في ظل عقوبات غربية مشددة عليهما.. إيران وبيلاروسيا تبحثان تعزيز التعاون العسكري

قال وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصيرزاده، إن بلاده تسعى إلى تعميق التعاون العسكري مع بيلاروسيا، في ظل العقوبات الغربية المشددة المفروضة على كلتا الدولتين.

قال وزير الدفاع الإيراني، عزيز نصيرزاده، إن بلاده تسعى إلى تعميق التعاون العسكري مع بيلاروسيا، في ظل العقوبات الغربية المشددة المفروضة على كلتا الدولتين.
وأوضح نصيرزاده، يوم الخميس 23 أكتوبر (تشرين الأول)، خلال لقائه رئيس الهيئة الحكومية البيلاروسية للتعاون العسكري الصناعي، ديميتري بانتوس، الذي يزور طهران، أن "إيران ترحب بتوسيع التعاون الدفاعي والصناعي مع الدول الصديقة والمستقلة، وتحتل بيلاروسيا مكانة خاصة في هذا الشراكة"، بحسب ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية.
وتواجه كل من إيران وبيلاروسيا عقوبات اقتصادية وعسكرية قاسية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الأمر الذي دفعهما إلى تعزيز تعاونهما مع روسيا في المجالين الاقتصادي والعسكري. ومع ذلك، تشير تقارير إلى أن أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة التي زودت بها موسكو حلفاءها قد دُمرت في هجمات إسرائيلية العام الماضي.
وقد زوّدت طهران موسكو بطائرات مسيّرة وذخائر لاستخدامها في غزو أوكرانيا، فيما سمحت بيلاروسيا للقوات الروسية باستخدام أراضيها كمنصة لانطلاق الهجمات، واستضافت جنودًا من روسيا على أراضيها.
وترى الحكومتان الإيرانية والبيلاروسية أن تعزيز التنسيق مع روسيا يشكّل توازنًا في مواجهة الضغوط الغربية المتزايدة. وتربط مينسك وموسكو منذ عام 1999 علاقة اتحادية ضمن ما يُعرف بـ "دولة الاتحاد" فوق القومية.
عقوبات أميركية مشددة
تفرض الولايات المتحدة عقوبات واسعة على بيلاروسيا، تشمل حظر التعاملات مع مؤسسات حكومية رئيسة مثل وزارة المالية والبنك التنموي، إضافة إلى قيود على الصادرات وإعادة التصدير.
أما إيران، فما زالت تخضع لعقوبات أميركية شاملة تستهدف قطاعات الطاقة والمال والدفاع، بسبب أنشطتها النووية ونقلها الأسلحة إلى روسيا.
وفي أعقاب الحرب التي اندلعت مع إسرائيل في يونيو (حزيران) الماضي واستئناف العقوبات الأممية، في شهر سبتمبر (أيلول) المنقضي، تسعى طهران إلى إعادة بناء اقتصادها وتعزيز جاهزيتها العسكرية.
ودعت الدول الغربية إيران إلى استئناف الدبلوماسية مع واشنطن والسماح مجددًا بدخول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى منشآتها النووية.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الأسبوع الماضي، إن بلاده ستواصل مساعدة إيران في تلبية احتياجاتها العسكرية، رغم العقوبات الدولية الجديدة التي فرضها الأوروبيون، والتي قيّدت بشدة التجارة مع طهران.
وتنفي إيران سعيها لامتلاك أسلحة نووية، وتصف الهجمات التي تعرضت لها في يونيو الماضي بأنها "غير قانونية"، مؤكدة أن مطالب الولايات المتحدة بالحد من قدراتها الدفاعية "مرفوضة تمامًا".

أفادت مصادر مطلعة بتسريب قاعدة بيانات شاملة تحتوي على المعلومات الشخصية لطلاب أكاديمية "راوين"، وهي معهد تدريبي سري تابع لوزارة الاستخبارات الإيرانية، كانت قناة "إيران إنترناشيونال" قد كشفت سابقًا هوية أعضائه.
وتعد أكاديمية "راوين"، حسب وصف وزارة الخزانة الأميركية واجهة تجارية تُستخدم لتجنيد وتدريب عناصر تحت الإشراف المباشر لوزارة الاستخبارات الإيرانية، وتقوم- وفقًا للوثائق المنشورة- بتدريب أفراد في مجال الأمن السيبراني، ثم اختيار بعضهم لتوظيفهم في وزارة الاستخبارات.
جاء هذا التسريب قبل أيام قليلة من انعقاد الحدث السنوي المسمّى "أولمبياد التكنولوجيا" التابع للأكاديمية، والذي كان مقررًا عقده من26 إلى 29 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 في "حديقة تكنولوجيا برديس" بطهران.
وأعلنت الأكاديمية، التي تقدّم نفسها كمؤسسة لتعليم الأمن السيبراني، في بيانٍ ليلي نُشر على قناتها في "تلغرام"، اعترافها بتعرض أحد أنظمتها الإلكترونية لهجوم سيبراني أدى إلى تسرب بيانات بعض المتدربين، بما في ذلك أسماء المستخدمين وأرقام هواتفهم.
وجاء في البيان أن هذا النظام المُستهدف كان مستضافًا خارج شبكة الأكاديمية الداخلية، وأن الحادث وقع بهدف الإضرار بسمعة الأكاديمية والتشويش على مكانة "أولمبياد التكنولوجيا".
وادّعت الأكاديمية أن جزءًا كبيرًا من الأسماء المنشورة "غير حقيقي"، لكنها في الوقت نفسه قدّمت اعتذارًا للمستخدمين الذين تسرّبت بياناتهم.
المعهد السري لوزارة الاستخبارات لتخريج قراصنة إلكترونيين تابعين للنظام
تُعرّف وزارة الخزانة الأميركية "أكاديمية راوين" بأنها واجهة تجارية تُستخدم لتجنيد وتدريب عناصر لصالح وزارة الاستخبارات الإيرانية. ووفقًا للوثائق المنشورة، تُدرّب الأكاديمية الأفراد في مجال الأمن السيبراني، ثم تختار من بينهم عناصر يتم توظيفهم داخل الوزارة.
وكما كشفت قناة "إيران إنترناشيونال" سابقًا، فقد أُسست الأكاديمية في فبراير (شباط) 2020 على يد عضوين شابين في وزارة الاستخبارات، هما مجتبى مصطفوي وفرزين كريمي مزلقانجاي، لتكون غطاءً لإدارة وتوجيه مجموعات القرصنة التابعة للنظام.
وجاء في بيان وزارة الخزانة الأميركية أن مصطفوي وكريمي أسّسا شركة "أكاديمية راوين" تحديدًا لأغراض التوظيف لصالح وزارة الاستخبارات.
ويقع مكتب الأكاديمية في وسط طهران، في شارع مطهري، شارع سليمان خاطر، بين زقاقي مسجد وغروس، رقم 105.
من "مادي واتر" إلى "دارك بِت"
تكشف التقارير الاستخباراتية عن وجود ترابط عملي بين البيئة التدريبية للأكاديمية وعمليات القرصنة النشطة التي تنفذها الوزارة.
كما وثّقت شركة "PwC" وجود تزامنٍ بين المواد التعليمية التي تقدمها "أكاديمية راوين" حول ثغرات محددة وبين استغلال نفس الثغرات لاحقًا في عمليات قرصنة نفذتها مجموعة "ماديواتر".
وفي تقرير سابق لـ"إيران إنترناشيونال" في يونيو (حزيران) 2024، تم التأكيد على أن مجموعة "مادي واتر" تعمل مباشرة لصالح وزارة الاستخبارات، وتشن هجمات سيبرانية على عدد كبير من الدول، من بينها إسرائيل، السعودية، إيطاليا، الإمارات، مصر، الجزائر، بل وحتى دول صديقة للنظام الإيراني مثل روسيا، العراق، تركيا، وباكستان.
وفي أكتوبر 2024، كشفت "إيران إنترناشيونال" أيضًا هوية رئيس مجموعة القرصنة "دارك بِت" التابعة لـ"مادي واتر"، وهو حسين فرد سياهبوش المعروف بالاسم المستعار "بارسا صرافیان"، ويُعد أحد مديري "أكاديمية راوين".
ما الذي تحتويه قاعدة البيانات المسرّبة؟
قام الباحث الأمني الإيراني المقيم في بريطانيا نريمان غريب بنشر قاعدة البيانات المسرّبة على شكل موقع إلكتروني متاح للعموم.
تتضمن القاعدة الرقم التعريفي لكل فرد داخل أنظمة الأكاديمية، أرقام الهواتف، الأسماء الكاملة، والدورات التدريبية التي شارك فيها كل طالب.
ويرى غريب أن الهدف من هذا النشر هو رفع الوعي العام وتحذير الأفراد من الانخراط في مؤسسات مثل "أكاديمية راوين" أو غيرها من الكيانات المرتبطة بوزارة الاستخبارات والهيئات الإيرانية الخاضعة للعقوبات الدولية.
وأضاف أن هذه المؤسسات تستقطب الطلبة والمتدربين تحت غطاء التدريب وتنمية المهارات، لكنها في الواقع تستغل معارفهم لتنفيذ هجمات إلكترونية ضد دول غربية وبنى تحتية حساسة وحتى ضد الشعب الإيراني نفسه.
وأشار إلى أن المشاركة في مثل هذه البرامج يمكن أن تؤدي إلى التعرض لعقوبات دولية أو ملاحقات قانونية جنائية أو تدمير السمعة المهنية بشكل دائم.
هذه التسريبات، بحسب المراقبين، تكشف أن "أكاديمية راوين" تعمل كجزء أساسي من البنية التحتية لعمليات التجسس الإلكتروني التابعة لوزارة الاستخبارات الإيرانية، حيث يُنقل المتفوقون في برامجها مباشرة إلى الحملات السيبرانية الموجهة ضد حكومات أجنبية، منظمات دولية، وأهداف داخل إيران.
ردود فعل غاضبة من المستخدمين
واجه البيان المنشور في قناة الأكاديمية على "تلغرام" موجة من الغضب والسخرية من المستخدمين. وسأل العديد من المعلقين الأكاديمية التي تقدم نفسها كجهة متخصصة في الأمن السيبراني: "كيف لم تتمكن من حماية بيانات طلابها وأنظمتها الخاصة؟".
ويرى محللون أن هذا الفشل يمثل ضربة قاسية لمصداقية الأكاديمية، ويُظهر مفارقة واضحة بين ادعاءاتها حول الخبرة الأمنية وواقعها العملي، كما أنه فضح العديد من الأفراد الذين كانوا يظنون أنهم مسجلون في برامج تدريبية مشروعة.
خلفية العقوبات الدولية
تخضع "أكاديمية راوين" ومؤسسوها حاليًا لعقوبات صادرة عن وزارة الخزانة الأميركية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، في ضوء اعتراف رسمي بدورها في دعم العمليات الاستخباراتية للنظام الإيراني.
ويُظهر نشر قاعدة البيانات المسرّبة أسماء الأفراد الذين اختاروا الالتحاق بمؤسسة مصنّفة ضمن الكيانات الداعمة للأنشطة التجسسية الإيرانية، مما يتيح أدلة جديدة للمنظمات الحقوقية والصحافيين حول آلية التجنيد التابعة لوزارة الاستخبارات.

قال وزير الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، اليوم الأربعاء، إنّ بلاده لن تعود إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة ما لم تتخلَّ واشنطن عمّا وصفه بـ"المطالب غير المعقولة والمفرطة".
وأوضح عراقجي، خلال مؤتمر صحافي في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد، أنّ إيران ما زالت متمسكة بالدبلوماسية، لكنها لن تساوم على "حقوقها الوطنية"، مضيفًا أنّ خمس جولات من المباحثات غير المباشرة مع واشنطن جرت قبل اندلاع النزاع الذي استمر 12 يومًا في يونيو، وشهد ضربات أميركية وإسرائيلية استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، وأنّ المحادثات اللاحقة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فشلت أيضًا بسبب المطالب الأميركية.
وقال عراقجي: "هذا العام، وبعد خمس جولات من المفاوضات، انضمت الولايات المتحدة إلى الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد إيران. وبعد ذلك، في نيويورك، كانت هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق معقول ومفيد للطرفين، لكن مرة أخرى فشلت المحادثات بسبب المطالب المفرطة لأميركا."
وأضاف: "طالما استمر الأميركيون في سياسة التوسع وتقديم مطالب غير منطقية، فإننا لن نعود إلى طاولة المفاوضات."
وتابع: "إيران أظهرت دائمًا أنها تؤمن بالسلام والدبلوماسية. وفي كل موضع يمكن فيه تأمين مصالح البلاد عبر الحوار، لن نتردد في ذلك. لكن الطرف الآخر أثبت مرارًا أنه لا يلتزم بالدبلوماسية."
وجاءت تصريحات عراقجي لدى وصوله إلى مشهد للمشاركة في مؤتمر دبلوماسي إقليمي يستمر يومين، بمشاركة مسؤولين حكوميين كبار ورجال أعمال وسفراء من دول الجوار والدول الآسيوية.
وفي وقت سابق من اليوم نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إنّ على إيران أن تعتمد في آن واحد على قدراتها الصاروخية وعلى الدبلوماسية من أجل حماية مصالحها الوطنية.
وقال بقائي في تصريحات له في مشهد: "يجب أن نستخدم كل الأدوات لحماية حقوق البلاد، سواء من خلال الصواريخ أو عبر الدبلوماسية والتفاوض."
ويأتي انهيار المفاوضات بعد أشهر من تصاعد التوتر بشأن البرامج النووية والصاروخية الإيرانية، بعد إعادة فرض العقوبات الأممية بموجب آلية "العودة التلقائية" المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015.

ذكرت وكالة "رويترز" في تقرير جديد أن إيران تواجه خطر الانهيار الاقتصادي بعد عودة العقوبات الأممية، محذّرة من احتمال دخول البلاد في مرحلة تضخم مفرط مقترن بركود حاد، وهو وضع يهدد معيشة المواطنين واستقرار النظام السياسي.
وقال ثلاثة مسؤولين كبار في النظام الإيراني، طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، إن طهران تعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين وإسرائيل يسعون، من خلال تشديد العقوبات، إلى تأجيج الاضطرابات الداخلية وتعريض بقاء النظام للخطر.
وبحسب التقرير فقد أوضحت "رويترز" أن عدة اجتماعات طارئة عُقدت في طهران بعد تفعيل آلية الزناد يوم 28 سبتمبر (أيلول) 2025، والتي أعادت تلقائياً عقوبات مجلس الأمن، وذلك بهدف منع الانهيار الاقتصادي، والبحث عن طرق للالتفاف على العقوبات، واحتواء الغضب الشعبي.
وقال أحد المسؤولين الإيرانيين للوكالة: "القيادة تدرك أن الاحتجاجات قادمة لا محالة، المسألة مسألة وقت فقط. المشكلة تكبر يوماً بعد يوم، بينما خياراتنا تتناقص".
وفي حين لا يزال قادة النظام الإيراني متمسكين بسياسة ما يسمى "الاقتصاد المقاوم"، يحذر الخبراء من أن الاعتماد على الصين وروسيا وعدد قليل من دول المنطقة لن يكون كافياً لمنع انهيار اقتصاد بلد يبلغ عدد سكانه 92 مليون نسمة.
وقال أميد شكري، خبير الطاقة والباحث الزائر في جامعة جورج ميسون الأميركية، لـ"رويترز": "تأثير عقوبات مجلس الأمن سيكون شديداً ومتعدد الأوجه، وسيفاقم الأضرار البنيوية والمالية المزمنة في إيران. القطاع المصرفي والتجارة وصادرات النفط أصيبت بالشلل، فيما يتصاعد الضغط الاجتماعي والاقتصادي يوماً بعد يوم".
ورغم أن إيران تمكنت، منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، من تجنّب الانهيار الكامل عبر بيع النفط للصين، إلا أن عودة العقوبات الأممية دفعت الاقتصاد مجدداً نحو منحدر خطر.
ووفقاً لتقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.7 في المائة عام 2025 وبنسبة 2.8 في المائة عام 2026، وهي أرقام أسوأ بكثير من توقعات النمو السابقة التي بلغت 0.7 في المائة في تقرير أبريل الماضي.
وقال مسؤول إيراني آخر لـ"رويترز": "العقوبات الجديدة يمكن أن توقف حتى مبيعات النفط إلى الصين. فإذا أرادت بكين تخفيف التوتر مع إدارة ترامب، فمن المرجح أن تقلل أو توقف شراء النفط الإيراني. كل انخفاض بدولار واحد في سعر النفط يعني خسارة نحو نصف مليار دولار من الإيرادات السنوية لإيران".
انهيار قيمة العملة الإيرانية وانفجار الأسعار
انهارت قيمة التومان الإيراني إلى 1,115,000 ريال مقابل الدولار الواحد (مقارنة بـ920,000 في أغسطس)، فيما يبلغ معدل التضخم الرسمي نحو 40 في المائة، في حين تؤكد مصادر مستقلة أن الرقم الحقيقي يتجاوز 50 في المائة.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، ارتفعت أسعار عشرة سلع أساسية مثل اللحوم والأرز والدجاج بنسبة 51 في المائة خلال عام واحد، كما قفزت تكاليف السكن والخدمات البلدية بشكل حاد.
وقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من اللحم الأحمر نحو 12 دولاراً، وهو مبلغ أصبح خارج متناول العديد من العائلات.
روايات من الشارع: "نزداد فقراً كل يوم"
وفي السياق، قال عليرضا، موظف حكومي يبلغ من العمر 43 عاماً في طهران، لـ"رويترز": "أتقاضى حوالي 34 مليون تومان شهرياً (نحو 300 دولار). زوجتي بلا عمل بعدما أُغلقت شركتها. لدينا طفلان، ولا نستطيع دفع الإيجار أو مصاريف المدرسة. لا نعرف ماذا نفعل بعد الآن".
وقالت سيما، عاملة في مصنع بمدينة شيراز، وتبلغ 32 عاماً: "الأسعار ترتفع كل يوم. لم نتمكن منذ شهر من شراء اللحم للأطفال. العقوبات الجديدة تعني أن الأمور ستزداد سوءاً".
الخوف من انتفاضات جديدة
وأوضح مسؤول آخر في النظام الإيراني أن النخبة الحاكمة تخشى أكثر من أي وقت مضى تكرار الاحتجاجات الواسعة المشابهة لتلك التي شهدتها البلاد في أعوام 2017 و2019 و2022.
وأضاف أن الاعتماد على مبدأ "الاكتفاء الذاتي" لم يعد يقنع الشارع الإيراني، لأن الفساد البنيوي، واتساع الفجوة الطبقية، وسوء الإدارة العامة قضت على ما تبقى من ثقة لدى المواطنين.
وأشار إلى أن الأسواق والطبقة الوسطى وحتى موظفي الدولة يعانون من الضغوط الاقتصادية نفسها.
وقال تاجر فواكه للتصدير: "مع هذه العقوبات والخوف من الهجمات الإسرائيلية، لا أعلم إن كنت سأتمكن من التصدير الشهر المقبل. وكيف يُفترض أن أواصل عملي؟".
ويحذر الاقتصاديون من أن إيران على أعتاب مرحلة "ركود تضخمي"، أي الجمع بين الركود الاقتصادي والتضخم المفرط، وهي حالة قد تؤدي إلى انهيار العملة الوطنية، وإغلاق المصانع، واندلاع اضطرابات سياسية واسعة النطاق.
ويقول أميد شكري إن التنسيق بين الولايات المتحدة وأوروبا في تنفيذ العقوبات سيجعل التأثير الاقتصادي على طهران مدمّراً، بينما أي تراخٍ من واشنطن قد يمنح النظام الإيراني وقتاً إضافياً للالتفاف على القيود.
ويجمع كثير من المراقبين على أن النظام الإيراني، وفق مصادره الداخلية، يدرك أن انفجاراً اجتماعياً جديداً يقترب، لكن عجزه عن إصلاح الأوضاع الاقتصادية وتراجع خياراته الخارجية يجعلان المواجهة القادمة مسألة وقت لا أكثر.

ذكر مركز الأبحاث الأميركي "مجلس الأطلسي" في تحليلٍ جديد حول احتمال توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران، أنَّه عندما يتدخل دونالد ترامب شخصيًا، يمكن أن يصبح المستحيل ممكنًا.
وأوضح المجلس في تحليله الصادر اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 أن الحرب التي استمرت 12 يومًا، والهدنة الأخيرة بين إسرائيل وحماس، وخاصة ازدياد عزلة النظام الإيراني على الساحة الدولية، طرحت تساؤلات جديدة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد بين واشنطن وطهران.
وأشار التقرير إلى أن الهدنة في غزة أظهرت أنه عندما يتدخل الرئيس الأميركي شخصيًا ويستخدم كل نفوذه وتكتيكاته التفاوضية الإبداعية، يمكن تحقيق ما كان يبدو مستحيلاً. ومع ذلك، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين والأميركيين والمنطقة بأسرها لا يزال أمامهم طريق طويل لضمان عدم اندلاع الصراع مجددًا.
وأضاف المجلس أن ترامب وفريقه يمكنهم البناء على الزخم الذي أوجدته هدنة غزة، وأن يركّزوا جهودهم على التوصل إلى اتفاق إقليمي أوسع يشمل إيران.
ولتحقيق هذا الهدف، ثمة مساران رئيسيان مطروحان:
1. اتفاق تفاوضي يمكن أن يؤدي إلى تسوية طويلة الأمد.
2. هدنة هشة قد تُنتهك بين الحين والآخر بتجدد الاشتباكات.
وأكد المجلس أن كلا المسارين ينطويان على مخاطر وفرص في الوقت ذاته.
السيناريو الأول: "اتفاق كبير وجميل"
يرى "مجلس الأطلسي" أن مثل هذا الاتفاق الكبير والجميل سيتطلب من الولايات المتحدة أن تتيح للنظام الإيراني مسارًا يشمل رفع العقوبات، ودمجها في مشاريع التنمية الاقتصادية الإقليمية، وضمانًا ضد أي هجوم إسرائيلي جديد.
وفي هذا السيناريو، يجب على واشنطن أن تقدم عرضًا يكون من الواضح أنه أفضل لطهران من أي بديل آخر.
لقد أنفقت طهران مليارات الدولارات على برنامجها النووي، وتراه ركيزة ردع ضد الهجمات الخارجية، وكذلك مصدرًا للفخر الوطني.
وبعد الحرب التي استمرت 12 يومًا، تسعى طهران إلى استثمار موجة المشاعر القومية لتعزيز موقفها الداخلي.
وفي ظل إضعاف حزب الله وحماس، وتراجع الحليف السوري، وانخفاض القدرات العسكرية الإيرانية، أصبح البرنامج النووي ورقة المساومة الأساسية لدى طهران.
ولإنجاح أي اتفاق، على الولايات المتحدة أن تعيد بناء الثقة المفقودة، وأن تتعهد بعدم الانسحاب من الاتفاق إلا في حال حدوث خرق واضح، وأن تصمم آلية تحول دون تكرار الهجمات الإسرائيلية.
وفي المقابل، ينبغي على طهران أن تلتزم بوقف تسليح الميليشيات التابعة لها والتخلي عن برنامجها السري لتطوير الأسلحة النووية.
ولإرضاء إسرائيل، يجب على واشنطن أن تستخدم مزيجًا من الحوافز والضغوط، بما في ذلك اتفاقات دفاعية جديدة والوساطة في وقف إطلاق النار مع الحوثيين.
ومع ذلك، فإن تعقيد القضايا وانعدام الثقة العميق يجعل تحقيق مثل هذا الاتفاق أمرًا بالغ الصعوبة، في ظل استمرار خطر قيام إسرائيل بعمل عسكري جديد في أي وقت.
السيناريو الثاني: مرحلة "توازن سامّ وهشّ"
في هذا السيناريو، تبقى الأوضاع في حالة استقرار خطير، بينما تبقى المخاوف الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني بلا حل.
قد تستمر المفاوضات، ولكن من دون أي تقدم ملموس.
وفي حال تجاوز طهران الخطوط الحمراء- مثل استئناف تخصيب اليورانيوم أو الحد من وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية- فإن احتمال قيام إسرائيل بشن هجمات جديدة على إيران سيرتفع بشكل كبير.
وقد يؤدي صراع جديد إلى استنزاف منظومات الدفاع الأميركية والإسرائيلية، ويفرض تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة على إسرائيل.
من ناحية أخرى، فإن رد الفعل الإيراني الأكثر تشددًا، وتشكيل "مجلس الدفاع الوطني" مجددًا، وتصاعد التهديدات المباشرة من القادة الإيرانيين، كلها مؤشرات على أن طهران ترى نفسها في حالة "حرب كامنة".
وقد يؤدي أي صراع جديد إلى رفع احتمالية تغيير النظام في إيران وزيادة عدم الاستقرار الإقليمي.
كما أن استمرار هذا الوضع يهدد المصالح التجارية الأميركية واستقرار الخليج، بدءًا من أمن الملاحة وحتى أسعار الطاقة.
وبالتالي، فإن هذا السيناريو يمثل استمرارًا لأزمة لا يخرج منها أي طرف منتصرا.
آفاق حلّ مبتكر و"ربح للطرفين"
خلص "مجلس الأطلسي" إلى أن اتفاقًا شاملاً سيكون أفضل نتيجة ممكنة لجميع الأطراف، لكنه صعب التحقيق والاستمرار، لأنه يتطلب تركيزًا دقيقًا، وإعادة بناء الثقة المفقودة، والتخلي عن المواقف المتطرفة من قبل كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
وأضاف أن استمرار الوضع الحالي سيقود نحو "توازن سامّ وهشّ"، قد ينفجر بين الحين والآخر مع أي تصعيد جديد، إذ يحاول كل طرف فرض "خطوطه الحمراء"، ما يزيد من خطر اتساع الصراع وتداعياته الإقليمية.
ومع ذلك، يبقى هناك بصيص أمل بأن يتمكن ترامب ومستشاروه المقربون- وخاصة ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر- من استثمار خبراتهم في عقد الصفقات، التي ظهرت سابقًا عندما نجحوا في تحقيق هدنة بين إسرائيل وحماس بعد حرب استمرت عامين، ليهيئوا الأرضية نحو تسوية مبتكرة ومربحة للطرفين.
وختم "مجلس الأطلسي" تحليله بالتأكيد أن مثل هذا الحلّ يمكن أن يحوّل مسار المواجهة نحو مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا للمنطقة بأكملها.

تُظهر صورٌ فضائيةُ جديدة أن إيران شرعت في إعادة إعمار واسعة بالموقع السابق لمجمع "طالَقان-2"، الذي تعرَّض لهجوم إسرائيلي في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وهو ما أثار مخاوفٍ من احتمال إحياء جزءٍ من برنامجها النووي السابق.
وقد أفاد معهد العلوم والأمن الدولي بنشره لصورٍ فضائيةٍ جديدة تُبيّن أن إعمارًا واسع النطاق انطلق في موقع "طالَقان-2" منذ منتصف عام 2025، حيث شُيِّدت عدة منشآت ذات سقفٍ قوسي فوق قواعدٍ خرسانيةٍ طُبعت حديثًا.
وبدأت أعمال التحضيرات العمرانية في موضع المبنى السابق "طالَقان-2" منذ منتصف مايو (أيار) 2025، وتظهر صور يوم20 مايو 2025 غطاءً مؤقتًا أسودا فوق بقايا المنشأة.
وفي12 يونيو (حزيران) 2025 سُجِّلت أعمال تمهيد الأرض وصبّ الأساسات أمام ذلك الغطاء المؤقت، وتواصلت أعمال البناء لاحقًا؛ ويجري التنويه هنا إلى أن هذا الموقع لم يُقصَد بالقصف خلال "حرب الأ12 يومًا".
وبحلول30 أغسطس (آب) 2025 كان مبنى قوسيًّا كبيرًا بأبعاد تقارب45 × 17 مترًا قد شُيِّد فوق الغطاء المؤقت قيد الإنشاء، كما بُني مبنيان قوسيان أصغر (حوالي20 × 7 مترا) على جانبيه وفي مواجهة القواعد الخرسانية. وتُظهر صور27 سبتمبر (أيلول) 2025 إضافة قوسٍ ثالثٍ وتقدّمًا في بناء بقية المنشآت.
تصميم غطاء الأرض وتخطيط هذين المبنيين الجانبيين يوحيان بأنه، إذا ما غُطيَتْ لاحقًا بالتربة، فبإمكانهما أداء دور "مخابئ" واقية، كما أن في المؤخرة ثمة ما يشبه "فخا انفجاريا" مُخطَّطًا لتقليل أثر موجة التفجير. كذلك لوحظ إنشاء منشأة داعمة غير محددة الوظيفة على بعد نحو 200 مترا شرقيًّا من المجمع، على طول الطريق الدائري الشرقي ومشرفةً على مبنى "طالَقان-1"، وقد بدأت أعمال هذا المرفق الدعمِي منذ مايو 2025.
ويؤكد الباحثون في المعهد أن تحديد الهدف الدقيق من هذا المشروع لا يمكن أن يتمَ عبر صورٍ فضائية فحسب، وأنه من الممكن أن تكون له أغراضٌ غير نووية كذلك؛ ومع ذلك فإجراءَ أعمالٍ دقيقة في موقعٍ كان مرتبطًا سابقًا ببرنامج "آماد"- الذي نُسبت إليه في السابق بنى تحتية متعلّقة بتطوير قدرات متصلة بالأسلحة النووية- يبعث على القلق.
ورغم غياب أدلةٍ مباشرة تُشير إلى نشاطات متعلقة بالأسلحة النووية، يشير المعهد إلى ضرورة التحقق ممَّا إذا كانت هذه الترتيبات قد تُستخدم لإعادة بناء "غرفة اختبار تفجيري" أو لاستئناف إنتاج متفجراتٍ بلاستيكية، وهي قدراتٍ سبق الإشارة إليها في إطار برنامج "آماد".
يفترض المحلّلون أن المبنى الكبير قد يُنشأ ليُستخدم من أجل إجراء اختبارات تفجيرية أو إنتاج متفجرات، بينما قد تُستَخدم المباني الأصغر لأغراض التحكم أو الكشف أو دعم عمليات الاختبار/الإنتاج.
وبسبب الأسقف القوسية، ثمة احتمالٌ أن تُغطَّى المنشآت كلها لاحقًا بالتربة لتقوية دورها كمخابئ وحمايتها من الضربات الجوية المستقبلية؛ وفي هذه الحالة قد تؤدي المنشآت الجانبية دور مداخل أو "فخوخ" لتخفيف أثر الانفجار.
يُشدِّد الباحثون على أن استنتاجاتٍ أدق تتطلّب معلومات إضافية وفحوصًا ميدانية وتحليلات متابعة، مشيرين إلى مواصلة رصدهم الفضائي للموقع والإبلاغ عن أي تغييراتٍ ملحوظة.
وفي غياب بياناتٍ إضافية يبقى السؤالُ الرئيسي قائمًا: هل هذه المباني مشاريعُ إنشاءاتٍ مدنية بحتة أم إنها مؤشراتٌ على محاولةٍ لإعادة إحياء قدراتٍ مرتبطة ببنية تسليحية قديمة؟