وأشار التقرير، الذي أعده كل من أرد كيتي، أندريا ستريكر، وبهنام بن طالب لو ونُشر يوم الجمعة 14 مارس، إلى أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يتجاوز مسألة نزع السلاح ليشمل تفكيكاً كاملاً وقابلاً للتحقق لقدرات طهران في تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم، إلى جانب برنامجها الصاروخي.
وأضاف التقرير أن خطر البرنامج النووي الإيراني لا ينفصل عن “الأيديولوجيا الثورية” للنظام و”سياساته الخارجية المزعزعة للاستقرار”، مؤكداً أن “برنامج طهران الصاروخي، وسجلها في تصدير الإرهاب، ومحاولاتها عرقلة السلام في المنطقة، تفرض ضرورة التوصل إلى اتفاق يأخذ هذه التهديدات المتشابكة بعين الاعتبار”.
تاريخ البرنامج النووي الإيراني: من التعاون الأولي إلى الأزمة الدولية
وفقًا لتقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، يعود أصل البرنامج النووي الإيراني إلى التعاون المبكر مع الولايات المتحدة ضمن مشروع “الذرة من أجل السلام” في الخمسينيات. لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979، شهد البرنامج تغييرات جوهرية أثارت العديد من التساؤلات حول طبيعته.
وفي السنوات التالية، أدى سعي إيران لامتلاك تقنية تخصيب اليورانيوم إلى تصاعد التوترات الدولية. وخلال العقد الأول من الألفية الثالثة، كشفت تقارير استخباراتية ومراجعات الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران كانت تطور برنامجها النووي سرًا، ما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مشددة عليها.
وفي عام 2015، تم التوصل إلى الاتفاق النووي المعروف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” بين إيران والقوى العالمية، حيث وافقت طهران على فرض قيود على برنامجها النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات. إلا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحب من الاتفاق عام 2018، وأعاد فرض عقوبات قاسية على إيران، التي ردت لاحقًا بتقليص التزاماتها وزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم.
الوضع الحالي: هل أصبحت إيران على أعتاب امتلاك القدرة النووية؟
أكد تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن إيران باتت تُصنَّف كدولة “عتبة نووية”، أي أنها تمتلك المعرفة والمواد اللازمة لإنتاج سلاح نووي، لكنها لم تتخذ بعد القرار السياسي لتنفيذه.
حاليًا، تمتلك إيران كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تتجاوز بكثير الحد المسموح به في الاتفاق النووي (3.67%). بالإضافة إلى ذلك، زادت طهران من عدد أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في منشآت نطنز وفوردو، كما قلّصت بشكل كبير تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ردود الفعل والمواقف الدولية: أمريكا وأوروبا والصين وروسيا تجاه إيران
أفاد تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بأن مواقف القوى الكبرى تجاه البرنامج النووي الإيراني تختلف بشكل ملحوظ:
الولايات المتحدة: أكد دونالد ترامب وفريقه للأمن القومي مرارًا أن منع إيران من امتلاك سلاح نووي يمثل أولوية أمنية. وتسعى واشنطن، عبر الضغوط الدبلوماسية والعقوبات والتعاون مع الحلفاء الإقليميين، إلى إجبار طهران على التراجع عن برنامجها النووي.
الاتحاد الأوروبي: رغم استمرار دعم الدول الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي، فإنها تبنت موقفًا أكثر تشددًا بسبب سياسات إيران الهجومية، بما في ذلك دعمها لروسيا في حرب أوكرانيا، وتأجيج عدم الاستقرار الإقليمي عبر الفصائل الموالية لها، وتطويرها للصواريخ الباليستية.
روسيا والصين: عززت هاتان الدولتان علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية مع إيران خلال السنوات الأخيرة، مطالبتين بتخفيف الضغوط الغربية على طهران. كما عرضت موسكو تعاونًا أوسع في تطوير المنشآت النووية الإيرانية.
إسرائيل: حذرت تل أبيب من أنها مستعدة لاستخدام “الخيار العسكري” إذا فشلت الجهود الدبلوماسية في وقف برنامج إيران النووي.
التهديدات والمخاطر: هل أصبح الصراع العسكري حتميًا؟
حذرت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في تقريرها من أن استمرار تقدم إيران في برنامجها النووي قد يزيد من احتمالية اندلاع مواجهة عسكرية. فقد صعّدت إسرائيل في الأشهر الأخيرة من خطابها ضد طهران، ووضعت تنفيذ ضربات استباقية ضد المنشآت النووية الإيرانية ضمن خياراتها المطروحة. في الوقت نفسه، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في المنطقة وأكدت أن “جميع الخيارات” لمواجهة التهديد النووي الإيراني لا تزال مطروحة.
من جانبها، أظهرت إيران استعدادها للرد عبر تكثيف تجاربها الصاروخية وزيادة دعمها للفصائل المسلحة الحليفة لها في المنطقة، مما يشير إلى أن أي استهداف لمنشآتها قد يواجه برد قاسٍ، وهو ما يعزز احتمالات نشوب مواجهة أوسع نطاقًا.
التحديات الدبلوماسية وعقبات نزع السلاح الإيراني
أحد العوائق الرئيسية التي أشار إليها التقرير هو انعدام الثقة بين طهران والغرب. إذ ترى إيران أن واشنطن قد أخلّت بالتزاماتها سابقًا، وبالتالي لا يمكن الوثوق بها. في المقابل، تعتقد القوى الغربية أن طهران تستخدم المفاوضات كتكتيك لكسب الوقت واستكمال برنامجها النووي.
كما أن الأوضاع الداخلية في إيران، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية، الاحتجاجات الاجتماعية، والخلافات داخل النظام، تؤثر على قرارات سياستها الخارجية. ويعتقد بعض المحللين أن طهران قد تسعى إلى تعميق الأزمة الحالية بهدف ممارسة ضغوط أكبر على الغرب وانتزاع تنازلات في أي مفاوضات مستقبلية.
الحلول المقترحة لاحتواء البرنامج النووي الإيراني
استعرض تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات عددًا من الخيارات لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، من بينها:
1. زيادة الضغوط الاقتصادية: تصعيد العقوبات على الكيانات المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني وتقليص وصول طهران إلى الموارد المالية.
2. تعزيز التعاون الاستخباراتي: تحسين التنسيق بين وكالات الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية والأوروبية لمراقبة الأنشطة النووية الإيرانية.
3. دعم الجماعات المعارضة: تقديم المساعدة للمعارضة الداخلية واستغلال حالة الاستياء الشعبي لزيادة الضغط على النظام الإيراني.
4. تبنّي موقف عسكري صارم: إبقاء الخيار العسكري مطروحًا في حال تجاوز إيران الخطوط الحمراء النووية.
5. تشكيل تحالف دولي: توحيد الدول الغربية والإقليمية لفرض ضغوط منسقة على طهران.
ما مستقبل البرنامج النووي الإيراني؟
خلص تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إلى أن العالم يواجه لحظة حاسمة في التعامل مع التهديد النووي الإيراني. وبينما يرى بعض المحللين أن هناك فرصة للعودة إلى المسار الدبلوماسي، يحذّر آخرون من أن الوقت بات ينفد لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
ويؤكد التقرير أن قرار طهران بشأن المضي قدمًا في تصنيع السلاح النووي أو التراجع يعتمد على المتغيرات السياسية الداخلية، الضغوط الدولية، ومدى جدية الدول الغربية في منع هذا السيناريو. ومع ذلك، يشدد التقرير على ضرورة تبني المجتمع الدولي نهجًا موحدًا وحاسمًا للحيلولة دون تحول إيران إلى قوة نووية، ومنع تصعيد التوترات في المنطقة.