بعد تراجع تأييد حلفائه الأيديولوجيين.. هل سيلقى خامنئي مصيرًا مشابهًا لمصير الأسد؟
كتبت مجلة "فورين بوليسي" في مقال تحليلي أن المؤيدين الأيديولوجيين المخلصين للمرشد الإيراني علي خامنئي والحرس الثوري يتخلون تدريجيًا عن النظام بسبب ما يصفونه بـ"الخيانة" لمبادئهم، وبالتالي يواجه النظام انقسامات متزايدة تشبه الانهيار التدريجي لنظام بشار الأسد في سوريا.
وفقًا لمسودة قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، التي اطلعت عليها “إيران إنترناشيونال” والتي من المقرر طرحها للتصويت في غضون نحو عشرة أيام، سيتم تمديد مهمة المقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق المستقلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران لمدة عام آخر.
ومن المتوقع أن يتم تمرير هذا القرار بأغلبية أصوات الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان، حيث يدين المجلس “الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في إيران” ويدعو طهران إلى إنهاء الإفلات من العقاب لمرتكبي الجرائم، وضمان تعاون كامل مع المقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق المستقلة التابعة للأمم المتحدة في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان داخل إيران.
وأكد المجلس في قراره أن “الإفلات الهيكلي من العقاب”، الذي يمنحه النظام الإيراني للمسؤولين والمنفذين لعمليات القمع ومرتكبي الجرائم ضد الشعب، يعزز دائرة العنف وينتهك حق الضحايا في العدالة.
صاغت كل من آيسلندا، ألمانيا، مقدونيا الشمالية، جمهورية مولدوفا، المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية نص هذا القرار، وقدمته إلى أمانة مجلس حقوق الإنسان يوم الجمعة 21 مارس.
ويتوجب على أمانة المجلس تقديم النص إلى بعثات الدول الـ48 الأعضاء، على أن يجري التصويت عليه خلال إحدى الجلسات المقررة يومي الأربعاء 2 أو الخميس 3 أبريل.
يعرب مجلس حقوق الإنسان في قراره عن قلقه إزاء “انتهاك طيف واسع من الحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية” في إيران، مع تركيز خاص على القمع الشديد ضد النساء والأقليات العرقية والدينية، إضافة إلى الزيادة المستمرة في تنفيذ أحكام الإعدام.
كما يدين المجلس الاستخدام السياسي لعقوبة الإعدام بهدف نشر الرعب وقمع المعارضين، محذرًا من أن النهج العقابي للجمهورية الإسلامية، بما في ذلك إصدار أحكام بالإعدام في جرائم “لا ترقى إلى مستوى أخطر الجرائم”، يشكل انتهاكًا جسيمًا للقوانين الدولية.
وبموجب القوانين الدولية، فإن أشد الجرائم التي يمكن أن يُحكم على مرتكبيها بالإعدام هي تلك التي تتضمن القتل العمد.
ووفقًا للقرار، فإن القمع المنهجي لحرية التعبير والتجمعات الاحتجاجية، واستهداف الصحفيين والعاملين في الإعلام، وتقييد المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء المدنيين، إلى جانب ممارسة العنف والتمييز متعدد الأوجه ضد الأقليات، تعد من أبرز مظاهر الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في إيران.
تمديد مهمة المقرر الخاص لرصد القمع وتقديم تقارير دورية
بموجب هذا القرار، سيتم تمديد مهمة المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران لمدة عام إضافي حتى انعقاد الجلسة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان.
ويكلف المقرر الخاص بـ”المراقبة المستمرة لأوضاع حقوق الإنسان في إيران، وجمع البيانات والوثائق الموثوقة حول الانتهاكات، وتقييم مدى تقدم أو تراجع إيران في تنفيذ التوصيات السابقة”.
ويتعين عليه تقديم تقريرين دوريّين، أحدهما إلى مجلس حقوق الإنسان والآخر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما يُطلب من السلطات الإيرانية التعاون الكامل معه وتوفير إمكانية الوصول الميداني لتقييم الأوضاع على الأرض.
تمديد مهمة هيئة تقصي الحقائق وتوسيع نطاق عملها
كما قرر مجلس حقوق الإنسان تمديد مهمة “هيئة تقصي الحقائق الدولية المستقلة”، التي أُنشئت عقب الاحتجاجات الشعبية العام الماضي، لمدة عام آخر.
وبحسب المهام المحددة في القرار، فإن الهيئة مكلفة بـ”توثيق الأدلة والتقارير المتعلقة بقمع الاحتجاجات، بما يشمل التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعرق، والاستخدام المفرط للقوة، والانتهاكات الواسعة ضد المتظاهرين”، مع الاحتفاظ بهذه المعلومات بشكل منظم.
وأشار القرار إلى أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا العمل هو إعداد أدلة لأي ملاحقات قضائية مستقلة مستقبلية، لضمان عدم إفلات الأفراد والجهات المسؤولة من المحاسبة إذا توفرت الظروف القانونية لذلك.
مطالبات مجلس حقوق الإنسان من طهران
يدعو القرار النظام الإيراني إلى تنفيذ عدة إجراءات، من بينها:
• إنهاء الإفلات الهيكلي من العقاب، وإجراء إصلاحات ضرورية في الدستور والقوانين الجنائية والنظام القضائي، لوقف دورة العنف والقمع المستمرة.
• إلغاء أو تعديل قوانين وسياسات الحجاب الإلزامي وأي شكل من أشكال التمييز والعنف المنهجي ضد النساء والأقليات.
• ضمان محاكمات عادلة، والتأكد من عدم إصدار أحكام بالإعدام في قضايا لا ترتقي إلى مستوى “أشد الجرائم خطورة”، مع ضمان استقلالية القضاء ونزاهة القضاة.
• إنهاء القيود المشددة المفروضة على المجتمع المدني، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والنقابيين، وضمان حرية الوصول إلى الإنترنت والحق في التجمع السلمي، إضافة إلى الإفراج عن جميع المعتقلين بسبب أنشطتهم السلمية.
• السماح للمقرر الخاص وهيئة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بدخول إيران والاطلاع على الوثائق والمشتبه بهم، وفقًا لما ورد في الدعوات الرسمية التي وجهتها طهران سابقًا إلى الهيئات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة.
تحت وطأة القيود الدينية، التي تفرضها سلطات النظام الحاكم في إيران، يتغير المشهد تمامًا مع حلول الليل على العاصمة طهران، التي تتحول إلى عالم خفي مليء بالموسيقى الصاخبة، والرقص، وتتصادم كؤوس المشروبات، ويصنع الشباب الإيرانيون نوعًا خاصًا من الحرية.
يبدأ الأمر برسالة نصية على وسائل التواصل الاجتماعي من مقهى معروف: "إيداع بضعة ملايين من الريالات، ووعد بليلة لا مثيل لها في العاصمة الإيرانية طهران".
يقول مدير المقهى: "عليك دفع بعض المال مقدمًا وحجز مكانك".
"كم المبلغ؟"
"خمسة عشر مليون ريال (نحو 17 دولارًا). سيتم خصمها من فاتورتك في النهاية. كما نطلب سبعة ملايين ريال (8 دولارات تقريبًا) من كل شخص مقابل الخدمة الخاصة".
الخدمة الخاصة. عبارة غامضة ولكنها مغرية، تعني عروض "الدي جي"، والألعاب النارية، والأهم من ذلك، مساحة بلا قيود على الرقص، والشرب، أو الاختلاط بين الجنسين.
مدينة ذات وجهين
خلال النهار، تتردد أصداء النقاشات في برلمان طهران؛ حيث يدفع المتشددون الملتحون نحو تشديد قوانين الحجاب، وتمسح كاميرات الشرطة الشوارع، وتغرّم النساء، اللواتي تجرأن على القيادة دون غطاء رأس، تلقائيًا. ولكن مع حلول الليل، تتشكل حقيقة مختلفة في زوايا معينة من المدينة.
تبدأ ليلتنا بالشراء، وعلى الرغم من أن الكحول محظور في إيران، فإن شبكة سرية تضمن توفر كل شيء من "ويسكي شيفاز" إلى "عرق سكي" (فودكا إيراني محلي الصنع) بسعر معين.
يقول فريد، جهة الاتصال لدينا: "أعرض ويسكي أصليًا معبأً في الخارج بسعر يصل إلى 150 مليون ريال (نحو 170 دولارًا)، وفودكا مهربة إلى إيران بنصف هذا السعر. أو يمكنك أخذ عرق سكي محلي الصنع".
أضحك وأسأل: "هل أنت متأكد أننا لن نُصاب بالعمى؟".
يرد: "يا أخي، أنا لست نصابًا. اشترِ جهاز فحص الإيثانول عبر الإنترنت واختبره بنفسك".
تُلقى زجاجة داخل "كيس بلاستيك" إلى سيارتنا من دراجة نارية عابرة. لا كلمات، لا تبادل. الصفقة تمت مقابل 500 ألف ريال (نحو نصف دولار).
النادي خلف الأبواب المغلقة
كان الموقع في سعادت آباد، وهو أحد الأحياء الشمالية الراقية في طهران. نصل لنجد بابًا عاديًا دون أي علامة على النشاط. لا جرس، فقط مدخل يحمل اسم المقهى أو المطعم. ثم يظهر حارس من خلف شجرة، ويفتح الطريق إلى عالم خفي.
ويجلس 300 إلى 400 شخص جنبًا إلى جنب، في الداخل. الهواء مشبع بالموسيقى، والضحك، وصرير الكؤوس. تقريبًا كل طاولة تحتوي على زجاجات- تبدو كأنها مياه معدنية- تُسكب بحذر في المشروبات الغازية.
ويأخذ "الدي جي" الميكروفون: "أتمنى أن يأتي اليوم الذي تنتظرونه قريبًا". ينفجر المكان بالهتافات، الجميع يعرف بالضبط ما يعنيه.
وتُعزف أغنية مخصصة لقتلى احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية"، ويتحول الجو إلى تحدٍ، لا ينكسر.
كمما أن إجراءات الأمان مشددة؛ حيث يجول حارسان ذوا بنية قوية في الصالة الكبيرة بأشعة ليزر، يسلطانها على أي شخص يجرؤ على الوقوف. ويعلن "دي جي" آخر: "ممنوع الرقص حتى الواحدة صباحًا".
على طاولتنا، نطلب السلطات والأطباق الجانبية والمشروبات الغازية. أضيف قليلًا من "عرق سكي". يرفع الزوجان على الطاولة المجاورة كأسيهما مبتسمين.
تمر الساعات في ضباب من الموسيقى، والنخب الهادئة، ولحظات سرقة الفرح العابرة، ثم في الواحدة صباحًا، تنطفئ الأضواء.
بداية الرقص
يهز صوت الجهير الأرض، وتومض الأضواء الوامضة. وفجأة، يقف الجميع. فتيات بفساتين ضيقة، رجال بقمصان مصممة، يتحركون، يهزون، يحتفلون بليلة لا ينبغي أن تكون موجودة.
يُحذّر "الدي جي": "ممنوع التصوير. إذا أردتم أن نستضيفكم مرة أخرى، أبقوا هواتفكم منخفضة. فيديو واحد يمكن أن يغلق هذا المكان".
ويميل رجل بجانبي، يرفع صوته فوق الموسيقى: "عدت للتو من إيطاليا، حتى هناك، لا تجد نوادي تعمل حتى هذا الوقت المتأخر".
ويتصفح ضيف آخر "إنستغرام"، ويظهر لنا صفحات مقاهٍ مماثلة تقيم حفلات في مناطق: فرشته وأندرزغو واقدسية بطهران، كل منها يعد بالرفاهية، والسرية، والحرية.
وبحلول الثالثة والنصف صباحًا، نخرج مترنحين، نشعر بنشوة أكثر من مجرد الكحول. الفاتورة؟ خمسة وستون مليون ريال إيراني (نحو 75 دولارًا) مقابل سلطة دجاج، ومشروبات غازية مخلوطة بـ "فودكا فريد"، وشطيرتي لحم بقري. ولكن التكلفة غير مهمة.
تقول صديقتي، بينما نقود للعودة إلى المنزل: "لنفعل هذا مرة أخرى الأسبوع المقبل. إنه مكلف، لكنه أرخص من عطلة نهاية الأسبوع في دبي أو إسطنبول".
إنها محقة. وأنا أفكر في السنوات التي أضعناها في الخوف، في الصمت، أندم على عدم دخول هذا العالم من قبل.
هذه هي طهران، المدينة، التي يتم فيها اضطهاد النساء ومضايقتهن نهارًا، بسبب الحجاب الإجباري، ولكنهن يرقصن ليلاً في صالات خفية، يستعدن الحرية التي يرفضن التخلي عنها.
بدأت إيران عامها المالي الجديد، في 20 مارس (آذار) الجاري، وسط أزمات اقتصادية ونقص متزايد في الطاقة، وهو ما اعترف به مسؤولو النظام الإيراني، الذين أقرّوا بأن الأوضاع من المرجح أن تتفاقم هذا العام.
وفي الوقت نفسه، أدت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وإحياء سياسة "الضغط الأقصى"، من قِبل الإدارة الأميركية، إلى تشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني.
وفي حين أعلن البنك المركزي أن معدل التضخم السنوي بلغ 45 في المائة الشهر الماضي، تشير وسائل الإعلام المحلية إلى أن الزيادات الفعلية في الأسعار أعلى بكثير؛ حيث تضاعفت أسعار الغذاء والدواء والسلع الأساسية الأخرى تقريبًا.
وعلاوة على ذلك، انتهى العام المالي بارتفاع الدولار الأميركي إلى ما يقرب من مليون ريال إيراني، مما يمثل زيادة بنسبة 65 في المائة منذ بداية العام الماضي، وقد تسارع انخفاض قيمة الريال بشكل حاد في الأيام الأخيرة.
وفي الوقت نفسه، تكشف بيانات البنك المركزي الإيراني أن الاحتياطيات الأجنبية لإيران تنضب بسرعة؛ حيث انخفضت إلى ربع مستواها في مارس 2024 وعُشر مستواها في مارس 2023 فقط.
وضع التجارة الخارجية لإيران
تظهر أحدث الأرقام الصادرة عن البنك المركزي الإيراني أن أزمة إيرادات النقد الأجنبي في إيران، قد استمرت في النصف الأول من العام المالي الحالي، الذي بدأ في 20 مارس 2024. ولم يتم الإعلان عن أي بيانات بعد للنصف الثاني من العام نفسه.
وخلال هذه الفترة، سجلت إيران فائضًا تجاريًا إجماليًا قدره 11.5 مليار دولار، بما في ذلك النفط والسلع والخدمات. ومع ذلك، شهدت البلاد أيضًا هروب رؤوس الأموال بقيمة إجمالية بلغت 12.5 مليار دولار.
ونتيجة لذلك، تحول الرصيد الصافي لتدفقات النقد الأجنبي والخروج منها- بما في ذلك السبائك الذهبية- إلى سالب.
ونظرًا للانخفاض الحاد في صادرات إيران النفطية إلى الصين منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فمن المتوقع أن تتفاقم الأوضاع سوءًا، خاصة أن النفط ومنتجاته البترولية والغاز الطبيعي تمثل أكثر من نصف إجمالي صادرات البلاد.
وعلى مدار الأشهر الـ 11 الأولى، استوردت إيران نحو 93 طنًا من السبائك الذهبية بقيمة 7.3 مليار دولار مقابل صادراتها النفطية والسلعية؛ أي ثلاثة أضعاف الكمية المستوردة في العام السابق. وقد تم شراء أكثر من 55 في المائة من هذا الذهب من تركيا.
وفي الواقع، تمت مقايضة نحو 13 في المائة من إجمالي صادرات إيران النفطية وغير النفطية بالذهب، بدلاً من النقد الأجنبي. وهذا يسلط الضوء على عجز الحكومة عن تحصيل مدفوعات الصادرات من السلع والنفط وتحويل النقد الأجنبي إلى البلاد، بسبب العقوبات المصرفية الأميركية. ونتيجة لذلك، تواجه إيران نقصًا حادًا في الاحتياطيات الأجنبية.
أزمة الديون الحكومية
تظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي الإيراني أن ديون الحكومة للنظام المصرفي ارتفعت بنسبة 41 في المائة خلال العام المالي الحالي. ولتغطية عجز الميزانية المتزايد، اعتمدت الحكومة بشكل كبير على الاقتراض من البنوك المحلية، والاستفادة من صندوق التنمية الوطني، وإصدار السندات.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، فقد تجاوز إجمالي ديون الحكومة الإيرانية الآن 120 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث اقتصاد البلاد تقريبًا. في المقابل، يبلغ إجمالي الديون الخارجية لإيران، بما في ذلك الالتزامات الحكومية وغير الحكومية، أقل من 10 مليارات دولار- أي 2 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي- مما يؤكد العزلة المالية الشديدة للبلاد، وتردد المؤسسات الدولية في تمويل المشاريع الإيرانية.
وقبل عقدين من الزمن، أي قبل فرض العقوبات الثقيلة، كانت الديون الخارجية لإيران تمثل أكثر من 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعة بشكل كبير بالاستثمارات الأجنبية في مشاريع النفط والغاز. اليوم، أدى الاعتماد المتزايد للحكومة على الاقتراض المحلي إلى زيادة حادة في السيولة، مما زاد من تفاقم التضخم، فقد ارتفعت السيولة في إيران بنسبة 28 في المائة خلال العام الماضي وحده.
الفقر والطاقة وأزمة المياه
دفعت الأزمة الاقتصادية المزيد من الإيرانيين إلى براثن الفقر؛ إذ تشير التقارير الرسمية إلى أن ثلث المواطنين يعيشون في فقر مدقع. ومع ذلك، وفقًا لمعايير البنك الدولي للفقر العالمي، فإن نحو 80 في المائة من الأسر الإيرانية تكسب أقل من 600 دولار شهريًا، وتقع تحت خط الفقر.
ولأول مرة، تشهد إيران نقصًا في الكهرباء والغاز على مدار جميع الفصول؛ فخلال ذروة الطلب الصيفي في عام 2024، وصل نقص الكهرباء إلى 20 في المائة، بينما ارتفع نقص الغاز في الشتاء إلى 25 في المائة. وحذر المسؤولون من أن نقص الطاقة قد يزداد سوءًا بنسبة 5 في المائة على الأقل في العام المالي المقبل.
وتظهر التقارير أنه منذ صيف 2024، أجبرت اضطرابات الطاقة 30-40 في المائة من المؤسسات الصناعية الإيرانية على الإغلاق. في الوقت نفسه، تواجه البلاد نقصًا متزايدًا في البنزين والديزل منذ عام 2023. ومن المتوقع أن يتفاقم هذا العجز بسرعة، دون مشاريع تكرير جديدة.
وفي الوقت نفسه، وصلت أزمة المياه في إيران إلى مرحلة حرجة. يُقال إن الخزانات الرئيسة في طهران تعمل بنسبة 7 في المائة فقط من طاقتها، وحذر المسؤولون من نقص حاد في المياه بحلول صيف 2025.
نظمت إيران معرضًا للصور في أحد الممرات الرئيسية بمقر الأمم المتحدة في جنيف، على هامش الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان، تحت عنوان "تألق النساء الإيرانيات". المعرض الذي يستمر لمدة أسبوع يضم 31 صورة، 29 منها تعرض نساءً يعملن في مجال الحرف اليدوية.
وقد وقفت عدة نساء مرتديات الحجاب برفقة عدد من الرجال في الجناح، على الرغم من أن واحدة فقط منهن تستطيع التحدث باللغة الإنجليزية، ولم يتضح سبب إيفاد الرجال والنساء الآخرين إلى جنيف أو المبلغ الذي تم إنفاقه عليهم.
وعندما سئلت إحدى النساء عن الجهة المنظمة للمعرض، أجابت بابتسامة عريضة: "مجموعة من محبي إيران هم من نظموا هذا المعرض".
وعندما سئلت عن مدى مساعدة بعثة إيران في جنيف في تنظيم المعرض، قالت إنهم لا علاقة لهم بالحكومة أو ببعثة إيران، ويعملون بشكل مستقل.
وحول تكاليف تنظيم هذا المعرض، بما في ذلك الحصول على التصاريح وتوفير المعدات واستئجار المكان، قالت المرأة المسؤولة عن المعرض إنهم لم ينفقوا أي أموال على المعرض.
للتحقق من صحة هذه الادعاءات، تحدثتُ مع توماس كريجر، منسق الأنشطة الثقافية في مقر الأمم المتحدة بجنيف.
وأكد كريجر لـ"إيران إنترناشيونال" أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة فقط، ومن خلال بعثاتها، يمكنها التقدم بطلب للحصول على تصريح لتنظيم فعاليات أو معارض في المقر الأممي.
وقال المسؤول الأممي إن بعثة إيران هي التي حصلت على تصريح تنظيم هذا المعرض لمدة 5 أيام، من 17 إلى 21 مارس (آذار)، وبموجب التصريح، الذي تبلغ تكلفته 2500 يورو، فإن البعثة هي المسؤولة عن تنظيم المعرض.
يبدو أن إيران لا تستطيع العمل دون اللجوء إلى الكذب، ولذلك تقدم إجابات كاذبة حتى على الأسئلة البسيطة حول هذا المعرض.
كان الأشخاص المشاركون في المعرض يتجنبون الكاميرا بشكل كبير، وعلى الرغم من حصولي على تصريح للتصوير وإعداد التقارير، فقد واجهت عراقيل في كل مرة حاولت فيها دخول منطقة المعرض لإعداد تقريري، حيث حاولوا إثارة المشكلات معي وإشراك حراس الأمن التابعين للأمم المتحدة، لكنهم فشلوا في منعي من العمل الصحافي.
كما حاول القائمون على المعرض، يوم الثلاثاء 18 مارس (آذار)، بعد انتهاء جلسة تقديم تقرير لجنة تقصي الحقائق والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران، منع صحافي آخر من متابعة عمله، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.
يُقال إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أرسل رسالة إلى المرشد الإيراني، وأنها ذات أهمية. ربما هذا صحيح، لكن لا أحد ممن أعرفهم يبدو أنه يهتم.
زهرة (36 عامًا) مستشارة قانونية، تكاد تنفجر غضبًا عندما أثير هذا الموضوع، وتقول: "إنهم يستمرون في القول إن إيران عند مفترق طرق. ولكن هل هو حقًا مفترق طرق إذا استمر لسنوات؟ لأننا نسمع هذا منذ ما وعيت".
تستمر زهرة في التعبير عن غضبها: "يبدو أن ترامب أخبر خامنئي إما أن يعقد صفقة أو يستعد للحرب".
وتضيف: "لكنني أعتقد أنه سيتفادى هذا أيضًا، وسيبيع المزيد لصالح الصين وروسيا، ويشتري الوقت، ويبقى معلقًا عند ما يسمى مفترق الطرق بينما نغرق أكثر في المستنقع الذي صنعه".
زهرة لم تعد تنتظر أي تغيير جذري. وهي ليست الوحيدة في هذا الشعور. إذا ذكرت كلمة "اختراق" أو "تغيير" أثناء حديثك في سيارة أجرة في طهران، ستواجه غالبًا بابتسامة مليئة بالمرارة، إن لم تكن نظرة مليئة بالسخرية. لماذا نتحدث عن هذا الأمر أو حتى نفكر فيه؟ كما تقول زهرة ببساطة: "التغيير سيحدث عندما يحين وقته، ولا داعي للقلق الآن".
لسنوات، ألقت الحكومة باللوم على العقوبات في كل شيء تقريبًا؛ التضخم الجامح، نقص الطاقة، الكوارث البيئية، نظام الرعاية الصحية الفاشل، وغيرها.
لكن الكثيرين توقفوا عن تصديق هذه الرواية. لقد شاهدوا مليارات تختفي في قضايا فساد متتالية، معظمها تتعلق بمسؤولين وحلفائهم الذين يتفادون العدالة دائمًا.
مهدي، بائع تحول إلى سائق تطبيق "سناب"، يقول: "لا أهتم بالعقوبات.. أطفالي يعانون مع أو دون عقوبات، وأطفال المسؤولين يزدهرون مع أو دون عقوبات".
مهدي (45 عامًا)، أب لطفلين. يقول إن لا مبالاته قد لا تساعد في تحسين وضع بلده، لكنها على الأقل تساعده في الحفاظ على سلامته العقلية.
ويضيف: "يجب أن أعمل 15 ساعة يوميًا، ستة أيام في الأسبوع، لأعيل أسرتي"، يقول وهو يضرب على عجلة القيادة: "لذلك ليس لدي وقت لرسائل الحب والكراهية بين ترامب وخامنئي".
عبارة خامنئي الشهيرة: "لا حرب ولا مفاوضات"، حددت سياسة إيران الخارجية لسنوات. وتتبع تصريحاته الأخيرة نفس المنطق.
يعتقد الكثيرون في طهران أن هذا الموقف المعارض للمفاوضات هو السبب وراء استقالة جواد ظريف من منصبه كمساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية.
ظريف ورئيسه، الرئيس مسعود بزشكيان، يؤيدان بوضوح الحوار مع إدارة ترامب، مما يضعهما في خلاف مع المرشد علي خامنئي حتى لو أعلنا ولاءهما الكامل في كل منعطف.
على الرغم من انتشار اللامبالاة، صوت الكثيرون لبزشكيان لأنهم شعروا أن سياساته المعتدلة قد تزيد من احتمالات انفراج مع الغرب وتخفيف العقوبات التي قد تحسن أوضاعهم الاقتصادية الصعبة.
ميلاد، طالب جامعي يبلغ من العمر 20 عامًا وصوّت لأول مرة لبزشكيان، ويشعر بأنه من الأقلية، يقول "إذا رُفعت العقوبات، ستعود الاستثمارات الأجنبية، وسيتم خلق فرص عمل".
ويضيف ميلاد: "معظم الناس الذين أعرفهم يفضلون عدم التفاوض، ليس لأنهم يدعمون خامنئي، لكن لأنهم يكرهونه ويعتقدون أن الانفراج سيساعده على البقاء لفترة أطول، لكنني أعتقد أنهم مخطئون. خامنئي وعصابته سيكونون على ما يرام. نحن من سنتحمل ضغوط ترامب القصوى".
ميلاد يعتقد أن المفاوضات قد تؤدي إلى تخفيف العقوبات وتحسين الحياة. لكن قلة يشاركونه هذا الرأي، كما قال. ذلك الأمل الخافت الذي دفع بعض الناس إلى صناديق الاقتراع العام الماضي قد مات تمامًا الآن.
ماجد، بائع متجول يبلغ من العمر 28 عامًا، يلخص الوضع باختصار: "عائلتي كانت فقيرة عندما كانت أموال النفط تتدفق، ونحن فقراء الآن مع أقسى العقوبات. نعمل جميعًا 50-60 ساعة في الأسبوع فقط لنعيش. لا أرى كيف سنخرج من هذا".
ويضيف: "النظام ربط بقاءه بتدميرنا. معتدلون أو متشددون في الحكومة، خلال المفاوضات أو في الحرب، معاناتنا مستمرة".
يجلس جد ماجد، المُلقّب بأكبر، على كرسي بجانب حفيده لتمضية الوقت، ويقول: "نحن عالقون في مشكلة سواء كانت هناك مفاوضات أم لا. لذلك، أفضل ألا تحدث أي مفاوضات على الإطلاق. أي أموال ستُضخ في البلاد ستذهب فقط إلى جيوب اللصوص والعصابات التي تحكمنا".
وعندما يُسأل عن رسالة ترامب وإنذاره، يرد أكبر مبتسمًا: "لا أحب أولئك الذين يتصرفون كمتسلطين، لكنني أعترف أننا وصلنا إلى هذا الوضع بسبب خامنئي، وليس بسبب ترامب".
قد يكون الجد أيضًا في الأقلية التي ما زالت تتابع الأخبار بانتظام على الرغم من الاستياء. بالنسبة للأغلبية، كما أستطيع أن أرى، رسالة ترامب، وخطابات خامنئي، والتهديدات والإنذارات الأخيرة بالكاد تثير اهتمامًا.
الناس منهكون. أخبار الحرب أو المفاوضات تسبب فقط تموجًا بسيطًا في المستنقع الاقتصادي الذي علق فيه معظم الناس.
والسؤال الحقيقي بالنسبة للأغلبية هو: إلى متى يمكننا تحمل هذا؟
وأشار المقال إلى أن نظام طهران، بعد 46 عامًا من تأسيسه، يواجه لأول مرة السؤال التالي: هل ستظل "النواة الصلبة" من أنصاره، الذين يشكلون جنود جهاز القمع، تدافع عنه دون تردد إذا اندلعت احتجاجات جديدة في إيران؟
ووفقًا لكتّاب المقال، فإن أسئلة من هذا النوع أثارت الذعر بين النخبة الحاكمة في النظام الإيراني، لأنهم يدركون جيدًا أن هذا الشعور بالإحباط، وفي نهاية المطاف التخلي عن قوات القمع التابعة لديكتاتورية الأسد، هو ما أدى إلى انهيار نظام البعث في سوريا.
فقدان الشرعية التدريجي
على مدى أكثر من أربعة عقود، اعتمد النظام الإيراني على فئات اجتماعية مختلفة للحفاظ على سلطته. فمنذ ثورة 1979، التي حظيت بدعم كبير من مختلف الشرائح، وحتى اليوم، فقدت السلطة الحاكمة تدريجيًا دعم جميع الفئات التي كانت تدّعي يومًا تمثيلها تقريبًا.
وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه خلال العقد الأول من الثورة، بدأ النظام الإيراني يفقد دعم الطبقة الاجتماعية الحديثة في إيران بسبب تطبيقه سياسات إسلامية صارمة.
كما منحت الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت ثماني سنوات روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، سلطات غير مسبوقة للقضاء على القوى العلمانية التي ساهمت في الإطاحة بحكومة الشاه.
بدأت التغيرات الكبرى في المجتمع الإيراني خلال العقد الثاني من الثورة. أدى الإرهاق من الحرب ونمو السكان الشباب في إيران إلى ظهور اتجاه جديد للعلمانية والليبرالية بين الطبقات الوسطى في إيران، وفي المقابل، إلى قمع شديد من قبل النظام.
بلغ هذا القمع ذروته في عام 2009 مع التزوير في الانتخابات الرئاسية والتعامل القاسي مع الاحتجاجات اللاحقة، ما أدى إلى فقدان النظام دعم الطبقة الوسطى بالكامل.
ثم جاءت المشكلات الاقتصادية بعد حوالي عقد من الزمن، والتي أدت لأول مرة إلى تراجع دعم الطبقات العاملة والريفية للنظام، وهي الطبقة التي كان الخميني يطلق عليها دائمًا "الطبقة المستضعفة"، وكانت تشكل القاعدة التقليدية لمؤيدي النظام.
تفاقمت عدم القدرة على توفير الاحتياجات اليومية للإيرانيين بسبب سوء إدارة النظام، والفساد الحكومي الواسع النطاق، والضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات في الشوارع.
برزت هذه التظاهرات بشكل أكبر في عامي 2017 و2019، حيث تولت الطبقات العاملة الإيرانية في مدن مثل مشهد وقم، التي كان يعتبرها النظام معقلاً له، قيادة الاحتجاجات.
كان القمع الشديد لهذه الاحتجاجات من قبل الحرس الثوري، خاصة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حيث قُتل 1500 شخص في أيام قليلة، المسمار الأخير في نعش نظام الجمهورية الإسلامية، مما دفع الطبقة الدنيا إلى التخلي عن النظام إلى الأبد.
النواة الصلبة
منذ عام 2019، الذي تزامن تقريبًا مع الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، أصبحت قاعدة مؤيدي النظام تعتمد كليًا على حلقة أيديولوجية ضيقة ومتشددة.
تدعم هذه الشريحة الاجتماعية، المعروفة بـ"النواة الصلبة"، النظام لأسباب أيديولوجية إسلامية.
يعتمد دعم هذه "النواة الصلبة" على فرض سياسات إسلامية صارمة داخل البلاد وخارجها، والتي يعتبرونها "العدالة الإسلامية".
تشمل هذه السياسات دائرة واسعة مثل دوريات شرطة الأخلاق في إيران، ودعم "محور المقاومة" والقوات الوكيلة، وسياسة معاداة اليهود وشعار تدمير إسرائيل، والمعارضة الشديدة لأميركا، والسعي لتطوير الأسلحة النووية، وهي العناصر الأساسية لـ"الأيديولوجية الثورية الإسلامية".
على مدى أربعة عقود، شكلت إيران مجتمعًا من "الموالين" لتعزيز هذه القاعدة الصلبة، ووضعتهم في مواجهة الجزء الأكبر من المجتمع الإيراني الذي يُطلق عليه "الغرباء".
يشكل هؤلاء "الموالون" العناصر الأساسية للحكومة والدولة، ويحصلون على دعم مالي، ويعبرون عن التزامهم الأيديولوجي من خلال أفعال مثل المشاركة التطوعية في مسيرات الدعاية للنظام.
كما تعمل قواتهم غير النظامية كحراس للحجاب، وفي الاحتجاجات الشعبية، ينزلون إلى الشوارع لقمع المتظاهرين.
على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية عن عدد الأفراد الذين يشكلون هذه النواة الصلبة، إلا أن "فورين بوليسي" استندت إلى تقديرات تشير إلى أن هذا المجتمع لا يتجاوز ثمانية ملايين شخص؛ "هذا العدد، الذي يمثل حوالي 10% من سكان إيران، هو على الأرجح نفس الأشخاص الذين تلقوا طواعية لقاح كوفيد-19 الذي أنتجه الحرس الثوري بدلاً من اللقاحات المعتمدة دوليًا".