أعلن رئيس البرلمان السابق، علي لاريجاني، ترشحه للانتخابات الرئاسية في إيران، اليوم الجمعة، بعد أن عاد اسمه للواجهة، كأحد أشهر مرشحي الرئاسة الإيرانية، عقب الإعلان عن وفاة رئيسي.
أشار أستاذ الاقتصاد الإيراني، فرشاد مؤمني، إلى الدور الأساسي للفئة العمرية 15-26 عاما في إمكانية ظهور سلسلة من الحركات الثورية المعروفة باسم "الربيع العربي" في بلاده، محذرا من أن هذه الفئة العمرية تشكل نقطة محورية يجب أن تكون سلطات النظام حذرة في التعامل معها.
واعتبر مؤمني، رئيس معهد الدراسات الدينية والاقتصادية، في حديث لموقع "جماران"، أن الإحصائيات الرسمية لنسبة البطالة في البلاد ليست دقيقة، وقال: "نحن في أسر عناوين غير واقعية".
وأشار مؤمني إلى معدل البطالة الرسمي البالغ 10 بالمائة، وقال إن هذه الإحصائية تهدم الشرعية بدل أن تساندها، لأن كل أسرة فيها العديد من العاطلين عن العمل.
وبحسب مستشار رئيس الوزراء في عهد مير حسين موسوي، فإن الإعلان عن هذه الإحصائيات بهذه الطريقة هو بمثابة "رش الملح على الجرح".
سياقات "الربيع العربي" في إيران
وقال فرشاد مؤمني، عضو هيئة التدريس بجامعة طباطبائي بطهران، مشيرا إلى البحث الشامل الذي أجري حول نشأة الحركات الثورية في الدول العربية من 2010 إلى 2012، إن كل تلك الدراسات كانت لها نتيجة واحدة مشتركة، وهي دور الفئة العمرية من 15 إلى 26 سنة في نشوء "الربيع العربي".
وفي وصف هذه الفئة العمرية بإيران، قال مؤمني إنه لا يوجد أثر لهذه الفئة في نظام البيانات الوطني، فهم لا يعملون ولا يدرسون ولا يتعلمون مهارات؛ أي أنهم في قمة قدرتهم العقلية والبدنية لا يوجد لهم أي أثر في أي نشاط مفيد للمجتمع.
ماذا تقول البيانات الرسمية؟
وسبق أن نشرت قناة "إيران إنترناشيونال" تفاصيل أحدث البيانات الرسمية لمركز الإحصاء في تقرير لها، ورغم أن تقارير مركز الإحصاء الإيراني، كما أشار فرشاد مؤمني، بعيدة كل البعد عن الواقع، إلا أن هذه الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن معدل البطالة للفئة العمرية 15-24 سنة هو 21.2 بالمائة.
وفي جزء آخر من حديثه، أشار مؤمني إلى تقرير نشرته وزارة العمل قبل عامين، وقال إن 70 بالمائة من العاطلين عن العمل من النساء. متسائلا: هل يمكن النظر إلى التطورات الأخيرة في إيران (الاحتجاجات النسوية المطالبة بالحرية وقضية الحجاب) من خلال هذه المعلومة؟.
ويشير تقرير مركز الإحصاء الإيراني إلى أنه في حين بلغ معدل البطالة الإجمالي للفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة 21.2 بالمائة العام الماضي، فإن هذا المعدل للنساء في هذه الفئة العمرية بلغ 31.8 بالمائة.
أشار محمود واعظي، رئيس مكتب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، في مقابلة أجريت معه، إلى عدم رغبة المرشد علي خامنئي، في تعيين علي شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي في عام 2013. وقد نُشرت هذه المقابلة عشية فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في إيران.
وتحدث واعظي في هذه المقابلة، التي نشرت على موقع "انتخاب"، عن الخلاف العميق بين روحاني وعلي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك، بشأن إحياء الاتفاق النووي.
وبحسب قول واعظي، فبينما كان حسن روحاني يحاول إحياء الاتفاق النووي في إدارته الثانية، لم تكن أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، برئاسة علي شمخاني، متوافقة مع استراتيجية روحاني هذه، بل وعرقلت إحياء الاتفاق النووي.
وقال إنه لو كانت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي مع روحاني، لكان من الممكن إحياء الاتفاق النووي في الحكومة الثانية عشرة.
ويكشف هذا الخلاف بين روحاني كرئيس للمجلس الأعلى للأمن القومي وشمخاني كأمين لهذا المجلس، عن عمق الخلافات في أعلى مؤسسة لصنع القرار وتنسيق السياسات الأمنية والخارجية للنظام الإيراني.
خلافات سابقة بالمجلس الأعلى للأمن القومي
وهذا هو المثال الثالث والخلاف الأعمق في المجلس الأعلى للأمن القومي الذي ينكشف خلال 35 عاما من عمر هذه المؤسسة.
الخلاف الأول أصبح علنيا في عام 2005، عندما تم انتخاب محمود أحمدي نجاد للرئاسة، وكان هناك خلاف مع حسن روحاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي آنذاك، حول كيفية إدارة القضية النووية.
وقال روحاني في كلمة له، إن محمود أحمدي نجاد طلب منه حينها الاتصال بمحمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية آنذاك، وإبلاغه بأن إيران مستعدة لدفع كافة نفقات الوكالة للتأثير على قراراتها.
وأكد روحاني أنه أبلغ أحمدي نجاد أن أمراً كهذا غير ممكن، وأنه لا يستطيع الاستمرار في العمل كأمين للمجلس الأعلى للأمن القومي في مثل هذه الظروف، ومن الأفضل أن يعين أحمدي نجاد شخصاً آخر مكانه.
محمود واعظي وعلي شمخاني
الخلاف الواضح الثاني بين أمين المجلس الأعلى للأمن القومي ورئيس الجمهورية حدث مرة أخرى خلال رئاسة أحمدي نجاد.
ولم يستقل علي لاريجاني، الذي تم تعيينه في منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي بدلاً من روحاني، من هذا المنصب إلا بعد عامين من العمل فيه (2005-2007)، بسبب خلاف عميق مع أحمدي نجاد، وتم استبداله بسعيد جليلي، الذي كان متفقاً مع أحمدي نجاد.
وكانت نتيجة تعاون هذين الشخصين (جليلي ونجاد) موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على 6 قرارات بفرض عقوبات ضد إيران.
وبعد بدء رئاسة حسن روحاني عام 2013، كان يُعتقد أن اقتراح علي شمخاني لمنصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، رافقه قبول المرشد علي خامنئي، لأن شمخاني خدم قبل ذلك 6 أعوام بأمر مباشر من خامنئي، وفي الفترة من 1989 إلى 1997، كقائد مشترك للقوات البحرية للجيش والحرس الثوري الإيراني.
وكان شمخاني أيضًا وزيرًا للدفاع في حكومة خاتمي لمدة 8 سنوات بين عامي 1997 و2005. ولم يكن مثل هذا الأمر ممكنا من دون موافقة خامنئي.
رفض المرشد تعيين شمخاني وتمسك روحاني
لكن الآن كشف محمود واعظي- للمرة الأولى- في مقابلته أن خامنئي لم يرحب باقتراح روحاني تعيين شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي.
ويقول واعظي إن خامنئي لم يوافق على شمخاني مرة أو مرتين، وقال لروحاني إنه من الأفضل اختيار شخص آخر لهذا المنصب.
كان علي شمخاني، إلى جانب أشخاص مثل محسن رضائي وغلام علي رشيد، عضواً في المجموعة الخوزستانية للحرس الثوري الإيراني، التي حكمت الحرس الثوري الإيراني في الثمانينيات والنصف الأول من التسعينيات.
ومن المعروف أنه خلال الحرب الإيرانية العراقية، لم تكن علاقة خامنئي جيدة مع قادة الحرس الثوري الإيراني، الذين كان معظمهم أعضاء في فريق خوزستان، وكان أقرب إلى الجيش.
علي شمخاني
وفي عام 1985، عندما حاول علي خامنئي إقالة مير حسين موسوي من رئاسة الوزراء، كان محسن رضائي، قائد الحرس الثوري الإيراني، هو الذي كتب رسالة إلى روح الله الخميني، المرشد الإيراني في ذلك الوقت، قائلاً إن هذه القضية تضعف معنويات المقاتلين في الحرب، ومنع إقالة موسوي.
ولم ينس خامنئي أبدًا موقف قادة الحرس الثوري الإيراني ضده. على الرغم من أنه بعد بداية قيادة خامنئي عام 1989، أصبح هو والحرس الثوري الإيراني قريبين من بعضهما بعضا، وقرأ علي شمخاني إعلان ولاء قادة الحرس الثوري الإيراني لخامنئي في نفس صيف عام 1989، ولكن بعد استقالة محسن رضائي من قيادة الحرس الثوري الإيراني عام 1997، لم يمنح خامنئي أبداً منصب قيادة الحرس لأعضاء آخرين في فريق خوزستان، وهم علي شمخاني وغلام علي رشيد، بينما كان هذان القائدان الكبيران يخدمان في الحرس.
وتكرر هذا النهج في عام 2016 عندما تم انتخاب رئيس جديد لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة بدلاً من حسن فيروز آبادي. وفي حين كان غلام علي رشيد نائبا لرئيس الأركان العامة لمدة 17 عاما من عام 1999 إلى عام 2016 وكان من المتوقع أن يتم انتخابه لهذا المنصب، إلا أن الرئاسة أعطيت لشخص من خارج الفريق الخوزستاني للحرس الثوري الإيراني، وهو اللواء محمد باقري.
الاختلاف بين روحاني وشمخاني
ورغم أن رفض خامنئي تعيين شمخاني أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي حسم بإصرار روحاني، إلا أن محمود واعظي كشف سراً آخرا.
فقد أكد واعظي أن روحاني، خلال إدارته الثانية، اختلف مع شمخاني بشأن إحياء الاتفاق النووي، وبينما كان روحاني يحاول إحياء الاتفاق، كان شمخاني في الواقع يعرقله.
وأضاف واعظي أنه لهذا السبب حاول روحاني عدة مرات إقالة شمخاني، لكن ذلك كان يتطلب موافقة المرشد والرئيس، ولم يوافق خامنئي على إقالة شمخاني.
وليس هناك شك في أن كبار قادة الحرس الثوري الإيراني كانوا ضد الاتفاق النووي، ومنذ اليوم الأول للتوقيع على الاتفاق في عام 2015، حاولوا تعطيل تنفيذه، وأطلقوا صواريخ تحمل كتابات بعنوان تدمير إسرائيل، وهو ما تناقلته الأخبار واعتبرته الدوائر السياسية معارضة للاتفاق النووي.
إن تصريحات واعظي لا تكشف فقط الخلافات بين روحاني وشمخاني، والاختلافات بين خامنئي وروحاني، ولكنها تكشف أيضًا عن قضية أكثر أهمية، وهي الخلافات الواسعة والاستراتيجية في المجلس الأعلى للأمن القومي باعتباره أعلى هيئة لصنع القرار، وتنسيق الشؤون السياسية والدفاعية والأمنية للنظام الإيراني.
وتظهر هذه الخلافات، إلى جانب الخلافات القوية بين روحاني وقادة الحرس الثوري الإيراني بشأن طريقة الإعلان عن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية، مدى عمق الخلافات في المجلس الأعلى للأمن القومي.
إن المجلس الأعلى للأمن القومي، ومجلس الأمن القومي، باعتباره فرعاً منه، هما المؤسستان المسؤولتان عن تحديد مستوى القمع في الاحتجاجات الشعبية.
الكشف عن الأسرار والترشح للرئاسة
والسؤال هو: هل كبار المسؤولين في النظام الإيراني الذين أظهروا أنهم متحدون عندما يتعلق الأمر بقمع الاحتجاجات مثل احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 و2022، هل هم متحدون حقًا، أم أن اختلافاتهم حول كيفية التعامل مع مطالب المحتجين ظلت مخفية؟
والسؤال الآخر هو: هل لهذه المقابلة التي أجراها محمود واعظي، والتي نشرت قبيل تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية، علاقة باحتمال ترشح علي شمخاني في هذه الانتخابات؟ وهل ينوي خصوم شمخاني التلميح إلى أنه غير مقبول لدى المرشد؟
أطلقت وسائل الإعلام الإيرانية، دعاية واسعة النطاق، حول خاتم إبراهيم رئيسي، الذي كان في يده وقت الحادث، بعد العثور على جثته في موقع تحطم المروحية، التي كانت تقله ومرافقيه.
وانتشر فيديو "لحظة العثور" على هذا الخاتم بوسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث أظهره أحد الأشخاص أمام الكاميرا، ويعد نشر هذا الفيديو هو أحدث مثال على استخدام النظام الإيراني للخواتم كأداة للدعاية السياسية.
لكن كيف دخل الخاتم إلى الدعاية في إيران، وكيف يستخدمه مسؤولو النظام بما يتماشى مع أهدافهم السياسية؟
من خاتم قاسم سليماني إلى خاتم إبراهيم رئيسي إن نشر صور خاتم إبراهيم رئيسي ذكّر المواطن الإيراني على الفور بخاتم قاسم سليماني. في عام 2020، وفي حالة مماثلة، أطلقت الجمهورية الإسلامية دعاية واسعة النطاق حول خاتم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في ذلك الوقت، بعد مقتله في العراق بأمر من الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب.
وفي ذلك الوقت، انتشرت صورة خاتم سليماني في يده المقطوعة على نطاق واسع في وسائل الإعلام وحسابات المستخدمين لمؤيدي النظام على شبكات التواصل الاجتماعي.
ووصلت الدعاية حول هذا الخاتم إلى حد أنه بعد عامين، عندما تم اختراق موقع صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، والذي نسب إلى قراصنة مرتبطين بإيران، تم وضع صورة على الصفحة الأولى من هذا الموقع، وكانت هناك إشارة إلى خاتم قاسم سليماني.
في تلك الصورة تم رسم صاروخ يطلق من خاتم (تذكر بخاتم يد قاسم سليماني المقطوعة) باتجاه مكان يرمز لموقع ديمونا النووي الإسرائيلي، ودونت هذه الجملة من سليماني موجهة إلى إسرائيل: "نحن أقرب إليكم مما تظنون، في الموقع الذي لا تتخيلونه". ووصلت الدعاية الواسعة لخاتم قاسم سليماني إلى مرحلة "التسويق"، حيث يقوم بعض تجار المجوهرات في إيران ببيع خواتم محفور عليها صورة قاسم سليماني، على سبيل المثال.
دور خامنئي في تضخيم موضوع الخاتم كان المرشد الإيراني روح الله الخميني، يرتدي خاتمًا مثل غيره من المتدينين، لكن علي خامنئي، خليفته، هو الذي أدخل الخاتم في الدعاية السياسية للنظام. وفي أحدث مثال على ذلك، "بارك" خامنئي، خلال زيارته معرض الكتاب في طهران قبل أسابيع، خاتم امرأة، وأعطاه لأحد أصحاب الغرف في المعرض ليعطيه لمريضة.
وسبق أن أهدى المرشد الإيراني، خاتما في العديد من المناسبات لمن يأتون لزيارته بشكل رسمي.
ويستخدم خامنئي هدايا الخواتم بشكل خاص لإرسال رسائل سياسية وقبل بضع سنوات، أعطى خاتمًا من عقيق إلى علي رضا كريمي، المصارع الإيراني الذي، بناء على طلب مدربيه، تعمد الخسارة أمام منافسه الروسي على خلال البطولة البولندية، حتى لا يواجه منافسًا إسرائيليًا في الجولة التالية للبطولة.
وفي مثال آخر، في عام 2019 وبعد أن استهدفت القوات المسلحة الإيرانية طائرة أميركية مسيرة في المياه الخليجية قام المرشد بإهداء خاتم لمن قيل أنه ضغط على زر الصاروخ الذي أسقط المسيرة.
كما يقوم المسؤولون الآخرون بتقليد خامنئي في عادة إهداء الخواتيم ويقدمون لأتباعهم هدايا على شكل خواتم بهئيات وصور مختلفة.
وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، وبالتزامن مع زيادة عدد الأضرحة والمراقد زاد أيضًا بيع الخواتم بشكل كبير.
إذا كانت فرضية "إزالة رئيسي" عن الحكم في إيران حقيقة، فالسؤال هو، وفق أي خطة قامت "المافيا" التي لم تعد ترغب بوجود "رئيسي"، بإزاحته عن السلطة؟
في أول تعليق له بعد مصرع الرئيس الإيراني قال رئيس السلطة القضائية، محسني إيجه إي، إن رئيسي "كان عنصراً تتفق عليه التيارات المختلفة".
في الأنظمة الاستبدادية، يتم تحديد الأدوار والخطط المستقبلية دائمًا خلف الكواليس، ولا مكان للمواطنين للتدخل واختيار الأدوار وخلقها، حيث نقرأ في تقارير مختلفة أن لجنة في مجلس الخبراء هي التي تقرر من هو المرشد المستقبلي، ولا أحد يعلم بقرارات تلك اللجنة إلا المرشد ودائرته الصغيرة الموثوقة.
لكن العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية في العقود الأخيرة تظهر أنه حتى تلك اللجنة ليست صاحبة القرار الرئيس، وأن "المافيا" المكونة من عسكريين ورجال دين معينين، تحت إشراف علي خامنئي، تحدد المرشد المستقبلي "وفقا لمعايير خاصة" وتبلغ الخبراء بذلك، والخبراء بمثابة آلة للتوقيع على ذلك القرار والتعيين.
وقد تم أيضًا تنفيذ عمليات استبعاد واسعة النطاق لضمان عدم قيام أي متطفل بتعطيل آلة التوقيع هذه، مثلما حدث باستبعاد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني على سبيل المثال من انتخابات مجلس خبراء القيادة.
ولكن ما الشرط الخاص لتعيين خليفة المرشد؟ الشرط هو استمرار وتأمين المصالح الاقتصادية والعسكرية لتلك المافيا.
إذا قبلنا هذه الصورة، يمكننا أن نفهم بشكل أفضل معنى تصريح إيجه إي.
كان رئيسي "العنصر المتفق عليه" من مختلف عناصر تلك المافيا. فإذا كان مصرع رئيسي نتيجة حادث طبيعي بعيدا عن المؤامرات، فلا بد أن تصل المافيا إلى "عنصر آخر متفق عليه"، أما إذا كان مصرع "رئيسي" نتيجة "مؤامرة" وليس حادثا طبيعيا، فهذا يعني أن هناك خلافاً بين المافيا ولم يعد رئيسي "متفقا عليه".
بمعنى آخر، إذا كانت فرضية "إزالة رئيسي" عن السلطة في إيران حقيقة، فالسؤال هو، وفق أي خطة قامت المافيا التي لم تعد ترغب بوجود رئيسي، بإزاحته عن السلطة؟
وإذا كانت تلك الحادثة طبيعية، فلا يزال السؤال مطروحا، على من ستتفق المافيا؟
إن "حكومة المافيا" التي تتخذ كافة القرارات بعيداً عن أعين المواطنين، لم تترك سبيلاً للوصول إلى الحقائق، ونتيجة لذلك فإن الإجابة على هذا السؤال غير واضحة؛ ولكن من بين كل هذه الشكوك والتساؤلات، هناك شيء واحد واضح وهو: في العقدين الماضيين، لم يتم نفي شائعة خلافة مجتبى خامنئي للمرشد رسمياً ولو بسطر واحد.
وفي نظام يعلق مرشده حتى على تفاصيل مثل "إرسال معسكر طلابي إلى جزيرة كيش" ويمنع ذلك، وأحياناً يتفاعل مع أصغر الشائعات، فإن مثل هذا الصمت ليس طبيعياً على الإطلاق.
وهذا الصمت في حد ذاته يمكن أن يكون حقيقة، خاصة إذا اعتقدنا أن "السكوت علامة الرضا" في مثل هذه الحالة الحساسة.
أدى مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في منتصف فترة ولايته الرئاسية إلى بدء عملية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة في إيران.
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها النظام السياسي الإيراني مثل هذا الوضع بعد ثورة 1979.
وفي السابق، أدت وفاة المرشد روح الله الخميني عام 1989 وانتخاب الرئيس آنذاك علي خامنئي لمنصب المرشد إلى تقصير الفترة الثانية لرئاسة خامنئي بمقدار شهرين.
وقد استقال خامنئي من الرئاسة فور انتخاب الرئيس الجديد في أغسطس (آب) من ذلك العام.
ومع ذلك، منذ وفاة الخميني وحتى الانتخابات الرئاسية، لم يتم انتخاب رئيس بالوكالة، وكان علي خامنئي رئيسًا ومرشداً مؤقتًا في نفس الوقت.
وفي عام 1981 أيضاً، تسببت إقالة أبو الحسن بني صدر ومقتل محمد علي رجائي، بفارق أشهر قليلة، في عدم تمكن هذين الرئيسين من إكمال فترة ولايتهما الرئاسية.
ما هو وضع إيران؟
وجاء مصرع إبراهيم رئيسي في وقت تتزايد فيه الاحتجاجات في الداخل الإيراني بسبب سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
من الناحية السياسية، أجرت إيران مؤخراً انتخابات شهدت نسبة إقبال منخفضة للغاية، وهو ما يدل على أن غالبية الإيرانيين لا يثقون في صناديق الاقتراع.
ومن الناحية الاقتصادية أيضًا، أدى ارتفاع الأسعار والتضخم إلى جعل الحياة اليومية صعبة على الإيرانيين.
وتواجه سلطات النظام الإيراني ضغوطا دولية بسبب برنامج طهران النووي المثير للجدل، وتعميق العلاقات العسكرية مع روسيا خلال حرب أوكرانيا.
وفي المجال العسكري أيضًا، أدت حرب غزة إلى زيادة التوترات بين إيران وإسرائيل.
من هو الرئيس المؤقت؟
وفقًا للمادة 131 من دستور إيران، "في حالة وفاة الرئيس أو إقالته أو استقالته أو غيابه أو مرضه لأكثر من شهرين، أو في حالة انتهاء فترة ولايته ولم يتم انتخاب الرئيس الجديد بعد بسبب عوائق، أو أمور أخرى، يتولى المساعد الأول للرئيس صلاحياته ومسؤولياته بموافقة المرشد".
والآن يواجه محمد مخبر، المساعد الأول للرئيس الإيراني، مهمة جديدة من المرشد علي خامنئي.
وكتب خامنئي في رسالة، يوم الاثنين 20 مايو (أيار)، أن مخبر يتم تعيينه في منصب إدارة السلطة التنفيذية وفقا للمادة 131 من الدستور.
وبذلك وافق خامنئي على أن يصبح مخبر رئيسا مؤقتاً.
وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور إنه منذ يوم الأحد (19 مايو/أيار)، "عندما وقع ذلك الحادث تم إبلاغ المساعد الأول للرئيس بالأمور اللازمة، وأخذ يقوم بتسيير الأمور".
والآن ما هي عملية الانتخابات المقبلة؟
بحسب المادة 131 من الدستور الإيراني، وبعد أن تولى المساعد الأول للرئيس صلاحيات ومسؤوليات الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، "يلتزم مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية والمساعد الأول للرئيس بترتيب انتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يوما".
كما أكد هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، يوم الاثنين 20 مايو (أيار)، على تطبيق هذا القانون، وقال: "لا توجد مشكلة قانونية في هذا الصدد، والعملية ستتم وفق القانون".
وأشار نظيف إلى تصريح خامنئي قبل العثور على جثة رئيسي عندما قال: "لا ينبغي لشعب إيران أن يقلق، لن يكون هناك أي خلل في إدارة البلاد".
وقال محمد صالح جوكار، رئيس لجنة الشؤون الداخلية والمجالس، في مقابلة مع وكالة "برنا" للأنباء: "نظراً لبقاء عام واحد على ولاية الحكومة الـ13، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان الرئيس الذي سيتم انتخابه ستكون فترته سنة أو 4 سنوات".
وأضاف: "في هذا السياق فإن القانون قد حدد ما ينبغي فعله، وسيتم انتخاب الرئيس لولاية مدتها 4 سنوات". وتعتبر مسألة مشاركة الشعب في الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران قضية أساسية، لأن تجربة الانتخابات السابقة أظهرت أن الناس ليس لديهم رغبة كبيرة في المشاركة في الانتخابات في الوضع الحالي.
مَن هم المرشحون المحتملون لمنصب الرئيس؟
ويتيح مصرع رئيسي فرصة للتيار الأصولي والإصلاحيين لتقديم مرشحيهم.
ومن بين أعضاء الحكومة الحالية، فإن احتمال ترشيح محمد مخبر هو الأعلى، لأن أمامه 50 يوما ليظهر نفسه على أنه الشخص الثاني في البلاد.
وفي التسعينيات نشأ مخبر في دائرة المؤسسات التابعة لمكتب المرشد من خلال عمله في مؤسسة المستضعفين وحظي بثقة المرشد.
وسيكون محمد باقر قاليباف، الرئيس الحالي للبرلمان الإيراني، أحد المرشحين المحتملين الآخرين.
وسبق أن حاول قاليباف عدة مرات الوصول إلى هذا المنصب من خلال الترشح لرئاسة الجمهورية، لكنه في كل مرة كان يفشل لسبب ما.
وداخل البرلمان، يواجه قاليباف معارضين من التيار الأصولي، وقد يكون هناك المزيد من الفضائح ضده من أجل منعه من الترشح للانتخابات الرئاسية.
ومن بين المعتدلين، يمكن أن يكون حسن روحاني ومحمد جواد ظريف مرشحين محتملين.
لكن في الآونة الأخيرة، رفض مجلس صيانة الدستور أهلية روحاني للترشح في انتخاب مجلس خبراء القيادة، وقد احتج روحاني بشدة على هذا الاستبعاد.
وقد أعلن مجلس صيانة الدستور أن التنفيذ "غير الصحيح" للاتفاق النووي يعد أحد أسباب استبعاد حسن روحاني وقد قال حسن روحاني في هذا الصدد إنه في ضوء لائحة الاتهام التي وجهها مجلس صيانة الدستور، لم يعد الرؤساء في المستقبل قادرون على التمتع بالحرية السياسية.
وقبل روحاني، كان مجلس صيانة الدستور قد رفض أيضًا علي لاريجاني، الرئيس السابق للبرلمان الإيراني، في الانتخابات الرئاسية السابقة.
وبعد استبعاده من الانتخابات، طلب علي لاريجاني عدة مرات من مجلس صيانة الدستور إعلان أسباب استبعاده علناً، إلا أن هذا المجلس لم يبلغه بذلك إلا في رسالة سرية، نُشر نصها على شبكات التواصل الاجتماعي بعد فترة.
ومن المتوقع أيضاً أن يواجه ظريف صعوبات مماثلة لما واجهه حسن روحاني ولاريجاني في مجلس صيانة الدستور.
وكما هو الحال في الانتخابات السابقة، من المتوقع أيضًا أن يظهر مرشحون لا يمتعون بحظوظ كبيرة مثل محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري.
وكان لاريجاني، منذ سنوات طويلة، من الشخصيات المعتمدة لدى المرشد الإيراني، علي خامنئي، فمَن هو لاريجاني وما تاريخه وإلى أي نقطة يطمح أن يصل في مسيرته السياسية؟
وتُثار تساؤلات حول سبب ترشحه في هذه المرحلة، فهل حقًا يطمح للرئاسة أم أنه يريد فقط خلط الأوراق على اللاعبين الآخرين؟
شغل لاريجاني في بداية مسيرته السياسة منصب رئاسة هيئة إدارة منظمة الجهاد التابعة للحرس الثوري، منذ تأسيسه، وقد درس علوم الرياضيات والكومبيوتر، كما أخذ دروس الفلسفة على يد أحمد فريد، كان كلٌّ من الإصلاحيين والأصوليين يناصبونه العداء، كما أنه رُفض من الترشح للانتخابات الرئاسية السابقة من قِبل مجلس صيانة الدستور.
كل هذه التناقضات في سجل شخصية سياسية تثير علامات استفهام كثيرة، لكن علي لاريجاني استطاع الاستمرار في الحياة السياسية، حاملًا معه هذا العبء الثقيل من التناقضات والمفارقات السياسية.
من أين أتى لاريجاني وإلى أين يريد أن يصل؟
وُلِدَ علي أردشير لاريجاني، المعروف بـ "علي لاريجاني"، في مدينة النجف العراقية عام 1957، وهو صهر رجل الدين الإيراني البارز، مرتضى مطهري.
نشأ لاريجاني وترعرع في مدينة قم، وتخرج في جامعة شريف الصناعية، في تخصص الرياضيات وعلوم الكومبيوتر.
شغل لاريجاني منصب رئاسة الإذاعة والتلفزيون في عهد حكومة خامنئي، وهو أول منصب مهم يتولاه في عهد نظام الجمهورية الإسلامية، ليشغل بعدها منصب مدير تحرير صحيفة "كيهان"، أشهر الصحف الإيرانية، ولسان حال النظام الحاكم.
أصبح لاريجاني عضوًا في الحرس الثوري عام 1982، وحتى عام 1992، ثم مساعدًا ونائبًا لرئيس هيئة الأركان العامة للحرس الثوري الإيراني.
تم ترشيحه عام 1992 من قِبل الرئيس الإيراني الأسبق، هاشمي رفسنجاني؛ ليشغل منصب وزارة الثقافة والإرشاد، خلفًا لـ "محمد خاتمي"، الذي استقال من المنصب، لكن المشكلة أن لاريجاني لم تكن له خلفية في هذا المجال سوى أنه شغل منصب رئاسة التلفزيون لفترة زمنية قصيرة بتزكية من والد زوجته، مرتضى مطهري.
وبقي في منصب وزارة الثقافة والإرشاد حتى عام 1993، وكان أهم إنجاز له هو السماح باستخدام آليات الفيديو والتصوير، بعد أن كان محظورًا في السابق.
وعيّن خامنئي لاريجاني رئيسًا للإذاعة والتلفزيون من جديد، في عام 1993، وهو منصب ظل لاريجاني يتولاه سنين طويلة.
وبقي لاريجاني في منصب رئاسة التلفزيون حتى عام 2004، لينتقل بعدها، ويتولى منصب ممثل خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي لمدة 5 سنوات.
وترشح لاريجاني لمنصب الرئاسة، في عام 2005، لكنه لم يفز سوى بنسبة أقل من 6 بالمائة من عدد الأصوات.
وعينه الرئيس الإيراني الجديد، آنذاك، محمود أحمدي نجاد، رئيسًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، في عام 2005، خلفًا لحسن روحاني (الذي تولى الرئاسة الإيرانية خلفًا لنجاد).
وبقي لاريجاني، رئيسًا للمجلس الأعلى للأمن القومي، حتى عام 2007، ليستقيل بعد أقل من سنتين لخلافات بينه، وبين الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد.
وخلف لاريجاني في منصب رئاسة مجلس الأمن القومي، سعيد جليلي، أحد المرشحين البارزين أيضًا للانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران.
وفاز لاريجاني بعضوية البرلمان الإيراني، ثلاث دورات، بين عامي 2008 و2020، عن مدينة قم، وهي دورات قضاها كلها رئيسًا للبرلمان.
وتم توقيع الاتفاق النووي في عهد رئاسته للبرلمان الإيراني، عام 2015، وهي تعد أطول فترة يقضيها شخص في منصب رئاسة البرلمان بتاريخ الجمهورية الإسلامية.
وترشح علي لاريجاني لمنصب رئاسة البرلمان، في عام 2021، لكن مرت عائلة لاريجاني، في تلك المرحلة، بمرحلة ضعف شديدة؛ إذ تم اعتقال مقربين من أشقائه، لاسيما فيما عُرف بقضية فساد أكبر طبري، مساعد شقيق علي لاريجاني، صادق لاريجاني، الذي كان رئيسًا للسلطة القضائية آنذاك.
وعندما حدد النظام شخص إبراهيم رئيسي، في تلك المرحلة؛ ليكون المرشح الأوفر حظًا للرئاسة الإيرانية، قام مجلس صيانة الدستور بإقصاء جميع المرشحين البارزين لتخلو الساحة لـ "رئيسي"، وهو ما تحقق بالفعل، وفاز "رئيسي" بالمنصب.
وفي تلك المرحلة، كان صادق لاريجاني، شقيق علي لاريجاي، أحد أعضاء مجلس صيانة الدستور، الذي رفض تزكية لاريجاني لمنافسة "رئيسي"، وهي حادثة يبدو أنها كانت السبب في "استياء" صادق لاريجاني، واستقالته من المجلس لاحقًا.
ودخل علي لاريجاني في معركة كلامية مع مجلس صيانة الدستور؛ احتجاجًا على قرار عدم تزكيته، وطالب أعضاء المجلس المقرب من خامنئي، ببيان أسباب الرفض بشكل مكتوب ومفصل.
عودة لاريجاني إلى المشهد السياسي
شهدت فترة تولي لاريجاني منصب رئاسة الإذاعة والتلفزيون ضربات موجهة ضد الإصلاحيين، من قِبل المؤسسة الإعلامية، لكن لاريجاني تحرك نحو الإصلاحيين، وبدأ في التقرب منهم، منذ أحداث عام 2009، التي أعقبت الاحتجاجات على نتائج الانتخابات، التي اتُهم فيها النظام بالتزوير لصالح محمود أحمدي نجاد.
وبعد ساعة واحدة فقط من إعلان لاريجاني ترشحه، أعلنت مصادر مقربة من الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، أبرز الشخصيات الإصلاحية وقائد لاريجاني الروحي، أنه لن يدعمه في هذه الانتخابات.
وأعلنت شخصيات إصلاحية أخرى عدم دعمها لـ "لاريجاني" وترجيحها شخصيات أخرى تكون أكثر ولاءً وانتماءً للتيار الإصلاحي.
كما أن لاريجاني أصبح غير مرغوب فيه من قِبل الأصوليين، ولن يدعموه في الانتخابات المقبلة، فلماذا يا ترى أعلن لاريجاني ترشحه، في ظل هذا الواقع، وبعد ترفض تزكيته من قِبل مجلس صيانة الدستور في الانتخابات الرئاسية السابقة؟
وقد يكون سبب ترشحه، هو ما أعلن عنه موقع "إيران واير"، قبل أسبوع، من أن ترشح بعض الشخصيات، مثل علي شمخاني، ومحمد باقر قاليباف، وعلي لاريجاني، يأتي لسبب واحد، هو منع وصول سعيد جليلي إلى منصب الرئاسة.