هل يواصل خامنئي العداء لأميركا أم يتجه إلى المفاوضات؟

يتحدث المرشد الإيراني، علي خامنئي، دائمًا، عن تقدم البلاد، بينما يرى المواطنون الإيرانيون يوميًا تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.
محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

يتحدث المرشد الإيراني، علي خامنئي، دائمًا، عن تقدم البلاد، بينما يرى المواطنون الإيرانيون يوميًا تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد خامنئي أن إيران في طريقها إلى قمم التقدم، لكن الواقع يظهر صورة مختلفة. فلماذا يصر خامنئي على أن العداء مع أميركا وقطع الاعتماد على الدولار هو الحل لمشاكل البلاد، في حين أن هذه السياسات لم تحل المشاكل، بل زادتها سوءًا؟ وهل سيتجه نحو المفاوضات والاتفاق مع أميركا أم سيختار المواجهة والصراع والحرب؟
في إيران، الشعب وحتى جزء من النظام يتابع قرار خامنئي: هل سيتجه نحو المفاوضات مع أميركا، خاصة مع دونالد ترامب، أم سيختار طريق المواجهة والصراع؟
وهذا التردد واضح حتى بين مسؤولي النظام، فعلى سبيل المثال، تحدث الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ومساعده للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، عن إمكانية التفاوض مع أميركا، لكن في الحكومة نفسها، عارض وزير الاستخبارات، إسماعيل خطيب، بشدة هذه المفاوضات ووصفها بالإجبار.
ومن ناحية أخرى، نظمت مجموعات متشددة، مثل جبهة الصمود، تجمعات طالبت فيها بإعدام ظريف، ورددت شعارات مثل: "الموت لظريف". في حين أن بزشكيان، كرئيس للحكومة، يعلم جيدًا أن استمرار هذا الوضع سيجعل حكومته أكثر إفلاسًا، وقد تنقطع عائدات النفط تمامًا. وأكد، خلال زيارته إلى خوزستان، أن إيران يجب أن تتعامل مع أميركا مثل الصين، لأن الحكومة في وضع قد تكون فيه خزينتها خاوية.
ومع وصول ترامب إلى السلطة واحتمال تشديد العقوبات على إيران، انخفضت قيمة الريال مقابل الدولار بشكل حاد؛ حيث وصل سعر الدولار إلى 84,200 تومان، في طهران، وارتفع سعر الذهب في الوقت نفسه، وهو يؤثر مباشرة على أسعار السلع والخدمات، مما يجعل الأوضاع الاقتصادية للناس أكثر صعوبة.
ومن ناحية أخرى، عطلت هذه التقلبات الاقتصادية جميع خطط الحكومة، بما في ذلك خطة زيادة أسعار البنزين.
وتتذرع الحكومة لزيادة أسعار البنزين بمنع تهريبه إلى الدول المجاورة بسبب اختلاف الأسعار، لكن مع استمرار ارتفاع سعر الدولار، سيظهر هذا الاختلاف مرة أخرى، وسيصبح تهريب البنزين أكثر ربحية. هذه العملية تكررت عدة مرات منذ عهد الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، ولم تنجح أبدًا. وفي النهاية، لم تؤد هذه السياسات إلا إلى زيادة السخط العام والضغط الاقتصادي على الناس.
وأدى ارتفاع سعر الدولار والذهب إلى ارتفاع الأسعار في جميع القطاعات الاقتصادية؛ حيث خلقت زيادة أسعار الأدوية والمواد الغذائية ضغطًا كبيرًا على الإيرانيين، وأغضبتهم بشدة، وهي سلع لا يمكن الاستغناء عنها؛ فالدواء، على عكس السلع الأخرى، لا يمكن استبداله أو التوفير فيه.
وتسبب هذه المشكلة ضغطًا إضافيًا على الأسر، التي يعولها أشخاص بحاجة إلى الأدوية؛ فكثير من الناس لا يستطيعون الاعتناء بصحتهم؛ لأنهم لا يملكون دخلًا كافيًا لتغطية تكاليف العلاج. هذا الوضع لا يعرّض الصحة الجسدية للمواطنين للخطر فحسب، بل يعطل أيضًا صحتهم النفسية ويزيد من السخط العام.
ويكن القول إن الوضع الحالي في إيران هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام الخاطئة، وخاصة العداء مع أميركا. وبينما يعاني الناس مشاكل اقتصادية متزايدة، يواصل خامنئي إطلاق شعارات غير مبنية على أساس ويصر على استمرار سياساته غير الفعالة.. فهل سيختار في النهاية طريق المفاوضات والتفاعل، أم سيقود إيران نحو الصراع وأزمات أكبر؟، والإجابة عن هذا السؤال ستحدد مستقبل البلاد.

كشفت تحقيقات "إيران إنترناشيونال" أنه تم نقل ما لا يقل عن 300 طالب إلى المستشفيات، أو علاجهم بشكل عاجل، بسبب حالات تسمم في جامعات إيرانية مختلفة، خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي، الذي بدأ في 22 سبتمبر (أيلول) 2024.
وفي أحدث هذه الحالات، تعرض أكثر من 80 طالبًا في سكن معلمي جامعة فرهنغيان في مدينة ورامين، التابعة لمحافظة طهران، للتسمم، يوم 24 يناير (كانون الثاني) الجاري، وتم نقل أكثر من 50 منهم إلى المستشفى ووضعهم تحت المراقبة.
ويُعتبر التسمم الناتج عن تسرب الغاز أو تناول أغذية ذات جودة منخفضة أحد أبرز المشاكل، التي يواجهها الطلاب المقيمون في السكن الجامعي.
وكان قد تم الإبلاغ عن أول حالة تسمم بين الطلاب في 30 سبتمبر الماضي، حيث تعرض طلاب جامعة سبزوار للعلوم الطبية للتسمم، واحتاج العشرات منهم إلى علاج عاجل أو نقل إلى المستشفى.
كما تعرض عدد من طلاب جامعة همدان للتسمم في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك طلاب سكن "تربيت دبير" في جامعة فرهنغيان بطهران، في التاسع والعاشر من الشهر نفسه، وتم نقلهم إلى المستشفى.
وتعرض طلاب كلية العلوم الطبية في شوشتر للتسمم، في 24 نوفمبر الماضي أيضًاا، واحتاجوا إلى رعاية طبية.
وفي 7 يناير الجاري، تعرضت عشرات الطالبات في سكن ولنجك بجامعة شهيد بهشتي للتسمم؛ بسبب تسرب غاز، وتم نقلهن إلى ثلاثة مستشفيات مختلفة في طهران.
واستمرارًا لحوادث السكن الجامعي، تعرض عدد من طلاب سكن "فلاح" في جامعة طهران للتسمم، يوم 16 يناير الجاري أيضًا، وتم نقلهم إلى المستشفى أو علاجهم بشكل عاجل.
النظرة الأمنية هي الأولوية
قالت طالبة من سكن جامعة بهشتي: "إن السكن الجامعي يحتاج إلى إصلاح وترميم، لكن مسؤولي الجامعة لا يهتمون بصحتنا بقدر اهتمامهم بطول شعرنا وملابسنا".
كما انتقدت طالبة من سكن "صومعة سرا" إهمال مسؤولي الجامعة، قائلة: "غرفتنا تتسع لأربعة أشخاص، لكنهم وضعوا ستة أشخاص فيها، ويضطر شخصان للنوم على الأرض أسبوعيًا، ولا توجد أسرّة".
وقالت إحدى طالبات جامعة طهران، وتُدعى مارال: "في الأشهر الثلاثة الماضية، منعني الأمن من دخول الجامعة عدة مرات، هددوني بطردي من السكن، فقط لأنني نشرت صورًا على إنستغرام توضح الوضع المزري للسكن، فالنظرة الأمنية هي الأولوية بالنسبة لهم".
"انتقام" النظام الإيراني من الطلاب
قال أحد الطلاب، الذي كان يرسل خطابات إلى مسؤولي الجامعة لمدة عامين للاهتمام بوضع السكن: "احترق جهاز اللاب توب الخاص بي مرتين، بسبب مشكلة في المقبس الكهربائي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن السقف يسرب مياهًا، وقد وضعنا منشفة في الممر ووعاء بلاستيكيًا تحت التسريب منذ فترة، ولم ترد الجامعة حتى مرة واحدة على طلباتي".
وأضاف الطالب عن وضع الطعام في الجامعة والسكن: "هنا نشعر كأننا سجناء، يتم استخدام أسوأ المواد الغذائية، مثل المعكرونة مع الصويا، والأرز مع التونة، وقد شاهدت مرة أن تاريخ صلاحية العلبة قد انتهى، وتحدثت مع المسؤول، الذي قال إنه سيتم توبيخ مسؤول المشتريات".
ويعتقد بعض النشطاء الطلابيين أن النظام الإيراني ربما ينتقم من الطلاب.
وقال أحد النشطاء الطلابيين: "المسؤولون على علم بالوضع المقلق في السكن. تسرب الغاز، ومشاكل الكهرباء، وانسداد الأنابيب، والطعام المسموم والرديء تم التبليغ عنه مرارًا، لكن النظام يشعر بالضعف بعد حركة مهسا ويريد الانتقام من الشباب المعارضين".

"الحرية ليست مجانية".. لا أتذكر بالضبط من قال هذه العبارة، لكنها دائمًا ما تبقى في ذهني كشمعة مضيئة تنير طريقًا غامضًا ومليئًا بالضباب، خاصة في هذه الأيام التي صدر فيها حكم غير إنساني بالإعدام بحق رفيقيّ في السجن، بهروز كارمي وفرهاد ميرزا، وعشرات الأحباب الآخرين.
ومع تأكيد حكم الإعدام بحق بهروز من قبل المحكمة العليا وإبلاغه لتنفيذ الأحكام بناءً على ملفات قضائية واهية واتهامات كيدية، وفي إطار انتقام النظام الإسلامي من انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" وإضعاف موقفه في المنطقة والمجتمع الدولي، أصبحت أكثر من أي وقت مضى متمسكة بعهدي بأنني لن أدخر أي جهد للإطاحة بهذا النظام وإنهاء تاريخ الرعب والخوف والظلام، مع الأمل في إيران واعية وحرة ومزدهرة، حتى لو كلفني ذلك حياتي.
قبل كل شيء، يجب أن أقول إن جزءًا من هذا المقال كان من المقرر نشره بمناسبة يوم الطالب في 6 ديسمبر (كانون الأول)، ولكن تأخر نشره، بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة وتأثيرها على نظام طهران.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت أن أتواصل مع مجموعات فكرية مختلفة وأجري حوارات وتبادلًا للآراء معهم، كما أنني كطالبة علوم سياسية ذاتية التعلم في السجن، قمت بدراسة تحليلات الأساتذة والمفكرين بشكل أعمق.
كما أنني على يقين من أن العملية السياسية والاجتماعية في تفاعل الناس مع الحكومات تتطور باستمرار، ومع كل حركة احتجاجية وانتفاضة، تزداد خبرات الشرائح المختلفة من الناس، وبالتالي فإن آراء الأفراد ليست مستثناة من هذه القاعدة.
لذلك، فإن المقالة الحالية قابلة للإكمال والتعديل بناءً على تطورات الأحداث المستقبلية ونقد وتبادل الآراء من قبل الخبراء والمفكرين. كما أنني حاولت أن أكون منصفة تجاه جميع أطياف المعارضة.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت أن أنظر بشكل نقدي إلى تحليل الثورة الإيرانية عام 1979 والأحداث التي تلت ذلك، والتي أعتقد أنها ضرورية وملهمة لوضع إيران الحالي وللانتقال إلى الديمقراطية.
الغضب الأصيل
في خضم انقلاب المجر، كواحدة من الدول التابعة للاتحاد السوفياتي في عهد خروتشوف، تقول حنا أرندت نقلاً عن أحد الطلاب المؤثرين في الحركات الثورية: "لقد سئم الناس من أزمة المعيشة والفقر المدقع، ولكن ما وحّد الحركة الطلابية كطليعة مع النقابات والعمال والشرائح الأخرى من الناس في احتجاجات الشوارع هو "الغضب" من سنوات من الكتمان الحكومي في تفسير الأحداث والكوارث، وفي الأساس "غياب حرية التفكير".
عندما قرأت ذلك البيان غير الإنساني والصادر عن القوات المسلحة والذي يشير إلى "خطأ بشري" في كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية بإطلاق صاروخين من قبل الحرس الثوري، استولى عليّ غضب مضاعف بالإضافة إلى الحزن على وفاة مواطنيّ. غضب ما زال في نظري أصيلًا وهو نتيجة سنوات من "الكذب"، و"الكتمان"، و"إلغاء الذات" للمواطنين من قبل النظام.
لو أعلن النظام "الحقيقة" بعد ساعات من وقوع الكارثة ولم يكن مضطرًا للكشف عنها تحت ضغط من حكومات كندا وأوكرانيا ووسائل الإعلام الناطقة بالفارسية خارج البلاد، هل كنا سنغضب لدرجة أن نخرج في مظاهرات أمام جامعة أمير كبير ونصرخ "الموت للديكتاتور"؟
أو في قضية مقتل مهسا أميني على يد قوات شرطة الأخلاق، لو لم يتم استهدافها وعائلتها بهذا القدر من الإهانة والضغط، وتم تقديم الجناة للعدالة، كيف كانت ردود فعل الناس؟
بمعنى آخر، ما زاد من غضبنا وأعطاه أصالة هو "الكذب الممنهج" و"تدمير الكرامة الإنسانية واحترام الذات" للمواطنين من قبل النظام.
غضب أصيل يمكن أن يصبح المحور الرئيسي للانتفاضات والحركات المدنية. هذا العامل الموحّد في الانتفاضات والحركات بعد الثورة لوحظ مرارًا وتكرارًا.
ففي عام 1999، خرج الطلاب والنشطاء السياسيون والمدنيون إلى الشوارع احتجاجًا على إغلاق المساحة السياسية المحدودة وقمع حرية التعبير وإغلاق الصحف بشكل جماعي بأمر مباشر من علي خامنئي.
وفي عام 2009، مع طرح مسألة "تزوير الانتخابات الرئاسية"، خرج الناس في 15 يونيو (حزيران) تحت عنوان "مسيرة الصمت" في أكبر تجمع منذ الثورة، حيث وصل عدد المشاركين حسب الإحصائيات الرسمية إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وفي أعقاب هذا التجمع، قُتل عشرات الأشخاص بإطلاق النار المباشر من قبل قوات النظام.
وقد امتدت الحركة الخضراء لاحقًا إلى جميع أنحاء البلاد مع احتجاجات الناس على أساس الغضب من نظام "مزور"، و"مسيطر"، و"شمولي". غضب متراكم وأصيل نجم عن سنوات من القمع بأشكال مختلفة من قبل ولاية الفقيه المطلقة، ما أدى إلى هتاف شعار مهم "الموت لمبدأ ولاية الفقيه".
وتكمن الأهمية الخاصة لهذا الشعار في أن الناس أدركوا أن سياسات نظام إيران لا تتغير بتغيير الحكومات، وأن الرئيس ليس رئيسًا لحكومة وطنية بل مجرد موظف وتابع للنظام الشمولي.
وبين عامي 2017 و2019، لم يكن الضغط الاقتصادي المتزايد والارتفاع غير المسبوق في سعر الدولار والتضخم وارتفاع أسعار البنزين وفشل حكومة "التدبير والأمل" في الوفاء بوعودها، أو بمعنى آخر "الفقر" وتدهور الطبقة الدنيا وتدمير الطبقة المتوسطة، العامل الوحيد والمحور الرئيسي للانتفاضات والاحتجاجات؛ على الرغم من أنها كانت محركًا مهمًا في تفجير الغضب الاجتماعي المتراكم.
على الرغم من التحليلات والآراء التي تحيل هذه الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية إلى مسألة الفقر والمعيشة فقط، يبدو أنه مع انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية وتعزيز المجتمع الشبكي، وصل الناس إلى مستوى من الوعي السياسي والبصيرة الاجتماعية يجعلهم لا يحددون أساس احتجاجاتهم فقط بتحسين الأوضاع الاقتصادية الحرجة، ولا يكتفون بحركة جماهيرية من استبداد إلى آخر.
ويعرف الناس أن غضبهم الأصيل الذي يقودهم للتغلب على الخوف من قمع النظام ناتج عن "إلغاء الفردية" و"الذاتية" كوجهة نظر في مجتمع متعدد تحت المظلة السياسية.
يجب أيضًا مراعاة أن مجرد الوعد بتحسين الأوضاع المعيشية يمكن أن يحرف الانتفاضات والثورات عن مسار العملية السياسية (أي الدور الفعال للأفراد في السياسة وفي النهاية الانتقال إلى الديمقراطية) ويؤدي في النهاية إلى وصول نظام ديكتاتوري آخر إلى السلطة.
في الواقع، يمكن أن تتحول الضرورة واليأس الناتجان عن الفقر إلى "استبداد الحرية". أي أن الفرد قد يختصر حريته ليس في اختيار أو إقالة القادة السياسيين، بل فقط في المطالبة بأجر عمله من صاحب العمل.
حكم الاستبداد الديني
إذا كان مسار الانتقال إلى الديمقراطية يشبه نفقًا، فإن نظرة الشخص اليائس الذي فقد ذاته ستقتصر فقط على النور الذي يعد بالخلاص من الفقر والتدهور الاقتصادي، وسيختفي المطلب الأساسي للحرية السياسية والديمقراطية، وفوق كل ذلك، حقوق الإنسان.
هذه الفكرة الاختزالية، التي تؤدي في النهاية إلى تعزيز الاستبداد وسلطة الحكومات، تعتمد على تعزيز الهوية السلبية وفرض طريق مستقيم يُصوَّر على أنه الوحيد الصحيح، بينما يتم تصوير أي رأي أو فكر آخر على أنه منحط ومنحرف. هذا النهج يؤدي إلى تعصب أقصى وتثبيت الاستبداد الشمولي.
إن الحكم الديني الشمولي أيضًا يضع الديمقراطية فقط في إطار "الأمة الشيعية الإسلامية"، وهو ما أود أن أسميه "الشيعية الإسلامية الشمولية". خامنئي، كقائد لهذا النظام، لم يعد يفكر حتى في مصالحه الشخصية أو الحزبية أو الوطنية، أو على الأقل لا يسعى لإقناع الجماهير المطيعة من "الأمة الإسلامية" بها. بل إنه يركز فقط على عالم من الأساطير القائمة على الإسلام الفقهي والأفكار المستوحاة من "سيد قطب"، والتي تدعو إلى نوع من الإمبريالية الدينية الشيعية، وتبرر التوسع والاعتداء على أراضٍ أخرى لزيادة نفوذها تحت غطاء هوية سلبية وخلق أعداء عبر الحروب بالوكالة، والتي تواجه اليوم هزيمة مذلة.
وعلى الرغم من أن خامنئي يحاول، من أجل جعل الجماهير أكثر انصياعًا وجذب المزيد من المؤيدين، أن يشير إلى القومية والثقافة الإيرانية مع إضافة الإسلام، خاصة في خطاباته الأخيرة، إلا أن هذه المصطلحات تُعرَّف أيضًا في إطار الخطاب المذكور. بمعنى آخر، إن إيران الشيعية الإسلامية، التي تعرّف المواطن الإيراني على أنه فرد بلا هوية ولا قيمة وسط كتلة "الأمة الإسلامية"، هي الحلم النهائي لهذا الخطاب. وإذا تمرد أي مواطن، يتم تصنيفه على أنه "عنصر غير موالٍ" ويستحق الطرد والعقاب.
وكما كان الحال في بداية الثورة، حيث كان بقاء الأفراد وحياتهم السياسية والمادية، وحصولهم على الحقوق المدنية والاجتماعية، تعتمد على قربهم من روح الله الخميني ومقربيه. وإلا، كان يتم تصنيفهم بألقاب مثل "غير ثوري" أو "منافق" أو "خائن" ويتم استبعادهم.
القمع الممنهج
إن التاريخ المظلم لما بعد الثورة في الثمانينيات هو مجرد جزء من هذا التطهير الممنهج الهائل الذي اتخذ أشكالًا متعددة ولا يزال مستمرًا حتى اليوم. وأولى القضايا كانت حجاب النساء، الذي أصبح إجبارياً رغم الوعود الكاذبة، وادعاءات إنشاء مدينة فاضلة، ومع الاحتجاجات الواسعة للنساء، تم فرضه بأمر من الخميني. وبالتالي، تم استبعاد شريحة كبيرة من المجتمع، بما في ذلك النساء اللواتي رفضن الامتثال لقانون الحجاب الإجباري عبر العصيان المدني، من المجال السياسي والاجتماعي.
بهذه الطريقة، بدأ تحديد العناصر الموالية من غير الموالية، والتطهير والقمع الممنهج لتنقية كتلة المنتصرين في الثورة:
- في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والمكاتب والنقابات، عبر "الثورة الثقافية" وتعزيز دور الجمعيات الإسلامية كقوات للتطهير والتحكم.
- في المجال السياسي، عبر الافتراء والتشهير واغتيال الشخصية والسمعة.
- في الحرس الثوري والقوات العسكرية الأخرى، عبر ضغوط "الانقلاب الزاحف" (مصطلح استخدمه حسين علي منتظري بعد الخلافات بين قادة الحرس الثوري والقوات القريبة من تيار محمد تقي مصباح يزدي حول الاستراتيجيات العسكرية الخاطئة ومعارضة استمرار الحرب بعد تحرير خرمشهر. هذه الخلافات، بعد أن علم بها مكتب الخميني، صاحبها تهديدات بمحاكمة المعارضين في المحاكم الثورية والعسكرية. التيار القريب من مصباح يزدي ساعد لاحقًا في تمكين خامنئي وتمهيد الطريق لقيادته وعزل منتظري من منصب القائم مقام).
وجدير بالذكر أن تنفيذ عمليات مسربة مثل "كربلاء 5"، والتي كانت تتماشى مع ذلك الانقلاب، وإقامة محاكم الثورة وإعدامات جماعية للمجموعات المعارضة والمختلفة فكريًا تحت إشراف لجان الموت (التي بلغ عددها حسب اعتراف مصطفى بورمحمدي أكثر من 45 لجنة في جميع أنحاء البلاد)، وتقييد النقابات العمالية وتحويلها إلى منظمات إسلامية حكومية، كلها أمثلة صغيرة لكنها مروعة من حملة التصفيات الثورية التي هدفت إلى "تأهيل" المجتمع.
إن النظام الديني الشمولي (الإسلامي الشيعي) استطاع أن يجذب كتلة بلا هوية وخالية من الذات، لدرجة أنه جعل الجريمة تبدو أخلاقية وشرعية وضرورة ثورية.
والفرد في مثل هذا النظام فقد دوره الفريد الذي كان يمكن أن يقوده إلى العمل والمبادرة، وتحول إلى مجرد ترس صغير في آلة الشمولية الدينية.
ولا شك أن الخوف والقمع وحدهما لا يمكن أن يكونا تفسيرًا كافيًا لتحول الناس إلى "أمة" تحت حكم النظام.
فعندما اقتحم طلاب الجمعيات الإسلامية (الذين عُرفوا لاحقًا باسم "طلاب خط الإمام") السفارة الأميركية، كانت حشود غاضبة وبلا هوية تردد الشعارات ليل نهار خارج السفارة، مطالبين بإعدام "الخونة للنظام والإسلام".
ومن هذا الحدث المروع يتضح أن "التصفيات الثورية" التي تمت بأبشع الطرق غير الإنسانية، كانت مقبولة من قبل الجماهير (الأمة)، بل تحولت إلى مطلب وطني قائم على واجبات دينية.
هنا يظهر الفارق بين الغضب الأصيل الواعي والغضب الناتج عن اليأس وفقدان الهوية الذي أدى إلى تحول الناس إلى كتلة بلا هوية.
يمكن القول إن سرقة الثورة عام 1979 من قبل القوى الإسلامية بقيادة الخميني لم تكن أمرًا مستبعدًا.
وبالرغم من صعوبة تحديد السبب الرئيسي للإيمان الشيعي وتحول الناس إلى "أمة"، إلا أن هناك عوامل تاريخية واجتماعية أسهمت في تأسيس نظام إسلامي، خاصة في مجتمع تقليدي مثل إيران.
ويوضح آصف بيات في كتابه "العمال وثورة 1979" أن السبب الرئيسي لانجذاب الطبقات الفقيرة إلى الإسلاميين كان عدم قدرتهم على قضاء أوقات فراغهم في أماكن بورجوازية مثل المقاهي والمطاعم، بينما كانت المساجد توفر مكانًا مجانيًا للاجتماع.
فالمساجد أصبحت، ليست فقط مكانًا لتجمع الطلاب والأساتذة والمفكرين الدينيين، بل أيضًا مكانًا لعمال الطبقة الفقيرة لقضاء وقتهم مجانًا.
ومع انفتاح المشهد السياسي والثقافي في السبعينيات، تم التعاون مع رجال دين مثل محمد بهشتي ومحمد جواد باهنر في تأليف الكتب المدرسية، خاصة في المواد الدينية.
إن احتلال السفارة الأميركية والنظرة السلبية نحو الغرب، بالإضافة إلى الحرب العراقية الإيرانية، كلها عوامل أسهمت في تعزيز الانعزالية الدولية لإيران، وأدت إلى خسائر جسيمة ما تزال مستمرة حتى اليوم.
كل هذه العوامل ساعدت في تحول إيران إلى "أمة" أكثر تجانسًا، وفي هذا السياق استطاع الخميني أن يعلن أن "حفظ النظام من أهم الواجبات"، واستمرت التصفيات الثورية حتى اليوم.
وفي إطار هذا المنطق، يمكن "شرعًا" الكذب والافتراء والقمع وحتى قتل الأبرياء. ويمكن التضحية بآلاف الجنود في عمليات مسربة مثل "كربلاء 5" تحت شعار "القدس تمر عبر كربلاء"، أو إعدام سجناء بلا محاكمات عادلة تحت ذريعة الأمن الوطني.
و"حفظ النظام" يمكن أن يمتد بأي ذريعة إلى المؤسسات والأركان الحكومية الأخرى.
ففي "الجمعية الإسلامية لجامعة طهران"، ومنذ سنوات، يتم استخدام ذريعة "حفظ المؤسسة" وقدسيتها، باعتبارها أكثر المؤسسات الطلابية أمنا في البلاد، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة "حفظ النظام". هذه المؤسسة هي إرث وهمي دوري، يعمل بدافع المصلحة الشخصية والرغبة في البقاء أو الترقية داخل نواة السلطة الصلبة، حيث يتم تحويل الطلاب إلى مجرد أتباع للأحزاب الإصلاحية داخل الجامعة.
وهذه المؤسسة كنت أنا أيضًا نشطة فيها، لكنني كنت أعتقد أنها فرصة لتحقيق حق التنظيم للجماعات الفكرية والعقائدية الأخرى. حلم تحول في النهاية إلى مرثية مريرة مع حضور مسعود بزشكيان في انتخابات 2024 بدعوة من المنتدى الإسلامي لطهران، حيث تفاخر المنتدى بكونه منصهرًا في ولاية الفقيه وشجع الحاضرين على ذلك.
كنا نحن أيضًا، كجزء من "الأمة الإسلامية"، نجد هويتنا داخل هذه المؤسسة. وإذا حاول أي فرد منا اكتشاف ذاته واستقلاليته في إطار النشاط الطلابي، كانت الأجهزة الأمنية تعمل باستمرار مع أجهزة المراقبة الدورية لتحديد العناصر "غير الموالية" وإزالتها.
إن عقد حلقات دراسية وأنشطة ثقافية وحتى نقابية ذات أساس سياسي يمكن أن يسهم، حتى في ظل أجواء القمع، في زيادة الوعي السياسي والاجتماعي للأفراد، وبالتالي تعزيز المجتمع المدني.
النظام الإيراني والتحديات التي تواجهه
الآن يواجه النظام الإيراني تحديات عديدة، وعلى الرغم من نيته في تحقيق تغيير في المسار أو الانتقال إلى حياة طبيعية للمواطنين من خلال هندسة الانتخابات وصعود حكومة معتدلة تحت عنوان "الوفاق الوطني"، والتي يبدو أنها تسير في اتجاه تحقيق سياسات حكومة حسن روحاني وأكبر هاشمي رفسنجاني، بالإضافة إلى توقع صعود حكومة ديمقراطية في الولايات المتحدة وتحسين السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية مع الغرب وإزالة العقوبات أو تقليلها إلى الحد الأدنى، إلا أنها فشلت في جميع هذه الجوانب.
في الولايات المتحدة، عادت حكومة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة مع تهديدات مباشرة ضد النظام الإيراني. وفي سوريا، تم تبديد الاستثمارات الضخمة التي تم إنفاقها لسنوات على المستشارين والقوات الوكيلة تحت اسم "الدفاع عن الحرم"، ولكن في الحقيقة كانت تهدف إلى منع انهيار حكومة بشار الأسد. كما أن "تحرير الشام" بقيادة محمد الجولاني وصلت إلى السلطة بدعم كامل من الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى حماس.
كما أن الوفد الدبلوماسي لحكومة بزشكيان قد تم استبعاده فعليًا من الساحة الإقليمية، ولم تسفر المشاورات الواسعة مع الدول العربية وحتى الحكومات التي بدت في السابق حليفة لإيران، مثل الصين وروسيا، عن أي رد واضح.
لذلك يبدو أن النظام الإيراني أقرب من أي وقت مضى إلى الانهيار.
في هذا السياق، يجب الانتباه إلى أن الإصلاحات، سواء كانت هيكلية أو بالمعنى الكلاسيكي للإصلاح في نظام ولاية الفقيه المطلقة "الشمولي"، ستؤدي إلى القمع وتثبيت النظام؛ كما رأينا في امتداد حكومات الإصلاح والبناء والتدبير والأمل.
لذلك، فإن تشكيل "طاولة ديمقراطية" بمشاركة مجموعات وآراء متعددة من المعارضة، مع التركيز على القوى الفاعلة والنشطاء السياسيين والمدنيين داخل البلاد، يعتبر أمرًا ضروريًا وسيكون الحل والبديل "لإنقاذ إيران". يجب على المجموعات المتعددة في المعارضة أن تعمل بشكل أكبر على توضيح مواقفها وسياساتها وعلاقتها بالديمقراطية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يتمكن الشعب من اتخاذ أفضل القرارات.
وفي الظروف الإقليمية الحالية، يخشى البعض أن يتم تعطيل عملية التحول الديمقراطي من خلال دخول قوى راديكالية وعنيفة، وحتى من الإسلاميين والمتطرفين الدينيين، ما قد يؤدي إلى بقاء العملية ناقصة وفي خضم حرب أهلية أو خوف أو ترهيب، ما قد يؤدي إلى استبدال النظام الحالي بنظام استبدادي آخر. ومع ذلك، وبالنظر إلى الانتشار الواسع للعلمانية بين الشعب الإيراني، فإن احتمال تحول إيران إلى نظام طالباني أو هيمنة الإسلاميين يعتبر ضعيفًا جدًا.
لذلك، فإن الشرط الأول للدخول إلى طاولة الديمقراطية هو تجنب العنف والالتزام بالديمقراطية والعلمانية معًا، ومنع أي سيطرة أو هيمنة لتحقيق أهداف أو مصالح شخصية أو جماعية.
الشرط الثاني هو "الحفاظ على المصالح الوطنية" و"حماية الوحدة الإقليمية". التحدي الذي قد يطرح هنا هو ما إذا كانت المجموعات العرقية المتعددة التي تعرّف نفسها كـ"شعب" ستثق بممثليها في طاولة الديمقراطية للحفاظ على حقوقها.
لقد حاول النظام الإيراني لسنوات أن يشوه سمعة المجموعات العرقية من خلال وصمها بالانفصالية، بينما كان في الواقع يتجاهل القضية الأساسية المتمثلة في القمع والإقصاء بطرق مختلفة.
ولكن في النظام الديمقراطي، فإن ممثلي الشعب ملتزمون بحماية الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وضمان الحرية الكاملة لجميع فئات المجتمع.
لذلك، من الواضح أنه إذا لم يتم تحقيق ذلك، فإن هذه الفئات من الشعب قد تطالب بحكومة أو إدارة ذاتية لتأمين مصالحها.
شرط آخر مهم هو "المطالبة بالإطاحة". أي أن الفرد أو المجموعة المشاركة في طاولة الديمقراطية يجب أن تكون راغبة في الإطاحة الكاملة بنظام طهران دون أي شك أو تردد.
إن تشكيل واستمرارية وتماسك طاولة الديمقراطية يعتمد على اتحاد وتضامن المجموعات المتعددة في المعارضة.
بمعنى آخر، وبالنظر إلى الشروط المطروحة، يجب أن تكون القواسم الفكرية بين الأفراد بارزة ومكتملة وحتى مصححة بحيث تكون النتيجة النهائية خطابًا مشتركًا يتجنب العنف (مع التأكيد على أن ذلك لا يعني إنكار الحق في الدفاع المشروع ضد قمع القوات الحكومية) للانتقال إلى الديمقراطية.
نقطة أخرى مهمة هي قدرة الأفراد والمجموعات على "النقد الذاتي".
بمعنى أن الخطوة الأولى نحو الديمقراطية يجب أن تكون متمثلة في استيعابها وتأسيسها داخليًا بحيث تبدأ بنقد وتحليل تاريخي لأفكارها وخطابها، والسعي للإجابة على الأفكار الجماعية وتصحيح النقاط المتعارضة مع الديمقراطية.
ولن تكون هناك مجموعة متفوقة على أخرى، ولن تتمكن أي مجموعة من الادعاء بأنها البديل الوحيد "لإنقاذ إيران".
في النهاية، فإن إرادة الشعب هي التي ستؤيد أفضل خيار لمستقبل إيران من خلال عملية ديمقراطية في استفتاء عام، وهذا يعتمد على مقاومة الشعب من خلال العصيان المدني والفعل والتوعية، بالإضافة إلى قوة المجتمع المدني.
مطهرة كونهاي، طالبة في طب الأسنان والمسؤولة السياسية السابقة للرابطة الإسلامية للطلاب في جامعة طهران وعلوم الطب في طهران، تم اعتقالها في عام 2022 فيما يتعلق بانتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" من قبل القوات الأمنية.
تم اعتقال هذه الناشطة الطلابية مرة أخرى في 1 مايو (أيار) 2024 بعد استدعائها إلى جهاز استخبارات الحرس الثوري في طهران، وأفرج عنها بعد أيام قليلة بعد تقديم كفالة. وفي يوليو (تموز) 2024، قضت المحكمة الثورية في طهران ضدها بالسجن لمدة عام، وهي تقضي فترة عقوبتها في سجن إيفين منذ سبتمبر (أيلول).

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، في آخر خطاب له إن البلاد تشهد تقدماً، مؤكداً على ضرورة إظهار هذه الإنجازات عبر العمل الإعلامي. لكن هذه الادعاءات ليست سوى أوهام.
فالشعب يزداد فقراً يوماً بعد يوم، والبلاد تغوص في هوة الفقر، بينما يصر المرشد على أوهام التقدم ويطالب بترويجها عبر وسائل الإعلام.
وكان حسين عظيمي، الاقتصادي البارز الذي توفي قبل حوالي 20 عاماً، يقول: "النمو والتنمية الاقتصادية يجب أن تظهر على مائدة الشعب". فإذا كانت موائد الناس عامرة وقدرتهم الشرائية مرتفعة، فإن الحديث عن التقدم يكون صحيحاً. لكن إذا كانت أوضاع المعيشة وقدرة الناس على الشراء تزداد سوءاً، فإن كل هذه الادعاءات تصبح بلا قيمة.
اليوم، يكرر خامنئي مراراً في خطاباته أن البلاد تشهد تقدماً وأننا نقترب من القمم. لكن الحقائق الاقتصادية للبلاد تناقض هذه الادعاءات. من خلال تحليل الإحصائيات والمؤشرات الاقتصادية، يمكننا أن نرى أن هذه الادعاءات غير علمية وغير واقعية.
وتؤكد المؤشرات الاقتصادية، بما في ذلك التضخم، ونصيب الفرد من الدخل، وحالة الإنتاج، إلى أن إيران متخلفة بشكل كبير عن جيرانها، حتى على المستوى الإقليمي. فالتضخم في بعض دول المنطقة يتراوح بين 2 إلى 3 في المائة، بينما في إيران يتجاوز 40 في المائة. هذه الأوضاع لا تعكس تقدماً، بل هي دليل على التراجع الاقتصادي.
إن نصيب الفرد من الدخل في إيران، وفقاً لأفضل التقديرات، يبلغ حوالي 4 آلاف دولار سنوياً. في المقابل، يبلغ نصيب الفرد من الدخل في بعض بلدان الجوار أكثر من 32 ألف دولار. هذه الفروقات توضح أن الوضع الاقتصادي في إيران يعاني من أزمة واضحة.
وبإصرار خامنئي على استخدام مصطلح "التقدم" بدلاً من مصطلحات أكثر علمية مثل "النمو" و"التنمية"، يستخدم مفاهيم لا يوجد لها معايير أو مقاييس محددة. في حين أن النمو والتنمية لهما مؤشرات دولية واضحة يمكن من خلالها قياس الوضع الاقتصادي لأي بلد.
وجدير بالذكر أن المؤشرات الاقتصادية، على عكس المتملقين المحيطين بالمرشد، تُظهر الحقيقة ولا يمكن تغييرها بالدعاية أو الخطابات النمطية. فبدلاً من الاستماع إلى الاقتصاديين والتحليلات العلمية، يفضل المرشد الأعلى أن يثق في المداحين الذين يكررون ادعاءاته. هؤلاء الأشخاص، بدلاً من تقديم تحليلات واقعية، يكررون فقط كلمات المرشد لإرضائه.
ويعتقد الاقتصاديون أن حل المشكلات الاقتصادية في إيران يتطلب تحسين العلاقات مع العالم وإصلاح العلاقة بين النظام والشعب. لكن خامنئي لا يبدي رغبة في تحسين العلاقات الدولية ولا يصغي لمطالب الشعب. وبتجاهله الحقائق الاقتصادية والاعتماد على أوهامه، يقود البلاد نحو أزمات أعمق.
إن استمرار هذه السياسات سيزيد من الفجوة بين الواقع الاقتصادي والدعاية الحكومية، وسيدفع المجتمع الإيراني نحو المزيد من السخط والاحتجاج.

اتجهت أنظار كثيرة في إيران نحو حفل تنصيب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة وبداية عمله في واشنطن. هذا الاهتمام لا يأتي فقط من جانب النظام الإيراني الذي يخشى قدوم ترامب، بل أيضًا من جانب الشعب الذي تعب من أربعة عقود من الظلم والقمع تحت نظام ولاية الفقيه.
هناك أمل بأن يؤدي صعود ترامب إلى إضعاف النظام الإيراني وإسقاطه في النهاية. فبمجرد أن يؤدي ترامب اليمين الدستورية، سيبدأ عمله في البيت الأبيض، ويوقع على سلسلة من الأوامر التنفيذية التي تم إعدادها مسبقًا.
ومن المتوقع أن يصل عدد هذه الأوامر إلى حوالي 100 أمر أو أكثر، لكن السؤال الأهم بالنسبة للإيرانيين هو: هل سيوقع ترامب في يومه الأول على أمر يتعلق بإيران؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما طبيعة هذه الأوامر؟
من المتوقع أن يكون جزء من هذه الأوامر مخصصًا لسياسة "الضغط الأقصى"؛ وهي السياسة التي أدت في فترة ترامب الرئاسية السابقة إلى انخفاض صادرات النفط الإيرانية إلى أقل من 300 ألف برميل يوميًا.
في المقابل، سمح جو بايدن بتساهل وتهاون أدى إلى زيادة صادرات النفط الإيرانية إلى حوالي 1.7 إلى 2 مليون برميل يوميًا.
ومنذ أن تأكد فوز ترامب في الانتخابات، بدأت الصين، المشتري الرئيسي للنفط الإيراني المهرب، في تقليل مشترياتها من هذا النفط.
ففي الشهرين الماضيين، انخفضت واردات النفط الصينية من إيران بمعدل 500 ألف برميل يوميًا، وهي في طريقها إلى مزيد من الانخفاض.
هذا الإجراء قد يخلق أزمة فورية للنظام الإيراني، حيث سيكون من الصعب جدًا العثور على مشترين جدد للنفط المهرب الذي يبيعه الحرس الثوري.
محمد حسين عادلي، الرئيس السابق للبنك المركزي الإيراني، حذر من أن هذا الوضع قد يخلق أزمة كاملة للاقتصاد الإيراني ويضاعف التضخم.
هذا التحذير يظهر أن انقطاع أو انخفاض حاد في الإيرادات النفطية سيضع الحكومة أمام مشكلات عديدة في دفع الرواتب والإعانات ومعاشات المتقاعدين.
كما أعلن ترامب عن رغبته في مقابلة الرئيس الصيني خلال أول 100 يوم من رئاسته. ومن المحتمل أن يكون أحد الموضوعات المطروحة في هذه المقابلة هو زيادة الضغط على النظام الإيراني.
وإذا قامت الصين بتقليل أو وقف واردات النفط الإيراني المهرب، فلن يكون أمام طهران سوى مواجهة أزمة مالية وعجز كبير في الميزانية.
هذه الأزمة، إلى جانب السخط الشعبي الشديد وزيادة الضغوط الدولية، قد تضع نظام الجمهورية الإسلامية في أضعف وضع ممكن.
مسؤولو النظام الإيراني، على الرغم من محاولاتهم إخفاء خوفهم من ترامب، يدركون جيدًا أن سياسة "الضغط الأقصى" يمكن أن تخلق أزمات مركبة جديدة للنظام الحاكم.
وعلى الرغم من أن المرشد الإيراني دائمًا ما ينكر تأثير هذه الضغوط ويدعي أن سياسات ترامب غير فعالة، إلا أن الواقع يظهر أن هذه الضغوط يمكن أن تحدث تغييرات عميقة في سلوك النظام. بل قد يضطر مسؤولو النظام، خلافًا لمواقفهم السابقة، إلى التفاوض مع إدارة ترامب.
المشكلة الأكبر للنظام الإيراني في مواجهة الرئيس الأميركي المنتخب هي أن الشعب الإيراني، الذي تعب من هذا النظام، ليس فقط غير متضامن مع النظام، بل يرحب بأي إجراء يؤدي إلى إضعافه وإسقاطه.
الشعور العام بالتفاؤل بأن صعود ترامب يمكن أن يضعف نظام الجمهورية الإسلامية يعكس مدى الغضب والسخط من هذا النظام.
في النهاية، على الرغم من أن إسقاط النظام الإيراني يعتمد فقط على إرادة الشعب الإيراني وتحركاته، إلا أن دور العوامل الخارجية في إضعاف هذا النظام لا يمكن إنكاره.
هذا الشعور العام بأن ضغوط ترامب يمكن أن تؤدي إلى تغييرات إيجابية يعكس ضرورة فهم المحللين بدقة لمطالب ومشاعر الشعب.
لقد دُمرت حياة ثلاثة أجيال من الإيرانيين تحت حكم نظام الجمهورية الإسلامية. لقد تعب هذا الشعب من ظلم النظام وفساده وعجزه، وهو الآن ينتظر تحولًا يمكن أن يحقق مستقبلًا أفضل لهم.

عندما بدأت إحدى الهيئات الاستشارية الرئيسية في إيران "مراجعة" القضية المثيرة للجدل بشأن الانضمام إلى الاتفاقيات المالية الدولية، لم يواجه ذلك فقط معارضة من المتشددين، بل أثار أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان المرشد الإيراني قد عدّل من موقفه.
جدير بالذكر أن مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي قيل إنه مفوض من قبل المرشد علي خامنئي للقيام بهذه المراجعة، تم إنشاؤه لحل النزاعات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، الهيئة المسؤولة عن منح الموافقة النهائية على جميع التشريعات.
وقد أعلن وزير الاقتصاد، ناصر همتي، مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي أن المرشد وافق على "مراجعة" انضمام إيران إلى الاتفاقيات المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. فيما لم يدلِ خامنئي بأي تصريحات علنية حول هذه المسألة حتى الآن.
يذكر أن مجموعة العمل المالي (FATF) هي منظمة تم إنشاؤها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتهديدات الأخرى للنظام المالي الدولي. وتم وضع إيران لأول مرة على القائمة السوداء لهذه المجموعة بسبب فشلها في تلبية المعايير الدولية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويعتقد كثير من المراقبين أن التدهور السريع في الاقتصاد الإيراني، إلى جانب المطالب من قبل الإدارة الرئاسية والعديد من السياسيين في طهران، ربما يكون قد دفع خامنئي إلى إعطاء الضوء الأخضر لحل هذه المسألة.
وفي مقابلة نشرت بواسطة "يورونيوز" أول من أمس الثلاثاء، والتي غطتها وسائل الإعلام الإيرانية على نطاق واسع، عبر أسغر فخريه كاشان، نائب محافظ البنك المركزي الإيراني السابق، عن شعوره بأن الرئيس مسعود بزشكیان قد توصل إلى اتفاق مع خامنئي لحل القضية.
ما دور مجلس تشخيص مصلحة النظام؟
إحدى المهام الرئيسية للمجلس هي التحكيم بين البرلمان والمراقب الدستوري مجلس صيانة الدستور، عندما تتم الموافقة على قانون من قبل الأول ولكنه مرفوض من قبل الثاني، ولا يمكن حل النزاع بينهما. ويتم تعيين رئيس المجلس وأعضائه من قبل خامنئي.
إن الجدل الحالي يتركز حول قانونين تتطلبهما مجموعة "FATF" لإزالة إيران من القائمة السوداء: "اتفاقية باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية"، وقانون "CFT" لمكافحة تمويل الإرهاب.
وعلى الرغم من أن البرلمان وافق على هذه القوانين في عام 2018، فإن مجلس صيانة الدستور رفضها، مستندًا إلى تعارضها مع "إرشادات الاقتصاد المقاوم"، وسياسات الأمن القومي، و"مخالفتها للشريعة".
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، تمت إحالة القضية إلى مجلس تشخيص مصلحة النظام، حيث ظلت عالقة. ولم يكن من الممكن حدوث هذا التأخير المستمر دون توجيه أو موافقة خامنئي.
جدير بالذكر أن الموافقة من قبل ثلثي الأعضاء الحاليين للمجلس الـ43 ضرورية لتسوية هذين القانونين المتأخرين.
من يدعم ويعارض الانضمام إلى "FATF"؟
كان انضمام إيران إلى الاتفاقيات قضية مثيرة للجدل في الساحة السياسية الإيرانية منذ عام 2016، ويرجع ذلك إلى القيود الكبيرة التي تواجهها إيران في علاقاتها مع البنوك الدولية والتجارة الخارجية نتيجة وجودها على القائمة السوداء لـ"FATF".
وقد دعا بزشكیان مرارًا وتكرارًا إلى الانضمام لاتفاقيات "FATF" خلال حملته الانتخابية كخطوة حاسمة لمنع عزلة البلاد المالية. وتقول حكومته إن الحل النهائي لهذه القضية قد أصبح قريبًا.
يذكر أن المفاوض النووي السابق المتشدد سعيد جليلي، الذي نافس بزشكیان في الانتخابات الرئاسية المبكرة في يوليو (تموز)، هو حاليًا عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويحظى بدعم أعضاء المجلس وبعض النواب في البرلمان.
وفي خطاب ناري ضد أميركا مؤخرًا، انتقد النائب المتشدد مهدي كوشاك زاده الجهود المبذولة للانضمام إلى اتفاقيات مكافحة غسيل الأموال بموجب مجموعة العمل المالي (FATF)، واصفًا ذلك بـ"الموافقة على العبودية لأميركا".
وعبر رسالة في وقت سابق من هذا الأسبوع إلى رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، صادق آملي لاريجاني، جادل 120 نائبًا بأن الانضمام إلى اتفاقيات باليرمو و"CFT" لن يفيد الأمة الإيرانية. وأكدوا أن مثل هذه الخطوة ستؤدي فقط إلى "تصعيد المشاكل الناجمة عن العقوبات" وتمكين الولايات المتحدة من الكشف عن طرق إيران في التحايل عليها.
وتشير التقارير إلى أن نصف أعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام على الأقل لديهم تاريخ من المعارضة ليس فقط لهذه القوانين ولكن لانضمام إيران إلى جميع الاتفاقيات التي تطالب بها "FATF".
ومع ذلك، كما هو الحال في العديد من الحالات الأخرى، قد تؤدي الإشارة الدقيقة من خامنئي عبر القنوات غير الرسمية إلى تغيير مواقف بعضهم.
لماذا يعتبر قرار تشريع "FATF" مهمًا؟
توصي "FATF" بـ"العناية الواجبة المعززة" للمعاملات التي تشمل البلدان المدرجة على القائمة السوداء. وهذا يجعل التعاملات المالية مع إيران مكلفة ومرهقة ومخاطرة بالنسبة للمؤسسات الدولية. وقد تطبق الدول أيضًا تدابير مضادة، مثل إنهاء العلاقات المصرفية، وحظر المعاملات، أو فرض متطلبات تدقيق إضافية.
وسوف يقلل حل القضايا المتعلقة بـ"FATF" من هذه الحواجز، ما قد يسهل الوصول إلى الأسواق المالية الدولية ويخفف الضغط الاقتصادي على إيران.
ما الخطوات التي اتخذتها إيران لتلبية متطلبات "FATF"؟
في عام 2016، وافقت إيران تحت رئاسة حسن روحاني على خطة عمل من "FATF" للانتقال من القائمة السوداء إلى القائمة الرمادية.
ومع ذلك، في عام 2020، أعادت "FATF" إدراج إيران في القائمة السوداء بسبب فشلها في إتمام خطة العمل.
لذلك، حثت "مجموعة العمل المالي" أعضاءها على الاستمرار في تقديم المشورة لمؤسساتهم المالية لتطبيق العناية الواجبة المعززة على علاقات الأعمال والمعاملات مع الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين من إيران.
وقد تم قبول 37 من أصل 41 توصية قدمتها "FATF" للحكومة الإيرانية في عام 2016، بما في ذلك نظام إعلان النقد، وتم تقديم تشريعات ذات صلة في هذه المجالات. ولكن مكافحة تمويل الإرهاب تظل أكبر عقبة في إيران، حيث يعتقد المتشددون أن ذلك سيقيد قدرة طهران على دعم جماعاتها الوكيلة في الخارج.