ظل الحرب والسقوط يخيم على النظام في طهران

شهدت الأيام الأخيرة بروز دلائل على تصاعد الخلافات بين أجنحة السلطة داخل النظام الإيراني؛ خلافات تنبع من خوفهم العميق من احتمال سقوط النظام.
شهدت الأيام الأخيرة بروز دلائل على تصاعد الخلافات بين أجنحة السلطة داخل النظام الإيراني؛ خلافات تنبع من خوفهم العميق من احتمال سقوط النظام.
هذا القلق دفع مختلف التيارات داخل النظام إلى الصدام فيما بينها، حيث بدأ كل طرف يتهم الآخر بالخيانة والتعاون مع العدو.
في ظل احتمال هجوم إسرائيلي جديد على النظام الإيراني، وعودة العقوبات من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تسعى مختلف الأجنحة الحاكمة إلى تقديم مقترحات للحفاظ على النظام.
في هذا السياق، دعا الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني إلى وقف التدخلات العسكرية والسياسية للحرس الثوري في السياسة الخارجية، وأكد أن النظام يجب أن يعيد النظر في مسار الانفتاح والتفاوض مع أميركا.
كما طالب الإصلاحيون في بيان لهم بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء آليات "الرقابة التصحيحية" على الانتخابات، وإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة.
غير أن هذه المقترحات واجهت ردود فعل حادة من المؤسسات الرسمية داخل النظام، وخصوصاً من مكتب المرشد.
ففي مداخلة نُشرت على موقع "صوت إيران" التابع للمرشد، تحت عنوان: "لا تملأوا مخزون العدو"، وُصِف الإصلاحيون بأنهم "يعيدون تكرار كلام العدو"، وبيانهم وُصف بأنه "قائمة مفروضة من قبل أميركا".
أزمة داخلية في النظام
الواقع أن الخلافات الحالية داخل النظام الإيراني لا تدور حول حماية إيران أو الدفاع عن مصالح شعبها، بل حول طريقة بقاء النظام نفسه.
كل طرف- من خامنئي والحرس الثوري، إلى روحاني والإصلاحيين- قلق على مواقعه ومكاسبه التي جمعها خلال 46 عاماً من الحكم.
ما يهم هذه الأطراف هو الحفاظ على "الكعكة" التي استمتعوا بها خلال عقود، وهي التي تمكّنهم من الاستحواذ على السلطة والثروة.
على سبيل المثال، روحاني، الذي كان يتبوأ مناصب عليا في مؤسسات أمنية وسياسية مثل المجلس الأعلى للأمن القومي، أصبح اليوم صوتًا ناقداً، لكن تاريخه في قمع احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، والاحتجاجات الطلابية وأحداث أخرى، يثبت دوره المحوري في حماية النظام. ويعود اليوم للحديث مجددا ليس من منطلق الدفاع عن الشعب، بل بدافع الخوف من انهيار النظام إذا لم تتغير السياسة.
أما الإصلاحيون، رغم ابتعادهم الظاهري عن السلطة، إلا أنهم لا يزالون يستفيدون من الكثير من المزايا والامتيازات الاقتصادية، ولهم تأثير داخل المؤسسات، مثل دعم مسعود بزشكیان. لذا، فإن تحركاتهم الأخيرة ليست بالضرورة لمصلحة الشعب، بل لحماية مصالحهم الذاتية.
ما يميز هذه الخلافات هو أنها لا تلفت انتباه الجمهور العام. الإيرانيون، خاصة الشباب الذين شاركوا في احتجاجات 2019 وحركة "مهسا"، فقدوا الثقة بالإصلاح وأنصاره. مطلبهم لا الإصلاح، بل إسقاط النظام كله.
لذلك، فإن الصراعات بين روحاني والإصلاحيين من جهة، والخط الرئيسي للنظام (خامنئي والحرس الثوري) من جهة أخرى، ليست صراعات تهدف لحماية إيران، بل نزاعات حول البقاء داخل النظام.
ظل الحرب والسقوط يخيم على النظام
ما زاد من حدّة هذه الصراعات هو تطورات الأيام الأخيرة: الهزائم العسكرية للنظام الإيراني وميليشياته أمام إسرائيل، واستعداد الغرب، خاصة أميركا وأوروبا، لممارسة ضغط متزايد عليه.
هذا جعل خامنئي والحرس الثوري يشعرون بالخطر بوضوح، لكن من غير المرجح أن يتراجعوا عن سياسات المواجهة، خصوصاً في ملفات مثل البرنامج النووي والقدرات الصاروخية.
جميع الأجنحة داخل النظام تدرك أن احتمال سقوط النظام لم يعد نظرية، بل أصبح احتمالاً حقيقياً وملموساً؛ سواء من خلال ضربة عسكرية إسرائيلية، أو عبر انتفاضة شعبية داخلية واسعة.
في النهاية، ما يجري اليوم داخل النظام الإيراني هو صراع حول كيفية تأجيل الانهيار المؤكد، لا منعه. الجميع- خامنئي، روحاني، الإصلاحيون- يناضلون للحفاظ على النظام، وليس لحماية الشعب.
أما الشعب، فقد تجاوز هذه الخلافات، فالهدف الأسمى بالنسبة إليه هو إتمام إسقاط النظام بالكامل.