وكان حسين شريعتمداري، ممثل المرشد الإيراني في صحيفة "كيهان"، قد قال إن فرض قيود على الملاحة الغربية في مضيق هرمز قد يرفع سعر النفط العالمي إلى 200 دولار، ويُوجِه ضربة اقتصادية قاسية لأعداء إيران.
وصرّح شريعتمداري، مساء الجمعة 22 أغسطس (آب) الجاري، عبر التلفزيون الرسمي الإيراني: "بإمكاننا أن نفرض قيودًا على أميركا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا في مضيق هرمز ونمنعها من العبور".
ووصف الرئيس السابق لقسم مواجهة انتشار أسلحة الدمار الشامل الإيرانية في مجلس الأمن القومي الأميركي، ريتشارد غولدبرغ، هذه التصريحات بغير الواقعية، قائلاً: "نظرًا لاعتماد الصين على مضيق هرمز لتأمين نصف احتياجاتها النفطية، فإن إغلاقه سيضغط على بكين بالدرجة الأولى، وفي الوقت نفسه سيكون بمثابة انتحار اقتصادي للنظام الإيراني".
وأضاف غولدبرغ أن التفعيل الفوري لـ "آلية الزناد" أو العودة التلقائية لعقوبات مجلس الأمن ضد طهران هو الخيار الوحيد المتبقي لمواجهة سياساتها، مؤكدًا أن الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي يجب ألا تتردد في اتخاذ هذه الخطوة على الفور.
ويأتي هذا السجال وسط تصاعد التوترات الإقليمية بشأن أمن الخليج ومسارات نقل الطاقة، فيما يرى خبراء غربيون أن تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز تُستَخدم كأداة ضغط سياسي أكثر منها كخيار عملي.
ومن جانبها، تُبدي إيران قلقًا متزايدًا من احتمال لجوء الدول الأوروبية إلى تفعيل "آلية الزناد". ورغم استمرار المفاوضات مع الغرب، بدأت طهران بالفعل مشاورات داخلية للتحضير لاحتمال إعادة فرض العقوبات الدولية.
خلفية تاريخية: الألغام البحرية وحرب الناقلات
كرر رئيس تحرير صحيفة "كيهان، مرارًا، تصريحات مشابهة وجدت صدى واسعًا داخل إيران. لكن نوايا طهران في إغلاق مضيق هرمز خضعت للتجربة سابقًا وانتهت بخسائر فادحة.
وفي عام 1984، وأثناء الحرب مع العراق، وعد علي أكبر ولايتي (وزير الخارجية آنذاك والمستشار الحالي للمرشد) بإغلاق المضيق. ورغم أن إيران لم تفعل ذلك، إلا أن تحركاتها فجّرت ما عُرف لاحقًا بـ "حرب الناقلات".
وبتهديد أمن المضيق، أدخلت إيران طرفًا ثالثًا في الصراع هو الولايات المتحدة؛ إذ دفعت عمليات زرع الألغام التي نفذها الحرس الثوري في المضيق بالبحرية الأميركية إلى التدخل لحماية الملاحة. وفي النهاية، وبعد تكبّد خسائر عسكرية واقتصادية جسيمة، تراجعت طهران عن موقفها عام 1987.
وفي أعوام 2008 و2011 و2012 و2018 و2019، عادت طهران لتهدد بإغلاق المضيق ردًا على الضغوط المتعلقة ببرنامجها النووي.
تهديدات أكثر جدية بعد الحرب الأخيرة
بعد الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يومًا مع إسرائيل، اكتسبت هذه التهديدات طابعًا أكثر جدية. ففي أول يوليو (تموز) الماضي، ومع نهاية الحرب، أعلن عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إسماعيل كوثري، أن البرلمان توصّل إلى قرار بإغلاق المضيق، مشيرًا إلى أن القرار النهائي بيد المجلس الأعلى للأمن القومي.
وفي الأول من يوليو الماضي أيضًا، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر أميركية أن إيران شرعت، بعد الضربات الإسرائيلية، في تحميل ألغام بحرية على سفن في الخليج، في خطوة اطّلع عليها جهاز الاستخبارات الأميركي منذ البداية. ومع تزايد احتمال تفعيل "آلية الزناد"، تسارع هذا المسار.
وفي 16 يوليو، أعلن رئيس قضاء هرمزغان، مجتبی قهرماني، توقيف ناقلة نفط أجنبية في بحر عُمان بتهمة "تهريب وقود"، موضحًا أن السفينة كانت تحمل مليوني لتر وقود مهرَّب. لكنه لم يحدد جنسية الناقلة أو الدولة التي ترفع علمها.
ومن جانبه، حذّر الدبلوماسي الإيراني السابق في الأمم المتحدة، كوروش أحمدي، من أن إغلاق المضيق سيستدعي ردًا فوريًا من مجلس الأمن، ويعود بالضرر المباشر على إيران، مؤكدًا أن هذه الخطوة ستضع حتى الصين في مواجهة طهران، وهو ما يعادل "انتحارًا سياسيًا واقتصاديًا".
وتُظهر هذه السلسلة من التهديدات أن مضيق هرمز لا يزال يُستخدم كأحد أهم أوراق الضغط بيد النظام الإيراني، رغم إدراك خبراء الداخل والخارج على حد سواء لعواقبه الكارثية.