كم عدد الهجمات التي شنتها إسرائيل على إيران.. وما الأهداف التي أصابتها؟
بلغت عقود من التوتر الخفي بين إسرائيل وإيران ذروتها خلال حرب استمرت 12 يوماً، وهي حرب قد تغيّر وجه الشرق الأوسط جذرياً. فما عدد الهجمات التي نفذتها إسرائيل خلالها، وما الأضرار التي لحقت بإيران؟
مكاسب كبيرة
في أقل من أسبوعين، حققت إسرائيل مكاسب عملياتية كبيرة، من بينها: * اغتيال العشرات من كبار المسؤولين الإيرانيين * استهداف ثمانية منشآت نووية * إلحاق أضرار جسيمة بمنظومة الصواريخ الإيرانية وبحسب تقرير لقناة 12 الإسرائيلية، فقد استعرض التقرير العمليات الإسرائيلية داخل إيران وتفاصيلها:
ضرب منظومة الصواريخ
خلال هذه الأيام الـ12، شنت إسرائيل 1,480 هجمة على أهداف عسكرية داخل إيران، كما حلّقت طائراتها 1,500 مرة في الأجواء الإيرانية.
وأسقطت القوات الإسرائيلية ما يقرب من 3,500 شحنة من الذخائر والقنابل على الأراضي الإيرانية، وتركزت غالبية الضربات في العاصمة طهران، إلى جانب أهداف في غرب إيران، وبعضها في الشرق مثل مطار مشهد. كما نفذت إسرائيل 600 عملية تزويد بالوقود جويًا خلال هذه الفترة.
من أبرز أهداف إسرائيل، بحسب تصريحات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، تدمير منظومة الصواريخ الإيرانية، والتي وصفها بأنها "تهديد وجودي لإسرائيل".
ووفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، فقد تم تدمير نحو 260 منصة إطلاق صواريخ، أي ما يعادل أكثر من نصف عدد المنصات التي كانت بحوزة إيران.
كما شنت إسرائيل هجمات على 80 نظاماً للدفاع الجوي الإيراني.
الضربات على البرنامج النووي الإيراني
كان الهدف المحوري للحرب، شلّ برنامج إيران النووي، ومنعها من الاقتراب من القنبلة النووية.
وفقًا لمركز بيانات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فقد تم في الموجات الأولى من الهجمات استهداف المنشآت النووية الرئيسية في نطنز وأصفهان، بالإضافة إلى منشآت في أراك، بارجين، طهران، كرج وبناب.
ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الضربة الأميركية كانت الضربة القاضية لبرنامج إيران النووي.
في تلك الضربة، ألقت قاذفات "بي-2" الأميركية 12 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز "MOP" على منشآت "فردو" النووية، وقنبلتين مماثلتين على منشآت "نطنز".
وتُعتبر "فردو" و"نطنز" من أهم مراكز تخصيب اليورانيوم في إيران.
بحسب مصادر إسرائيلية، تعرضت منشآت فردو لأضرار جسيمة، فيما تم تدمير منشأة نطنز بالكامل.
كما أطلقت الولايات المتحدة عشرات من صواريخ كروز "توماهوك" على منشآت أصفهان النووية.
وصرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائلاً: "تم تدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل".
اغتيال شخصيات رئيسية في النظام الأمني
إلى جانب استهداف البرنامج النووي والصاروخي، شنت إسرائيل في اليوم الأول من الحرب (23 يونيو/حزيران)، ضربات أودت بحياة عدد كبير من كبار قادة الأمن والعلماء النوويين في إيران. من بين القتلى: * حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري * محمد باقري، رئيس هيئة الأركان * غلام علي رشيد، قائد مقر "خاتم الأنبياء" * أمير علي حاجي زاده، قائد قوات الجو-فضاء بالحرس الثوري وأفادت "دیده بان ایران" في 26 يونيو (حزيران) أن 30 قائداً رفيع المستوى في الحرس الثوري قُتلوا خلال الحرب، ومنهم: 1. مهدي رباني – نائب عمليات هيئة الأركان 2. میثم رضوان بور – نائب الشؤون الاجتماعية للبسيج 3. مجتبی معين بور – مساعد قائد في إقليم البرز 4. علي محمد مدد اللهی – مستشار في قوات الجو-فضاء 5. عباس نوري – نائب دعم القوات البرية 6. غلام رضا محرابي – معاون استخبارات الأركان 7. أمير مظفري نیا – قائد مركز الأسلحة الخاصة بوزارة الدفاع 8. محمد کاظمي – قائد استخبارات الحرس 9. محسن باقري – نائب استخبارات الحرس 10. محمد جعفر أسدي – نائب التفتيش في "خاتم الأنبياء" 11. محمد رضا نصیر باغبان – ممثل الاستخبارات 12. داوود شیخیان – قائد دفاع جوي 13. محمد باقر طاهر بور – قائد وحدة الطائرات المسيرة 14. مسعود شنعي – مدير مكتب القائد العام السابق 15. خسرو حسني – معاون استخبارات الجو-فضاء 16. منصور صفر بور – قائد قوات الجو-فضاء في طهران 17. أمیر بور جودکی – نائب قائد وحدة الطائرات المسيرة 18. مسعود طیب – أحد قادة الجو-فضاء 19. جواد جرسرا – أحد قادة الجو-فضاء 20. حسن محقق – نائب ثانٍ لاستخبارات الحرس 21. محمد سعيد ایزدي – قائد لواء فلسطين 22. محمد تقي يوسف وند – قائد حماية البسيج 23. مجتبی کرمی – نائب قائد الحرس في البرز 24. أکبر عنایتی – معاون اجتماعي في البرز 25. علي رضا لطفی – نائب رئيس استخبارات فراجا 26. بهنام شهریاری – قائد وحدة نقل السلاح بقوة القدس كما قُتل أكثر من 10 من العلماء النوويين الكبار مثل فريدون عباسي ومحمد مهدي طهرانجي في الضربة الأولى.
لكن رغم هذا، لم تُصب القيادة السياسية العليا للنظام، إذ نقلت "القناة 12" أن إسرائيل كانت قادرة على استهداف علي خامنئي، إلا أن الرئيس ترامب عارض ذلك بشدة.
الهجمات الإيرانية على إسرائيل
رغم الإنجازات الإسرائيلية، دفعت إسرائيل ثمناً باهظاً، بحسب تقرير "القناة 12": • 28 إسرائيلياً قُتلوا جراء القصف الإيراني، إضافة إلى امرأة توفيت بنوبة قلبية خلال إنذار جوي.
• 17 جريحاً بحالة خطرة، و29 إصابة متوسطة، و872 إصابة خفيفة. • القتلى سقطوا في مدن منها: طمرة، ريشون لتسيون، رمات غان، بات يام، بتاح تكفا، بني براك، حيفا، كريات موتسكين، كريات آتا، بئر السبع.
أطلقت إيران 591 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، معظمها في الأيام الثلاثة الأولى، وفق بيانات معهد الأمن القومي الإسرائيلي. وقد تم إطلاقها ضمن 38 موجة، و67 صاروخاً فقط وصل إلى الأراضي الإسرائيلية.
منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية أسقطت حوالي 90% من هذه الصواريخ.
وأُطلقت أيضاً أكثر من 1,050 طائرة مسيرة نحو شمال إسرائيل، تم إسقاط 99% منها.
25 منزلاً على الأقل باتت مهددة بالانهيار الكامل، وسُجل نحو 4,000 ملف تعويض للسيارات و4,000 أخرى للممتلكات.
بعد الغارات الجوية الأميركية على منشآت "فوردو" و"نطنز" وأصفهان النووية، يعبّر خبراء عن قلقهم من احتمال نقل إيران موادها النووية إلى مجمع "كوه كلنغ غزاله" شديد السرية، الذي يُقال إنه يقع على عمق يتجاوز مدى اختراق القنابل الأميركية.
وعندما سُئل رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عن الأنشطة الجوفية في "كوه كلنغ غزاله"، تلقى ردًا قصيرًا وحادًا من الجانب الإيراني: "هذا الأمر لا يعنيكم".
ومع وجود منشأة غير قابلة للاختراق مثل "كوه كلنغ غزاله"، يُطرح التساؤل: هل يمكن بالفعل الاعتماد على تصريح دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، بأن البرنامج النووي الإيراني قد تم "تدميره بالكامل" عقب الضربات التي شنتها القاذفات من طراز "B-2" بقنابل زنة 14 طناً على "فوردو" و"نطنز"؟ أم أن خطر حصول إيران على سلاح نووي لا يزال قائماً بقوة؟
نقل سري للمواد النووية
قبل الضربات الجوية الأميركية على منشأة "فوردو"، تم رصد 16 شاحنة خارج المنشأة النووية.
وقالت سيما شاين، الخبيرة في البرنامج النووي الإيراني والتي عملت لثلاثة عقود في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لصحيفة "تلجراف"، إن النظام الإيراني نقل جزءاً كبيراً من اليورانيوم المخصب قبل قصف الولايات المتحدة إلى موقع سري.
وأضافت أن لدى إيران مواقع سرية تحتوي على "مئات وربما آلاف" من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة القادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسليحية.
وبحسب "تلجراف"، قد يكون "كوه كلنغ غزاله" هو أفضل ملاذ لهذه الأنشطة.
ويقع هذا المجمع الضخم على بُعد 145 كيلومترًا جنوب "فوردو" وعلى مسافة قصيرة من منشأة "نطنز" النووية في محافظة أصفهان.
عمق لا يمكن اختراقه
المنشأة المعنية، والتي لا تزال قيد الإنشاء، تم تعزيزها وتوسعتها سراً خلال السنوات الأربع الماضية.
وفي أبريل (نيسان)، صرّح غروسي بأنه "لا يمكن استبعاد" استخدام هذه الأنفاق لتخزين مواد نووية غير معلنة.
وتتميز قمة "كوه كلنغ غزاله" بارتفاع يبلغ 1608 أمتار، أي أعلى بنسبة تفوق 50 في المائة من قمة جبل فوردو (960 متراً). هذا الارتفاع يوفر حماية أفضل ومساحة أكبر للأنشطة النووية تحت الأرض.
في حين أن منشأة "فوردو" تحتوي على مدخلي نفق، فإن "كوه كلنغ غزاله" يتضمن أربعة مداخل، اثنان في الجهة الشرقية للجبل واثنان في الجهة الغربية.
الأهم من ذلك أن الغرف تحت الأرض في هذا المجمع تقع على عمق يزيد على 100 متر تحت سطح الأرض، مقارنة بعمق يتراوح بين 60 إلى 90 متراً في فوردو، ما يمنحه حماية أكبر بكثير.
محدودية القنابل الأميركية
لضرب مواقع تحت الأرض مثل "فوردو"، تستخدم الولايات المتحدة القنبلة GBU-57 التي تخترق حتى 60 متراً. ومع أن القنابل الضخمة زنة 14 طناً استُخدمت ضد "فوردو"، إلا أن بلوغ الأهداف المدفونة في عمق "كوه كلنغ غزاله" سيكون تحدياً كبيراً.
وقال راؤول مارك جرِخت، الباحث البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، لصحيفة "تلجراف": "المجمع الجوفي في "كوه كلنغ غزاله" هو على الأرجح موقع الأسلحة النووية الخاص بنظام رجال الدين، والذي قد لا تتمكن حتى القوة الجوية الأميركية من تدميره، حتى باستخدام أكبر قنابلها".
استراتيجية التوزيع والتشتت
تشير تقييمات استخباراتية إلى أن إيران اعتمدت استراتيجية التشتت، حيث وزعت قدراتها النووية بين عدة مواقع لتأمين استمرار البرنامج في حال وقوع هجوم.
وقد قامت طهران خلال السنوات الأخيرة بتثبيت نحو ستة آلاف جهاز طرد مركزي متطور في منشآت متعددة، كثير منها خارج نطاق وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وترى "مؤسسة العلوم والأمن الدولي" أن إيران قد تخبئ آلاف أجهزة الطرد المركزي المتقدمة داخل المجمع النَفَقي الجديد في "كوه كلنغ غزاله"، مما يتيح لها مواصلة التخصيب سراً حتى في حال تدمير المنشآت المعروفة.
احتمال التوجه نحو إنتاج قنبلة نووية
يحذّر محللون من أنه إذا واجهت إيران تهديداً وجودياً مباشراً، فقد تتخلى عن التزاماتها المعلنة بالاستخدام السلمي للطاقة النووية وتتجه بسرعة نحو إنتاج سلاح نووي.
ووفقًا لتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى السابع من مايو (أيار) 2025، كانت إيران قد راكمت 408.6 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، وهو ما يمثل زيادة بمقدار 133.8 كغم عن تقرير شهر مارس (آذار).
وكان بعض النواب المتشددين في البرلمان الإيراني قد دعوا مسبقًا إلى صنع قنبلة نووية.
وقال النائب أحمد نادري: "أنا أعتقد أنه علينا إجراء اختبار لقنبلة نووية. لا يوجد خيار آخر أمامنا".
كشفت المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران عن الفجوة بين الطموحات المعلنة للصين وقدرتها الفعلية على التأثير في تطورات الشرق الأوسط.
فرغم أن بكين تُعد أكبر مشترٍ للنفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وتصف علاقاتها مع طهران بأنها "شراكة استراتيجية شاملة"، فإنها اكتفت حتى الآن ببيانات إدانة للهجمات الإسرائيلية على إيران، دون اتخاذ خطوات ملموسة.
ووفقًا لتقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، فقد حمّلت بكين المسؤولية لإسرائيل، متجاهلة في الوقت ذاته انتهاكات إيران لالتزاماتها في مجال عدم الانتشار النووي، والتهديدات المتكررة التي توجهها طهران ضد وجود تل أبيب.
أصابع الاتهام نحو إسرائيل
دعّمت الصين، خلال السنوات الأخيرة، البرنامج الصاروخي الإيراني وقدمت الدعم العسكري والمعلوماتي لجماعة الحوثي في اليمن، أحد أبرز وكلاء إيران في المنطقة، لكنها في تصريحاتها العلنية حمّلت إسرائيل وحدها مسؤولية التصعيد الحالي.
فقد وصف سفير الصين لدى الأمم المتحدة، فو كونغ، الهجمات الإسرائيلية الأولى بأنها "انتهاك لسيادة إيران وأمنها وسلامة أراضيها".
وفي السياق ذاته، كتبت صحيفة "تشاينا ديلي"، المقربة من الحزب الشيوعي الخاكم في الصين، أن جذور النزاع الحالي تعود إلى رفض إسرائيل "كبح جماح آلة الحرب لديها" بعد هجوم حركة "حماس" في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وطالبت بكين مرارًا، الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل لاحتواء التوتر في المنطقة، مما يعكس عجز الصين عن لعب دور مباشر في النزاع بين إيران وإسرائيل.
وبعد مرور ثلاثة أيام على بدء الهجمات، دعت وزارة الخارجية الصينية الدول التي "لها نفوذ خاص على إسرائيل" إلى اتخاذ خطوات للتهدئة.
وصف البرنامج النووي الإيراني بـ "السلمي"
منذ اندلاع الأزمة، وصفت الصين البرنامج النووي الإيراني بأنه "سلمي"، رغم أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى انتهاكات عديدة من قِبل طهران لالتزاماتها الدولية في مجال منع انتشار الأسلحة النووية.
وأكد فو كونغ رفض بلاده أي عمل عسكري يستهدف "منشآت نووية سلمية"، مشددًا على ضرورة احترام حقوق إيران بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT).
أما مندوب الصين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لي سونغ، فقد جدد دعم بلاده لمنطقة "خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط".
وفي المقابل، أكدت الوكالة الدولية أن إيران تمتلك حاليًا كمية من اليورانيوم المخصب تكفي لصنع نحو تسع قنابل نووية، مع الإشارة إلى ضعف التعاون من جانب طهران.
الحديث عن الوساطة دون خطوات عملية
تسعى الصين إلى نزع الشرعية عن الهجمات الإسرائيلية، من خلال وصفها البرنامج النووي الإيراني بأنه سلمي.
وأدانت منظمة شنغهاي للتعاون، المدعومة من الصين، الهجوم الإسرائيلي على "أهداف مدنية" في إيران، واعتبرته "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي".
وبهذا الموقف، سعت الصين إلى إظهار إدانتها لإسرائيل على أنها جزء من إجماع دولي أوسع.
كما حمّل المسؤولون الصينيون الهيكل الأمني الأميركي مسؤولية تفاقم الأزمة، واعتبروا أن الحل الوحيد يكمن في الدبلوماسية، التي تقودها بكين.
ومع ذلك، فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ اكتفى بتصريح عام دعا فيه إلى التهدئة من قِبل جميع الأطراف، دون تقديم أي مبادرة ملموسة لحل الأزمة، مما يعكس الهوة الكبيرة بين طموحات الصين السياسية وقدرتها الفعلية على الأرض.
الامتناع عن استخدام النفوذ الاقتصادي ضد طهران
تستورد الصين نحو 90 قي المائة من صادرات النفط الإيرانية، ما يعني أنها تموّل قرابة 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الإيراني، وهو ما يمنحها ورقة ضغط مهمة.
ورغم ذلك، امتنعت بكين عن استخدام هذا النفوذ، سواء عبر خفض واردات النفط أو تعليق المشاريع المشتركة، تجنبًا لتحمل أي تكلفة اقتصادية مباشرة.
ونتيجة لذلك، يبقى نفوذ الصين العملي محدوداً للغاية؛ فلم تستجب لا إسرائيل ولا إيران لدعوات الصين للعب دور فعال في التوصل إلى وقف إطلاق النار.
ويُظهر هذا الوضع أن بكين، في لحظات الأزمات، تفتقر إلى أدوات فعالة للتأثير في مجريات الصراع.
مع اتساع نطاق انقطاع الإنترنت في إيران، حذّر عدد من نشطاء التواصل الاجتماعي من أن قمع النظام لا يقتصر على حجب المعلومات فحسب، بل يعوق أيضًا تلقي التحذيرات الأمنية من الجيش الإسرائيلي بشأن إخلاء المناطق المستهدفة، ما يُعرّض حياة المدنيين للخطر الشديد.
وكتب أحد المستخدمين على منصة "إكس": "يعني الآن قطعتم الإنترنت، هل هذا منع إسرائيل من القصف؟ أو هل تمكنتم من إسقاط طائراتها الدفاعية؟ فقط قوتكم على شعبكم، حتى بنك فشلتم في إدارته".. في إشارة إلى الهجوم السيبراني الأخير من قِبل مجموعة "العصفور المفترس"، الذي أدى إلى تعطيل بنك "سبه"، إضافة إلى مشاكل في عمل بنوك أخرى.
وذكر مستخدم آخر: "قطعتم الإنترنت حتى لا يرى الناس أخبار الإخلاء التي ينشرها الجيش الإسرائيلي. أغلقتم الإنترنت على شعبكم حتى يكونوا لحمًا للمَدافع من أجل خامنئي".
وأضافت مستخدمة تُدعى "ماريا": "قطعتم الإنترنت حتى لا يعرف الناس متى وأين يُخلى المكان، وليرتفع عدد القتلى.. من يملك الطائرات المُسيّرة متصل بالإنترنت الفضائي، ولا يحتاج شبكتكم أصلاً".
وغرّد مستخدم يُسمى "بنجامين" قائلاً: "أليس من المثير أن خامنئي يقطع الإنترنت كلما اقترب من السقوط؟ ما الذي يخيف (الحكومة الشعبية) من شعبها؟".
وفي المقابل، دافعت صحيفة "همشهري"، التابعة لبلدية طهران، عن قطع الإنترنت، وذكرت أن هذا الإجراء أدى إلى تقليل رؤية "قنوات مناهضة للثورة"، وتقييد إرسال الصور إلى الخارج، و"تعطيل أنشطة الأعداء".
انتقادات لـ "امتياز الإنترنت" ووجود "الجيش السيبراني" التابع للنظام أعرب عدد من المستخدمين عن استيائهم من "امتيازات الإنترنت" في إيران، مشيرين إلى أن الشخصيات المرتبطة بالنظام وأعضاء "الجيش السيبراني" ما زالوا يتمتعون بوصول غير منقطع إلى الإنترنت، وزادت أنشطتهم بشكل ملحوظ.
وكتبت مستخدمة تُدعى "مريم" على "إكس": "حجم الرسائل الداعمة للنظام زاد بعد قطع الإنترنت، وهذا يُظهر أن النظام لا يهدف من القيود إلا إلى إسكات المعارضين والمنتقدين".
وقال مستخدم آخر يُدعى "سهيل": "الناس ليس لديهم إنترنت، لا بد من قطع الإنترنت عن السيبرانيين أيضًا؛ حتى لا يزعجونا أكثر".
وتساءل آخر يُدعى "مسعود": "كيف يمكن لشخصيات، مثل محمد جواد ظريف (مستشار الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية السابق ووزير الخارجية الأسبق)، ومحمد جواد آذري جهرمي (وزير الاتصالات السابق)، ورضا رشيد بور (منتج فني إيراني)، أن يواصلوا نشاطهم على "إكس" في ظل قطع الإنترنت العام".
وكان ظريف قد صرّح، يوم الأربعاء 18 يونيو (حزيران)، بأن حسابه على "إكس" تم تقييده، وكتب مخاطبًا مالك المنصة، إيلون ماسك: "لماذا حُذفت العلامة الزرقاء من حسابي وتم تقييده؟ تحديدًا في وقت يحتاج فيه العالم لمعرفة الحقيقة أكثر من أي وقت مضى؟".
وقد أثار نشر هذا التصريح بالتزامن مع انقطاع شامل للإنترنت في البلاد موجة من الانتقادات من قِبل المستخدمين؛ حيث كتب أحدهم: "من قطع الإنترنت عن 90 مليون إيراني للمرة الثانية، يبكي الآن؛ لأنه فقد العلامة الزرقاء!".
أثار الانهيار السريع لأنظمة الدفاع الجوي الروسية في إيران قلقًا بالغًا في الكرملين، إذ اعتُبر ذلك مشكلة خطيرة للرئيس فلاديمير بوتين، كما أظهر ضعف أنظمة الدفاع الإيرانية، التي تعتمد بشكل كبير على المعدات الروسية.
ومنذ بدء الهجمات الإسرائيلية على مواقع في إيران، تنفذ القوات الجوية الإسرائيلية عمليات واسعة يوميًا ضد أهداف استراتيجية في أنحاء البلاد.
ووفقًا لصحيفة " تلغراف" البريطانية، فإن هذه الهجمات لا تثير قلق قادة طهران فقط، بل تمثل مصدر قلق بالغ لموسكو أيضًا، التي ترى في انهيار الدفاعات الجوية لحليفها الاستراتيجي فشلًا لمعداتها التي زودت إيران بها.
هجوم إسرائيلي شامل شمل مفاعل أراك
شملت الضربات الأولية الإسرائيلية مزيجًا من عمليات برية وهجمات صاروخية بعيدة المدى، بالإضافة إلى مشاركة نحو 200 طائرة حربية من طرازات F-35 وF-16 وF-15 أميركية الصنع، واستهدفت بنجاح منصات إطلاق الصواريخ أرض-جو، وقواعد عسكرية، ومصانع ذخيرة، ومنشآت نووية، بما في ذلك منشأة المياه الثقيلة في أراك (والتي زعمت طهران لاحقًا أنها كانت قد أخليت).
وقد بلغ مدى العمليات الجوية نحو 3200 كيلومتر ذهابًا وإيابًا، تخللها تزويد جوي بالوقود فوق الأراضي السورية.
سيطرة جوية كاملة لإسرائيل
قال فرانسيس توسا، المحلل الدفاعي المستقل، لـ" تلغراف": "لم تُسقط أي طائرة إسرائيلية حتى الآن، وتُظهر أنظمة الدفاع الروسية فشلًا تامًا في التصدي للقوة الجوية الإسرائيلية.
إسرائيل تمتلك تفوقًا جويًا كاملًا، ولا يمكن لإيران أن تمنع ما تنفذه إسرائيل جوًا".
وأضاف: "آخر مرة شوهد فيها مثل هذا التفوق الجوي الكامل كانت خلال حرب الأيام الستة عام 1967، وقبلها في عام 1944 عندما سيطرت قوات الحلفاء على سماء ألمانيا".
وتابع: "نحن نتحدث عن نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل انهار في غضون 72 ساعة. الآن، تحلق طائرات إسرائيلية دون طيار في وضح النهار فوق سماء طهران بلا عوائق".
كشف مواطن الضعف الروسية
يرى محللون عسكريون أن هذه الحرب تؤكد مرة أخرى أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية ليست بالقوة التي طالما رُوّج لها. وقد ظهرت بوادر هذا الضعف في أوكرانيا، حيث تمكنت كييف من إطلاق صواريخ بريطانية من نوع Storm Shadow مئات الكيلومترات داخل الأراضي الروسية، مستهدفة مواقع حساسة.
وتطرح هذه النجاحات تساؤلات جدية حول فعالية منظومات الدفاع الجوي الروسية.
أما الدفاع الجوي الإيراني فكان يعتمد على مزيج من المعدات المحلية والمستوردة، منها رادارات متنوعة، وطائرات مقاتلة محلية، ومنصات صواريخ أرض-جو.
كما تستخدم إيران مقاتلات F-14 Tomcat الأميركية التي اشترتها قبل الثورة عام 1979.
من بين الأسلحة الإيرانية المحلية منصات صواريخ متنقلة من طراز "باور-373" و"15 خرداد". أما روسيا فقد زودت طهران بمنظومة "إس-300" بعيدة المدى، ورادارات "Resonance-NE" القادرة نظريًا على كشف الطائرات الشبحية والصواريخ الباليستية من مسافات بعيدة.
لكن رغم ذلك، فشلت هذه المعدات بالكامل في مواجهة الهجمات المنسقة الإسرائيلية.
تأثير محتمل على سوق السلاح الروسية
قال جيمس بلاك، من مركز أبحاث أوروبي، لـ" تلغراف": "أظهرت الضربات الإسرائيلية الأخيرة مدى محدودية أنظمة الدفاع الإيرانية عند مواجهة طائرات مقاتلة غربية متقدمة، مثل طائرات F-35.
وأشار إلى أن دولًا أوروبية تخطط لنشر أكثر من 400 طائرة F-35 في قواعد جوية في القارة بحلول عام 2030.
أما جاستن كرَامب، القائد السابق في الجيش البريطاني وخبير الحروب الجوية، فقال إن العديد من دول الناتو كانت تعتقد لسنوات أن أنظمة الدفاع الروسية قوية بما يكفي لإبعاد قواتها عن الأجواء الروسية لأسابيع أو شهور.
لكنه أضاف: "هذا التصور يتغير الآن. فشل أنظمة الدفاع الروسية في إيران يثير شكوكًا جدية حول صدقية مزاعم موسكو".
وأوضح أن الأمر لا يقتصر على الأهمية العسكرية، بل قد يؤثر أيضًا سلبًا على مبيعات الأسلحة الروسية عالميًا، وقد تستفيد الصين من ذلك.
وقال كرَامب: "إذا رأت الدول نتائج هذه المعركة، واستنتجت أن المعدات الروسية لا تعمل كما يُروّج لها، فإن الكثير منها سيتجه لشراء البدائل الصينية".
كانت روسيا على مدى سنوات تبيع أسلحتها لدول مثل الصين والهند وباكستان وفيتنام وإيران، لكن هذه السوق باتت الآن في خطر.
أجرى باحثون من جامعة طهران دراسة تناولوا فيها آثار المنهج الدراسي المزدحم في المرحلة الابتدائية، وقدموا حلولًا لتقليل الضغط التعليمي عن الطلاب والمعلمين في إيران.
وقد نُشرت هذه الدراسة مؤخرًا في مجلة "العلوم التربوية" التابعة لجامعة شهيد جمران في الأهواز، وقد عرّفت المنهج الدراسي المزدحم في المدارس الابتدائية الإيرانية كأحد التحديات الجوهرية التي يواجهها النظام التعليمي في إيران.
شارك في هذه الدراسة كلٌّ من محمد جوادي بور، فرزانه عسكری، رضوان حكيم زاده وكيفان صالحي، وهم باحثون في جامعة طهران.
وقد اعتمد الباحثون على المنهج النوعي، وأجروا مقابلات مع 69 من المختصين في العلوم التربوية، والمعلمين، والطلاب، وأولياء الأمور، لدراسة العوامل الكامنة والنتائج المترتبة على ازدحام المنهج الدراسي في المرحلة الابتدائية.
العوامل الرئيسة لازدحام المنهج الدراسي
أظهرت نتائج هذه الدراسة أن الهيكلية المجزأة والنهج الهندسي في اتخاذ القرارات التعليمية، والثقافة العامة في المجتمع، والتسرع في تنفيذ الإصلاحات، والضعف في المتابعة، وسوء التنفيذ، وانعدام الثقة بقدرات المعلمين، كلها تُعد من الأسباب الأساسية في تكوّن منهج دراسي مزدحم.
وبحسب أحد المتخصصين المشاركين في الدراسة، فإن التدخل المباشر وفرض النفوذ من قبل بعض المجموعات من خارج هيكل وزارة التعليم قد أدى إلى توليد كمٍّ هائل من المحتوى التعليمي. وهذا يتجلى بوضوح في دروس مثل "هدايا السماء"، والقرآن، واللغة الفارسية.
كما أشار الباحثون إلى وجود أداء مجزأ وانعدام التنسيق بين مختلف أقسام وزارة التربية والتعليم.
من ناحية أخرى، اعتُبرت التغييرات التي أُدخلت قبل عقد من الزمن على الكتب الدراسية متسرعة وخالية من الدعم البحثي المتين.
ويرى الباحثون أن هناك نوعًا من انعدام الثقة المتبادل بين المسؤولين والمعلمين، مما دفع المسؤولين إلى الشعور بالعجز أمام هذه المشكلة، فلجؤوا إلى إنكارها.
الضغط على المعلمين والطلاب
تُبيّن نتائج الدراسة أن المنهج الدراسي المزدحم أدى إلى تعليم متسرع ومرتجل، وتعلم سطحي ومؤقت، وإهمال تنمية المواهب والإبداع، وفقدان الدافعية تجاه الدراسة والمدرسة، واستنزاف المعلمين نفسيًا ومهنيًا.
وقال أحد المعلمين المشاركين في الدراسة: "كثافة الدروس جعلتني أفكر فقط في إنهائها، ولم أعد أتمكن من الاهتمام بالطلاب الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة".
ووجد الباحثون أن بعض الأسر الإيرانية، بتوقعاتها "القصوى" من المدارس، تطالب بأن تُدرّس فيها "جميع المهارات التي يحتاجها الطلاب من أجل الاستعداد لحياة مثالية".
وقد أدّى هذا المنظور تجاه المدارس إلى محاولة صُنّاع السياسات التربوية تلبية جميع هذه التوقعات.
كما ساهمت هذه الثقافة العامة في المجتمع في إضافة كم كبير من المواد التعليمية إلى المنهج الدراسي في وقت زمني محدود.
وبحسب نتائج الدراسة، لا ينبغي حل المشكلات فقط عن طريق توسيع مهام المدرسة، بل يجب أن تتحمل الأسر والمؤسسات الاجتماعية الأخرى نصيبًا عادلًا من المسؤولية.
واقترح الباحثون في هذه الدراسة التحول من النهج الهندسي إلى النهج الثقافي، ومشاركة المعلمين في عملية إعداد المنهج الدراسي كأحد السبل الفعالة لتخفيف الضغط التعليمي على الطلاب والمعلمين في المرحلة الابتدائية.
كما أكدوا على ضرورة أن يكون المنهج ديناميكيًا ويُحدّث باستمرار، وعلى ضرورة تجريب المحتوى تجريبيًا قبل تعميمه على المستوى الوطني.
ومن بين المقترحات الأخرى التي وردت في الدراسة: إعادة النظر في كيفية توزيع الوقت بين مختلف المواد الدراسية، تقليل عدد الكتب المدرسية واستبدالها بحزم تعليمية، وحذف المحتويات الصعبة أو الغامضة من المنهج.
ويرى الباحثون أن تنفيذ هذه المقترحات يمكن أن يخفف إلى حد كبير من الضغوط التي يعاني منها النظام التعليمي في المرحلة الابتدائية.
ضرورة مشاركة المعلمين
وأحد أهم النقاط التي شددت عليها الدراسة هو دور المعلمين في تصميم المحتوى. ووفقًا لنتائج البحث، يشعر المعلمون أنهم لا دور لهم في تصميم المحتوى، وأن ملاحظاتهم لا تلقى اهتمامًا من قبل المسؤولين.
وقد ذكر أحد المعلمين المشاركين في الدراسة: "قبل بضع سنوات شاركنا في اجتماع كان من المفترض أن يجيب فيه مؤلف كتاب الرياضيات على أسئلتنا. لكن عندما طرحنا مشكلات الكتاب، انزعج كثيرًا وقال إن الكتاب لا مشكلة فيه، أنتم من لا يُجيد التدريس".
وقد شدّد الباحثون على أن إشراك المعلمين، باعتبارهم المهندسين الأساسيين للنظام التعليمي، في التعرف على مشكلات عملية التعليم والتعلم، يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق أهداف النظام التعليمي.
وأشار الباحثون إلى تجربة الولايات المتحدة الأميركية في تقليص فصول الرياضيات من 35 إلى 15 موضوعًا، وتجربة أستراليا في دمج مجالات التعلم، مؤكدين على أهمية الدراسات المقارنة والاستفادة من تجارب الدول الأخرى.