جامعة إيرانية: أكثر من 35 ألف وفاة في إيران مرتبطة بتلوث الهواء خلال العام الماضي

أعلن نائب رئيس مركز أبحاث جودة الهواء والتغير المناخي في جامعة العلوم الطبية "شهيد بهشتي" أن أكثر من 35 ألف وفاة مرتبطة بتلوث الهواء تم تسجيلها في إيران خلال عام 2024.

أعلن نائب رئيس مركز أبحاث جودة الهواء والتغير المناخي في جامعة العلوم الطبية "شهيد بهشتي" أن أكثر من 35 ألف وفاة مرتبطة بتلوث الهواء تم تسجيلها في إيران خلال عام 2024.
ونقلت وكالة "إيسنا"، يوم الأربعاء 13 أغسطس (آب) عن عباس شاهسوني أن الأرقام والإحصاءات تُظهر أن عدد الوفيات المنسوبة إلى تلوث الهواء في عام 2024 بلغ في المتوسط 35,540 شخصاً.
وفي عام 2023، تم الإبلاغ عن وفاة 30,690 شخصاً بسبب تلوث الهواء في إيران.
كان هذا العدد في عام 2022 يزيد على 26 ألف شخص.
وأشار شاهسوني إلى نتائج الدراسة الأخيرة التي أُجريت في إيران (عام 2024) حول فحص الآثار الصحية والخسائر الاقتصادية الناجمة عن تلوث الهواء في البلاد، قائلاً: "تم إجراء دراسة حول الآثار الصحية والاقتصادية الناتجة عن تلوث الهواء في العام الماضي، شملت 83 مدينة يزيد عدد سكانها عن 57 مليون نسمة".
ووفقاً لنتائج هذه الدراسة، كان أقل عدد من الوفيات المنسوبة إلى تلوث الهواء في هذه المدن الـ83 هو 23,766 شخصاً، بينما بلغ أعلى عدد 46 ألف شخص.
كما تُظهر نتائج الدراسة أن مدينة شاهرود كانت المدينة الأكثر نظافة في إيران خلال عام 2024.
وقال شاهسوني: "تُعد مدينة سنندج أيضاً من بين أنظف مدن البلاد، وبعبارة أخرى، يمكن القول إن مدينتي شاهرود وسنندج سجلتا أقل تركيز للجزيئات العالقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون في عام 2024".
أما مدن زابل وإيرانشهر وريغان فقد سجلت أعلى مستويات الجزيئات العالقة التي يقل حجمها عن 2.5 ميكرون في العام الماضي، وتُعتبر على التوالي أكثر المدن تلوثاً في إيران خلال عام 2024.
وكان شاهسوني قد أعلن سابقاً عن وفاة أكثر من سبعة آلاف شخص في طهران خلال العام الماضي بسبب تلوث الهواء.
وقال في 6 أغسطس (آب) لوكالة "إيلنا" إنه في عام 2024، وقعت في العاصمة طهران 7,342 وفاة منسوبة إلى "التعرض الطويل الأمد للجزيئات العالقة".
وتُظهر هذه الإحصائيات، التي جاءت نتيجة دراسة أُجريت في مركز أبحاث جودة الهواء والتغير المناخي بجامعة "شهيد بهشتي"، أن معدل الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء ارتفع بنسبة حوالي واحد بالمائة مقارنة بعام 2023.
ونشرت بعض وسائل الإعلام في إيران في 10 أغسطس إحصائيات مختلفة عن ضحايا تلوث الهواء في العاصمة، وكتبت أن "ستة آلاف شخص" من سكان طهران فقدوا حياتهم العام الماضي لهذا السبب.
يُشار إلى حرق المازوت في محطات توليد الطاقة، والبنزين منخفض الجودة، والسيارات القديمة كمصادر رئيسية لتوليد الملوثات الهوائية في طهران وإيران.

حذر المتحدث الرسمي لقطاع المياه في إيران من تصاعد أزمة المياه بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن 70 بالمائة من السهول الإيرانية تصنف "مناطق ممنوعة" أو "مناطق ممنوعة حرجة"، فيما يواجه أكثر من 300 سهل، بينها طهران، خطرًا حقيقيًا وجديًا لهبوط الأرض.
وفي مقابلة مع مجلة "بیام ما"، قال عيسى بزرك زادة: "أزمة المياه في إيران تجاوزت الدقيقة 110 في مباراة حياتنا".
وذكر أن الهبوط الأرضي هو نتيجة مباشرة للسحب المفرط للمياه الجوفية، وأن جزءًا كبيرًا من هذا السحب جاء بسبب "إدارة غير فعالة، وثغرات قانونية، وغياب التنسيق بين الجهات المسؤولة".
وشدد بزرك زادة على أن تقليل استخدام المياه في القطاع الزراعي هو الحل الأهم للسيطرة على الأزمة، وأن الترشيد الحقيقي لن يتحقق دون تقليل مساحة الأراضي المزروعة.
وكانت سمية رفيعي، رئيسة لجنة البيئة في البرلمان، قد حذرت في أبريل (نيسان) الماضي من أن السحب المفرط للمياه الجوفية تسبب في هبوط الأرض في 30 محافظة، كما تحولت 66 في المائة من الأراضي الرطبة في إيران إلى مصادر للغبار.
وأشار المتحدث باسم قطاع المياه إلى خطة التنمية السابعة، معتبراً إياها الفرصة الأخيرة لتصحيح إدارة الموارد المائية في إيران، محذرًا من أن تجاهل هذه الفرصة سيؤدي إلى فقدان الأمن المائي وتهديد جدي للنظام البيئي.
وفيما يخص دور بلدية طهران في هذه الأزمة، قال إن هناك حوالي 50 بئرًا صالحة للشرب تحت تصرف البلدية يجب ربطها بشبكة المياه الصالحة للشرب، بينما ينبغي إغلاق باقي الآبار لتحقيق التوازن في طبقة المياه الجوفية.
وأوضح أن السحب المفرط من هذه الآبار يُعتبر أحد أسباب الهبوط الأرضي في العاصمة.
كانت سوده نجفي، رئيسة لجنة الصحة في مجلس مدينة طهران، قد صرحت في مايو (أيار) أن "معدل الهبوط في طهران يُقدَّر سنويًا بـ24 إلى 25 سنتيمترًا".
وأكد بزرك زادة على ضرورة وقف حفر واستغلال آبار جديدة في طهران، وأن استخدام الموارد الحالية يجب أن يقتصر على الشرب أو حماية طبقة المياه الجوفية.
وأضاف: "عدد الآبار في طبقة المياه الجوفية بطهران يزيد عن الطاقة الاستيعابية، وهذا يفاقم من مشكلة الهبوط الأرضي".
وكان مهدي جمران، رئيس مجلس مدينة طهران، قد قال سابقًا: "هناك هبوط أرضي في إيران يؤثر على أنفاق المترو، ولهذا نحن قلقون".

غداة إسقاط النظام في طهران؛ الشوارع ترتجف من الفرح، أبواق السيارات لا تتوقف، الأعلام ترفرف في الهواء، والناس يعانق بعضهم بعضًا. البلاد تغرق في الاحتفال سبع ليالٍ وثمانية، أيام على الأقل.
لكن خلف هذه الحماسة، تقف حقيقة صعبة وقاسية: الثلاجة بلا كهرباء تبقى دافئة وفارغة؛ المستشفى بلا دواء وكهرباء لا يعمل بـ"الحماسة"؛ المخابز لا تحصل على الطحين بـ"الأمل"؛ والبلاد لا تُدار بالتصفيق وتوزيع الحلوى.
تُدار البلاد بالأرقام الدقيقة، وبالخبراء الأكفاء، وبالقانون والعدالة، وبالأمن المستقر، والأهم من ذلك بالحرية المضمونة لأغلبية الشعب.
هنا يظهر "كتيّب مرحلة الطوارئ"؛ وثيقة وُضعت للأيام الـ100 إلى الـ180 الأولى بعد سقوط النظام الإيراني.
هذا المشروع، الذي جاء بمبادرة من برنامج "ازدهار إيران" وبالتعاون مع مجموعة من النشطاء والخبراء، يهدف أساسًا إلى منع فراغ السلطة، وتوقف الخدمات الحيوية، أو خروج البلاد عن مسار إعادة الإعمار.
تُظهر التجارب التاريخية أن سقوط أي نظام بلا خطة واضحة يمكن أن يؤدي إلى الفوضى، والانهيار الاقتصادي، والحرب الأهلية، وعودة الديكتاتورية.
إيران، حتى قبل أي تغيير سياسي، تواجه أزمات خطيرة: نقص المياه والكهرباء، الاعتماد الدوائي على الواردات، نظام مصرفي غير مستقر، تضخم جامح، هروب رؤوس الأموال، وانقسامات اجتماعية وسياسية عميقة. انعدام التخطيط في مثل هذه الظروف يعني دعوة صريحة إلى الكارثة وعودة القوى القمعية بوجه جديد.
يؤكد "كتيّب مرحلة الطوارئ" على تشكيل حكومة مؤقتة بصلاحيات محدودة ومدة زمنية معلومة.
يجب على هذه الحكومة المؤقتة أن تضمن استمرار الخدمات الحيوية مثل المياه والكهرباء والصحة والاتصالات، وأن تدير توفير السلع الأساسية، وتسيطر على التضخم، وتمنع انهيار النظام المصرفي، وتحافظ على أمن الحدود، وتُهيّئ الظروف لإجراء انتخابات حرّة.
كما يشدد البرنامج على دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام الحرة في الرقابة والشفافية، لضمان التصدي للفساد وسوء الاستغلال منذ اليوم الأول.
يركّز منتقدو هذه الوثيقة على عدة محاور رئيسية:
-تركيز السلطة: يُقال إن الكتيّب يضع السلطة في يد مجموعة محدودة ويؤسس لبنية تضع "هيئة النهوض الوطني" و"الهيئة التنفيذية المؤقتة" تحت إشراف شخص واحد.
-الغموض القانوني: نموذج إلغاء الدستور الحالي والإبقاء المؤقت على القوانين لا يقدّم ضمانًا كافيًا للحقوق والحريات.
-تجاوز نطاق الطوارئ: تطرّقَت الوثيقة إلى مجالات يرى البعض أنه ينبغي تأجيلها إلى ما بعد استقرار الأوضاع.
-نقص التفاصيل التنفيذية: خاصة في مجالي السيطرة الأمنية والإدارة الاقتصادية خلال الأيام الحساسة الأولى، حيث لم تُقدَّم تفاصيل كافية.
هذه الانتقادات تطرح أسئلة أساسية أمام واضعي الوثيقة: ما الآليات المقررة لمنع تركّز السلطة؟
وفي نموذج إلغاء الدستور، كيف تُضمَن الحقوق والحريات؟ ما المجالات الدقيقة التي تُعتبر "طارئة" وما قائمتها التفصيلية؟ أين الخطة التنفيذية للأمن والاقتصاد، مصحوبة بجدول زمني ومسؤول محدد؟
نتائج النجاح أو الفشل في التنفيذ
الإجابة عن هذه الأسئلة مسألة حيوية للشعب. نجاح تنفيذ هذا البرنامج قد يضمن الحفاظ على الاستقرار، وتأمين الخبز والدواء، وأمن الشوارع، ومنع سيطرة المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون.
أما إذا لم تُحل هذه الالتباسات وبقيت الوثيقة حبرًا على ورق، فالسيناريو المقابل واضح: انقطاع المياه والكهرباء، وطوابير طويلة، وانعدام الأمن، وعودة السلطة إلى أيدي من لم يتغير منهم سوى الاسم. فالحرية من دون كفاءة وبنية تحتية، لا تدوم، بل يمكن أن تفسح الطريق سريعًا أمام استبداد جديد.

استعرض موقع "هرانا" الحقوقي في تقرير إحصائي سير تعامل الأجهزة الأمنية والقضائية الإيرانية مع مجتمع البهائيين خلال السنوات الخمس الماضية، وذكر أن الأدلة تشير إلى أن هذه التعاملات ضد البهائيين في إيران لم تكن مؤقتة أو عشوائية، بل كانت "سياسة منظمة ومستمرة".
ووفقاً لتقرير "هرانا" الذي نُشر يوم الاثنين 11 أغسطس (آب) واستند إلى جمع وتحليل وتوثيق 636 تقريراً، فقد تم خلال الفترة من أغسطس 2020 حتى أغسطس 2025 اعتقال ما لا يقل عن 284 مواطناً بهائياً، وتم استدعاء 270 شخصاً إلى الأجهزة الأمنية أو القضائية.
إلى جانب ذلك، سجل التقرير انتهاكات حقوق البهائيين في إيران وتشمل 419 حالة تفتيش للمنازل، و147 محاكمة، و127 منع من السفر، و108 أحكام بالسجن، و106 حالات منع من التعليم، و57 حالة منع من النشاط الاقتصادي، و27 حالة مصادرة منازل وممتلكات، و19 حالة استجواب في الأجهزة الأمنية والقضائية، و9 حالات اعتداء بالضرب، و4 حالات منع من دفن الموتى، و3 حالات تدمير للمقابر، وحالة واحدة عدم تسليم جثث.
خلال السنوات الخمس الماضية، حكم القضاء على 388 من المواطنين البهائيين بالسجن لمدة إجمالية بلغت 17,948 شهراً (ما يعادل ألف وأربعمائة وخمسة وتسعين سنة وثمانية أشهر).
وتشمل هذه الأحكام 17,324 شهراً بالسجن التعزيزي و624 شهراً بالسجن المعلق، وصدر عن محكمة الاستئناف 6,012 شهرًا من هذه الأحكام.
كما تم فرض غرامات مالية على 91 شخصاً بمبلغ إجمالي 503 مليار و510 ملايين تومان، وحُكم على 103 أشخاص بالحرمان من الحقوق الاجتماعية، و25 شخصاً بالنفي لمدة 600 شهر.
ويُظهر التقرير أن السنة الثالثة من هذه الفترة شهدت 162 حالة انتهاك، والسنة الرابعة 76 حالة اعتقال وصدور 5,220 شهراً من أحكام السجن، وهي أعلى أرقام لانتهاك الحقوق.
وبناءً على البيانات الموثقة، تُظهر الانتهاكات ضد حقوق المواطنين البهائيين في مناطق مختلفة من إيران.
حصلت محافظة طهران على أعلى عدد من الانتهاكات بـ117 تقريراً، تليها محافظات فارس بـ78 حالة، ومازندران بـ70، وأصفهان بـ63، والبرز بـ56 حالة.
كما سجلت محافظات خراسان رضوي، كرمان، يزد وجيلان نسباً مرتفعة من الانتهاكات، مما يدل على تركيز نسبي للإجراءات الأمنية والقضائية للنظام الإيراني ضد المجتمع البهائي في هذه المناطق.
وقد وردت تقارير عن انتهاكات في محافظات ذات تعداد سكاني أقل أو ضعف التغطية الإعلامية مثل كهكيلويه وبوير أحمد، أردبيل، قم وجهار محال وبختياري.
السجن بسبب الانتماء للبهائية
وكثير من السجناء البهائيين الذين صدر بحقهم أحكام قضائية خلال هذه الفترة، حُكم عليهم بعقوبات قاسية وطويلة الأمد.
وأصدرت هذه الأحكام في الغالب دون احترام مبادئ العدالة، مستندة إلى اتهامات مثل "الترويج ضد النظام" أو "تشكيل مجموعات غير قانونية".
وأكد "هرانا" أن صدور هذه الأحكام القاسية يدل على شدة قمع النظام الإيراني للنشاطات السلمية والدينية للمواطنين البهائيين واستمرار سياسة القمع المنظم ضد هذا المجتمع.
من بين البهائيين المحتجزين حالياً في السجون الإيرانية فرخنده رضوان بي، ونسرين خادمي قهقرخي، ورويا آزادخوش، وسارا شكيب، وبشري مطهر، ومجكان بور شفیع أردستاني، ومريم خرشندي، وشورانكيز بهامين، وساناز راسته، وفيروزه راستي نجاد، وآزيتا رضواني خاه، وبهنام ممتازي، وأنيسا فنائيان، وسبهر ضيايي، وكلنوش نصيري، وفريده مرادي، وأرشيا روحاني، وآرش نبوي، وحميد منزوي، وهوشيدر زارعي وبريدخت شجاعي.
ومن بين المسؤولين القضائيين الذين أصدروا أكبر عدد من الأحكام ضد البهائيين في السنوات الخمس الماضية سيد محمود ساداتي في محكمة الثورة بشيراز (1996 شهر سجن لـ41 شخصاً)، وعباس علي حوزان في محكمة الاستئناف بطهران (1447 شهر سجن لـ32 شخصاً)، ومحمد رضا توكلي في محكمة الثورة بأصفهان (2220 شهر سجن)، وسعيد بلند زاده في محكمة الاستئناف بمحافظة فارس (1056 شهر سجن لـ26 شخصاً).
ومن بين المسؤولين القضائيين البارزين الآخرين الذين أصدروا أحكاماً كثيرة ضد البهائيين خلال هذه الفترة، إلياس شاكري، ومحمد رضا عمو زاد، وسيد هادي منصوري، وإيمان أفشاري، ومهدي راسخي وإبراهيم رمضاني.
الضغط على البهائيين
وأكد "هرانا" أن بعض الانتهاكات التي سجلها التقرير خاصة بالمجتمع البهائي في إيران، ومنها حرمانهم من النشاط الاقتصادي والتعليم، وتعطيل دفن الموتى، وتدمير المقابر، ومصادرة الأملاك والحرمان الهيكلي القائم على المعتقد الديني، وهذه ممارسات لا تظهر عادة في تقارير الانتهاكات بحق مجموعات دينية أخرى في إيران.
ويعتبر البهائيون أكبر أقلية دينية غير مسلمة في إيران، وقد تعرضوا منذ الثورة عام 1979 لقمع ممنهج ومستمر.
وخلال العام الماضي، تصاعد الضغط من الأجهزة الأمنية والقضائية على المواطنين البهائيين.
وتقدر مصادر غير رسمية عدد البهائيين في إيران بأكثر من 300 ألف نسمة. بينما يقر دستور النظام الإيراني فقط بالأديان الإسلامية والمسيحية واليهودية والزرادشتية.
وذكر "هرانا" في ختام تقريره أن الإحصاءات السنوية لمنظمة "هرانا" تظهر أن نحو 72 في المائة من تقارير انتهاكات حقوق الأقليات الدينية في السنوات الثلاث الماضية تتعلق بالبهائيين.

نشرت صحيفة "إكسبريس" البريطانية تقريراً عن التهديدات العابرة للحدود التي يمارسها النظام الإيراني على بريطانيا، مشيرةً إلى أنه وفقاً لوثائق حكومية وشهادات في بريطانيا، ينفذ نظام طهران استراتيجية جديدة تستغل الميزانية المحدودة لجهاز الأمن البريطاني للضغط عليه.
وقالت الصحيفة، يوم الاثنين 11 أغسطس (آب)، إن النظام الإيراني يستهدف عن قصد وبحساب منظم أجهزة مكافحة الإرهاب البريطانية بفيضان من "تهديدات منخفضة التكلفة وقابلة للإنكار"، ما يستنزف موارد جهاز "MI5" والشرطة في عمليات صغيرة.
وأوضح أوميد شمس، المدير السابق لعمليات منظمة "العدالة من أجل إيران" الحقوقية، في مقابلة مع الصحيفة أنه اطلع على وثائق توضح النهج الجديد للنظام الإيراني.
وأضاف شمس: "الأمر لم يعد مرتبطاً بالنجاح أو الدقة، فهم لا يهتمون ما إذا كانت الهجمات ناجحة أم لا، فكل خطة ومؤامرة تجبر أجهزة الأمن البريطانية على الرد".
وأشار إلى أن هدف النظام لم يعد فقط "إسكات معارضيه"، بل يريد عبر زيادة حجم هذه الخطط وخلق الفوضى شل النظام الأمني الداخلي البريطاني.
وتابع شمس أن هذه الاستراتيجية تقوم على فرضية أن بريطانيا غير راغبة في تخصيص ميزانيات إضافية لمكافحة الإرهاب.
وبحسب تقرير حديث للجنة الاستخبارات والأمن في البرلمان البريطاني، فإن النظام الإيراني في إطار "دفاعه الاستباقي" يستخدم وكلاءه، وشبكات الجريمة، والتنظيمات المسلحة وشبه العسكرية لشن هجمات على أهداف داخل بريطانيا، مع الحفاظ على قدرة الإنكار.
وأوضح شمس أن النظام الإيراني في الثمانينيات كان يرسل عملاء مدربين لقتل المنفيين في باريس، لكنه الآن يستعين بعصابات الشوارع، والمافيا الروسية، وحتى المراهقين الذين يتم تجنيدهم عبر الإنترنت، وأحياناً يزودهم بالأوامر والأموال فقط عبر تطبيق "تلغرام".
وتبلغ تكلفة كل من هذه العمليات بين 10 إلى 20 ألف دولار فقط، وهو مبلغ يسمح لطهران بإثارة الخوف مع إنكار أي تورط مباشر.
وأضاف شمس أن النظام يعتبر بريطانيا، أكثر من فرنسا أو أميركا، المنافس الغربي الأساسي ويعتقد أنه يمكن إجبار لندن على التفاوض عبر الضغط الكافي.
ولفت إلى أن مسؤولي النظام الإيراني نجحوا في قضية نازنين زاغري راتكليف، السجينة ذات الجنسية المزدوجة، وغيرها من القضايا، ويعتقدون الآن أن إثارة أزمة أمن قومي كبيرة ستجعل بريطانيا تتوسل للتفاوض.
تخفيض ميزانية الأجهزة الأمنية البريطانية
وتأتي هذه التحذيرات في ظل تزايد المخاوف من محدودية الموارد والضغط على الأجهزة الأمنية البريطانية.
أكد كن مكالوم، رئيس جهاز "MI5"، أن المنظمة اضطرت إلى تحويل بعض قواتها من مهام مكافحة الإرهاب إلى مواجهة التهديدات المتزايدة من حكومات معادية، منها روسيا، الصين، والنظام الإيراني.
وحذر في تقريره السنوي الأخير من أن الجهاز "مضطر لاتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية استخدام قواته المحدودة"، ويركز حالياً معظم جهوده على مكافحة التجسس، والهجمات الإلكترونية، وعمليات الاغتيال المدعومة من دول أجنبية.
وأعلن دن جارفيس، وزير الأمن البريطاني، في بداية هذا العام عن زيادة بنسبة 48 في المائة في عدد التحقيقات التي يجريها "MI5" المتعلقة بتهديدات من حكومات أجنبية خلال عام واحد.
واعتبر هذه الأرقام دليلاً واضحاً على تصاعد التهديدات. وتفاقم هذا الضغط بسبب تخفيض ميزانيات أجهزة الاستخبارات البريطانية بنسبة 14 بالمائة، بما في ذلك "MI5"، "MI6"، و"GCHQ".
وفي هذا الصدد، قال شمس إن أجهزة الاستخبارات اضطرت إلى التراجع بشكل كامل إلى موقع الدفاع، مما قد يؤدي في النهاية إلى إضعافها.
وأضاف أن تقييمه مستند إلى وثائق جديدة من وزارات النظام الإيراني التي اطلع عليها، والتي تذكره بما كشفته وزارة الخارجية البريطانية في 2022.
في هذه الوثائق، ناقش مسؤولو النظام الإيراني استخدام وكلائه لإزعاج وضغط الدول الغربية التي لا ترغب في زيادة استثماراتها في الأمن الداخلي.
إدانة دولية مشتركة
وقد تكررت هذه المخاوف الأسبوع الماضي في بيان مشترك ونادر وقعته بريطانيا، والولايات المتحدة، و12 دولة غربية أخرى.
في هذا البيان، تم إدانة الزيادة المتصاعدة لنشاطات النظام الإيراني الاستخباراتية ضد المعارضين، والصحفيين، والمسؤولين في أوروبا وأميركا الشمالية.
وكشف مكالوم أن "MI5" والشرطة البريطانية تصدت منذ بداية 2022 لحوالي 20 عملية محتملة قاتلة للنظام الإيراني، معظمها استهدفت معارضين يقيمون في بريطانيا.
وكان من بين أبرز أهداف النظام الإيراني قناة "إيران إنترناشيونال".
وأكد شمس أن النظام الإيراني يستغل القوانين البريطانية لصالحه، مستخدمًا الدين في تطرف الأفراد، ومتسترًا خلف جمعيات خيرية ومجموعات ثقافية.
وأشار إلى أن روسيا والصين تتعاملان بحذر أكبر في قمع النشاطات العابرة للحدود، بينما تكتيكات النظام الإيراني "أكثر صخباً وخطورة".
وقال شمس إن النظام الإيراني "أكثر جرأة" لكن ذلك يجعل رصد واعتقال عناصره أكثر صعوبة.

تشهد أعلى مستويات السلطة في النظام الإيراني هذه الأيام خلافًا حادًا وحاسمًا: هل يجب الاستعداد للحرب أم العودة إلى مسار المفاوضات؟ هذا السؤال أصبح النقطة المحورية للخلاف بين حكومة مسعود بزشكيان وقادة الحرس الثوري.
ويعتبر بعض المسؤولين في النظام الإيراني التفاوض في الظروف الراهنة بمثابة استسلام وتراجع، ويرون أن السبيل الوحيد للحفاظ على النظام هو الصمود والتحضير لمواجهة عسكرية.
وفي المقابل، هناك شخصيات مثل بزشكيان صرحت بوضوح بأن الحل في النهاية هو التفاوض، لأن الحرب لن تحقق أي مكاسب، ولأن القدرات العسكرية للبلاد محدودة في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقوبلت تصريحات بزشكيان، خلال لقائه مديري وسائل الإعلام المحلية، برد فعل شديد من وسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري الإيراني، مثل وكالة "تسنيم"، التي انتقدت بشدة هذه المواقف، وأكدت أن تصريحات من هذا النوع، رغم إعلان ولائها الظاهري للمرشد، تبعث برسائل ضعف للأعداء.
أكثر ما أثار غضب الحرس الثوري هو هذا الجزء من حديث بزشكيان:"إذا لم نتفاوض، فما الذي سنفعله؟ حرب؟ حسنًا، إذا ضربونا، ماذا بعد؟ سنعيد البناء لكي يضربونا مجددًا؟"
وفي الواقع، كان هذا تحليلًا ضمنيًا من بزشكيان بأن النظام الإيراني لا يمتلك القدرات العسكرية الكافية لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة، وأن خوض حرب جديدة سيؤدي إلى الانهيار.
وتعكس هذه التصريحات بوضوح وجود شرخ في أعلى مستويات صناعة القرار داخل النظام: من جهة، الحرس الثوري يدفع نحو المواجهة والصدام، ومن جهة أخرى، الحكومة تحتاج إلى الاستقرار والموارد المالية لإدارة شؤون البلاد.
مصالح الحرس الثوري الإيراني في استمرار الأزمة
يعارض الحرس الثوري الإيراني، لأسباب بنيوية واقتصادية، التفاوض. فجزء كبير من مصالحه قائم على ظروف العقوبات والالتفاف عليها. فقد لعب خلال السنوات الماضية عمليًا دور شركة النفط الوطنية والبنك المركزي في بيع النفط وتحصيل عائداته.
وهذه الشبكات المالية والنفطية والتجارية الضخمة، تحت شعار "الالتفاف على العقوبات"، جنت أرباحًا هائلة لصالح قادة الحرس الثوري والمقربين منهم. أما التفاوض ورفع العقوبات فسيعنيان انتهاء أو تقليص هذه الامتيازات.
وفوق ذلك، فإن ظروف الأزمة والحرب تمنح الحرس الثوري الإيراني ميزانيات ضخمة وصلاحيات واسعة ودورًا مباشرًا في صنع القرار، كما حدث بعد الحرب الأخيرة، حيث تم تخصيص ملياري يورو إضافية للقوات المسلحة، ذهب معظمها إلى الحرس الثوري.
موقف الحكومة والضغط المزدوج
في المقابل، تواجه حكومة بزشكيان واقع إدارة البلاد اليومي: تراجع حاد في عائدات النفط، وبيع النفط للصين بطرق غير رسمية، وخطر عودة عقوبات الأمم المتحدة، وفوضى اقتصادية.
وإذا لم تُستأنف المفاوضات وعاد تفعيل "آلية الزناد" وما سبستتبعه من عقوبات مجلس الأمن، فسوف تتقلص قدرة الحكومة على توفير السلع الأساسية والطاقة والخدمات العامة أكثر فأكثر. فالحكومة تحتاج إلى متنفس اقتصادي، بينما ستوجه الحرب صدمة جديدة لها.
حرب إعلامية
في الأسابيع الأخيرة، اندلعت حرب إعلامية بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري. وسائل إعلام الحرس، وعلى رأسها وكالة "تسنيم"، وصفت المفاوضات الأخيرة بأنها خدعة من أميركا وإسرائيل، لكن الحكومة خرجت من موقف الدفاع وبدأت بهجوم مضاد عبر مقابلات وبيانات وخطابات، محملة الحرس الثوري مسؤولية الأوضاع.
وفي مقابلة مع وزير الخارجية، عباس عراقجي، حين اتهمه صحافي مقرب من الحرس الثوري بأن الدبلوماسيين تعرضوا للخداع، رد قائلًا:"لقد قمنا بعملنا الدبلوماسي؛ هؤلاء العسكريون هم من كان ينبغي ألا يُخدعوا، وكان عليهم القيام بعملهم بشكل صحيح".
وهذا الرد كان إشارة واضحة إلى الانقسام العميق بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري.
كما أن النائب في البرلمان الإيراني، علاء الدين بروجردي، تحدث بصراحة عن ضعف الدفاعات الجوية الإيرانية أمام هجمات إسرائيل، وهو مستوى من النقد العلني للقيادات العسكرية لم يسبق له مثيل، ويبدو أنه يعكس اعترافًا ضمنيًا بالفشل داخل النظام.
تحول محتمل في موقف المرشد
السؤال الأهم الآن: ما هو موقف المرشد علي خامنئي في هذه المعادلة؟ بعض المراقبين يرون أن تعيين علي لاريجاني أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي مؤشر على رغبة خامنئي في العودة إلى طاولة المفاوضات، رغم عدم وجود دلائل واضحة حتى الآن.
وأكد بزشكيان، في تصريحاته الأخيرة، أن كل خطواته منسقة مع "القائد" (أي خامنئي). وإذا كان هذا صحيحًا، فإن موقفه المؤيد للتفاوض قد يعكس تغييرًا تكتيكيًا في رؤية المرشد.
هدف المفاوضات: تكتيك لشراء الوقت لا تغيير استراتيجي
مع ذلك، حتى إذا عاد النظام الإيراني إلى طاولة المفاوضات، من المستبعد أن يكون هذا التغيير استراتيجيًا أو جوهريًا.
ويبدو أن الهدف الرئيس من أي مفاوضات محتملة هو كسب الوقت لتجاوز فترة رئاسة دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأميركية، وحكومة بنيامين نتنياهو، في إسرائيل، ولتفادي اجتماع ثلاثة مخاطر في وقت واحد: عودة عقوبات مجلس الأمن، واحتمال هجوم إسرائيلي، واندلاع انتفاضة شعبية جديدة.
وهذا التزامن قد يخلق عاصفة سياسية وأمنية في الخريف القادم تهدد بقاء النظام الإيراني بشكل جدي، ومن غير المرجح أن تغفل أميركا وأوروبا، وخاصة إسرائيل، عن هذه اللعبة.
الخلاصة: النظام الإيراني أمام خيار مصيري
الآن النظام الإيراني أمام لحظة حساسة: إما أن يتخلى عن بعض سياساته السابقة، ويتجه إلى المفاوضات لتخفيف الضغوط الخارجية، وهو ما يعني عمليًا قبول التنازل، أو يختار طريق الحرب ويتحمل خطر السقوط. ويقف على أعتاب قرار مصيري؛ قرار سيحدد ليس فقط مستقبل المفاوضات، بل مصير النظام بأكمله.