إن مقتل إسماعيل هنية، أقرب شخص بين قادة حركة حماس إلى نظام الجمهورية الإسلامية، هو هزيمة مذلة وتاريخية للنظام الإيراني بكل المقاييس، ولها عواقب عديدة ومتعددة الأوجه على نظام لا يفهم إلا السلطة والقمع والقتل واغتيال المواطنين العُزل داخل إيران وخارجها.
سيكون مقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، والذي يرتبط اسمه ارتباطا وثيقا بالحدث الكبير المتمثل في حرب غزة، حدثا سياسيا مهما سيؤثر على وضع إيران الداخلي والإقليمي والدولي.
هذا الحدث سيؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الداخلية للسياسة الإيرانية وعملية تشكيل حكومة مسعود بزشكيان، التي بدأت للتو. ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار هذا الحادث نتيجة "للفساد الهيكلي" في نظام الجمهورية الإسلامية.
وفيما يلي سنذكر بعض تأثيرات هذا الحدث وآثار الفساد في نظام الجمهورية الإسلامية، لكن لا يمكن التنبؤ بالاتجاه الدقيق لهذه التأثيرات.
تغيير ومراجعة اختيار الوزراء
إن الحدث المهم وغير المتوقع المتمثل في مقتل إسماعيل هنية في قلب طهران سيجذب انتباه الحكومة ومسؤولي النظام، وسيعطل تركيزهم على عملية تشكيل الحكومة واختيار الوزراء، وتنفيذ الخطط.
وقد حظي هذا الحدث بتغطية إعلامية واسعة النطاق، واهتمام الرأي العام المحلي والعالمي. وفي مثل هذه الحالات، قد يؤثر على الأوضاع الداخلية، مثل تعيين الوزراء، أو قد تواجه قرارات التعيين المزيد من الحساسية، بل ومن المحتمل إجراء مراجعة لها.
مقتل هنية والمسار السياسي لحكومة بزشكيان
ومع تزايد التوترات الإقليمية أو الدولية، سيضطر نظام الحكم والحكومة الرابعة عشرة إلى تغيير أولوياتهما. على سبيل المثال، إذا زادت العقوبات أو الضغوط الدولية، سيتم التركيز بشكل أكبر على قضايا السياسة الخارجية والأمن.
وإذا أدى مقتل هنية إلى تغييرات كبيرة في علاقات إيران الخارجية، فإن هذا الموضوع قد يؤثر على عملية اختيار وزراء جدد، خاصة في الوزارات المرتبطة بالسياسة الخارجية والأمنية. وقد تكون الحاجة إلى وزراء ذوي خبرة وقدرات خاصة محسوسة مطلوبة أكثر في الظروف الجديدة.
وإذا أدى مقتل هنية إلى تغييرات في سياسات المنطقة، والتي تشمل إيران بطريقة أو بأخرى، فقد تتزايد الضغوط السياسية الداخلية من أجل تعيين أشخاص معينين كوزراء.
ضعف النظام الأمني والاستخباراتي
يعد مقتل هنية أحد الآثار طويلة المدى للفساد الاقتصادي والسياسي المؤسسي في نظام الجمهورية الإسلامية.
ومن الممكن أن يلعب الفساد الاقتصادي- الإداري في إيران دوراً مهماً في نفوذ إسرائيل في الأجهزة الأمنية الإيرانية.
ويمكن تقييم هذا الدور بعدة طرق وبشكل ملحوظ: -سوء استخدام الموارد والمرافق: يؤدي الفساد الاقتصادي- الإداري إلى سوء استخدام الموارد والمرافق الحكومية، وانتشار المحسوبية. ويستخدم الأفراد والعصابات الفاسدة مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية أو لنقل المعلومات إلى أطراف أجنبية، بما في ذلك إسرائيل. وسيؤدي ذلك إلى ظهور جميع أنواع الأخطاء، وضعف الحفاظ على المعلومات الحساسة، وحتى بيعها للأجانب.
-انخفاض الكفاءة والرقابة: يؤدي الفساد الهيكلي والمؤسسي إلى انخفاض كفاءة وفعالية الأنظمة الرقابية في الأجهزة الأمنية. ومن الطبيعي أنه عندما تعجز المؤسسات الرقابية عن أداء واجباتها بسبب الفساد، تزداد احتمالية النفوذ الأجنبي.
-إضعاف معنويات الموظفين: يؤدي الفساد الاقتصادي والإداري إلى إضعاف معنويات وحافز موظفي الأمن. وعندما يشعر الموظفون أن مديريهم وزملاءهم فاسدون، فإنهم يفقدون التزامهم بالأمن القومي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الإهمال في العمل أو حتى التعاون مع أجهزة أمنية أجنبية.
-تسهيل التجسس: يقوم الأفراد الفاسدون في جهاز المخابرات والأمن ببيع معلومات حساسة لإسرائيل لتلقي رشاوى أو حماية مصالحهم الشخصية. ويمكن أن تتضمن هذه المعلومات تفاصيل العمليات الأمنية أو هوية العملاء السريين أو المعلومات الاستراتيجية.
لقد فتح الفساد الاقتصادي والإداري العميق والمؤسسي في النظام المجال أمام النفوذ الأجنبي.
-معوقات مكافحة النفوذ الأجنبي: إن الفساد المذكور في بنية نظام الجمهورية الإسلامية يحول دون اتخاذ إجراءات فعالة لتحديد عوامل النفوذ والتعامل معها. على سبيل المثال، قد يقوم الأفراد الفاسدون بعرقلة التحقيقات في عمليات النفوذ المشتبه بها أو حتى منع القبض على المتسللين.
وبهذا يمكن القول إن مقتل هنية في طهران هو نتيجة للفساد الاقتصادي والسياسي، وسيؤثر على مسار تشكيل الحكومة وعلى النظام الإيراني في الوقت ذاته.
عين مسعود بزشكيان، بعد تسلمه رسميا منصبه كرئيس لإيران، محمد رضا عارف ليكون نائبا له، وكتب في قرار تعيينه: "ميثاقنا المشترك هو وثيقة الرؤية والسياسات العامة والخطة السابعة التي ينبغي تنفيذها بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات، والحصول على مشاركة الجميع وتعاونهم واستخدام كافة القدرات".
ويعتبر اختيار عارف لهذا المنصب، مع ميثاق تنفيذ السياسات العامة للنظام وخامنئي، لافتا من ناحيتين؛ موقفه السياسي، وأسلوب إدارته.
برز عارف كسياسي إصلاحي خلال الفترة الرئاسية الأولى والثانية للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي. وفي مقابلة مع مجلة "مثلث" الأسبوعية، قال إنه "يقبل الإصلاح وفقا لآراء خاتمي"، وقدم نفسه على أنه "إصلاحي حكومي".
وشدد عارف في هذه المقابلة على أن "الإصلاح يكون ضمن النظام، ومن أجل حماية القيم والمثل العليا والتنفيذ الكامل للدستور".
ويقدم هذا السياسي الإصلاحي نفسه على أنه "مؤمن بالخطوط الحمراء للنظام"، ولإثبات ولائه يقول: "في بعض الأحيان، يجب على السلطة التنفيذية أن تتراجع عن مواقفها وتكون في إطار النظام".
وقال أيضا إنه "في طبيعة الإصلاحيين والشخصيات مثل خاتمي، لم تكن هناك مواجهة مع النظام على الإطلاق".
ويعترف الذين عملوا معه عن قرب بأن عارف هو "مدير تكنوقراطي وأكاديمي أكثر من كونه إصلاحيا"، وهو ليس سياسياً بالمعنى العام، و"يتمتع بشخصية محايدة" في الأمور السياسية.
ويعود قربه من خاتمي أيضًا إلى إخلاصه الشخصي، وقربهما في الفترة التي سبقت ثورة 1979 في الأوساط الدينية بمدينة "يزد"، حيث شارك في الاجتماعات الدينية في منزل والد خاتمي في "يزد".
وخلال فترة توليه مناصب أكاديمية في جامعة "شريف"، خلال ثمانينات القرن الماضي، إلى رئاسة جامعة طهران في السنوات التي سبقت حكومة خاتمي، لم يتم نشر أي موقف سياسي لعارف. بل كان عضوا تابعاً لآراء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لدرجة أنه تم تعيينه هو نفسه في هذا المجلس بقرار من المرشد علي خامنئي.
وحتى في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أنه عمل رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة "باران"، تحت إشراف خاتمي، وكان أحد المعينين من قبل خامنئي في مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلا أنه امتنع عن التعبير عن آرائه السياسية في مختلف القضايا المهمة، وقدم نفسه كـ"تابع" للسياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية.
آراء عارف التابعة وغير الجدلية
لا يعتبر عارف شخصية بارزة للإعلام والصحافة، وعمليا لم يكن له مواقف سياسية إلا في حالات قليلة.
كما أن تصريحات عارف فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، مثل حقوق الإنسان والحريات المدنية، هي أيضًا تصريحات محافظة، واقتصرت على التعبير عن المواقف العامة.
على سبيل المثال، وبالنظر إلى شخصيته وخلفيته الأكاديمية، كان من المتوقع اتخاذه مواقف صريحة بشأن القمع في الجامعات، إلا أنه اكتفى بعبارات غير صريحة حول التعامل مع احتجاجات الطلاب، وقال: "يجب على مسؤولي الجامعة أن يتسامحوا مع الطلاب الغاضبين".
وفيما يتعلق بالإفراج عن السجناء السياسيين، أعرب أخيرا عن قلقه بشأن مستوى المشاركة في الانتخابات، وقال إن "حل العديد من المشكلات يعتمد على انتخابات نشطة ومشاركة الجميع، ونأمل أن توفر السلطات الأساس لهذه المشاركة، وإذا كنا في السلطة فيمكننا توفير الظروف للإفراج عن السجناء".
وفي احتجاجات عام 2009، اتخذ عارف موقفًا ضد غالبية الإصلاحيين، وقال: "لا يمكننا التحدث إلا عن وقوع مخالفات في الانتخابات، وليس تزوير الانتخابات".
هذه الشخصية، التي يعتبرها الإصلاحيون "أن لديها شهادة ميلاد إصلاحية"، قال في شتاء عام 2011، في تجمع طلاب جامعة طهران الذين أرادوا إنهاء الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي: "المرشد الأعلى للثورة لم يُسمّي السيد موسوي وكروبي أبداً كقادة للفتنة، بل إنه نسب الفتنة إلى بعض الدول الأجنبية والأعداء".
وأضاف "أي شخص، بحسب آرائه وتوجهاته السياسية، يريد إصدار حكم على السيد موسوي وكروبي، وهذا ليس التصرف الصحيح".
وذلك على الرغم من اتهام خامنئي لموسوي وكروبي بإثارة "الفتنة"، حتى أنه حملهما مسؤولية إراقة دماء المتظاهرين.
ولا تقتصر نزعة عارف المحافظة على تصريحاته حول القضايا الداخلية فحسب، بل تظهر كذلك من خلال مواقفه القليلة في مجال السياسة الخارجية، حيث تتميز آراؤه بالمحافظة وقربه من السياسات العامة للنظام وخامنئي.
لقد قال عارف عن إسرائيل إنه لا يعترف بها، وقال أيضاً عن العلاقة مع أمريكا: "لا أرى أن إقامة علاقة مع أميركا ستحل الأزمات، علينا أن نحل مشكلاتنا من الداخل".
وفي الوقت نفسه، قال عارف: "أنا شخص أؤمن بالتفاوض والحوار في إطار المصالح الوطنية، وبدلا من التحديات سأبحث عن الحلول الوسط حتى نعيش جميعا في أجواء سلمية وحميمية".
ضعف العمل في الإدارة
كانت هناك دائمًا انتقادات مختلفة لأسلوب إدارة عارف. يعتقد بعض المعارضين أن أداءه في مجال الإدارة لم يكن مناسبًا، وأنه معروف بـ"التقاعس عن العمل". وأثناء فترة توليه رئاسة شركة الاتصالات الإيرانية عام 1983، أقيل من منصبه لهذا السبب.
وبحسب المسؤولين المقربين منه في الحكومتين السابعة والثامنة، فهو "مدير غير مبدع وتابع يحاول فقط حل القضايا الموكلة إليه دون أي صدام مع السلطات العليا".
إن نهجه المحافظ في وزارة البريد والكهرباء والهواتف خلال الفترة الرئاسية الأولى لمحمد خاتمي، وصمته ضد مطالب قوات الأمن قد مهد الطريق للتواجد المكثف للحرس الثوري الإيراني في هذه الوزارة في السنوات التالية.
ويبدو أن هذا النهج المحافظ والمطيع في الإدارة أقنع خاتمي بتعيينه نائبا له في الولاية الثانية لحكومته.
وبالنظر إلى هذه المواقف المسالمة والأسلوب الإداري المحايد والتابع لمحمد رضا عارف، يمكن أن نفهم سبب تعيينه من قبل مسعود بزشكيان نائباً له.
ومن المثير للاهتمام أن مواقف عارف كانت أكثر تحفظًا من مواقف مسعود بزشكيان في بعض الحالات.
وحتى على عكس بزشكيان، لم يتخذ عارف موقفًا بشأن احتجاجات 2019 ومقتل مهسا أميني على يد الشرطة.
ولعل شخصية عارف هذه هي السبب وراء موافقة المرشد على تعيينه في منصب النائب الأول للحكومة بزشكيان.
خلال مراسم تنصيب مسعود بزشكيان رئيسًا جديدا لإيران، التي أقيمت الأحد 28 يوليو (تموز) بحضور المرشد علي خامنئي، ومسؤولين ومواطنين ووفود من الداخل والخارج، تبادل الرئيس الجديد والمرشد تصريحات مطمئنة لبعضهما البعض بأنهما سيسيران على النهج السابق، ولو على حساب الشعب والمواطن الإيراني.
وقال خامنئي، في كلمته، مخاطبًا بزشكيان: "أعلن تعيينك رئيسًا للجمهورية الإسلامية في إيران"، وهي عبارة لم يستخدمها من قبل، وفسرها محللون إيرانيون بأن المرشد يريد التأكيد للرئيس الجديد أنه هو من يقوم بتعيينه، وبإمكانه عزله كذلك، في حال ساءت الأمور بينهما.
في المقابل طمأن الرئيس الجديد، في أول كلمة رسمية له، المرشد والنظام الإيراني، بأن مسؤوليته في قصر الرئاسة هي تحقيق الأهداف والالتزام بالرؤية التي وضعها خامنئي للبلاد.
عبارتان تبادلاهما المرشد ورئيس الجمهورية الجديد تكشفان عن مستقبل السياسة الإيرانية داخليًا وخارجيًا، خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
ووضع خامنئي، في كلمته، أمام الرئيس الجديد، أولويات النظام، في السياسة الداخلية والخارجية؛ حيث أوصاه بالتقارب والعمل مع دول الجوار وآسيا وأفريقيا والشرق المتمثل بالصين وروسيا، واستثنى الولايات المتحدة والدول المتقدمة والأوروبية؛ لمعارضاتها سياساته وانتقادها لأوضاع حقوق الإنسان في إيران.
ولم يتحدث خامنئي أو الرئيس الجديد عن العقوبات، التي قصمت ظهر المواطن الإيراني، لكن المرشد أكد ضرورة أن يحتل الاقتصاد وحل المشكلات الاقتصادية، صدارة أولويات الحكومة، وهي "الأولوية"، التي تتعارض مع سياسات النظام الخارجية، سواء في المنطقة أو العالم.
حديث خامنئي هذا وتوصياته للحكومة بالحفاظ على النهج السابق في التعامل مع القضايا الساخنة داخليًا وخارجيًا يعني أن العقوبات الدولية، والضغوط على المواطن، والفجوة بين الشعب والنظام، ستبقى على حالها أربعة أعوام مقبلة؛ لأن ما ذكره المرشد، خلال مراسم تنصيب بزشكيان، تكرارًا لمكررات وتأكيدًا لمؤكدات سابقة ملّ منها المواطن الإيراني، الذي يكاد لا يرى تغييرًا أو إصلاحًا إلا في "موت المرشد"، بعد أن فشلت انتفاضاته واحتجاجاته السابقة المطالبة بالتغيير.
أما المفاجئ في حديث بزشكيان، خلافًا لتصريحاته في المناظرات الانتخابية بشأن دفاعه عن حقوق المواطنين الاجتماعية والسياسية، هو تأكيده، خلال المراسم، أنه لا يختلف عن الرؤساء السابقين، مثل حسن روحاني، وحتى إبراهيم رئيسي في الخنوع للمرشد، بل وأكد أيضًا أنه جاء رئيسًا؛ لتنفيذ سياسات المرشد وأهدافه.
ولم يتحدث المسؤولان الأول والثاني في النظام عن تحذيرات الخبراء من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن خامنئي أوصى الحكومة الجديدة بأمر اعتبره المحللون الإيرانيون "مضحكًا"، وهو "أن تكون مواجهة الحكومة للأزمات، مثل قدرة الذكاء الاصطناعي على حل المشكلات"، لكن المرشد نسى أو تناسى أن الذكاء الاصطناعي مبني على الحداثة العلمية والإنترنت القوي، في حين يعاني المواطن الإيراني قطع هذه الخدمة الضرورية؛ حيث لا يمكنه استخدامها، إلا عبر بطاقات كسر الحجب!
والنتيجة، التي خرج بها المواطن الإيراني، بعد مراسم تنصيب بزشكيان، هي أنه تم خداعه مرة أخرى في وعود إصلاحي جديد، وأن سياسة النظام الداخلية والخارجية ستبقى على حالها دون تغيير، خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
وأقتبس هنا تعليقًا من زميلي في "إيران إنترناشيونال"، المحلل والدبلوماسي السابق، حسين علي زاده، حول بدء الرئيس الجديد مهامه والأمل في التغيير: "ما لم نغير مسار السكة الحديد سنكون أمام المصير نفسه ذهابًا وإيابًا، حتى لو غيّرنا القطار وجميع العربات والسائق".
وفي قضية الحكومة الجديدة "القطار هو القطار والسكة هي السكة"، التي سار عليها نجاد وروحاني ورئيسي.
بعد وقت قصير من بدء تركيا تصدير الكهرباء إلى العراق، هذا الأسبوع، قامت إيران بوقف إمداداتها لجارتها؛ بسبب تفاقم العجز في إنتاج الطاقة المحلية بشكل متزايد؛ حيث تواجه طهران هذا العام عجزًا يصل إلى 25 بالمائة من إجمالي الطلب على الكهرباء في البلاد.
وأفادت وكالة الأنباء العراقية الوطنية، في 23 يوليو (تموز) الجاري، بأن محافظة ديالى شهدت انقطاعًا كبيرًا في التيار الكهربائي؛ نتيجة توقف إمدادات الكهرباء الإيرانية من خطي النقل، وذلك لأسباب غير معروفة.
وأشار تقرير الوكالة العراقية إلى أن إيران أوقفت تصدير 250 ميغاوات من الكهرباء، في حين تحتاج المنطقة إلى 900 ميغاوات؛ بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
وتبلغ سعة نقل خطي النقل من إيران إلى ديالى العراقية 550 ميغاوات، ومع ذلك، لم تقدم إيران سوى 250 ميغاواط إلى ديالى، حتى 20 يوليو الجاري، نتيجة العجز المحلي الكبير.
ووفقًا لإحصائيات وزارة الطاقة الإيرانية، فقد انخفضت صادرات الكهرباء الصافية للبلاد بشكل كبير من عام 2012 إلى عام 2022، مما يشير إلى نقص متزايد في فائض الكهرباء المتاحة للتصدير؛ حيث استوردت طهران نحو ثلاثة تيراوات ساعة من الكهرباء من تركمانستان وأذربيجان، بينما صدّرت 4 تيراوات ساعة في عام 2022، حيث ذهبت الأغلبية إلى العراق، وهذا يضع صافي صادرات الكهرباء الإيرانية عند 1 تيراوات ساعة، وهو أقل ثماني مرات من مستوى عام 2012.
وأوقفت وزارة الطاقة الإيرانية الوصول العام إلى إحصائياتها في يونيو (حزيران) 2023. ومع ذلك، صرح بعض المسؤولين الإيرانيين بأن ميزان تجارة الكهرباء في البلاد كان صفرًا منذ الصيف الماضي، مما يعني أن إيران كانت تصدّر الكهرباء بما يعادل وارداتها، لكن يبدو الآن أن عجز الكهرباء في إيران خلال الصيف قد وصل إلى نقطة؛ حيث لم يعد بوسعها الحفاظ على صادراتها بنفس مستوى وارداتها.
وفي الوقت نفسه، أعلن وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، في 22 يوليو الجاري أيضًا، بدء تصدير 300 ميغاوات من الكهرباء إلى العراق، وبالإضافة إلى ذلك، بدأت بغداد منذ مارس (آذار) 2024 في استيراد الكهرباء من الأردن، كما تتفاوض الحكومة العراقية على صفقات مع المملكة العربية السعودية وعمان لاستيراد الكهرباء، رغم أن هذه الاتفاقيات لم يتم الانتهاء منها بعد.
وفي عام 2023، أطلقت تركيا 2800 ميغاواط من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ووفقًا لأحدث الإحصائيات الصادرة عن هيئة تنظيم سوق الطاقة في تركيا، فقد أضافت 3500 ميغاوات من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة، بالإضافة إلى 600 ميغاوات من القدرة الكهرومائية، إلى توليد الطاقة خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مايو (أيار) 2024.
ويتجاوز نمو تركيا في قدرة توليد الكهرباء المتجددة خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 أكثر من ضعف إجمالي نمو توليد الكهرباء في إيران من جميع أنواع محطات الطاقة خلال العام الماضي، وتخطط أنقرة لإضافة 7000 ميغاواط من الطاقة المتجددة هذا العام.
وفي المقابل، استهدفت الحكومة الإيرانية إطلاق 2850 ميغاوات من محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح العام الماضي، لكنها لم تحقق سوى 2 بالمائة من هذا الهدف. وكانت معظم محطات الطاقة التي أطلقتها إيران حديثًا العام الماضي تعمل بالبخار والغاز، وبكفاءة تتراوح بين 29 بالمائة و33 بالمائة فقط.
وتواجه إيران هذا العام عجزًا في الكهرباء هذا الصيف يتراوح بين 14 ألفًا و18 ألف ميغاوات، أي ما يعادل 20 بالمائة إلى 25 بالمائة من الطلب على الكهرباء في البلاد.
كما تعتمد محطات الطاقة العراقية بشكل كبير على واردات الغاز الإيراني، ومع ذلك، تواجه إيران عجزًا كبيرًا في الغاز خلال فصل الشتاء، وتوقف تسليم الغاز إلى جارتها الغربية، ونتيجة لذلك، يفقد العراق 4000 إلى 5000 ميغاوات من قدرته على توليد الكهرباء في الشتاء بسبب انقطاع الإمدادات الإيرانية.
ورغم أن العراق مدد مؤخرًا اتفاقية استيراد الغاز مع إيران لمدة خمس سنوات مقبلة، فإنه يسعى إلى تنويع مصادر استيراد الطاقة، بما في ذلك استيراد الغاز من تركمانستان عبر إيران.
وحدد العراق هدفًا لوقف حرق الغاز بحلول عام 2028 وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030، وتعمل بغداد على تقليل اعتمادها الشديد على إمدادات الطاقة الإيرانية، التي تخضع لعقوبات تلزم الولايات المتحدة بإصدار إعفاءات كل أربعة أشهر.
كان المركز الإسلامي في هامبورغ بألمانيا محط اهتمام الصحافة في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وقد أُثير حوله الكثير من الجدل، منذ تشكيل مجلس إدارته بحضور جد وزير الخارجية الإيراني الأسبق، محمد جواد ظريف. واتهم ممثلو "مجلس الشورى الوطني" مؤسسيه بالتسول. فكيف تم بناء هذا المسجد؟
وعلى الرغم من أن مركز هامبورغ الإسلامي قد حظي باهتمام في السنوات الأخيرة، باعتباره جوهر الدعاية للنظام الإيراني في أوروبا الغربية، فإن بناءه المثير للجدل في عام 1953 حتى افتتاحه في عام 1965 اتخذ مسارًا طويلًا ومعقدًا.
الجدير بالذكر أن الحكومة الألمانية، قد حظرت أنشطة المركز الإسلامي في هامبورغ في 24 يوليو (تموز) الجاري، وذلك في بيان رسمي؛ حيث اتُهم هذا المركز بنشر أيديولوجية نظام الجمهورية الإسلامية، ودعم حزب الله اللبناني، والعمل ضد الدستور الألماني.
دور جد ظريف
قبل 70 عاماً، وتحديداً في يوليو 1953، وافق حسين طباطبائي بروجردي، أهم مرجعية لدى الشيعة في عصره، على بناء مسجد في هامبورغ، وكانت فكرة بناء هذا المسجد قد طرحتها عليه مجموعة من الأثرياء الإيرانيين الذين يعيشون في أوروبا.
وعين بروجردي مجلس إدارة مكونًا من تسعة أعضاء لبناء المسجد، وكان أول عضو في مجلس الإدارة، هو الحاج علينقي كاشاني، جد محمد جواد ظريف، وزير خارجية الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني (جده لأمه)، والأشخاص الثمانية الآخرون كانوا من التجار ورجال الأعمال في عصرهم.
وفي مقال بعنوان "الدكتور سيد حسين فاطمي نجم في سماء المناضلين المناهضين للاستعمار والاستبداد" ذكر عضو الجبهة الوطنية، ناصر تكميل همايون، أن حسين فاطمي، وزير خارجية حكومة محمد مصدق، من سبتمبر (أيلول) 1952 حتى أغسطس (آب) 1953، كان أحد الرواد والداعمين لبناء هذا المسجد في هامبورغ؛ لأن فاطمي كان يرى أن "الحضارة والمعارف الإسلامية المزدهرة" يجب أن تُستخدم كمعقل لمواجهة الأعداء.
وقام مجلس إدارة بناء المسجد في هامبورغ بشراء أرض بقيمة 250 ألف مارك ألماني، في أكتوبر (تشرين الأول) 1957، وبدأ البناء في فبراير (شباط) من العام نفسه.
واستمر بناء المسجد في هامبورغ، مع بعض الانقطاعات الطويلة، ومع وفاة بروجردي في مارس (آذار) 1961، أصبحت الانقطاعات أطول.
المسجد الإيراني أم مركز هامبورغ الإسلامي؟
وبوفاة بروجردي، الذي أدار تمويل بناء المسجد، غيّر القائمون على البناء مسمى مسجد هامبورغ إلى "مسجد هامبورغ الإيراني"، وحولوها من قضية دينية إلى قضية سياسية، وبدأ مجلس الإدارة عمله الإعلامي تدريجيًا، في سبتمبر (أيلول) 1961، بعد ستة أشهر من وفاة بروجردي.
وفي رسالة مفتوحة إلى الداعية الإيراني الشهير، محمد تقي فلسفي، تناول مجلس الإدارة مسألة بناء المسجد الإيراني في هامبورغ من قِبل وسائل الإعلام الأجنبية، وكتبوا في هذه الرسالة: "إن تعليق بناء المسجد هو هزيمة لا تُعوض أمام الأجانب وضربة قاصمة للكرامة الدينية والوطنية لشعب إيران الكريم".
وبالإضافة إلى ذلك، أشار أعضاء مجلس الإدارة إلى إمكانية توقف أعمال البناء بسبب الديون، وأعلنوا رقم حساب في إيران مطالبين بالمساعدة العامة. وفي رد إيجابي على هذه الرسالة، دعا فلسفي الناس لمساعدتهم.
وأكمل مجلس الإدارة أخيرًا هيكل المسجد، في ديسمبر (كانون الأول) 1962. وفي حفل غريب، قام أولاً محمد حسن سالمي، حفيد أبوالقاسم كاشاني، أحد رموز حركة تأميم النفط، والذي كان طالباً في كلية الطب آنذاك، بقراءة القرآن الكريم. ومن بعده، قام محمد محققي، الممثل الذي عيّنه بروجردي في مسجد هامبورغ، بوصف بناء المسجد وهندسته.
وقال محققي في هذا الحفل: "نحن إيرانيون، وأردنا أن يكون مسجدنا في هامبورغ مثالاً لمساجد بلادنا حتى نظل نتذكر وطننا الحبيب". وفي هذا الحفل تم تركيب تاج من الزهور على شكل "الله" على القبة وشرب الحضور أكوابًا من عصير الكرز بدلاً من النبيذ.
مزيد من الضغط للحصول على المال
وعلى الرغم من اكتمال هيكل المبنى، فإن مجلس إدارة المسجد ظل يطلب من خلال الصحافة المزيد من المساعدة لإكمال بنائه.
وفي هذا السياق، نشرت مجلة "سبيد وسياه" تقارير متكررة عن المساجد الإيرانية في الدول الأوروبية، وكتب مجلس إدارة مسجد هامبورغ، في منشور له، أنه من العار على إيران ألا يتم الانتهاء من بناء المسجد.
ونشرت المجلة المذكورة رسالة من مجلس إدارة المسجد، في عددها 593 الصادر بتاريخ 15 يناير (كانون الأول) 1965، موضحًا فيها أنه بعد وفاة بروجردي، ومن أجل تجنب الكثير من الأضرار، حصلوا على قرض من بنك برينكمان فيرثس في هامبورغ، وبهذا أكملوا أعمال هيكل للمسجد.
وأكد مجلس الإدارة كذلك أن المسجد مدين للبنك بمبلغ 172 ألف مارك، و27 ألف مارك لشركات المقاولات، وطالب بـ 720 ألف مارك للمضي قدماً في تنفيذ المشروع.
أشار المجلس، في هذه الرسالة أيضًا، إلى تقرير صحيفة "همبرغر آباند بلات" بعنوان "المسجد المهجور"، وقال إن سلطات هامبورغ تضغط عليه لإنهاء البناء، وإن كرامة إيران وسمعتها في ألمانيا قد تتضرر، وفي نهاية هذه الرسالة، طلب من إيران، حكومة وشعبًا المساعدة في استكمال أعمال "المسجد الإيراني".
200 ألف تومان من الموازنة السنوية
ومن المثير للاهتمام أن مجلس إدارة المبنى والصحافة نشرا هذه المواد في وقت مراجعة الموازنة السنوية في المجلس الوطني الإيراني، وبعد عشرين يومًا من نشر رسالة مجلس الإدارة في مجلة "سبيد وسياه"، انشغل المجلس الوطني بمراجعة مشروع قانون موازنة 1965 في جلسته المنعقدة بتاريخ 4 فبراير 1965، وجاء في المادة الثانية ما يلي: "يجوز للمجلس الوطني تخصيص مبلغ مليوني ريال من فائض موازنة المجلس عام 1965 للمساعدة في استكمال بناء المسجد الإيراني في هامبورغ...".
وكان مبلغ المليوني ريال في ذلك الوقت يعادل نحو 100 ألف مارك ألماني، بينما المبلغ الذي طلبه مجلس إدارة المسجد في رسالته 720 ألف مارك ألماني، ومن الواضح أن المبلغ المخصص كان قليلاً جدًا ولا يلبي احتياجاتهم.
ومع ذلك، عارض البرلمانيون هذا الرقم، وفي هذا الاجتماع عارض عضو المجلس الوطني في ذلك الوقت، حسن مصطفوي نائيني، المادة الثانية، قائلاً: "إن المباني الخيرية، مثل المساجد وخزانات المياه، التي بُنيت في الماضي كانت بجهود المحسنين، وفي زمن آبائنا لم تكن هناك حكومة ولا ميزانية".
وأكد مصطفوي كذلك أن رجال الأعمال الإيرانيين في هامبورغ لديهم إمكانات مالية كثيرة، مضيفًا: "لا أدري ماذا يعني أن الأموال تُرسل من ميزانية المجلس الوطني إلى مسجد يريدون استخدامه وأداء فرائضهم الدينية فيه".
وقال عضو المجلس الوطني، محمد إسماعيل معيني زند، ردًا على مصطفوي، إن حالة المسجد مزرية للغاية ويجب مساعدته.
وأضاف عضو لجنة الحسابات بالمجلس الوطني، عباس أسدي سميع، ردًا على مصطفوي أيضًا: "تنص قواعد وأنظمة البلديات الألمانية على أنه إذا لم يتم بناء المبنى خلال فترة معينة ولم يكتمل، فإن المبنى سيتم بيعه بالمزاد، وهناك دول أخرى اقترحت شراء هذا المسجد غير المكتمل وإكماله باسمها، وبالإضافة إلى كونه نقطة تجمع للمسلمين الإيرانيين في هذا الجزء من ألمانيا، فإن هذا المسجد يعد مثالاً للذوق والفن المعماري الإيراني الذي يمثل خصائص الإيرانيين في بلد أجنبي".
وبعد ذلك، ذكر أسدي سميع الأنشطة الخيرية للابن الأكبر لشاه إيران، محمد رضا بهلوي، وقال إن الشاه ساهم أيضًا بمبلغ في هذا المسجد، ولهذا السبب قرروا المساعدة من ميزانية البرلمان مثل العديد من المنظمات الأخرى التي مولت هذا المسجد. وتم التصويت حول هذه المادة والموافقة على تخصيص مائتي ألف تومان للمسجد من موازنة المجلس الوطني.
هروب محمد بهشتي
وبعد مرور عام على أحداث 1964، تم افتتاح المسجد الإيراني في هامبورغ عام 1965، وتزامن افتتاح المسجد مع رحلة رجل الدين والسياسي الإيراني، محمد بهشتي، إلى ألمانيا.
وقال بهشتي، في مقابلة إنه نظرًا لذكر اسمه في ملف اغتيال السياسي الإيراني البارز، حسن علي منصور، على يد مجموعة "فدائيان إسلام" تم توفير جواز سفر له من قِبل المرجع الديني، أحمد خونساري، وتوجه إلى ألمانيا في مارس 1965 لإدارة المسجد الإيراني في هامبورغ.
وكان أحد الإجراءات الأولى التي اتخذها بهشتي بعد وصوله إلى هامبورغ هو تغيير اسم المسجد؛ حيث قام بتغيير اسمه من "مسجد هامبورغ الإيراني" إلى "مركز هامبورغ الإسلامي"، وبقي الاسم حتى يوم إغلاقه يوم الأربعاء الماضي من قِبل السلطات الألمانية.
وكان بهشتي منخرطًا في تطوير الأنشطة الأيديولوجية والدينية في هذا المركز حتى يونيو (حزيران) 1970، وبحسب قوله: "نعمل على إنشاء منظمات إسلامية للطلاب".
بعد بهشتي، ترأس محمد مجتهد شبستري المركز الإسلامي في هامبورغ حتى ثورة 1979.
وتغيرت وظيفة المسجد الإيراني الكبير في هامبورغ، منذ أن غيّر بهشتي اسمه، وحتى صيف عام 2024، عندما أغلقت الحكومة الألمانية المركز رسميًا؛ حيث كان مكانًا لنشر أيديولوجية نظام الجمهورية الإسلامية.
ويعد مقتل هنية في قلب العاصمة الإيرانية، وفي مبنى شديد الحراسة، يُقال إنه تابع للحرس الثوري، وفي مساء حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، تتويجًا لعمليات مختلفة يقال إن إسرائيل نفذتها في إيران خلال السنوات الأخيرة وتراوحت أبعادها بين إخراج وثائق البرنامج النووي الإيراني بشاحنة، وبين اغتيال شخصيات مؤثرة وتخريب المنشآت النووية.
وما يجعل هذه العملية مختلفة عن غيرها من الإجراءات المنسوبة لإسرائيل على الأراضي الإيرانية، يعود إلى هوية الشخص، الذي تم اغتياله، وهو ما يعطي في الواقع أبعادًا إقليمية ودولية لمبدأ العملية ونتائجها.
إن اغتيال إسماعيل هنية، أينما وكيفما حدث، له عواقب على حرب غزة، وعملية مفاوضات وقف إطلاق النار والقضية الفلسطينية والإسرائيلية بشكل عام، وقد أثر أيضًا بشكل مباشر أو غير مباشر على نظام الجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك، لا يمكن الشك في أنه بسبب مقتله في طهران، وبعد مشاركته مباشرة في مراسم أداء اليمين لبزشكيان والاجتماع مع المرشد، علي خامنئي، سيكون للنظام الإيراني نصيب أكبر بكثير في تحمل التبعات المتعددة ودفع تكاليف مقتله.
ويمكن تصنيف هذه العواقب إلى أربع مجموعات رئيسية: أولاً: الإذلال التاريخي والدولي الذي تعرضت له إيران في مواجهة عدوها الرئيس. ثانيًا: الرغبة في الانتقام، وعدم القدرة عليه.
ثالثًا: مستقبل العلاقات بين حماس وإيران وموقع طهران فيما يسمى جبهة المقاومة. رابعًا: الأوضاع الداخلية ووضع حكومة بزشكيان.
أولاً- الإهانة التاريخية والدولية للنظام الإيراني:
لم تتمكن إيران من رعاية الضيف، الذي تعرض للتهديد العلني بالقتل من قِبل قادة إسرائيل.
وخلافًا لبعض الجيران، مثل قطر وتركيا، اللذين يمكنهما بكل ثقة استضافة إسماعيل هنية، فإن إيران ليست في وضع يسمح لها بالحصول على مثل هذه الضمانات من الآخرين.
وبصرف النظر عن هذا الضعف الناجم عن فقدان السمعة والعزلة الدولية، كما يتضح من عشرات العمليات الصغيرة والكبيرة، فإن الجهاز الأمني الاستخباراتي في إيران، مثل الأجهزة الرسمية الأخرى، ضعيف للغاية وغير فعال في مواجهة أو احتواء الأزمات أو التدابير الجادة للدول الأخرى، وخاصة في هذه الحالة، وفي مواجهة إسرائيل.
وهذا الوضع واضح لدرجة أنه لا حاجة لمعارضي النظام أو المراقبين المستقلين للحديث عنه.
وقبل ثلاث سنوات من اغتيال شخص مثل إسماعيل هنية، تزامنًا مع اليمين الدستورية لرئيس الحكومة في إيران، كان وزير الاستخبارات الأسبق، علي يونسي، قد حذّر من مستوى التغلغل في أجهزة المخابرات والأمن وعدم كفاءة هذه الأجهزة، لدرجة أن قادة النظام يجب أن يشعروا بالقلق على حياتهم، وقد كشف اغتيال هنية عن نقاط الضعف والثغرات هذه أمام أعين العالم بأوضح صورة ممكنة.
وفي هذا الصدد، فإن وضع إيران في المعارك الاستخباراتية والأمنية للدول المتحاربة في التاريخ المعاصر، إن لم يكن فريدًا، فقد قل نظيره بالتأكيد، ومن الصعب العثور على أمثلة مماثلة لإخفاقاتها الواسعة النطاق.
ثانيًا- الرغبة في التدمير وعدم القدرة على الفعل:
إن قادة إيران يتمنون تدمير الآخرين، على حد تعبيرهم، بطريقة تكاد تكون أكثر وقاحة من قادة أي بلد آخر.
ومع ذلك، من الناحية العملية، وبسبب عدم الكفاءة والفساد المستشري في جميع جوانب حكم قادة النظام الإيراني، فإنهم إذا لم يساعدوا في تقوية الدول المعادية، فإنهم لم يتمكنوا من اتخاذ خطوة فعالة في اتجاه تحقيق أحلامهم، أو إذا تمكنوا من اتخاذ خطوة فإن خسارتهم كانت أكثر من ربحهم، ويمكن اعتبار الربح الكبير الوحيد لهم هو الحفاظ على مثل هذا النظام غير الكفء وغير الشرعي وغير المقبول، وبقاؤه لأكثر من أربعة عقود.
وفي حين تمكنت إسرائيل أو الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من توجيه ضربات خطيرة ومميتة للغاية للموارد البشرية والمعدات الإيرانية والجماعات الوكيلة لها، فإن إيران في المقابل لم تتمكن أبدًا من توجيه ضربة مضادة لأعدائها، على الرغم من ضجيجها الهائل ووعودها العديدة.
ويكفي المقارنة بين عدد العمليات التخريبية والاغتيالات الناجحة لشخصيات مهمة للنظام الإيراني، سواء داخل إيران أو بين الجماعات الوكيلة، مع الجهود الفاشلة لهذا النظام والفضائح التي نتجت عنها.
وبينما تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولين رئيسين مثل قاسم سليماني ومحسن فخري زاده وكبار قادة حزب الله وحماس، سعت إيران في قبرص وتركيا وتايلاند وغيرها إلى اغتيال السياح أو رجال الأعمال الإسرائيليين؛ لكن لحسن الحظ لم تتمكن من تنفيذ هذه الاغتيالات، وكانت تسبب في كل مرة فضائح دولية وإعلامية لها.
إن إعلام النظام الإيراني يعكس بشكل علني وجهة نظر الفقهاء الشيعة الحاكمين في إيران، ويقولون إنه لا يوجد مواطنون مدنيون في إسرائيل، حتى يتمكنوا من التوصل إلى مبرر لاعتداءاتهم على المدنيين، مثلما فعلوا في تفجير مركز أميا في بوينس آيرس، أو بإطلاق صاروخ على ملعب للأطفال الدروز في هضبة الجولان يوم السبت 27 يوليو (تموز) الماضي.
وفي مجال المواجهة العسكرية، الوضع ليس أفضل بكثير. وكمثال على المواجهة المباشرة، بعد الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق، أطلق الحرس الثوري الإيراني أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية على إسرائيل، مما أدى إلى إصابة فتاة واحدة فقط بفعل حطام الصواريخ المدمرة.
وفي حالة شهيرة أخرى، بعد مقتل قاسم سليماني، أطلقت إيران عدة صواريخ على الأراضي الفارغة والقاحلة لقاعدة عين الأسد، ثم أطلقت صاروخين وأسقطت طائرة ركاب أوكرانية فوق طهران، خوفًا من الرد الأميركي.
ثالثًا- مستقبل ما يسمى "جبهة المقاومة":
على الرغم من أن حماس، بشكل عام، كانت على علاقة مع النظام الإيراني منذ تأسيسها، فإن العلاقات بين الطرفين لم تكن دائمًا وطيدة، كما كانت في الأشهر والسنوات الأخيرة.
وقد أصبحت العلاقة بين حماس وإيران متوترة للغاية، خاصة منذ الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، واستمر هذا التوتر حتى تمت إقالة خالد مشعل من قيادة المكتب السياسي وحل محله إسماعيل هنية؛ حيث حاولت إيران كسب ولاء حركة حماس بمساعدات مالية لا حصر لها وإرسال الأموال في حقائب، بالإضافة إلى تجهيزها بالسلاح ووضع هذه الجماعة السُّنية ضمن الجماعات الشيعية الداعمة لها تحت عنوان عام "جبهة المقاومة".
وكان مثل هذا الإجراء يتطلب أن تنأى إيران بنفسها عن وجهة النظر الشيعية والتمييزية تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، بما في ذلك السُّنة، والتي تطبقها في البلاد دون أي اعتبار، والتركيز بدلاً من ذلك على مجالات مشتركة أخرى، مثل معاداة أميركا وإسرائيل، تمامًا مثل النهج نفسه، الذي اتبعته تجاه "طالبان" و"القاعدة".
ورغم كل ذلك، فإن مقتل إسماعيل هنية في طهران أثار بالفعل احتجاجات لدى بعض الجماعات في "جبهة المقاومة"، وهناك همسات عن دور إيران ومسؤوليتها في مقتله. ويبدو من المحتمل جدًا أن يتم سماع هذا الرأي بشكل أكبر خلال الأسابيع المقبلة، لكن القلق الرئيس لقادة إيران ليس هذه الاحتجاجات، لأن المساعدات المالية يمكن أن تغطي مؤقتًا على الأقل هذا الاستياء والانزعاج بعباءة الصمت.
ويبقى الشغل الشاغل لقادة النظام الإيراني هو من سيحل محل هنية في "حماس"، وإلى أي مدى سيميل فريق القيادة الجديد نحو إيران، وإلى أي مدى سيعارض رغبة الدول العربية أو حتى تركيا في إبعاد الحركة الفلسطينية عن طهران. وتعد تجربة خالد مشعل، الذي يعتبر الخليفة المرجح لهنية، كافية لتخوف إيران من مستقبل علاقاتها مع "حماس".
وعلاوة على ذلك، فإن العجز عن حماية كبار القادة في الجماعات الوكيلة، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، وتضارب المصالح والتنافس الداخلي لهذه الجماعات، وفقدان الثقة في قدرة إيران على حمايتهم، يمكن أن يحوّل سلسلة الاغتيالات، التي طالت كبار قادة حزب الله، وعلى رأسهم فؤاد شكر، ومقتل أكثر من نصف فريق قيادة حماس، إلى نقطة تحول في العلاقات بين إيران والجماعات العميلة لها.
رابعًا- حكومة بزشكيان:
بعد تقديمه رئيسًا جديدًا للحكومة في إيران، ربما لم يخطر ببال مسعود بزشكيان وأنصاره الإصلاحيين أنهم سيبدؤون عملهم بأزمة كهذه؛ سواء عندما بعث برسالة إلى قادة الجماعات العميلة، أو عندما احتضن إسماعيل هنية في حفل أداء اليمين الدستورية، أو عندما صفق له وممثلو الجماعات العميلة الآخرون أثناء إلقاء كلمته، وشعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل، التي رددها النواب دفاعًا عن جبهة المقاومة.
لا شك أن الإصلاحيين يريدون الصيد في الماء العكر، والنظر في الاتجاه الحتمي لبزشكيان وحكومته على أنه نتيجة لهذا الاغتيال، لكن الحقيقة هي أن أيدي حكومة بزشكيان مكبلة في هذه المجالات؛ حيث لا يمكنها اتخاذ خطوة لتحسين العلاقات مع العالم الغربي من خلال قطع الدعم عن الجماعات الوكيلة.
ومن وصلوا إلى رئاسة الحكومة في العقود الماضية بالكثير من الوعود، لم ينجحوا تمامًا في السير على هذا الطريق، ناهيك عمن يقدم نفسه منذ البداية على أنه منفذ سياسات علي خامنئي. إن اغتيال إسماعيل هنية في طهران، بالتزامن مع اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان" لا يؤدي إلا إلى زيادة سرعة تلاشي الأحلام التي بيعت قبل الانتخابات، ويكشف عن الوجه الحقيقي لحكومته. فإذا كان حوله أناس يؤمنون حقًا بـ "اللطف مع الأصدقاء والتسامح مع الأعداء"، فمع هذه الحادثة وعواقبها، سوف يسقطون قريبًا من سُحب الوهم الناعمة إلى أرض الواقع الصلبة، وربما سيبدؤون حملة ندم على التصويت، مثلما حدث في عهد الرئيس الأسبق، حسن روحاني، وينضمون أخيرًا إلى غالبية الناس، الذين رأوا أنه إذا كان النظام الإيراني يتمتع بأي سلطة، فهي تتمثل فقط في قمع النساء، وقتل الأطفال، وإعدام الشباب، وسجن آباء وأمهات ضحاياه.