"تطهير الخميني".. مشروع النظام الفاشل

كل عام، مع اقتراب يوم 3 يونيو (حزيران)، ذكرى وفاة روح الله الخميني، يسعى النظام الإيراني إلى تنظيم مراسم وبث برامج لتقديم صورة مزيفة وغير واقعية عنه.
بينما يقضي جزء من الشعب هذه الأيام في السفر والترفيه باعتبارها "عطلة الرحيل"، تحاول الجهات الحكومية تصوير خميني كعارف وزاهد ومفكر حر وإيجابي.
هذه الجهود، في الحقيقة، جزء من مشروع حكومي منظم لتطهير صورة خميني وتزييف تاريخ إيران المعاصر، وهو مشروع يهدف إلى خداع الرأي العام، خاصة الجيل الذي لم يعايش الخميني وسنوات حكمه.
لكن الحقيقة هي أن سجل الخميني خلال عشر سنوات من قيادته مليء بالعنف والقمع والجرائم وتدمير البلاد، بحيث لا يمكن تطهيره بأي شكل.
فقد أسس، بنظرة رجعية وأفكار متشددة، نمطًا من الحكم تجاهلت فيه الحقوق الأساسية للإنسان، وتشكل نظام قمعي واستبدادي. من فرض الحجاب الإجباري إلى التحكم بأسلوب حياة الناس، كل ذلك ينبع من نظرة الخميني الفقهية المغلقة التي لا علاقة لها بالحياة العصرية أو كرامة الإنسان.
من الأمثلة الواضحة على تزييف التاريخ، محاولة نفي دور الخميني في كارثة سينما ركس في عبادان، التي راح ضحيتها مئات الأشخاص ونُسبت في البداية إلى نظام الشاه، لكن الأدلة اللاحقة أظهرت بوضوح أكبر دور أتباع خميني فيها.
لو كانت هذه الجريمة من فعل نظام الشاه، لكانت استُخدمت حتى اليوم كأداة دعائية ضده، لكن بما أن المتورطين كانوا من أتباع خميني، فقد قوبلت في النظام الإيراني بالصمت والتعتيم المتعمد.
كارثة أكبر لا يمكن تجاهلها هي مذبحة السجناء السياسيين في صيف 1988، وهي جريمة نُفذت بأمر مباشر من الخميني، وقضى فيها آلاف السجناء العزل خلال أسابيع.
حسين علي منتظري، نائب الخميني آنذاك، وصف أعضاء لجنة الإعدام، بمن فيهم إبراهيم رئيسي، بأنهم "أكبر مجرمي التاريخ". والآمر الرئيسي بهذه الجريمة كان خميني نفسه.
كل ما نعرفه اليوم ككارثة حكم النظام الإيراني ينبع من طريقة تفكير الخميني وسياساته. جاء النظام الإيراني بشعارات العدالة والحرية والاستقلال، لكن النتيجة لم تكن سوى الرقابة والاستبداد والفقر والقمع. وعود مثل "الماء والكهرباء مجانًا" تحولت اليوم إلى مادة للسخرية بين الناس، الذين يعانون الآن حتى من الوصول المستدام إلى الماء والكهرباء.
استمرار حرب إيران والعراق بعد تحرير خرمشهر (المحمرة) كان قرارًا كارثيًا آخر اتخذه الخميني ومسؤولو وقادة الحرس الثوري التابعون له.
رغم إمكانية إنهاء الحرب، أصر خميني وقادة الحرس على استمرارها، مما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير واسع للبلاد. قبول قرار مجلس الأمن 598 لم يتم إلا عندما أدرك الخميني استحالة استمرار الحرب، وجملته الشهيرة "شربت سمًا" تعكس هذا التراجع المتأخر.
من إعدام قادة الجيش جماعيًا في بداية الثورة بأمر مباشر من الخميني، ودور صادق خلخالي في ذلك، إلى تحريض الجيش العراقي على الانتفاضة وإعطاء صدام ذريعة لمهاجمة إيران، كل هذه الأمور تشهد على أن الخميني لم يكن فقط مؤسس نظام فاشل وقمعي، بل تسبب بقراراته غير الناضجة في ضربات لا تُعوض لإيران.
إذا كان الشعب الإيراني يعاني اليوم من أوضاع معيشية وثقافية واجتماعية بائسة، إذا تم التضحية بكرامة الإنسان في هذا البلد، وإذا لم ير الشباب الإيراني أفقًا مشرقًا لمستقبلهم، فإن جذور ذلك تعود إلى الثورة التي قادها الخميني وبدأت مسارًا أدى إلى النظام الإيراني الحالي.
كل من تولى السلطة في هذا النظام خلال الـ47 عامًا الماضية – سواء كانوا إصلاحيين أو أصوليين – لهم نصيب في هذا الوضع. اليوم، يتنصل الكثيرون منهم من المسؤولية ويرسمون صورة لخميني لم تكن موجودة في الواقع.
لكن الشعب الإيراني، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والوصول إلى المعلومات، أصبح أكثر وعيًا بالماضي والحاضر، ويعرف من هم المسؤولون الحقيقيون عن الوضع الراهن.
مهما حاول النظام تقديم صورة مختلفة عن الخميني، فإن حقيقة التاريخ لا يمكن إخفاؤها.
يعرف الشعب الإيراني النظام الإيراني من خلال الخميني، وحكمهم على هذا النظام هو نفسه حكمهم على الخميني. يرى أغلبية الشعب أن النظام الإيراني تجربة فاشلة ومريرة ودموية، ولم يعد من الممكن تطهيرها بالروايات المزيفة.
الشعب اليوم له الحق في أن يتساءل، على عكس الدعاية الحكومية المنظمة: إذا كان الخميني وأتباعه بريئين، فمن الذي أوصل البلاد إلى هذه النقطة؟ إنها إرث الخميني وخامنئي وبنية النظام الإيراني بأكملها التي أوصلت إيران إلى هنا. لقد حان الوقت لمسؤولي النظام الإيراني أن يتحملوا المسؤولية، ويتنحوا جانبًا، ويدعوا الشعب يقرر مصير بلاده.