دراسة حديثة: المنظومة التعليمية في إيران تمتلئ بـ"العنف الرمزي" وترسخ الطبقية

كشفت نتائج دراسة جديدة في إيران عن 101 حالة من "العنف الرمزي" في عناصر مختلفة من نظام التربية والتعليم في إيران .

كشفت نتائج دراسة جديدة في إيران عن 101 حالة من "العنف الرمزي" في عناصر مختلفة من نظام التربية والتعليم في إيران .
وبحسب نتائج هذه الدراسة، يُمارس العنف الرمزي في جميع عناصر المنهاج الإيراني، بما في ذلك الأهداف، المحتوى، بيئة التنفيذ، استراتيجيات التعليم والتعلّم، وطرق التقييم.
كما أظهرت هذه الدراسة أن المدارس، كأداة للنظام التعليمي، تعيد إنتاج التفاوتات الفردية والاجتماعية من خلال المنهاج الدراسي.
وقد أُجريت هذه الدراسة بالتعاون بين باحثين من جامعتي "شهيد بهشتي" و"الزهراء"، وشارك فيها فرشته أشكان، وكوروش فتحي واجاركاه، ومحبوبه عارفي، ومهناز أخوان تفتي.
وقد نُشرت نتائج هذا البحث في العدد الأخير من مجلة "الأفكار التربوية الحديثة" الصادرة عن جامعة الزهراء.
ووفقًا لهذه الدراسة، فإن العنف الرمزي هو نوع من العنف يحدث بتواطؤ ضمني من الذين يُمارَس عليهم هذا العنف وأيضًا من الذين يمارسونه، لأن كلا الطرفين غير مدركين له.
هذا العنف "هادئ وخفي" ويظهر بشكل غير مرئي في المعاني الداخلية المقبولة اجتماعيًا وثقافيًا.
النتائج الرئيسية للدراسة
من خلال إجراء مقابلات مع 15 مختصًا في مجالات المنهاج الدراسي، وعلم النفس التربوي، وعلم اجتماع التربية والتعليم، حدد الباحثون 101 رمزًا نهائيًا مرتبطًا بالعنف الرمزي تم تصنيفها ضمن خمس محاور رئيسية و36 محورًا فرعيًا.
وأظهرت المراجعات أن الأهداف التعليمية لا تتناسب مع جوانب نمو الطلاب، وأن محتوى المنهاج الدراسي صُمّم دون مراعاة الفروقات الفردية.
هذا الوضع يجعل جميع الطلاب مضطرين للتكيف مع برنامج واحد موحّد.
كذلك، يحدث التدمير العاطفي في العملية التعليمية من خلال تهميش الطلاب المختلفين، والسخرية من أصحاب اللهجات المحلية، والممارسات التمييزية.
إضافة إلى ذلك، لا يتمتع الطلاب والمعلمون وحتى المديرون بفرصة المشاركة في اتخاذ القرارات.
كما أن التفاوت ونقص الإمكانيات التعليمية والتربوية في مختلف مناطق البلاد من المشكلات الأخرى التي تم التعرف عليها.
علاوة على ذلك، فإن استخدام الأساليب التقليدية التي يهيمن فيها المعلم ويكون فيها الطالب في وضع سلبي، إلى جانب أساليب التقييم غير الفعّالة وغير العادلة، تُعد من المظاهر الأخرى للعنف الرمزي في المنهاج الدراسي التي تم تحديدها.
ومن أهم نتائج هذه الدراسة وجود تفاوت واضح في الإمكانيات التعليمية بين مناطق البلاد المختلفة.
مدارس شمال المدينة ذات المباني الجميلة والكبيرة والفصول قليلة الاكتظاظ والخدمات الأفضل، في مقابل مدارس جنوب المدينة التي تعاني من قلة الكم والكيف.
دور الأسرة في إعادة إنتاج التفاوت
ووفقًا لنتائج هذه الدراسة، فإن أسرة كل طفل تنقل له نوعًا معينًا من المعرفة الثقافية.
أبناء الطبقة المهيمنة يتلقّون منذ البداية معرفة ومهارات وأسلوب تواصل ومعايير ثقافية مختلفة من آبائهم، تختلف عن رأس المال الثقافي لأبناء الطبقات الدنيا، ويتم تشجيع هذا النمط من قبل المدرسة.
سبل تقليص العنف الرمزي
أوصى الباحثون المسؤولين عن قطاع التعليم في إيران بأن يأخذوا بعين الاعتبار مراحل نمو الطلاب، واحتياجاتهم المختلفة، والفروقات الفردية بينهم عند إعداد وتخطيط المناهج الدراسية.
كما أكّدوا على ضرورة مراعاة القوميات المختلفة والثقافات الفرعية للطلاب عند إعداد البرامج التعليمية.
ومن التوصيات الأخرى في هذه الدراسة، توفير فرص متساوية لمشاركة الجميع في عمليات اتخاذ القرار، وتحقيق العدالة في الوصول إلى الإمكانيات التعليمية، واحترام الفروقات والخصائص الفردية لكل طالب.
كما ينبغي للكوادر التنفيذية والتعليمية في المدارس استخدام أساليب تدريس نشطة، بحيث يكون للطلاب دور أكثر حيوية.
وتؤكد هذه الدراسة على أن القضاء على العنف الرمزي في النظام التعليمي في البلاد يتطلب تحولات جوهرية في رؤية وأداء مسؤولي التربية والتعليم.
والهدف النهائي هو أن تتحول المدارس من أدوات لإعادة إنتاج التفاوت إلى مراكز للعدالة التعليمية.

نُقل مغني الراب الإيراني، أمير حسين مقصودلو، المعروف باسم تتلو، إلى المستشفى، بعد محاولته الانتحار في السجن. وأعلنت السلطة القضائية في إيران أن هذا السجين المحكوم بالإعدام خضع للعلاج بعد إصابته بـ"تسمم الأقراص"، وأن حالته تتحسن.
وكان هذا المغني يعيش في تركيا، وفي ديسمبر (كانون الأول) 2023، اُعتقل وسُجِن بعد عودته إلى إيران.
وحكمت السلطة القضائية الإيرانية عليه بالإعدام بتهمة "سب النبي" (إهانة نبي الإسلام)، وبالسجن 10 سنوات بتهمة "التشجيع على الفساد والفجور".
وقال المتحدث باسم السلطة القضائية الإيرانية، أصغر جهانغير، في 17 مايو (أيار) إن حكم الإعدام على تتلو تم تأكيده وهو قابل للتنفيذ، لكن الطلبات لإلغائه قيد الدراسة.
وأضاف أن تأكيد الحكم في المحكمة العليا للبلاد يسمح بإمكانية تعليقه بناءً على طلبات المحامين المسجلة.
لكن كيف وصل تتلو، المغني الذي يمتلك ملايين المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي واستقطب آلاف الأشخاص لحفلاته، إلى حكم الإعدام؟
وُلِد أمير حسين مقصودلو، المعروف باسم تتلو، في 21 سبتمبر (أيلول) 1987 في طهران، وهو واحد من أكثر الشخصيات الموسيقية إثارة للجدل في إيران، خلال العقدين الماضيين.
واشتُهر في البداية بأسلوب "الإيقاع والبلوز"، المعروف غالبًا باسم "آر أند بي" (R&B) والراب الفارسي، وتحول تدريجيًا إلى واحد من أكثر الفنانين الإيرانيين إثارة للجدل؛ شخصية تمشي دائمًا على حافة رفيعة بين الشعبية والكراهية، والجرأة واللا مسؤولية، والفن والجدل.
طفولته وبداياته الموسيقية
وُلد تتلو في حي مجيدية بطهران. ترك دراسته في المرحلة الثانوية في فرع الرياضيات والفيزياء، وبدأ نشاطه الفني منذ عام 2003، عندما كان مراهقًا مهتمًا بالموسيقى.
وقال لأحد الصحافيين إنه كان ينوي الالتحاق بالجامعة لدراسة الموسيقى.
ويُشار إلى أن "تتلو" هو اللقب، الذي أطلقته عليه ابنة شقيقته، التي بدأت للتو في النطق.
وفي ذلك الوقت، كانت موسيقى الراب تحت الأرض في إيران، ولم تحصل على تصاريح رسمية، وكان تتلو ينشر أعماله مجانًا على مدونة أسسها صديق مقرب له.
وكان من أوائل الفنانين الذين أدخلوا أسلوب الـ ""R&B إلى الغناء باللغة الفارسية.
وتعاون تتلو بشكل وثيق مع أحد مطربي الراب في تلك الفترة، حسين موسوي، المعروف بـ "تهي"، وشكّل هذا التعاون النواة الأولى لتأسيس إحدى فرق الـ R&B"" الفارسية.
بداية العمل في فرقة "TNT"
بين عامي 2003 و2005، قرر تتلو وتهي تشكيل فرقة معًا لتقديم موسيقى الـ R&B"" و"الهيب هوب" الفارسية بشكل احترافي وجديد في المشهد الموسيقي تحت الأرض في إيران.
أطلقا على فرقتهما اسم "TNT"، وهو اختصار لـ ""Tohi & Tataloo. وسرعان ما اشتهرت هذه الفرقة بأسلوبها الفريد والمبتكر.
وتم توزيع أغاني الفرقة في تلك الفترة عبر المنتديات والمدونات ومواقع مثل "رپفا" و"بازم بخون"، وحظيت بشعبية كبيرة بين المراهقين.
وكان تتلو في هذه الفترة يحاكي مطربي الـ "R&B" الأميركيين، مثل آشر ونيو (Ne-Yo)، لكنه استخدم كلمات أكثر انسجامًا مع أسلوب حياة الإيرانيين.
انفصال تتلو وتهي
لم تدم فرقة "TNT" طويلاً، وتدريجيًا انفصلت مساراتهما الفنية.
وهاجر حسين تهي إلى لندن، وواصل مسيرته المهنية المستقلة، مقتربًا من أنماط "البوب والهيب هوب" والموسيقى المناسبة للنوادي.
وأما تتلو، فقد بقي في إيران وواصل أنشطته، متعاونًا مع أفراد وفرق أخرى، وطوّر تدريجيًا أسلوبه الشخصي الذي مزج بين الـ "R&B" والبوب والهيب هوب وحتى المفاهيم الصوفية والسياسية.
وفي عام 2011، أصدر تتلو ألبومه الأول بعنوان "زير همكف" (تحت الأرض). وفي عام 2013، أصدر ألبوم "تتليتي"، وهو من أشهر أعماله ويتضمن 15 أغنية.
تقلبات الشهرة.. من الاعتقال إلى الغناء على متن سفينة حربية
في 3 ديسمبر 2013، اعتقلت شرطة الأخلاق تتلو بسبب إنتاجه لموسيقى تحت الأرض، ثم أُطلق سراحه بعد أيام بكفالة.
وبعد فترة، ظهرت أنباء عن إعلان تتلو توبته وسعيه للحصول على تصريح من وزارة الإرشاد.
وفي عام 2014، أدى أغنية "من يكي از اون يازدهتام" (أنا أحد الـ 11 شخصا) دعمًا للمنتخب الإيراني لكرة القدم في كأس العالم بالبرازيل، وهي أغنية تحمل طابعًا نوستالجيًا تتحدث عن الملاعب الترابية والكرات البلاستيكية.
وبعد عام من أداء هذه الأغنية، أعلن تتلو اعتزاله الموسيقى، ورغبته في أن يصبح لاعب كرة قدم.
وكان لديه معجبون من لاعبي كرة القدم، بما في ذلك لاعب فريق بيرسبوليس الإيراني آنذاك، بيام صادقيان، وحضر تتلو تدريبات هذا الفريق. وتسبب هذا الحدث في جدل كبير، لكن حضوره في تدريبات الفريق لم يدم أكثر من ساعات.
وفي عام 2015، خلال مفاوضات إيران مع مجموعة 5+1 في فيينا، أصدر تتلو أغنية تدعم حق إيران في امتلاك "الطاقة النووية". وتم تصوير جزء من الفيديو الموسيقي لهذه الأغنية على متن السفينة الحربية "جماران" وجزء آخر بين أفراد قوات البحرية.
وكان هذا العمل، الذي يمكن اعتباره أول نشاط سياسي لـ "تتلو"، مثيرًا للجدل بشكل كبير. كما حضر في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه إلى متحف السلام في طهران، حيث كرمه ضحايا الأسلحة الكيميائية في إيران لإنتاجه فيديو "الشهداء".
ولكن الأنشطة السياسية والاجتماعية لتتلو لم تمنع اعتقاله مرة أخرى. في 23 أغسطس (آب) 2016، تم اعتقاله بعد أيام من استدعائه إلى المحكمة، وأُطلق سراحه بعد 62 يومًا بكفالة.
دعم مرشحي الرئاسة
بدأ تتلو أنشطته في المجالات السياسية والجادة منذ عام 2011، ومثل العديد من الشخصيات الشعبية، لفت انتباه حملات الانتخابات.
وفي انتخابات عام 2017، دعم تتلو في البداية المرشح الرئاسي آنذاك ورئيس البرلمان الحالي، محمد باقر قاليباف، ثم بعد انسحابه، دعّم الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
كما أثار حضوره في الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لـ "فارس بلس"، إحدى الشركات التابعة لوكالة فارس الإخبارية التابعة للحرس الثوري، بمظهر وملابس مختلفة، ضجة كبيرة.
وفي تلك المناسبة، تلقى تتلو لوحة كاريكاتيرية له من حميد رسائي، الشخصية المتشددة في التيار "الأصولي"، وعزت الله ضرغامي، وهو شخصية أصولية أخرى.
وبعد مغادرته إيران، في عام 2018، قال في إحدى مقابلاته إنه إذا كان عليه دعم أحد الآن، فسيكون خياره محمود أحمدي نجاد.
قضية الرسالة الصوتية والضغوط الأمنية المحتملة
بعد فترة من الدعم والأنشطة السياسية، في عام 2017، نُشرت رسالة صوتية لـ "تتلو" تحمل إشارات إلى ضغوط أمنية عليه، خاصة في الفترة بين اعتقاله في 2016 ودعمه لبعض المرشحين الأصوليين.
وفي هذه الرسالة الصوتية، التي يبدو أنها تسجيل لمحادثة هاتفية مع شخص مجهول، يتحدث تتلو بصوت متعب ومتقطع وأحيانًا ممزوج بالبكاء، قائلاً إنه أُجبر على البقاء في إيران، ويخضع للمراقبة الكاملة، ولا يستطيع ممارسة أنشطته بحرية.
واستنتج البعض من كلامه أنه تلقى تعليمات لدعم الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، في الانتخابات.
وفي جزء من الرسالة الصوتية، يشكو تتلو من أنه تم إملاء ما يجب أن يكتبه وما لا يكتبه، كما أنهم تدخلوا حتى في محتوى موسيقاه.
وبعد نشر هذا الملف الصوني، شعر العديد من معجبيه بخيبة أمل لتحوله إلى أداة دعائية للنظام.
الهجرة إلى تركيا
في عام 2018، بعد أن فقد تتلو الأمل في الحصول على تصريح لأعماله، انتقل إلى تركيا لنشر أعماله، وواصل نشاطه الفني هناك.
كانت هذه الهجرة بداية مرحلة جديدة في حياته الشخصية والفنية؛ حياة فاخرة مصحوبة بحضور في الحفلات الليلية، وجدل في وسائل التواصل الاجتماعي، وتحويل "تتليتي" إلى فرقة.
في عام 2019، وبعد نشر أنباء عن اعتقال تتلو في تركيا، أعلن المتحدث باسم قوات الأمن الإيرانية، أن الاعتقال تم بناءً على طلب الشرطة الإيرانية بسبب وجود ملف قضائي ضده في إيران.
وأعلنت بعض وسائل الإعلام الإيرانية أنه تم اعتقاله من قِبل الشرطة التركية، بناءً على طلب السلطات القضائية في إيران بتهمة "نشر الفساد" و"الترويج لاستهلاك المخدرات".
قال رئيس الشرطة الدولية "الإنتربول" في قوات الأمن الإيرانية، هادي شيرزاد، في ذلك الوقت إن سبب الاعتقال هو طلب السلطات القضائية الإيرانية من الإنتربول، رغم أن اسم أمير حسين مقصودلو لم يكن مدرجًا في قائمة المطلوبين.
وأعلنت الشرطة التركية آنذاك أن تتلو اُعتقل بسبب انتهاك لوائح التأشيرة. وأُطلق سراحه بعد أسبوع.
"تتليتي".. معجبون باسم خاص
"تتليتي" هو اسم أحد ألبومات تتلو؛ حيث يُعرف معجبوه المتحمسون، ومعظمهم من المراهقين، بهذا الاسم.
ويتبنى التتليتيون طقوسًا وعادات خاصة بهم، كان سلوك تتلو معهم مشابهًا لسلوك زعيم فرقة مع أتباعه. ذهب معجبو تتلو مرات عديدة إلى المحكمة لدعمه، ونشروا هاشتاغات دعم له على وسائل التواصل الاجتماعي.
وخلال فترة إقامته في تركيا، كانت حفلات تتلو تجذب آلافًا من معجبيه المتحمسين، حتى أن الازدحام في هذه العروض تحول إلى موضوع إعلامي في تركيا.
حظر حسابه على "إنستغرام" بملايين المتابعين
لم تقتصر ضجة تتلو على الاعتقالات المتكررة، بل إن تصريحاته على وسائل التواصل الاجتماعي أثارت الجدل مرات عديدة.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، حظر "إنستغرام" حساب تتلو؛ بسبب استخدامه عبارات مسيئة ضد النساء، وطلبه من معجبيه الذكور ضرب النساء. وكان الحساب به نحو أربعة ملايين متابع.
وبعد هذا الحادث، استأنف تتلو نشاطه على "إنستغرام" بحساب جديد. لكن بعد عامين، تم حظر هذا الحساب أيضًا، الذي كان يمتلك أكثر من أربعة ملايين متابع، بسبب نشر قصص مثيرة للجدل عن النساء، ودعا فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و20 عامًا للانضمام إليه.
واعتُبرت هذه القصص إشارة إلى علاقات جنسية مع قاصرات، مما أثار ردود فعل واسعة وسلبية على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام.
علاقة تتلو وسحر قريشي
كانت علاقة أمير تتلو والممثلة السينمائية والتلفزيونية، سحر قريشي، واحدة من أكثر الأحداث إثارة للجدل في الفضاء الافتراضي الناطق بالفارسية في السنوات الأخيرة.
ونُشرت صور مشتركة لهما لأول مرة في يناير 2021 في تركيا، وبعد ذلك، أشارت منشوراتهما ونشاطاتهما على وسائل التواصل الاجتماعي إلى وجود علاقة بينهما.
وكان تتلو يتحدث عن هذه الممثلة بعبارات رومانسية مرات عديدة، لكنه اختلف معها، بعد أشهر قليلة، وكتب رسائل ساخرة عنها.
وردت قريشي، بعد فترة من الصمت، بنشر منشورات اعتُبرت ردًا على كتابات تتلو.
ونشر تتلو تدريجيًا على قناته في "تلغرام" عبارات قاسية وأحيانًا مسيئة للنساء ضد قريشي، وكشف حتى بعض التفاصيل الخاصة بعلاقتهما، وهو ما قوبل بردود فعل سلبية واسعة من المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وانتهت علاقتهما في النهاية بالانفصال بعد أشهر.
العودة إلى إيران والحكم بالإعدام
أعلنت دائرة العدل في محافظة أذربيجان الغربية بإيران في ديسمبر 2023 أن تتلو تم إعادته من تركيا إلى طهران واعتُقل فور دخوله الأراضي الإيرانية.
وأفادت وكالة أنباء "ميزان"، التابعة للسلطة القضائية في إيران، بوجود شكاوى متعددة ضد هذا المغني.
وقبل أيام من ذلك، نشر تتلو مقاطع فيديو في المطار، وأشارت بعض التقارير إلى رغبته في العودة إلى إيران.
ومع ذلك، لا تزال الحقيقة حول كيفية دخوله إلى البلاد، سواء كان قراره الشخصي أو تم تسليمه من قِبل الشرطة التركية إلى السلطات الإيرانية في معبر بازركان الحدودي، غير واضحة بشكل كامل.
وبعد اعتقاله، وجهت إلى تتلو اتهامات مثل "سب النبي، والدعاية ضد النظام، والتشجيع على الفساد والفجور، وإنتاج محتوى فاحش، وإنشاء بيت قمار افتراضي".
وأدت تهمة "سب النبي"، بناءً على المادة 262 من قانون العقوبات الإيراني، إلى إصدار حكم الإعدام.
وفي المقابل، أعلن محاموه أن موكلهم تمت تبرئته من هذه التهمة في المحكمة الابتدائية، وأن إصدار حكم الإعدام مجددًا كان نتيجة "إعادة تعريف غير قانوني" لمصاديق السب.
وعلى الرغم من متابعة محامي تتلو وأشخاص مقربين منه، لم يُلغَ حكم الإعدام حتى الآن، رغم عدم وجود دلائل على تنفيذه الوشيك.

أظهرت نتائج دراسة أُجريت في إيران أن النساء العاملات، رغم مشاركتهن في سوق العمل، لا يزلن يتحملن المسؤولية الأساسية لأعمال المنزل، ما يضعهن تحت ضغوط نفسية وجسدية مضاعفة.
وشارك في هذه الدراسة الباحثون حامد شيري، ويعقوب أحمدي، وبهار شريعتي، وليلى خداويردي من جامعة "بيام نور" في طهران، حيث تناولوا تجارب النساء العاملات مع مسؤوليات العمل المنزلي والتحديات الناجمة عن التوفيق بين الدورين المهني والمنزلي.
وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في العدد الأخير من فصلية "المرأة في التنمية والسياسة" الصادرة عن جامعة طهران.
الأعمال المنزلية... مسؤولية لا مفر منها
ورد في الدراسة أن "العمل المنزلي باعتباره مسؤولية لا مفر منها" يُشكّل جزءًا من الهوية الاجتماعية المزدوجة للنساء العاملات.
وأظهرت النتائج أنه في جميع الحالات، التي جرت دراستها، لم تُسند مسؤولية الأعمال المنزلية إلى الرجال، ولم تُقسم بشكل متساوٍ بين الزوجين.
ولشرح هذه النتائج، استند الباحثون إلى نظرية "الوردية الثانية" للعالمَين: هوكسشيلد وما تشانغ، وهي نظرية تشير إلى مجموعة المهام والمسؤوليات، التي تتحملها النساء في المنزل، بعد انتهاء يوم العمل خارجه.
وقالت إحدى المشاركات في الدراسة: "نحن النساء، مثل حالتي، لدينا وظيفتان: وظيفة دائمة على مدار الساعة بلا أجر وهي الأعمال المنزلية، ووظيفة ثانوية نتقاضى عليها راتبًا".
الضغط الناجم عن الدور المزدوج
تشير نتائج الدراسة إلى أن النساء العاملات يتحملن مسؤولية أكبر من الرجال في إدارة شؤون المنزل والأسرة.
ووصفت الدراسة هذا الوضع بأنه "تناقض في الموقع الاجتماعي" يؤدي إلى "ضغوط نفسية وآلام مزدوجة ناتجة عن عبء العمل".
وقالت إحدى النساء العاملات: "أجد صعوبة كبيرة في التوفيق بين عملي وأعمال المنزل. أغلب الوقت أعاني التوتر وضغط العمل. أستيقظ الساعة السادسة صباحًا، وأظل منشغلة حتى الواحدة بعد منتصف الليل".
التوقعات المادية ودعم العمل المنزلي
تطرّق الباحثون إلى التوقعات المادية لدى النساء العاملات بخصوص العمل المنزلي.
وترى العديد من النساء المشاركات أن العمل المنزلي يجب أن يحظى بالدعم المالي والمادي.
وقالت إحدى النساء في هذا السياق: "الرجال يعرفون جيدًا كم سيكلفهم توظيف طاهية، وعاملة نظافة، ومربية أطفال شهريًا، لكنهم لا يدفعون شيئًا مقابل قيام زوجاتهم بهذه المهام".
التقاليد الذكورية والمقاومة النسائية عبر العمل
خلصت الدراسة إلى أن الأعمال المنزلية تُفرض على النساء بفعل "التقاليد الذكورية السائدة"، لكن في المقابل، يُعدّ العمل خارج المنزل خيارًا حرًا وأداة مقاومة بالنسبة لهن.
وبمعنى آخر، يمكن للمرأة من خلال إعادة تعريف هويتها عبر العمل أن تتحدى الأدوار الجندرية التقليدية.
وأضافت إحدى النساء العاملات: "أعلم أن النساء غير العاملات لا يعانين الضغوط والتوترات التي نعيشها، لكنني أُفضّل الاستقلال المالي والفكري، والمشاركة في اتخاذ القرار، والمكانة الاجتماعية".
الأسرة المتجددة والتحول التدريجي
يرى الباحثون أنه على الرغم من هيمنة النظرة التقليدية في المجتمع الإيراني، فإن هناك إمكانية لنشوء "أسرة متجددة ومتساوية"، يشارك فيها الرجال بصورة أكبر في المهام المنزلية.
وقد أُجريت هذه الدراسة في مدينة مريوان بمحافظة كردستان، غربي إيران، بمشاركة 15 امرأة عاملة، وتشير نتائجها إلى أن تحسين وضع المرأة في إيران يتطلب تحقيق المساواة الجندرية من خلال خطوات تدريجية نحو تغيير البنية التقليدية للمجتمع وتعزيز ثقافة المشاركة.

يعيش علي في كندا منذ 11 عامًا. عندما هاجر هو وزوجته شهرزاد إلى كندا، كان قد مر عامان على إغلاق سفارة إيران في كندا وقطع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وأوتاوا.
ورغم أن علي لم يعد إلى إيران بعد هجرته إلى كندا، اضطرت زوجته خلال هذه الفترة إلى السفر لإيران لأمر ضروري، مما استلزم تمديد جواز سفرها عبر مكتب حماية المصالح الإيرانية في واشنطن.
صدر لشهرزاد جواز سفر يحتوي على أخطاء قانونية، مما تسبب في احتجازها في إيران أثناء إسقاط الطائرة الأوكرانية. وأخيرًا، تمكنت من العودة إلى كندا بعد شهر.
في 8 يناير (كانون الثاني) 2020، وسط توترات إيران مع الولايات المتحدة عقب مقتل قاسم سليماني، أُسقطت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية متجهة إلى كييف بعد ست دقائق من إقلاعها بصاروخين أطلقهما الحرس الثوري في سماء طهران.
لقي جميع الركاب الـ176 وجنين واحد حتفهم في هذه الكارثة. كان وجهة 138 من الركاب النهائية هي كندا. وفاة 55 مواطنًا كنديًا و30 من المقيمين الدائمين في هذا الحادث جعلت منه كارثة وطنية لكندا، مما جعل آفاق إعادة العلاقات مع نظام طهران أكثر قتامة من أي وقت مضى.
منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من رغبة النظام الإيراني وجهود جماعات الضغط القريبة من النظام لإعادة فتح السفارات واستعادة العلاقات بين طهران وأوتاوا، امتنعت الحكومة الكندية عن تطبيع العلاقات مع إيران.
سفر مراسلة شبكة كندية إلى طهران
في الأسبوع الثالث من مايو (أيار)، وفي خطوة نادرة، حصلت مارغريت إيفانز، المراسلة البارزة لشبكة "سي بي سي" الكندية في لندن، على إذن للسفر إلى إيران وإعداد تقرير. خلال هذه الزيارة، سألت إسماعيل بقائي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، عن آفاق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
أعرب بقائي عن استعداد بلاده للتفاوض، قائلًا: "على كندا أن تأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن. كنا منذ البداية ضد قطع العلاقات لأننا نعتقد أن ذلك يضر بشعبي البلدين".
وأضاف بقائي أن مئات الآلاف من الإيرانيين يعيشون في كندا، وأن أول من يتضرر من قطع العلاقات هم هؤلاء الإيرانيون.
لكن العديد من الإيرانيين في كندا يعارضون إعادة إقامة العلاقات مع إيران وإعادة فتح السفارات، لاعتقادهم أن سفارة إيران في أي بلد تعمل الآن فقط كمكتب لحماية مصالح نظام إيران، حيث لا تقتصر مهمتها على مراقبة وتتبع الإيرانيين المعارضين للنظام، بل تسهم أيضًا في تمكين وتدعيم القوى الوكيلة لنظام الإيراني.
علي، أحد المعارضين لإعادة فتح سفارة إيران في كندا، يقول وهو يعمل الآن في كندا: "رغم أن إهمال قوانين الهجرة سمح لعدد كبير من مسؤولي النظام بالعيش في كندا، فإن إغلاق سفارة إيران في أوتاوا لا يزال يحد من توسع الأنشطة المدمرة للنظام في هذا البلد".
يؤكد العديد من الإيرانيين- الكنديين مثل علي أنهم مستعدون لتحمل تعقيدات المشكلات القنصلية الناتجة عن غياب سفارة إيران في كندا، من أجل منع توسع نفوذ وسلطة النظام الإيراني في هذا البلد.
هناك مجموعة ترى أن وجود علاقات دبلوماسية بين إيران وكندا قد يكون مفيدًا لحل النزاعات. هؤلاء كانوا يعتقدون في قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية أن العلاقات الدبلوماسية ستعطي كندا نفوذًا لمحاسبة إيران.
لكن الكثيرين يعارضون هذا الرأي، معتبرين أن وجود علاقات دبلوماسية وسفارات في دول مثل السويد أو بريطانيا لم يساهم مطلقًا في محاسبة إيران في قضية إسقاط الطائرة الأوكرانية.
موقف الحكومة الكندية
ردًا على استفسار "إيران إنترناشيونال"، قالت وزارة الخارجية الكندية: "قبل النظر في إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية مع كندا، يجب على إيران إجراء تغييرات جذرية في سلوكها، سواء داخل البلاد أو على الساحة الدولية".
كما أدانت وزارة الخارجية الكندية الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران في الشرق الأوسط، وعبرت عن قلقها إزاء انتهاكات إيران لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، خاصة من خلال فرض قوانين وسياسات قمعية وتمييزية ضد النساء والفتيات والأقليات.
وأكدت وزارة الخارجية الكندية في ردها على "إيران إنترناشيونال أنه طالما استمرت إيران في سلوكياتها غير المقبولة، ستواصل كندا الضغط على النظام الإيراني من خلال إجراءات مثل تصنيف إيران كدولة راعية للإرهاب بموجب قانون الحصانة السيادية، وإدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية بموجب القانون الجنائي، وفرض عقوبات مستهدفة.
وكررت الحكومة الكندية في السنوات الماضية، خاصة بعد إسقاط الطائرة الأوكرانية وانتفاضة "المرأة، الحياة، الحرية"، دعمها للشعب الإيراني مرات عديدة. من بين الإجراءات المهمة في هذا السياق، إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية في يوليو (تموز) من العام الماضي.
موقف حزب المحافظين الكندي
طُرحت فكرة إدراج الحرس الثوري في قائمة المنظمات الإرهابية لأول مرة في صيف 2018 من قبل النائب عن حزب المحافظين غارنيت جينوس. تمت المصادقة على مشروع القانون في ذلك الوقت، لكن تنفيذه تأخر حتى عام 2024.
أدان المحافظون إيران مرات عديدة بسبب أعمالها المزعزعة للاستقرار في المنطقة ودعمها لجماعات إرهابية مثل حزب الله وحماس. وهم يطالبون بتحديد وطرد عملاء انظام الإيراني من كندا.
بعد تقرير مارغريت إيفانز على شبكة "سي بي سي" وتصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية رداً على احتمال إعادة فتح سفارة إيران في كندا، أكد غارنيت جينوس في حديث لـ"إيران إنترناشيونال" على موقف حزبه، قائلاً: "الاقتراحات لاستئناف العلاقات مع هذا النظام المتطرف الداعم للإرهاب مرفوضة تمامًا.
بينما دعم الليبراليون في الماضي إعادة فتح العلاقات، يفخر المحافظون بسجلهم في الوقوف ضد هذا النظام ودعم الشعب الإيراني.
وأضاف جينوس: "يجب أن يحظى الشعب الإيراني بفرصة اختيار نظام يعكس طموحاتهم للعدالة والسلام. نحن ندعم الشعب الإيراني، وليس نظام الجمهورية الإسلامية. موقفنا في هذا الشأن لن يتغير".

وضعت حركة "المرأة، الحياة، الحرية" نضال النساء الإيرانيات المدني ضد الحجاب الإجباري في مسار مختلف، وخلال ثلاث سنوات، غيّرت النساء ملامح المدن الإيرانية. لقد وقفن معًا، متجاوزات معتقداتهن الدينية والسياسية، وواصلن المسيرة.

في وقتٍ بدأت فيه أصوات الاعتراض على نمط حكم المرشد علي خامنئي تُسمع أعلى من أي وقت مضى، حتى من داخل النظام الإيراني، صرّح عيسى كلانتري، وزير الزراعة الأسبق وأحد أقدم المسؤولين في حكومات إيران، قائلاً: "خلال هذه الـ46 سنة، دمّرنا إيران".
وفي حوار صريح مع موقع "انتخاب"، أشار كلانتري إلى الانتشار غير المسبوق للفقر في إيران، وقال: "حوالي ثلاثة أرباع الشعب الإيراني – أي ما بين 70 إلى 75% – يعيشون تحت خط الفقر".
هذه الأرقام تُظهر فجوة واضحة مع الإحصاءات الرسمية، التي تتحدث غالبًا عن نسبة تتراوح بين 30 إلى 40% من السكان تحت خط الفقر.
كما حذّر كلانتري من الاستغلال المفرط للمياه الجوفية في البلاد، والذي أدى إلى هبوط حاد في التربة ببعض المناطق، مشيرًا إلى أن أجزاء من مدينة أصفهان باتت فعليًا "تقع فوق ستة أمتار من الهواء"، في إشارة إلى التصدع والانهيار الأرضي.
التحذير من ظاهرة الهبوط الأرضي وتبعاتها ليس جديدًا، إذ سبق لكل من الخبراء البيئيين، مثل محمد درويش، أن حذروا مرارًا من السياسات البيئية الكارثية لإيران.
لكن ما يجعل تصريحات كلانتري مميزة هو منصبه السابق الرفيع داخل هيكل السلطة الرسمي؛ إذ إنه مسؤول سابق يتحدث الآن بصراحة عن "دمار البلاد" نتيجة حكم نظام الجمهورية الإسلامية.
وتترافق تصريحاته مع انتقادات مشابهة من قبل مسؤولين آخرين، مثل مسعود روغني زنجاني، الرئيس الأسبق لمنظمة التخطيط والميزانية، الذي قال إن خامنئي يعارض رفاه الشعب، لأنه يعتقد أن الرفاهية تُفسد التدين.
اللافت في هذه التصريحات أنها تأتي من داخل النظام ومن أشخاص شاركوا في صناعة الوضع الحالي، وهو ما يُكسبها أهمية خاصة، لأنها تُشير إلى أن الأصوات المنتقدة تزداد علوًا، وتستهدف مباشرة سياسات المرشد وقادة الحرس الثوري.
رغم أن كلانتري لم يذكر خامنئي أو الحرس الثوري بالاسم، إلا أن نقده الواضح موجه إليهما، خاصة حين يصف السياسات الاقتصادية الكبرى بأنها "مناهضة للتنمية"، ويؤكد أن "لا يمكن إدارة بلد عبر الفقر"، وهي عبارة تتكرر بشكل متزايد بين المسؤولين الناقدين.
تصريحات كلانتري حول نسبة 75% من السكان تحت خط الفقر تنسف الرواية الرسمية للنظام، رغم أنه نفسه كان جزءًا من النظام لعقود، ولا يمكن إنكار مسؤوليته في إيصال البلاد إلى هذا الحال.
ومع ذلك، فإن ما يقوله يعكس أزمة أعمق بكثير: صوت الاعتراض لم يعد مقتصرًا على الناس في الشارع، بل أصبح يُسمع من داخل بنية الحكم. وهو الشرخ الذي تفاقم في السنوات الأخيرة بفعل الانتفاضات الشعبية، ليُهدد تماسك النظام.
في هذا السياق، أصبحت قضايا مثل الفساد البنيوي في الحرس الثوري فيما يتعلق بالعقوبات، تهريب النفط، والرفض المتعمد للانضمام إلى مجموعة العمل المالي، والاستفادة المالية من العداء لأميركا وإسرائيل، محور النقاش داخل النظام نفسه.
ويقول منتقدون إن الحرس الثوري، باعتباره البائع الرئيسي للنفط، يستفيد ماديًا من العقوبات تحت ذريعة التحايل عليها، فيما يدفع الشعب الثمن فقراً وبطالة.
قادة الحرس، الذين حلّوا محل الشركة الوطنية للنفط والبنك المركزي، يبيعون النفط بخصومات للصين، وتُحجز الأموال بعملة اليوان في البنوك الصينية، ما يُجبر إيران على استيراد سلع صينية باهظة الثمن ورديئة الجودة. وأحد الأمثلة على ذلك، شراء ثلاث طائرات مستعملة من نوع إيرباص من الصين بثلاثة أضعاف قيمتها الحقيقية، في نموذج فاضح للنهب تحت غطاء العقوبات.
هذا النموذج من الحكم، الذي يركّز على الشعارات مثل "الموت لأميركا" بدلاً من التفاعل العالمي البناء، لم يُعِق الاقتصاد فحسب، بل تحول إلى وسيلة للثراء الشخصي لبعض الفئات داخل النظام.
وفي طليعة هؤلاء "تجار العقوبات"، يقف قادة الحرس الثوري. وبحسب قول محمد حسين عادلي، المحافظ الأسبق للبنك المركزي، فإن حجم هذه الصفقات والفساد الناتج عن العقوبات يصل إلى أكثر من 50 مليار دولار.
لكن الأمر لا ينتهي هنا. أحد العوائق الكبرى أمام تحسين الوضع الاقتصادي هو رفض خامنئي والحرس الثوري المصادقة الكاملة على "FATF" والسبب الأساسي هو منع كشف التحويلات المالية التي تُستخدم في تمويل الجماعات الوكيلة كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والحوثيين. لأن القبول بالشفافية المالية يعني نهاية قدرتهم على غسل الأموال والقيام بتحويلات مالية سرية. وبالنسبة لهياكل متهمة بدعم الجماعات الإرهابية، فإن الشفافية لا تعني إلا الخطر والتهديد.
لهذا السبب، بقيت إيران أكثر من ثماني سنوات على القائمة السوداء لـ"FATF"، وهو ما أدى إلى عزلة مالية شديدة، غياب الاستثمارات الأجنبية، وتفاقم الأزمة الاقتصادية.
في ظل هذه الأوضاع، أصبحت الشقاقات داخل الحكم، مثل الخلاف بين روحاني وخامنئي، وهجمات روحاني غير المباشرة على سياسات المرشد، رغم كونها جزءًا من صراعات السلطة، فرصة أمام الرأي العام لكشف الحقائق المخفية.
أصبح الآن كل من حسن روحاني، وعيسى كلانتري، وعباس آخوندي، وعدد آخر من المسؤولين السابقين في إيران يعلنون صراحة أن البلاد تسير في المسار الخاطئ.
مسارٌ قائم على ما يسمى "الاقتصاد المقاوم"، والعداء الدائم للعالم، والفساد الممنهج. وهذا الشرخ في الحكم، إلى جانب الانتفاضات الشعبية المتكررة، قد يُفضي إلى تآكل تدريجي في أسس النظام ويُهدد بقاءه.