تقارير عن محاولات إيرانية إعادة تسليح قواتها الوكيلة في الشرق الأوسط

أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى عمليات ضبط متعددة لأسلحة متقدمة في كلٍّ من لبنان وسوريا ومحيط اليمن، أن هذه المصادرات تشير إلى محاولة جديدة من قبل طهران لإعادة تسليح وكلائها.

أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى عمليات ضبط متعددة لأسلحة متقدمة في كلٍّ من لبنان وسوريا ومحيط اليمن، أن هذه المصادرات تشير إلى محاولة جديدة من قبل طهران لإعادة تسليح وكلائها.
وبحسب التقرير، فإن النظام الإيراني يعمل بسرعة على إعادة تزويد ميليشيا الحوثي في اليمن بالمخزونات العسكرية بعد الضربات التي شنتها الولايات المتحدة وإسرائيل.
وفي تطور جديد، بدأت طهران مؤخرًا بنقل الأسلحة إلى حزب الله عبر سيارات صغيرة عبر الأراضي السورية، بعد أن كانت تعتمد سابقًا على شاحنات كبيرة لهذا الغرض.
وأفاد تقرير "وول ستريت جورنال" بأن إيران، التي تواصل نشاطها في تسليح الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، ترسل صواريخ إلى حزب الله اللبناني وتسعى لنقل المزيد من الأسلحة من العراق إلى سوريا.
وفي أحدث محاولات إحباط هذا الجهد، تم ضبط شحنة كبيرة من الصواريخ وقطع الطائرات المسيرة والمعدات العسكرية كانت مرسلة إلى الحوثيين على سواحل البحر الأحمر من قِبل القوات التابعة للحكومة الشرعية اليمنية.
وفي الأثناء، ضبطت المقاومة اليمنية أكبر شحنة أسلحة إيرانية للحوثيين وقد تم إخفاء هذه الشحنة داخل سفينة تم الإعلان عن حمولتها رسميًا على أنها "أجهزة تكييف"، إلا أنها كانت تحتوي على 750 طنًا من صواريخ كروز، وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ مضادة للطائرات، ورؤوس حربية، ومحركات طائرات مسيّرة.
ووفقًا للقيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، فهذه أكبر شحنة أسلحة تقليدية ترسلها إيران تم ضبطها حتى الآن من قِبل اليمن.
كما أعلنت الحكومة الجديدة في سوريا عن مصادرة عدة شحنات أسلحة، من بينها صواريخ غراد (التي تُستخدم في أنظمة الإطلاق المتعدد المثبتة على شاحنات)، على الحدود مع العراق ولبنان.
وفي الوقت نفسه، ضبط الجيش اللبناني شحنات أخرى على الحدود مع سوريا، تضمنت صواريخ روسية مضادة للدروع، وهي من النوع الذي يُظهر حزب الله اهتمامًا خاصًا به.
وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى هجمات الحوثيين الأسبوع الماضي على سفينتين تجاريتين في البحر الأحمر، قائلة إن ذلك يبدو أنه نتيجة مباشرة لجهود طهران في إعادة تسليح وكلائها.
ومنذ أيام، نشرت الصفحة الفارسية للمرشد على منصة "إكس" منشورًا يدعم فيه هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر.
وجاء في منشور علي خامنئي: "ما فعله شعب اليمن وحكومة أنصار الله في دعم شعب غزة، هو أمر يستحق الثناء حقًا".
وأعرب خامنئي عن أمله في أن "تستمر هذه الجهادات والمقاومة".

ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها أنها جمعت أمثلة من المعلومات المضللة التي تم تداولها خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، ونقلت عن خبراء وصفهم للحرب النفسية المصاحبة لهذا الصراع بأنها غير مسبوقة، نظرًا لاستخدام تقنيات تكنولوجية ناشئة.
من بين هذه الأمثلة كان مقطع الفيديو الذي يُزعم أنه يُظهر لحظة قصف بوابة سجن إيفين، والذي نشرت عنه قناة "إيران إنترناشيونال" أيضًا تحقيقًا. بعد أن شكك مستخدمون على منصة "لينكدإن" لأول مرة في مصداقية الفيديو، قامت "إيران إنترناشيونال" بتحليل الفيديو واكتشفت أن الصورة الأصلية التي استُخدمَت كأساس لإنتاجه، قد نُشرت لأول مرة في الفضاء الإلكتروني الفارسي بتاريخ 9 مارس (آذار) 2024. وتبيّن أن عبارة "Camera 07" التي تظهر في الفيديو قد أُضيفت بشكل مصطنع لإعطاء الانطباع بأن الفيديو التُقط عبر كاميرات مراقبة قرب بوابة السجن.
ووفقًا لـ"نيويورك تايمز"، قبل ساعات من قيام القوات الإسرائيلية في 23 يونيو بقصف سجن إيفين في طهران، ظهرت منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة الفارسية تحذّر من هجوم وشيك، وتحثّ المواطنين على تحرير السجناء. غير أن "إيران إنترناشيونال" أكدت أنها لا تستطيع التحقق بشكل مستقل من صحة هذه الادعاءات.
ونقلت الصحيفة عن باحثين قولهم إن "هذه العملية كانت جزءًا من حملة تضليل مخططة من قبل إسرائيل".
وبحسب هؤلاء الباحثين، فإن هذه الحرب المعلوماتية التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق، بدأت حتى قبل اندلاع الهجمات، وتم استخدام الذكاء الاصطناعي فيها، مما سمح بانتشارها السريع والواسع.
ووصفت الصحيفة هذا التحول بأنه نتيجة للتطور التكنولوجي، حيث وسّع الطرفان المتحاربان نطاق الحرب النفسية باستخدام الذكاء الاصطناعي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
أمثلة على الحرب السيبرانية والمعلوماتية المتبادلة:
• أرسلت الجمهورية الإسلامية رسائل باللغة العبرية إلى آلاف الهواتف الإسرائيلية تحذرهم من أن الملاجئ لم تعد آمنة، بزعم أن قوات شبه عسكرية ستخترقها وتستهدف المدنيين.
• في المقابل، استخدمت حسابات على منصة "إكس" مرتبطة بإسرائيل، اللغة الفارسية لنشر رسائل تهدف إلى تقويض ثقة الإيرانيين بنظامهم الحاكم.
• من جهة أخرى، بثت جهات موالية للجمهورية الإسلامية فيديو لامرأة تم توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي، تزعم فيه أن الحياة في طهران تسير بشكل طبيعي، بينما كانت أجزاء من المدينة فعليًا شبه خالية.
حرب الروايات وقوة الدعاية غير المسبوقة
قال جيمس جي إف فارست، أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة ماساتشوستس، للصحيفة: "إنه بلا شك عصر جديد من حروب النفوذ. لم نرَ في التاريخ نمطًا دعائيًا بهذا الحجم".
أما ديفيد ميلر، ضابط الاستخبارات السابق والأستاذ السابق في الأكاديمية الدبلوماسية بوزارة الخارجية الأميركية، فقال:
"الكثير من المحللين يعتقدون أن الجيش الأميركي لا يزال غير مستعد لمثل هذه العمليات النفسية والمعلوماتية، التي قد تصبح هي السائدة في القرن الجديد".
أمثلة أخرى على التضليل:
• نُشر مقطع فيديو مزيف يُظهر دمارًا مزعومًا في مطار بن غوريون، لم يحدث في الواقع.
• تداولت حسابات يُعتقد أنها تابعة لإيران صورًا لحطام طائرات إسرائيلية وأميركية، وهي غير حقيقية.
• زعمت إيران أنها أسقطت 3 طائرات إسرائيلية من طراز F-35، وهو ما نفته إسرائيل دون تقديم دليل.
• ادعت وسائل إعلام إيرانية أنها أسرت طيارة إسرائيلية تُدعى "سارا أهرونوت"، لكن موقع "NewsGuard" كشف أن الصورة تعود لضابطة في البحرية التشيلية عام 2011.
سجلت "NewsGuard" ما مجموعه 28 حالة من المعلومات المضللة الصادرة عن إيران، تم نشرها من خلال مزيج من وسائل الإعلام الرسمية، ومواقع إلكترونية مجهولة، وحسابات وهمية، ومؤثرين تابعين لها على منصات "يوتيوب"، و"فيسبوك"، و"إكس"، و"تليغرام"، و"تيك توك".
ورغم كشف الكثير من هذه الحالات، فإن مقاطع الفيديو والمحتويات ما زالت منتشرة على الإنترنت وتمت مشاهدتها ملايين المرات. اليوم، يمكن للذكاء الاصطناعي أن ينتج محتوىً مقنعًا، بترجمة دقيقة، يستهدف جماهير محددة بعناية.
وقال آخيا شاتز، مدير منظمة "FakeReporter" في إسرائيل: "الملفات الشخصية المزيفة أصبحت أكثر إقناعًا. اللغة العبرية المستخدمة أصبحت أكثر احترافًا، والمحتوى مُصمم بدقة ليناسب الجمهور المستهدف. حجم المحتوى المنشور غير مسبوق".

أفادت شبكة "إن بي سي نيوز" أن التقييم الجديد للولايات المتحدة يُظهر أن واحداً فقط من بين ثلاثة مواقع نووية للنظام الإيراني، استُهدفت في الضربات الجوية الأميركية، قد دُمّر بشكل شبه كامل.
وفي تقرير نُشر، يوم الخميس 17 يوليو (تموز)، نقلت الشبكة عن خمسة مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين أن الموقعين النوويين الآخرين التابعين للنظام الإيراني تضررا بدرجة أقل، بحيث يمكن لطهران، إن رغبت، استئناف برنامجها لتخصيب اليورانيوم فيهما خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقال أربعة مصادر مطلعة إن هذا التقييم يأتي في إطار جهود إدارة دونالد ترامب لمتابعة تطورات البرنامج النووي الإيراني بعد الضربات الأميركية الأخيرة، المعروفة بعملية "مطرقة منتصف الليل"، وقد تم تزويد عدد من المشرعين الأميركيين ومسؤولي وزارة الدفاع وحلفاء واشنطن بالمعلومات المتعلقة به خلال الأيام الماضية.
كانت خمس جولات تفاوض نووية قد أُجريت بين واشنطن وطهران قبل الضربات الإسرائيلية على إيران، لكن إصرار النظام الإيراني على مواصلة التخصيب داخل أراضيه أدى إلى وصول المحادثات إلى طريق مسدود.
في الأيام الأخيرة، تصاعدت التكهنات حول مصير البرنامج النووي للنظام الإيراني، خصوصاً بشأن مخزون اليورانيوم المخصب، بعد الضربات الأميركية التي استهدفت منشآت نطنز وفردو وأصفهان في 22 يونيو (حزيران).
وأوردت "إن بي سي نيوز" أن القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) كانت قد أعدّت خطة شاملة للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، تضمنت استهداف ثلاثة مواقع إضافية وتنفيذ العملية على مدى عدة أسابيع.
لكن ترامب رفض الخطة بسبب تعارضها مع سياسته الخارجية التي ترفض التورط في نزاعات جديدة وتسعى لإبقاء أميركا خارج الحروب الخارجية.
كما أن احتمال وقوع خسائر بشرية كبيرة على الجانبين كان سبباً آخر لرفض الخيار العسكري الموسع.
ونقل التقرير عن أحد المسؤولين الأميركيين قوله: "كنا مستعدين لتفعيل كل الخيارات حتى النهاية، لكن الرئيس لم يكن راغباً بذلك".
ورغم تصريحات ترامب المتكررة عن "التدمير الكامل" للبرنامج النووي الإيراني عقب الضربات، إلا أن غياب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن إيران وقرار النظام الإيراني بتعليق التعاون مع الوكالة، يعني عدم توفر تقارير مستقلة تؤكد حجم الدمار.
وفي تقرير آخر نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 29 يونيو (حزيران)، أشارت إلى أن تسجيلات تنصّت على مسؤولين إيرانيين كشفت أنهم وصفوا الضربات الأميركية بأنها "أقل تأثيراً مما كان متوقعاً".
وذكرت "إن بي سي نيوز" أن بعض المسؤولين في أميركا وإسرائيل يدرسون خيار تنفيذ ضربات عسكرية جديدة في حال رفض النظام الإيراني استئناف المحادثات النووية أو بادر إلى إعادة بناء الموقعين النوويين اللذين تضررا بشكل جزئي.
وقال المسؤولون الأميركيون إن عملية تقييم وضع البرنامج النووي الإيراني بعد الضربات الأخيرة قد تستغرق عدة أشهر. ومع ذلك، فإن المعطيات الأحدث تشير إلى أن الأضرار التي لحقت بالمواقع المستهدفة تفوق التقديرات الأولية.
وفي رد على استفسار "إن بي سي نيوز"، قالت آنا كيلي، مساعدة المتحدث باسم البيت الأبيض: "كما أعلن الرئيس وأكد الخبراء، فإن عملية مطرقة منتصف الليل قضت تماماً على القدرات النووية الإيرانية. وبفضل تحركه الحاسم، أصبحت أميركا والعالم أكثر أمناً".
من جهته، أدلى شون بارنيل، المتحدث باسم البنتاغون، ببيان شديد اللهجة تجاه وسائل الإعلام، قائلاً: "مصداقية الإعلام الكاذب أصبحت تشبه وضع المنشآت النووية الإيرانية: مدمَّرة، مدفونة تحت الأرض وتحتاج سنوات لإعادة بنائها".
وأضاف بارنيل: "الرئيس ترامب كان واضحاً، والشعب الأميركي يعلم أن منشآت النظام الإيراني في فردو وأصفهان ونطنز قد دُمّرت بالكامل وبشكل مطلق. لا مجال للشك في ذلك".
ورغم دعم ترامب المتكرر لاستمرار التفاوض مع النظام الإيراني، إلا أن مصادر مطلعة تؤكد أن إنهاء التخصيب داخل الأراضي الإيرانية يبقى من أهم الشروط التي تضعها واشنطن لأي حوار محتمل مع طهران.

مع اتساع خطط الوصول المحدود إلى الإنترنت في إيران، تحوّلت فكرة "الإنترنت الطبقي" من كونها مفهوماً هامشيّاً إلى واقع مقلق. وبينما ينكر المسؤولون الرسميون ذلك، تفيد الشواهد بوجود تطبيق عملي للفصل في الوصول إلى الإنترنت لمجموعات معينة.
خلال السنوات القليلة الماضية، دخلت كلمة حديثة نسبيّاً لكنها مشحونة بالدلالات القوية إلى الأدبيات السياسية والإعلامية في إيران: "الإنترنت الطبقي". وهو مفهوم يبدو تقنياً في الظاهر، لكنه في جوهره يحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية بل وأمنية عميقة.
فهل يمكن للإنترنت أن يكون عالي السرعة، وغنيّ المحتوى، وحراً لمجموعة خاصة، بينما يعيش الآخرون حياتهم الرقمية بنسخة خاضعة للرقابة، بطيئة وناقصة؟ هذا هو السؤال الذي يشكّل جوهر النقاش حول "الإنترنت الطبقي" في إيران.
المفهوم ببساطة يعني تصنيف وتفكيك وصول المستخدمين إلى الإنترنت على أساس مهنتهم، أو مكانتهم الاجتماعية، أو المؤسسة التي يعملون فيها. في هذا النموذج، لا يتم تحديد وصول المستخدمين إلى الإنترنت العالمي أو إلى بعض المواقع بناءً على الحاجة الفعلية أو الطلب الحر، بل على أساس "التحقق من الهوية المهنية" أو "تقدير الأهلية المؤسسية".
الذين يعملون في مؤسسات حكومية، أو سلطوية، أو جامعات معينة، قد يتمتعون بإنترنت أسرع أو غير خاضع للرقابة، بينما يواجه عامة الناس طبقة من الإنترنت المُفلتر والمحدود.
هذا المخطط، وإن لم يُطرَح رسميّاً في البداية، لكنه كان قيد التجربة فعليّاً منذ فترة طويلة.
النقطة الفاصلة التي لفتت انتباه الرأي العام كانت تنفيذ مشروع في "جامعة شريف الصناعية".
في هذا المشروع، تمكّن الأساتذة والباحثون والطلبة، عبر تقديم معلوماتهم الشخصية، من استخدام إنترنت أكثر حرية وأقل خضوعاً للرقابة.
وقد انتقلت هذه التجربة تدريجيّاً إلى مؤسسات خاصة أخرى مثل مراكز التكنولوجيا، ووسائل الإعلام التابعة للحكومة، وحتى بعض الشركات الناشئة المختارة.
كما أنه خلال فترة وزارة محمد جواد آذري جهرمي (في حكومة روحاني)، حصل بعض الصحفيين والمؤسسات بشكل مؤقت على إنترنت غير خاضع للرقابة. وقد اعتُبرت هذه الخطوة مثالاً على "الإنترنت الطبقي" غير الرسمي.
كذلك، في عام 2022، وبعد الاحتجاجات العامة الواسعة، تم فرض قيود واسعة على الإنترنت، وتم الإبلاغ عن وجود وصول تفريقي لبعض المجموعات.
من الناحية التاريخية، يجب تتبّع جذور هذه السياسة في إنشاء "الشبكة الوطنية للمعلومات" وتشديد الفلترة خلال السنوات الماضية. فمنذ أوائل عقد 2010، ومع انطلاق مشروع الإنترنت الداخلي الوطني، سعت بعض الجهات في النظام الإيراني لفصل الإنترنت الإيراني عن الفضاء العالمي، ووضعه تحت إدارة محلية.
ورغم أن هذا الهدف طُرح في البداية تحت شعار "زيادة السرعة والأمان"، لكن تبيّن لاحقاً أن الهدف يتجاوز تحسين البنية التحتية؛ بل هو إنشاء شبكة خاضعة للسيطرة، قابلة للمراقبة، وطبقية في استخدام الإنترنت داخل إيران.
وقد بدأ هذا التوجه أولاً بفلترة واسعة النطاق للمنصات والخدمات العالمية: من فيسبوك وتويتر ويوتيوب، إلى واتساب وتلغرام وغوغل بلاي، ثم تطور نحو تقييد منهجي للوصول.
وبالتوازي مع هذا المسار، قامت الحكومة بإصدار تراخيص مؤقتة ومحدودة لبعض الأفراد أو المؤسسات، فأنشأت فعليّاً نوعين من الإنترنت: واحد لعامة الناس، وآخر لـ"الأشخاص المختارين".
قد يُطلق على هذا الفرق في الأدبيات الرسمية اسم "الإنترنت الطارئ"، أو "الإنترنت المهني"، أو "الإنترنت الوطني-الدولي"، لكنه في وعي الناس ليس إلا "إنترنت طبقي".
من هم المسؤولون عن إرساء الإنترنت الطبقي؟
يلعب المجلس الأعلى للفضاء السيبراني، بصفته أعلى هيئة لصنع السياسات في مجال الإنترنت بإيران، يلعب دوراً أساسياً في تصميم وتنفيذ الإنترنت الطبقي.
وقد أنشئ هذا المجلس بأمر من المرشد الإيراني عام 2011، ومن خلال إقراره لمشاريع مثل "الشبكة الوطنية للمعلومات" و"الفلترة غير المتجانسة"، وضع الأسس اللازمة لفصل الوصول إلى الإنترنت بناءً على هوية ومكانة المستخدمين الاجتماعية.
وقد أدّت قرارات هذا المجلس، بما في ذلك مشروع "الانفتاح" في جامعة شريف الصناعية، إلى التحقق من هوية المستخدمين وتخصيص وصول مختلف لهم.
كما أن شركات مثل "أبرآروان" لعبت دوراً تنفيذياً في هذه السياسات، من خلال توفير البنية التحتية السحابية للشبكة الوطنية للمعلومات، وتطبيق القيود ومراقبة حركة الإنترنت.
ورغم أن "أبرآروان" تنفي التهم المتعلقة بتسهيل قطع الإنترنت، فإن الوثائق والتقارير، بما في ذلك رسائل البريد الإلكتروني المسرّبة، تشير إلى تعاون هذه الشركة مع الأجهزة الرقابية لتنفيذ السياسات التقييدية.
هل الإنترنت الطبقي قانوني؟
تُظهر مراجعة وضع اعتماد هذا المشروع رسميًا أن البرلمان الإيراني أو المجلس الأعلى للفضاء السيبراني لم يصدرا بعد أي قانون مصادق عليه بشأن تطبيق الإنترنت الطبقي.
ما يجري في الواقع هو عملية تدريجية تقوم على التجربة والخطأ، وتُنفذ على المستوى التنفيذي في غياب شفافية قانونية.
تقوم هيئات مثل شركة البنى التحتية للاتصالات، ووزارة الاتصالات، وبعض المراكز البحثية التابعة للحرس الثوري أو هيئة الإذاعة والتلفزيون بتنفيذ هذه السياسة عبر مشاريع "تجريبية" أو "أمنية" في قنوات غير علنية لاتخاذ القرار.
من جهة أخرى، عبّرت وزارة الاتصالات، على الأقل ظاهريًا، عن معارضتها لهذا التوجه. على سبيل المثال، في تموز(يوليو) 2025، أعلن إحسان جيت ساز، مساعد وزير الاتصالات، عبر منصة "إكس"، أن وزارة الاتصالات تعارض الإنترنت الطبقي، وأن الإنترنت يجب أن يكون عادلاً ومتاحًا للجميع.
في الوقت ذاته، أعلن المتحدث باسم الحكومة أن "الإنترنت يجب أن يكون عادلاً وعامًّا"، وشدّد على أن "حكومة بزشكيان لا تؤمن بالتمييز في الوصول إلى الإنترنت".
لكنه أضاف لاحقًا أن "الصحفيين أو الأكاديميين الذين يحتاجون إلى وصول أكبر للقيام بمهامهم، يجب أن يُمنحوا هذا الوصول".
هذه الجملة، وإن بدت غير ضارّة، تشكّل في الواقع مؤشرًا واضحًا على نفس التفكيك في الوصول؛ أي الاعتراف فعليًا بوجود إنترنت متعدد الطبقات.
تشير بعض التقارير إلى أن هيئات مثل هيئة الإذاعة والتلفزيون، وبعض وسائل الإعلام التابعة، والمراكز التقنية، تتمتع بوصول إلى الإنترنت غير المقيد. هذا يدل على أن الإنترنت الطبقي، حتى بدون قانون مصادق عليه، يُطبّق فعليًا.
وخلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد احتجاجات عام 2022، ومع تكرار قطع الإنترنت، ازدادت حساسية الرأي العام تجاه حق الوصول الحر إلى المعلومات. وقد اعترض العديد من المواطنين، خصوصًا الشباب، والناشطين المدنيين، والصحفيين المستقلين، وأصحاب الأعمال عبر الإنترنت، مرارًا على سياسات تقييد الإنترنت. إن حجب منصات مثل إنستغرام وواتساب دون تقديم بدائل حقيقية عطّل أعمال آلاف الأشخاص وأضعف ثقة الناس بسياسات التكنولوجيا التي تتبعها الدولة.
في الوقت نفسه، حذّرت منظمات حقوق الإنسان مثل "أكسس ناو"، و"أصل 19"، و"مراسلون بلا حدود" مرارًا في تقاريرها السنوية من سياسات التفكيك والمراقبة التي ينتهجها النظام الإيراني.
وترى هذه المنظمات أن تصنيف الوصول إلى الإنترنت لا ينتهك فقط حق حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، بل يعزز أيضًا التفاوت البنيوي داخل المجتمع ويزيد الفجوة الرقمية بين المواطنين.
وبالمقارنة مع تجارب دول أخرى، يبدو أن إيران تسير في مسار مشابه للصين، ولكن بسرعة أبطأ وبأساليب أكثر ليونة. في الصين، يُفصل الإنترنت تمامًا عن الفضاء العالمي ويخضع لرقابة حكومية شاملة. لا يمكن للمستخدمين الوصول إلى المحتوى العالمي إلا باستخدام برامج VPN غير رسمية، مع ما تحمله من مخاطر قانونية وأمنية عالية. في المقابل، تلتزم دول مثل الهند بمبدأ "حيادية الشبكة" ولا يسمح القانون فيها لمزودي الخدمة بفرض قيود على الإنترنت استنادًا إلى المهنة أو العرق أو مكان السكن.
حتى الهند، رغم التزامها بمبدأ حيادية الشبكة، قامت في بعض الحالات – مثل احتجاجات كشمير – بقطع الإنترنت مؤقتًا، لكن هذه الإجراءات لم تكن دائمة أو طبقية.
في المقابل، تضمن دول أوروبية، خصوصًا في اسكندنافيا وفرنسا وألمانيا، ليس فقط الوصول العام إلى الإنترنت كـ"خدمة عامة أساسية"، بل تحوّل بعضها، مثل فنلندا، إلى تقنين حد أدنى لسرعة الإنترنت لكل مواطن.
وفي بريطانيا، يمنع قانون حماية البيانات ومبدأ حيادية الشبكة مزودي الخدمة من التحكم في المحتوى أو طريقة الوصول حسب أهوائهم. وتُظهر هذه الفروقات أن تصنيف الوصول إلى الإنترنت في الديمقراطيات الليبرالية لا يُعد فقط انتهاكًا للحقوق المدنية، بل يُعتبر غير قانوني.
رغم ذلك، يبدو أن التوجه التفكيكي مستمر في إيران. فالمؤشرات الحالية حول وصول مختلف للهيئات الحكومية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، وبعض الصحفيين التابعين، ومراكز خاصة إلى الإنترنت الحر، تشير إلى أن الإنترنت الطبقي غير الرسمي يُطبّق فعليًا؛ من دون شفافية، ومن دون التزام قانوني، ومن دون محاسبة.
التمييز الرقمي
المشكلة الأساسية أن الإنترنت الطبقي لا يقتصر فقط على تفاوت في السرعة أو في إمكانية الوصول، بل يرتبط مباشرة بمفهوم "العدالة الرقمية".
ففي عالم أصبحت فيه قطاعات الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والثقافة، والسياسة كلها تعتمد على الفضاء الرقمي، فإن خلق تمييز في الوصول إلى هذا الفضاء يعني إعادة إنتاج التفاوت في جميع أوجه الحياة. فإذا كان طفل في منطقة محرومة لا يملك سوى الوصول إلى المحتوى المحلي، بينما يتمكن طفل آخر في عائلة مرتبطة بمؤسسات خاصة من الوصول إلى المصادر العلمية والتعليمية العالمية، فإن هذه الفجوة لا تكون فنية فقط، بل بنيوية وحضارية.
في الختام، يمكن تلخيص وضع الإنترنت الطبقي في يوليو (تموز) 2025 كما يلي: لا يوجد قانون مصادق عليه بشأنه، لكنه يُنفّذ فعليًا؛ الحكومة تعبّر لفظيًا عن معارضته، لكنها عمليًا تمنح التراخيص له؛ المجتمع المدني بات أكثر وعيًا به، لكنه لا يملك أدوات كافية للمواجهة؛ وبالمقارنة مع العالم، تقع إيران في مسار أنظمة تفضّل الرقابة، والتقييد، والتصنيف على الحرية، والشفافية، والمشاركة.
استمرار هذا المسار، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجه البلاد، قد تكون له تبعات تتجاوز المجال الرقمي بكثير. فالفجوة الرقمية هي مقدّمة للفجوة الاجتماعية، وعدم المساواة في التعليم، والانغلاق الثقافي، وفي نهاية المطاف، عدم الاستقرار السياسي. يبدو الآن أكثر من أي وقت مضى أن الحوار العام والمطالبة بـ"الحق العام في الوصول المتساوي إلى الإنترنت" ضرورة لا مفر منها.

"طهران.. بجانبك" (بعنوانه الدولي: طهران.. وجه آخر)، هو الفيلم الثاني لعلي بهراد، وقد عُرض في الدورة التاسعة والخمسين من مهرجان "كارلوفي فاري"، أكبر وأهم مهرجان في أوروبا الوسطى والشرقية.
فيلم يُقدّم صورة جريئة وشفّافة عن جيل الشباب في طهران المعاصرة، ولهذا السبب، لم يُسمح له بالعرض داخل إيران.
بعد فيلمه الأول "تصوّر" الذي عُرض في مهرجان "كان" وبطولة ليلى حاتمي، يواصل بهراد في فيلمه الثاني اختيار أسلوب سردي مغاير، لا يُشبه كثيرًا أعمال المخرجين الإيرانيين الآخرين.
إنه يتبنّى نوعًا من السينما غير المجربة أو المقبولة سلفًا، ومن غير المعروف كيف سيتلقّاه الجمهور العام.
لكن ما هو لافت، أنّ هذا المخرج حُرم في كل مرة من فرصة عرض أفلامه في الداخل ومواجهة ردود فعل المشاهدين. ولم يبقَ له سوى جمهور المهرجانات خارج إيران.
وفي مهرجان "كارلوفي فاري"، التقى الفيلم بجمهور تشيكي امتلأت به القاعة، وتفاعل بشكل لافت مع مشاهده الكوميدية غير التقليدية والغريبة، بالضحك والانخراط.
هذا التميّز بحد ذاته هو ما يُشكّل الميزة الأساسية للفيلم؛ فهو لا يُقدّم سردًا تقليديًا أو حبكة مألوفة. المخرج يرسم في امتداد أفقي مقاطع من تعارف وحب، علاقة يبدو أنّ مصيرها الحتمي هو الفشل.
يبدأ الفيلم بحفل زفاف، حيث يلتقي الحبيبان السابقان بعد سنوات، خلال زفاف أصدقائهما. الفتاة التي كانت قد غادرت إيران والعلاقة معًا، تعود اليوم، وهذه العودة تفتح جراحًا يبدو أنها بلا شفاء.
عبر استرجاعات زمنية غير مرتبة زمنيًا، نُشاهد مشاهد مفصلية من العلاقة، في عرضٍ يشبه تدفق الذكريات.
كأن كلًّا منهما يستعيد لحظاته الخاصة، ولهذا السبب لا تخضع الرواية لتسلسل زمني. فقط عند نهاية كل مشهد ندرك أيّ مرحلة من العلاقة يُمثّلها، وفي النهاية نفهم الترتيب الزمني للمشاهد التي شاهدناها.
اللعب بالزمن هو أبرز ملامح السرد في الفيلم؛ إذ كان من الممكن أن يتعثر الفيلم لو سلك الترتيب الزمني المعتاد. لكن عبر حيلة ذكية، يقوم المخرج بتفكيك الزمن، ويربطه بزمن غير خطي متصل بالذكريات وتعقيداتها.
يبدو المخرج هنا وكأنه يصنع فيلمًا شخصيًا؛ يروي عوالم وعلاقات نابعة من تجربته المعيشة: شباب طهران الميسورون نسبيًا، الذين لا تشغلهم الهموم السياسية أو الاجتماعية أو الفقر، بل يبنون عالمهم الداخلي بعيدًا عن الخارج؛ من ألعاب غريبة، إلى حفلات صاخبة، إلى علاقات مفتوحة، ومشاهدة أفلام على شاشة ضخمة فوق سطح المنزل.
المخرج يعرف هذا الجيل وهذه الاهتمامات، ويريد أن يكون راوياً لهم؛ لشخصيات غابت عن سينما إيران الرسمية. يراقبهم بكاميراته في مشاهد طويلة، تسير بهدوء وتتطلب صبرًا من المشاهد، لتصوّر النظرات، والكلمات، والتفاعلات، في سرد علاقة حب فاشلة.
الكاميرا لا تتدخل عادة، تقف بعيدًا، وتكتفي بالمراقبة. رغم أن الفيلم لا يتبع أسلوب الواقعية بالمعنى التقليدي، إلا أنّه يسعى لتسجيل الواقع في المشهد كما هو، دون أن يتخذ المخرج موقفًا أو يصدر أحكامًا.
لا يُدين الفيلم أياً من الشخصيتين؛ لا الفتاة التي لم تجد مستقبلاً في إيران فغادرت، ولا الشاب الذي لم يتمكن من مرافقتها.
من هذه الزاوية، يُمسك الفيلم بواحد من أهم الأسئلة التي تُواجه المجتمع الإيراني اليوم: البقاء أم الرحيل؟ وغالبًا ما يُقدّم هذا الموضوع في السينما الرسمية بخطاب دعائي، إذ تنحاز الأفلام لمن يختار البقاء وتُدين من يهاجر، في محاولة لترويج خطاب النظام. أما هنا، فالشخصية التي اختارت الهجرة لا تُدان، حتى لو كانت خسرت حبّ حياتها.
لكن الفيلم يحمل مرارة ظاهرة، ربما بسبب الزمن والمكان اللذين يتحرك فيهما؛ حيث لا تدوم حلاوة الحياة، وهي محكومة بالفشل. الفيلم لا يدّعي أنه سياسي أو اجتماعي، لكنه يتحوّل بشكل تلقائي إلى صورة جيلٍ ضحية لزمنه، جيلٌ يتمنى أن يعيش حياة بسيطة، مليئة بالحب، بعيدًا عن التوترات السياسية والاجتماعية- وهي حياة قد تبدو طبيعية وممكنة في أماكن أخرى من العالم- لكنه يُواجه بالقيود، والمصاعب، والأبواب المغلقة، وهي ما تُكسب نهاية الفيلم مرارتها، دون أن يُصرّح المخرج بذلك صراحة.

ربما لا تسعى إيران حاليًا إلى قطع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بشكل كامل، لكنها، من خلال استثمارها في التدخلات المستهدفة واستخدام نظام "بيدو" الصيني البديل، تحاول تقليص اعتمادها على التكنولوجيا الأميركية؛ وهو نهج يشكل جزءًا من استراتيجية الحرب غير المتكافئة للنظام الإيراني.
وفقًا للتقارير العامة والرسمية المنشورة، كانت إيران في السنوات الأخيرة واحدة من مصادر التدخل في نظام تحديد المواقع العالمي في المنطقة، لكن هذه التدخلات بلغت ذروتها في الأيام والأسابيع الماضية.
تناول فريق التحقق في قناة "إيران إنترناشيونال" في هذا التقرير الأبعاد المختلفة للتدخلات في أنظمة الملاحة في إيران، محاولًا تقديم صورة شاملة عن تفاصيل ما يُشار إليه كجزء من الحرب الإلكترونية في المنطقة.
لماذا تتدخل الحكومات في إشارات نظام تحديد المواقع؟
إلى جانب إيران، تُعتبر روسيا والصين وكوريا الشمالية من الرواد في التدخل بنظام تحديد المواقع باستخدام تقنيات التشويش (Jamming) والتزييف (Spoofing)، وهي تقنيات تُعد جزءًا من تكتيكات الحرب غير المتكافئة.
خلال الاحتجاجات الشعبية في عامي 2019 و2022، قامت الأجهزة الأمنية للنظام الإيراني بشكل متزامن بقطع الإنترنت، والتدخل في نظام تحديد المواقع، وإضعاف إشارات الاتصالات.
في تلك الفترة، أبلغ المستخدمون عن اضطرابات في تطبيقات الملاحة مثل "Waze" و"Google Maps". عادةً ما تُنفذ هذه التدخلات المحلية لتقييد حركة المتظاهرين أو تقليل تنسيقهم.
في الحروب الحديثة، تقوم القوات العسكرية بإحداث اضطرابات محلية في البيانات الساتلية لمنع العدو من استخدام نظام تحديد المواقع لتوجيه الصواريخ أو الطائرات المسيرة أو القوات البرية.
تُظهر التقارير أن روسيا تسببت عام 2017 في تعطيل إشارات نظام تحديد المواقع عمدًا في البحر الأسود.
في السنوات الأخيرة، سُجلت اضطرابات واسعة النطاق على السواحل الشرقية للبحر المتوسط، ويعتقد الخبراء أن مصدرها إسرائيل.
كما استخدمت الصين هذه التكتيكات في المناطق الحساسة أمنيًا، خاصة حول تايوان وجزرها الاستراتيجية.
في الماضي، كانت الولايات المتحدة تقلل عمدًا من دقة نظام تحديد المواقع المدني باستخدام خاصية "الوصول الانتقائي" لمنع الأعداء من الوصول إلى معلومات دقيقة عن المواقع، لكن هذه الخاصية أُلغيت من قِبل الحكومة الأميركية عام 2000.
ما هو التشويش وما الفرق بينه وبين التزييف؟
في أنظمة تحديد المواقع مثل GPS، تستخدم الهواتف والسفن والطائرات والأنظمة العسكرية إشارات تُرسل من الأقمار الصناعية إلى الأرض.
هذه الإشارات ضعيفة جدًا، وإذا قام أحدهم ببث موجات أقوى على نفس التردد بالقرب من جهاز الاستقبال (مثل هاتف محمول أو طائرة)، فلن يتمكن جهاز الاستقبال من تمييز الإشارة الأصلية. ويُطلق على هذا الإجراء اسم تشويش GPS (Jamming).
التزييف (Spoofing) هو نوع أكثر تقدمًا من التشويش، حيث يتم إرسال إشارات مزيفة ولكنها تشبه الإشارة الأصلية، مما يجعل جهاز الاستقبال يعتقد أنه في موقع آخر.
عادةً ما تقوم الحكومات بإنشاء حقول تشويش أو "فقاعات تزييف" محلية لحماية المراكز الحساسة أو الأحداث المهمة، لمنع تحليق الطائرات المسيرة أو الهجمات الموجهة.
التشويش العسكري للنظام الإيراني في مناطق النزاع
خلال الحرب التي استمرت 12 يومًا، تلقت قناة "إيران إنترناشيونال" العديد من الرسائل من جميع أنحاء البلاد بشأن قطع الإنترنت واضطرابات في أنظمة تحديد المواقع.
قبل بدء الاشتباكات، أُفيد أن ما بين 970 إلى 1100 سفينة يوميًا في المياه الخليجة ومضيق هرمز وبحر عمان واجهت اضطرابات في نظام تحديد المواقع، وارتفع هذا العدد في 15 يونيو (حزيران)، اليوم الثالث من الحرب، إلى 1155 سفينة.
في حادثة واحدة، اصطدمت ناقلتا نفط، "فرونت إيغل" و"أدالين"، ليلاً، واقترح المحققون أن التشويش على نظام تحديد المواقع كان سبب خطأ الملاحة.
بعد ذلك، اضطرت شركات الشحن إلى تغيير مساراتها وجداولها وتجنب العبور ليلاً، مما تسبب في ازدحام في أحد المسارات الحيوية للتجارة العالمية.
قبل ذلك، حذرت الحكومة الأميركية في أغسطس (آب) 2019 إيران من إرسال تشويش على السفن التجارية التي تمر عبر مضيق هرمز.
التزييف وخلق مخاطر في المسارات الجوية
تُظهر تقارير من خريف 2023 أن طائرات ركاب كانت تعبر المجال الجوي الإيراني تعرضت لتزييف إشارات GPS.
وفقًا لمؤسسات مراقبة الطيران، خرجت ما لا يقل عن 20 طائرة ركاب وخاصة عن مسارها بسبب هذا التدخل الخطير.
في هذه العمليات، كانت الإشارات المزيفة تُبث من محطات أرضية وكانت قوية بما يكفي لتطغى على إشارات GPS الحقيقية.
صُممت هذه التزييفات بحيث لا يلاحظ الطيارون انحرافهم عن المسار لفترة من الوقت. في إحدى الحالات، سأل طاقم طائرة بوينغ 777، التي انحرفت بشكل كبير عن مسارها، برج المراقبة في بغداد: "أين نحن الآن وكم الساعة؟"
الاستيلاء على طائرة أميركية مسيرة باستخدام التزييف
في ديسمبر (كانون الأول) 2011، أعلنت إيران أنها نجحت في إسقاط طائرة استطلاع أميركية متطورة من طراز RQ-170 Sentinel من خلال التلاعب بإشارات GPS.
وقال مسؤولو طهران إنهم خدعوا الطائرة المسيرة باستخدام "التزييف" لإشارات GPS، مما جعلها تهبط في الأراضي الإيرانية.
وأرجع المسؤولون الأميركيون السبب إلى خلل فني، لكن السلامة التامة للطائرة المسيرة وهبوطها دون حوادث أضفت بعض المصداقية على ادعاء إيران.
بعد أسبوع، طلب باراك أوباما، الرئيس الأميركي آنذاك، من إيران إعادة الطائرة المسيرة، وهو ما لم يحدث أبدًا.
في السنوات اللاحقة، استلهمت إيران مما اكتسبته في هذا النزاع الإلكتروني وحاولت تصنيع نماذج مشابهة.
ما الذي نعرفه عن نظام تحديد المواقع العالمي GPS؟
نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) مملوك لحكومة الولايات المتحدة الأميركية وتديره قوة الفضاء التابعة لوزارة الدفاع الأميركية.
يتم إدارة هذه المجموعة من الأقمار الصناعية من مركز التحكم التابع لقوة الفضاء الأميركية في قاعدة قوة الفضاء شریفر في ولاية كولورادو.
يعتمد نظام GPS على شبكة من الأقمار الصناعية في مدار أرضي متوسط (MEO) على ارتفاع يتراوح بين 20 و35 ألف كيلومتر.
صُمم هذا النظام ليعمل بأقل عدد من 24 قمرًا صناعيًا نشطًا في ستة مستويات مداريّة (كل مستوى يحتوي على أربعة أقمار) على ارتفاع يزيد عن 20 ألف كيلومتر فوق سطح الأرض، بحيث تكون أربعة أقمار على الأقل مرئية من أي نقطة على الأرض في أي وقت.
إشارات GPS متاحة عالميًا لجميع الدول والمستخدمين، لكن التحكم الكامل بالبنية التحتية والأقمار الصناعية وإعدادات الإشارة يبقى في يد الجيش الأميركي.
هذه القدرة جعلت دولًا مثل الصين وروسيا وحتى إيران تصف الاعتماد على GPS بأنه اعتماد غير آمن على أداة حيوية تسيطر عليها "دولة معادية".
الدول التي تمتلك أنظمة ملاحة عالمية مستقلة
قامت الاتحاد الأوروبي بتصميم نظام الملاحة "غاليليو" (Galileo) بإدارة مدنية، وهو يوفر خدمات عالمية بدقة عالية. بحلول أوائل العقد 2020، أصبح لدى هذا النظام 24 قمرًا صناعيًا فعالًا (إضافة إلى الأقمار الاحتياطية) في المدار، وهو في طريقه للوصول إلى القدرة التشغيلية الكاملة.
تمتلك روسيا نظام ملاحة يُدعى "غلوناس" (GLONASS) يضم أكثر من 24 قمرًا صناعيًا، ويوفر تغطية عالمية.
فعّلت الصين نظام الملاحة الساتلية "بيدو" (BeiDou) على المستوى العالمي منذ عام 2020، ويضم حاليًا 35 قمرًا صناعيًا. خدماته المدنية مجانية ومتاحة، لكنه يقدم أيضًا خدمات مشفرة للأغراض العسكرية.
إلى جانب هذه الأنظمة، طورت الهند نظام ملاحة إقليمي يُدعى "نافيك" (NavIC) يتضمن سبعة أقمار صناعية، ويغطي المناطق المحيطة بالهند في نطاق يقارب 1500 كيلومتر.
كما صممت اليابان نظامًا إقليميًا يضم أربعة أقمار صناعية يُدعى "نظام شبه السمت الرأسي" (QZSS) يعمل كنظام داعم.
هل هناك دلائل على سعي إيران لاستخدام أنظمة بديلة مثل بيدو؟
أعلن محمد كشاورز زاده، سفير إيران في بكين، في مارس (آذار) 2021، أن الصين ستتيح نظام تحديد المواقع العالمي الجديد الخاص بها، "بيدو"، لإيران.
وكتب مركز بلفير هارفارد في تقرير في نفس العام أن إيران وقّعت منذ عام 2015 مذكرة تفاهم مع الصين بشأن نظام "بيدو" تشمل محطات أرضية ومركز بيانات فضائية، لكن حتى وقت إعداد التقرير، لم تُنشر أدلة دقيقة على استخدام إيران لهذا النظام.
حتى إحسان جيت ساز، مساعد وزير الاتصالات، أعلن بعد 21 يومًا من انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا، يوم الثلاثاء 15 يوليو (تموز)، عن وضع خطة لنقل خدمات تحديد المواقع من GPS إلى نظام "بيدو" الساتلي الصيني، مؤكدًا أن أحد المحاور الرئيسية للمفاوضات بين إيران والصين كان الاستفادة من قدرات هذه المجموعة الصينية لتحديد المواقع بدقة في إيران.
ووفقًا لجيت ساز، تعمل إيران على وضع خطة لنقل جزء من الخدمات القائمة على الموقع – في النقل والزراعة وإنترنت الأشياء – تدريجيًا من GPS إلى بيدو.
في غياب معلومات موثوقة، لا يمكن إجراء تكهنات دقيقة، لكن من المحتمل أن تكون طهران قد حدّثت بعض معداتها العسكرية، خاصة الصواريخ، لتعمل بشكل مستقل عن GPS وتعتمد على بيدو.
ما هي العوائق أمام استبدال GPS بأنظمة أخرى؟
عندما تتخلى أي دولة عن GPS، فإنها تنفصل عن النظام الإيكولوجي العالمي له. فالتطبيقات والمنصات والخدمات صُممت بناءً على GPS، وغيابه يعني عزلة تكنولوجية وانخفاض الكفاءة.
استخدام نظام دولة شريكة، مثل بيدو الصيني، يتطلب استثمارات في تجهيز نظام "الملاحة طويلة المدى المتقدم" (eLoran) والبنية التحتية الأرضية، وهي عملية مكلفة وتستغرق وقتًا طويلًا.
بالنسبة للمستخدمين المدنيين، مثل الهواتف الذكية وأنظمة ملاحة السيارات وأساطيل الطيران والبحرية، هناك حاجة إلى تغييرات واسعة النطاق في الأجهزة، مما يعني تقديم دعم مالي أو إجبار الشركات المصنعة على تغيير منتجاتها.
تداعيات قطع GPS فجأة وبشكل دائم
قطع GPS فجأة وبشكل دائم سيكون له تداعيات فورية وواسعة النطاق على عامة الناس، حيث تعتمد العديد من الخدمات اليومية مثل الملاحة وسيارات الأجرة عبر الإنترنت وطلب الطعام والتطبيقات القائمة على الموقع بشكل مباشر على هذا النظام.
قطع GPS دون وجود بديل مناسب سيؤدي إلى تعطيل الحياة اليومية للمستخدمين؛ فالملاحة والاتصالات الطارئة والخدمات عبر الإنترنت ستتعرض للاضطراب، مما يزيد من السخط العام، وستواجه الصناعات الحيوية مثل الطيران والنقل والكهرباء والاتصالات تأخيرات أو أخطاء أو توقفًا في الخدمة.