قال زفيكا هيموفيتش، الرئيس السابق لسلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي لـ"إيران إنترناشيونال"، إن التهديد الحالي بالحرب مع إيران يختلف عما كان عليه عندما شنت طهران أول هجوم مباشر لها على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي. ويعتقد هيموفيتش أن حزب الله سيلعب دورا مهما هذه المرة.
نشر المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في إيران صورة لوثيقة حكومية على قناته بتطبيق "تليغرام"، وذكر أن الحكومة تخطط لإنفاق مئات المليارات من التومان على "مراسم الأربعين" من خلال تأمين صناديق التقاعد، في حين أن الكثير من المتقاعدين يعيشون تحت خط الفقر.
ويأتي توفير نفقات "مراسم الأربعين" من جيوب المتقاعدين، بالتزامن مع احتجاجات متقاعدي البلاد؛ بسبب الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار وعدم تنفيذ خطة معادلة الرواتب والمستحقات في مدن مختلفة.
وأشار مفتش مركز معاشات الضمان الاجتماعي في طهران، حسن ايزدان، في شهر إبريل (نيسان) الماضي، إلى الوضع الاقتصادي السائد في إيران، قائلاً: "إن زيادة 22 بالمائة في معاشات المتقاعدين ليست كافية، وستتسبب في وقوع عدد كبير من متقاعدي الضمان الاجتماعي تحت الحد الأدنى للأجور والفقر المدقع".
وكانت صورة لوثيقة خاصة باجتماع فريق عمل بوزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية، قد نُشرت خلال الأيام الماضية، في بعض وسائل الإعلام المحلية، الأمر الذي أثار اهتمام الرأي العام.
وذكرت هذه الوثيقة، في 24 يوليو (تموز) الماضي، أنه تقرر استلام وإنفاق 250 مليار تومان من جميع صناديق التقاعد التابعة لوزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية "لأغراض مثل: المراسم الدينية"، وذلك في اجتماع "مجموعة العمل الأولى للمسؤولية الاجتماعية".
ويأتي هذا الاجتماع بعد 19 يومًا من انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران.
وتنص هذه الوثيقة على أن صناديق التقاعد يجب أن تدفع مبلغًا يعادل 100 مليار تومان لتوفير موارد لتمويل "مقر أربعين الحسين".
كما يتعين على هذه الصناديق دفع 110 مليارات تومان لتغطية نفقات "مراسم الغدير، وراهيان نور، جهاد التبيين... إلخ".
كما وافقت مجموعة العمل هذه على تخصيص ما مجموعه 40 مليار تومان لأمور مثل "تعزيز مدرسة الحكم، وعقد دورات تدريبية حول أساسيات الفكر الإسلامي، ومشروع نظام سوق العمل الإيراني، وتعزيز أسطول النقل في محافظة بلوشستان".
آلاف المليارات لمسيرة الأربعين تنفق إيران آلاف المليارات من التومان، سنويًا، من ميزانية المؤسسات العامة لحضور "مراسم الأربعين".
وأعلن مقر الأربعين أنه تم إنفاق نحو 8400 مليار تومان على إعداد البنية التحتية لهذا الحدث، في سبتمبر (أيلول) 2022.
ولا توجد قائمة دقيقة بإجمالي التكاليف والمصادر الممولة لهذا الحدث، لكن الأدلة تشير إلى أن منظمات حكومية مختلفة، بما في ذلك بلدية طهران، تشارك في هذه العملية.
وأعلن رئيس مجلس بلدية طهران، مهدي تشمران، في العام الماضي، تخصيص بلدية طهران 30 مليار تومان لهذا الحفل، وقال إن كل بلدية من بلديات المناطق ستقيم مقرًا لها في إحدى النقاط الحدودية بين إيران والعراق.
وبالنظر إلى تمويل المؤسسات العامة لمثل هذه المراسم، فمن الممكن فهم تصريح رئيس دائرة التوجيه السياسي للقوات المسلحة عبد العلي كواهي، الذي قال إن تكلفة مسيرة الأربعين هي "من الناس أنفسهم"، وذلك في أغسطس (آب) 2023.
أربعين 2024 إن أحد أهداف نظام الجمهورية الإسلامية في مراسم الأربعين هو الاستغلال الإعلامي والسياسي في المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري لعلي خامنئي، في 18 يوليو (تموز) الماضي، إن "20 مليون شخص" سيسيرون من النجف إلى كربلاء هذا العام، وإذا غيروا الطريق واذهبوا إلى القدس فلا يستطيع أحد مقاومتهم".
وقد صرح المساعد الأمني لوزير الداخلية، مجيد ميراحمدي، ردًا على المخاطر المحتملة لمراسم الأربعين هذا العام، بأن إيران لا تفكر في فرض أي قيود على إقامة هذه المراسم.
وأضاف، في 25 يونيو (حزيران الماضي): "أن الأعداء استخدموا فزاعة الخوف من حرارة الجو وحُمى الضنك لإثارة الرعب حول مسيرة الأربعين، لكن لا يوجد سبب للخوف من أي منها".
تسهيلات خاصة ومن الإجراءات الجديدة بمقر الأربعين لمراسم هذا العام تركيب أنفاق تبريد وأجهزة تبريد أخرى على مسار السير.
وتوقعت وزارة الطرق والتنمية الحضرية وصول 100 ألف زائر باكستاني إلى إيران لحضور هذه المسيرة، وأشارت إلى "تمهيد الطرق المؤدية إلى المنافذ الحدودية، وإصلاح نقاط الحوادث المرتفعة، ووضع علامات على المحاور، وتركيب اللافتات، وزيادة المرافق الصحية".
وبينما تشير تقارير وسائل الإعلام المحلية إلى أن معظم المحافظات الإيرانية تواجه نقصًا في المياه، أعلن محمد زارع، المدير العام للمقر التنفيذي لأمر الإمام، تخزين "أكثر من أربعة ملايين زجاجة من المياه المعدنية" في مخازن التبريد لمسيرة الأربعين الدينية، وشدد على أنه نظرًا لارتفاع تكلفة المواد الغذائية فإنهم سيدعمون المواكب بقوة ولن يسمحوا بأن ينطفأ "ضوء الخدمة".
ووفقًا لقوله، فإن "جميع خدمات المقر التنفيذي لأمر الإمام مجانية تمامًا" لزوار الأربعين.
وأظهرت الأدلة أنه على الرغم من كل هذه الترتيبات الحكومية وتخصيص القروض والخدمات، انخفض الطلب على المشاركة في مراسم الأربعين بمقدار الثلث، في العام الماضي.
وكتب الناشط السياسي الإصلاحي، والكاتب الصحافي عباس عبدي، على منصة "إكس" يوم أمس الجمعة، مشيرًا إلى الوثيقة التي نشرتها وزارة العمل الإيرانية: "سيأتي يوم تُصرف فيه كل الموازنة على مثل هذه الأمور، ولن تكفي".
إن مقتل إسماعيل هنية، أقرب شخص بين قادة حركة حماس إلى نظام الجمهورية الإسلامية، هو هزيمة مذلة وتاريخية للنظام الإيراني بكل المقاييس، ولها عواقب عديدة ومتعددة الأوجه على نظام لا يفهم إلا السلطة والقمع والقتل واغتيال المواطنين العُزل داخل إيران وخارجها.
ويعد مقتل هنية في قلب العاصمة الإيرانية، وفي مبنى شديد الحراسة، يُقال إنه تابع للحرس الثوري، وفي مساء حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، تتويجًا لعمليات مختلفة يقال إن إسرائيل نفذتها في إيران خلال السنوات الأخيرة وتراوحت أبعادها بين إخراج وثائق البرنامج النووي الإيراني بشاحنة، وبين اغتيال شخصيات مؤثرة وتخريب المنشآت النووية.
وما يجعل هذه العملية مختلفة عن غيرها من الإجراءات المنسوبة لإسرائيل على الأراضي الإيرانية، يعود إلى هوية الشخص، الذي تم اغتياله، وهو ما يعطي في الواقع أبعادًا إقليمية ودولية لمبدأ العملية ونتائجها.
إن اغتيال إسماعيل هنية، أينما وكيفما حدث، له عواقب على حرب غزة، وعملية مفاوضات وقف إطلاق النار والقضية الفلسطينية والإسرائيلية بشكل عام، وقد أثر أيضًا بشكل مباشر أو غير مباشر على نظام الجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك، لا يمكن الشك في أنه بسبب مقتله في طهران، وبعد مشاركته مباشرة في مراسم أداء اليمين لبزشكيان والاجتماع مع المرشد، علي خامنئي، سيكون للنظام الإيراني نصيب أكبر بكثير في تحمل التبعات المتعددة ودفع تكاليف مقتله.
ويمكن تصنيف هذه العواقب إلى أربع مجموعات رئيسية: أولاً: الإذلال التاريخي والدولي الذي تعرضت له إيران في مواجهة عدوها الرئيس. ثانيًا: الرغبة في الانتقام، وعدم القدرة عليه.
ثالثًا: مستقبل العلاقات بين حماس وإيران وموقع طهران فيما يسمى جبهة المقاومة. رابعًا: الأوضاع الداخلية ووضع حكومة بزشكيان.
أولاً- الإهانة التاريخية والدولية للنظام الإيراني:
لم تتمكن إيران من رعاية الضيف، الذي تعرض للتهديد العلني بالقتل من قِبل قادة إسرائيل.
وخلافًا لبعض الجيران، مثل قطر وتركيا، اللذين يمكنهما بكل ثقة استضافة إسماعيل هنية، فإن إيران ليست في وضع يسمح لها بالحصول على مثل هذه الضمانات من الآخرين.
وبصرف النظر عن هذا الضعف الناجم عن فقدان السمعة والعزلة الدولية، كما يتضح من عشرات العمليات الصغيرة والكبيرة، فإن الجهاز الأمني الاستخباراتي في إيران، مثل الأجهزة الرسمية الأخرى، ضعيف للغاية وغير فعال في مواجهة أو احتواء الأزمات أو التدابير الجادة للدول الأخرى، وخاصة في هذه الحالة، وفي مواجهة إسرائيل.
وهذا الوضع واضح لدرجة أنه لا حاجة لمعارضي النظام أو المراقبين المستقلين للحديث عنه.
وقبل ثلاث سنوات من اغتيال شخص مثل إسماعيل هنية، تزامنًا مع اليمين الدستورية لرئيس الحكومة في إيران، كان وزير الاستخبارات الأسبق، علي يونسي، قد حذّر من مستوى التغلغل في أجهزة المخابرات والأمن وعدم كفاءة هذه الأجهزة، لدرجة أن قادة النظام يجب أن يشعروا بالقلق على حياتهم، وقد كشف اغتيال هنية عن نقاط الضعف والثغرات هذه أمام أعين العالم بأوضح صورة ممكنة.
وفي هذا الصدد، فإن وضع إيران في المعارك الاستخباراتية والأمنية للدول المتحاربة في التاريخ المعاصر، إن لم يكن فريدًا، فقد قل نظيره بالتأكيد، ومن الصعب العثور على أمثلة مماثلة لإخفاقاتها الواسعة النطاق.
ثانيًا- الرغبة في التدمير وعدم القدرة على الفعل:
إن قادة إيران يتمنون تدمير الآخرين، على حد تعبيرهم، بطريقة تكاد تكون أكثر وقاحة من قادة أي بلد آخر.
ومع ذلك، من الناحية العملية، وبسبب عدم الكفاءة والفساد المستشري في جميع جوانب حكم قادة النظام الإيراني، فإنهم إذا لم يساعدوا في تقوية الدول المعادية، فإنهم لم يتمكنوا من اتخاذ خطوة فعالة في اتجاه تحقيق أحلامهم، أو إذا تمكنوا من اتخاذ خطوة فإن خسارتهم كانت أكثر من ربحهم، ويمكن اعتبار الربح الكبير الوحيد لهم هو الحفاظ على مثل هذا النظام غير الكفء وغير الشرعي وغير المقبول، وبقاؤه لأكثر من أربعة عقود.
وفي حين تمكنت إسرائيل أو الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من توجيه ضربات خطيرة ومميتة للغاية للموارد البشرية والمعدات الإيرانية والجماعات الوكيلة لها، فإن إيران في المقابل لم تتمكن أبدًا من توجيه ضربة مضادة لأعدائها، على الرغم من ضجيجها الهائل ووعودها العديدة.
ويكفي المقارنة بين عدد العمليات التخريبية والاغتيالات الناجحة لشخصيات مهمة للنظام الإيراني، سواء داخل إيران أو بين الجماعات الوكيلة، مع الجهود الفاشلة لهذا النظام والفضائح التي نتجت عنها.
وبينما تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولين رئيسين مثل قاسم سليماني ومحسن فخري زاده وكبار قادة حزب الله وحماس، سعت إيران في قبرص وتركيا وتايلاند وغيرها إلى اغتيال السياح أو رجال الأعمال الإسرائيليين؛ لكن لحسن الحظ لم تتمكن من تنفيذ هذه الاغتيالات، وكانت تسبب في كل مرة فضائح دولية وإعلامية لها.
إن إعلام النظام الإيراني يعكس بشكل علني وجهة نظر الفقهاء الشيعة الحاكمين في إيران، ويقولون إنه لا يوجد مواطنون مدنيون في إسرائيل، حتى يتمكنوا من التوصل إلى مبرر لاعتداءاتهم على المدنيين، مثلما فعلوا في تفجير مركز أميا في بوينس آيرس، أو بإطلاق صاروخ على ملعب للأطفال الدروز في هضبة الجولان يوم السبت 27 يوليو (تموز) الماضي.
وفي مجال المواجهة العسكرية، الوضع ليس أفضل بكثير. وكمثال على المواجهة المباشرة، بعد الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق، أطلق الحرس الثوري الإيراني أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية على إسرائيل، مما أدى إلى إصابة فتاة واحدة فقط بفعل حطام الصواريخ المدمرة.
وفي حالة شهيرة أخرى، بعد مقتل قاسم سليماني، أطلقت إيران عدة صواريخ على الأراضي الفارغة والقاحلة لقاعدة عين الأسد، ثم أطلقت صاروخين وأسقطت طائرة ركاب أوكرانية فوق طهران، خوفًا من الرد الأميركي.
ثالثًا- مستقبل ما يسمى "جبهة المقاومة":
على الرغم من أن حماس، بشكل عام، كانت على علاقة مع النظام الإيراني منذ تأسيسها، فإن العلاقات بين الطرفين لم تكن دائمًا وطيدة، كما كانت في الأشهر والسنوات الأخيرة.
وقد أصبحت العلاقة بين حماس وإيران متوترة للغاية، خاصة منذ الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، واستمر هذا التوتر حتى تمت إقالة خالد مشعل من قيادة المكتب السياسي وحل محله إسماعيل هنية؛ حيث حاولت إيران كسب ولاء حركة حماس بمساعدات مالية لا حصر لها وإرسال الأموال في حقائب، بالإضافة إلى تجهيزها بالسلاح ووضع هذه الجماعة السُّنية ضمن الجماعات الشيعية الداعمة لها تحت عنوان عام "جبهة المقاومة".
وكان مثل هذا الإجراء يتطلب أن تنأى إيران بنفسها عن وجهة النظر الشيعية والتمييزية تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، بما في ذلك السُّنة، والتي تطبقها في البلاد دون أي اعتبار، والتركيز بدلاً من ذلك على مجالات مشتركة أخرى، مثل معاداة أميركا وإسرائيل، تمامًا مثل النهج نفسه، الذي اتبعته تجاه "طالبان" و"القاعدة".
ورغم كل ذلك، فإن مقتل إسماعيل هنية في طهران أثار بالفعل احتجاجات لدى بعض الجماعات في "جبهة المقاومة"، وهناك همسات عن دور إيران ومسؤوليتها في مقتله. ويبدو من المحتمل جدًا أن يتم سماع هذا الرأي بشكل أكبر خلال الأسابيع المقبلة، لكن القلق الرئيس لقادة إيران ليس هذه الاحتجاجات، لأن المساعدات المالية يمكن أن تغطي مؤقتًا على الأقل هذا الاستياء والانزعاج بعباءة الصمت.
ويبقى الشغل الشاغل لقادة النظام الإيراني هو من سيحل محل هنية في "حماس"، وإلى أي مدى سيميل فريق القيادة الجديد نحو إيران، وإلى أي مدى سيعارض رغبة الدول العربية أو حتى تركيا في إبعاد الحركة الفلسطينية عن طهران. وتعد تجربة خالد مشعل، الذي يعتبر الخليفة المرجح لهنية، كافية لتخوف إيران من مستقبل علاقاتها مع "حماس".
وعلاوة على ذلك، فإن العجز عن حماية كبار القادة في الجماعات الوكيلة، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، وتضارب المصالح والتنافس الداخلي لهذه الجماعات، وفقدان الثقة في قدرة إيران على حمايتهم، يمكن أن يحوّل سلسلة الاغتيالات، التي طالت كبار قادة حزب الله، وعلى رأسهم فؤاد شكر، ومقتل أكثر من نصف فريق قيادة حماس، إلى نقطة تحول في العلاقات بين إيران والجماعات العميلة لها.
رابعًا- حكومة بزشكيان:
بعد تقديمه رئيسًا جديدًا للحكومة في إيران، ربما لم يخطر ببال مسعود بزشكيان وأنصاره الإصلاحيين أنهم سيبدؤون عملهم بأزمة كهذه؛ سواء عندما بعث برسالة إلى قادة الجماعات العميلة، أو عندما احتضن إسماعيل هنية في حفل أداء اليمين الدستورية، أو عندما صفق له وممثلو الجماعات العميلة الآخرون أثناء إلقاء كلمته، وشعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل، التي رددها النواب دفاعًا عن جبهة المقاومة.
لا شك أن الإصلاحيين يريدون الصيد في الماء العكر، والنظر في الاتجاه الحتمي لبزشكيان وحكومته على أنه نتيجة لهذا الاغتيال، لكن الحقيقة هي أن أيدي حكومة بزشكيان مكبلة في هذه المجالات؛ حيث لا يمكنها اتخاذ خطوة لتحسين العلاقات مع العالم الغربي من خلال قطع الدعم عن الجماعات الوكيلة.
ومن وصلوا إلى رئاسة الحكومة في العقود الماضية بالكثير من الوعود، لم ينجحوا تمامًا في السير على هذا الطريق، ناهيك عمن يقدم نفسه منذ البداية على أنه منفذ سياسات علي خامنئي. إن اغتيال إسماعيل هنية في طهران، بالتزامن مع اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان" لا يؤدي إلا إلى زيادة سرعة تلاشي الأحلام التي بيعت قبل الانتخابات، ويكشف عن الوجه الحقيقي لحكومته. فإذا كان حوله أناس يؤمنون حقًا بـ "اللطف مع الأصدقاء والتسامح مع الأعداء"، فمع هذه الحادثة وعواقبها، سوف يسقطون قريبًا من سُحب الوهم الناعمة إلى أرض الواقع الصلبة، وربما سيبدؤون حملة ندم على التصويت، مثلما حدث في عهد الرئيس الأسبق، حسن روحاني، وينضمون أخيرًا إلى غالبية الناس، الذين رأوا أنه إذا كان النظام الإيراني يتمتع بأي سلطة، فهي تتمثل فقط في قمع النساء، وقتل الأطفال، وإعدام الشباب، وسجن آباء وأمهات ضحاياه.
سيكون مقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، والذي يرتبط اسمه ارتباطا وثيقا بالحدث الكبير المتمثل في حرب غزة، حدثا سياسيا مهما سيؤثر على وضع إيران الداخلي والإقليمي والدولي.
هذا الحدث سيؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الداخلية للسياسة الإيرانية وعملية تشكيل حكومة مسعود بزشكيان، التي بدأت للتو. ومن ناحية أخرى، يمكن اعتبار هذا الحادث نتيجة "للفساد الهيكلي" في نظام الجمهورية الإسلامية.
وفيما يلي سنذكر بعض تأثيرات هذا الحدث وآثار الفساد في نظام الجمهورية الإسلامية، لكن لا يمكن التنبؤ بالاتجاه الدقيق لهذه التأثيرات.
تغيير ومراجعة اختيار الوزراء
إن الحدث المهم وغير المتوقع المتمثل في مقتل إسماعيل هنية في قلب طهران سيجذب انتباه الحكومة ومسؤولي النظام، وسيعطل تركيزهم على عملية تشكيل الحكومة واختيار الوزراء، وتنفيذ الخطط.
وقد حظي هذا الحدث بتغطية إعلامية واسعة النطاق، واهتمام الرأي العام المحلي والعالمي. وفي مثل هذه الحالات، قد يؤثر على الأوضاع الداخلية، مثل تعيين الوزراء، أو قد تواجه قرارات التعيين المزيد من الحساسية، بل ومن المحتمل إجراء مراجعة لها.
مقتل هنية والمسار السياسي لحكومة بزشكيان
ومع تزايد التوترات الإقليمية أو الدولية، سيضطر نظام الحكم والحكومة الرابعة عشرة إلى تغيير أولوياتهما. على سبيل المثال، إذا زادت العقوبات أو الضغوط الدولية، سيتم التركيز بشكل أكبر على قضايا السياسة الخارجية والأمن.
وإذا أدى مقتل هنية إلى تغييرات كبيرة في علاقات إيران الخارجية، فإن هذا الموضوع قد يؤثر على عملية اختيار وزراء جدد، خاصة في الوزارات المرتبطة بالسياسة الخارجية والأمنية. وقد تكون الحاجة إلى وزراء ذوي خبرة وقدرات خاصة محسوسة مطلوبة أكثر في الظروف الجديدة.
وإذا أدى مقتل هنية إلى تغييرات في سياسات المنطقة، والتي تشمل إيران بطريقة أو بأخرى، فقد تتزايد الضغوط السياسية الداخلية من أجل تعيين أشخاص معينين كوزراء.
ضعف النظام الأمني والاستخباراتي
يعد مقتل هنية أحد الآثار طويلة المدى للفساد الاقتصادي والسياسي المؤسسي في نظام الجمهورية الإسلامية.
ومن الممكن أن يلعب الفساد الاقتصادي- الإداري في إيران دوراً مهماً في نفوذ إسرائيل في الأجهزة الأمنية الإيرانية.
ويمكن تقييم هذا الدور بعدة طرق وبشكل ملحوظ: -سوء استخدام الموارد والمرافق: يؤدي الفساد الاقتصادي- الإداري إلى سوء استخدام الموارد والمرافق الحكومية، وانتشار المحسوبية. ويستخدم الأفراد والعصابات الفاسدة مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية أو لنقل المعلومات إلى أطراف أجنبية، بما في ذلك إسرائيل. وسيؤدي ذلك إلى ظهور جميع أنواع الأخطاء، وضعف الحفاظ على المعلومات الحساسة، وحتى بيعها للأجانب.
-انخفاض الكفاءة والرقابة: يؤدي الفساد الهيكلي والمؤسسي إلى انخفاض كفاءة وفعالية الأنظمة الرقابية في الأجهزة الأمنية. ومن الطبيعي أنه عندما تعجز المؤسسات الرقابية عن أداء واجباتها بسبب الفساد، تزداد احتمالية النفوذ الأجنبي.
-إضعاف معنويات الموظفين: يؤدي الفساد الاقتصادي والإداري إلى إضعاف معنويات وحافز موظفي الأمن. وعندما يشعر الموظفون أن مديريهم وزملاءهم فاسدون، فإنهم يفقدون التزامهم بالأمن القومي، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الإهمال في العمل أو حتى التعاون مع أجهزة أمنية أجنبية.
-تسهيل التجسس: يقوم الأفراد الفاسدون في جهاز المخابرات والأمن ببيع معلومات حساسة لإسرائيل لتلقي رشاوى أو حماية مصالحهم الشخصية. ويمكن أن تتضمن هذه المعلومات تفاصيل العمليات الأمنية أو هوية العملاء السريين أو المعلومات الاستراتيجية.
لقد فتح الفساد الاقتصادي والإداري العميق والمؤسسي في النظام المجال أمام النفوذ الأجنبي.
-معوقات مكافحة النفوذ الأجنبي: إن الفساد المذكور في بنية نظام الجمهورية الإسلامية يحول دون اتخاذ إجراءات فعالة لتحديد عوامل النفوذ والتعامل معها. على سبيل المثال، قد يقوم الأفراد الفاسدون بعرقلة التحقيقات في عمليات النفوذ المشتبه بها أو حتى منع القبض على المتسللين.
وبهذا يمكن القول إن مقتل هنية في طهران هو نتيجة للفساد الاقتصادي والسياسي، وسيؤثر على مسار تشكيل الحكومة وعلى النظام الإيراني في الوقت ذاته.
عين مسعود بزشكيان، بعد تسلمه رسميا منصبه كرئيس لإيران، محمد رضا عارف ليكون نائبا له، وكتب في قرار تعيينه: "ميثاقنا المشترك هو وثيقة الرؤية والسياسات العامة والخطة السابعة التي ينبغي تنفيذها بكل ما أوتينا من قوة وإمكانات، والحصول على مشاركة الجميع وتعاونهم واستخدام كافة القدرات".
ويعتبر اختيار عارف لهذا المنصب، مع ميثاق تنفيذ السياسات العامة للنظام وخامنئي، لافتا من ناحيتين؛ موقفه السياسي، وأسلوب إدارته.
برز عارف كسياسي إصلاحي خلال الفترة الرئاسية الأولى والثانية للرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي. وفي مقابلة مع مجلة "مثلث" الأسبوعية، قال إنه "يقبل الإصلاح وفقا لآراء خاتمي"، وقدم نفسه على أنه "إصلاحي حكومي".
وشدد عارف في هذه المقابلة على أن "الإصلاح يكون ضمن النظام، ومن أجل حماية القيم والمثل العليا والتنفيذ الكامل للدستور".
ويقدم هذا السياسي الإصلاحي نفسه على أنه "مؤمن بالخطوط الحمراء للنظام"، ولإثبات ولائه يقول: "في بعض الأحيان، يجب على السلطة التنفيذية أن تتراجع عن مواقفها وتكون في إطار النظام".
وقال أيضا إنه "في طبيعة الإصلاحيين والشخصيات مثل خاتمي، لم تكن هناك مواجهة مع النظام على الإطلاق".
ويعترف الذين عملوا معه عن قرب بأن عارف هو "مدير تكنوقراطي وأكاديمي أكثر من كونه إصلاحيا"، وهو ليس سياسياً بالمعنى العام، و"يتمتع بشخصية محايدة" في الأمور السياسية.
ويعود قربه من خاتمي أيضًا إلى إخلاصه الشخصي، وقربهما في الفترة التي سبقت ثورة 1979 في الأوساط الدينية بمدينة "يزد"، حيث شارك في الاجتماعات الدينية في منزل والد خاتمي في "يزد".
وخلال فترة توليه مناصب أكاديمية في جامعة "شريف"، خلال ثمانينات القرن الماضي، إلى رئاسة جامعة طهران في السنوات التي سبقت حكومة خاتمي، لم يتم نشر أي موقف سياسي لعارف. بل كان عضوا تابعاً لآراء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، لدرجة أنه تم تعيينه هو نفسه في هذا المجلس بقرار من المرشد علي خامنئي.
وحتى في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أنه عمل رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة "باران"، تحت إشراف خاتمي، وكان أحد المعينين من قبل خامنئي في مجمع تشخيص مصلحة النظام، إلا أنه امتنع عن التعبير عن آرائه السياسية في مختلف القضايا المهمة، وقدم نفسه كـ"تابع" للسياسات العامة لنظام الجمهورية الإسلامية.
آراء عارف التابعة وغير الجدلية
لا يعتبر عارف شخصية بارزة للإعلام والصحافة، وعمليا لم يكن له مواقف سياسية إلا في حالات قليلة.
كما أن تصريحات عارف فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، مثل حقوق الإنسان والحريات المدنية، هي أيضًا تصريحات محافظة، واقتصرت على التعبير عن المواقف العامة.
على سبيل المثال، وبالنظر إلى شخصيته وخلفيته الأكاديمية، كان من المتوقع اتخاذه مواقف صريحة بشأن القمع في الجامعات، إلا أنه اكتفى بعبارات غير صريحة حول التعامل مع احتجاجات الطلاب، وقال: "يجب على مسؤولي الجامعة أن يتسامحوا مع الطلاب الغاضبين".
وفيما يتعلق بالإفراج عن السجناء السياسيين، أعرب أخيرا عن قلقه بشأن مستوى المشاركة في الانتخابات، وقال إن "حل العديد من المشكلات يعتمد على انتخابات نشطة ومشاركة الجميع، ونأمل أن توفر السلطات الأساس لهذه المشاركة، وإذا كنا في السلطة فيمكننا توفير الظروف للإفراج عن السجناء".
وفي احتجاجات عام 2009، اتخذ عارف موقفًا ضد غالبية الإصلاحيين، وقال: "لا يمكننا التحدث إلا عن وقوع مخالفات في الانتخابات، وليس تزوير الانتخابات".
هذه الشخصية، التي يعتبرها الإصلاحيون "أن لديها شهادة ميلاد إصلاحية"، قال في شتاء عام 2011، في تجمع طلاب جامعة طهران الذين أرادوا إنهاء الإقامة الجبرية عن مير حسين موسوي ومهدي كروبي: "المرشد الأعلى للثورة لم يُسمّي السيد موسوي وكروبي أبداً كقادة للفتنة، بل إنه نسب الفتنة إلى بعض الدول الأجنبية والأعداء".
وأضاف "أي شخص، بحسب آرائه وتوجهاته السياسية، يريد إصدار حكم على السيد موسوي وكروبي، وهذا ليس التصرف الصحيح".
وذلك على الرغم من اتهام خامنئي لموسوي وكروبي بإثارة "الفتنة"، حتى أنه حملهما مسؤولية إراقة دماء المتظاهرين.
ولا تقتصر نزعة عارف المحافظة على تصريحاته حول القضايا الداخلية فحسب، بل تظهر كذلك من خلال مواقفه القليلة في مجال السياسة الخارجية، حيث تتميز آراؤه بالمحافظة وقربه من السياسات العامة للنظام وخامنئي.
لقد قال عارف عن إسرائيل إنه لا يعترف بها، وقال أيضاً عن العلاقة مع أمريكا: "لا أرى أن إقامة علاقة مع أميركا ستحل الأزمات، علينا أن نحل مشكلاتنا من الداخل".
وفي الوقت نفسه، قال عارف: "أنا شخص أؤمن بالتفاوض والحوار في إطار المصالح الوطنية، وبدلا من التحديات سأبحث عن الحلول الوسط حتى نعيش جميعا في أجواء سلمية وحميمية".
ضعف العمل في الإدارة
كانت هناك دائمًا انتقادات مختلفة لأسلوب إدارة عارف. يعتقد بعض المعارضين أن أداءه في مجال الإدارة لم يكن مناسبًا، وأنه معروف بـ"التقاعس عن العمل". وأثناء فترة توليه رئاسة شركة الاتصالات الإيرانية عام 1983، أقيل من منصبه لهذا السبب.
وبحسب المسؤولين المقربين منه في الحكومتين السابعة والثامنة، فهو "مدير غير مبدع وتابع يحاول فقط حل القضايا الموكلة إليه دون أي صدام مع السلطات العليا".
إن نهجه المحافظ في وزارة البريد والكهرباء والهواتف خلال الفترة الرئاسية الأولى لمحمد خاتمي، وصمته ضد مطالب قوات الأمن قد مهد الطريق للتواجد المكثف للحرس الثوري الإيراني في هذه الوزارة في السنوات التالية.
ويبدو أن هذا النهج المحافظ والمطيع في الإدارة أقنع خاتمي بتعيينه نائبا له في الولاية الثانية لحكومته.
وبالنظر إلى هذه المواقف المسالمة والأسلوب الإداري المحايد والتابع لمحمد رضا عارف، يمكن أن نفهم سبب تعيينه من قبل مسعود بزشكيان نائباً له.
ومن المثير للاهتمام أن مواقف عارف كانت أكثر تحفظًا من مواقف مسعود بزشكيان في بعض الحالات.
وحتى على عكس بزشكيان، لم يتخذ عارف موقفًا بشأن احتجاجات 2019 ومقتل مهسا أميني على يد الشرطة.
ولعل شخصية عارف هذه هي السبب وراء موافقة المرشد على تعيينه في منصب النائب الأول للحكومة بزشكيان.
خلال مراسم تنصيب مسعود بزشكيان رئيسًا جديدا لإيران، التي أقيمت الأحد 28 يوليو (تموز) بحضور المرشد علي خامنئي، ومسؤولين ومواطنين ووفود من الداخل والخارج، تبادل الرئيس الجديد والمرشد تصريحات مطمئنة لبعضهما البعض بأنهما سيسيران على النهج السابق، ولو على حساب الشعب والمواطن الإيراني.
وقال خامنئي، في كلمته، مخاطبًا بزشكيان: "أعلن تعيينك رئيسًا للجمهورية الإسلامية في إيران"، وهي عبارة لم يستخدمها من قبل، وفسرها محللون إيرانيون بأن المرشد يريد التأكيد للرئيس الجديد أنه هو من يقوم بتعيينه، وبإمكانه عزله كذلك، في حال ساءت الأمور بينهما.
في المقابل طمأن الرئيس الجديد، في أول كلمة رسمية له، المرشد والنظام الإيراني، بأن مسؤوليته في قصر الرئاسة هي تحقيق الأهداف والالتزام بالرؤية التي وضعها خامنئي للبلاد.
عبارتان تبادلاهما المرشد ورئيس الجمهورية الجديد تكشفان عن مستقبل السياسة الإيرانية داخليًا وخارجيًا، خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
ووضع خامنئي، في كلمته، أمام الرئيس الجديد، أولويات النظام، في السياسة الداخلية والخارجية؛ حيث أوصاه بالتقارب والعمل مع دول الجوار وآسيا وأفريقيا والشرق المتمثل بالصين وروسيا، واستثنى الولايات المتحدة والدول المتقدمة والأوروبية؛ لمعارضاتها سياساته وانتقادها لأوضاع حقوق الإنسان في إيران.
ولم يتحدث خامنئي أو الرئيس الجديد عن العقوبات، التي قصمت ظهر المواطن الإيراني، لكن المرشد أكد ضرورة أن يحتل الاقتصاد وحل المشكلات الاقتصادية، صدارة أولويات الحكومة، وهي "الأولوية"، التي تتعارض مع سياسات النظام الخارجية، سواء في المنطقة أو العالم.
حديث خامنئي هذا وتوصياته للحكومة بالحفاظ على النهج السابق في التعامل مع القضايا الساخنة داخليًا وخارجيًا يعني أن العقوبات الدولية، والضغوط على المواطن، والفجوة بين الشعب والنظام، ستبقى على حالها أربعة أعوام مقبلة؛ لأن ما ذكره المرشد، خلال مراسم تنصيب بزشكيان، تكرارًا لمكررات وتأكيدًا لمؤكدات سابقة ملّ منها المواطن الإيراني، الذي يكاد لا يرى تغييرًا أو إصلاحًا إلا في "موت المرشد"، بعد أن فشلت انتفاضاته واحتجاجاته السابقة المطالبة بالتغيير.
أما المفاجئ في حديث بزشكيان، خلافًا لتصريحاته في المناظرات الانتخابية بشأن دفاعه عن حقوق المواطنين الاجتماعية والسياسية، هو تأكيده، خلال المراسم، أنه لا يختلف عن الرؤساء السابقين، مثل حسن روحاني، وحتى إبراهيم رئيسي في الخنوع للمرشد، بل وأكد أيضًا أنه جاء رئيسًا؛ لتنفيذ سياسات المرشد وأهدافه.
ولم يتحدث المسؤولان الأول والثاني في النظام عن تحذيرات الخبراء من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن خامنئي أوصى الحكومة الجديدة بأمر اعتبره المحللون الإيرانيون "مضحكًا"، وهو "أن تكون مواجهة الحكومة للأزمات، مثل قدرة الذكاء الاصطناعي على حل المشكلات"، لكن المرشد نسى أو تناسى أن الذكاء الاصطناعي مبني على الحداثة العلمية والإنترنت القوي، في حين يعاني المواطن الإيراني قطع هذه الخدمة الضرورية؛ حيث لا يمكنه استخدامها، إلا عبر بطاقات كسر الحجب!
والنتيجة، التي خرج بها المواطن الإيراني، بعد مراسم تنصيب بزشكيان، هي أنه تم خداعه مرة أخرى في وعود إصلاحي جديد، وأن سياسة النظام الداخلية والخارجية ستبقى على حالها دون تغيير، خلال الأعوام الأربعة المقبلة.
وأقتبس هنا تعليقًا من زميلي في "إيران إنترناشيونال"، المحلل والدبلوماسي السابق، حسين علي زاده، حول بدء الرئيس الجديد مهامه والأمل في التغيير: "ما لم نغير مسار السكة الحديد سنكون أمام المصير نفسه ذهابًا وإيابًا، حتى لو غيّرنا القطار وجميع العربات والسائق".
وفي قضية الحكومة الجديدة "القطار هو القطار والسكة هي السكة"، التي سار عليها نجاد وروحاني ورئيسي.
ولم تلعب المجموعات والميلشيات الموالية لإيران في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في جنوب لبنان والحوثيين في اليمن، أي دور في الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 أبريل (نيسان)، إذ قامت طهران بمفردها بشن هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة على أهداف في إسرائيل، دون أن تحقق إصابات تذكر.
ووقع هجوم إيران بعد أقل من أسبوعين من الهجوم الإسرائيلي على سوريا، والذي قُتل خلاله اثنان من كبار قادة فيلق القدس الإيراني بعد استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق.
وتزايدت احتمالات الحرب بعد مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي كان في طهران لحضور حفل تنصيب مسعود بزشكيان رئيسا جديدا لإيران.
ويوم الأربعاء 31 يوليو (تموز) الماضي وعد المرشد الإيراني علي خامنئي، بالانتقام من إسرائيل . كما أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه "سينتقم لمقتل هنية".
ويعتقد الجنرال زفيكا هيموفيتش، الرئيس السابق لسلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي بين عامي 2015 و2018، أن حزب الله اللبناني سيلعب هذه المرة دورا حيويا في الرد الإيراني المرتقب على إسرائيل.
وأضاف: "غير انتقام إيران لمقتل هنية، لا يمكن تصور أي وضع آخر".
ونسبت طهران هذا الاغتيال إلى إسرائيل، ولم تؤكد تل أبيب أو تنفي حتى الآن تورطها فيه.
وقال هيموفيتش لـ"إيران إنترناشيونال": لا تزال هناك أسئلة كثيرة، ستحدد إجاباتها ما إذا كانت حرب واسعة النطاق ستحدث أم لا.
والسؤال الأول: هل ستهاجم إيران وسط إسرائيل مثل تل أبيب أم ستقتصر الهجمات على الشمال بالقرب من مدينة حيفا؟
السؤال الثاني: هل ستستخدم طهران الصواريخ الدقيقة والمحددة أم ستلجأ إلى الأسلحة البسيطة؟
السؤال الثالث: هل ستطلق طهران جميع الصواريخ في نفس الوقت أم لا؟
وأكد هيموفيتش، الذي دخل نظام القبة الحديدية حيز الخدمة أثناء توليه لمنصب رئاسة سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي، أن "الجميع تحت الضغط؛ خاصة المدنيين، والقوات العسكرية الذين هم في حالة تأهب قصوى على الحدود. الجيش والبحرية والقوات الجوية كذلك. نحن ننتظر".
وليس من الواضح متى ستتحرك إيران، وإلى أي مدى يمكن أن تذهب، والناس في المنطقة ينتظرون.
ومن الممكن أن يحدث هجوم "فوري" خلال أقل من 48 ساعة أو خلال الأيام المقبلة، بحسب هيموفيتش.
وأفاد المتحدث باسم البنتاغون أن أميركا لم تشهد أي تحرك محدد في إيران يشير إلى هجمات محتملة على إسرائيل في الساعات المقبلة.
وبعد إصابة عدد من الجنود الأميركيين في هجوم صاروخي على قاعدة "عين الأسد" في العراق، توعدت الولايات المتحدة بالرد.
وأعلنت قناة "صابرين نيوز"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، أن المسلحين المدعومين من قبل إيران يقفون وراء هذا الهجوم.
وقال هذا القائد الإسرائيلي السابق إن كيفية رد إسرائيل على انتقام إيران تعتمد بالكامل على طبيعة وأسلوب هجوم طهران.
وكان قائد القيادة المركزية الأميركية، مدير وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" السابق، ديفيد بترايوس، قال في وقت سابق في لقاء خاص مع قناة "إيران إنترناشيونال"، إن إيران وإسرائيل ستحاولان تجنب الحرب الشاملة؛ خوفًا من الدمار الذي قد تلحقه بكل منهما، وذلك وسط تقارير عن هجوم إيراني "وشيك" على إسرائيل.
وقال بترايوس لمراسلة قناة "إيران إنترناشيونال"، مرضية حسيني: "أعتقد أن (الإيرانيين) يجب أن يردوا. هذه ضربة هائلة لشرف إيران، وفشل استخباراتي ضخم، وإخفاق أمني؛ لذا يجب عليهم الرد. لكنني لا أعتقد أن طهران تريد الدخول في حرب مباشرة حقيقية مع إسرائيل، وبصراحة لا أعتقد أيضًا أن تل أبيب تريد الدخول في حرب شاملة حقيقية مع حزب الله أو مع إيران، ولا أعتقد أنهم يريدون الدخول في هذا مع بعضهم البعض، لأن الضرر الذي سيلحق بالجانبين سيكون كبيرًا للغاية".
وقال هيموفيتش إن الضربة الانتقامية الإسرائيلية في أبريل (نيسان) بعثت برسالة قوية إلى الجمهورية الإسلامية، لكنها ربما لم تكن "كافية".
وأشار إلى أن الهجوم على نظام الرادار المتطور في أصفهان، بعد أيام قليلة من إطلاق طهران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل، أظهر أن القوة الدفاعية الإيرانية لا يمكن أن تضاهي القوة العسكرية الإسرائيلية.
وأضاف هيموفيتش: "بعد الرد الإسرائيلي في أبريل (نيسان)، فهم نظام إيران بالضبط ما هي قدرات إسرائيل".
وتابع: "الأمر معقد للغاية"- في إشارة إلى الجبهات المتعددة لحرب إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران- "أعتقد أننا بحاجة إلى إنهاء الحرب المتعددة الجبهات التي نخوضها في المدى القصير".
وخلص المسؤول العسكري الإسرائيلي الكبير السابق إلى القول: "على المدى الطويل، أعتقد أننا يجب أن نركز على القدرات النووية لإيران، وبناء تحالف قوي ومستقر بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك الدول العربية السنية ضد طهران".