عين مسعود بزشكيان، بعد تسلمه رسميا منصبه كرئيس لإيران، محمد رضا عارف ليكون نائبا له، وكتب في قرار تعيينه: "ميثاقنا المشترك هو وثيقة الرؤية والسياسات العامة والخطة السابعة التي ينبغي تنفيذها بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات، والحصول على مشاركة الجميع وتعاونهم واستخدام كافة القدرات".
خلال مراسم تنصيب مسعود بزشكيان رئيسًا جديدا لإيران، التي أقيمت الأحد 28 يوليو (تموز) بحضور المرشد علي خامنئي، ومسؤولين ومواطنين ووفود من الداخل والخارج، تبادل الرئيس الجديد والمرشد تصريحات مطمئنة لبعضهما البعض بأنهما سيسيران على النهج السابق، ولو على حساب الشعب والمواطن الإيراني.
وقال خامنئي، في كلمته، مخاطبًا بزشكيان: "أعلن تعيينك رئيسًا للجمهورية الإسلامية في إيران"، وهي عبارة لم يستخدمها من قبل، وفسرها محللون إيرانيون بأن المرشد يريد التأكيد للرئيس الجديد أنه هو من يقوم بتعيينه، وبإمكانه عزله كذلك، في حال ساءت الأمور بينهما.
في المقابل طمأن الرئيس الجديد، في أول كلمة رسمية له، المرشد والنظام الإيراني، بأن مسؤوليته في قصر الرئاسة هي تحقيق الأهداف والالتزام بالرؤية التي وضعها خامنئي للبلاد.
عبارتان تبادلاهما المرشد ورئيس الجمهورية الجديد تكشفان عن مستقبل السياسة الإيرانية داخليًا وخارجيًا، خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
ووضع خامنئي، في كلمته، أمام الرئيس الجديد، أولويات النظام، في السياسة الداخلية والخارجية؛ حيث أوصاه بالتقارب والعمل مع دول الجوار وآسيا وأفريقيا والشرق المتمثل بالصين وروسيا، واستثنى الولايات المتحدة والدول المتقدمة والأوروبية؛ لمعارضاتها سياساته وانتقادها لأوضاع حقوق الإنسان في إيران.
ولم يتحدث خامنئي أو الرئيس الجديد عن العقوبات، التي قصمت ظهر المواطن الإيراني، لكن المرشد أكد ضرورة أن يحتل الاقتصاد وحل المشكلات الاقتصادية، صدارة أولويات الحكومة، وهي "الأولوية"، التي تتعارض مع سياسات النظام الخارجية، سواء في المنطقة أو العالم.
حديث خامنئي هذا وتوصياته للحكومة بالحفاظ على النهج السابق في التعامل مع القضايا الساخنة داخليًا وخارجيًا يعني أن العقوبات الدولية، والضغوط على المواطن، والفجوة بين الشعب والنظام، ستبقى على حالها أربعة أعوام مقبلة؛ لأن ما ذكره المرشد، خلال مراسم تنصيب بزشكيان، تكرارًا لمكررات وتأكيدًا لمؤكدات سابقة ملّ منها المواطن الإيراني، الذي يكاد لا يرى تغييرًا أو إصلاحًا إلا في "موت المرشد"، بعد أن فشلت انتفاضاته واحتجاجاته السابقة المطالبة بالتغيير.
أما المفاجئ في حديث بزشكيان، خلافًا لتصريحاته في المناظرات الانتخابية بشأن دفاعه عن حقوق المواطنين الاجتماعية والسياسية، هو تأكيده، خلال المراسم، أنه لا يختلف عن الرؤساء السابقين، مثل حسن روحاني، وحتى إبراهيم رئيسي في الخنوع للمرشد، بل وأكد أيضًا أنه جاء رئيسًا؛ لتنفيذ سياسات المرشد وأهدافه.
ولم يتحدث المسؤولان الأول والثاني في النظام عن تحذيرات الخبراء من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن خامنئي أوصى الحكومة الجديدة بأمر اعتبره المحللون الإيرانيون "مضحكًا"، وهو "أن تكون مواجهة الحكومة للأزمات، مثل قدرة الذكاء الاصطناعي على حل المشكلات"، لكن المرشد نسى أو تناسى أن الذكاء الاصطناعي مبني على الحداثة العلمية والإنترنت القوي، في حين يعاني المواطن الإيراني قطع هذه الخدمة الضرورية؛ حيث لا يمكنه استخدامها، إلا عبر بطاقات كسر الحجب!
والنتيجة، التي خرج بها المواطن الإيراني، بعد مراسم تنصيب بزشكيان، هي أنه تم خداعه مرة أخرى في وعود إصلاحي جديد، وأن سياسة النظام الداخلية والخارجية ستبقى على حالها دون تغيير، خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
وأقتبس هنا تعليقًا من زميلي في "إيران إنترناشيونال"، المحلل والدبلوماسي السابق، حسين علي زاده، حول بدء الرئيس الجديد مهامه والأمل في التغيير: "ما لم نغير مسار السكة الحديد سنكون أمام المصير نفسه ذهابًا وإيابًا، حتى لو غيّرنا القطار وجميع العربات والسائق".
وفي قضية الحكومة الجديدة "القطار هو القطار والسكة هي السكة"، التي سار عليها نجاد وروحاني ورئيسي.
بعد وقت قصير من بدء تركيا تصدير الكهرباء إلى العراق، هذا الأسبوع، قامت إيران بوقف إمداداتها لجارتها؛ بسبب تفاقم العجز في إنتاج الطاقة المحلية بشكل متزايد؛ حيث تواجه طهران هذا العام عجزًا يصل إلى 25 بالمائة من إجمالي الطلب على الكهرباء في البلاد.
وأفادت وكالة الأنباء العراقية الوطنية، في 23 يوليو (تموز) الجاري، بأن محافظة ديالى شهدت انقطاعًا كبيرًا في التيار الكهربائي؛ نتيجة توقف إمدادات الكهرباء الإيرانية من خطي النقل، وذلك لأسباب غير معروفة.
وأشار تقرير الوكالة العراقية إلى أن إيران أوقفت تصدير 250 ميغاوات من الكهرباء، في حين تحتاج المنطقة إلى 900 ميغاوات؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وتبلغ سعة نقل خطي النقل من إيران إلى ديالى العراقية 550 ميغاوات، ومع ذلك، لم تقدم إيران سوى 250 ميغاواط إلى ديالى، حتى 20 يوليو الجاري، نتيجة العجز المحلي الكبير.
ووفقًا لإحصائيات وزارة الطاقة الإيرانية، فقد انخفضت صادرات الكهرباء الصافية للبلاد بشكل كبير من عام 2012 إلى عام 2022، مما يشير إلى نقص متزايد في فائض الكهرباء المتاحة للتصدير؛ حيث استوردت طهران نحو ثلاثة تيراوات ساعة من الكهرباء من تركمانستان وأذربيجان، بينما صدّرت 4 تيراوات ساعة في عام 2022، حيث ذهبت الأغلبية إلى العراق، وهذا يضع صافي صادرات الكهرباء الإيرانية عند 1 تيراوات ساعة، وهو أقل ثماني مرات من مستوى عام 2012.
وأوقفت وزارة الطاقة الإيرانية الوصول العام إلى إحصائياتها في يونيو (حزيران) 2023. ومع ذلك، صرح بعض المسؤولين الإيرانيين بأن ميزان تجارة الكهرباء في البلاد كان صفرًا منذ الصيف الماضي، مما يعني أن إيران كانت تصدّر الكهرباء بما يعادل وارداتها، لكن يبدو الآن أن عجز الكهرباء في إيران خلال الصيف قد وصل إلى نقطة؛ حيث لم يعد بوسعها الحفاظ على صادراتها بنفس مستوى وارداتها.
وفي الوقت نفسه، أعلن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، في 22 يوليو الجاري أيضًا، بدء تصدير 300 ميغاوات من الكهرباء إلى العراق، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت بغداد منذ مارس (آذار) 2024 في استيراد الكهرباء من الأردن، كما تتفاوض الحكومة العراقية على صفقات مع المملكة العربية السعودية وعمان لاستيراد الكهرباء، رغم أن هذه الاتفاقيات لم يتم الانتهاء منها بعد.
وفي عام 2023، أطلقت تركيا 2800 ميغاواط من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ووفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن هيئة تنظيم سوق الطاقة في تركيا، فقد أضافت 3500 ميغاوات من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة، بالإضافة إلى 600 ميغاوات من القدرة الكهرومائية، إلى توليد الطاقة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مايو (أيار) 2024.
ويتجاوز نمو تركيا في قدرة توليد الكهرباء المتجددة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 أكثر من ضعف إجمالي نمو توليد الكهرباء في إيران من جميع أنواع محطات الطاقة خلال العام الماضي، وتخطط أنقرة لإضافة 7000 ميغاواط من الطاقة المتجددة هذا العام.
وفي المقابل، استهدفت الحكومة الإيرانية إطلاق 2850 ميغاوات من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح العام الماضي، لكنها لم تحقق سوى 2 بالمائة من هذا الهدف. وكانت معظم محطات الطاقة التي أطلقتها إيران حديثًا العام الماضي تعمل بالبخار والغاز، وبكفاءة تتراوح بين 29 بالمائة و33 بالمائة فقط.
وتواجه إيران هذا العام عجزًا في الكهرباء هذا الصيف يتراوح بين 14 ألفًا و18 ألف ميغاوات، أي ما يعادل 20 بالمائة إلى 25 بالمائة من الطلب على الكهرباء في البلاد.
كما تعتمد محطات الطاقة العراقية بشكل كبير على واردات الغاز الإيراني، ومع ذلك، تواجه إيران عجزًا كبيرًا في الغاز خلال فصل الشتاء، وتوقف تسليم الغاز إلى جارتها الغربية، ونتيجة لذلك، يفقد العراق 4000 إلى 5000 ميغاوات من قدرته على توليد الكهرباء في الشتاء بسبب انقطاع الإمدادات الإيرانية.
ورغم أن العراق مدد مؤخرًا اتفاقية استيراد الغاز مع إيران لمدة خمس سنوات مقبلة، فإنه يسعى إلى تنويع مصادر استيراد الطاقة، بما في ذلك استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران.
وحدد العراق هدفًا لوقف حرق الغاز بحلول عام 2028 وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030، وتعمل بغداد على تقليل اعتمادها الشديد على إمدادات الطاقة الإيرانية، التي تخضع لعقوبات تلزم الولايات المتحدة بإصدار إعفاءات كل أربعة أشهر.
كان المركز الإسلامي في هامبورغ بألمانيا محط اهتمام الصحافة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وقد أُثير حوله الكثير من الجدل، منذ تشكيل مجلس إدارته بحضور جد وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف. واتهم ممثلو "مجلس الشورى الوطني" مؤسسيه بالتسول. فكيف تم بناء هذا المسجد؟
وعلى الرغم من أن مركز هامبورغ الإسلامي قد حظي باهتمام في السنوات الأخيرة، باعتباره جوهر الدعاية للنظام الإيراني في أوروبا الغربية، فإن بناءه المثير للجدل في عام 1953 حتى افتتاحه في عام 1965 اتخذ مسارًا طويلًا ومعقدًا.
الجدير بالذكر أن الحكومة الألمانية، قد حظرت أنشطة المركز الإسلامي في هامبورغ في 24 يوليو (تموز) الجاري، وذلك في بيان رسمي؛ حيث اتُهم هذا المركز بنشر أيديولوجية نظام الجمهورية الإسلامية، ودعم حزب الله اللبناني، والعمل ضد الدستور الألماني.
دور جد ظريف
قبل 70 عاماً، وتحديداً في يوليو 1953، وافق حسين طباطبائي بروجردي، أهم مرجعية لدى الشيعة في عصره، على بناء مسجد في هامبورغ، وكانت فكرة بناء هذا المسجد قد طرحتها عليه مجموعة من الأثرياء الإيرانيين الذين يعيشون في أوروبا.
وعين بروجردي مجلس إدارة مكونًا من تسعة أعضاء لبناء المسجد، وكان أول عضو في مجلس الإدارة، هو الحاج علينقي كاشاني، جد محمد جواد ظريف، وزير خارجية الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني (جده لأمه)، والأشخاص الثمانية الآخرون كانوا من التجار ورجال الأعمال في عصرهم.
وفي مقال بعنوان "الدكتور سيد حسين فاطمي نجم في سماء المناضلين المناهضين للاستعمار والاستبداد" ذكر عضو الجبهة الوطنية، ناصر تكميل همايون، أن حسين فاطمي، وزير خارجية حكومة محمد مصدق، من سبتمبر (أيلول) 1952 حتى أغسطس (آب) 1953، كان أحد الرواد والداعمين لبناء هذا المسجد في هامبورغ؛ لأن فاطمي كان يرى أن "الحضارة والمعارف الإسلامية المزدهرة" يجب أن تُستخدم كمعقل لمواجهة الأعداء.
وقام مجلس إدارة بناء المسجد في هامبورغ بشراء أرض بقيمة 250 ألف مارك ألماني، في أكتوبر (تشرين الأول) 1957، وبدأ البناء في فبراير (شباط) من العام نفسه.
واستمر بناء المسجد في هامبورغ، مع بعض الانقطاعات الطويلة، ومع وفاة بروجردي في مارس (آذار) 1961، أصبحت الانقطاعات أطول.
المسجد الإيراني أم مركز هامبورغ الإسلامي؟
وبوفاة بروجردي، الذي أدار تمويل بناء المسجد، غيّر القائمون على البناء مسمى مسجد هامبورغ إلى "مسجد هامبورغ الإيراني"، وحولوها من قضية دينية إلى قضية سياسية، وبدأ مجلس الإدارة عمله الإعلامي تدريجيًا، في سبتمبر (أيلول) 1961، بعد ستة أشهر من وفاة بروجردي.
وفي رسالة مفتوحة إلى الداعية الإيراني الشهير، محمد تقي فلسفي، تناول مجلس الإدارة مسألة بناء المسجد الإيراني في هامبورغ من قِبل وسائل الإعلام الأجنبية، وكتبوا في هذه الرسالة: "إن تعليق بناء المسجد هو هزيمة لا تُعوض أمام الأجانب وضربة قاصمة للكرامة الدينية والوطنية لشعب إيران الكريم".
وبالإضافة إلى ذلك، أشار أعضاء مجلس الإدارة إلى إمكانية توقف أعمال البناء بسبب الديون، وأعلنوا رقم حساب في إيران مطالبين بالمساعدة العامة. وفي رد إيجابي على هذه الرسالة، دعا فلسفي الناس لمساعدتهم.
وأكمل مجلس الإدارة أخيرًا هيكل المسجد، في ديسمبر (كانون الأول) 1962. وفي حفل غريب، قام أولاً محمد حسن سالمي، حفيد أبوالقاسم كاشاني، أحد رموز حركة تأميم النفط، والذي كان طالباً في كلية الطب آنذاك، بقراءة القرآن الكريم. ومن بعده، قام محمد محققي، الممثل الذي عيّنه بروجردي في مسجد هامبورغ، بوصف بناء المسجد وهندسته.
وقال محققي في هذا الحفل: "نحن إيرانيون، وأردنا أن يكون مسجدنا في هامبورغ مثالاً لمساجد بلادنا حتى نظل نتذكر وطننا الحبيب". وفي هذا الحفل تم تركيب تاج من الزهور على شكل "الله" على القبة وشرب الحضور أكوابًا من عصير الكرز بدلاً من النبيذ.
مزيد من الضغط للحصول على المال
وعلى الرغم من اكتمال هيكل المبنى، فإن مجلس إدارة المسجد ظل يطلب من خلال الصحافة المزيد من المساعدة لإكمال بنائه.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة "سبيد وسياه" تقارير متكررة عن المساجد الإيرانية في الدول الأوروبية، وكتب مجلس إدارة مسجد هامبورغ، في منشور له، أنه من العار على إيران ألا يتم الانتهاء من بناء المسجد.
ونشرت المجلة المذكورة رسالة من مجلس إدارة المسجد، في عددها 593 الصادر بتاريخ 15 يناير (كانون الأول) 1965، موضحًا فيها أنه بعد وفاة بروجردي، ومن أجل تجنب الكثير من الأضرار، حصلوا على قرض من بنك برينكمان فيرثس في هامبورغ، وبهذا أكملوا أعمال هيكل للمسجد.
وأكد مجلس الإدارة كذلك أن المسجد مدين للبنك بمبلغ 172 ألف مارك، و27 ألف مارك لشركات المقاولات، وطالب بـ 720 ألف مارك للمضي قدماً في تنفيذ المشروع.
أشار المجلس، في هذه الرسالة أيضًا، إلى تقرير صحيفة "همبرغر آباند بلات" بعنوان "المسجد المهجور"، وقال إن سلطات هامبورغ تضغط عليه لإنهاء البناء، وإن كرامة إيران وسمعتها في ألمانيا قد تتضرر، وفي نهاية هذه الرسالة، طلب من إيران، حكومة وشعبًا المساعدة في استكمال أعمال "المسجد الإيراني".
200 ألف تومان من الموازنة السنوية
ومن المثير للاهتمام أن مجلس إدارة المبنى والصحافة نشرا هذه المواد في وقت مراجعة الموازنة السنوية في المجلس الوطني الإيراني، وبعد عشرين يومًا من نشر رسالة مجلس الإدارة في مجلة "سبيد وسياه"، انشغل المجلس الوطني بمراجعة مشروع قانون موازنة 1965 في جلسته المنعقدة بتاريخ 4 فبراير 1965، وجاء في المادة الثانية ما يلي: "يجوز للمجلس الوطني تخصيص مبلغ مليوني ريال من فائض موازنة المجلس عام 1965 للمساعدة في استكمال بناء المسجد الإيراني في هامبورغ...".
وكان مبلغ المليوني ريال في ذلك الوقت يعادل نحو 100 ألف مارك ألماني، بينما المبلغ الذي طلبه مجلس إدارة المسجد في رسالته 720 ألف مارك ألماني، ومن الواضح أن المبلغ المخصص كان قليلاً جدًا ولا يلبي احتياجاتهم.
ومع ذلك، عارض البرلمانيون هذا الرقم، وفي هذا الاجتماع عارض عضو المجلس الوطني في ذلك الوقت، حسن مصطفوي نائيني، المادة الثانية، قائلاً: "إن المباني الخيرية، مثل المساجد وخزانات المياه، التي بُنيت في الماضي كانت بجهود المحسنين، وفي زمن آبائنا لم تكن هناك حكومة ولا ميزانية".
وأكد مصطفوي كذلك أن رجال الأعمال الإيرانيين في هامبورغ لديهم إمكانات مالية كثيرة، مضيفًا: "لا أدري ماذا يعني أن الأموال تُرسل من ميزانية المجلس الوطني إلى مسجد يريدون استخدامه وأداء فرائضهم الدينية فيه".
وقال عضو المجلس الوطني، محمد إسماعيل معيني زند، ردًا على مصطفوي، إن حالة المسجد مزرية للغاية ويجب مساعدته.
وأضاف عضو لجنة الحسابات بالمجلس الوطني، عباس أسدي سميع، ردًا على مصطفوي أيضًا: "تنص قواعد وأنظمة البلديات الألمانية على أنه إذا لم يتم بناء المبنى خلال فترة معينة ولم يكتمل، فإن المبنى سيتم بيعه بالمزاد، وهناك دول أخرى اقترحت شراء هذا المسجد غير المكتمل وإكماله باسمها، وبالإضافة إلى كونه نقطة تجمع للمسلمين الإيرانيين في هذا الجزء من ألمانيا، فإن هذا المسجد يعد مثالاً للذوق والفن المعماري الإيراني الذي يمثل خصائص الإيرانيين في بلد أجنبي".
وبعد ذلك، ذكر أسدي سميع الأنشطة الخيرية للابن الأكبر لشاه إيران، محمد رضا بهلوي، وقال إن الشاه ساهم أيضًا بمبلغ في هذا المسجد، ولهذا السبب قرروا المساعدة من ميزانية البرلمان مثل العديد من المنظمات الأخرى التي مولت هذا المسجد. وتم التصويت حول هذه المادة والموافقة على تخصيص مائتي ألف تومان للمسجد من موازنة المجلس الوطني.
هروب محمد بهشتي
وبعد مرور عام على أحداث 1964، تم افتتاح المسجد الإيراني في هامبورغ عام 1965، وتزامن افتتاح المسجد مع رحلة رجل الدين والسياسي الإيراني، محمد بهشتي، إلى ألمانيا.
وقال بهشتي، في مقابلة إنه نظرًا لذكر اسمه في ملف اغتيال السياسي الإيراني البارز، حسن علي منصور، على يد مجموعة "فدائيان إسلام" تم توفير جواز سفر له من قِبل المرجع الديني، أحمد خونساري، وتوجه إلى ألمانيا في مارس 1965 لإدارة المسجد الإيراني في هامبورغ.
وكان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها بهشتي بعد وصوله إلى هامبورغ هو تغيير اسم المسجد؛ حيث قام بتغيير اسمه من "مسجد هامبورغ الإيراني" إلى "مركز هامبورغ الإسلامي"، وبقي الاسم حتى يوم إغلاقه يوم الأربعاء الماضي من قِبل السلطات الألمانية.
وكان بهشتي منخرطًا في تطوير الأنشطة الأيديولوجية والدينية في هذا المركز حتى يونيو (حزيران) 1970، وبحسب قوله: "نعمل على إنشاء منظمات إسلامية للطلاب".
بعد بهشتي، ترأس محمد مجتهد شبستري المركز الإسلامي في هامبورغ حتى ثورة 1979.
وتغيرت وظيفة المسجد الإيراني الكبير في هامبورغ، منذ أن غيّر بهشتي اسمه، وحتى صيف عام 2024، عندما أغلقت الحكومة الألمانية المركز رسميًا؛ حيث كان مكانًا لنشر أيديولوجية نظام الجمهورية الإسلامية.
ذكرت مصادر لـ"إيران إنترناشيونال" أن الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد تعرض في 15 يوليو (تموز) الجاري لمحاولة اغتيال فاشلة من خلال عمل تخريبي داخل السيارة التي كانت تستخدم في تحركاته.
وفي مساء يوم الاثنين 15 يوليو (تموز)، كان أحمدي نجاد يستعد ومرافقيه للمغادرة إلى مدينة زنجان للمشاركة في مراسم عزاء في يوم التاسع من محرم. وقبل مغادرته، جلس فريقه الأمني كالعادة في السيارة الرئيسية للرئيس الإيراني الأسبق -التي كانت من طراز تويوتا لاند كروزر- لفحص السيارة.
وبعد فحص السيارة، طلب رئيس الفريق الأمني من أحمدي نجاد ركوب سيارة أخرى، واشتكى من عدم إصلاح مكيف السيارة.
ووفقا للمعلومات التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، فإنه على طول طريق كرج - قزوين السريع، وبعد أن قطعوا ربع الطريق، خرج جهاز التحكم في التوجيه والمكابح في السيارة (لاند كروز) التي كان من المفترض أن يستقلها أحمدي نجاد، عن سيطرة السائق بشكل مفاجئ.
وانعطفت هذه السيارة، التي خرجت عن سيطرة السائق، ثلاث مرات في المسار الذي كانت تسير فيه سيارات أخرى عابرة بسرعة عالية، وبعد أن انحرفت مرتين إلى اليمين واليسار اصطدمت بالجدار الخرساني في منتصف الطريق السريع، ثم اصطدمت بسيارة أخرى من السيارات التي كانت ضمن فريق أحمدي نجاد الأمني، ثم بعد ذلك اصطدمت بسيارة من نوع بيجو قبل أن تتوقف على الجانب الأيمن من الطريق السريع.
وبحسب المعلومات فإن أحد ركاب السيارة البيجو أصيب بجروح طفيفة وتم نقله إلى المستشفى.
عملية تخريبية داخل السيارة
وقبل يوم واحد من هذه الرحلة، قام الفريق الأمني لأحمدي نجاد بتسليم سيارة النقل الرئيسية الخاصة به، أي سيارة تويوتا لاند كروزر، إلى الوحدة المعنية في المؤسسة الرئاسية لإصلاحها بسبب خلل في المكيف.
وبحسب المعلومات التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، فإنه بعد تسليمها إلى المؤسسة الرئاسية، خلافاً للإجراءات المعتادة، بدلاً من نقلها إلى ورشة التصليح المعنية بتصليح سيارات هذه المؤسسة، تدخل "عناصر الأمن الخاص"، من الوحدة المختصة في هذه المؤسسة، ونقلت السيارة إلى جهة مجهولة.
وقالت مصادر "إيران إنترناشيونال" إن عملية تخريب تمت على سيارة لاند كروزر في هذا المكان المجهول، ومن ثم أعيدت السيارة إلى فريق حماية أحمدي نجاد تحت عنوان أنه "تم إصلاح مكيف السيارة".
ولم تحدد مصادر "إيران إنترناشيونال" المؤسسة التي ينتسب إليها "عملاء الأمن الخاص" المشار إليهم، لكن بحسب موقعهم التنظيمي، فإن القوات رفيعة المستوى التابعة لإحدى الفئات الثلاث للحرس الثوري الإيراني - منظمة استخبارات الحرس الثوري، ومنظمة حماية الاستخبارات التابعة للحرس الثوري الإيراني وفيلق "ولي الأمر" - لديها القدرة على مثل هذه التصرفات، وأخذ سيارة أحمدي نجاد إلى وحدة الإصلاح الرئاسية دون التنسيق ودون خلق حساسية أمنية، والقيام بعملية تخريب ثم إعادتها إلى الورشة المذكورة.
وقد سجل محمود أحمدي نجاد نفسه للترشح للانتخابات الرئاسية هذا العام، ولكن تم استبعاده من قبل مجلس صيانة الدستور. ولم يدعم أيًا من المرشحين الأصوليين، ولم يصوت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وتقول مصادر "إيران إنترناشيونال" إن التكاليف التي جلبتها تصرفات أحمدي نجاد هذه على النظام دفعت عملاء النظام إلى محاولة قتله.
وبحسب مصادر "إيران إنترناشيونال"، بعد خمسة أيام من محاولة الاغتيال الفاشلة وفي 20 يوليو (تموز)، أرسل مكتب أحمدي نجاد رسالة لإخطار "السلطات المسؤولة" عن عملية الاغتيال، واشتكى من وجود حالات عديدة لهجمات ومحاولات اغتياله.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أفادت قناة على تطبيق "تلغرام" تابعة لأحمدي نجاد أن مكتبه بعث برسالة إلى القادة وكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين المسؤولين "يحذرهم فيها من بعض التحركات والتصرفات المقلقة للغاية ضده، وطالبهم باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، والتعامل مع الأطراف المتورطة في هذه الأحداث".
وبعد أيام من تلك الحادثة أكد علي رضا بيغي، النائب البرلماني السابق وأحد الشخصيات المقربة من أحمدي نجاد، خبر قناة "بهار" التلغرامية، وقال لموقع "مرصد إيران": "منذ شهر أو شهرين، ازدادت محاولات اغتيال أحمدي نجاد، وتم تسليم وثائق هذه المحاولات إلى المؤسسات الأمنية".
وفي وقت سابق، وتحديدا عام 2018 ، أفادت وسائل إعلام محلية أن أحمدي نجاد قال: "قضية اغتيالي خطيرة، فهم يقتلون الشخص، وينظمون أيضًا مراسم عزاء له، ثم يتهمون الآخرين. لقد قمت بتسجيل هذه الملفات التي أعرفها ووضعتها في بعض الأماكن الآمنة".
ويعتبر بعض المراقبين أن ما نشره محمود أحمدي نجاد يوم 14 يوليو (تموز) على منصة "إكس"، والذي أدان فيه محاولة اغتياله، بعد محاولة الاغتيال الفاشلة ضد دونالد ترامب، واعتبر ذلك أحد أسباب قلقه من خطط النظام المحتملة لقتله.
وبحسب هؤلاء المراقبين، فإن الشكوك التي تحيط بسقوط المروحية التي كانت تقل إبراهيم رئيسي، والاشتباه في أنه قد يكون الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ضحية لصراع على السلطة داخل النظام، يمكن أن يكون أحد الأسباب التي دفعت محمود أحمدي نجاد إلى كتابة هذا المقال.
عززت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الفاشلة، فرصه في الفوز بانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2024؛ وقبل أربعة أشهر من انتخابات الرئاسة الأميركية، أيقنت السلطات الإيرانية تقريبًا بعودته. ومع تلك الإمكانية القوية ما الذي ينتظر النظام الإيراني؟
كان ترامب رئيسًا للولايات المتحدة من شتاء 2018 إلى شتاء 2020. وفي الوقت نفسه كان الإصلاحيون في إيران على رأس السلطة، برئاسة حسن روحاني.
وفي تلك الفترة، كان الإصلاحيون في ذروة السلطة، بالتعاون مع "كوادر البناء" والمعتدلين (تيار هاشمي رفسنجاني)، وتمكنوا من نقل قيادة المفاوضات النووية، التي كانت في المجلس الأعلى للأمن القومي، وتحت إشراف المرشد علي خامنئي، حتى رئاسة محمود أحمدي نجاد لإيران، إلى وزارة الخارجية.
وفي حكومة حسن روحاني، نجح مثلث محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الأسبق، وعباس عراقجي، كبير المفاوضين الإيرانيين في محادثات فيينا، وعلي أكبر صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية ووزير الخارجية الأسبق أيضًا، في إنهاء التوتر النووي القديم للنظام الإيراني من خلال الاتفاق النووي.
كان كل شيء يسير على ما يرام حتى أصبح ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، وانسحب من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، وعلى الرغم من أن الأوروبيين مازالوا ملتزمين بالاتفاق، فإن فرض عقوبات جديدة والسعي إلى ممارسة أقصى ضغط من قِبل الولايات المتحدة أدى عمليًا إلى دخول الاتفاق في غيبوبة.
ولسوء حظ الإصلاحيين، بعد ذلك انتشر فيروس كورونا (كوفيد- 19) في هذه الفترة، أي من عام 2018 إلى عام 2021، وشهد الوضع الاقتصادي في إيران أزمة غير مسبوقة، والتي كانت لها عواقب سياسية واجتماعية؛ وكان أبرز مثال على هذه التبعات هو الاحتجاجات الواسعة النطاق التي اندلعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
معدلات عالية من التضخم
بلغ معدل التضخم في نهاية عام 2017 نحو 9.6 في المائة، وفي نهاية عام 2018، وهو العام الأول الذي انسحب فيه ترامب من الاتفاق النووي، وصل معدل التضخم إلى 26.9 في المائة. وفي عام 2019، بلغ معدل التضخم 34.8 في المائة؛ وفي هذا العام قامت حكومة حسن روحاني برفع سعر البنزين ثلاث مرات، وبلغت نسبة التضخم في العام الأخير لحكومة روحاني، أي 2020، 36.4 في المائة.
وفي نهاية العام الإيراني الماضي (انتهي في 20 مارس/ آذار 2024)، بلغ معدل التضخم في إيران 52.3 في المائة، بحسب البنك المركزي.
وإذا تكررت العملية نفسها مع عودة ترامب، فإن معدل التضخم في نهاية العام الإيراني الحالي (مارس 2025) سيرتفع إلى 69.6 في المائة بزيادة 17.3 نقطة مئوية، وفي (مارس 2026) سيصل إلى 77.5 في المائة بزيادة 7.9 نقطة مئوية، وفي (مارس 2027) سيصل إلى 79.1 في المائة.
وبطبيعة الحال، إذا فقدت العملة الإيرانية قوتها في هذا الوضع، وإذا توقف بيع النفط الإيراني، فإن التضخم المفرط ليس مستبعدًا.
سعر الدولار يرتفع لمستويات قياسية
بلغ سعر الدولار خلال مارس 2018 في السوق الحرة نحو 4 آلاف و800 تومان، وفي مارس 2019، وصل إلى 12.9 ألف تومان، وفي مارس 2020، تم تداول الدولار بنحو 15.4 ألف تومان، وفي مارس 2021، تم تداوله بـ 25.2 ألف تومان تقريبًا.
وإذا تكررت النسبة نفسها بعد وصول ترامب، فمن المتوقع أن يصل الدولار إلى نحو 154 ألفًا، في مارس 2025، وفي مارس 2026 إلى 184 ألفًا تقريبًا، وفي مارس 2027 سيصل إلى نحو 301 ألف تومان.
تذبذب مبيعات النفط
تعتمد إيران على عائدات النفط، وقبل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، في عام 2017، باعت إيران متوسط 2.14 مليون برميل من النفط يوميًا. وفي عام 2018 انخفض الرقم إلى 1.54 مليون برميل يوميًا. وكان عام 2019 من أسوأ الأعوام التي مرت بها إيران؛ حيث انخفضت مبيعات النفط إلى 420 ألف برميل يوميًا. وفي عام 2020، وبالتزامن مع نهاية إدارة ترامب الأولى وبداية رئاسة بايدن، تضاعفت مبيعات النفط الإيرانية إلى 900 ألف برميل يوميًا.
وقد نُشرت أرقام متناقضة لصادرات إيران من النفط، ولكن في المتوسط تمكنت إيران، عام 2023، من بيع 1.4 مليون برميل من النفط يوميًا. وإذا تكررت ظروف 2018 إلى 2021 مرة أخرى، ستبلغ مبيعات إيران من النفط هذا العام نحو مليون و270 ألف برميل يوميًا عام 2025، و587 ألف برميل يوميًا عام 2026.
ما الذي تغيّر؟
كان من الممكن أن تؤدي عودة ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة بالتزامن مع حكومة الرئيس السابق، إبراهيم رئيسي، إلى خلق وضع مضطرب، لكن وفاة "رئيسي" في حادث تحطم طائرة هليكوبتر، وانتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا للجمهورية الإسلامية قد فتح بصيص أمل للنظام الإيراني.
وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أن نجد ظريف نفسه مشغولًا بترتيب الحكومة المقبلة، في حين نشهد مسلسل حضور بزشكيان في فرق العزاء (بمناسبة عاشوراء)، وعلى الرغم من أن ظريف كان له دور في التعامل مع الغرب خلال فترة حكم روحاني، فإن الأوضاع اليوم تختلف تمامًا عما كانت عليه في ذلك الوقت.
وخلال إدارة ترامب الأولى، لم يؤثر انتشار "كورونا" على إيران فحسب، بل على جميع دول العالم؛ اليوم لا يوجد المزيد من الأخبار عن "كورونا". لكن حدث شيء آخر: "هجمات 7 أكتوبر" وعملية "الوعد الصادق".
ففي 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، شنت حماس هجومًا غير مسبوق على إسرائيل، وبعد نحو ستة أشهر، هاجمت إيران إسرائيل لأول مرة من داخل إيران في 13 إبريل (نيسان) 2024.
وسيواجه الرئيس الإيراني المنتخب، مسعود بزشكيان، هذا الوضع الصعب والمعقد، ورغم أن بزشكيان اعترف بأن اسمه خرج من صناديق الاقتراع فائزًا بمنصب الرئاسة بمساعدة المرشد، على خامنئي، فإنه ليس حسن روحاني، الشيخ الدبلوماسي، الذي كان يتمتع بخبرة سنوات في منصب أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي والمفاوضات.
وليس فقط ترامب، لكن هناك جي دي فانس، الذي اختاره ترامب لمنصب النائب الأول لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، وشخصيات مشهورة في الحزب الجمهوري، تحدثوا صراحة عن الحاجة إلى التعامل بشكل أكثر حزمًا مع النظام الإيراني. ولكن أيضًا، كما قال عدد من المسؤولين رفيعي المستوى في حكومة جو بايدن- على الأقل بالكلام- إنهم تبنّوا موقفًا أكثر تصلبًا تجاه النظام الحاكم في إيران.
إن مجمل هذه الظروف، والاحتمال المتزايد لاصطفاف أوروبا مع ترامب إذا فاز في الانتخابات، سيجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للنظام الإيراني مما كان عليه، عندما كان جو بايدن في البيت الأبيض، والذي حاول التوصل إلى اتفاق مع طهران من خلال تقديم تنازلات، بما في ذلك غض الطرف عن صادرات وبيع النفط الإيراني، أو الإفراج عن الموارد المالية الإيرانية المُجمدة.
ويعتبر اختيار عارف لهذا المنصب، مع ميثاق تنفيذ السياسات العامة للنظام وخامنئي، لافتا من ناحيتين؛ موقفه السياسي، وأسلوب إدارته.
برز عارف كسياسي إصلاحي خلال الفترة الرئاسية الأولى والثانية للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي. وفي مقابلة مع مجلة "مثلث" الأسبوعية، قال إنه "يقبل الإصلاح وفقا لآراء خاتمي"، وقدم نفسه على أنه "إصلاحي حكومي".
وشدد عارف في هذه المقابلة على أن "الإصلاح يكون ضمن النظام، ومن أجل حماية القيم والمثل العليا والتنفيذ الكامل للدستور".
ويقدم هذا السياسي الإصلاحي نفسه على أنه "مؤمن بالخطوط الحمراء للنظام"، ولإثبات ولائه يقول: "في بعض الأحيان، يجب على السلطة التنفيذية أن تتراجع عن مواقفها وتكون في إطار النظام".
وقال أيضا إنه "في طبيعة الإصلاحيين والشخصيات مثل خاتمي، لم تكن هناك مواجهة مع النظام على الإطلاق".
ويعترف الذين عملوا معه عن قرب بأن عارف هو "مدير تكنوقراطي وأكاديمي أكثر من كونه إصلاحيا"، وهو ليس سياسياً بالمعنى العام، و"يتمتع بشخصية محايدة" في الأمور السياسية.
ويعود قربه من خاتمي أيضًا إلى إخلاصه الشخصي، وقربهما في الفترة التي سبقت ثورة 1979 في الأوساط الدينية بمدينة "يزد"، حيث شارك في الاجتماعات الدينية في منزل والد خاتمي في "يزد".
وخلال فترة توليه مناصب أكاديمية في جامعة "شريف"، خلال ثمانينات القرن الماضي، إلى رئاسة جامعة طهران في السنوات التي سبقت حكومة خاتمي، لم يتم نشر أي موقف سياسي لعارف. بل كان عضوا تابعاً لآراء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لدرجة أنه تم تعيينه هو نفسه في هذا المجلس بقرار من المرشد علي خامنئي.
وحتى في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أنه عمل رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة "باران"، تحت إشراف خاتمي، وكان أحد المعينين من قبل خامنئي في مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلا أنه امتنع عن التعبير عن آرائه السياسية في مختلف القضايا المهمة، وقدم نفسه كـ"تابع" للسياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية.
آراء عارف التابعة وغير الجدلية
لا يعتبر عارف شخصية بارزة للإعلام والصحافة، وعمليا لم يكن له مواقف سياسية إلا في حالات قليلة.
كما أن تصريحات عارف فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، مثل حقوق الإنسان والحريات المدنية، هي أيضًا تصريحات محافظة، واقتصرت على التعبير عن المواقف العامة.
على سبيل المثال، وبالنظر إلى شخصيته وخلفيته الأكاديمية، كان من المتوقع اتخاذه مواقف صريحة بشأن القمع في الجامعات، إلا أنه اكتفى بعبارات غير صريحة حول التعامل مع احتجاجات الطلاب، وقال: "يجب على مسؤولي الجامعة أن يتسامحوا مع الطلاب الغاضبين".
وفيما يتعلق بالإفراج عن السجناء السياسيين، أعرب أخيرا عن قلقه بشأن مستوى المشاركة في الانتخابات، وقال إن "حل العديد من المشكلات يعتمد على انتخابات نشطة ومشاركة الجميع، ونأمل أن توفر السلطات الأساس لهذه المشاركة، وإذا كنا في السلطة فيمكننا توفير الظروف للإفراج عن السجناء".
وفي احتجاجات عام 2009، اتخذ عارف موقفًا ضد غالبية الإصلاحيين، وقال: "لا يمكننا التحدث إلا عن وقوع مخالفات في الانتخابات، وليس تزوير الانتخابات".
هذه الشخصية، التي يعتبرها الإصلاحيون "أن لديها شهادة ميلاد إصلاحية"، قال في شتاء عام 2011، في تجمع طلاب جامعة طهران الذين أرادوا إنهاء الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي: "المرشد الأعلى للثورة لم يُسمّي السيد موسوي وكروبي أبداً كقادة للفتنة، بل إنه نسب الفتنة إلى بعض الدول الأجنبية والأعداء".
وأضاف "أي شخص، بحسب آرائه وتوجهاته السياسية، يريد إصدار حكم على السيد موسوي وكروبي، وهذا ليس التصرف الصحيح".
وذلك على الرغم من اتهام خامنئي لموسوي وكروبي بإثارة "الفتنة"، حتى أنه حملهما مسؤولية إراقة دماء المتظاهرين.
ولا تقتصر نزعة عارف المحافظة على تصريحاته حول القضايا الداخلية فحسب، بل تظهر كذلك من خلال مواقفه القليلة في مجال السياسة الخارجية، حيث تتميز آراؤه بالمحافظة وقربه من السياسات العامة للنظام وخامنئي.
لقد قال عارف عن إسرائيل إنه لا يعترف بها، وقال أيضاً عن العلاقة مع أمريكا: "لا أرى أن إقامة علاقة مع أميركا ستحل الأزمات، علينا أن نحل مشكلاتنا من الداخل".
وفي الوقت نفسه، قال عارف: "أنا شخص أؤمن بالتفاوض والحوار في إطار المصالح الوطنية، وبدلا من التحديات سأبحث عن الحلول الوسط حتى نعيش جميعا في أجواء سلمية وحميمية".
ضعف العمل في الإدارة
كانت هناك دائمًا انتقادات مختلفة لأسلوب إدارة عارف. يعتقد بعض المعارضين أن أداءه في مجال الإدارة لم يكن مناسبًا، وأنه معروف بـ"التقاعس عن العمل". وأثناء فترة توليه رئاسة شركة الاتصالات الإيرانية عام 1983، أقيل من منصبه لهذا السبب.
وبحسب المسؤولين المقربين منه في الحكومتين السابعة والثامنة، فهو "مدير غير مبدع وتابع يحاول فقط حل القضايا الموكلة إليه دون أي صدام مع السلطات العليا".
إن نهجه المحافظ في وزارة البريد والكهرباء والهواتف خلال الفترة الرئاسية الأولى لمحمد خاتمي، وصمته ضد مطالب قوات الأمن قد مهد الطريق للتواجد المكثف للحرس الثوري الإيراني في هذه الوزارة في السنوات التالية.
ويبدو أن هذا النهج المحافظ والمطيع في الإدارة أقنع خاتمي بتعيينه نائبا له في الولاية الثانية لحكومته.
وبالنظر إلى هذه المواقف المسالمة والأسلوب الإداري المحايد والتابع لمحمد رضا عارف، يمكن أن نفهم سبب تعيينه من قبل مسعود بزشكيان نائباً له.
ومن المثير للاهتمام أن مواقف عارف كانت أكثر تحفظًا من مواقف مسعود بزشكيان في بعض الحالات.
وحتى على عكس بزشكيان، لم يتخذ عارف موقفًا بشأن احتجاجات 2019 ومقتل مهسا أميني على يد الشرطة.
ولعل شخصية عارف هذه هي السبب وراء موافقة المرشد على تعيينه في منصب النائب الأول للحكومة بزشكيان.