الحرب بين إيران وإسرائيل تكشف هشاشة دور الصين في "الشرق الأوسط"

كشفت المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران عن الفجوة بين الطموحات المعلنة للصين وقدرتها الفعلية على التأثير في تطورات الشرق الأوسط.

فرغم أن بكين تُعد أكبر مشترٍ للنفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وتصف علاقاتها مع طهران بأنها "شراكة استراتيجية شاملة"، فإنها اكتفت حتى الآن ببيانات إدانة للهجمات الإسرائيلية على إيران، دون اتخاذ خطوات ملموسة.

ووفقًا لتقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فقد حمّلت بكين المسؤولية لإسرائيل، متجاهلة في الوقت ذاته انتهاكات إيران لالتزاماتها في مجال عدم الانتشار النووي، والتهديدات المتكررة التي توجهها طهران ضد وجود تل أبيب.

أصابع الاتهام نحو إسرائيل

دعّمت الصين، خلال السنوات الأخيرة، البرنامج الصاروخي الإيراني وقدمت الدعم العسكري والمعلوماتي لجماعة الحوثي في اليمن، أحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، لكنها في تصريحاتها العلنية حمّلت إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الحالي.

فقد وصف سفير الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، الهجمات الإسرائيلية الأولى بأنها "انتهاك لسيادة إيران وأمنها وسلامة أراضيها".

وفي السياق ذاته، كتبت صحيفة "تشاينا ديلي"، المقربة من الحزب الشيوعي الخاكم في الصين، أن جذور النزاع الحالي تعود إلى رفض إسرائيل "كبح جماح آلة الحرب لديها" بعد هجوم حركة "حماس" في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وطالبت بكين مرارًا، الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل لاحتواء التوتر في المنطقة، مما يعكس عجز الصين عن لعب دور مباشر في النزاع بين إيران وإسرائيل.

وبعد مرور ثلاثة أيام على بدء الهجمات، دعت وزارة الخارجية الصينية الدول التي "لها نفوذ خاص على إسرائيل" إلى اتخاذ خطوات للتهدئة.

وصف البرنامج النووي الإيراني بـ "السلمي"

منذ اندلاع الأزمة، وصفت الصين البرنامج النووي الإيراني بأنه "سلمي"، رغم أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى انتهاكات عديدة من قِبل طهران لالتزاماتها الدولية في مجال منع انتشار الأسلحة النووية.

وأكد فو كونغ رفض بلاده أي عمل عسكري يستهدف "منشآت نووية سلمية"، مشددًا على ضرورة احترام حقوق إيران بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).

أما مندوب الصين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لي سونغ، فقد جدد دعم بلاده لمنطقة "خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط".

وفي المقابل، أكدت الوكالة الدولية أن إيران تمتلك حاليًا كمية من اليورانيوم المخصب تكفي لصنع نحو تسع قنابل نووية، مع الإشارة إلى ضعف التعاون من جانب طهران.

الحديث عن الوساطة دون خطوات عملية

تسعى الصين إلى نزع الشرعية عن الهجمات الإسرائيلية، من خلال وصفها البرنامج النووي الإيراني بأنه سلمي.

وأدانت منظمة شنغهاي للتعاون، المدعومة من الصين، الهجوم الإسرائيلي على "أهداف مدنية" في إيران، واعتبرته "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي".

وبهذا الموقف، سعت الصين إلى إظهار إدانتها لإسرائيل على أنها جزء من إجماع دولي أوسع.

كما حمّل المسؤولون الصينيون الهيكل الأمني الأميركي مسؤولية تفاقم الأزمة، واعتبروا أن الحل الوحيد يكمن في الدبلوماسية، التي تقودها بكين.

ومع ذلك، فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ اكتفى بتصريح عام دعا فيه إلى التهدئة من قِبل جميع الأطراف، دون تقديم أي مبادرة ملموسة لحل الأزمة، مما يعكس الهوة الكبيرة بين طموحات الصين السياسية وقدرتها الفعلية على الأرض.

الامتناع عن استخدام النفوذ الاقتصادي ضد طهران

تستورد الصين نحو 90 قي المائة من صادرات النفط الإيرانية، ما يعني أنها تموّل قرابة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، وهو ما يمنحها ورقة ضغط مهمة.

ورغم ذلك، امتنعت بكين عن استخدام هذا النفوذ، سواء عبر خفض واردات النفط أو تعليق المشاريع المشتركة، تجنبًا لتحمل أي تكلفة اقتصادية مباشرة.

ونتيجة لذلك، يبقى نفوذ الصين العملي محدوداً للغاية؛ فلم تستجب لا إسرائيل ولا إيران لدعوات الصين للعب دور فعال في التوصل إلى وقف إطلاق النار.

ويُظهر هذا الوضع أن بكين، في لحظات الأزمات، تفتقر إلى أدوات فعالة للتأثير في مجريات الصراع.