هل الخمسون سنة القادمة في إيران ستكون تكرارًا لما سبق؟

ذكرى وفاة الخميني، في 4 يونيو (حزيران)، تكررت هذا العام أيضًا بالمشاهد المألوفة نفسها..
"إيران إنترناشيونال"

ذكرى وفاة الخميني، في 4 يونيو (حزيران)، تكررت هذا العام أيضًا بالمشاهد المألوفة نفسها..
المرشد الإيراني، علي خامنئي، زار ضريح الخميني، وردّد ذات العبارات التي سمعناها من منابر النظام الإيراني طيلة العقود الثلاثة الماضية: الدفاع عن العزلة، ورفض الحوار والتفاعل مع العالم، والتأكيد على مواصلة مسارٍ لم يجلب منذ فبراير (شباط) 1979 حتى اليوم، لا تنمية، ولا سلام، ولا رفاه، ولا استقرار.
النظام الإيراني، باستثناء نشوة الانتصار الجماعي المؤقتة في الأيام الأولى للثورة، لم يعرف سوى الحروب، والقصف، والحرمان، والأمية، والفساد، والكذب؛ كل ذلك مغلف برائحة ماء الورد!
علي خامنئي، في خطابه، رفض بشدة العرض الأميركي الجديد المتعلق بالاتفاق النووي، ولم يغلق فقط باب فرصة أخرى لتخفيف الضغط الاقتصادي، بل قدّم أيضًا دليلاً واضحًا على الإرادة السياسية للنظام في الإبقاء على الوضع المزري القائم؛ وضعٌ أنتج انهيار الأمل بالحياة في مجتمعٍ متعب ومقيد اليدين.
لقد نجح خامنئي الآن في إحراق كل الخيارات السلمية وغير العنيفة للتغيير في المجتمع الإيراني!
وهو، أكثر وحدةً من أي وقت مضى، ديكتاتورٌ اعتلى ظهر ديكتاتورٍ آخر، وفرض أيديولوجيا رجعية على الملايين ما استطاع - وربما حتى نهاية حياته. ولولا الموارد الطبيعية لإيران، لما كان ليحلم أصلًا بالوصول إلى ما هو عليه اليوم وهو في الثمانين من عمره.
قرابة خمسين سنة من الوعود والفشل
خلال السنوات التي تلت الثورة، شدّد النظام الإيراني مرارًا على مفاهيم مثل "الاستقلال"، و"العزة"، و"المقاومة"؛ لكنها في الواقع لم تكن سوى ذرائع لتبرير الفشل، والقمع، والعزلة الدولية.
البرنامج النووي، أحد أكثر المشاريع كلفة في تاريخ إيران المعاصر، لم يوفّر الكهرباء، ولم ينهِ العقوبات، ولم يحقق الأمن. إنما كانت نتيجته الوحيدة المزيد من العزلة الدبلوماسية، وزيادة الضغط على الشعب. وبناءً عليه، فلا شيء في هذا المشروع يمكن اعتباره "وطنيًّا".
تمجيد الماضي من دون فهم الحاضر
المرشد الإيراني، في خطابه، واصل الحديث عن "طريق الخميني"؛ طريقٌ لا يبدو أنه يفضي إلا إلى استمرار العداء، وتكليف الشعب الأثمان، والمقاومة العقيمة للدفاع عن اللاشيء. وقد قال: "ردنا على هراء أميركا واضح: لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئًا".
والحقيقة أن هذا النهج لم يؤدّ فقط إلى تخلف إيران عن ركب التنمية، بل جعلها متأخرة عن كثير من جيرانها في شتى المجالات.
حتى الشعارات الأولى للنظام الإيراني - مثل العدالة، والرفاه، والكرامة الإنسانية - أصبحت اليوم محط سخرية! مصطلح "ارتحاليدي"، الذي يستخدم ساخرًا في وصف وفاة الخميني، يعكس بشكل فكاهي ردة فعل المجتمع تجاه موت "إمامه".
إعادة إنتاج دورة مكررة؟
المرشد الإيراني ليس مجرد امتدادٍ للماضي، بل هو نفسه جزءٌ من ذلك الماضي الذي يعيد إنتاجه.
طوال ثلاثين عامًا من قيادته، وبالاستفادة من التجارب المكلفة - على حساب النظام الإيراني وأخيرًا على حساب الشعب الإيراني - رسّخ بنية أمنية واقتصادًا قائمًا على القمع.
لكن إن تمكّن من تجاوز هذا المنعطف الخطير، فهل علينا أن نقبل بأن الخمسين عامًا القادمة ستكون مجرد إعادة إنتاج لنفس السياسات المتهالكة، ونفس العزلة، ونفس الاقتصاد؟ لكن هذه المرة... بلمسة أكثر "ليبرالية"!؟
هل سيكون المستقبل مجرد استمرارٍ لانهيارٍ تدريجي لا يتوقف؟

تُنشر تقارير متضاربة حول مصير المفاوضات النووية بين إيران وأميركا. وقد أفادت "رويترز" أن طهران تعتزم رفض المقترح الأميركي الجديد، في حين ذكر موقع "أكسیوس"، أن الولايات المتحدة سمحت لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 3 في المائة.
ورغم ذلك، لم يُدلِ أي من الطرفين بتصريحات رسمية بشأن تفاصيل هذا المقترح.
لذا، لا يمكن الجزم بعد ما إذا كان هناك اتفاق في الأفق أم أن فشل المفاوضات سيفضي إلى تصاعد التوترات وربما اندلاع مواجهة عسكرية. لكن السؤال المطروح: ماذا سيحدث إذا رفضت إيران هذا المقترح؟ وما هي التبعات المحتملة لذلك؟
ما هي "آلية الزناد"؟
تشير "آلية الزناد" إلى آلية يُسمح من خلالها للدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي (ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا) بإعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة التي تم تعليقها بموجب الاتفاق النووي، في حال خرق إيران التزاماتها.
في حال فشل المفاوضات، يمكن لتفعيل هذه الآلية من قبل الدول الأوروبية الثلاث أن يعيد قرارات مجلس الأمن السابقة ضد طهران. وعلى الصعيد الداخلي، سيكون أول أثر لهذا الفشل هو ارتفاع أسعار الدولار والذهب، وهو ما سبق وشهدته إيران في حالات مماثلة.
أما على الصعيدين السياسي والعسكري، فقد يؤدي فشل المفاوضات إلى تشدد دونالد ترامب في مواقفه، وهو الذي سبق له القول إن الملف النووي الإيراني سيُحل إما عبر الدبلوماسية أو بالقوة العسكرية. وبذلك، قد يعني الفشل توجه الولايات المتحدة نحو الخيار العسكري، سواء بشكل مباشر أو عبر دعم هجوم إسرائيلي محتمل على المنشآت النووية الإيرانية.
ونظرًا لأن منشآت مثل "نطنز" و"فردو" تقع تحت الأرض، فإن العديد من الخبراء العسكريين يرون أن مهاجمتها بنجاح لا يمكن أن تتم إلا عبر تدخل مباشر من الولايات المتحدة باستخدام قنابل خارقة للتحصينات.
وإذا ما وقع هجوم كهذا، فمن المرجح أن ترد إيران، وقد يشمل الرد ضربات على إسرائيل أو قواعد أميركية في المنطقة، ما قد يزجّ بواشنطن في مواجهة عسكرية مباشرة.
من جهة أخرى، يُظهر التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي سيُطرح قريبًا أمام مجلس محافظي الوكالة، أن إيران امتنعت عن التعاون الكافي، ولم تُجب عن أسئلة متعلقة بأنشطتها السابقة، ورفعت مستوى تخصيبها لليورانيوم.
وبحسب التقرير، تمتلك إيران الآن أكثر من 408 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق 60٪، وهي كمية تكفي لصنع نحو عشر قنابل نووية.
وإذا ما أسفر هذا التقرير عن صدور قرار حاد ضد إيران، فقد يُستخدم كذريعة لتفعيل آلية الزناد وإعادة العقوبات الأممية.
بين عامي 2007 و2011، أصدر مجلس الأمن ستة قرارات ضد إيران، أدّت إلى شلل اقتصادي وانخفاض حاد في صادرات النفط. آنذاك، وبإدراك منه لعمق الأزمة، كلّف المرشد الإيراني وزير خارجيته حينها، علي أكبر صالحي، بإجراء مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة في سلطنة عُمان، والتي أفضت لاحقًا إلى التوصّل إلى الاتفاق النووي المعروف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة".
وبحسب تقرير صادر عن مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، فإن فشل المفاوضات وعودة العقوبات قد يؤديان إلى انهيار اقتصادي وحكومي شامل.
وفي دفاعها عن برنامجها النووي، تصرّ إيران دومًا على أن التخصيب "حق للشعب الإيراني"، وقد قال عباس عراقجي إنه لا يمكن التراجع عنه بعد أن فُرضت عليه كلفة باهظة.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل تم احترام باقي حقوق الشعب، كالحصول على مياه شرب نظيفة، وكهرباء، ورعاية صحية، وسكن، وحريات سياسية واجتماعية؟ وإذا لم يُستفتَ الشعب يومًا بشأن البرنامج النووي، فكيف تدّعي إيران الآن أنها تدافع عن "حق الشعب"؟
في نهاية المطاف، يتوقف مصير المفاوضات على قرار المرشد الإيراني. فهو يدرك تمامًا ما قد يترتب على الاتفاق أو على فشله. فالتوصّل إلى اتفاق قد يُنظر إليه على أنه تراجع أو إهانة، بينما الفشل قد يقود إلى حرب تهدد بقاء النظام برمّته.
وبالنظر إلى تضارب المصالح، وتعقيدات الوضع الدولي، والضغوط الداخلية والخارجية، فإن اتخاذ القرار في هذه اللحظة يشكل مهمة بالغة الصعوبة للنظام الإيراني.

بعد خمس جولات من المحادثات، تبدي طهران وواشنطن تفاؤلاً حذرًا، مع تمسك كلٍّ منهما بخط أحمر يدور حول "تخصيب اليورانيوم داخل إيران" من عدمه. لكن يبقى السؤال: هل يستحق البرنامج النووي الثمن الذي دفعه المواطن الإيراني العادي؟
ورغم أن إيران أبدت استعدادًا للتخلص من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب (HEU) وقبول عمليات تفتيش أكثر شمولاً، فإنها تصرّ على حقها في تخصيب اليورانيوم بنسبة منخفضة (LEU) لأغراض سلمية.
ولكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يرى أن مجرد وجود هذه القدرة يُبقي لإيران خيارًا نوويًا كامنًا.
ولطالما كان برنامج التخصيب رمزًا للفخر القومي الإيراني، لكنه من الناحية التقنية والاقتصادية، يمثل بنية تحتية مكلفة، متقادمة، ومحدودة الجدوى، أرهقت الاقتصاد والمجتمع الإيراني.
ويتناول هذا التحليل تطوّر البرنامج النووي الإيراني، وموقعه عالميًا، والعبء الذي فرضه على اقتصاد البلاد وشعبها:
فرص ضائعة وتصعيد دائم
بدأ تخصيب اليورانيوم في إيران عام 1987 أثناء الحرب الإيرانية- العراقية، بمساعدة شبكة العالِم النووي الباكستاني، عبد القدير خان، إلا أن جذور البرنامج تعود إلى عهد الشاه في السبعينيات، ضمن مبادرة "الذرة من أجل السلام" التي قادتها الولايات المتحدة.
وتعاونت إيران مع الصين وروسيا، في التسعينيات وخلال العقد الأول من القرن الحالي، لتطوير محطات الطاقة النووية، بينما كانت تبني سرًا منشآت، مثل "نطنز" و"فوردو"، والتي كُشفت لاحقًا أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سنحت لإيران فرصة للشفافية، لكنها بدلاً من ذلك أخفت منشآتها وعرقلت عمليات التفتيش، دون تقديم مبررات اقتصادية واضحة، مما غذّى الشكوك.
وأفضت سنوات من المفاوضات إلى توقيع الاتفاق النووي (جاكوب) عام 2015، الذي حدّ من نسبة التخصيب، وقلل عدد أجهزة الطرد المركزي، وزاد من رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل تخفيف العقوبات.
وكان الهدف من هذا الاتفاق أيضًا إعادة دمج إيران في الاقتصاد العالمي، لكن المرشد علي خامنئي منع الاستثمارات الأجنبية، ورفض إقامة علاقات أعمق مع واشنطن، رغم دعم الرئيس الإيراني الأسبق، حسن روحاني، للانفتاح المحدود.
وانسحب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال فترة ولايته الأولى، من الاتفاق عام 2018، ما أدى إلى انهياره. وردت إيران بالتراجع تدريجيًا عن التزاماتها، ففُرضت العقوبات من جديد.
وعارضت جهات قوية داخل النظام الإيراني، خصوصًا الحرس الثوري، الاتفاق منذ البداية، نظرًا لاستفادته من العقوبات وازدهاره في "بيئة العزلة" و"الاقتصاد المقاوم".
وفي النهاية، تحوّل برنامج التخصيب إلى أداة سياسية، لا استراتيجية طاقة، ورمزًا للفخر يُستخدم على حساب رفاهية الناس.
برنامج متقادم وعديم الكفاءة
يعتمد البرنامج الإيراني بشكل كبير على أجهزة طرد مركزي من طراز "IR-1"، وهي مستندة إلى تصميمات باكستانية منذ سبعينيات القرن الماضي. هذه الأجهزة غير فعالة وعُرضة للأعطال، على عكس المرافق الغربية، التي تستخدم أجهزة متطورة ذات كفاءة عالية.
ورغم سرية الأرقام، فإن التقديرات تشير إلى أن تكلفة التخصيب لكل وحدة عمل فصل (SWU) في إيران تتراوح بين 200 و300 دولار، مقارنة بنحو 40 دولارًا في الدول المتقدمة.
وكذلك يعاني تعدين اليورانيوم الإيراني عدم الكفاءة. فوفقًا لبيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتقارير إيرانية، تبلغ تكلفة إنتاج أكسيد اليورانيوم (U₃O₈) نحو 1750 دولارًا للكيلو غرام، مقارنة بـ 60 دولارًا في كندا.
وأضحى التشبث بالاكتفاء النووي الذاتي- رغم جدواه السياسية- مضرًا بإيران اقتصاديًا.
وما يزيد الطين بلة، هو غياب الطلب المحلي على اليورانيوم المخصب. فمحطة "بوشهر" النووية تعمل بوقود روسي وفق عقد ثابت، ولا يستخدم أي مفاعل إيراني حاليًا اليورانيوم المحلي. ومعظم دول العالم تستورد الوقود النووي ولا تخصّبه محليًا، ما يجعل البرنامج الإيراني غير عقلاني اقتصاديًا، بل مجرد رمز استراتيجي.
العقوبات.. عقد من الألم الاقتصادي
كلّف الموقف النووي الإيراني البلاد ثمنًا باهظًا. فمنذ عام 2011، تسببت العقوبات في انهيار التجارة والاستثمار والنمو الاقتصادي، وانخفضت صادرات النفط من 2.5 مليون برميل يوميًا عام 2011 إلى أقل من 400 ألف برميل خلال الولاية الأولى لترامب. ورغم تعافيها إلى 1.5 مليون برميل في 2024، تبقى أقل بكثير من مستويات ما قبل العقوبات.
وانكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لإيران بنسبة 13 في المائة عام 2011، ولم يتعافَ حتى اليوم إلى مستوى نصيب الفرد من الناتج، كما كان عام 2010. فلو استمرت إيران على منحنى نموها قبل 2011 (بمعدل 5.9 في المائة)، لبلغ الناتج عام 2024 نحو 828 مليار دولار؛ أي أكثر من ضعف مستواه الحالي البالغ 400 مليار دولار.
وحتى بعد احتساب صدمات عالمية، كجائحة "كوفيد" وارتفاع أسعار السلع، يُقدَّر الفاقد الناتج عن البرنامج النووي والعقوبات المرتبطة به بين 399 و414 مليار دولار.
وانهارت العُملة الإيرانية من 14.200 ريال مقابل الدولار الواحد عام 2011 إلى أكثر من 818 ألفًا في 2025. وبلغ متوسط التضخم 40 في المائة سنويًا لست سنوات متتالية، كما توقفت الأجور الحقيقية عن النمو، وضُربت الأسر ذات الدخل الثابت، وتعمّقت الفجوة الاجتماعية.
وأدى خروج إيران من نظام "سويفت" المصرفي، ورفضها الامتثال لمعايير مجموعة العمل المالي الدولية "FATF" إلى تعطيل التجارة، بما فيها الواردات الإنسانية، كما أصبح تكوين رأس المال سالبًا، وانهارت قطاعات صناعية بأكملها.
ومن المؤكد أن شعارات "الاقتصاد المقاوم" لا تواسي المواطنين الغارقين في معاناة دائمة.
وأضرّت العقوبات أيضًا بالبنية العلمية والصناعية لإيران؛ حيث تعاني الجامعات هجرة العقول، وتجد المصانع صعوبة في الحصول على قطع الغيار أو البرمجيات أو الشراكات العالمية. وشهدت قطاعات عديدة تراجعًا كبيرًا، من إنتاج السيارات إلى الأدوية.
بقاء النظام لا رفاهية الإيرانيين
أصبح البرنامج النووي الإيراني اليوم يخدم بقاء النظام السياسي، لا رفاهية الشعب؛ إذ يمكّن قيادته من التظاهر بالتحدي، ويدرّ أرباحًا للحرس الثوري من خلال تهريب السلع تحت العقوبات، ويعزز القاعدة الأيديولوجية للدولة في أوقات الاضطراب.
لكن الثمن هائل: هروب رؤوس الأموال، وهجرة العقول، ونزوح الشباب المتعلم. كان يمكن للاستثمار في الطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية والتجارة العالمية أن يحوّل الاقتصاد الإيراني. وبدلًا من ذلك، أُهدرت الموارد على تكنولوجيا لا جدوى استراتيجية منها، معزولة اقتصاديًا.
فلا يمكن لإيران أن تبني مستقبلها على "المقاومة الرمزية".
والبرنامج كما هو الآن، جلب فائدة ضئيلة مقابل تكلفة باهظة: اقتصاديًا، وسياسيًا، واجتماعيًا. حرم البلاد من التجارة والاستثمار والشرعية الدولية، والأهم من ذلك، رفاهية شعبها.
وانتهت الجولة الخامسة من محادثات إيران والولايات المتحدة دون تقدم، لكن استمرار التواصل يدل على أن الطرفين ما زالا يريان في الاتفاق قيمة.
وبالنسبة لإيران، لم يعد التخصيب يحقق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية، بل بات أداة رمزية فقط.
وهناك عدة مقترحات قيد البحث: أحدها يدعو إلى تشكيل "كونسورتيوم" خليجي لمراقبة التخصيب داخل إيران. لا يزال هذا الطرح بدون أسس عملية واضحة، لكنه قد يفتح بابًا للحفاظ على الحق دون التطبيق الكامل.
وهناك مقترح آخر بالاعتراف بحق إيران النظري في التخصيب وفق معاهدة حظر الانتشار، مقابل تجميد النشاط داخليًا.
وثالث يقترح تعويضًا ماليًا مقابل تفكيك المنشآت.
وقد تظهر حلول أكثر إبداعًا لاحقًا، المهم الآن هو تجنب الحرب.
وعلى قادة إيران أن يختاروا بين التحدي المتجذر ودبلوماسية عقلانية تؤسس لمستقبل حقيقي.
لقد كلّف البرنامج النووي إيران أكثر مما تحتمل، ليس فقط في الناتج القومي، بل في حياة ومستقبل أبنائها.
كما أن الكبرياء الرمزي لا يعوّض عن الازدهار الحقيقي، فقد حان وقت التغيير.

تشير لهجة طهران اللينة في التصريحات المتعلقة بالمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، بجانب تعليقات غير مسبوقة من محللين إعلاميين، إلى احتمال انفتاح إيران على اتفاق من نوع "تجميد مقابل تجميد" مع واشنطن.
وباستثناء التلفزيون الرسمي، وصحيفة "كيهان" المتشددة التابعة للمرشد الإيراني، علي خامنئي، وعدد قليل من الصحف المغمورة، ناقشت معظم وسائل الإعلام الإيرانية هذا الأسبوع ما وصفته بـ "الإشارات الإيجابية من واشنطن"، بل وتحدث بعضها عن "اتفاق نهائي وشيك".
وغالبًا ما تستشهد هذه الوسائل بما يُنظر إليه في طهران على أنه تفاؤل يسود التغطيات الإعلامية الأميركية.
وكان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قد قال للصحافيين يوم الأربعاء 28 مايو (أيار) الجاري، إنه نصح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بعدم توجيه ضربة لإيران، مؤكدًا أن التوصل إلى اتفاق مع طهران "قريب جدًا".
وذكر موقع "رويداد 24" الإيراني أن شخصيات كانت متشككة تقليديًا، مثل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، ووزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أشارت إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة خلال أسابيع.
مؤشرات مبكرة على تغيُّر في الموقف
جاء أوضح مؤشر حتى الآن على انفتاح طهران، حين صرح النائب البارز وعضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني، أبو الفضل ظهره وند، لموقع "نامه نيوز" المحافظ، يوم الأربعاء الماضي، بأن "طهران قد تُقدم على تعليق تخصيب اليورانيوم مقابل تخفيف جزئي للعقوبات".
وقال ظهره وند: "المسؤولون العُمانيون يقولون لنا: دعونا نجرب ذلك"، مشيرًا إلى قبول طهران صيغة مشابهة تحت قيادة المرشد علي خامنئي، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي.
كما أشاد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بدور الوساطة العُمانية خلال زيارته إلى مسقط يوم الثلاثاء الماضي، واصفًا سلطنة عُمان بأنها "الوسيط النشط الوحيد الذي تثق به إيران".. في إشارة أخرى إلى إمكانية وجود مرونة في الموقف الإيراني.
ويأتي ذلك بالتزامن مع تلميحات من رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، بأن طهران "قد تعيد النظر في حظرها الطويل الأمد على دخول المفتشين النوويين الأميركيين"، وذلك كجزء من أي اتفاق محتمل مع واشنطن.
اتفاق مؤقت لتفادي الحرب
أبرزت صحيفة "آرمان ملي" الإصلاحية الإيرانية هذا التحول الظاهري في النبرة، مشيرة إلى احتمال وجود ترتيب من نوع "تجميد مقابل تجميد" قيد الإعداد، وهو ما يُطلق عليه المسؤولون أحيانًا "اتفاق مؤقت"، ربما لجعله أكثر قبولًا لدى المتشددين.
ولكن الصحيفة حذّرت من أن "لا شيء محسوم حتى يتم التوقيع"، مشددة على أن "فرصة التوصل إلى اتفاق لا تقل عن فرصة حصول تغيّر مفاجئ قد يوقف كل شيء دون تفسير يُذكر".
وأكدت أن النقاشات التقنية لا تزال جارية بالتوازي مع محادثات ثنائية سرية.
وقال الإصلاحي الإيراني البارز، محمد صادق جوادي حصار، لصحيفة "اعتماد": "إن مرونة الحكومة تتماشى مع المصلحة الوطنية لإيران".
وبالمثل، صرّح المحلل الإصلاحي، حميد رضا جلايبور، لموقع "خبر أونلاين"، بأن إيران لا يمكنها تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، دون إصلاح علاقتها المتوترة مع الولايات المتحدة أولاً.
وتوقع أن يساهم الاتفاق في تهميش الأقلية المتشددة، التي تدفع بخطاب معادٍ لأميركا، وتدعو لتدمير إسرائيل، وتطالب بتشديد القبضة الداخلية.
وأشار إلى أن شعار طهران قد يكون تحوّل من "لا مفاوضات، لا حرب" إلى "مفاوضات لتجنب الحرب".

نُشرت، يوم الثلاثاء 27 مايو (أيار)، صور من جلسة محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مع مجموعة من الوزراء السابقين والحاليين في النظام الإيراني، عبر وكالات الأنباء الإيرانية.
ومن بين الحاضرين في هذه الجلسة، لفت انتباه الحضور وجهٌ يثير التساؤلات بحضوره، نظرًا لإدانته النهائية بالسجن؛ رضا فاطمي أمين، وزير الصناعة السابق في حكومة إبراهيم رئيسي.
في مارس (آذار) الماضي، ووفقًا لإعلان رسمي من القضاء الإيراني، أُدين فاطمي أمين بالسجن لمدة عام واحد بتهمة دوره في قضية الفساد الاقتصادي المعروفة بـ"شاي دبش".
تُعد هذه القضية، التي يُقال إنها شهدت فسادًا ماليًا يتجاوز 3.7 مليار دولار، أكبر قضية فساد اقتصادي في تاريخ إيران المعاصر.
كان الحكم الأولي للمحكمة يقضي بالسجن خمس سنوات لفاطمي أمين ووزير الزراعة آنذاك، سيد جواد ساداتي نجاد، لكن الحكم خُفّف لاحقًا إلى عام واحد له وسنتين للآخر.
لكن اللافت للانتباه هو عدم تنفيذ حتى هذا الحكم المخفف؛ إذ تُظهر الصور الرسمية من وكالات الأنباء الداخلية أن فاطمي أمين ليس في السجن، بل يشارك في جلسات رسمية بحضور نائب رئيس الجمهورية.
إن حضور شخص مدان في جلسة رسمية دون أي توضيح أو شفافية يثير تساؤلات عديدة. لماذا يظهر شخص حُكم عليه بالسجن بحرية في مستويات عليا حكومية؟ إذا كانت الأحكام القضائية تُهمل بهذا الشكل بالنسبة للمسؤولين السابقين، فكيف يمكن الحديث عن مكافحة الفساد؟
حتى هذه اللحظة، لم تُبدِ أي من وسائل الإعلام الرسمية في البلاد أو المسؤولين الحاضرين في الجلسة أي رد فعل تجاه هذا الحضور. هذا الصمت، في ظل إدانة المواطنين العاديين بعقوبات قاسية لمخالفات أصغر بكثير، يعكس نوعًا من الظلم المؤسسي.
سوابق متكررة
الأمر المقلق الآخر هو وجود سوابق مماثلة لهذا النوع من التعامل مع المسؤولين المدانين.
محمد علي نجفي، وزير التربية والتعليم الـأسبق، الذي أُدين بقتل زوجته وحُكم عليه أولاً بالقصاص، ثم خُفف الحكم بعد ضغوط وتسوية إلى 6.5 سنوات سجن، شوهد مؤخرًا في جلسة رسمية مع محمد رضا عارف، النائب الأول لبزشكيان.
التقطت صورة لهما يقفان جنبًا إلى جنب في أبريل (نيسان) من هذا العام، مما يُظهر أن دعوة المسؤولين المدانين إلى الجلسات الرسمية قد أصبحت عادة متكررة.
هل هذه هي مكافحة الفساد التي وُعد بها؟
لقد أكد علي خامنئي، مرشد النظام الإيراني، مرات عديدة على ضرورة مكافحة الفساد، وفي يوم الأربعاء، 28 مايو، أدلى بتصريحات مفادها أن "الفساد في إيران ليس هيكليًا".
لكن عندما يرى الشعب أن الوزراء المدانين لا يواجهون العقوبة فحسب، بل يظهرون في الجلسات الرسمية الحكومية وتنعكس صورهم في وسائل الإعلام، يصعب تصديق هذه الادعاءات.
تأتي تصريحات المرشد الإيراني، يوم الأربعاء، حول عدم وجود مشكلة خاصة في البلاد في وقت تواجه فيه إيران أزمات متعددة: من إضرابات سائقي الشاحنات في أكثر من 130 مدينة، إلى أزمة إمدادات المياه، انقطاع الكهرباء المتكرر، ارتفاع أسعار الخبز، تلوث الهواء، وهبوط الأرض. كل هذه علامات على أزمات اقتصادية وبيئية وحوكمة عميقة يواجهها الناس يوميًا.
في خضم كل هذه المشكلات والأزمات، فإن تجاهل تنفيذ الأحكام القضائية بحق المسؤولين الكبار المدانين لا يزيد سوى من تأصيل عدم ثقة الشعب بالنظام.
إذا كان شخص يحمل مثل هذه السجلات لا ينفذ حتى حكمه المخفف، بل يُقدم كشخصية محترمة إلى جانب نائب رئيس الجمهورية، فهذا يعني أن المسؤولين، على الرغم من ادعاءاتهم، ليس لديهم إرادة حقيقية لمكافحة الفساد أو احترام القانون.
يبدو أن هناك في إيران مبدأ غير مكتوب لكنه راسخ: إذا كنت من "الأنصار"، فلن يشكل حتى فساد بمليارات الدولارات أو القتل العمد عائقًا أمام عودتك إلى الساحة السياسية.
هذه العادة ترسل رسالة إلى المسؤولين الآخرين: إذا سرقت أو ارتكبت مخالفة، يمكنك تجاوز العواقب عبر النفوذ والعلاقات. كن مخلصًا؛ كن فاسدًا.

أكد المرشد علي خامنئي، في لقائه مع وزير الداخلية والمحافظين، أن هناك "فرصًا كثيرة" في الأجواء العامة لإيران، وقال: "لا توجد مشكلة في البلاد"!
هذه ليست فقط كذبة كبيرة من فم الرجل الأول، بل إنه يتحدث عن "الفرص" و"عدم وجود مشكلة"، بينما يضرب جزء من الشعب في 135 مدينة إيرانية.
الخطاب غير الحكيم الذي ألقاه خامنئي- إن لم يكن نابعًا من الجهل- يظهر بوضوح أنه يعيش في "فقاعة من السلطة"، بعيدًا كل البعد عن واقع المجتمع الإيراني الراهن.
مثل هذا الادعاء إما ناتج عن غفلة، أو تم التعبير عنه عمدًا لتحريف الواقع. إن ادعاء عدم وجود مشكلة هو مثال واضح على إنكار الأزمة بوعي.
هذه الرواية المتفائلة بشكل خيالي ليست علامة على البصيرة، بل دليل على خداع النفس. لقد حل وهم إدارة الأزمة محل الفهم الحقيقي لعمق الأزمة. إذا كان خامنئي يؤمن حقًا بأنه بنى بلدًا مليئًا بالفرص وخاليًا من المشكلات، فهو يعاني من وهم شديد للغاية!
وهم الديكتاتور: العمى السياسي
غالبًا ما يصل القادة المستبدون، قبل سقوطهم، إلى مرحلة لا يفهمون فيها الحقيقة ولا يريدون فهمها. يعيشون في فقاعة من المديح والتأييد، مقتنعين بأن البلاد جنة ورد، وأن كل من يشتكي إما جاهل أو مغرض. هذا ما يمكن أن نسميه: "وهم الديكتاتور".
قال علي خامنئي، في ذروة الإضراب الوطني لسائقي الشاحنات، بوضوح إنه "لا توجد مشكلة خاصة" وإن "الشعب يحتج على شيء لا يفهمه".
إنه لا ينكر الأزمة فحسب، بل يشكك أيضًا في مصداقية معاناة الشعب، وهكذا يتشكل وهم الديكتاتور؛ حيث لا يتلقى المرشد أخبار المجتمع إلا من خلال وسائل إعلام خاضعة للرقابة، وتقارير أمنية مفلترة، ومستشارين لا يملكون الجرأة.
نهاية هذا الوهم دائمًا هي الانهيار
كان تشاوشيسكو مقتنعًا حتى لحظة إعدامه بأن الشعب يحبه، فصُدم وتجمد عندما هتف ضده.
لم يصدق القذافي انتفاضة الشعب؛ اختبأ في أنبوب مجاري وقال: "أنا قائد الأمة!" كان صدام، حتى في المحكمة، يرى نفسه رئيسًا شرعيًا ومحبوبًا من الشعب. تحدث هتلر، في مخبأه، عن "النصر النهائي" وأنكر واقع الحرب. دُمرت بلاد بشار الأسد، لكنه ظل يتحدث عن "دعم الشعب".
بقي آل كيم في كوريا الشمالية، وسط الفقر والقمع، "آلهة" في وسائل إعلامهم.
يبدأ "وهم الديكتاتور" دائمًا من نقطة واحدة: إنكار الواقع. لكن الإنكار لا يقضي على الأزمة؛ بل يؤخر فقط لحظة الانفجار. قد يحافظ هذا التأخير على النظام الظاهري لبعض الوقت، لكن ثمن الإنكار دائمًا هو السقوط بلا عودة.
لكن الأزمة حقيقية. الفقر حقيقي. الغضب المكبوت للشعب حقيقي، وإذا لم يُسمع، فسيتحول إلى صرخة ونار.
ما هي المشكلة؟
إذا أردنا سرد قائمة المشكلات التي يواجهها الناس في إيران اليوم، فستطول القائمة ولن يتحملها أحد! لكن الوضع اليوم، في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذه المقالة، هو كالتالي: سائقو الشاحنات توقفوا عن العمل، يتحدث الخبازون عن تعرضهم للضرب من قبل السلطات، أصبحت شبكة النقل البري في البلاد في حالة شبه تعطيل، وهذه مجرد أمثلة صغيرة على مشكلات "إيران".
لنفترض أنه بعد أسبوع، إذا انكسرت الإضرابات وعاد البلد إلى "استقرار النظام الحالي" -وهو ما قد يعتبره البعض أمرًا مفروغًا منه- فلن يتغير شيء. لم يتم إصلاح شيء. لم يكن شيء على ما يرام!
يعود الشعب وسائقو الشاحنات إلى نفس النظام القمعي الجامد، حيث تستمر حياتهم القاسية وغير المقبولة، التي يستحيل تحملها، بشكل بطيء ومؤلم.
ماذا يقول الميدان؟
من بندر عباس وكرمانشاه إلى مشهد، سنندج، تبريز، طهران، والأهواز، نفّذ سائقو الشاحنات إضرابات احتجاجًا على الضغوط الاقتصادية والفشل الهيكلي للنظام.
وفقًا لتقرير "اتحاد نقابات سائقي الشاحنات والسائقين"، يستمر هذا التحرك النقابي رغم التهديدات والاعتقالات والتعاملات الأمنية. في كرمانشاه وحدها، تم اعتقال ما لا يقل عن 11 سائقًا، ويواجه ثلاثة منهم، وهم صديق محمدي، كاوه مراديان، ورزكار مرادي، قرارًا بالحبس لمدة شهر.
سياسة الإنكار بلغة التحقير
في لقائه مع المحافظين، بدلاً من تقديم حلول، أصدر خامنئي تعليمات لإدارة "ظاهرية" للاستياء.
طالب المسؤولين بالذهاب إلى الشعب، والتقرب منهم، والسماح لهم بالتذمر، لكن في النهاية، يتجاهلونهم بعدم اكتراث؛ لأنه يعتقد أن احتجاجات الشعب "غير مبررة" عادةً، وربما يرجع ذلك إلى جهل العامة وقلة فهمهم، الذين، في رأيه، "لا يملكون فهمًا صحيحًا لخدمات إيران".
يرى خامنئي، بنظرته من الأعلى إلى الأسفل تجاه المجتمع، أن الاستياء ناتج عن الجهل. وفقًا لهذا المنطق، إذا لم يقدر الشعب الجمهورية الإسلامية ولم يرَ خدماتها، فلا بد أنهم لا يفهمون شيئًا واحتجاجاتهم لا أساس لها.
خلال خطابه، ينصح المحافظين بنبرة متعبة وصوت خافت يحمل نبرة حكيمة، في دور "الشيخ الحكيم"، ويتجنب عمدًا ذكر المضربين بالاسم.
من خلال إنكاره غير المباشر لمشكلات سائقي الشاحنات والبلاد عمومًا، يحاول تصغير حجم احتجاجات النقابات وإظهارها تحت السيطرة؛ جهد تحقيري لتصوير مشكلة حقيقية على أنها غير مهمة. قوله إن "هذه ليست مشكلة"، و"اذهبوا وأظهروا لهم المحبة بصبر، وعندما يوجهون إليكم الشتائم، ابتسموا، وعندما تزرعون المحبة، سيخرج الشعب لدعمكم في اللحظات الحرجة"، هو مثال على نظرة خامنئي الإقطاعية.
لكن واقع حياة الناس اليومية مختلف: التضخم، انخفاض القدرة الشرائية، انعدام الأمن الوظيفي، القمع، الهجرة، الإرهاق الاجتماعي، الاكتئاب، واليأس. هذه ليست سوى جزء صغير من الواقع المرير لحياة الناس في إيران اليوم.
المشكلة ليست فقط سائقي الشاحنات
إذا لم يكن هناك مشكلة في البلاد، فما سبب هذا الحجم من الإضرابات، وانعدام الثقة، واليأس؟
إذا كان الفضاء "مليئًا بالفرص"، فلماذا يُحرم الشعب من أدنى الفرص الاقتصادية والاجتماعية؟ إذا كان الشعب يحتج على شيء "غير مبرر"، فمن أين تأتي كل هذه الضغوط، والمعاناة، والغضب؟
يمكن لخامنئي ونظامه أن يغطوا على الأزمة مؤقتًا بالإنكار، لكنهم لا يستطيعون القضاء عليها.
إسكات صوت سائقي الشاحنات لن يوقف عجلة انعدام ثقة الشعب بالنظام. لقد طلق الشعب الجمهورية الإسلامية ثلاثًا!