شهدت منطقة الشرق الأوسط، على مدار العقد الماضي، زيادة ملحوظة في إنتاج المخدرات والاتجار بها، وهو الأمر الذي تأجج بشكل كبير بفعل الصراع السوري، مع لعب وكلاء إيران دورًا رئيسًا في هذا السياق.
أظهر تحقيق أجرته "إيران إنترناشيونال"، على مدار عام، أن قوات الأمن الإيرانية استخدمت العنف الجنسي على نطاق واسع وممنهج؛ لقمع المتظاهرين بعدة محافظات في إيران عام 2022.
خلال الأعوام الخمسة والأربعين الماضية، التي تولى فيها نظام "الجمهورية الإسلامية" السلطة في إيران، كان جسد المجتمع وروحه مسرحًا للاضطرابات والأزمات العميقة والتاريخية، وهي أزمات شكلت الحرب وآلة القمع والقتل أبرز عناصرها الرئيسة.
لقد مارس النظام، منذ عام 1979، أنواعًا مختلفة من العنف تجاه الشارع الإيراني، بدءًا بالإعدامات السياسية في ثمانينيات الماضي، ثم قمع المظاهرات في التسعينيات، ثم جرائم القتل المتسلسلة ضد النشطاء والسياسيين، وقمع مظاهرات عام 2009، وما تلاها من مظاهرات في العقد الأخير، وهي نماذج لجرائم نظام الجمهورية الإسلامية في العقود الأربعة التي حكم فيها إيران.
وبعد ذلك، ومع التغيرات الاجتماعية والسياسية، التي شهدتها البلاد والتطورات التكنولوجية العالمية، تم تنفيذ أسلوب القمع وفرض الذعر الجماعي على الناس بطريقة حديثة، وأعقب إرهاب النظام تدهور وانهيار اقتصادي حاد. ومنذ الألفية الجديدة زادت سرعة وعملية الصدمات الاجتماعية لأفراد المجتمع الإيراني أكثر من السابق. أزمات وصدمات لم يكن ارتفاع معدلات الانتحار الملموسة في المجتمع وانتشارها بين الشباب والمراهقين إلا إحدى نتائجها.
وبلغ هذا الاعتداء والعنف والرعب ذروته مع احتجاجات انتفاضة "المرأة والحياة والحرية"، وباتت أكثر اتساعًا وانتشارًا، وتركت آثارًا كبيرة على نفسيات المجتمع الإيراني وحياته اليومية.
وارتفع عدد حالات الانتحار في العقد الأخير بنسبة 40 بالمائة، وزاد من نحو 3560 حالة إلى أكثر من 5000 حالة سنويًا، ولا تشمل هذه الإحصائية محاولات الانتحار الفاشلة، بل تشمل فقط حالات الانتحار التي أدت إلى الوفاة والتي سجلتها الشرطة.
وهذا ليس سوى جزء من الصدمة الواسعة والمستمرة في المجتمع الإيراني. ولكن ماذا تعني الصدمة، أو الجرح النفسي أو الضرر النفسي؟
تُعرّف جمعية علم النفس الأميركية الصدمة بأنها "رد فعل عاطفي لحدث مروع مثل حادث أو اعتداء أو كارثة طبيعية". لكن فيما يتعلق بالتهديد بالحرب، الذي يستهدف المجتمع بأكمله، تُطرح مسألة الصدمة الجماعية. ويصف الرئيس السابق للجمعية الأميركية لعلم الاجتماع، كاي إريكسون، الصدمة الجماعية بأنها "إصابات مشتركة للصحة النفسية والاجتماعية لمجموعة ما، بما في ذلك اضطرابات في النسيج الاجتماعي، وفقدان الهوية الجماعية، وانخفاض شعور المجموعة بالتواصل الاجتماعي".
وجعلت "الجمهورية الإسلامية" الخوف من الحرب والقمع جزءًا من الحياة اليومية للشعب الإيراني عقودًا من الزمن.
وفي الأشهر القليلة الماضية، أضافت التوترات بين إيران وإسرائيل، والتهديد بتوسيع الحرب في الشرق الأوسط، صفحة أخرى إلى التاريخ الأسود للأزمات والصدمات، التي تعرض لها المجتمع الإيراني خلال حكم الجمهورية الإسلامية؛ حيث أثرت هذه الصدمات الجماعية على نفسية المجتمع.
إن بداية هذه الحرب واستمرارها بين إيران وإسرائيل لها دوافع وجذور، ليست لتحقيق مكاسب للشعب الإيراني ولا حتى لحمايته. وبسبب الجغرافيا فإن الشعب الإيراني سيكون في خضم هذه الحرب ولهيبها، ولن يسلم من نارها، في ظل استمرار النظام بإطلاق الوعيد بالانتقام والثأر لمقتل إسماعيل هنية، في طهران.
إن الصراعات المباشرة بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل، والحروب النفسية والإعلامية، والتهديدات اللفظية المتكررة من الأطراف بهجوم عسكري واسع النطاق، تزيد في كل مرة من حدة وعمق هموم الناس وجراحهم النفسية.
ويطلق أئمة الجمعة والمسؤولون الدينيون والعسكريون ورجال الدولة، الذين يتحدثون كل يوم عن "الانتقام" و"الهجوم العسكري" في المنابر العامة ووسائل الإعلام لأي سبب، بما في ذلك كسب ود السلطة والتملق لها، أو البقاء في مناصبهم أو لأي سبب شخصي، التهديدات بالحرب ويعمقون من جراح الشعب الإيراني وقلقه.
وفي حين يعاني المواطنون تبعات الحرب الاقتصادية والنفسية الناجمة عن هذه التوترات، منذ فترة طويلة، فإن التهديد ببدء حرب عسكرية واسعة النطاق بدا كأنه "سيف ديموقليس" معلق فوق رؤوسهم لعدة أشهر.
وبغض النظر عن اختلافات الناس ومواقفهم السياسية تجاه هذه الحرب وأطرافها الدولية، وطريقة إنهاء هذا الصراع المحتمل ونتيجته، فإن قتل المدنيين والخسائر، التي لا يمكن تعويضها في الأرواح والأموال، هو الكابوس الحقيقي لكل حرب.
وبالنظر إلى السنوات الثماني من الحرب المكلفة مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي، يُعتبر المجتمع الإيراني مجتمعًا مناهضًا وكارهًا للحرب. وتشير الإحصائيات الرسمية لـ "مؤسسة الحفاظ على الآثار ونشر قيم الدفاع المقدس" الحكومية إلى أن 5 ملايين إيراني شاركوا في هذه الحرب، التي أسفرت عن مقتل نحو 190 ألف شخص، تاركة آثارًا مادية ونفسية مستمرة في المجتمع.
ولا يزال الشتات، أو الجالية الإيرانية، التي تعيش في الخارج، غير آمنة من هذه الاضطرابات، على الرغم من بعدها عن حدود بلدها الأم. ووفقًا لمسؤولين حكوميين، فإن نحو 4.5 مليون إيراني يعيشون في الخارج.
ويعد الابتعاد عن البيئة المؤلمة والحصول على حياة عادية جزءًا من أسباب مغادرة عدد كبير من الإيرانيين وطنهم، وترك علاقاتهم وأصولهم في إيران.
لكن الحقيقة أن الهموم والجراح النفسية الناجمة عن التهديد بالحرب تتجاوز الحدود؛ حيث إن مشاهدة الوضع المقلق والشعور بالمسؤولية، ثم الشعور بالذنب لعدم القدرة على إجراء تغييرات كبيرة، أو على الأقل إنقاذ الأسرة والأقارب هي جزء من الجراح النفسية التي يعانيها الإيرانيون المقيمون في الخارج.
وبطبيعة الحال، لا يمكن الادعاء بأن المشكلة الوحيدة الماثلة أمامنا، والجراح النفسية، التي يعانيها الناس داخل إيران، تقتصر على مسألة التهديد بالحرب؛ حيث إن الإيرانيين يتعاملون حاليًا مع مجموعة معقدة من الصدمات والمعضلات الفردية والجماعية في الوقت نفسه.
كما أن انتقام النظام من النساء ونضالهن من أجل الحق في العيش بشكل طبيعي، والقمع المتزايد للحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، وانخفاض قيمة العملة المحلية، والأسعار الجامحة، هي جزء هذا الوضع المعقد.
إن النظام في إيران لا يعمل على إنهاء الأزمات النفسية والروحية الناجمة عن الوضع المعقد، وإنما يعمل جاهدًا على مضاعفة هذه الأزمات وتضخيمها؛ لإشغال الناس عن الاهتمام بالرفاه والكماليات.
وقالت الجمعية العلمية الإيرانية لعلم النفس، في بيان لها عام 2017: "للأسف، في هذا الوقت، أصبحت الحياة صعبة على معظم الناس". وقد حذرت هذه الجمعية مرارًا وتكرارًا من أن الحكومة يجب أن تأخذ الصحة العقلية للناس على محمل الجد.
ومع ذلك، فإن الحكومة الإيرانية تتصرف بسياسات غير فعالة، سواء من حيث الكفاءة أو النفسية أو العدوانية أو الأيديولوجية، ودائمًا ما تسبب أضرارًا نفسية إضافية للشعب.
بعد مرور أسبوعين على اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أثناء زيارته لطهران في هجوم نسب للموساد، لا يزال الشرق الأوسط ينتظر الرد الإيراني الموعود. وبافتراض وقوع الرد، ما المواقع الإسرائيلية التي ستستهدفها إيران، وما المواقع التي ستكون هدفاً للرد الإسرائيلي؟
في الوقت الذي تقول فيه مصادر موثوقة إن المرشد الإيراني، علي خامنئي، أمر بشن هجوم مباشر على إسرائيل من قبل الحرس الثوري من أجل الانتقام لمقتل هنية، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "نراقب التطورات المتعلقة بإيران مع الولايات المتحدة وشركائنا الآخرين باستخدام كل القدرات".
ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الثلاثاء 13 أغسطس (آب)، طلب ألمانيا وبريطانيا وفرنسا من طهران الامتناع عن مهاجمة إسرائيل بأنه "وقح ومبالغ فيه". وقال علي باقري كني، القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، إن إيران سترد بالتأكيد على إسرائيل.
تأكيد إيران على "سفك الدماء"
السؤال الذي طرحه العديد من مواطني إيران وإسرائيل في الأيام الأخيرة هو: كيف سيكون شكل الهجوم الإيراني المحتمل على إسرائيل؟
يتوقع المسؤولون الحكوميون الإسرائيليون أن يكون مثل هذا الهجوم مختلفًا عن المعتاد.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت: "أعداؤنا يهددون بإيذائنا بطريقة غير مسبوقة. نسمع هذه الرسائل من إيران وحزب الله".
فيما قالت شخصيات سياسية قريبة من النظام الإيراني، منذ الساعات الأولى من نبأ مقتل هنية، إن طهران سترد بشكل مختلف على هجومها بالصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي.
وبعد مقتل هنية، قال خبير إيراني: "يجب أن تسفك دماء" في هجوم إيران على إسرائيل.
ووعدت صحيفة "كيهان"، التابعة لخامنئي، في مقال سابق، بأن إيران هذه المرة ستشن هجوما أوسع نطاقا وأكثر إيلاماً من المرة السابقة، بإطلاق صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت باتجاه تل أبيب وحيفا، وتحديداً مقر إقامة بعض المسؤولين الإسرائيليين.
وشددت "كيهان" على أنه ستلحق خسائر فادحة بإسرائيل في عملية خاصة.
ثلاثة أهداف محتملة للنظام الإيراني
وتقول مصادر مطلعة إن إيران تراقب ثلاثة أهداف رئيسية في إسرائيل لشن هجمات عليها.
أحد أهداف إيران هو "كيريا" في مدينة تل أبيب، حيث تنظم عائلات الرهائن الإسرائيليين باستمرار تجمعات احتجاجية وتطالب بالإفراج عن الرهائن.
وتعتبر "كيريا" مركزًا للعديد من المواقع العسكرية الاستراتيجية لإسرائيل، وأهمها وزارة الدفاع ومقر الجيش الإسرائيلي.
ويعد معسكر "روبن"، الذي كان يُطلق عليه اسم "المعسكر 128"، ومقر القوات الجوية، ومقر البحرية، وقيادة العمق، ومقر قيادة الحاخام العسكري، من بين المراكز الحساسة الموجودة في "كيريا".
بالإضافة إلى ذلك، يوجد مركز تحت الأرض في نفق في "كيريا" حيث يعقد رئيس الوزراء وكبار المسؤولين العسكريين اجتماعات لاتخاذ قرارات مهمة.
الهدف الثاني الذي تم تحديده في إسرائيل هو مركز القوة البحرية الإسرائيلية في مدينة حيفا الساحلية.
وقبل شهرين، أثار قيام طائرة تجسس مسيرة تابعة لحزب الله بتصوير هذا الميناء الحساس جدلاً في إسرائيل. وتخطط طهران لمهاجمة هذا الهدف بدعم من حزب الله.
والهدف الثالث هو الركن الاستخباراتي للجيش الإسرائيلي في منطقة "جيلي لوت"، وسط إسرائيل. وهو مكان استراتيجي يعتبر أحد أهداف إيران في التقييمات.
لكن كل هذا له شرط مسبق مهم: أن تتمكن إيران من المرور عبر نظام الدفاع الجوي المعروف باسم "القبة الحديدية".
وعلى الرغم من أنه في هجوم طهران في شهر أبريل (نيسان)، تمكن عدد محدود من الطائرات المسيرة والصواريخ التي تم إطلاقها، من اختراق هذا الجدار، فإنها لم تتمكن من استهداف مواقع مهمة.
ماذا سيكون رد إسرائيل؟
إن أي هجوم من قبل إيران على إسرائيل لن يمر دون رد.
وقد ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء 13 أغسطس (آب)، أن تل أبيب بعثت برسالة إلى الأوروبيين، مفادها أنه حتى لو لم يخلف الهجوم الإيراني المحتمل خسائر، فإن إسرائيل ستهاجم إيران.
وتقول مصادر مطلعة إن مخازن الغاز القريبة من إحدى المدن الجنوبية لإيران أو مخزن غاز آخر بالقرب من المراكز النووية ستكون على الأرجح أحد الأهداف المحتملة لإسرائيل.
وتدرس الدولة العبرية أيضاً استهداف عدة ناقلات نفط إيرانية؛ وفي الواقع، كان الهجوم المشترك لإسرائيل والولايات المتحدة على ميناء الحديدة في اليمن مقدمة لمثل هذا الهجوم المحتمل.
من ناحية أخرى، تراقب إسرائيل مركز قيادة الدفاع الجوي الإيراني الرئيسي في الصحراء بين شاهرود وسمنان كهدف محتمل.
إن مهاجمة هذا المركز سوف يعرقل إيران من الناحية الدفاعية. ولهذا السبب، نشرت طهران في الأيام الأخيرة عدة وحدات من نظام "مجيد" للدفاع الجوي حول مراكز مهمة في البلاد، وهو نظام متنقل وخفيف يتم تركيبه على السيارة.
ويأتي هذا الرد في حال لم يكن هناك ضحايا في الهجوم الإيراني، ولكن إذا سفكت الدماء على أرض إسرائيل بناء على طلب خامنئي، فإن المراكز الإدارية النووية للنظام الإيراني سوف تكون هدفاً لإسرائيل.
وتشير التقديرات إلى أن تل ابيب وطهران لا تتطلعان إلى حرب واسعة النطاق، لكن السيطرة على الميدان بعد إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة ليس بالأمر السهل.
والآن يخيم شبح الحرب من جديد على إيران، وقد يشعل "الانتقام لمقتل ضيفها" نيرانها.
كشفت المعلومات الخاصة والحصرية، التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، أن طهران تعمل بنشاط على استكمال برنامجها للأسلحة النووية من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع في وقت واحد.
واستنادًا إلى ثلاثة مصادر موثوقة ومستقلة في إيران، تحتفظ "إيران إنترناشيونال" بأسمائها؛ نظرًا لحساسية الموضوع، فقد قامت طهران بإجراء تغييرات هيكلية في منظمة أبحاث الدفاع الحديثة (سبند)، مع استمرار محمد إسلامي رئيسًا لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، كما تم استئناف اختبارات إنتاج أجهزة تفجير القنابل النووية، مما يعزز من برنامجها للأسلحة الذرية.
وأظهرت المعلومات، التي تلقتها "إيران إنترناشيونال" مؤخرًا، أن طهران كثّفت إجراءاتها لإكمال دورة إنتاج الأسلحة النووية، بما في ذلك التخصيب عالي التركيز، وإنتاج أجهزة التفجير النووي، وتطوير الصواريخ القادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
ودأبت وكالات الاستخبارات الأميركية، في تقاريرها السنوية، على التأكيد أن "إيران لا تسعى إلى صنع أسلحة نووية"، إلا أن تقرير هذا العام، الذي نُشر الأسبوع الماضي تضمن تغييرًا، حيث حُذفت هذه العبارة، واستُبدلت بعبارة: "إيران تواصل أنشطة تُحسن من وضعها لإنتاج أسلحة نووية".
تغيير هيكل منظمة أبحاث الدفاع الحديثة
قبل أقل من شهر من وفاة الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، تمت الموافقة على مشروع قانون إنشاء منظمة أبحاث الدفاع الحديثة (سبند) في البرلمان الإيراني، وأصبح قانونًا نافذًا.
وكانت "سبند"، التي تأسست عام 2010، تابعة لوزارة الدفاع، ولكن بموجب القانون، الذي تمت الموافقة عليه، وإصداره بسرعة قبل أسبوع من وفاة إبراهيم رئيسي، أصبحت منظمة مستقلة.
وتولى محسن فخري زاده، أحد أبرز شخصيات البرنامج النووي العسكري الإيراني، مسؤولية إدارة المنظمة، وقُتل في ديسمبر (كانون الأول) 2020 في منطقة أبسرد، وقد نُسب مقتله إلى الموساد الإسرائيلي.
وأصبحت "سبند" منظمة مستقلة، بموجب القانون الجديد، ومن المفترض أن تعمل من أجل تعزيز إنجازات فخري زاده ومواصلتها.
وجاء في المادة الثانية من هذا القانون أن المنظمة الجديدة ستتمتع بالاستقلال المالي، وليس مطلوبًا منها الالتزام بقانون لجنة الرقابة المالية، ومن المفترض ألا تُحاسب عما تفعله بميزانيتها المخصصة.
وتنص الفقرة السابعة من هذا القانون أيضًا على أن إدارة "سبند" تكون بُناءً على القوانين التي أصدرها المرشد الإيراني، علي خامنئي.
ما أهمية تشكيل منظمة "سبند" المستقلة؟
أطلقت إيران قمرًا صناعيًا يحمل اسم "ثريا" إلى مدار الأرض في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، باستخدام حاملة أقمار صناعية تعمل بالوقود الصلب مكونة من ثلاث مراحل تُسمى "قائم- 100"، من تصنيع الحرس الثوري الإيراني.
وبعد أيام قليلة، أدانت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا هذا العمل، في بيان مشترك، وقالت إن صاروخ "قائم- 100"، الذي يحتوي على وقود صلب، يستخدم تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية بعيدة المدى.
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، زادت إيران تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمائة، ولديها كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب تكفي لصنع عدة قنابل نووية.
وتتضمن القدرة على تصنيع سلاح نووي دورة معقدة تتألف من ثلاثة جوانب رئيسة: تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية، وتطوير جهاز تفجير، وإنتاج واختبار صواريخ باستطاعتها حمل رأس حربي نووي.
ويقال إن جهود طهران لإطلاق الأقمار الصناعية التابعة للحرس الثوري الإيراني تهدف إلى صنع صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
كما تواصل منظمة "سبند" إنتاج عنصر رئيس آخر في البرنامج النووي، حيث واصلت جهودها المبذولة لصنع جهاز تفجير، والتي يبدو أنها توقفت بعد الكشف عن "مشروع آماد" عام 2003.
وبحسب مصادر "إيران إنترناشيونال"، بعد ذلك العام، فقد استمر هذا المشروع سرًا في شكل المشروع 110.
وبحسب الوثائق المسربة، عملت طهران بعد عام 2003 على صنع متفجرات نيوترونية يمكن استخدامها في الرؤوس الحربية النووية في موقع آبادة بمحافظة فارس؛ حيث سبق أن اختبرت إيران أجهزة تفجير القنابل النووية.
وقالت مصادر "إيران إنترناشيونال" إنه منذ عام 2011، بدأت "سبند" مشروعًا يُسمى "متفاض" في منشأة آبادة مع إحدى الشخصيات الرئيسة الثلاث في البرنامج النووي العسكري الإيراني الحالي، وسبق أن ادعت إيران أنها أوقفت هذا البرنامج.
وأظهرت الصور، التي نُشرت لعام 2018، أنه في العامين السابقين لهذا التاريخ، عندما تم تنفيذ الاتفاق النووي، كانت طهران مشغولة باختبار الجهاز المتفجر لرأس حربي نووي.
مَنْ هو سعيد برجي؟
سعيد برجي هوخريج جامعة مالك أشتر، التابعة لوزارة الدفاع، وخبير في المتفجرات والمعادن في مجموعة "شهيد كريمي" التابعة لـ "سبند"، وكان يساعد في البرنامج النووي العسكري لطهران، لفترة من الوقت، تحت غطاء شركة "آذر أفروز سعيد"، والتي ادعت أنها تنتج خزانات كروية لصناعة البتروكيماويات.
وبعد سرقة الوثائق النووية الإيرانية من قِبل "الموساد"، وعندما أدركت طهران أن موقع آبادة قد تم الكشف عنه، قامت بتدمير الموقع على الفور، لكن يمكن رؤية آثاره في صور الأقمار الصناعية.
وبحسب المعلومات الحصرية، التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، فإن سعيد برجي استأنف نشاطه مؤخراً تحت غطاء شركة "آروين كيميا أبزار" لإنتاج البتروكيماويات.
وقام بنقل جزء من أسهمه في هذه الشركة إلى مركز تطوير وحدات تكنولوجيا الدفاع المتقدمة التابع لمنظمة "سبند" في سبتمبر (أيلول) 2022.
وقد فعل ذلك أيضًا شريكه، أكبر مطلبي زاده، الذي كان سابقًا مستشارًا للشخصية البارزة في البرنامج النووي العسكري الإيراني، محسن فخري زاده، ورئيس مجموعة "شهيد كريمي" التابعة لـ "سبند".
ويقع كل من سعيد برجي وأكبر مطلبي زاده، تحت طائلة العقوبات الأميركية، وهما ينفذان حاليًا برنامج صنع أجهزة التفجير تحت إشراف القائد في الحرس الثوري الإيراني، رضا مظفري نيا.
والجدير بالذكر أن رضا مظفري نيا هو الرئيس السابق لجامعة مالك أشتر التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، والنائب السابق للأبحاث الصناعية في هذه الوزارة، والذي حل محل محسن فخري زاده في "سبند" قبل ثلاث سنوات.
وقد كان جزءًا من هيكل البرنامج النووي العسكري للنظام الإيراني لسنوات عديدة.
وقال مصدر مطلع في وزارة الدفاع الإيرانية، لـ "إيران إنترناشيونال"، إن إنشاء منظمة "سبند" المستقلة بميزانية مستقلة ودون رقابة هو جزء مهم من خطة إيران الأخيرة لصنع أسلحة نووية.
لماذا تم الإبقاء على محمد إسلامي؟
في بداية الأسبوع الجاري، أبقى الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، على محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في منصبه.
ويعد إسلامي شخصية مهمة في البرنامج النووي العسكري الإيراني، ويختلف تمامًا عن الرؤساء السابقين لمنظمة الطاقة الذرية.
ويعتبر لاعبًا رئيسًا آخر في برنامج طهران النووي، وتولى مهمة حساسة بين عامي 1987 و1989؛ حيث اضطلع مسؤولية نائب مدير خطط التطوير في منظمة الصناعات الدفاعية.
وكان إسلامي قد أرسل فريقًا إلى دبي، نيابة عن النظام الإيراني، لعقد لقاء سري مع العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان.
واعترف عبد القدير خان لاحقا بأنه باع معلومات نووية ومعدات التخصيب لإيران.
ويظهر دور إسلامي بوضوح في الرسم البياني لإحدى الوثائق النووية الإيرانية المسروقة.
وقام إسلامي، بصفته رئيسًا لمعهد التعليم والأبحاث للصناعات الدفاعية، بتغطية جميع جوانب البرنامج النووي العسكري الإيراني، ومن بينها مشروع "آماد"، الذي تم تنفيذه بإشراف فخري زاده.
وكان إسلامي أيضًا مساعداً للشؤون الصناعية والبحثية في وزارة الدفاع لمدة عامين بعد الاتفاق النووي.
وقال مصدر في وزارة الدفاع، وآخر مقرب من "سبند"، لـ "إيران إنترناشيونال"، إن إبقاء إسلامي تم بُناءً على أمر خامنئي للحفاظ على الفريق الجديد للبرنامج النووي العسكري الإيراني المكون من ثلاثة أعضاء.
محاولة تغيير سياسة الردع الإيرانية
وأكد دبلوماسي غربي لـ "إيران إنترناشيونال" أن الأجزاء المشكوك فيها من الأنشطة النووية الإيرانية أثارت قلق الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأوروبية.
وبعد التطورات التي حدثت في الشرق الأوسط، وآخرها اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، فقدت سياسة الردع، التي تنتهجها إيران، بالاعتماد على وكلائها في المنطقة، فاعليتها، ويعلم خامنئي وغيره من قادة النظام تمام العلم بذلك.
وربما تكون هذه الحقيقة هي التي دفعت إيران إلى إيجاد رادع آخر.
وكان محمد رضا صباغيان، ممثل مقاطعة "مهريز" بمحافظة يزد في البرلمان الإيراني، قد قال في اليوم الذي أرسل فيه بزشكيان قائمة الوزراء المقترحة إلى البرلمان: "أي منطق وأي قانون يقول إن المتنمرين يجب أن يمتلكوا أسلحة نووية ولا تمتلك إيران؟".
وأضاف: "نطلب من المجلس الأعلى للأمن القومي مراجعة الأوضاع الجديدة، والاقتراح على المرشد لتمهيد الطريق لصنع الأسلحة النووية، وفق الفقه الإسلامي الديناميكي".
وهذه هي الطلقة الأخيرة وربما الأكثر خطورة لـ "خامنئي".
تضمنت القائمة الوزارية المقترحة لتشكيل الحكومة، التي قدمها الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ترشيح عباس عراقجي وزيرًا للخارجية، حيث عمل مساعدًا لمحمد جواد ظريف في حكومة الرئيس الأسبق، حسن روحاني، ولعب بارزًا في مفاوضات الاتفاق النووي عام 2015، وهو معروف لدى الكثير من الإيرانيين.
وولِدَ عراقجي في طهران عام 1962، وقد حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كينت في بريطانيا، كما انضم إلى الحرس الثوري في بداية الثورة الإيرانية، مثل معظم قادة النظام.
وأصبح موظفاً في وزارة الخارجية عام 1989 بعد انتهاء خدمته في الحرس الثوري الإيراني.
وتحدث عراقجي، في مقابلة مع مجلة "بنجره" الإيرانية الأسبوعية، عام 2013، عن تلك الفترة، قائلاً: "تم تجنيدي في الحرس الثوري من قِبل أصدقاء حسين شريعتمداري (رئيس التحرير الحالي لصحيفة كيهان).. قلبي لا يزال هناك، الملابس المقدسة في تلك الأوقات مازلت أحتفظ بها جيدًا".
وأشار عراقجي، في مقابلته، إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، واصفًا إياه بأنه "كل شيء لدينا"، وأضاف: "بالنسبة لي، هو بالفعل أعلى من القائد وولي الفقيه. وبكلمة واحدة، هو سيدي، سيدي".
وأصبح عراقجي سفيرًا لإيران في فنلندا عام 1999، وبعد عودته عام 2003، ترأس الدائرة الأولى لأوروبا الغربية في وزارة الخارجية، ومن عام 2007 تم تعيينه سفيرًا لإيران في اليابان لمدة أربع سنوات.
وبعد عودته من اليابان، أصبح نائبًا لدائرة آسيا، وخلال فترة قصيرة تم تعيينه متحدثًا رسميًا باسم وزارة الخارجية الإيرانية.
وأصبح عراقجي، الذي اعتبر قاسم سليماني "قدوة إيران"، وحسن نصر الله "قدوة لبنان"، مساعدًا لوزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، للشؤون الدولية، مع تشكيل حكومة روحاني في فترتها الأولى، والمساعد السياسي لوزارة الخارجية في الفترة الثانية للحكومة نفسها.
ومع بداية مفاوضات الاتفاق النووي، انضم أيضًا إلى فريق التفاوض إلى جانب ظريف، ومنذ ذلك الوقت أصبح اسم عراقجي مشهورًا، وقد شارك أيضًا في المفاوضات النووية بين إيران والدول الغربية، خلال الفترة التي كان فيها علي لاريجاني وسعيد جليلي أميني سر المجلس الأعلى للأمن القومي.
وخلال مفاوضات الاتفاق النووي، اعتبره الكثيرون خيار خامنئي الموثوق به في فريق التفاوض النووي؛ ولم تكن التكهنات التي أكدتها التعيينات اللاحقة بعيدة عن الواقع.
وتم تعيين عراقجي سكرتيرًا لـ "المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية" بعد مجيء حكومة إبراهيم رئيسي، الذي كان له نهج خارجي مختلف تمامًا عن حكومة روحاني، وأجبر جميع أعضاء فريق ظريف على ترك وزارة الخارجية.
والمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية مؤسسة تم تشكيلها عام 2006 بأمر من المرشد الأعلى، ويتم تعيين أعضائها من قِبل خامنئي.
وقال كمال خرازي، رئيس هذا المجلس، في سبتمبر (أيلول) 2021: "كان رأي المرشد أن ينضم عباس عراقجي إلى المجلس، فتم تعيينه أمينًا له".
وفي الأيام الأخيرة من حكومة روحاني، ذهب إلى فيينا كرئيس لفريق التفاوض النووي، لدفع مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إدارة جو بايدن، الرئيس الديمقراطي للولايات المتحدة؛ ولم تسفر المفاوضات بالطبع عن أي نتائج، وقال روحاني وظريف إن العراقيل الداخلية وتصرفات البرلمان كانت عائقًا أمام التوصل لاتفاق.
وحولت حالة الفراغ الأمني وانهيار سيطرة الحكومة السورية البلاد إلى أرض خصبة لهذا النشاط غير القانوني؛ حيث أصبحت سوريا وإيران مركزًا رئيسًا لإنتاج وتوزيع المخدرات في المنطقة.
ويلعب مخدر "الكبتاغون"، الذي يجمع بين الأمفيتامينات والكافيين، دورًا محوريًا في تجارة المخدرات غير المشروعة، التي تنظمها هاتان الدولتان. ويبدو أن الحلفاء قد اختاروا "الكبتاغون" بشكل استراتيجي؛ باعتباره المادة الأكثر فاعلية لاختراق الأسواق في السعودية والإمارات ودول عربية أخرى مجاورة للدول الخليجية، بفضل تكاليف إنتاجه المنخفضة وتوافره على نطاق واسع.
وباعتبارها المنتج الرئيس لـ "الكبتاغون" في العالم، من المرجح أن تستخدم سوريا تجارة المخدرات كوسيلة رئيسة لدعم نظام بشار الأسد؛ إذ يتم تهريب "الكبتاغون" عبر عمليات تُسهلها الميليشيات المرتبطة بإيران إلى الدول الخليجية، مما يجعل هذه التجارة ليست مجرد نشاط اقتصادي غير مشروع فحسب، بل تشكل أيضًا شريانًا ماليًا حيويًا لعدد من الجماعات المسلحة، مما يزيد من حدة العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
وتلعب المجموعات المسلحة الموالية لإيران في لبنان والعراق، بما في ذلك حزب الله وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، دورًا مهمًا في تهريب "الكبتاغون"، مستغلين نفوذهم على الحكومات المحلية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قِبل الأردن والسعودية والإمارات لمكافحة تجارة "الكبتاغون"، والتي تتراوح بين الغارات الجوية واستهداف المهربين ومستودعاتهم، فإن هذه الإجراءات لم تحقق سوى نجاح محدود في الحد من تدفق هذا المخدر.
وقد يتطلب التصدي للتحدي المتنامي الذي يمثله "الكبتاغون" من الدول العربية التفكير في تبني استراتيجيات جديدة، مثل التركيز على العلاج، بدلاً من العقاب للمستخدمين، وتعزيز ممارسات إنفاذ القانون، وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الدول الإقليمية.
كما يمكن أن تستفيد هذه الجهود من زيادة الدعم والمساعدة من الولايات المتحدة. ومع التهديد المتزايد بظهور مواد أكثر تدميرًا مثل "الميثامفيتامين"، هناك شعور بأن جهود مكافحة تهريب المخدرات قد تحتاج إلى تعزيز، وهذا يمكن أن يشمل استهداف مختبرات "الميثامفيتامين"، وقطع سلاسل الإمداد، وإغلاق السبل التي قد تزيد من تفاقم مشكلة المخدرات.
صعود "الكبتاغون"
منذ اندلاع الصراع السوري في عام 2011، شهدت البلاد تراجعًا حادًا في الأمن وفقدان السيطرة الحكومية على مناطق شاسعة، وقد سمح هذا الفراغ الأمني لأمراء الحرب والجماعات المسلحة بالسيطرة على مناطق رئيسة، مستغلين إياها لممارسة أنشطة غير قانونية متنوعة. وفي غياب الرقابة الحكومية، انتشرت مصانع إنتاج المخدرات بسرعة في جميع أنحاء سوريا، وأصبحت هذه المصانع مصدر إنتاج رئيسًا لـ "الكبتاغون"، الذي يُشار إليه غالبًا بـ "كوكايين الفقراء"، وهو مخدر يحتوي على الأمفيتامينات والكافيين والثيوفيلين.
وتشير تقارير عديدة إلى أن سوريا مسؤولة عن إنتاج نحو 80 بالمائة من "الكبتاغون" في العالم، مما يعزز مكانتها كعاصمة متفردة لهذه المدة المخدرة. ويُتهم النظام السوري بتسهيل إنتاج وتصدير "الكبتاغون" لتحقيق أرباح اقتصادية، خاصة في مواجهة العقوبات الدولية، رغم استمرار حكومة دمشق في نفي هذه الاتهامات.
وتُدار هذه المصانع غالبًا من قِبل جماعات مسلحة مرتبطة بالنظام السوري أو مدعومة من إيران، مما يعقد الجهود المبذولة لمكافحة تجارة الكبتاغون. وقد تطورت تجارة المخدرات لتصبح مصدرًا حيويًا لتمويل الأنشطة العسكرية داخل سوريا، مما يزيد من تعقيد الصراع ويطيل أمده.
ويتم تهريب "الكبتاغون" أساسًا إلى الأردن والدول الخليجية؛ حيث تكثف السلطات جهودها للحد من التجارة من خلال قوانين أكثر صرامة وضبطيات كبيرة، ومع ذلك، فإن تأثير تجارة "الكبتاغون" يمتد إلى ما هو أبعد من حدود سوريا، مهددًا الأمن الاجتماعي والاقتصادي للدول المجاورة وكذلك الدول الخليجية.
أمراء الحرب وأمراء المخدرات
أصبح أمراء الحرب في سوريا منظمين رئيسين لشبكات التصنيع والتوزيع داخل تجارة المخدرات، وقد أصبح "الكبتاغون" أحد أهم مصادر الدخل لهؤلاء الأمراء؛ حيث يوفر لهم التمويل اللازم لمواصلة عملياتهم العسكرية والسياسية.
وقد أنشأ هؤلاء شبكة معقدة من المصانع والطرق اللوجستية لتهريب المخدرات من سوريا، تشمل شبكاتهم تحالفات مع جماعات مسلحة أخرى ومهربي البشر وأطراف خارجية، مما يجعل تتبع عملياتهم وإيقافها أمرًا صعبًا للغاية؛ حيث تُدار العمليات غالبًا من قِبل أفراد لهم نفوذ عسكري وسياسي في مناطق سيطرتهم.
وتلعب إيران دورًا حاسمًا في تجارة المخدرات، كجزء من استراتيجية أوسع لزعزعة استقرار المنطقة، مستغلة ضعف الأجهزة الأمنية والحروب المستمرة لتوسيع نفوذها، كما تستخدم الميليشيات الموالية لطهران الأرباح الناتجة عن تجارة "الكبتاغون" لتمويل أنشطتها الإرهابية والعسكرية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة.
يُهرب الكبتاغون بشكل رئيس إلى دول مثل السعودية والإمارات عبر طرق برية وبحرية معقدة، وتعكس الضبطيات المتكررة لمئات الملايين من حبوب "الكبتاغون" حجم الإنتاج الهائل والطلب الكبير على هذا المخدر في المنطقة.
وفي ظل تفاقم العنف وعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، فإن تداعيات تجارة "الكبتاغون" تتجاوز بطبيعتها حدود سوريا، مما يجعل مكافحة تجارة الكبتاغون تحديًا أمنيًا إقليميًا ملحًا، يتطلب التعاون الدولي والجهود المنسقة بين الدول المتضررة.
الأسواق المستهدفة
بفضل الكثافة السكانية العالية والاقتصادات القوية، تمثل الدول المحاذية للمنطقة الخليجية سوقًا مربحة لشبكات الاتجار بالمخدرات، مما يجعلها أهدافًا رئيسة للأنشطة غير المشروعة.
وتلعب إيران أيضًا دورًا محوريًا في هذا السياق؛ إذ تشير التقارير الدولية إلى أن إيران تعد لاعبًا رئيسًا في شبكات التهريب؛ حيث تمر المخدرات عبر الأراضي الإيرانية للوصول إلى الدول الخليجية.
وفي مواجهة التحديات المتزايدة لتهريب المخدرات، وخصوصًا من مصادرها في لبنان وسوريا، اتخذت الدول الخليجية عدة إجراءات، مثل حظر الواردات من هذه المناطق وتشديد إجراءات التفتيش عند المعابر الحدودية، كما يعكس تشكيل فرق عمل مشتركة تهدف إلى تفكيك شبكات التهريب ومحاكمة الجناة على نطاق دولي جهدًا مشتركًا لمعالجة هذه المشكلة، ومع ذلك، فإن تجارة الكبتاغون المتصاعدة تقدم تحديات كبيرة، مع تفاقم الفساد، ونقص الموارد، وتعقيد طرق التهريب، مما يصعّب من جهود الإنفاذ.
وعلى الرغم من الحملات الأمنية المستمرة، فإن الصعوبة في الحد من التجارة تبرز التحديات التي تواجهها هذه الدول، وهناك تركيز ملحوظ على تعزيز التنسيق الأمني مع الدول المجاورة وتطوير استراتيجيات شاملة لمكافحة تهريب المخدرات؛ ويشمل ذلك الاستثمار في التكنولوجيا الحديثة، وزيادة التعاون مع المنظمات الدولية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، كما يسلط النهج المتعدد الأبعاد الضوء على تعقيد المشكلة والحاجة إلى جهود مستدامة وتعاونية للتخفيف من تأثيرها.
تأثير على أنظمة الرعاية الصحية والمجتمعية
تؤثر تجارة المخدرات، لا سيما انتشار "الكبتاغون"، بشكل عميق على المجتمعات في الدول الخليجية وسوريا؛ حيث يواجه المستخدمون عواقب صحية وخيمة، بما في ذلك الإدمان، وفقدان القدرة الوظيفية، وزيادة الجرائم المرتبطة بالمخدرات.، وتفاقم العبء المالي على أنظمة الرعاية الصحية، التي تحاول إدارة تداعيات هذه المشكلات، وما تمثله من ضغط على المؤسسات العامة.
وفي ضوء هذه التحديات، هناك اعتراف متزايد بضرورة تعزيز استراتيجيات الوقاية والعلاج للتخفيف من آثار الإدمان على المجتمعات.