وأوضح المجلس في تحليله الصادر اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 أن الحرب التي استمرت 12 يومًا، والهدنة الأخيرة بين إسرائيل وحماس، وخاصة ازدياد عزلة النظام الإيراني على الساحة الدولية، طرحت تساؤلات جديدة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد بين واشنطن وطهران.
وأشار التقرير إلى أن الهدنة في غزة أظهرت أنه عندما يتدخل الرئيس الأميركي شخصيًا ويستخدم كل نفوذه وتكتيكاته التفاوضية الإبداعية، يمكن تحقيق ما كان يبدو مستحيلاً. ومع ذلك، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين والمنطقة بأسرها لا يزال أمامهم طريق طويل لضمان عدم اندلاع الصراع مجددًا.
وأضاف المجلس أن ترامب وفريقه يمكنهم البناء على الزخم الذي أوجدته هدنة غزة، وأن يركّزوا جهودهم على التوصل إلى اتفاق إقليمي أوسع يشمل إيران.
ولتحقيق هذا الهدف، ثمة مساران رئيسيان مطروحان:
1. اتفاق تفاوضي يمكن أن يؤدي إلى تسوية طويلة الأمد.
2. هدنة هشة قد تُنتهك بين الحين والآخر بتجدد الاشتباكات.
وأكد المجلس أن كلا المسارين ينطويان على مخاطر وفرص في الوقت ذاته.
السيناريو الأول: "اتفاق كبير وجميل"
يرى "مجلس الأطلسي" أن مثل هذا الاتفاق الكبير والجميل سيتطلب من الولايات المتحدة أن تتيح للنظام الإيراني مسارًا يشمل رفع العقوبات، ودمجها في مشاريع التنمية الاقتصادية الإقليمية، وضمانًا ضد أي هجوم إسرائيلي جديد.
وفي هذا السيناريو، يجب على واشنطن أن تقدم عرضًا يكون من الواضح أنه أفضل لطهران من أي بديل آخر.
لقد أنفقت طهران مليارات الدولارات على برنامجها النووي، وتراه ركيزة ردع ضد الهجمات الخارجية، وكذلك مصدرًا للفخر الوطني.
وبعد الحرب التي استمرت 12 يومًا، تسعى طهران إلى استثمار موجة المشاعر القومية لتعزيز موقفها الداخلي.
وفي ظل إضعاف حزب الله وحماس، وتراجع الحليف السوري، وانخفاض القدرات العسكرية الإيرانية، أصبح البرنامج النووي ورقة المساومة الأساسية لدى طهران.
ولإنجاح أي اتفاق، على الولايات المتحدة أن تعيد بناء الثقة المفقودة، وأن تتعهد بعدم الانسحاب من الاتفاق إلا في حال حدوث خرق واضح، وأن تصمم آلية تحول دون تكرار الهجمات الإسرائيلية.
وفي المقابل، ينبغي على طهران أن تلتزم بوقف تسليح الميليشيات التابعة لها والتخلي عن برنامجها السري لتطوير الأسلحة النووية.
ولإرضاء إسرائيل، يجب على واشنطن أن تستخدم مزيجًا من الحوافز والضغوط، بما في ذلك اتفاقات دفاعية جديدة والوساطة في وقف إطلاق النار مع الحوثيين.
ومع ذلك، فإن تعقيد القضايا وانعدام الثقة العميق يجعل تحقيق مثل هذا الاتفاق أمرًا بالغ الصعوبة، في ظل استمرار خطر قيام إسرائيل بعمل عسكري جديد في أي وقت.
السيناريو الثاني: مرحلة "توازن سامّ وهشّ"
في هذا السيناريو، تبقى الأوضاع في حالة استقرار خطير، بينما تبقى المخاوف الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني بلا حل.
قد تستمر المفاوضات، ولكن من دون أي تقدم ملموس.
وفي حال تجاوز طهران الخطوط الحمراء- مثل استئناف تخصيب اليورانيوم أو الحد من وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية- فإن احتمال قيام إسرائيل بشن هجمات جديدة على إيران سيرتفع بشكل كبير.
وقد يؤدي صراع جديد إلى استنزاف منظومات الدفاع الأميركية والإسرائيلية، ويفرض تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة على إسرائيل.
من ناحية أخرى، فإن رد الفعل الإيراني الأكثر تشددًا، وتشكيل "مجلس الدفاع الوطني" مجددًا، وتصاعد التهديدات المباشرة من القادة الإيرانيين، كلها مؤشرات على أن طهران ترى نفسها في حالة "حرب كامنة".
وقد يؤدي أي صراع جديد إلى رفع احتمالية تغيير النظام في إيران وزيادة عدم الاستقرار الإقليمي.
كما أن استمرار هذا الوضع يهدد المصالح التجارية الأميركية واستقرار الخليج، بدءًا من أمن الملاحة وحتى أسعار الطاقة.
وبالتالي، فإن هذا السيناريو يمثل استمرارًا لأزمة لا يخرج منها أي طرف منتصرا.
آفاق حلّ مبتكر و"ربح للطرفين"
خلص "مجلس الأطلسي" إلى أن اتفاقًا شاملاً سيكون أفضل نتيجة ممكنة لجميع الأطراف، لكنه صعب التحقيق والاستمرار، لأنه يتطلب تركيزًا دقيقًا، وإعادة بناء الثقة المفقودة، والتخلي عن المواقف المتطرفة من قبل كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
وأضاف أن استمرار الوضع الحالي سيقود نحو "توازن سامّ وهشّ"، قد ينفجر بين الحين والآخر مع أي تصعيد جديد، إذ يحاول كل طرف فرض "خطوطه الحمراء"، ما يزيد من خطر اتساع الصراع وتداعياته الإقليمية.
ومع ذلك، يبقى هناك بصيص أمل بأن يتمكن ترامب ومستشاروه المقربون- وخاصة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر- من استثمار خبراتهم في عقد الصفقات، التي ظهرت سابقًا عندما نجحوا في تحقيق هدنة بين إسرائيل وحماس بعد حرب استمرت عامين، ليهيئوا الأرضية نحو تسوية مبتكرة ومربحة للطرفين.
وختم "مجلس الأطلسي" تحليله بالتأكيد أن مثل هذا الحلّ يمكن أن يحوّل مسار المواجهة نحو مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للمنطقة بأكملها.