النظام الإيراني بين التفاوض والحرب.. والشعب يرزح تحت الضغوط والمعاناة

تعيش إيران حالة من الغموض. فلا أحد يعلم، على وجه الدقة، ما إذا كانت البلاد تتجه نحو التفاوض أو الحرب، حيث تعتمد جميع القرارات على خامنئي.
محلل سياسي - إيران إنترناشيونال

تعيش إيران حالة من الغموض. فلا أحد يعلم، على وجه الدقة، ما إذا كانت البلاد تتجه نحو التفاوض أو الحرب، حيث تعتمد جميع القرارات على خامنئي.
هذا الوضع غير القابل للتنبؤ أدى إلى تعطيل أو تباطؤ شديد في العديد من الأنشطة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية. في حين أن القمع وتقييد الحريات وانتهاك حقوق المواطنين لا يزال مستمرًا بلا هوادة.
وفي هذا السياق، فإن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، المعروف بولائه لخامنئي، أصبح بمثابة نسخة أكثر فشلًا من محمد خاتمي وحسن روحاني، ما يؤدي يومًا بعد يوم إلى تصاعد الغضب الشعبي.
لم يعد الناس في إيران مجرد ساخطين؛ بل هم غاضبون، ويمكن ملاحظة هذا الغضب في الأحاديث اليومية.
وبعد ستة أشهر من تولي بزشكيان الحكومة، لم يحدث أي تغيير إيجابي في البلاد. والجميع ينتظر نتيجة المواجهة بين خامنئي ودونالد ترامب.
إن تصريحات خامنئي الأخيرة لم تقدم أي توضيح لمسار نظام طهران، بعض المحللين اعتبروا تلك التصريحات مؤشرًا على استعداد للتفاوض، بينما رآها آخرون تأكيدًا لاستمرار السياسات المعادية لأميركا.
هذا الغموض أدى إلى ركود اقتصادي حاد في البلاد، مع استمرار الضغوط الكبيرة على المواطنين.
وعلى الجانب الآخر، لا يزال من غير الواضح ما هو نوع التفاوض الذي يريده ترامب. قد يطرح شروطًا تجعل قبولها صعبًا على النظام. في الوقت ذاته، تبقى سياسات ترامب تجاه إيران غامضة، باستثناء موقفه الواضح بشأن منع حصول طهران على السلاح النووي.
هذه الحالة الانتظارية والمعلقة، التي جمدت أهم شؤون البلاد، زادت من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
ورغم العقوبات الشديدة، تستمر صادرات النفط الإيرانية بشكل سري، لكن من المتوقع أن تنخفض تدريجيًا مع عودة ترامب.
يذكر أن جزءا كبيرا من عائدات النفط يتم إهداره من قبل قادة الحرس الثوري ومقربي النظام.
أما سوق الأسهم والاستثمارات والإنتاج فهي في حالة غموض تام، وأسعار السلع الأساسية ترتفع يومًا بعد يوم. كما وصلت أسعار الدولار والذهب إلى مستويات قياسية، بينما يواجه المواطنون أزمة في تأمين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك مواد غذائية بسيطة مثل البطاطس والبصل.
في ظل هذا الواقع، توصل كثير من الإيرانيين إلى قناعة بأنه سواء حدثت مفاوضات أم لا، فإن النظام الإيراني أصبح غير قابل للتحمل بالنسبة لهم.
لقد سئم الناس من سنوات طويلة من المفاوضات والاتفاقات والفشل المتكرر، ولم يعد لديهم أي أمل في تحسن الأوضاع.
جدير بالذكر أن التجربة خلال العقدين الماضيين أظهرت أن حياة الناس ظلت دائمًا في حالة أزمة بغض النظر عن نتائج المفاوضات.
الآن، يعرف الشعب أن التوصل إلى اتفاق أو عدمه لن يحدث فرقًا في مصيرهم. حتى إذا انخفضت العقوبات وتمكنت إيران من بيع النفط، فإن العائدات لن تُخصص للشعب، بل ستذهب إما لدعم الميليشيات الإقليمية مثل حزب الله وحماس أو لإهدارها من قبل المسؤولين الحكوميين في الداخل.
لهذا السبب، أصبح الكثيرون مقتنعين بأن إصلاح الوضع لم يعد ممكنًا، وأن الحل الوحيد هو إنهاء حكم النظام الإيراني.
هذا الرأي بات واضحًا بين الناس، سواء في الفضاء العام أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
بالنسبة للعديد من الإيرانيين، لم يعد يهمهم ما إذا كانت المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة ستنجح أم لا، لأن التجربة أثبتت أن النظام الإيراني لن يتغير.
هذا النظام عندما يكون ضعيفًا يلجأ إلى التفاوض والتهدئة لتخفيف الضغوط الدولية، وعندما يصبح في موقع قوة يعود لتصعيد سياساته العدائية.
إن عدم الثقة هذا هو نتيجة سنوات من الوعود غير المحققة واستغلال المسؤولين للأزمات الداخلية والخارجية.
الآن، الشعب أكثر غضبًا ويأسًا من أي وقت مضى، وهذه المشاعر باتت منتشرة في المجتمع، ويمكن ملاحظتها حتى في اللهجة القاسية والنقد اللاذع الذي يوجهه الناس علنًا لشخص خامنئي.

أعلن مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، مجید تخت روانجي، في مقابلة مع وكالة أنباء "إيسنا"، أن إيران يجب أن تعد نفسها لـ"أسوأ سيناريو" في مواجهة دونالد ترامب.
هذا التصريح يُظهر أن الحكومة الإيرانية تدرك جيدًا أن التفاوض مع ترامب، خاصة مع المطالب الصعبة التي قد يطرحها، لن يكون طريقًا سهلًا، وأن فترة صعبة تنتظر البلاد.
ومن المرجح أن يقدم ترامب مقترحات للنظام الإيراني ستكون صعبة القبول. هذه الشروط قد تشمل التوقف الكامل عن البرنامج النووي، وإنهاء تطوير البرنامج الصاروخي، وقطع الدعم عن الجماعات الموالية، والتخلي عن الأنشطة المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. في الواقع، هذه الشروط تعني نوعًا من الاستسلام الكامل لنظام طهران، وإن كانت تُطرح تحت اسم "المفاوضات".
بالنسبة لمرشد النظام الإيراني، فإن مثل هذه الشروط ستكون مؤلمة للغاية. إذا كان يتحدث عن "المرونة البطولية" في عهد أوباما، فإن مثل هذه المفاوضات يمكن أن تُفسر الآن، وفقًا لبعض المحللين والخبراء المحليين، على أنها "استسلام واعٍ"؛ وهي حالة ستكون صعبة القبول بالنسبة لخامنئي بسبب تناقضها مع رؤيته وسياساته.
يشار إلى أن تصريحات تخت روانجي حول الاستعداد لأسوأ السيناريوهات تُظهر أن ضغوط إدارة ترامب والمقترحات الصارمة القادمة قد تسببت حتى في خلافات بين كبار مسؤولي النظام الإيراني. هذه الانقسامات انعكست أيضًا على الرأي العام، ما زاد من مخاوف عميقة داخل النظام.
وفي هذا السياق، كتب أحمد زيدآبادي، الصحفي والناشط السياسي، في تغريدة على X أن ترامب لا يظهر أي مرونة فيما يتعلق بأمن إسرائيل، وسياسته تجاه النظام الإيراني تقوم على نفس المبدأ. وأكد أن ترامب لن يقدم أي مقترح قد يسبب استياء إسرائيل ونتنياهو. لذلك، فإن بزشكيان، بدلًا من اتخاذ قرار يعتبره زيدآبادي انتحارًا سياسيًا، من الأفضل أن يترك هذا القرار لمنافسيه. ومع ذلك، من الواضح أن هذا القرار ليس مع منافسي بزشكيان، بل مع خامنئي، وأن مثل هذا الاتفاق والاستسلام سيكون بمثابة كأس سم أخرى لمرشد النظام الإيراني.
أزمة صنع القرار والخلافات الداخلية
إيران ليست الآن في وضع يسمح لها برفض المفاوضات مع الادعاء بأنها لا تزال قادرة على تجنب عقوبات أشد أو حتى حرب محتملة. إن إدارة ترامب تسير بطريقة تدفع النظام الإيراني نحو قبول شروط قصوى أو مواجهة صدام عسكري.
هذا الوضع أدى إلى تصاعد الصراع على السلطة والخلافات بين أجنحة النظام المختلفة حول كيفية التعامل مع أميركا. فكبار المسؤولين، بما في ذلك محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان، وغلام حسين محسني إيجه إي، رئيس السلطة القضائية، هاجموا علنًا محمد جواد ظريف، أحد أبرز وجوه الحكومة، ما يُظهر أن الوحدة الداخلية في النظام قد انهارت، وأن انقسامات عميقة نشأت حول صنع القرار في القضايا الكبرى للبلاد.
وتُظهر تصريحات تخت روانجي أيضًا الضعف الاستراتيجي للنظام الإيراني. ففقدان الأدوات السابقة، مثل نفوذ الجماعات الموالية والتهديد بمهاجمة القواعد الأميركية، جعل النظام في موقف ضعف. كانت إيران تعتمد سابقًا على جماعات مثل حماس وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي للمناورة على الساحة الدولية، ولكن الآن، مع الهزائم المتتالية لهذه الجماعات أو تقليص نطاق تحركاتها، فقد النظام أدوات قوته.
وجدير بالذكر أن قادة الحرس الثوري الذين كانوا يتباهون سابقًا بالحفاظ على بشار الأسد كـ"انتصار كبير"، لم يعودوا يتحدثون عن انهيار ما كانوا يسمونه "محور المقاومة".
إن ما يواجه النظام الإيراني الآن ليس مجرد اختبار لاتخاذ قرار بشأن التفاوض أو المواجهة مع أميركا، بل هو اختبار لبقاء النظام نفسه. هذه الخلافات والحرب الداخلية على السلطة، خاصة في ظل الأزمات المتعددة التي تواجهها البلاد داخليًا وخارجيًا، يمكن أن تضعف أسس النظام وتؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار؛ خاصة وأن الشعب الساخط لا يقف خلف النظام في هذه الظروف الصعبة.

يتحدث المرشد الإيراني، علي خامنئي، دائمًا، عن تقدم البلاد، بينما يرى المواطنون الإيرانيون يوميًا تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد خامنئي أن إيران في طريقها إلى قمم التقدم، لكن الواقع يظهر صورة مختلفة. فلماذا يصر خامنئي على أن العداء مع أميركا وقطع الاعتماد على الدولار هو الحل لمشاكل البلاد، في حين أن هذه السياسات لم تحل المشاكل، بل زادتها سوءًا؟ وهل سيتجه نحو المفاوضات والاتفاق مع أميركا أم سيختار المواجهة والصراع والحرب؟
في إيران، الشعب وحتى جزء من النظام يتابع قرار خامنئي: هل سيتجه نحو المفاوضات مع أميركا، خاصة مع دونالد ترامب، أم سيختار طريق المواجهة والصراع؟
وهذا التردد واضح حتى بين مسؤولي النظام، فعلى سبيل المثال، تحدث الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، ومساعده للشؤون الاستراتيجية، محمد جواد ظريف، عن إمكانية التفاوض مع أميركا، لكن في الحكومة نفسها، عارض وزير الاستخبارات، إسماعيل خطيب، بشدة هذه المفاوضات ووصفها بالإجبار.
ومن ناحية أخرى، نظمت مجموعات متشددة، مثل جبهة الصمود، تجمعات طالبت فيها بإعدام ظريف، ورددت شعارات مثل: "الموت لظريف". في حين أن بزشكيان، كرئيس للحكومة، يعلم جيدًا أن استمرار هذا الوضع سيجعل حكومته أكثر إفلاسًا، وقد تنقطع عائدات النفط تمامًا. وأكد، خلال زيارته إلى خوزستان، أن إيران يجب أن تتعامل مع أميركا مثل الصين، لأن الحكومة في وضع قد تكون فيه خزينتها خاوية.
ومع وصول ترامب إلى السلطة واحتمال تشديد العقوبات على إيران، انخفضت قيمة الريال مقابل الدولار بشكل حاد؛ حيث وصل سعر الدولار إلى 84,200 تومان، في طهران، وارتفع سعر الذهب في الوقت نفسه، وهو يؤثر مباشرة على أسعار السلع والخدمات، مما يجعل الأوضاع الاقتصادية للناس أكثر صعوبة.
ومن ناحية أخرى، عطلت هذه التقلبات الاقتصادية جميع خطط الحكومة، بما في ذلك خطة زيادة أسعار البنزين.
وتتذرع الحكومة لزيادة أسعار البنزين بمنع تهريبه إلى الدول المجاورة بسبب اختلاف الأسعار، لكن مع استمرار ارتفاع سعر الدولار، سيظهر هذا الاختلاف مرة أخرى، وسيصبح تهريب البنزين أكثر ربحية. هذه العملية تكررت عدة مرات منذ عهد الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني، ولم تنجح أبدًا. وفي النهاية، لم تؤد هذه السياسات إلا إلى زيادة السخط العام والضغط الاقتصادي على الناس.
وأدى ارتفاع سعر الدولار والذهب إلى ارتفاع الأسعار في جميع القطاعات الاقتصادية؛ حيث خلقت زيادة أسعار الأدوية والمواد الغذائية ضغطًا كبيرًا على الإيرانيين، وأغضبتهم بشدة، وهي سلع لا يمكن الاستغناء عنها؛ فالدواء، على عكس السلع الأخرى، لا يمكن استبداله أو التوفير فيه.
وتسبب هذه المشكلة ضغطًا إضافيًا على الأسر، التي يعولها أشخاص بحاجة إلى الأدوية؛ فكثير من الناس لا يستطيعون الاعتناء بصحتهم؛ لأنهم لا يملكون دخلًا كافيًا لتغطية تكاليف العلاج. هذا الوضع لا يعرّض الصحة الجسدية للمواطنين للخطر فحسب، بل يعطل أيضًا صحتهم النفسية ويزيد من السخط العام.
ويكن القول إن الوضع الحالي في إيران هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام الخاطئة، وخاصة العداء مع أميركا. وبينما يعاني الناس مشاكل اقتصادية متزايدة، يواصل خامنئي إطلاق شعارات غير مبنية على أساس ويصر على استمرار سياساته غير الفعالة.. فهل سيختار في النهاية طريق المفاوضات والتفاعل، أم سيقود إيران نحو الصراع وأزمات أكبر؟، والإجابة عن هذا السؤال ستحدد مستقبل البلاد.

كشفت تحقيقات "إيران إنترناشيونال" أنه تم نقل ما لا يقل عن 300 طالب إلى المستشفيات، أو علاجهم بشكل عاجل، بسبب حالات تسمم في جامعات إيرانية مختلفة، خلال النصف الأول من العام الدراسي الحالي، الذي بدأ في 22 سبتمبر (أيلول) 2024.
وفي أحدث هذه الحالات، تعرض أكثر من 80 طالبًا في سكن معلمي جامعة فرهنغيان في مدينة ورامين، التابعة لمحافظة طهران، للتسمم، يوم 24 يناير (كانون الثاني) الجاري، وتم نقل أكثر من 50 منهم إلى المستشفى ووضعهم تحت المراقبة.
ويُعتبر التسمم الناتج عن تسرب الغاز أو تناول أغذية ذات جودة منخفضة أحد أبرز المشاكل، التي يواجهها الطلاب المقيمون في السكن الجامعي.
وكان قد تم الإبلاغ عن أول حالة تسمم بين الطلاب في 30 سبتمبر الماضي، حيث تعرض طلاب جامعة سبزوار للعلوم الطبية للتسمم، واحتاج العشرات منهم إلى علاج عاجل أو نقل إلى المستشفى.
كما تعرض عدد من طلاب جامعة همدان للتسمم في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وكذلك طلاب سكن "تربيت دبير" في جامعة فرهنغيان بطهران، في التاسع والعاشر من الشهر نفسه، وتم نقلهم إلى المستشفى.
وتعرض طلاب كلية العلوم الطبية في شوشتر للتسمم، في 24 نوفمبر الماضي أيضًاا، واحتاجوا إلى رعاية طبية.
وفي 7 يناير الجاري، تعرضت عشرات الطالبات في سكن ولنجك بجامعة شهيد بهشتي للتسمم؛ بسبب تسرب غاز، وتم نقلهن إلى ثلاثة مستشفيات مختلفة في طهران.
واستمرارًا لحوادث السكن الجامعي، تعرض عدد من طلاب سكن "فلاح" في جامعة طهران للتسمم، يوم 16 يناير الجاري أيضًا، وتم نقلهم إلى المستشفى أو علاجهم بشكل عاجل.
النظرة الأمنية هي الأولوية
قالت طالبة من سكن جامعة بهشتي: "إن السكن الجامعي يحتاج إلى إصلاح وترميم، لكن مسؤولي الجامعة لا يهتمون بصحتنا بقدر اهتمامهم بطول شعرنا وملابسنا".
كما انتقدت طالبة من سكن "صومعة سرا" إهمال مسؤولي الجامعة، قائلة: "غرفتنا تتسع لأربعة أشخاص، لكنهم وضعوا ستة أشخاص فيها، ويضطر شخصان للنوم على الأرض أسبوعيًا، ولا توجد أسرّة".
وقالت إحدى طالبات جامعة طهران، وتُدعى مارال: "في الأشهر الثلاثة الماضية، منعني الأمن من دخول الجامعة عدة مرات، هددوني بطردي من السكن، فقط لأنني نشرت صورًا على إنستغرام توضح الوضع المزري للسكن، فالنظرة الأمنية هي الأولوية بالنسبة لهم".
"انتقام" النظام الإيراني من الطلاب
قال أحد الطلاب، الذي كان يرسل خطابات إلى مسؤولي الجامعة لمدة عامين للاهتمام بوضع السكن: "احترق جهاز اللاب توب الخاص بي مرتين، بسبب مشكلة في المقبس الكهربائي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن السقف يسرب مياهًا، وقد وضعنا منشفة في الممر ووعاء بلاستيكيًا تحت التسريب منذ فترة، ولم ترد الجامعة حتى مرة واحدة على طلباتي".
وأضاف الطالب عن وضع الطعام في الجامعة والسكن: "هنا نشعر كأننا سجناء، يتم استخدام أسوأ المواد الغذائية، مثل المعكرونة مع الصويا، والأرز مع التونة، وقد شاهدت مرة أن تاريخ صلاحية العلبة قد انتهى، وتحدثت مع المسؤول، الذي قال إنه سيتم توبيخ مسؤول المشتريات".
ويعتقد بعض النشطاء الطلابيين أن النظام الإيراني ربما ينتقم من الطلاب.
وقال أحد النشطاء الطلابيين: "المسؤولون على علم بالوضع المقلق في السكن. تسرب الغاز، ومشاكل الكهرباء، وانسداد الأنابيب، والطعام المسموم والرديء تم التبليغ عنه مرارًا، لكن النظام يشعر بالضعف بعد حركة مهسا ويريد الانتقام من الشباب المعارضين".

"الحرية ليست مجانية".. لا أتذكر بالضبط من قال هذه العبارة، لكنها دائمًا ما تبقى في ذهني كشمعة مضيئة تنير طريقًا غامضًا ومليئًا بالضباب، خاصة في هذه الأيام التي صدر فيها حكم غير إنساني بالإعدام بحق رفيقيّ في السجن، بهروز كارمي وفرهاد ميرزا، وعشرات الأحباب الآخرين.
ومع تأكيد حكم الإعدام بحق بهروز من قبل المحكمة العليا وإبلاغه لتنفيذ الأحكام بناءً على ملفات قضائية واهية واتهامات كيدية، وفي إطار انتقام النظام الإسلامي من انتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" وإضعاف موقفه في المنطقة والمجتمع الدولي، أصبحت أكثر من أي وقت مضى متمسكة بعهدي بأنني لن أدخر أي جهد للإطاحة بهذا النظام وإنهاء تاريخ الرعب والخوف والظلام، مع الأمل في إيران واعية وحرة ومزدهرة، حتى لو كلفني ذلك حياتي.
قبل كل شيء، يجب أن أقول إن جزءًا من هذا المقال كان من المقرر نشره بمناسبة يوم الطالب في 6 ديسمبر (كانون الأول)، ولكن تأخر نشره، بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة وتأثيرها على نظام طهران.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت أن أتواصل مع مجموعات فكرية مختلفة وأجري حوارات وتبادلًا للآراء معهم، كما أنني كطالبة علوم سياسية ذاتية التعلم في السجن، قمت بدراسة تحليلات الأساتذة والمفكرين بشكل أعمق.
كما أنني على يقين من أن العملية السياسية والاجتماعية في تفاعل الناس مع الحكومات تتطور باستمرار، ومع كل حركة احتجاجية وانتفاضة، تزداد خبرات الشرائح المختلفة من الناس، وبالتالي فإن آراء الأفراد ليست مستثناة من هذه القاعدة.
لذلك، فإن المقالة الحالية قابلة للإكمال والتعديل بناءً على تطورات الأحداث المستقبلية ونقد وتبادل الآراء من قبل الخبراء والمفكرين. كما أنني حاولت أن أكون منصفة تجاه جميع أطياف المعارضة.
بالإضافة إلى ذلك، حاولت أن أنظر بشكل نقدي إلى تحليل الثورة الإيرانية عام 1979 والأحداث التي تلت ذلك، والتي أعتقد أنها ضرورية وملهمة لوضع إيران الحالي وللانتقال إلى الديمقراطية.
الغضب الأصيل
في خضم انقلاب المجر، كواحدة من الدول التابعة للاتحاد السوفياتي في عهد خروتشوف، تقول حنا أرندت نقلاً عن أحد الطلاب المؤثرين في الحركات الثورية: "لقد سئم الناس من أزمة المعيشة والفقر المدقع، ولكن ما وحّد الحركة الطلابية كطليعة مع النقابات والعمال والشرائح الأخرى من الناس في احتجاجات الشوارع هو "الغضب" من سنوات من الكتمان الحكومي في تفسير الأحداث والكوارث، وفي الأساس "غياب حرية التفكير".
عندما قرأت ذلك البيان غير الإنساني والصادر عن القوات المسلحة والذي يشير إلى "خطأ بشري" في كارثة إسقاط الطائرة الأوكرانية بإطلاق صاروخين من قبل الحرس الثوري، استولى عليّ غضب مضاعف بالإضافة إلى الحزن على وفاة مواطنيّ. غضب ما زال في نظري أصيلًا وهو نتيجة سنوات من "الكذب"، و"الكتمان"، و"إلغاء الذات" للمواطنين من قبل النظام.
لو أعلن النظام "الحقيقة" بعد ساعات من وقوع الكارثة ولم يكن مضطرًا للكشف عنها تحت ضغط من حكومات كندا وأوكرانيا ووسائل الإعلام الناطقة بالفارسية خارج البلاد، هل كنا سنغضب لدرجة أن نخرج في مظاهرات أمام جامعة أمير كبير ونصرخ "الموت للديكتاتور"؟
أو في قضية مقتل مهسا أميني على يد قوات شرطة الأخلاق، لو لم يتم استهدافها وعائلتها بهذا القدر من الإهانة والضغط، وتم تقديم الجناة للعدالة، كيف كانت ردود فعل الناس؟
بمعنى آخر، ما زاد من غضبنا وأعطاه أصالة هو "الكذب الممنهج" و"تدمير الكرامة الإنسانية واحترام الذات" للمواطنين من قبل النظام.
غضب أصيل يمكن أن يصبح المحور الرئيسي للانتفاضات والحركات المدنية. هذا العامل الموحّد في الانتفاضات والحركات بعد الثورة لوحظ مرارًا وتكرارًا.
ففي عام 1999، خرج الطلاب والنشطاء السياسيون والمدنيون إلى الشوارع احتجاجًا على إغلاق المساحة السياسية المحدودة وقمع حرية التعبير وإغلاق الصحف بشكل جماعي بأمر مباشر من علي خامنئي.
وفي عام 2009، مع طرح مسألة "تزوير الانتخابات الرئاسية"، خرج الناس في 15 يونيو (حزيران) تحت عنوان "مسيرة الصمت" في أكبر تجمع منذ الثورة، حيث وصل عدد المشاركين حسب الإحصائيات الرسمية إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وفي أعقاب هذا التجمع، قُتل عشرات الأشخاص بإطلاق النار المباشر من قبل قوات النظام.
وقد امتدت الحركة الخضراء لاحقًا إلى جميع أنحاء البلاد مع احتجاجات الناس على أساس الغضب من نظام "مزور"، و"مسيطر"، و"شمولي". غضب متراكم وأصيل نجم عن سنوات من القمع بأشكال مختلفة من قبل ولاية الفقيه المطلقة، ما أدى إلى هتاف شعار مهم "الموت لمبدأ ولاية الفقيه".
وتكمن الأهمية الخاصة لهذا الشعار في أن الناس أدركوا أن سياسات نظام إيران لا تتغير بتغيير الحكومات، وأن الرئيس ليس رئيسًا لحكومة وطنية بل مجرد موظف وتابع للنظام الشمولي.
وبين عامي 2017 و2019، لم يكن الضغط الاقتصادي المتزايد والارتفاع غير المسبوق في سعر الدولار والتضخم وارتفاع أسعار البنزين وفشل حكومة "التدبير والأمل" في الوفاء بوعودها، أو بمعنى آخر "الفقر" وتدهور الطبقة الدنيا وتدمير الطبقة المتوسطة، العامل الوحيد والمحور الرئيسي للانتفاضات والاحتجاجات؛ على الرغم من أنها كانت محركًا مهمًا في تفجير الغضب الاجتماعي المتراكم.
على الرغم من التحليلات والآراء التي تحيل هذه الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية إلى مسألة الفقر والمعيشة فقط، يبدو أنه مع انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية وتعزيز المجتمع الشبكي، وصل الناس إلى مستوى من الوعي السياسي والبصيرة الاجتماعية يجعلهم لا يحددون أساس احتجاجاتهم فقط بتحسين الأوضاع الاقتصادية الحرجة، ولا يكتفون بحركة جماهيرية من استبداد إلى آخر.
ويعرف الناس أن غضبهم الأصيل الذي يقودهم للتغلب على الخوف من قمع النظام ناتج عن "إلغاء الفردية" و"الذاتية" كوجهة نظر في مجتمع متعدد تحت المظلة السياسية.
يجب أيضًا مراعاة أن مجرد الوعد بتحسين الأوضاع المعيشية يمكن أن يحرف الانتفاضات والثورات عن مسار العملية السياسية (أي الدور الفعال للأفراد في السياسة وفي النهاية الانتقال إلى الديمقراطية) ويؤدي في النهاية إلى وصول نظام ديكتاتوري آخر إلى السلطة.
في الواقع، يمكن أن تتحول الضرورة واليأس الناتجان عن الفقر إلى "استبداد الحرية". أي أن الفرد قد يختصر حريته ليس في اختيار أو إقالة القادة السياسيين، بل فقط في المطالبة بأجر عمله من صاحب العمل.
حكم الاستبداد الديني
إذا كان مسار الانتقال إلى الديمقراطية يشبه نفقًا، فإن نظرة الشخص اليائس الذي فقد ذاته ستقتصر فقط على النور الذي يعد بالخلاص من الفقر والتدهور الاقتصادي، وسيختفي المطلب الأساسي للحرية السياسية والديمقراطية، وفوق كل ذلك، حقوق الإنسان.
هذه الفكرة الاختزالية، التي تؤدي في النهاية إلى تعزيز الاستبداد وسلطة الحكومات، تعتمد على تعزيز الهوية السلبية وفرض طريق مستقيم يُصوَّر على أنه الوحيد الصحيح، بينما يتم تصوير أي رأي أو فكر آخر على أنه منحط ومنحرف. هذا النهج يؤدي إلى تعصب أقصى وتثبيت الاستبداد الشمولي.
إن الحكم الديني الشمولي أيضًا يضع الديمقراطية فقط في إطار "الأمة الشيعية الإسلامية"، وهو ما أود أن أسميه "الشيعية الإسلامية الشمولية". خامنئي، كقائد لهذا النظام، لم يعد يفكر حتى في مصالحه الشخصية أو الحزبية أو الوطنية، أو على الأقل لا يسعى لإقناع الجماهير المطيعة من "الأمة الإسلامية" بها. بل إنه يركز فقط على عالم من الأساطير القائمة على الإسلام الفقهي والأفكار المستوحاة من "سيد قطب"، والتي تدعو إلى نوع من الإمبريالية الدينية الشيعية، وتبرر التوسع والاعتداء على أراضٍ أخرى لزيادة نفوذها تحت غطاء هوية سلبية وخلق أعداء عبر الحروب بالوكالة، والتي تواجه اليوم هزيمة مذلة.
وعلى الرغم من أن خامنئي يحاول، من أجل جعل الجماهير أكثر انصياعًا وجذب المزيد من المؤيدين، أن يشير إلى القومية والثقافة الإيرانية مع إضافة الإسلام، خاصة في خطاباته الأخيرة، إلا أن هذه المصطلحات تُعرَّف أيضًا في إطار الخطاب المذكور. بمعنى آخر، إن إيران الشيعية الإسلامية، التي تعرّف المواطن الإيراني على أنه فرد بلا هوية ولا قيمة وسط كتلة "الأمة الإسلامية"، هي الحلم النهائي لهذا الخطاب. وإذا تمرد أي مواطن، يتم تصنيفه على أنه "عنصر غير موالٍ" ويستحق الطرد والعقاب.
وكما كان الحال في بداية الثورة، حيث كان بقاء الأفراد وحياتهم السياسية والمادية، وحصولهم على الحقوق المدنية والاجتماعية، تعتمد على قربهم من روح الله الخميني ومقربيه. وإلا، كان يتم تصنيفهم بألقاب مثل "غير ثوري" أو "منافق" أو "خائن" ويتم استبعادهم.
القمع الممنهج
إن التاريخ المظلم لما بعد الثورة في الثمانينيات هو مجرد جزء من هذا التطهير الممنهج الهائل الذي اتخذ أشكالًا متعددة ولا يزال مستمرًا حتى اليوم. وأولى القضايا كانت حجاب النساء، الذي أصبح إجبارياً رغم الوعود الكاذبة، وادعاءات إنشاء مدينة فاضلة، ومع الاحتجاجات الواسعة للنساء، تم فرضه بأمر من الخميني. وبالتالي، تم استبعاد شريحة كبيرة من المجتمع، بما في ذلك النساء اللواتي رفضن الامتثال لقانون الحجاب الإجباري عبر العصيان المدني، من المجال السياسي والاجتماعي.
بهذه الطريقة، بدأ تحديد العناصر الموالية من غير الموالية، والتطهير والقمع الممنهج لتنقية كتلة المنتصرين في الثورة:
- في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية والمكاتب والنقابات، عبر "الثورة الثقافية" وتعزيز دور الجمعيات الإسلامية كقوات للتطهير والتحكم.
- في المجال السياسي، عبر الافتراء والتشهير واغتيال الشخصية والسمعة.
- في الحرس الثوري والقوات العسكرية الأخرى، عبر ضغوط "الانقلاب الزاحف" (مصطلح استخدمه حسين علي منتظري بعد الخلافات بين قادة الحرس الثوري والقوات القريبة من تيار محمد تقي مصباح يزدي حول الاستراتيجيات العسكرية الخاطئة ومعارضة استمرار الحرب بعد تحرير خرمشهر. هذه الخلافات، بعد أن علم بها مكتب الخميني، صاحبها تهديدات بمحاكمة المعارضين في المحاكم الثورية والعسكرية. التيار القريب من مصباح يزدي ساعد لاحقًا في تمكين خامنئي وتمهيد الطريق لقيادته وعزل منتظري من منصب القائم مقام).
وجدير بالذكر أن تنفيذ عمليات مسربة مثل "كربلاء 5"، والتي كانت تتماشى مع ذلك الانقلاب، وإقامة محاكم الثورة وإعدامات جماعية للمجموعات المعارضة والمختلفة فكريًا تحت إشراف لجان الموت (التي بلغ عددها حسب اعتراف مصطفى بورمحمدي أكثر من 45 لجنة في جميع أنحاء البلاد)، وتقييد النقابات العمالية وتحويلها إلى منظمات إسلامية حكومية، كلها أمثلة صغيرة لكنها مروعة من حملة التصفيات الثورية التي هدفت إلى "تأهيل" المجتمع.
إن النظام الديني الشمولي (الإسلامي الشيعي) استطاع أن يجذب كتلة بلا هوية وخالية من الذات، لدرجة أنه جعل الجريمة تبدو أخلاقية وشرعية وضرورة ثورية.
والفرد في مثل هذا النظام فقد دوره الفريد الذي كان يمكن أن يقوده إلى العمل والمبادرة، وتحول إلى مجرد ترس صغير في آلة الشمولية الدينية.
ولا شك أن الخوف والقمع وحدهما لا يمكن أن يكونا تفسيرًا كافيًا لتحول الناس إلى "أمة" تحت حكم النظام.
فعندما اقتحم طلاب الجمعيات الإسلامية (الذين عُرفوا لاحقًا باسم "طلاب خط الإمام") السفارة الأميركية، كانت حشود غاضبة وبلا هوية تردد الشعارات ليل نهار خارج السفارة، مطالبين بإعدام "الخونة للنظام والإسلام".
ومن هذا الحدث المروع يتضح أن "التصفيات الثورية" التي تمت بأبشع الطرق غير الإنسانية، كانت مقبولة من قبل الجماهير (الأمة)، بل تحولت إلى مطلب وطني قائم على واجبات دينية.
هنا يظهر الفارق بين الغضب الأصيل الواعي والغضب الناتج عن اليأس وفقدان الهوية الذي أدى إلى تحول الناس إلى كتلة بلا هوية.
يمكن القول إن سرقة الثورة عام 1979 من قبل القوى الإسلامية بقيادة الخميني لم تكن أمرًا مستبعدًا.
وبالرغم من صعوبة تحديد السبب الرئيسي للإيمان الشيعي وتحول الناس إلى "أمة"، إلا أن هناك عوامل تاريخية واجتماعية أسهمت في تأسيس نظام إسلامي، خاصة في مجتمع تقليدي مثل إيران.
ويوضح آصف بيات في كتابه "العمال وثورة 1979" أن السبب الرئيسي لانجذاب الطبقات الفقيرة إلى الإسلاميين كان عدم قدرتهم على قضاء أوقات فراغهم في أماكن بورجوازية مثل المقاهي والمطاعم، بينما كانت المساجد توفر مكانًا مجانيًا للاجتماع.
فالمساجد أصبحت، ليست فقط مكانًا لتجمع الطلاب والأساتذة والمفكرين الدينيين، بل أيضًا مكانًا لعمال الطبقة الفقيرة لقضاء وقتهم مجانًا.
ومع انفتاح المشهد السياسي والثقافي في السبعينيات، تم التعاون مع رجال دين مثل محمد بهشتي ومحمد جواد باهنر في تأليف الكتب المدرسية، خاصة في المواد الدينية.
إن احتلال السفارة الأميركية والنظرة السلبية نحو الغرب، بالإضافة إلى الحرب العراقية الإيرانية، كلها عوامل أسهمت في تعزيز الانعزالية الدولية لإيران، وأدت إلى خسائر جسيمة ما تزال مستمرة حتى اليوم.
كل هذه العوامل ساعدت في تحول إيران إلى "أمة" أكثر تجانسًا، وفي هذا السياق استطاع الخميني أن يعلن أن "حفظ النظام من أهم الواجبات"، واستمرت التصفيات الثورية حتى اليوم.
وفي إطار هذا المنطق، يمكن "شرعًا" الكذب والافتراء والقمع وحتى قتل الأبرياء. ويمكن التضحية بآلاف الجنود في عمليات مسربة مثل "كربلاء 5" تحت شعار "القدس تمر عبر كربلاء"، أو إعدام سجناء بلا محاكمات عادلة تحت ذريعة الأمن الوطني.
و"حفظ النظام" يمكن أن يمتد بأي ذريعة إلى المؤسسات والأركان الحكومية الأخرى.
ففي "الجمعية الإسلامية لجامعة طهران"، ومنذ سنوات، يتم استخدام ذريعة "حفظ المؤسسة" وقدسيتها، باعتبارها أكثر المؤسسات الطلابية أمنا في البلاد، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة "حفظ النظام". هذه المؤسسة هي إرث وهمي دوري، يعمل بدافع المصلحة الشخصية والرغبة في البقاء أو الترقية داخل نواة السلطة الصلبة، حيث يتم تحويل الطلاب إلى مجرد أتباع للأحزاب الإصلاحية داخل الجامعة.
وهذه المؤسسة كنت أنا أيضًا نشطة فيها، لكنني كنت أعتقد أنها فرصة لتحقيق حق التنظيم للجماعات الفكرية والعقائدية الأخرى. حلم تحول في النهاية إلى مرثية مريرة مع حضور مسعود بزشكيان في انتخابات 2024 بدعوة من المنتدى الإسلامي لطهران، حيث تفاخر المنتدى بكونه منصهرًا في ولاية الفقيه وشجع الحاضرين على ذلك.
كنا نحن أيضًا، كجزء من "الأمة الإسلامية"، نجد هويتنا داخل هذه المؤسسة. وإذا حاول أي فرد منا اكتشاف ذاته واستقلاليته في إطار النشاط الطلابي، كانت الأجهزة الأمنية تعمل باستمرار مع أجهزة المراقبة الدورية لتحديد العناصر "غير الموالية" وإزالتها.
إن عقد حلقات دراسية وأنشطة ثقافية وحتى نقابية ذات أساس سياسي يمكن أن يسهم، حتى في ظل أجواء القمع، في زيادة الوعي السياسي والاجتماعي للأفراد، وبالتالي تعزيز المجتمع المدني.
النظام الإيراني والتحديات التي تواجهه
الآن يواجه النظام الإيراني تحديات عديدة، وعلى الرغم من نيته في تحقيق تغيير في المسار أو الانتقال إلى حياة طبيعية للمواطنين من خلال هندسة الانتخابات وصعود حكومة معتدلة تحت عنوان "الوفاق الوطني"، والتي يبدو أنها تسير في اتجاه تحقيق سياسات حكومة حسن روحاني وأكبر هاشمي رفسنجاني، بالإضافة إلى توقع صعود حكومة ديمقراطية في الولايات المتحدة وتحسين السياسة الخارجية والعلاقات الدبلوماسية مع الغرب وإزالة العقوبات أو تقليلها إلى الحد الأدنى، إلا أنها فشلت في جميع هذه الجوانب.
في الولايات المتحدة، عادت حكومة الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة مع تهديدات مباشرة ضد النظام الإيراني. وفي سوريا، تم تبديد الاستثمارات الضخمة التي تم إنفاقها لسنوات على المستشارين والقوات الوكيلة تحت اسم "الدفاع عن الحرم"، ولكن في الحقيقة كانت تهدف إلى منع انهيار حكومة بشار الأسد. كما أن "تحرير الشام" بقيادة محمد الجولاني وصلت إلى السلطة بدعم كامل من الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى حماس.
كما أن الوفد الدبلوماسي لحكومة بزشكيان قد تم استبعاده فعليًا من الساحة الإقليمية، ولم تسفر المشاورات الواسعة مع الدول العربية وحتى الحكومات التي بدت في السابق حليفة لإيران، مثل الصين وروسيا، عن أي رد واضح.
لذلك يبدو أن النظام الإيراني أقرب من أي وقت مضى إلى الانهيار.
في هذا السياق، يجب الانتباه إلى أن الإصلاحات، سواء كانت هيكلية أو بالمعنى الكلاسيكي للإصلاح في نظام ولاية الفقيه المطلقة "الشمولي"، ستؤدي إلى القمع وتثبيت النظام؛ كما رأينا في امتداد حكومات الإصلاح والبناء والتدبير والأمل.
لذلك، فإن تشكيل "طاولة ديمقراطية" بمشاركة مجموعات وآراء متعددة من المعارضة، مع التركيز على القوى الفاعلة والنشطاء السياسيين والمدنيين داخل البلاد، يعتبر أمرًا ضروريًا وسيكون الحل والبديل "لإنقاذ إيران". يجب على المجموعات المتعددة في المعارضة أن تعمل بشكل أكبر على توضيح مواقفها وسياساتها وعلاقتها بالديمقراطية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حتى يتمكن الشعب من اتخاذ أفضل القرارات.
وفي الظروف الإقليمية الحالية، يخشى البعض أن يتم تعطيل عملية التحول الديمقراطي من خلال دخول قوى راديكالية وعنيفة، وحتى من الإسلاميين والمتطرفين الدينيين، ما قد يؤدي إلى بقاء العملية ناقصة وفي خضم حرب أهلية أو خوف أو ترهيب، ما قد يؤدي إلى استبدال النظام الحالي بنظام استبدادي آخر. ومع ذلك، وبالنظر إلى الانتشار الواسع للعلمانية بين الشعب الإيراني، فإن احتمال تحول إيران إلى نظام طالباني أو هيمنة الإسلاميين يعتبر ضعيفًا جدًا.
لذلك، فإن الشرط الأول للدخول إلى طاولة الديمقراطية هو تجنب العنف والالتزام بالديمقراطية والعلمانية معًا، ومنع أي سيطرة أو هيمنة لتحقيق أهداف أو مصالح شخصية أو جماعية.
الشرط الثاني هو "الحفاظ على المصالح الوطنية" و"حماية الوحدة الإقليمية". التحدي الذي قد يطرح هنا هو ما إذا كانت المجموعات العرقية المتعددة التي تعرّف نفسها كـ"شعب" ستثق بممثليها في طاولة الديمقراطية للحفاظ على حقوقها.
لقد حاول النظام الإيراني لسنوات أن يشوه سمعة المجموعات العرقية من خلال وصمها بالانفصالية، بينما كان في الواقع يتجاهل القضية الأساسية المتمثلة في القمع والإقصاء بطرق مختلفة.
ولكن في النظام الديمقراطي، فإن ممثلي الشعب ملتزمون بحماية الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وضمان الحرية الكاملة لجميع فئات المجتمع.
لذلك، من الواضح أنه إذا لم يتم تحقيق ذلك، فإن هذه الفئات من الشعب قد تطالب بحكومة أو إدارة ذاتية لتأمين مصالحها.
شرط آخر مهم هو "المطالبة بالإطاحة". أي أن الفرد أو المجموعة المشاركة في طاولة الديمقراطية يجب أن تكون راغبة في الإطاحة الكاملة بنظام طهران دون أي شك أو تردد.
إن تشكيل واستمرارية وتماسك طاولة الديمقراطية يعتمد على اتحاد وتضامن المجموعات المتعددة في المعارضة.
بمعنى آخر، وبالنظر إلى الشروط المطروحة، يجب أن تكون القواسم الفكرية بين الأفراد بارزة ومكتملة وحتى مصححة بحيث تكون النتيجة النهائية خطابًا مشتركًا يتجنب العنف (مع التأكيد على أن ذلك لا يعني إنكار الحق في الدفاع المشروع ضد قمع القوات الحكومية) للانتقال إلى الديمقراطية.
نقطة أخرى مهمة هي قدرة الأفراد والمجموعات على "النقد الذاتي".
بمعنى أن الخطوة الأولى نحو الديمقراطية يجب أن تكون متمثلة في استيعابها وتأسيسها داخليًا بحيث تبدأ بنقد وتحليل تاريخي لأفكارها وخطابها، والسعي للإجابة على الأفكار الجماعية وتصحيح النقاط المتعارضة مع الديمقراطية.
ولن تكون هناك مجموعة متفوقة على أخرى، ولن تتمكن أي مجموعة من الادعاء بأنها البديل الوحيد "لإنقاذ إيران".
في النهاية، فإن إرادة الشعب هي التي ستؤيد أفضل خيار لمستقبل إيران من خلال عملية ديمقراطية في استفتاء عام، وهذا يعتمد على مقاومة الشعب من خلال العصيان المدني والفعل والتوعية، بالإضافة إلى قوة المجتمع المدني.
مطهرة كونهاي، طالبة في طب الأسنان والمسؤولة السياسية السابقة للرابطة الإسلامية للطلاب في جامعة طهران وعلوم الطب في طهران، تم اعتقالها في عام 2022 فيما يتعلق بانتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية" من قبل القوات الأمنية.
تم اعتقال هذه الناشطة الطلابية مرة أخرى في 1 مايو (أيار) 2024 بعد استدعائها إلى جهاز استخبارات الحرس الثوري في طهران، وأفرج عنها بعد أيام قليلة بعد تقديم كفالة. وفي يوليو (تموز) 2024، قضت المحكمة الثورية في طهران ضدها بالسجن لمدة عام، وهي تقضي فترة عقوبتها في سجن إيفين منذ سبتمبر (أيلول).

استعرض كل من مارك دوبوويتز، مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وروئل مارك غريشت، الضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والمتخصص في الشؤون الإيرانية، في مقال مشترك بصحيفة "وول ستريت جورنال" السياسات المحتملة لإدارة ترامب تجاه إيران.
وفيما يلي ملخص لأهم المحاور الواردة في هذا المقال:
سؤال مهم: هل سيوافق خامنئي على التفاوض مع ترامب؟
يعد التساؤل حول استعداد المرشد علي خامنئي، لقبول مفاوضات نووية مع دونالد ترامب، قضية معقدة ومتعددة الأبعاد. ووفقًا لتقرير صادر عن وزارة العدل الأميركية، حاولت عناصر تابعة لإيران اغتيال ترامب خلال حملته الانتخابية.
ومع ذلك، فإن الوضع الهش لطهران في الشرق الأوسط، والانهيار الشديد في الاقتصاد الإيراني، وانخفاض قيمة العملة الوطنية، ونقص موارد الطاقة والغاز، إلى جانب قلق العديد من أنصار النظام بشأن القدرة على السيطرة على المجتمع، قد يدفع خامنئي نحو تقديم تنازلات في برنامج طهران النووي. على أي حال، أصبحت إيران الآن دولة "عند عتبة السلاح النووي".
سؤال أكثر أهمية: ما النهج الذي سيتبعه ترامب؟
في حال قبل ترامب بإجراء مفاوضات نووية مع إيران، سيكون أسلوب تعامله مع هذه المفاوضات عاملًا حاسمًا. فهل سيتبنى نهجًا حازمًا يطالب فيه بالتوقف الكامل عن تخصيب اليورانيوم، وإغلاق المنشآت وأجهزة الطرد المركزي تحت الأرض، والتخلص من الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية؟
وهل سيصرّ على إجراء عمليات تفتيش شاملة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لجميع المواقع النووية الإيرانية المشبوهة، مع الحصول على وصول كامل إلى الوثائق والأفراد المرتبطين بالبرنامج النووي؟ هذه هي الشروط التي يعتقد كثيرون أن باراك أوباما كان ينبغي أن يطرحها في الاتفاق النووي لعام 2015، لكنه لم يفعل.
أم أن ترامب سيتبنى نهجًا أكثر تصالحًا؟ هل سيقبل بمنح إيران مليارات الدولارات من التخفيفات العقابية مقابل وقف مؤقت لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة ونقل مخزونها الحالي إلى موسكو لـ"حفظه بأمان"؟ وهل سيخفف العقوبات مقابل تمديد القيود التي فُرضت خلال فترة أوباما على إنتاج إيران النووي، حتى لو بقيت البنية التحتية للأسلحة النووية قائمة؟
تحديات النهج المحدود بالبرنامج النووي
بصرف النظر عن المسار الذي قد يختاره ترامب، فإن فشله في ربط المفاوضات النووية بسلوك طهران الإقليمي سيؤدي على الأرجح إلى تكرار مصير أوباما. أي تخفيف للعقوبات قد يمول أنشطة طهران المدمرة، مثل تزويد المجموعات الإرهابية الوكيلة بالأسلحة، والتي أودت بحياة أميركيين وإسرائيليين.
هذا السيناريو يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل. فالهجوم الذي نفذته حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أظهر بوضوح أن قرار أوباما بالتركيز على البرنامج النووي الإيراني مع تجاهل أنشطتها الإقليمية منح طهران حرية واسعة في تسليح أعداء إسرائيل.
هل سيدعم ترامب الهجوم العسكري الإسرائيلي على إيران؟
إذا فشلت الدبلوماسية، فمن المحتمل أن تزداد فرص قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. وسبق أن أعرب ترامب عن دعمه لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية من قبل إسرائيل، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان سيحافظ على هذا الموقف خلال فترة رئاسته.
إن دعم مثل هذا الهجوم قد يشمل تزويد إسرائيل بأسلحة متقدمة، مثل القنبلة الخارقة للتحصينات الهائلة بوزن 30,000 رطل (Massive Ordnance Penetrator)، التي يمكنها تدمير منشآت شديدة التحصين مثل موقع تخصيب فردو.
لكن تنفيذ خطة كهذه سيتطلب تدريبًا مكثفًا للقوات الإسرائيلية، وسيثير بلا شك جدلًا كبيرًا. وفي حال غياب هذا الدعم، ستتقلص قدرة إسرائيل على تنفيذ هجوم ناجح، ما يبرز أهمية الدور الأميركي في مثل هذه العمليات.
التداعيات الجيوسياسية الأوسع
قد يؤدي الهجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية إلى رد فعل واسع النطاق من قبل طهران، بما في ذلك استهداف منشآت النفط في المنطقة. مثل هذا الحدث لن يزعزع استقرار أسواق الطاقة العالمية فحسب، بل قد يدفع دول المنطقة إلى الابتعاد أكثر عن دائرة النفوذ الأميركي.
جدير بالذكر أن قرار ترامب في عام 2019 بعدم الرد على الهجوم الصاروخي والطائرات المسيّرة الإيرانية ضد منشآت نفطية بالمنطقة أضعف ثقة عدة دول بالتزام واشنطن.
إن عدم دعم إسرائيل أو احتواء تجاوزات إيران قد يدفع دولا إلى التراجع عن الانضمام إلى "اتفاقيات إبراهيم"، التي كانت من أبرز إنجازات فترة ترامب. بالإضافة إلى ذلك، فإن النفوذ المتزايد للصين وروسيا، كحليفين قويين لطهران، سيزداد في المنطقة.
وتواجه السياسة الأميركية تجاه إيران تحديات غير مسبوقة. وبينما تدرك إسرائيل موقعها ودورها في الشرق الأوسط، يبقى السؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تدرك ذلك بنفس الوضوح.
فمستقبل إسرائيل أصبح مرتبطًا بشكل كبير بمدى إدراك الأميركيين، وخاصة الجمهوريين، بأن تجاهل الشرق الأوسط ليس منطقيًا ولا ممكنًا.