مسؤول إسرائيلي: إذا ردت إيران ستتلقى ضربة أقوى مما تتخيل



وصف الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان، قيام إسرائيل بقتل حسن نصرالله بـ "الجريمة"، مؤكداً أن "الرد الحاسم على هؤلاء المجرمين أمر ضروري".
وأضاف: "ادعاءات قادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتقديم وعود بوقف إطلاق النار مقابل عدم رد إيران على اغتيال إسماعيل هنية كانت كلها كاذبة، وإن منح هؤلاء المجرمين الفرصة سيجعلهم أكثر جرأة على ارتكاب المزيد من الجرائم".
واتهم بزشكیان إسرائيل بأنها "لا تلتزم بأي من القوانين أو الأطر الدولية".

ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الجيش الإسرائيلي، أطلق 80 قنبلة في هجومه الأخير، الذي أسفر عن مقتل حسن نصرالله، يوم الجمعة الماضي، بعد أن تعقب موقعه في مخبأ تحت الأرض ضمن مجمع سكني جنوب بيروت، وذلك تجنبًا للأخطاء، التي حدثت في محاولات سابقة.
ووفقًا للتقرير، فقد حاولت إسرائيل اغتيال نصرالله ثلاث مرات، خلال حرب عام 2006 مع حزب الله؛ حيث فشلت إحدى المحاولات؛ لأن نصرالله غادر الموقع قبل الهجوم، فيما لم تستطع القنابل في المرتين الأخريين اختراق الخرسانة المسلحة، التي كانت تحمي مخبأه.
وقال مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون لـ "فايننشال تايمز": "إن نجاح المحاولة الأخيرة يعود إلى تطور عمق وجودة المعلومات الاستخباراتية، التي حصلت عليها إسرائيل خلال الشهرين الماضيين".
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، نقلاً عن مصدر أمني لبناني، أن الحكومة الإسرائيلية حصلت على معلومات من "مندس إيراني" تشير إلى وصول حسن نصرالله الوشيك إلى الضاحية الجنوبية للعصمة اللبنانية، بيروت.
وأضاف التقرير أن طائرات "إف- 35" الإسرائيلية، المزودة بقنابل قادرة على اختراق التحصينات، كانت في حالة استعداد بسماء لبنان، بانتظار وصول نصرالله إلى مركز قيادة حزب الله، الذي يتكون من ستة مبانٍ وسط منطقة "الضاحية" جنوب بيروت.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الهجوم الجوي على بيروت، يوم الجمعة الماضي، أسفر عن مقتل أكثر من 20 من عناصر حزب الله، بمن فيهم نصرالله.
وأكد حزب الله، في وقت لاحق، اليوم الأحد، مقتل القائد البارز في الحزب، علي كرّكي، خلال الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة الماضي أيضًا.

يواصل مؤيدو النظام في إيران الضغط على المسؤولين، مطالبين بالانتقام لمقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في الوقت الذي تظل فيه التصريحات الرسمية الإيرانية بعيدة عن اتخاذ قرار بالرد المباشر على إسرائيل.
وكثُرت الدعوات على شاشات التلفزيون الإيراني إلى الثأر؛ حيث طالب معظم مقدمي البرامج المسؤولين بمهاجمة إسرائيل؛ ردًا على مقتل نصرالله.
كما طالبت المسيرات، التي نظمها مؤيدو النظام في الشوارع، على مدار اليومين الماضيين، بضرورة الانتقام لمقتل نصرالله.
وفي هذا السياق، تحدث محمد جواد ظريف، مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، حول رد فعل إيران على مقتل نصرالله، قائلاً: "إن القيادة العليا والنظام سيتخذان القرار في هذا الشأن". وأضاف: "سيكون رد إيران في الوقت المناسب وبحسب اختيارها".
وتعكس تصريحات ظريف مواقف مشابهة، سبق أن أبداها المسؤولون الإيرانيون، بعد مقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ حيث تم تأجيل الانتقام إلى أجل غير مسمى.
وقال محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، في جلسة البرلمان اليوم الأحد، 29 سبتمبر (أيلول)، إن إيران ستدعم "المقاومة" بلا حدود دون تردد. ومع ذلك، لم يظهر في تصريحاته أي تأكيد على الانتقام.
ولم يرسل المرشد الإيراني، علي خامنئي، بعد مقتل نصرالله، أي إشارة مباشرة إلى الانتقام؛ فقد قال في رسالته، التي أصدرها قبل ساعات من تأكيد مقتل نصرالله: "إن على جميع المسلمين الوقوف إلى جانب شعب لبنان وحزب الله بإمكاناتهم".
كما أصدر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان، بيانًا، بعد مقتل نصرالله، ولم يشر فيه إلى نية إيران في الانتقام، بل أكد أن "المقاومة" لن تبقى بلا قيادة في غياب نصرالله.
من جانبه، حذر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في خطابه يوم الجمعة الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، المسؤولين الإيرانيين بشكل مباشر، قائلاً إن "الأذرع الطويلة لإسرائيل تصل إلى أي نقطة في إيران". وأضاف: "إذا هاجمتمونا، سنهاجمكم".
وفي هجوم إسرائيلي يوم الجمعة على مقر حزب الله في بيروت، قُتل أيضًا أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني. وفي بيان أصدره الحرس الثوري يوم الأحد، أكد مقتل عباس نیلفروشان، الذي كان قد عُيّن قائدًا للحرس الثوري في لبنان منذ الأول من إبريل (نيسان) الماضي.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 عقوبات على نیلفروشان وقائدين آخرين في الحرس الثوري، هما محمد كاظمي وأحمد شفاهي، بسبب "دورهم الوحشي في قمع الاحتجاجات بإيران".
ورغم تأكيد الحرس الثوري مقتل نیلفروشان، في بيانه، لم يشر إلى أي نية للانتقام، مكتفيًا بسرد تاريخه العسكري.
فيما صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، بأن هذا العمل الإسرائيلي "لن يبقى دون رد".
ووعد المسؤولون الإيرانيون بالانتقام إثر مقتل إسماعيل هنية، في طهران، بعد حضوره مراسم أداء البمين الدستورية للرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، لكنهم أجلوا ذلك إلى وقت غير محدد. وكانت حجتهم، على الأقل في التصريحات العامة، أن الرد السريع قد يكون فخًا لاستدراج النظام إلى حرب مباشرة، ولذلك تم الامتناع عن ذلك.
وفي وقت سابق من هذا العام، ردت إيران على هجوم إسرائيلي استهدف قنصليتها في دمشق في إبريل الماضي بشن هجمات بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ، لكن أكثر من 99 بالمائة من الصواريخ والطائرات تم اعتراضها وتدميرها دون أن تسبب أي أضرار.
وفي الوقت الحالي، ومع ضعف قيادة حزب الله بشكل كبير وتراجع القوة العسكرية لحماس، أصبحت الأذرع الإقليمية لإيران أضعف من أي وقت مضى، كما أن الهجمات المحدودة للحوثيين لا تكفي لتحقيق أهداف إيران الانتقامية.

أشار حسن آقاميري، عضو مجلس بلدية العاصمة طهران، إلى مقتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، قائلاً: "تم اغتيال ضيفنا في طهران، وقدمنا وعدًا بالانتقام، لكن لم يحدث شيء. لا يزال المسؤولون يقولون في تصريحاتهم سننتقم، ولكن لا يحدث شيء".

على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين أصدقاء وأعداء حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، فإنهم يتفقون تمامًا على أمر واحد، هو أن مقتل نصرالله سيغيّر وجه الشرق الأوسط بشكل جذري.
ومع ذلك، تبدأ الانقسامات مجددًا عند هذه النقطة بالذات؛ إذ إن هذا "التغيير" يحمل دلالات مختلفة تمامًا للنظام الإيراني وحلفائه، مقارنة بما يعنيه لإسرائيل وأعداء حزب الله. ورغم وضوح هذا التباين، فإن المسألة الأكثر أهمية الآن هي مدى قدرة كل طرف على التحرك نحو تحقيق رؤيته لهذا التغيير.
غير أن كتابة فصل جديد من تاريخ الشرق الأوسط لم تبدأ بمقتل حسن نصرالله، بل مع هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فقد اعتبرت إيران ووكلاؤها هذا الهجوم انتصارًا كبيرًا لهم، وأدرجوا ما وصفته إسرائيل بأنه "أسوأ وأكبر مجزرة بحق اليهود منذ الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية" ضمن رصيد قوتهم.
إن إحساسهم بهذا النصر ارتبط أيضًا بتجاهلهم الكامل لأرواح وممتلكات المدنيين، الذين لا يستطيعون ليس فقط معارضة سياسات حماس وحزب الله، بل يتم استخدامهم كدروع بشرية في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
وفي الواقع، بعد الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر الماضي، لم تتمكن إيران وحلفاؤها، الذين يطلقون على أنفسهم "جبهة المقاومة"، من توجيه أي ضربة حاسمة أو حتى ملحوظة إلى إسرائيل.
وتمثلت كبرى محاولاتهم في إطلاق أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصاروخ باليستي وكروز من الأراضي الإيرانية نحو إسرائيل، ولكن هذا التحرك كان بلا جدوى عسكرية تُذكر، لا سيما بعد رد إسرائيل الانتقامي، الذي أظهر بوضوح الفجوة الواسعة في القدرات العسكرية والعملياتية بين إسرائيل وإيران.
وعلى النقيض من ذلك، كانت عمليات إسرائيل فعالة للغاية؛ فقبل حلول الذكرى السنوية لهجوم 7 أكتوبر، لم تكتفِ إسرائيل بقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران، ومعه الأهم حسن نصرالله، الأمين العم لحزب الله اللبناني، وعباس نيلفروشان، نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني، بل قضت تقريبًا على القيادة الرئيسة لكلا التنظيمين، ودمرت جزءًا كبيرًا من قواتهما ومنشآتهما ومستودعاتهما التسليحية، وأجرت هذه العمليات بطريقة مهينة لأقصى حد.
وقد أثار حجم وطبيعة الضربات الإسرائيلية الأخيرة، خاصة منذ مقتل فؤاد شكر في بيروت، وإسماعيل هنية في طهران، قلقًا كبيرًا لدى إيران ووكلائها؛ فالهلال الذي كانوا يعتقدون أنه على وشك الاكتمال بدأ يتلاشى بسرعة، ليصبح رقيقًا وهشًا مثل الهلال الجديد.
ووجد النظام، الذي استند على ثروات الإيرانيين لتمويل الجماعات التابعة له لسنوات، والذي اعتاد على الخطابات والتهديدات الجوفاء، نفسه عاجزًا عن الرد في ساحة المعركة؛ فبعد مقتل أهم حلفائه في المنطقة، لم يستطع النظام الإيراني حتى الحديث عن حقه في الانتقام.
ويبرر قادة النظام هذه الاستراتيجية بمعتقدات تركز على الأولويات؛ حيث يرون أن "الحفاظ على إيران واستقرارها" هو الواجب الأهم الذي يتجاوز كل الاعتبارات الأخرى.
لكن واقع الشرق الأوسط قد تغير بالفعل، وسيستمر هذا التغيير في مسار معين، على الأقل في المستقبل القريب، حتى وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض الأميركي.
ولا يبدو أن قادة النظام الإيراني يهتمون كثيرًا بسمعتهم؛ فبدلاً من ذلك، يسعون لتعويض هذه الهزيمة المذلة بزيادة القمع في الداخل، ومحاولة إبقاء القوى الوكيلة، التي تشعر بأنها تعرضت للخيانة، موالية لهم من خلال دفع الأموال وتقديم وعود عامة.
لكن الشيء الذي تغير، ولا تستطيع إيران السيطرة عليه، هو أن إسرائيل لا تزال غير راضية عما حققته حتى الآن. ويفهم قادة النظام الإيراني، وعلى رأسهم علي خامنئي وقادة الحرس الثوري، الرسالة الإسرائيلية بشكل أفضل من أي شخص آخر، ولهذا السبب لم يكن مفاجئًا أن يتخلوا عن فكرة الانتقام، بعد مقتل حسن نصرالله، ويتركوا المواجهة مع إسرائيل لحزب الله.
كما أن رد فعل إسرائيل ترك رسالة واضحة: "أي خطوة أخرى من إيران ستواجه برد أشد".
وتبدو إيران الآن في موقف ضعيف؛ فهي لا تملك الدعم الداخلي اللازم ولا الحلفاء الدوليين، الذين يمكنها الاعتماد عليهم في مواجهة إسرائيل، التي أثبتت أنها قادرة على ضرب مراكز طهران الحيوية في أي وقت تشاء.
وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن هذه القضية مرتبطة بشكل جوهري بمقاومة إيران لرغبة الغالبية العظمى من الشعب الإيراني في الانتقال إلى نظام ديمقراطي.
إن هزيمة النظام، الذي طالما تصرف ضد مصالح الشعب الإيراني، وخصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد تتيح فرصة لتعزيز الوحدة والعمل الجماعي بين المواطنين الإيرانيين ضد ظلم "الجمهورية الإسلامية".
وإدراك اللحظة، التي ينهار فيها "وهم القوة"، يمكن أن يغيّر ميزان القوى بين الشعب الإيراني والنظام لصالح الشعب.