الرئيس الإيراني: وعود أميركا وأوروبا لطهران بعدم الرد على اغتيال هنية كانت كاذبة

وصف الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان، قيام إسرائيل بقتل حسن نصرالله بـ "الجريمة"، مؤكداً أن "الرد الحاسم على هؤلاء المجرمين أمر ضروري".

وصف الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان، قيام إسرائيل بقتل حسن نصرالله بـ "الجريمة"، مؤكداً أن "الرد الحاسم على هؤلاء المجرمين أمر ضروري".
وأضاف: "ادعاءات قادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتقديم وعود بوقف إطلاق النار مقابل عدم رد إيران على اغتيال إسماعيل هنية كانت كلها كاذبة، وإن منح هؤلاء المجرمين الفرصة سيجعلهم أكثر جرأة على ارتكاب المزيد من الجرائم".
واتهم بزشكیان إسرائيل بأنها "لا تلتزم بأي من القوانين أو الأطر الدولية".

ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الجيش الإسرائيلي، أطلق 80 قنبلة في هجومه الأخير، الذي أسفر عن مقتل حسن نصرالله، يوم الجمعة الماضي، بعد أن تعقب موقعه في مخبأ تحت الأرض ضمن مجمع سكني جنوب بيروت، وذلك تجنبًا للأخطاء، التي حدثت في محاولات سابقة.
ووفقًا للتقرير، فقد حاولت إسرائيل اغتيال نصرالله ثلاث مرات، خلال حرب عام 2006 مع حزب الله؛ حيث فشلت إحدى المحاولات؛ لأن نصرالله غادر الموقع قبل الهجوم، فيما لم تستطع القنابل في المرتين الأخريين اختراق الخرسانة المسلحة، التي كانت تحمي مخبأه.
وقال مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون لـ "فايننشال تايمز": "إن نجاح المحاولة الأخيرة يعود إلى تطور عمق وجودة المعلومات الاستخباراتية، التي حصلت عليها إسرائيل خلال الشهرين الماضيين".
وفي وقت سابق، ذكرت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، نقلاً عن مصدر أمني لبناني، أن الحكومة الإسرائيلية حصلت على معلومات من "مندس إيراني" تشير إلى وصول حسن نصرالله الوشيك إلى الضاحية الجنوبية للعصمة اللبنانية، بيروت.
وأضاف التقرير أن طائرات "إف- 35" الإسرائيلية، المزودة بقنابل قادرة على اختراق التحصينات، كانت في حالة استعداد بسماء لبنان، بانتظار وصول نصرالله إلى مركز قيادة حزب الله، الذي يتكون من ستة مبانٍ وسط منطقة "الضاحية" جنوب بيروت.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الهجوم الجوي على بيروت، يوم الجمعة الماضي، أسفر عن مقتل أكثر من 20 من عناصر حزب الله، بمن فيهم نصرالله.
وأكد حزب الله، في وقت لاحق، اليوم الأحد، مقتل القائد البارز في الحزب، علي كرّكي، خلال الهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت يوم الجمعة الماضي أيضًا.

يواصل مؤيدو النظام في إيران الضغط على المسؤولين، مطالبين بالانتقام لمقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في الوقت الذي تظل فيه التصريحات الرسمية الإيرانية بعيدة عن اتخاذ قرار بالرد المباشر على إسرائيل.
وكثُرت الدعوات على شاشات التلفزيون الإيراني إلى الثأر؛ حيث طالب معظم مقدمي البرامج المسؤولين بمهاجمة إسرائيل؛ ردًا على مقتل نصرالله.
كما طالبت المسيرات، التي نظمها مؤيدو النظام في الشوارع، على مدار اليومين الماضيين، بضرورة الانتقام لمقتل نصرالله.
وفي هذا السياق، تحدث محمد جواد ظريف، مساعد الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية، حول رد فعل إيران على مقتل نصرالله، قائلاً: "إن القيادة العليا والنظام سيتخذان القرار في هذا الشأن". وأضاف: "سيكون رد إيران في الوقت المناسب وبحسب اختيارها".
وتعكس تصريحات ظريف مواقف مشابهة، سبق أن أبداها المسؤولون الإيرانيون، بعد مقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ حيث تم تأجيل الانتقام إلى أجل غير مسمى.
وقال محمد باقر قاليباف، رئيس البرلمان الإيراني، في جلسة البرلمان اليوم الأحد، 29 سبتمبر (أيلول)، إن إيران ستدعم "المقاومة" بلا حدود دون تردد. ومع ذلك، لم يظهر في تصريحاته أي تأكيد على الانتقام.
ولم يرسل المرشد الإيراني، علي خامنئي، بعد مقتل نصرالله، أي إشارة مباشرة إلى الانتقام؛ فقد قال في رسالته، التي أصدرها قبل ساعات من تأكيد مقتل نصرالله: "إن على جميع المسلمين الوقوف إلى جانب شعب لبنان وحزب الله بإمكاناتهم".
كما أصدر الرئيس الإيراني، مسعود بزشكیان، بيانًا، بعد مقتل نصرالله، ولم يشر فيه إلى نية إيران في الانتقام، بل أكد أن "المقاومة" لن تبقى بلا قيادة في غياب نصرالله.
من جانبه، حذر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، في خطابه يوم الجمعة الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، المسؤولين الإيرانيين بشكل مباشر، قائلاً إن "الأذرع الطويلة لإسرائيل تصل إلى أي نقطة في إيران". وأضاف: "إذا هاجمتمونا، سنهاجمكم".
وفي هجوم إسرائيلي يوم الجمعة على مقر حزب الله في بيروت، قُتل أيضًا أحد كبار قادة الحرس الثوري الإيراني. وفي بيان أصدره الحرس الثوري يوم الأحد، أكد مقتل عباس نیلفروشان، الذي كان قد عُيّن قائدًا للحرس الثوري في لبنان منذ الأول من إبريل (نيسان) الماضي.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 عقوبات على نیلفروشان وقائدين آخرين في الحرس الثوري، هما محمد كاظمي وأحمد شفاهي، بسبب "دورهم الوحشي في قمع الاحتجاجات بإيران".
ورغم تأكيد الحرس الثوري مقتل نیلفروشان، في بيانه، لم يشر إلى أي نية للانتقام، مكتفيًا بسرد تاريخه العسكري.
فيما صرح عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، بأن هذا العمل الإسرائيلي "لن يبقى دون رد".
ووعد المسؤولون الإيرانيون بالانتقام إثر مقتل إسماعيل هنية، في طهران، بعد حضوره مراسم أداء البمين الدستورية للرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، لكنهم أجلوا ذلك إلى وقت غير محدد. وكانت حجتهم، على الأقل في التصريحات العامة، أن الرد السريع قد يكون فخًا لاستدراج النظام إلى حرب مباشرة، ولذلك تم الامتناع عن ذلك.
وفي وقت سابق من هذا العام، ردت إيران على هجوم إسرائيلي استهدف قنصليتها في دمشق في إبريل الماضي بشن هجمات بالطائرات المُسيَّرة والصواريخ، لكن أكثر من 99 بالمائة من الصواريخ والطائرات تم اعتراضها وتدميرها دون أن تسبب أي أضرار.
وفي الوقت الحالي، ومع ضعف قيادة حزب الله بشكل كبير وتراجع القوة العسكرية لحماس، أصبحت الأذرع الإقليمية لإيران أضعف من أي وقت مضى، كما أن الهجمات المحدودة للحوثيين لا تكفي لتحقيق أهداف إيران الانتقامية.

أشار حسن آقاميري، عضو مجلس بلدية العاصمة طهران، إلى مقتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، قائلاً: "تم اغتيال ضيفنا في طهران، وقدمنا وعدًا بالانتقام، لكن لم يحدث شيء. لا يزال المسؤولون يقولون في تصريحاتهم سننتقم، ولكن لا يحدث شيء".

على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين أصدقاء وأعداء حسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، فإنهم يتفقون تمامًا على أمر واحد، هو أن مقتل نصرالله سيغيّر وجه الشرق الأوسط بشكل جذري.
ومع ذلك، تبدأ الانقسامات مجددًا عند هذه النقطة بالذات؛ إذ إن هذا "التغيير" يحمل دلالات مختلفة تمامًا للنظام الإيراني وحلفائه، مقارنة بما يعنيه لإسرائيل وأعداء حزب الله. ورغم وضوح هذا التباين، فإن المسألة الأكثر أهمية الآن هي مدى قدرة كل طرف على التحرك نحو تحقيق رؤيته لهذا التغيير.
غير أن كتابة فصل جديد من تاريخ الشرق الأوسط لم تبدأ بمقتل حسن نصرالله، بل مع هجوم حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فقد اعتبرت إيران ووكلاؤها هذا الهجوم انتصارًا كبيرًا لهم، وأدرجوا ما وصفته إسرائيل بأنه "أسوأ وأكبر مجزرة بحق اليهود منذ الهولوكوست في الحرب العالمية الثانية" ضمن رصيد قوتهم.
إن إحساسهم بهذا النصر ارتبط أيضًا بتجاهلهم الكامل لأرواح وممتلكات المدنيين، الذين لا يستطيعون ليس فقط معارضة سياسات حماس وحزب الله، بل يتم استخدامهم كدروع بشرية في مواجهة الجيش الإسرائيلي.
وفي الواقع، بعد الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر الماضي، لم تتمكن إيران وحلفاؤها، الذين يطلقون على أنفسهم "جبهة المقاومة"، من توجيه أي ضربة حاسمة أو حتى ملحوظة إلى إسرائيل.
وتمثلت كبرى محاولاتهم في إطلاق أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصاروخ باليستي وكروز من الأراضي الإيرانية نحو إسرائيل، ولكن هذا التحرك كان بلا جدوى عسكرية تُذكر، لا سيما بعد رد إسرائيل الانتقامي، الذي أظهر بوضوح الفجوة الواسعة في القدرات العسكرية والعملياتية بين إسرائيل وإيران.
وعلى النقيض من ذلك، كانت عمليات إسرائيل فعالة للغاية؛ فقبل حلول الذكرى السنوية لهجوم 7 أكتوبر، لم تكتفِ إسرائيل بقتل إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران، ومعه الأهم حسن نصرالله، الأمين العم لحزب الله اللبناني، وعباس نيلفروشان، نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني، بل قضت تقريبًا على القيادة الرئيسة لكلا التنظيمين، ودمرت جزءًا كبيرًا من قواتهما ومنشآتهما ومستودعاتهما التسليحية، وأجرت هذه العمليات بطريقة مهينة لأقصى حد.
وقد أثار حجم وطبيعة الضربات الإسرائيلية الأخيرة، خاصة منذ مقتل فؤاد شكر في بيروت، وإسماعيل هنية في طهران، قلقًا كبيرًا لدى إيران ووكلائها؛ فالهلال الذي كانوا يعتقدون أنه على وشك الاكتمال بدأ يتلاشى بسرعة، ليصبح رقيقًا وهشًا مثل الهلال الجديد.
ووجد النظام، الذي استند على ثروات الإيرانيين لتمويل الجماعات التابعة له لسنوات، والذي اعتاد على الخطابات والتهديدات الجوفاء، نفسه عاجزًا عن الرد في ساحة المعركة؛ فبعد مقتل أهم حلفائه في المنطقة، لم يستطع النظام الإيراني حتى الحديث عن حقه في الانتقام.
ويبرر قادة النظام هذه الاستراتيجية بمعتقدات تركز على الأولويات؛ حيث يرون أن "الحفاظ على إيران واستقرارها" هو الواجب الأهم الذي يتجاوز كل الاعتبارات الأخرى.
لكن واقع الشرق الأوسط قد تغير بالفعل، وسيستمر هذا التغيير في مسار معين، على الأقل في المستقبل القريب، حتى وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض الأميركي.
ولا يبدو أن قادة النظام الإيراني يهتمون كثيرًا بسمعتهم؛ فبدلاً من ذلك، يسعون لتعويض هذه الهزيمة المذلة بزيادة القمع في الداخل، ومحاولة إبقاء القوى الوكيلة، التي تشعر بأنها تعرضت للخيانة، موالية لهم من خلال دفع الأموال وتقديم وعود عامة.
لكن الشيء الذي تغير، ولا تستطيع إيران السيطرة عليه، هو أن إسرائيل لا تزال غير راضية عما حققته حتى الآن. ويفهم قادة النظام الإيراني، وعلى رأسهم علي خامنئي وقادة الحرس الثوري، الرسالة الإسرائيلية بشكل أفضل من أي شخص آخر، ولهذا السبب لم يكن مفاجئًا أن يتخلوا عن فكرة الانتقام، بعد مقتل حسن نصرالله، ويتركوا المواجهة مع إسرائيل لحزب الله.
كما أن رد فعل إسرائيل ترك رسالة واضحة: "أي خطوة أخرى من إيران ستواجه برد أشد".
وتبدو إيران الآن في موقف ضعيف؛ فهي لا تملك الدعم الداخلي اللازم ولا الحلفاء الدوليين، الذين يمكنها الاعتماد عليهم في مواجهة إسرائيل، التي أثبتت أنها قادرة على ضرب مراكز طهران الحيوية في أي وقت تشاء.
وسواء أعجبنا ذلك أم لا، فإن هذه القضية مرتبطة بشكل جوهري بمقاومة إيران لرغبة الغالبية العظمى من الشعب الإيراني في الانتقال إلى نظام ديمقراطي.
إن هزيمة النظام، الذي طالما تصرف ضد مصالح الشعب الإيراني، وخصوصًا في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، قد تتيح فرصة لتعزيز الوحدة والعمل الجماعي بين المواطنين الإيرانيين ضد ظلم "الجمهورية الإسلامية".
وإدراك اللحظة، التي ينهار فيها "وهم القوة"، يمكن أن يغيّر ميزان القوى بين الشعب الإيراني والنظام لصالح الشعب.

شهد الشرق الأوسط تحولات جذرية خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث غيَّرت إسرائيل بشكل كبير وجه المنطقة، فقد تلقت حركة حماس والجهاد الإسلامي ضربة كبيرة، بعد مقتل إسماعيل هنية، كما فقد حزب الله اللبناني جزءًا حيويًا من قيادته بمقتل أمينه العام حسن نصرالله، مع عدد من قادة هذا التنظيم.
وأظهرت الصور، التي نشرها الجيش الإسرائيلي، أن نصرالله وقادة حزب الله الرئيسين مثل فؤاد شكر، قائد الجناح العسكري، وإبراهيم عقیل، قائد العمليات وقائد وحدة رضوان، وعلي کرکی، قائد جبهة الجنوب، قُتلوا جميعًا.
والآن، يجب على حزب الله اختيار شخص آخر بدلاً من نصرالله كأمين عام، ومن المحتمل أن يتدخل علي خامنئي وقادة الحرس الثوري في هذا الاختيار، كما في السابق.
وإذا كان هاشم صفی الدین، رئيس المجلس الجهادي، قد نجا، وكذلك نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، فسيكونان الخيارين الرئيسين لخلافة نصرالله، وكلاهما قريب من النظام الإيراني، لكن هاشم صفی الدین يعتبر خيارًا عسكريًا أكثر، وهو والد زوجة قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي قُتل في غارة أميركية على العراق.
أما نعيم قاسم فهو من مؤسسي حزب الله في الثمانينيات، وقد تم انتخابه نائبًا للأمين العام خمس مرات، لكن هاشم صفی الدین لديه دعم أكبر بين قوات الحرس الثوري. بغض النظر عن أي اختيار، سيصبح خليفة نصرالله هدفًا رئيسًا للعمليات الهجومية الإسرائيلية، وستكون حياته أيضًا في خطر.
ومع مقتل القادة الرئيسين لحزب الله، يواجه الحزب تحديًا كبيرًا في اختيار قادته العسكريين أيضًا. وإذا كان طلال حمیه، القائد القديم لحزب الله، قد نجا، فمن المحتمل أن يتولى قيادة الجناح العسكري، وهو مطلوب من قِبل الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن يعود حزب الله إلى مكانته السابقة تحت قيادة نصرالله التي دامت 32 عامًا؛ حيث تدهورت وضعيته بشكل كبير في لبنان، بعدما تعرضت قوته العسكرية ومصداقيته لضرر جسيم.
وعلى المدى القصير، ستتعرض الوضعية السياسية لحزب الله في لبنان أيضًا للضغط، وهذا ما سيسعد خصوم الحزب السياسيين، مثل التيار المسيحي الماروني وتيار المستقبل السني، بتضعيف حزب الله.
وعلى المستوى الإقليمي، سيسعد العديد من الدول العربية، بتقليص نفوذ حزب الله، رغم انتقاداتها لإسرائيل، فقد كان حزب الله دائمًا يُعتبر من وكلاء طهران، التي تتدخل في شؤون العالم العربي؛ لذلك، يعتبر إضعاف هذه المجموعة، من منظور بعض الحكومات العربية، بمثابة تقليل للتدخلات الإيرانية في المنطقة.
وفي المقابل، فإن دولًا مثل سوريا والعراق، التي تتماشى مع النظام الإيراني، ستعبر عن استيائها الشديد من هذه التطورات وستعلن الحداد.
وفي الداخل الإيراني، تلقى المرشد وقادة الحرس الثوري، صدمة بمقتل نصرالله وقادة الحزب اللبناني؛ حيث لم يتصور نظام طهران أن أهم وكلائه بالمنطقة سيتعرض لمثل هذه الضغوط الإسرائيلية بهذه السرعة والشدة.
وتواجه إيران، الآن، مفترق طرق صعبًا؛ فإذا لم ترد على الهجمات الإسرائيلية، فإن مصداقيتها المتدنية ستتضرر أكثر، ولكن إذا قررت الرد، فستزداد احتمالات الهجمات المضادة من إسرائيل.
وفي الهجمات الأخيرة لإسرائيل على ضاحية بيروت، قُتل عباس نیلفروشان، أحد القادة الرئيسين للحرس، أيضًا، وهو الذي كان مسؤولاً عن ملف لبنان وسوريا في قوة القدس، وتم تعيينه في هذا المنصب، بعد وفاة محمد رضا زاهدي، قائد الحرس الثوري السابق في لبنان.
وتشير هذه التطورات إلى أن إسرائيل لم تستهدف فقط القادة الرئيسين لحزب الله وحماس، بل دمرت أيضًا جزءًا كبيرًا من شبكة القيادة للحرس الثوري في لبنان وسوريا.
وأعرب مؤيدو النظام الإيراني عن استيائهم الشديد من مقتل حسن نصرالله، وأبدوا عدم رضاهم عن عدم رد طهران على هذا الهجوم.
وعلى النقيض، شعر العديد من الناس في إيران بالفرح بموت نصرالله، والسبب الرئيسي لهذا الفرح هو أنهم يعلمون أن النظام حزين؛ حيث إن العديد من الإيرانيين يعارضون هذا النظام، ولذلك فإن أي حدث يُكدّر هذه الحكومة يسعدهم.
كما أن الاعتقاد السائد بين العديد من الإيرانيين هو أن حزب الله، وغيره من وكلاء النظام، قد لعب دورًا في قمع احتجاجات الشعب الإيراني، ولذلك، فعندما تستهدف إسرائيل قادة حزب الله، يشعر هؤلاء الناس بالرضا عن هذا الوضع.
وفي الواقع، يحلل العديد من المواطنين الإيرانيين القضايا المتعلقة بإسرائيل ولبنان من منظور معارضتهم للنظام الإيراني، وينظرون إلى ما يسره أو يحزنه، ويفعلون العكس تمامًا.
وتبدو هذه النظرة في تصرفات الناس؛ إذ يقول العديد من المواطنين إن النظام الإيراني قتل أبناءنا المحتجين في الشوارع، لكن الآن، مع وجود قوة أقوى تتعاظم وتقوم بإذلال هذا النظام وقتل قادة وكلائه، فإن ذلك يبعث على الفرح.
وفي الواقع، لقد انقسم المجتمع الإيراني منذ سنوات إلى مجموعتين: مجموعة صغيرة تستفيد من النظام وهي حزينة الآن لمقتل نصرالله، وفي المقابل، هناك مجموعة أكبر من الناس في إيران لا يريدون هذا النظام، ويشعرون بالفرح بتقليص هذه الحكومة ومجموعاتها بالوكالة، ويستقبلون موت نصرالله بترحاب.
وفي النهاية، وضعت هذه التطورات نظام طهران في أزمة شديدة، فهل ستتمكن إيران من تجاوز هذه المرحلة الحرجة، أم ينبغي أن نتوقع تحولات أكبر في المستقبل؟
ومن منظور إسرائيل، تحمل هذه التطورات عدة عواقب رئيسة؛ أولها أن المؤسسات الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية، التي كانت موضع تساؤل كبير، بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تمكنت الآن من إعادة بناء مصداقيتها بفضل انتصاراتها الملحوظة وإضعاف حماس وحزب الله، فضلاً عن مقتل هنية ونصرالله.
كما تم استعادة مكانة بنيامين نتنياهو، الذي تدهور وضعه بعد هجوم حماس ومقتل بعض الرهائن. الآن، نتنياهو في فترة عمله، قد أزال كلاً من زعيمي حماس وحزب الله.
أيضًا، تمكنت القوات الجوية الإسرائيلية، من خلال الضربات التي وجهتها لحزب الله، من تثبيت دورها الحاسم في الحرب واستراتيجيات إسرائيل العسكرية، وأظهرت قوتها لبقية القوات الجوية في الشرق الأوسط.
ويبدو أن النقطة الاستراتيجية الأهم في الهجمات الأخيرة لإسرائيل على حماس وحزب الله، وخاصةً على ضاحية بيروت، هي أن إسرائيل تسعى لاستعادة هيمنتها العسكرية في المنطقة. لقد كان أساس استراتيجيات إسرائيل العسكرية دائمًا هو أن تكون القوة العسكرية المهيمنة في الشرق الأوسط حتى لا تتجرأ أي دولة على تهديد وجودها.
وتتمثل شدة هجمات إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، جزئيًا، في إرسال رسالة واضحة إلى التهديدات المحتملة والحالية ضد إسرائيل: أي تهديد لبقائنا سيواجه بأشد ردود الفعل.
لكن هل يعني ذلك أن المعادلات العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط ستتغير لصالح إسرائيل في المستقبل؟ ليس بالضرورة. الفجوات والتحديات القومية والدينية والسياسية في الشرق الأوسط عميقة وديناميكية لدرجة أنه من غير الممكن السيطرة عليها وإدارتها في المدى القصير. في هذه المنطقة، أحيانًا تكون اليد العليا مع إسرائيل وأحيانًا مع أعدائها.
والآن، تسعى إسرائيل إلى إضعاف حماس وحزب الله قدر الإمكان طالما أنها في موقع القوة، وتغيير المعادلات الكبرى في المنطقة لصالحها. وتدرك إسرائيل أنه إذا أتيحت الفرصة لأعدائها، سيقومون بتهديد هذا البلد مرة أخرى. لذلك، تواصل إسرائيل هجماتها بغض النظر عن التوصيات للحد من التوترات، لتقليل إرادة حماس وحزب الله والجمهورية الإسلامية لمواجهة المزيد.
نقطة أخرى جديرة بالاهتمام هي تجاهل نتنياهو والجيش الإسرائيلي لتوصيات إدارة بايدن. كانت الولايات المتحدة تطلب من إسرائيل باستمرار الحفاظ على مستوى منخفض من التوترات، لكن نتنياهو، برفضه سياسات بايدن تجاه طهران، اتخذ مساره الخاص، حيث انتهجت إسرائيل استراتيجية تصعيد التوترات الناتجة عن أعدائها لدفعهم إلى الوراء.