع زيادة عدد الأضرحة والمراقد زاد أيضًا بيع الخواتم بشكل كبير.

إذا كانت فرضية "إزالة رئيسي" عن الحكم في إيران حقيقة، فالسؤال هو، وفق أي خطة قامت "المافيا" التي لم تعد ترغب بوجود "رئيسي"، بإزاحته عن السلطة؟
في أول تعليق له بعد مصرع الرئيس الإيراني قال رئيس السلطة القضائية، محسني إيجه إي، إن رئيسي "كان عنصراً تتفق عليه التيارات المختلفة".
في الأنظمة الاستبدادية، يتم تحديد الأدوار والخطط المستقبلية دائمًا خلف الكواليس، ولا مكان للمواطنين للتدخل واختيار الأدوار وخلقها، حيث نقرأ في تقارير مختلفة أن لجنة في مجلس الخبراء هي التي تقرر من هو المرشد المستقبلي، ولا أحد يعلم بقرارات تلك اللجنة إلا المرشد ودائرته الصغيرة الموثوقة.
لكن العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية في العقود الأخيرة تظهر أنه حتى تلك اللجنة ليست صاحبة القرار الرئيس، وأن "المافيا" المكونة من عسكريين ورجال دين معينين، تحت إشراف علي خامنئي، تحدد المرشد المستقبلي "وفقا لمعايير خاصة" وتبلغ الخبراء بذلك، والخبراء بمثابة آلة للتوقيع على ذلك القرار والتعيين.
وقد تم أيضًا تنفيذ عمليات استبعاد واسعة النطاق لضمان عدم قيام أي متطفل بتعطيل آلة التوقيع هذه، مثلما حدث باستبعاد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني على سبيل المثال من انتخابات مجلس خبراء القيادة.
ولكن ما الشرط الخاص لتعيين خليفة المرشد؟ الشرط هو استمرار وتأمين المصالح الاقتصادية والعسكرية لتلك المافيا.
إذا قبلنا هذه الصورة، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل معنى تصريح إيجه إي.
كان رئيسي "العنصر المتفق عليه" من مختلف عناصر تلك المافيا. فإذا كان مصرع رئيسي نتيجة حادث طبيعي بعيدا عن المؤامرات، فلا بد أن تصل المافيا إلى "عنصر آخر متفق عليه"، أما إذا كان مصرع "رئيسي" نتيجة "مؤامرة" وليس حادثا طبيعيا، فهذا يعني أن هناك خلافاً بين المافيا ولم يعد رئيسي "متفقا عليه".
بمعنى آخر، إذا كانت فرضية "إزالة رئيسي" عن السلطة في إيران حقيقة، فالسؤال هو، وفق أي خطة قامت المافيا التي لم تعد ترغب بوجود رئيسي، بإزاحته عن السلطة؟
وإذا كانت تلك الحادثة طبيعية، فلا يزال السؤال مطروحا، على من ستتفق المافيا؟
إن "حكومة المافيا" التي تتخذ كافة القرارات بعيداً عن أعين المواطنين، لم تترك سبيلاً للوصول إلى الحقائق، ونتيجة لذلك فإن الإجابة على هذا السؤال غير واضحة؛ ولكن من بين كل هذه الشكوك والتساؤلات، هناك شيء واحد واضح وهو: في العقدين الماضيين، لم يتم نفي شائعة خلافة مجتبى خامنئي للمرشد رسمياً ولو بسطر واحد.
وفي نظام يعلق مرشده حتى على تفاصيل مثل "إرسال معسكر طلابي إلى جزيرة كيش" ويمنع ذلك، وأحياناً يتفاعل مع أصغر الشائعات، فإن مثل هذا الصمت ليس طبيعياً على الإطلاق.
وهذا الصمت في حد ذاته يمكن أن يكون حقيقة، خاصة إذا اعتقدنا أن "السكوت علامة الرضا" في مثل هذه الحالة الحساسة.

أدى مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في منتصف فترة ولايته الرئاسية إلى بدء عملية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في إيران.
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها النظام السياسي الإيراني مثل هذا الوضع بعد ثورة 1979.
وفي السابق، أدت وفاة المرشد روح الله الخميني عام 1989 وانتخاب الرئيس آنذاك علي خامنئي لمنصب المرشد إلى تقصير الفترة الثانية لرئاسة خامنئي بمقدار شهرين.
وقد استقال خامنئي من الرئاسة فور انتخاب الرئيس الجديد في أغسطس (آب) من ذلك العام.
ومع ذلك، منذ وفاة الخميني وحتى الانتخابات الرئاسية، لم يتم انتخاب رئيس بالوكالة، وكان علي خامنئي رئيسًا ومرشداً مؤقتًا في نفس الوقت.
وفي عام 1981 أيضاً، تسببت إقالة أبو الحسن بني صدر ومقتل محمد علي رجائي، بفارق أشهر قليلة، في عدم تمكن هذين الرئيسين من إكمال فترة ولايتهما الرئاسية.
ما هو وضع إيران؟
وجاء مصرع إبراهيم رئيسي في وقت تتزايد فيه الاحتجاجات في الداخل الإيراني بسبب سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
من الناحية السياسية، أجرت إيران مؤخراً انتخابات شهدت نسبة إقبال منخفضة للغاية، وهو ما يدل على أن غالبية الإيرانيين لا يثقون في صناديق الاقتراع.
ومن الناحية الاقتصادية أيضًا، أدى ارتفاع الأسعار والتضخم إلى جعل الحياة اليومية صعبة على الإيرانيين.
وتواجه سلطات النظام الإيراني ضغوطا دولية بسبب برنامج طهران النووي المثير للجدل، وتعميق العلاقات العسكرية مع روسيا خلال حرب أوكرانيا.
وفي المجال العسكري أيضًا، أدت حرب غزة إلى زيادة التوترات بين إيران وإسرائيل.
من هو الرئيس المؤقت؟
وفقًا للمادة 131 من دستور إيران، "في حالة وفاة الرئيس أو إقالته أو استقالته أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة ولايته ولم يتم انتخاب الرئيس الجديد بعد بسبب عوائق، أو أمور أخرى، يتولى المساعد الأول للرئيس صلاحياته ومسؤولياته بموافقة المرشد".
والآن يواجه محمد مخبر، المساعد الأول للرئيس الإيراني، مهمة جديدة من المرشد علي خامنئي.
وكتب خامنئي في رسالة، يوم الاثنين 20 مايو (أيار)، أن مخبر يتم تعيينه في منصب إدارة السلطة التنفيذية وفقا للمادة 131 من الدستور.
وبذلك وافق خامنئي على أن يصبح مخبر رئيسا مؤقتاً.
وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور إنه منذ يوم الأحد (19 مايو/أيار)، "عندما وقع ذلك الحادث تم إبلاغ المساعد الأول للرئيس بالأمور اللازمة، وأخذ يقوم بتسيير الأمور".
والآن ما هي عملية الانتخابات المقبلة؟
بحسب المادة 131 من الدستور الإيراني، وبعد أن تولى المساعد الأول للرئيس صلاحيات ومسؤوليات الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، "يلتزم مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية والمساعد الأول للرئيس بترتيب انتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوما".
كما أكد هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، يوم الاثنين 20 مايو (أيار)، على تطبيق هذا القانون، وقال: "لا توجد مشكلة قانونية في هذا الصدد، والعملية ستتم وفق القانون".
وأشار نظيف إلى تصريح خامنئي قبل العثور على جثة رئيسي عندما قال: "لا ينبغي لشعب إيران أن يقلق، لن يكون هناك أي خلل في إدارة البلاد".
وقال محمد صالح جوكار، رئيس لجنة الشؤون الداخلية والمجالس، في مقابلة مع وكالة "برنا" للأنباء: "نظراً لبقاء عام واحد على ولاية الحكومة الـ13، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان الرئيس الذي سيتم انتخابه ستكون فترته سنة أو 4 سنوات".
وأضاف: "في هذا السياق فإن القانون قد حدد ما ينبغي فعله، وسيتم انتخاب الرئيس لولاية مدتها 4 سنوات".
وتعتبر مسألة مشاركة الشعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران قضية أساسية، لأن تجربة الانتخابات السابقة أظهرت أن الناس ليس لديهم رغبة كبيرة في المشاركة في الانتخابات في الوضع الحالي.
مَن هم المرشحون المحتملون لمنصب الرئيس؟
ويتيح مصرع رئيسي فرصة للتيار الأصولي والإصلاحيين لتقديم مرشحيهم.
ومن بين أعضاء الحكومة الحالية، فإن احتمال ترشيح محمد مخبر هو الأعلى، لأن أمامه 50 يوما ليظهر نفسه على أنه الشخص الثاني في البلاد.
وفي التسعينيات نشأ مخبر في دائرة المؤسسات التابعة لمكتب المرشد من خلال عمله في مؤسسة المستضعفين وحظي بثقة المرشد.
وسيكون محمد باقر قاليباف، الرئيس الحالي للبرلمان الإيراني، أحد المرشحين المحتملين الآخرين.
وسبق أن حاول قاليباف عدة مرات الوصول إلى هذا المنصب من خلال الترشح لرئاسة الجمهورية، لكنه في كل مرة كان يفشل لسبب ما.
وداخل البرلمان، يواجه قاليباف معارضين من التيار الأصولي، وقد يكون هناك المزيد من الفضائح ضده من أجل منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية.
ومن بين المعتدلين، يمكن أن يكون حسن روحاني ومحمد جواد ظريف مرشحين محتملين.
لكن في الآونة الأخيرة، رفض مجلس صيانة الدستور أهلية روحاني للترشح في انتخاب مجلس خبراء القيادة، وقد احتج روحاني بشدة على هذا الاستبعاد.
وقد أعلن مجلس صيانة الدستور أن التنفيذ "غير الصحيح" للاتفاق النووي يعد أحد أسباب استبعاد حسن روحاني
وقد قال حسن روحاني في هذا الصدد إنه في ضوء لائحة الاتهام التي وجهها مجلس صيانة الدستور، لم يعد الرؤساء في المستقبل قادرون على التمتع بالحرية السياسية.
وقبل روحاني، كان مجلس صيانة الدستور قد رفض أيضًا علي لاريجاني، الرئيس السابق للبرلمان الإيراني، في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وبعد استبعاده من الانتخابات، طلب علي لاريجاني عدة مرات من مجلس صيانة الدستور إعلان أسباب استبعاده علناً، إلا أن هذا المجلس لم يبلغه بذلك إلا في رسالة سرية، نُشر نصها على شبكات التواصل الاجتماعي بعد فترة.
ومن المتوقع أيضاً أن يواجه ظريف صعوبات مماثلة لما واجهه حسن روحاني ولاريجاني في مجلس صيانة الدستور.
وكما هو الحال في الانتخابات السابقة، من المتوقع أيضًا أن يظهر مرشحون لا يمتعون بحظوظ كبيرة مثل محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري.

تحطمت مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم الأحد 19 مايو (أيار)، وبعد حوالي 17 ساعة تم الإعلان عن مقتله ومرافقيه، بمن فيهم وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، مما طرح الكثير من التساؤلات لدى الرأي العام أهمها.. ماذا سيحدث الآن بعد وفاة رئيسي؟
في نظام الجمهورية الإسلامية، لم يكن إبراهيم رئيسي الشخص الأول الذي لم يكمل ولايته الأولى كرئيس. فقبله لم يكمل أبو الحسن بني صدر الولاية الأولى للرئاسة بسبب الإقالة والهزيمة على يد الفصيل المنافس (22 يونيو/حزيران 1981)، ومحمد علي رجائي الذي قتل في تفجير نسب إلى منظمة مجاهدي خلق (30 أغسطس/آب 1981).
وباستثناء هؤلاء الثلاثة، أكمل جميع الرؤساء الستة الآخرين فترتين متتاليتين.
وتعتبر خسارة ثلاثة رؤساء خلال 45 عاماً رقماً مرتفعاً مقارنة بالعديد من الدول، وهو مؤشر على عدم الاستقرار المزمن، خاصة بالنظر إلى طريقة مواجهته وعواقبه.
وفقا لدستور النظام الإيراني، فإن طريق العمل واضح وقد تم اتباعه مرتين، على الرغم من أنه بسبب التغيير في أحكام المادتين 130 و131 من الدستور خلال تعديلات عام 1989، فإنه ستكون هناك اختلافات هذه المرة في التنفيذ.
تنص المادة 131 من الدستور الإيراني على ما يلي: "في حالة وفاة الرئيس أو عزله أو استقالته أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة ولاية الرئيس وعدم انتخاب رئيس جديد بسبب عوائق أو غير ذلك من الأمور، يتولى المساعد الأول للرئيس، بموافقة المرشد، صلاحياته ومسؤولياته، ويقوم مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية والمساعد الأول للرئيس باتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوماً".
وفي حالة وفاة المساعد الأول أو غيرها من الأمور التي تمنعه من أداء مهامه، وأيضاً إذا لم يكن للرئيس مساعد أول، يقوم المرشد بتعيين شخص آخر بدلاً منه".
لكن المشكلة هي أن القضية لن تكون بهذه البساطة، وقد مضى وقت طويل في الجمهورية الإسلامية لم تعد تسير فيه الأمور وفق نفس الدستور.
لا شك أن وفاة إبراهيم رئيسي تخلق اضطراباً كبيراً في النظام. وما إذا كان هذا الاضطراب سوف ينعكس في المجتمع فهذه نقطة أخرى سأناقشها في النهاية.
تؤكد الأحداث التاريخية في إيران أن من هم في السلطة يزيحون منافسيهم إذا لزم الأمر. وبحسب رأي البعض، فإن كلاً من رئيسي ومجتبى خامنئي (نجل المرشد الإيراني) كانا آخر المرشحين الرئيسيين لخلافة المرشد علي خامنئي، وبالتالي فإن وفاته تغذي النظريات حول إمكانية التخلص منه، وبالنظر إلى تاريخ النظام الإيراني في إزاحة المنافسين، سيكون من الصعب على الحكام إنكار هذه الفرضية.
ولكن إذا كانت وفاة رئيسي حدثا غير متوقع، فيمكن أن تؤدي إلى عواقب مختلفة، ليست مواتية للغاية لنظام ولاية الفقيه.
بعد الانتخابات الرئاسية (عام 2021) وانتخابات البرلمان ومجلس خبراء القيادة (2024) اللتين أجريتا بمقاطعة- غير مسبوقة- من الإيرانيين وأدنى نسبة مشاركة، فإن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة يشكل مشكلة وتحدياً مفاجئا للنظام الحاكم.
وفي ظل هذه المقاطعة فإن محاولة إقناع المواطنين بالتصويت ليس بالأمر السهل بالنسبة للنخبة الحاكمة في النظام الإيراني، لكنه ضروري- في الوقت نفسه- لإظهار أن النظام لا يزال يتمتع بالشرعية في نظر الشعب.
ليس هناك شك في أن هذا الصراع على السلطة، لاسيما على منصب الرئاسة سيكون أكثر حدة. ويمكن لهذه المنافسة الشرسة أن تخلق مساحة لأولئك الذين تم استبعادهم، بل وربما ستعطي قوة جديدة للحركة الاحتجاجية في الداخل.
إن وفاة إبراهيم رئيسي وحدها لا تزيد من قوة المهمشين والمستبعدين من قبل نظام المرشد، لكنها يمكن أن تخلق الحركة فيهم، وتجعلهم يسعون للمطالبة بحصة من السلطة مرة أخرى، ومحاولة فتح مجال للتنفس، ولعب دور في الحكم.
وسيحاولون السير في هذا الاتجاه من خلال التحدث إلى الرأي العام، ومن خلال تسليط الضوء على الصراعات الداخلية للطبقة الحاكمة.
ومن المرجح دائمًا أن تؤدي الأحداث غير المتوقعة إلى نتائج غير متوقعة.
إن النهج الذي يتبعه قادة النظام الإيراني فيما بينهم للاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها يجعل جميع الخيارات مطروحة دائمًا على الطاولة: من الاحتيال إلى الحبس إلى التصفية الجسدية.
ولديهم بالطبع كل الخيارات على الطاولة في مواجهة الشعب وأولئك الذين يحتجون على السلطة؛ من التقييد إلى القمع والسجن والقتل.
إن وفاة إبراهيم رئيسي، في حد ذاتها، لا تحدث تغييرا كبيرا في هذا الوضع، لكنها توفر بيئة مواتية للغاية يمكنها أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة.

جاء تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أدى لمقتله والوفد المرافق له، كحدث غير متوقع فاجأ الرأي العام المحلي والدولي.
هذا الحدث المميت سيكون له تأثير على توازن القوة داخل نظام الجمهورية الإسلامية، بغض النظر عما إذا كان تحطم الطائرة ناتجا عن سوء الأحوال الجوية أو مؤامرة داخلية أو خارجية.
هذا التأثير يظهر في ظل تساؤل كان يدور خلال الفترة الماضية عما إذا كان رئيسي هو من سيخلف المرشد الإيراني علي خامنئي أم كان يتم إعداد شخصية أخرى لهذا المنصب؟
وإذا كان الظهور المفاجئ لإبراهيم رئيسي في السياسة الإيرانية خلال السنوات الثماني الماضية سياسة واعية ومدروسة من قبل النواة الصلبة للسلطة لتولي الإدارة العليا للنظام في مرحلة ما بعد خامنئي، فإن وفاة رئيسي المفاجئة تعتبر خسارة للنظام، وقد تؤدي إلى نوع من الارتباك المحدود حتى إشعار آخر.
لكن لو كان رئيسي كان أحد الخيارات المطروحة فحسب، فإن الموضوع لن يكون بهذه الحساسية، خاصة إذا كانت هناك خيارات أخرى.
وتظهر سجلات رئيسي أنه كان إحدى القوى الموثوقة في النواة الصلبة لنظام الجمهورية الإسلامية، وأحد الشخصيات الأمنية والقضائية المهمة في هذا النظام. وكان له دور فعال في هيكل القمع بشكل مستمر، ونما تدريجياً في هرم هيكل السلطة.
كان الرئيس الراحل ينتمي إلى الاتجاه الراديكالي للنظام، الذي أصر على الحفاظ على صورة كلاسيكية، ومساحة سياسية ثقافية مغلقة، وإجراءات أمنية صارمة، ومقاومة أي نوع من المطالبة بالإصلاح.
في الوقت نفسه، لم يكن رئيسي يتمتع بمكانة خاصة في السلطة التنفيذية يصعب استبدالها. المشكلة الوحيدة بالنسبة للنظام هي عدم الاستعداد لإجراء انتخابات جديدة بعد أشهر قليلة من الانتخابات النيابية.
كما أن اتخاذ قرار بشأن الرئيس التاسع قبل أحد عشر شهراً من انتخابات الدورة الرئاسية الرابعة عشرة هو وضع غير سار يضع النظام في حالة طوارئ.
وبما أن غالبية الشعب الإيراني أصبحت غير مبالية بالانتخابات في إيران منذ عام 2019، فمن غير المرجح أن تحظى الانتخابات الرئاسية المبكرة باهتمام خاص بينهم.
كما أنه من غير المتوقع أن تسمح النواة الصلبة للسلطة بالحد الأدنى من المنافسة في الانتخابات المقبلة، أو أن تصبح أجواء الانتخابات أكثر انفتاحًا مما كانت عليه في عام 2021، حتى أنه من الوارد أن يصبح تنظيم الانتخابات صوريا على غرار ما حدث بعد مقتل محمد علي رجائي في اختيار المرشحين في انتخابات الدورة الرئاسية الثالثة.
ومن غير المرجح أن يجد الإصلاحيون والمعتدلون فرصة للظهور. وبدلاً من التعبير عن السعادة بتعاطفهم الحالي مع رئيسي، فإن النواة الصلبة للسلطة ستظهر سجلات تعاملاتهم السابقة، وستنفخ في أتون عداء ولاية الفقيه لهم.
لكن عنق الزجاجة الرئيسي للنظام في الفترة الانتقالية هو القضايا التنفيذية.
وإلى أن يتم إجراء انتخابات جديدة وتشكيل الحكومة الرابعة عشرة، فإن السلطة التنفيذية معلقة فعليا. ونظراً للتحديات المختلفة التي تواجهها البلاد وأزمات النظام، فقد تصبح هذه القضية عاملاً مزعزعاً للاستقرار.
لذلك، قال خامنئي، في أول رد فعل له، إن غياب رئيسي لن يسبب تعطيلاً لمؤسسات الحكم والأنشطة الحكومية!
في الواقع، يحاول خامنئي إدارة عواقب وفاة رئيسي غير المتوقعة، وآثارها الصادمة على تراجع الثقة في المستقبل بين كوادر النظام الحاليين، حتى يمكن إدارة الانتقال من الحكومة الثالثة عشرة إلى الفترة المقبلة بهدوء.
ويظهر نمط سلوك خامنئي في السنوات الماضية أنه سيتم تعيين خلف محتمل لرئيسي خلف الكواليس وقبل التصويت، لكن اختيار هذا الشخص وإعداد كتلة السلطة لقبوله على المدى القصير، في ظل الارتباك الذي ظهر في المعسكر الأصولي في الانتخابات البرلمانية الثانية عشرة، ليست بالمهمة السهلة، رغم عدم وجود صعوبة كبيرة في تكريس الخيار المنشود.
ومن خلال تأجيج الأجواء العاطفية و"استشهاد" رئيسي، سيحاول النظام وضع شخص منه على رأس السلطة التنفيذية، من حيث المواقف والولاء والطاعة الخالصة لخامنئي.
كما يمكن لتدخل خامنئي أن يرمم الفوضى التي نشأت في صفوف الأصوليين في الأفق الزمني للانتخابات المبكرة، بشكل مؤقت وسلطوي.
كان الناتج الدائم لرئيسي، الذي أثار أداؤه الضعيف العديد من الاحتجاجات داخل القاعدة الاجتماعية للأصوليين، هو جعل الرئاسة بلا معنى وخفض رتبتها إلى المساعد التنفيذي للمرشد الأعلى. ويبدو أن هذا الإرث سيستمر في إطار التطورات السياسية والخطابية داخل النظام.
لكن وفاة رئيسي، سواء كان الخيار المفضل لخلافة خامنئي أم لا، يعزز موقع البديل لنجل المرشد الإيراني مجتبى خامنئي.
إن خيارات خلافة خامنئي محدودة، ونظراً لعمر خامنئي واحتمال وفاته في السنوات المقبلة، فإن تربية شخص معتدل وترقيته في فترة عدة سنوات مهمة مستحيلة، إلا إذا تجاوز عمر خامنئي تسعين عاماً.
في هذه الحالة، يتم النظر في الخيارات المتاحة. وبالإضافة إلى من يعتبر مجتبى خامنئي يتمتع بالصفات والخصائص اللازمة ويعتبرونه الخيار "الأفضل"، فسيكون هناك أيضا من يقدمه على أنه الخيار الحتمي، ويدافعون عن خلافته باعتباره الخيار الوحيد المتاح.
وبطبيعة الحال، بما أن خامنئي أرسل هذا العام ابنه الأكبر مصطفى إلى ضريح الإمام الرضا في مشهد نيابة عنه في بداية العام، فمن المحتمل أنه هو المرشح الرئيسي الذي وجد الآن وضعًا أفضل في غياب رئيسي.
وأخيرا، تجدر الإشارة إلى أنه لا تزال هناك عقبات في نظام الجمهورية الإسلامية أمام توريث ولاية الفقيه، لكن خروج إبراهيم رئيسي من المسرح قلل من حدتها وقوتها، على الأقل نسبيا.
وهناك عقبة خطيرة أمام خلافة أبناء خامنئي، وهم رجال دين مثل غلام حسين محسني إيجه إي في صفوف كبار المسؤولين الحاليين في النظام، الذين يشكل افتقارهم إلى السيادة (من سلالة النبي) نقطة ضعفهم، لكنها لا تشكل رادعاً للخلافة.
وإذا لم تصبح ولاية الفقيه وراثية، أو لم يحز أصحاب العمائم البيضاء منصب ولي الفقيه الثالث، أو لم يحدث وضع استثنائي حيث يستعيد حسن الخميني منصب جده، فمن الممكن أن يصبح أحد أصحاب العمائم السوداء من قوى النظام المعتدلة مرشدا رمزياً مثل الخلفاء من بني العباس منذ منتصف حكمهم إلى آخره، والذين كانت تيارات مؤثرة خلفهم تسيطر على مصادر السلطة الرئيسية.
والآن لا يمكن التكهن بشكل قاطع بهذا الأمر، ولكن يمكن القول بدرجة شبه عالية من اليقين إنه بعد وفاة رئيسي، أصبح توريث ولاية الفقيه أكثر جدية من ذي قبل.

بعد الإعلان عن تولي الهند إدارة وتطوير ميناء تشابهار الإيراني لمدة 10 سنوات، برزت تساؤلات عن الأسباب التي دفعت نيودلهي وطهران لتوقيع هذا الاتفاق، ومدى تأثيره في حركة التجارة بآسيا الوسطى، خاصة وأن تشابهار منافس لميناء غوادار الباكستاني، الأمر الذي قد يسبب قلقا مع باكستان والصين.
وعلى مدى العقدين الماضيين واجه مشروع تطوير ميناء تشابهار العديد من العقبات، وفي السنوات الثماني الماضية استثمرت شركة "إیندیا پورتس غلوبال" نحو 85 مليون دولار في هذا الميناء، منها 25 مليون دولار تتعلق بمحطة شهيد بهشتي.
ما هي أهمية تشابهار بالنسبة للهند وإيران؟
هدف الهند هو تولي إدارة طويلة المدى لهذه المحطة لتصدير البضائع إلى دول آسيا الوسطى وأفغانستان؛ الأسواق المهمة التي ساهمت بنسبة 1% فقط من إجمالي التجارة الخارجية للهند، وتحتاج هذه الدولة إلى عبور بضائعها من الدولة المنافسة "الصين" أو الدولة المعادية "باكستان" للتبادلات التجارية مع هذه المنطقة.
وتعتزم الهند أيضاً جعل التجارة مع روسيا أكثر سلاسة عبر إيران؛ ورغم أن هذه المسألة تتطلب المزيد من التطوير للمشاريع الإيرانية اللوجستية؛ وخاصة استكمال خطي السكك الحديدية "تشابهار – زاهدان"، " ورشت –– آستارا"، اللذين ظلا في انتظار الاستثمار والتطوير منذ عقدين من الزمن.
تكمن أهمية تشابهار بالنسبة لإيران في زيادة الدخل من عبور البضائع الأجنبية. وهي مسألة لم تتحقق حتى الآن بسبب عدم استكمال خطي تشابهار للسكك الحديدية.
في العام الماضي، كان لدى إيران ما يقرب من 15 مليون طن من البضائع الأجنبية العابرة، منها 15 ألف طن فقط (واحد بالألف) تم نقلها من ميناء تشابهار.
ومع ذلك، تضاعفت واردات إيران وصادراتها من هذا الميناء خلال السنوات الماضية، ووصلت إلى أكثر من 4 ملايين طن في العام الماضي، والتي كانت لها حصة تزيد عن 2٪ في إجمالي تفريغ وتحميل بضائع الواردات والصادرات في البلاد عام 2023.
أهداف الهند
في السنة المالية الماضية (أي ما يعادل تقريبًا السنة الشمسية في إيران والتي انتهت في 19 مارس/آذار الماضي)، كان لدى الهند ما يزيد قليلاً عن مليار دولار من التجارة مع 5 دول في آسيا الوسطى، وحوالي مليار دولار من التجارة مع أفغانستان، والتي ظلت راكدة تقريبا، ولم تزد في السنوات القليلة الماضية.
كما أن معظم تجارة الهند مع آسيا الوسطى تتم عبر كازاخستان والصين.
ومن أجل تجارة السلع مع الدول المذكورة، يجب أن تكون الهند مرتبطة بها عن طريق الصين أو باكستان.
وتشهد باكستان نزاعًا إقليميًا مع الهند حول منطقة كشمير منذ عقود، ورغم أنها طريق تقليدي للتجارة بين الهند وأفغانستان؛ لكن لأول مرة فقط في عام 2022، صدر الإذن بعبور البضائع الهندية إلى أوزبكستان.
كما تعد الصين منافسًا تجاريًا للهند، وبالمناسبة، فقد قامت بتطوير ميناء "غوادار" الباكستاني القريب من تشابهار على مدار العقد الماضي، ووقعت عقودًا تزيد قيمتها على 50 مليار دولار لتطوير البنية التحتية للنقل والطاقة في باكستان، كما أنها تخطط لربط خطوط السكك الحديدية الباكستانية بأفغانستان.
وقد زادت الصين بشكل كبير من عبور البضائع من آسيا الوسطى إلى الغرب في السنوات القليلة الماضية.
وبالمقارنة بالتجارة التي تبلغ قيمتها مليار دولار بين الهند وآسيا الوسطى، تظهر إحصاءات الجمارك الصينية أن حجم التجارة مع هذه الدول بلغ 90 مليار دولار في العام الماضي، وهو ما يزيد بنسبة 27% عما كان عليه في عام 2022.
وأمام هذه التحديات تبحث الهند عن طرق بديلة لتطوير تجارتها. ففي العام الماضي، تم التوقيع على مذكرة تفاهم لتطوير مشروع العبور الضخم بين الهند والإمارات العربية والسعودية وأوروبا؛ لكن هذا الطريق لا يساعد النمو التجاري للهند وآسيا الوسطى أو أفغانستان.
وتمتلك دول آسيا الوسطى، وخاصة كازاخستان، موارد نفطية هائلة، وهي أسواق مستهدفة مهمة لحكومة نيودلهي.
وتشير إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى أن 5 دول في آسيا الوسطى صدرت ما قيمته 143 مليار دولار، واستوردت ما قيمته 95 مليار دولار من السلع والخدمات العام الماضي. في حين أن حصة الهند من التجارة الخارجية لهذه البلدان، البالغة 238 مليار دولار، لا تمثل حتى نصف في المائة. وتبلغ حصة هذه الدول في التجارة الخارجية للهند حوالي نصف في المائة.
الموانع العقبات
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعفت تطوير ميناء تشابهار الإيراني، بالتعاون مع الهند، من العقوبات، إلا أن بقاء إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)، وحظر وصولها إلى نظام "سويفت" المالي يشكل تحديا كبيرا أمام تطوير الميناء وتوسيعه.
من ناحية أخرى، وبسبب هذه العقوبات، لا تستطيع إيران تصدير النفط إلى الهند لتسوية ديونها، وشكلت وارداتها من الهند العام الماضي ما يقرب من ثلث صادراتها إلى نيودلهي، بعبارة أخرى، يبلغ الميزان التجاري غير النفطي بين البلدين نحو مليار دولار لصالح الهند.
مشكلات وتحديات التطوير
لكن هذه القضية تعد غيضا من فيض عند الحديث عن المشكلات والتحديات اللوجيستية التي تواجه فكرة توسيع وتطوير ميناء تشابهار الإيراني، جنوب شرقي البلاد.
لقد فشلت إيران في تطوير مشروع سكة حديد تشابهار- زاهدان في العقدين الماضيين، ما جعلها تواجه صعوبات كثيرة في نقل البضاعة من الهند وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، بحيث أصبحت مضطرة إلى تفريغ الحمولات عدة مرات، وبعد النقل البحري، تقوم بنقلها إلى الدول المستهدفة.
وعملية النقل بهذه الطريقة المعقدة ضاعفت من التكاليف كما تستغرق العملية وقتا أطول بكثير.
ولا ترغب دول آسيا الوسطى في تحميل بضائع صادراتها عدة مرات.
وفي العام الماضي تم عبور 15 ألف طن فقط من البضائع من ميناء تشابهار، وهو ما يعادل 1 في الألف من إجمالي عبور البضائع الأجنبية عبر الأراضي الإيرانية.
كما أن خطوط السكك الحديدية الإيرانية لا تنقل سوى 10% من إجمالي عبور البضائع الأجنبية، في حين أن أهم مجال للنقل البري في العالم يرتبط بتوفر خطوط السكك الحديدية.
وإذا عقدنا مقارنة بين إيران وجمهورية أذربيجان في هذا الملف، نجد أن جمهورية أذربيجان تنقل ضعفي البضاعة المصدرة عبر الأراضي الإيرانية، وتصل هذه النسبة إلى 5 أضعاف في عبور البضائع الأجنبية عبر خطوط السكك الحديدية.
أما الوضع في دول آسيا الوسطى فهو أفضل بكثير منه في أذربيجان بسبب عبور البضائع الروسية والصينية.
وتتمحور فكرة ميناء تشابهار الرئيسية بالنسبة للهند في عبور البضائع عبر إيران؛ لكن إحصائيات البنك الدولي تظهر أن إيران تمتلك أسوأ مؤشر للكفاءة اللوجستية في المنطقة بعد أفغانستان، وحتى العراق يحتل مرتبة أعلى من إيران.
على أية حال، لا تزال الهند تأمل على المدى الطويل، من خلال توليها إدارة محطة بهشتي في ميناء تشابهار، أن تتمكن من رسم رؤية لتنمية تجارتها مع أفغانستان وآسيا الوسطى؛ خاصة وأن العقد المبرم بين إيران والهند لمدة 10 سنوات قابل للتجديد، ويمكن أن يستمر لعقود.
ومن خلال تولي إدارة ميناء تشابهار، تأمل الهند أيضًا في كسب المال من خلال وصول البضائع الأفغانية أو آسيا الوسطى إلى هذا الميناء وتحميلها إلى دول أخرى.
ويقتصر القسم الأكبر من البضائع القادمة من آسيا الوسطى عبر إيران حاليًا على نقل مادة الكبريت المنتج من تركمانستان إلى الأسواق العالمية، ويتم ذلك عبر خطوط السكك الحديدية التي تصل إلى بندر عباس؛ ولكن إذا تم الانتهاء من خط السكة الحديد زاهدان- تشابهار، فإن أقصر طريق سيكون ميناء تشابهار.