"الوردية الثانية" في المنزل.. مسؤولية مضاعفة على عاتق النساء العاملات في إيران

أظهرت نتائج دراسة أُجريت في إيران أن النساء العاملات، رغم مشاركتهن في سوق العمل، لا يزلن يتحملن المسؤولية الأساسية لأعمال المنزل، ما يضعهن تحت ضغوط نفسية وجسدية مضاعفة.

أظهرت نتائج دراسة أُجريت في إيران أن النساء العاملات، رغم مشاركتهن في سوق العمل، لا يزلن يتحملن المسؤولية الأساسية لأعمال المنزل، ما يضعهن تحت ضغوط نفسية وجسدية مضاعفة.
وشارك في هذه الدراسة الباحثون حامد شيري، ويعقوب أحمدي، وبهار شريعتي، وليلى خداويردي من جامعة "بيام نور" في طهران، حيث تناولوا تجارب النساء العاملات مع مسؤوليات العمل المنزلي والتحديات الناجمة عن التوفيق بين الدورين المهني والمنزلي.
وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في العدد الأخير من فصلية "المرأة في التنمية والسياسة" الصادرة عن جامعة طهران.
الأعمال المنزلية... مسؤولية لا مفر منها
ورد في الدراسة أن "العمل المنزلي باعتباره مسؤولية لا مفر منها" يُشكّل جزءًا من الهوية الاجتماعية المزدوجة للنساء العاملات.
وأظهرت النتائج أنه في جميع الحالات، التي جرت دراستها، لم تُسند مسؤولية الأعمال المنزلية إلى الرجال، ولم تُقسم بشكل متساوٍ بين الزوجين.
ولشرح هذه النتائج، استند الباحثون إلى نظرية "الوردية الثانية" للعالمَين: هوكسشيلد وما تشانغ، وهي نظرية تشير إلى مجموعة المهام والمسؤوليات، التي تتحملها النساء في المنزل، بعد انتهاء يوم العمل خارجه.
وقالت إحدى المشاركات في الدراسة: "نحن النساء، مثل حالتي، لدينا وظيفتان: وظيفة دائمة على مدار الساعة بلا أجر وهي الأعمال المنزلية، ووظيفة ثانوية نتقاضى عليها راتبًا".
الضغط الناجم عن الدور المزدوج
تشير نتائج الدراسة إلى أن النساء العاملات يتحملن مسؤولية أكبر من الرجال في إدارة شؤون المنزل والأسرة.
ووصفت الدراسة هذا الوضع بأنه "تناقض في الموقع الاجتماعي" يؤدي إلى "ضغوط نفسية وآلام مزدوجة ناتجة عن عبء العمل".
وقالت إحدى النساء العاملات: "أجد صعوبة كبيرة في التوفيق بين عملي وأعمال المنزل. أغلب الوقت أعاني التوتر وضغط العمل. أستيقظ الساعة السادسة صباحًا، وأظل منشغلة حتى الواحدة بعد منتصف الليل".
التوقعات المادية ودعم العمل المنزلي
تطرّق الباحثون إلى التوقعات المادية لدى النساء العاملات بخصوص العمل المنزلي.
وترى العديد من النساء المشاركات أن العمل المنزلي يجب أن يحظى بالدعم المالي والمادي.
وقالت إحدى النساء في هذا السياق: "الرجال يعرفون جيدًا كم سيكلفهم توظيف طاهية، وعاملة نظافة، ومربية أطفال شهريًا، لكنهم لا يدفعون شيئًا مقابل قيام زوجاتهم بهذه المهام".
التقاليد الذكورية والمقاومة النسائية عبر العمل
خلصت الدراسة إلى أن الأعمال المنزلية تُفرض على النساء بفعل "التقاليد الذكورية السائدة"، لكن في المقابل، يُعدّ العمل خارج المنزل خيارًا حرًا وأداة مقاومة بالنسبة لهن.
وبمعنى آخر، يمكن للمرأة من خلال إعادة تعريف هويتها عبر العمل أن تتحدى الأدوار الجندرية التقليدية.
وأضافت إحدى النساء العاملات: "أعلم أن النساء غير العاملات لا يعانين الضغوط والتوترات التي نعيشها، لكنني أُفضّل الاستقلال المالي والفكري، والمشاركة في اتخاذ القرار، والمكانة الاجتماعية".
الأسرة المتجددة والتحول التدريجي
يرى الباحثون أنه على الرغم من هيمنة النظرة التقليدية في المجتمع الإيراني، فإن هناك إمكانية لنشوء "أسرة متجددة ومتساوية"، يشارك فيها الرجال بصورة أكبر في المهام المنزلية.
وقد أُجريت هذه الدراسة في مدينة مريوان بمحافظة كردستان، غربي إيران، بمشاركة 15 امرأة عاملة، وتشير نتائجها إلى أن تحسين وضع المرأة في إيران يتطلب تحقيق المساواة الجندرية من خلال خطوات تدريجية نحو تغيير البنية التقليدية للمجتمع وتعزيز ثقافة المشاركة.

يعيش علي في كندا منذ 11 عامًا. عندما هاجر هو وزوجته شهرزاد إلى كندا، كان قد مر عامان على إغلاق سفارة إيران في كندا وقطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وأوتاوا.
ورغم أن علي لم يعد إلى إيران بعد هجرته إلى كندا، اضطرت زوجته خلال هذه الفترة إلى السفر لإيران لأمر ضروري، مما استلزم تمديد جواز سفرها عبر مكتب حماية المصالح الإيرانية في واشنطن.
صدر لشهرزاد جواز سفر يحتوي على أخطاء قانونية، مما تسبب في احتجازها في إيران أثناء إسقاط الطائرة الأوكرانية. وأخيرًا، تمكنت من العودة إلى كندا بعد شهر.
في 8 يناير (كانون الثاني) 2020، وسط توترات إيران مع الولايات المتحدة عقب مقتل قاسم سليماني، أُسقطت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية متجهة إلى كييف بعد ست دقائق من إقلاعها بصاروخين أطلقهما الحرس الثوري في سماء طهران.
لقي جميع الركاب الـ176 وجنين واحد حتفهم في هذه الكارثة. كان وجهة 138 من الركاب النهائية هي كندا. وفاة 55 مواطنًا كنديًا و30 من المقيمين الدائمين في هذا الحادث جعلت منه كارثة وطنية لكندا، مما جعل آفاق إعادة العلاقات مع نظام طهران أكثر قتامة من أي وقت مضى.
منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من رغبة النظام الإيراني وجهود جماعات الضغط القريبة من النظام لإعادة فتح السفارات واستعادة العلاقات بين طهران وأوتاوا، امتنعت الحكومة الكندية عن تطبيع العلاقات مع إيران.
سفر مراسلة شبكة كندية إلى طهران
في الأسبوع الثالث من مايو (أيار)، وفي خطوة نادرة، حصلت مارغريت إيفانز، المراسلة البارزة لشبكة "سي بي سي" الكندية في لندن، على إذن للسفر إلى إيران وإعداد تقرير. خلال هذه الزيارة، سألت إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن آفاق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
أعرب بقائي عن استعداد بلاده للتفاوض، قائلًا: "على كندا أن تأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن. كنا منذ البداية ضد قطع العلاقات لأننا نعتقد أن ذلك يضر بشعبي البلدين".
وأضاف بقائي أن مئات الآلاف من الإيرانيين يعيشون في كندا، وأن أول من يتضرر من قطع العلاقات هم هؤلاء الإيرانيون.
لكن العديد من الإيرانيين في كندا يعارضون إعادة إقامة العلاقات مع إيران وإعادة فتح السفارات، لاعتقادهم أن سفارة إيران في أي بلد تعمل الآن فقط كمكتب لحماية مصالح نظام إيران، حيث لا تقتصر مهمتها على مراقبة وتتبع الإيرانيين المعارضين للنظام، بل تسهم أيضًا في تمكين وتدعيم القوى الوكيلة لنظام الإيراني.
علي، أحد المعارضين لإعادة فتح سفارة إيران في كندا، يقول وهو يعمل الآن في كندا: "رغم أن إهمال قوانين الهجرة سمح لعدد كبير من مسؤولي النظام بالعيش في كندا، فإن إغلاق سفارة إيران في أوتاوا لا يزال يحد من توسع الأنشطة المدمرة للنظام في هذا البلد".
يؤكد العديد من الإيرانيين- الكنديين مثل علي أنهم مستعدون لتحمل تعقيدات المشكلات القنصلية الناتجة عن غياب سفارة إيران في كندا، من أجل منع توسع نفوذ وسلطة النظام الإيراني في هذا البلد.
هناك مجموعة ترى أن وجود علاقات دبلوماسية بين إيران وكندا قد يكون مفيدًا لحل النزاعات. هؤلاء كانوا يعتقدون في قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية أن العلاقات الدبلوماسية ستعطي كندا نفوذًا لمحاسبة إيران.
لكن الكثيرين يعارضون هذا الرأي، معتبرين أن وجود علاقات دبلوماسية وسفارات في دول مثل السويد أو بريطانيا لم يساهم مطلقًا في محاسبة إيران في قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية.
موقف الحكومة الكندية
ردًا على استفسار "إيران إنترناشيونال"، قالت وزارة الخارجية الكندية: "قبل النظر في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع كندا، يجب على إيران إجراء تغييرات جذرية في سلوكها، سواء داخل البلاد أو على الساحة الدولية".
كما أدانت وزارة الخارجية الكندية الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران في الشرق الأوسط، وعبرت عن قلقها إزاء انتهاكات إيران لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، خاصة من خلال فرض قوانين وسياسات قمعية وتمييزية ضد النساء والفتيات والأقليات.
وأكدت وزارة الخارجية الكندية في ردها على "إيران إنترناشيونال أنه طالما استمرت إيران في سلوكياتها غير المقبولة، ستواصل كندا الضغط على النظام الإيراني من خلال إجراءات مثل تصنيف إيران كدولة راعية للإرهاب بموجب قانون الحصانة السيادية، وإدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية بموجب القانون الجنائي، وفرض عقوبات مستهدفة.
وكررت الحكومة الكندية في السنوات الماضية، خاصة بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية وانتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، دعمها للشعب الإيراني مرات عديدة. من بين الإجراءات المهمة في هذا السياق، إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية في يوليو (تموز) من العام الماضي.
موقف حزب المحافظين الكندي
طُرحت فكرة إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية لأول مرة في صيف 2018 من قبل النائب عن حزب المحافظين غارنيت جينوس. تمت المصادقة على مشروع القانون في ذلك الوقت، لكن تنفيذه تأخر حتى عام 2024.
أدان المحافظون إيران مرات عديدة بسبب أعمالها المزعزعة للاستقرار في المنطقة ودعمها لجماعات إرهابية مثل حزب الله وحماس. وهم يطالبون بتحديد وطرد عملاء انظام الإيراني من كندا.
بعد تقرير مارغريت إيفانز على شبكة "سي بي سي" وتصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رداً على احتمال إعادة فتح سفارة إيران في كندا، أكد غارنيت جينوس في حديث لـ"إيران إنترناشيونال" على موقف حزبه، قائلاً: "الاقتراحات لاستئناف العلاقات مع هذا النظام المتطرف الداعم للإرهاب مرفوضة تمامًا.
بينما دعم الليبراليون في الماضي إعادة فتح العلاقات، يفخر المحافظون بسجلهم في الوقوف ضد هذا النظام ودعم الشعب الإيراني.
وأضاف جينوس: "يجب أن يحظى الشعب الإيراني بفرصة اختيار نظام يعكس طموحاتهم للعدالة والسلام. نحن ندعم الشعب الإيراني، وليس نظام الجمهورية الإسلامية. موقفنا في هذا الشأن لن يتغير".

وضعت حركة "المرأة، الحياة، الحرية" نضال النساء الإيرانيات المدني ضد الحجاب الإجباري في مسار مختلف، وخلال ثلاث سنوات، غيّرت النساء ملامح المدن الإيرانية. لقد وقفن معًا، متجاوزات معتقداتهن الدينية والسياسية، وواصلن المسيرة.

في وقتٍ بدأت فيه أصوات الاعتراض على نمط حكم المرشد علي خامنئي تُسمع أعلى من أي وقت مضى، حتى من داخل النظام الإيراني، صرّح عيسى كلانتري، وزير الزراعة الأسبق وأحد أقدم المسؤولين في حكومات إيران، قائلاً: "خلال هذه الـ46 سنة، دمّرنا إيران".
وفي حوار صريح مع موقع "انتخاب"، أشار كلانتري إلى الانتشار غير المسبوق للفقر في إيران، وقال: "حوالي ثلاثة أرباع الشعب الإيراني – أي ما بين 70 إلى 75% – يعيشون تحت خط الفقر".
هذه الأرقام تُظهر فجوة واضحة مع الإحصاءات الرسمية، التي تتحدث غالبًا عن نسبة تتراوح بين 30 إلى 40% من السكان تحت خط الفقر.
كما حذّر كلانتري من الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في البلاد، والذي أدى إلى هبوط حاد في التربة ببعض المناطق، مشيرًا إلى أن أجزاء من مدينة أصفهان باتت فعليًا "تقع فوق ستة أمتار من الهواء"، في إشارة إلى التصدع والانهيار الأرضي.
التحذير من ظاهرة الهبوط الأرضي وتبعاتها ليس جديدًا، إذ سبق لكل من الخبراء البيئيين، مثل محمد درويش، أن حذروا مرارًا من السياسات البيئية الكارثية لإيران.
لكن ما يجعل تصريحات كلانتري مميزة هو منصبه السابق الرفيع داخل هيكل السلطة الرسمي؛ إذ إنه مسؤول سابق يتحدث الآن بصراحة عن "دمار البلاد" نتيجة حكم نظام الجمهورية الإسلامية.
وتترافق تصريحاته مع انتقادات مشابهة من قبل مسؤولين آخرين، مثل مسعود روغني زنجاني، الرئيس الأسبق لمنظمة التخطيط والميزانية، الذي قال إن خامنئي يعارض رفاه الشعب، لأنه يعتقد أن الرفاهية تُفسد التدين.
اللافت في هذه التصريحات أنها تأتي من داخل النظام ومن أشخاص شاركوا في صناعة الوضع الحالي، وهو ما يُكسبها أهمية خاصة، لأنها تُشير إلى أن الأصوات المنتقدة تزداد علوًا، وتستهدف مباشرة سياسات المرشد وقادة الحرس الثوري.
رغم أن كلانتري لم يذكر خامنئي أو الحرس الثوري بالاسم، إلا أن نقده الواضح موجه إليهما، خاصة حين يصف السياسات الاقتصادية الكبرى بأنها "مناهضة للتنمية"، ويؤكد أن "لا يمكن إدارة بلد عبر الفقر"، وهي عبارة تتكرر بشكل متزايد بين المسؤولين الناقدين.
تصريحات كلانتري حول نسبة 75% من السكان تحت خط الفقر تنسف الرواية الرسمية للنظام، رغم أنه نفسه كان جزءًا من النظام لعقود، ولا يمكن إنكار مسؤوليته في إيصال البلاد إلى هذا الحال.
ومع ذلك، فإن ما يقوله يعكس أزمة أعمق بكثير: صوت الاعتراض لم يعد مقتصرًا على الناس في الشارع، بل أصبح يُسمع من داخل بنية الحكم. وهو الشرخ الذي تفاقم في السنوات الأخيرة بفعل الانتفاضات الشعبية، ليُهدد تماسك النظام.
في هذا السياق، أصبحت قضايا مثل الفساد البنيوي في الحرس الثوري فيما يتعلق بالعقوبات، تهريب النفط، والرفض المتعمد للانضمام إلى مجموعة العمل المالي، والاستفادة المالية من العداء لأميركا وإسرائيل، محور النقاش داخل النظام نفسه.
ويقول منتقدون إن الحرس الثوري، باعتباره البائع الرئيسي للنفط، يستفيد ماديًا من العقوبات تحت ذريعة التحايل عليها، فيما يدفع الشعب الثمن فقراً وبطالة.
قادة الحرس، الذين حلّوا محل الشركة الوطنية للنفط والبنك المركزي، يبيعون النفط بخصومات للصين، وتُحجز الأموال بعملة اليوان في البنوك الصينية، ما يُجبر إيران على استيراد سلع صينية باهظة الثمن ورديئة الجودة. وأحد الأمثلة على ذلك، شراء ثلاث طائرات مستعملة من نوع إيرباص من الصين بثلاثة أضعاف قيمتها الحقيقية، في نموذج فاضح للنهب تحت غطاء العقوبات.
هذا النموذج من الحكم، الذي يركّز على الشعارات مثل "الموت لأميركا" بدلاً من التفاعل العالمي البناء، لم يُعِق الاقتصاد فحسب، بل تحول إلى وسيلة للثراء الشخصي لبعض الفئات داخل النظام.
وفي طليعة هؤلاء "تجار العقوبات"، يقف قادة الحرس الثوري. وبحسب قول محمد حسين عادلي، المحافظ الأسبق للبنك المركزي، فإن حجم هذه الصفقات والفساد الناتج عن العقوبات يصل إلى أكثر من 50 مليار دولار.
لكن الأمر لا ينتهي هنا. أحد العوائق الكبرى أمام تحسين الوضع الاقتصادي هو رفض خامنئي والحرس الثوري المصادقة الكاملة على "FATF" والسبب الأساسي هو منع كشف التحويلات المالية التي تُستخدم في تمويل الجماعات الوكيلة كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيين. لأن القبول بالشفافية المالية يعني نهاية قدرتهم على غسل الأموال والقيام بتحويلات مالية سرية. وبالنسبة لهياكل متهمة بدعم الجماعات الإرهابية، فإن الشفافية لا تعني إلا الخطر والتهديد.
لهذا السبب، بقيت إيران أكثر من ثماني سنوات على القائمة السوداء لـ"FATF"، وهو ما أدى إلى عزلة مالية شديدة، غياب الاستثمارات الأجنبية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
في ظل هذه الأوضاع، أصبحت الشقاقات داخل الحكم، مثل الخلاف بين روحاني وخامنئي، وهجمات روحاني غير المباشرة على سياسات المرشد، رغم كونها جزءًا من صراعات السلطة، فرصة أمام الرأي العام لكشف الحقائق المخفية.
أصبح الآن كل من حسن روحاني، وعيسى كلانتري، وعباس آخوندي، وعدد آخر من المسؤولين السابقين في إيران يعلنون صراحة أن البلاد تسير في المسار الخاطئ.
مسارٌ قائم على ما يسمى "الاقتصاد المقاوم"، والعداء الدائم للعالم، والفساد الممنهج. وهذا الشرخ في الحكم، إلى جانب الانتفاضات الشعبية المتكررة، قد يُفضي إلى تآكل تدريجي في أسس النظام ويُهدد بقاءه.

أعلن مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، استنادًا إلى تقييمات وزارة الصحة، أن تلوث الهواء كان السبب في الوفاة المبكرة لأكثر من 30 ألف شخص في 57 مدينة، يبلغ عدد سكانها نحو 48 مليون نسمة، خلال عام 2023.
كما قُدرت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء في إيران بحوالي 23 مليار دولار.
ووفقًا لهذا التقرير، الذي نُشر في وسائل الإعلام الإيرانية يوم الثلاثاء 27 مايو (أيار)، فإن متوسط الوفيات المنسوبة إلى تلوث الهواء في المدن المختارة من البلاد بلغ 64 حالة لكل 100 ألف نسمة في عام 2023.
وفي مدينة طهران وحدها، نُسبت وفاة 70 شخصًا من كل 100 ألف نسمة خلال هذا العام إلى التعرض طويل الأمد لتلوث الهواء.
وأشار التقرير كذلك إلى أن أعلى معدل للوفيات الناجمة عن تلوث الهواء سُجل في إحدى مدن الأقاليم الشرقية، حيث بلغ 141 وفاة لكل 100 ألف نسمة.
في المقابل، سجلت مدينتا شاهرود وسنندج أقل معدل للوفيات المرتبطة بتلوث الهواء، بمعدل 30 وفاة لكل 100 ألف نسمة.
وكان محمد صادق حسنوند، رئيس مركز أبحاث تلوث الهواء بجامعة العلوم الطبية في طهران، قد أعلن في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أن حوالي 450 ألف حالة وفاة سنويًا تحدث في إيران لأسباب مختلفة، وأن 50 ألف حالة من هذه الوفيات تُنسب إلى تلوث الهواء.
ووصف تلوث الهواء بأنه "أهم ملوث بيئي"، مؤكدًا أن هذه الظاهرة تشكل تهديدًا جديًا لصحة الشعب الإيراني.
التداعيات الاقتصادية والبيئية لتلوث الهواء
وفي استكمال تقريره، قدر مركز البحوث التابع للبرلمان خسائر تلوث الهواء في إيران بنحو 12 مليار دولار، مضيفًا أن بعض الدراسات الأخرى قدّرت الرقم بنحو 23 مليار دولار، أي ما يعادل حوالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي، عند احتساب التكاليف المرتبطة بالأمراض.
وأوضح التقرير أن تلوث الهواء يؤثر بشكل مباشر على الإنتاجية الاقتصادية، وجودة الحياة، والبيئة، مشيرًا إلى أن من أبرز الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة: انخفاض إنتاجية القوى العاملة، وتعطيل الأنشطة الاقتصادية والتجارية والتعليمية والخدمية، والإضرار بالبنى التحتية، وتراجع السياحة.
وحذّر المركز من أن تلوث الهواء لا يقلل فقط من جودة حياة الناس، بل يؤدي أيضًا إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية، وتغيير أنماط الهجرة، وتحولات في الرأي العام.
كما شدد التقرير على أن تلوث الهواء يضر بالنظم البيئية، ويهدد التنوع البيولوجي، ويتسبب في اضطرابات في الحياة البرية.
وقد تحول تلوث الهواء في طهران وغيرها من المدن الكبرى في إيران خلال السنوات الأخيرة إلى أزمة دائمة وشاملة، غير أن النظام الإيراني لم يجد بعد حلًا لها.
وأظهرت نتائج دراسة أن سبع دول فقط في عام 2024 التزمت بمعايير جودة الهواء التي حددتها منظمة الصحة العالمية.
ووفقًا لهذه النتائج، فإن جميع دول العالم تقريبا تعاني من مستويات تلوث هواء تتجاوز الحد الموصي به طبيًا.
وغالبًا ما يستخدم مسؤولو النظام الإيراني وجود تلوث الهواء في بعض الدول الأخرى لتبرير فشلهم في التصدي لهذه الظاهرة.
وفي أعقاب استمرار أزمة تلوث الهواء وما تبعها من تعطيلات متكررة في يناير (كانون الثاني) الماضي، صرّح عباس شاهسوني، رئيس مجموعة الصحة البيئية في وزارة الصحة، بأن تلوث الهواء "قضية قديمة"، ليست حكرًا على إيران، بل "تعود إلى زمن اكتشاف النار". وأضاف: "يجب ألا يُنظر إلى تلوث الهواء كعامل يتسبب في عدة أمراض فقط".

كتب ريتشارد نيفيو، الذي شغل سابقاً منصب نائب المبعوث الخاص لإيران في وزارة الخارجية الأميركية، مقالا في مجلة "فورين أفيرز"، تناول فيه ما تحتاجه الولايات المتحدة في مفاوضاتها النووية مع طهران، وعمّا إذا كان التوصل إلى اتفاق "جيد" مع طهران ممكنًا في الأساس.
في مستهلّ مقاله، كتب نيفيو: "من بين جميع قرارات السياسة الخارجية المثيرة للجدل التي اتخذها دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، فإن استئناف الحوار النووي مع إيران كان من بين أكثرها إدهاشًا. فترامب كان قد سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، في عام 2018. ومع مرور أربع سنوات على محاولات إدارة بايدن غير المثمرة لإعادة إحياء هذا الاتفاق، بدا أن احتمال التوصل إلى اتفاق جديد أمر بعيد المنال. خلال هذه السنوات، نجحت طهران في إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بمستويات تقترب من المستوى المستخدم في تصنيع الأسلحة، بكميات تكفي لإنتاج عدة رؤوس نووية".
ويضيف نيفيو: "ومع ذلك، ومن المدهش، فإن طهران وواشنطن أبدتا، منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، اهتمامًا متبادلًا بالوصول إلى اتفاق. وقد رُسمت، خلال عدة جولات من المحادثات، أطر عامة لاتفاق محتمل. لدى الطرفين أسباب واضحة للسعي نحو اتفاق؛ إدارة ترامب تسعى إلى إعادة الاستقرار الاستراتيجي إلى الشرق الأوسط، ويريد ترامب شخصيًا تعزيز صورته كـ"صفقة كبرى". أما إيران، التي لا تزال تحت ضغط العقوبات الأميركية، فهي تسعى إلى خفض التوترات وتحقيق انفراجة اقتصادية دائمة، خاصة بعد ضعف العديد من وكلائها الإقليميين".
ويتابع نيفيو قائلاً: "رغم إبداء ترامب رغبته في حل سريع للمسألة النووية وثقته في قرب التوصل إلى اتفاق، فإن المشكلات القديمة والعميقة لا تزال تعقّد المفاوضات. فما زالت مخاوف واشنطن بشأن برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني ودعم طهران للجماعات الوكيلة قائمة، بينما ترفض إيران التراجع عن برنامجها النووي، خاصة في ظل انعدام الثقة في التزام واشنطن باتفاقاتها بعد انسحاب ترامب من الاتفاق السابق. طهران لا ترغب في تقديم تنازلات تمثل تراجعًا عن خطوطها الحمراء، كما أن الولايات المتحدة تريد اتفاقًا ذا قيمة حقيقية".
ويؤكد هذا الدبلوماسي الأميركي السابق: "حتى وإن تم التوصل إلى اتفاق بشروط مرضية لواشنطن، فإن هناك مخاطر قائمة، وسيتطلب أي اتفاق تقديم تنازلات صعبة من الجانبين. لكن اتفاقًا يضمن رقابة واسعة على المنشآت النووية المعلنة وغير المعلنة، ويحدّ من التخصيب مقابل رفع جزئي للعقوبات، يمكنه أن يعيد مزايا الاتفاق النووي السابق. وإذا جرت المفاوضات بشأن مثل هذا الاتفاق بعناية، وأُتيح له الوقت لإظهار نتائجه، فقد لا يساهم فقط في تعويض بعض الأضرار الناجمة عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، بل قد يمنع أيضًا حدوث أزمة وشيكة ويؤسس لاستقرار مستقبلي في المنطقة".
عواقب الانسحاب
نيفيو، الذي كان عضوًا في فريق التفاوض الأميركي خلال إدارة باراك أوباما، استعرض في مقاله تفاصيل الاتفاق النووي لعام 2015، المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، وتطرّق إلى تداعيات انسحاب الولايات المتحدة منه.
وكتب قائلاً: "الاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما في صيف 2015 فرض قيودًا مهمة على البرنامج النووي الإيراني. فقد سمح لإيران بتخصيب اليورانيوم وممارسة أنشطة نووية أخرى، لكن تحت رقابة صارمة وضمن حدود دولية محددة. الهدف كان أن تظل إيران على بُعد عام كامل على الأقل من القدرة على إنتاج سلاح نووي، حتى أفق يمكن التنبؤ به. ومع أن بعض بنود الاتفاق كانت محددة زمنياً، فإن إيران كانت ستتجاوز معظم هذه القيود بحلول عام 2030، مع الحفاظ على هيكل شبيه ببرنامجها النووي عام 2015".
وأشار نيفيو إلى أن الاتفاق منذ البداية واجه معارضة شديدة، خصوصًا من المحافظين داخل الحزب الجمهوري، الذين رأوا أن استمرار البرنامج النووي الإيراني، حتى بمستويات منخفضة، يعني أن طهران ستواصل طريقها نحو السلاح النووي بصبر ومهارة.
ويتابع: "جادل المعارضون بأنه من الأفضل أن تواجه الولايات المتحدة هذه الأزمة مبكرًا، بينما الاقتصاد الإيراني لا يزال يرزح تحت العقوبات، بدلاً من الانتظار حتى تجني إيران مكاسب اقتصادية من رفعها. وقد تبنّى ترامب هذه الرؤية، وقرر في مايو (أيار) 2018 الانسحاب من الاتفاق، ما دفع إيران اعتبارًا من مايو 2019 إلى استئناف تطوير أبحاث أجهزة الطرد المركزي وتوسيع أنشطة التخصيب".
ويضيف: "طوال فترة حكمه، حاول بايدن إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، لكن المسؤولين الإيرانيين الذين خافوا من عودة ترامب، فقدوا الثقة في استدامة أي اتفاق جديد. وبعد توقف المحادثات، فضّلت إدارة بايدن عدم التصعيد، مما أدى إلى فشل مزدوج في إحياء الاتفاق أو صياغة بديل، بينما باتت إيران اليوم قريبة جدًا من إنتاج مواد كافية لسلاح نووي، إذا قررت ذلك".
العودة إلى الشفافية
يكتب نيفيو: "لحسن الحظ، لا تزال بعض عناصر اتفاق 2015 صالحة لتكون جزءًا من اتفاق جديد يحظى بدعم الحزبين في الولايات المتحدة. أهم هذه العناصر هي أدوات الشفافية. فرغم تركيز معظم النقاشات الدبلوماسية على مستقبل تخصيب اليورانيوم في إيران، إلا أن الرقابة الدولية باستخدام أحدث الوسائل هي الأساس لأي اتفاق ذي معنى".
ويؤكد: "ينبغي أن تسمح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتحقق مما إذا كان برنامجها النووي سلميًا أو يتجه نحو الاستخدام العسكري. ودون عمليات تفتيش متقدمة وشفافية كاملة، لن يصمد أي اتفاق، حتى لو شمل تفكيكًا كاملاً لبرنامج إيران النووي".
ويشدد: "على الولايات المتحدة أن تضغط لقبول إيران أكثر نظام رقابة صرامة ممكنًا، في المواقع المعلنة وغير المعلنة. وإذا رفضت طهران تطبيق كامل لاتفاقية الضمانات التابعة للوكالة، والبروتوكول الإضافي الذي صيغ عام 1994 بعد اكتشاف البرنامج النووي السري للعراق، فعلى واشنطن الانسحاب من المفاوضات".
ويضيف: "كما يجب أن تصر الولايات المتحدة على إعادة آليات الشفافية الخاصة بأجهزة الطرد المركزي والمخزونات، والتي توفر بيانات دقيقة عن مواقع وعدد ومكونات أجهزة الطرد المركزي، وكميات اليورانيوم المخصب".
وحذّر قائلاً: "في غياب هذه الشفافية، يمكن لإيران أن تواصل التقدم نحو تصنيع قنبلة نووية في السر، مع ادعائها أن برنامجها سلمي. منذ عام 2018، طورت إيران أجهزة طرد مركزي متقدمة قلصت وقت "الفرار النووي"، وأصبحت قادرة على إنشاء منشآت غنية تحت الأرض ومموهة، يصعب اكتشافها أو تدميرها".
كما أشار إلى أنه بعد هجمات 2021 على منشآت التخصيب الإيرانية، توقفت طهران عن تقديم معلومات للوكالة بشأن أماكن تخزين مكونات أجهزة الطرد المركزي، ما يجعل حتى الاتفاقات التي تُزيل المنشآت المعلنة، عديمة الجدوى دون تفتيش صارم لسلسلة الإنتاج.
معالجة أوجه القصور السابقة
يقول نيفيو: "يجب أن يعالج الاتفاق الجديد أوجه القصور التي كانت في مجال التفتيش ضمن الاتفاق السابق، لا سيما البند "T" في الاتفاق النووي، الذي تناول بشكل غير مكتمل موضوع التسليح. هذا البند نصّ على التزام إيران بعدم الانخراط في أنشطة مرتبطة بتصنيع السلاح النووي، لكنه لم يُلزمها بالإعلان عن المعدات أو السماح بتفتيشها".
ويتابع: "منذ عام 2018، وبُعيد كشف إسرائيل عن الأرشيف النووي الإيراني، اكتشفت الوكالة مواقع كان يُعتقد أن إيران أجرت فيها أنشطة تسليحية. وتشير تقارير أميركية حديثة إلى أن إيران لا تزال نشطة في مجالات ذات استخدام مزدوج. لذا، على الاتفاق الجديد أن يُلزم طهران بالكشف عن جميع المعدات والمواد التي تعتبرها "مجموعة مورّدي المواد النووية" ذات استخدام عسكري محتمل، وأن يسمح بتفتيشها، حتى في المواقع العسكرية".
التفاوض حول قدرة التخصيب
حول قضية تخصيب اليورانيوم، كتب نيفيو: "بالإضافة إلى الشفافية، فإن أحد أكبر التحديات لأي اتفاق جديد مع إيران هو تحديد السقف المسموح به للتخصيب داخل البلاد. ففي اتفاق 2015، قبلت واشنطن استمرار تخصيب محدود في إيران، لأن إلغاء كامل لقدرات التخصيب لم يكن ممكنًا سياسيًا أو فنيًا".
ويتابع: "الاتفاق خفّض قدرة التخصيب لفترة محددة، على أمل أن يمنح ذلك وقتًا للدبلوماسية وبناء الثقة وربما تغيير سلوك طهران. لكن تلك الآمال لم تتحقق، وتجربة انسحاب ترامب أضعفت الحجة التي تقول إن اتفاقًا مؤقتًا يمكن أن يؤدي إلى حل دائم".
ويؤكد: "لذا، يجب أن تضع الولايات المتحدة شروطًا صارمة بشأن حجم ونوع التخصيب المسموح به. أبسط خيار هو خفض مستوى التخصيب إلى أقل من 5%، وتحديد سقف لمخزونات اليورانيوم، وهو ما يزيد وقت "الفرار النووي". لكن بسبب تطور إيران في تصميم أجهزة الطرد المركزي، حتى التخصيب المنخفض قد يؤدي إلى إنتاج أسرع للمواد الانشطارية".
ويشدد على أن "الاتفاق يجب أن يتضمن حظرًا على إنتاج أو تركيب أجهزة طرد مركزي من الجيل الجديد، وإلزام إيران بتخزين جميع الأجهزة الزائدة بحضور الوكالة. كما ينبغي حظر بناء منشآت تخصيب جديدة، خاصة تلك المدفونة تحت الأرض والتي يصعب استهدافها. وإذا أرادت طهران الاحتفاظ بقدرة على إنتاج الوقود النووي لأغراض سلمية، فعليها القيام بذلك من خلال التعاون الدولي واستيراد الوقود، لا عبر توسيع قدراتها الذاتية".
ضمانات للالتزام المتبادل
يختم نيفيو بقوله: "أحد العوائق الجوهرية لأي اتفاق جديد هو انعدام الثقة لدى إيران في التزام أميركا. فالانسحاب الأحادي من الاتفاق عام 2018، مع أن إيران كانت ملتزمة به، أقنع كثيرين في طهران بأن واشنطن شريك غير موثوق".
ويتابع: "لكن في النظام السياسي الأميركي، لا يستطيع رئيس أن يُجبر من يخلفه على الالتزام باتفاق تنفيذي، ما لم يصدّق عليه مجلس الشيوخ – وهو أمر مستبعد في اتفاق مع إيران. لذا، يجب أن يكون الطرفان مبدعين في تقديم ضمانات. أحد الخيارات هو اعتماد جدول زمني لتنفيذ التعهدات على مراحل، بحيث يكون كل تنفيذ مرهونًا بالتزام الطرف الآخر. مثلًا، الإفراج عن الأموال المجمدة يمكن أن يكون تدريجيًا وبالتوازي مع تنفيذ الرقابة".
ويضيف: "من جهة أخرى، يجب أن تمتلك الولايات المتحدة أدوات لإعادة فرض العقوبات إذا خرقت إيران الاتفاق. آلية "الزناد" في الاتفاق النووي كانت تسمح بإعادة تفعيل العقوبات الدولية تلقائيًا في حال ارتكبت إيران مخالفة. استعادة هذه الآلية أو نسخة مماثلة أمر ضروري في أي اتفاق جديد".
هل الاتفاق الجيد ممكن فعلًا؟
وفي ختام مقاله، كتب نيفيو: "في النهاية، إن التوصل إلى اتفاق "جيد" بين الولايات المتحدة وإيران ممكن، لكنه يتطلب فهمًا دقيقًا للمصالح المتبادلة، والخطوط الحمراء، والاعتبارات السياسية الداخلية لدى الطرفين. لا يجب على أميركا أن ترضى باتفاق ضعيف فقط لتفادي التصعيد الفوري، كما لا ينبغي أن تطارد اتفاقًا مثاليًا لا وجود له إلا نظريًا".
وختم بالقول: "الاتفاق الواقعي يمكن أن يستند إلى خفض التخصيب الإيراني إلى مستويات منخفضة، وقبول رقابة صارمة وشفافية كاملة، مقابل رفع تدريجي للعقوبات. ربما لا يقضي هذا الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني تمامًا، لكنه سيُبقيه محدودًا، شفافًا، وتحت الرقابة؛ وهو بحد ذاته خطوة كبيرة نحو تفادي الأزمة التالية في الشرق الأوسط. فغالبًا ما تكون السياسة الجيدة هي اختيار الأفضل بين خيارات سيئة، واتفاق محسوب مع إيران، وإن كان غير مثالي، يظل خيارًا أفضل من الحرب أو الاستسلام الكامل".