تركيا تسعى لاستيراد الغاز الأميركي بدلا من الإيراني والروسي

أفادت وكالة "رويترز" بأن جهود تركيا لاستبدال الغاز المستورد من روسيا وإيران بالإنتاج المحلي وغاز الـ"LNG" الأميركي قد تقلّص آخر سوق رئيسية لصادرات الغاز الإيرانية نحو أوروبا.

أفادت وكالة "رويترز" بأن جهود تركيا لاستبدال الغاز المستورد من روسيا وإيران بالإنتاج المحلي وغاز الـ"LNG" الأميركي قد تقلّص آخر سوق رئيسية لصادرات الغاز الإيرانية نحو أوروبا.
ووفق التحليل المنشور يوم الأربعاء 8 أكتوبر (تشرين الأول)، يمكن لأنقرة بحلول عام 2028 تغطية أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز من خلال زيادة الإنتاج المحلي واستيراد الغاز المسال، مما يقلّل بشكل كبير اعتمادها على الغاز الإيراني والروسي.
وطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تركيا، الحليف في حلف الناتو، خفض علاقاتها في مجال الطاقة مع كل من إيران وروسيا، والتوافق مع جهود واشنطن لعزل موسكو وطهران في أسواق الطاقة العالمية.
يُذكر أن إيران تُورّد حاليًا نحو 10 مليارات متر مكعب سنويًا من الغاز إلى تركيا بموجب عقد سينتهي منتصف عام 2026، ويُرجح عدم تجديد العقد بنفس الشروط، إذ تسعى أنقرة إلى "مرونة وتنويع أكبر".
وزارة الطاقة التركية زادت الإنتاج المحلي ووقّعت عقودًا بمليارات الدولارات لاستيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة والجزائر.
ماذا سيحدث حتى 2028؟
تُظهر حسابات "رويترز" أن الإنتاج المحلي واستيراد الغاز المسال في تركيا سيتجاوز 26 مليار متر مكعب سنويًا بحلول 2028، مقارنة بـ15 مليار متر مكعب في 2025، وهو ما يكفي لتغطية أكثر من نصف الطلب السنوي المقدر بـ53 مليار متر مكعب.
الفجوة الباقية من الواردات (26 مليار متر مكعب) أقل بكثير من 41 مليار متر مكعب التي تُستورد حاليًا من روسيا وإيران وأذربيجان.
وتشير "رويترز" إلى أن إيران تواجه حاليًا عقوبات جديدة من الأمم المتحدة والدول الغربية بسبب برنامجها النووي وأنشطتها العسكرية، مما قد يؤدي إلى فقدان واحدة من أهم أسواقها التصديرية، في الوقت الذي تسعى فيه تركيا لتعزيز دورها كقطب إقليمي للغاز.
كما وسعت أنقرة مؤخرًا قدرة إعادة التصدير من خلال الشركة الحكومية للطاقة "بوتاس"، وأبرمت عقودًا مع المجر ورومانيا.
ورغم استمرار تركيا في التأكيد على تزويدها بالغاز من جميع الموردين الحاليين، بما في ذلك إيران وروسيا، فإن استراتيجيتها طويلة المدى تميل بشكل متزايد إلى تفضيل مشتريات الغاز المسال المرنة على عقود خطوط الأنابيب الثابتة.
وفي سبتمبر (أيلول)، أفادت وسائل الإعلام المحلية والدولية بانخفاض إجمالي صادرات إيران إلى العراق، بما في ذلك الغاز الطبيعي.
ويشير الخبراء إلى أن دخول منافسين جدد إلى السوق العراقية وارتفاع الرسوم الجمركية في هذا البلد ساهم في تقليص صادرات إيران إلى العراق.
وأشار موقع "Oil Price" الاقتصادي في 22 سبتمبر (أيلول) إلى أن صادرات الغاز الطبيعي الإيراني إلى العراق بين أبريل (نيسان) وأغسطس (آب) هذا العام انخفضت بنسبة 40 في المائة.

حذّر صُنّاع السوق والاقتصاديون ونشطاء العملات المشفّرة في إيران من القرار الجديد للحكومة القاضي بتقييد الاحتفاظ بالعملات المستقرة (ستيبلكوين).
وقال الخبراء لـ"إيران إنترناشيونال" إن هذا القرار يعرّض مدّخرات الناس للخطر، وسيدفع رؤوس الأموال إلى الخروج من البلاد في ظلّ الانخفاض التاريخي لقيمة العملة.
والستيبلكوين (أو العملة المستقرة) هي عملة رقمية مصممة للحفاظ على قيمة سعرية مستقرة، وذلك عادةً بربطها بأصل آخر مثل عملة ورقية (كالدولار الأميركي أو اليورو) أو سلع مثل الذهب. هدفها الرئيسي هو توفير بديل مستقر لتقلبات الأسعار العالية في العملات المشفرة التقليدية، مما يجعلها أكثر ملاءمة للمعاملات الرقمية وتحويلات الأموال.
خبير اقتصادي يقيم في طهران- فضّل عدم ذكر اسمه- أكد لـ"إيران إنترنشنال" أن "القيود على العملات المستقرة لن توقف الطلب على الدولار، بل ستدفعه إلى العمل في الخفاء".
وأقرّ المجلس الأعلى للبنك المركزي في أواخر الشهر الماضي سقف شراء سنوي قدره 5000 دولار لكل فرد، وحدًا أقصى لامتلاك 10 آلاف دولار من العملات المستقرة.
وجاء هذا القرار فيما كان الريال الإيراني قد وصل مطلع هذا الشهر إلى أدنى مستوى تاريخي له، إذ بلغ 1,170,000 ريال مقابل الدولار الواحد.
وحدث هذا الانهيار بعد إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة إثر تفعيل "آلية الزناد" من قِبل الدول الأوروبية، وما رافق ذلك من مخاوف بشأن الأنشطة النووية الإيرانية. ووقت نشر هذا التقرير، كان سعر الريال يراوح عند نحو 1,140,000 مقابل الدولار.
حتى بعض المسؤولين الحكوميين انتقدوا هذا القرار. فإحسان جیت ساز، مساعد وزير الاتصالات، كتب على منصة "إكس": "الكارثة حين يتخذ صانع القرار قرارًا بنية حسنة، لكن على أسس خاطئة وبغضّ الطرف عن الأدلة؛ النتيجة لن تكون سوى إضعاف الحوكمة، وتآكل الثقة العامة، وتهديد ممتلكات الناس، وتقويض مصداقية المؤسسات".
ردّ فعل نشطاء سوق العملات المشفّرة
ووصف نشطاء سوق العملات المشفّرة في حديثهم إلى "إيران إنترناشيونال" هذه الحدود الجديدة بأنها "غير عملية وعقابية".
فرزاد، متداول يبلغ من العمر 29 عامًا من طهران، قال: "في كل مرة تعجز فيها الحكومة عن إيجاد حلّ لانهيار العملة، تشدّد القيود أكثر. باسم التنظيم، يُحمّلون الناس وحدهم عبء الأزمة. عندما ينهار السوق، نقع نحن في الفخ: لا نستطيع تسييل أصولنا ولا حمايتها".
وقال برهام، البالغ من العمر 25 عامًا من طهران: "حتى مستوى إنفاق الناس تحدده الحكومة بحسب وظائفهم؛ خمسون مليار ريال للعاطلين ومئتا مليار لأصحاب الرواتب. هذه القيود تقتل روح الابتكار وتدفع الناس إلى المسارات غير الرسمية".
وأشار إلى تعميم آخر للبنك المركزي صدر الأسبوع الماضي وضع حدودًا تصاعدية للمعاملات بالريال، من بينها سقف 200 مليار ريال للعاملين، و50 مليارًا للعاطلين، و5 مليارات للكيانات غير النشطة.
الخبير الاقتصادي المذكور قال إن هذه اللوائح والحملة الإعلامية المصاحبة لها محاولة للسيطرة المصطنعة على السوق.
وأضاف: "سقف الخمسة آلاف دولار من عملة "التيثر" لا علاقة له بالاستقرار، بل هو غطاء للتلاعب. إنهم يمتصّون السيولة بذريعة التنظيم لكسب الوقت، بينما يواصل الريال هبوطه. الخوف من تجميد الأصول يثير الذعر ويدفع الناس لبيعها بخسارة".
كانت وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري قد أفادت بأن "آلاف العناوين في شبكة "التيثر" تمّ تجميدها حتى الآن، وأصبحت أصولها فعليًا غير قابلة للوصول".
ثم دعت هذه الوكالة إلى فرض رقابة أكثر صرامة على منصّات التداول مثل "نوبیتكس".
توسّع السوق السوداء
وحذّر الخبراء من أن هذه القيود ستؤدي إلى نمو الاقتصاد الموازي. وقال سعيد رضا مراديان من صرافة "OTC": "سقف التيثر البالغ 5000 دولار سيؤدي إلى انتشار الحسابات الإيجارية".
كما كتب مستخدمون على وسائل التواصل أن حاجة الناس لن تختفي، بل ستنتقل إلى منصّات أجنبية وغير شفافة.
ورصدت "إيران إنترناشيونال" أيضًا إعلانات يقدّم فيها أشخاص عروضًا لتأجير أرقامهم الوطنية للاستفادة من حصة الخمسة آلاف دولار من العملات المستقرة.
ويدّعي مسؤولو البنك المركزي أن هذا الإجراء ضروري لمنع خروج رؤوس الأموال، وأن أمام المستخدمين شهرًا واحدًا للامتثال للوائح الجديدة. لكن متداولي العملات المشفّرة يرون هذا القانون "غير قابل للتطبيق".
وقال فرّخ، متداول مقيم في طهران: "لا يمكن التحكم بالأصول الرقمية بأدوات مصرفية متقادمة. عندما تُفقد الثقة، لا ينتظر الناس؛ يخرجون أموالهم من البلاد بأي وسيلة ممكنة".
وتُظهر تصريحات النشطاء الاقتصاديين اتّساع الفجوة بين السياسات الرسمية والسلوك العام. فالكثير من العائلات والمتداولين الصغار الذين كانوا يستخدمون "التيثر" سابقًا لحماية أصولهم من التضخم، أصبحوا اليوم عالقين بين خرق القوانين أو خسارة مدخراتهم.
بالنسبة لكثير من الإيرانيين الذين يواجهون موجة جديدة من انهيار الريال وعودة عقوبات الأمم المتحدة، يُعدّ قرار البنك المركزي ضربة جديدة لاستقلالهم المالي؛ إجراءً يقول الخبراء إنه سيضيّق المسارات القانونية، ويوسّع التجارة غير الرسمية، ويعمّق الفجوة بين الناس والنظام المصرفي الذي يعاني أصلًا من أزمة ثقة.

توقع البنك الدولي أن ينخفض النمو الاقتصادي لإيران في العام الجاري بحوالي 2 في المائة، وأن يستمر هذا التراجع في العام التالي أيضًا.
وبحسب تقرير جديد للبنك الدولي، نُشر يوم الثلاثاء 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يُقدَّر نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في العام الجاري بمعدل 2.8 في المائة.
وهذا الرقم أعلى من توقع البنك البالغ 2.6 في المائة في تقرير النمو الصادر في أبريل (نيسان) الماضي.
وقال إن هذه الزيادة تعود بشكل أساسي إلى نمو الأنشطة الاقتصادية في دول "مجلس التعاون الخليجي"، الذي تحقق بعد انتهاء التخفيض المبكر في إنتاج النفط وتوسع القطاعات غير النفطية.
وكتب البنك الدولي: "تحسنت أيضًا الآفاق الاقتصادية للدول المستوردة للنفط، ويعود ذلك إلى زيادة الاستهلاك والاستثمار في القطاع الخاص، وكذلك نمو قطاعي الزراعة والسياحة مرة أخرى".
ومع ذلك، حذر البنك من أن الدول النامية المصدرة للنفط ستواجه انخفاضًا كبيرًا في النمو، خاصة بسبب الاضطرابات الناتجة عن الصراعات وانخفاض مستويات إنتاج النفط.
وبحسب هذا التقرير، سيصبح اقتصاد إيران أصغر بنسبة 1.7 في المائة في العام الجاري، وفي العام المقبل سيشهد انخفاضًا إضافيًا بنسبة 2.8 في المائة.
وكان البنك الدولي قد توقع في تقريره الصادر في أبريل (نيسان) أن ينمو اقتصاد إيران بنسبة 0.7 في المائة لعام 2026.
وأرجع البنك سبب هذا التوقع إلى الانخفاض المتزامن في صادرات النفط والأنشطة غير النفطية نتيجة تشديد العقوبات، بما في ذلك إعادة فرض العقوبات الأممية وتبعات الحرب التي استمرت 12 يومًا.
ومع انتهاء المهلة البالغة 30 يومًا التي نص عليها مبدأ "آلية الزناد" في قرار مجلس الأمن، أعيد تطبيق جميع العقوبات السابقة الأممية ضد النظام الإيراني اعتبارًا من الساعة 3:30 فجراً يوم الأحد 28 سبتمبر (أيلول) بتوقيت إيران.
وقد أعلن مسؤولو النظام الإيراني في الأسابيع الماضية عن "رد صارم" على هذه العقوبات، وطرحوا تهديدات مثل الخروج من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وصنع قنبلة نووية.
وأشار البنك الدولي في تقريره إلى أن المنطقة بأسرها لا تزال تعاني من تداعيات الصراعات في سوريا واليمن ولبنان والضفة الغربية وغزة وأفغانستان.
وقد أدت هذه الصراعات إلى أزمات إنسانية، ونزوح واسع النطاق، وتباطؤ اقتصادي شديد.
وأضاف البنك الدولي: "الدول المجاورة أيضًا تتأثر بالآثار السلبية لتداعيات هذه الصراعات، بما في ذلك الاضطرابات الاقتصادية، وموجات اللاجئين، وزيادة حالة انعدام الأمن".
وبشكل عام، توقع البنك الدولي زيادة النمو الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان لعام 2025، لكنه خفض تقديراته للعام المقبل".

ذكرت وكالة "بلومبرغ" أن شركات صينية تقوم بتبادل قطع غيار السيارات مع إيران مقابل معادن مثل النحاس والزنك، في خطوة تُعدّ جزءًا من آلية جديدة بين بكين وطهران للالتفاف على العقوبات الغربية.
وأفادت "بلومبرغ" في تقريرها الصادر يوم الاثنين 6 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 أن قطع غيار السيارات التي تنتجها شركات في مقاطعة آنهوي الصينية، من بينها شركتا "شيري"Chery) و"تونغلينغ" (Tongling)تُرسل إلى إيران على شكل مجموعات شبه مُجمّعة، وفي المقابل تحصل الصين من إيران على معادن صناعية.
ووفقًا للتقرير، تُعد هذه المبادلة جزءًا من شبكة معقدة تُجرى فيها صفقات تبادل السيارات مقابل المعادن أو حتى منتجات زراعية مثل الكاجو، بهدف تجاوز القيود الناتجة عن العقوبات الأميركية.
وأضاف التقرير أن شركة السيارات الصينية "شيري" لا تتعامل مباشرة مع إيران، بل تبيع القطع والتكنولوجيا لشركة أخرى داخل مقاطعة آنهوي، وهذه الأخيرة تتولى إرسال السيارات شبه المُجمّعة إلى إيران.
ونقل التقرير عن مصادر مطلعة أن العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران تشمل الأفراد والشركات الإيرانية وكذلك من يتعاملون بـ"عملتي الدولار أو اليورو"، ولذلك يمكن للشركات الصينية مواصلة التجارة مع إيران طالما كانت مبادلاتها تتم بالريال الإيراني أو باليوان الصيني، دون أن تُعدّ مخالفة للعقوبات.
وأشار التقرير إلى أن التجارة مع إيران لا تزال قانونية بموجب القوانين الصينية.
وقالت وزارة الخارجية الصينية لـ"بلومبرغ" إنها "ليست على علم بهذه التجارة" لكنها شددت على أن "بكين تعارض من حيث المبدأ العقوبات الأحادية غير القانونية".
وأضافت الوزارة: "إن التعاون العادي بين الدول وإيران في إطار القانون الدولي هو تعاون معقول وعادل وقانوني، ويجب احترامه وحمايته".
وامتنع ممثلو شركتي "شيري" و"تونغلينغ" عن الرد على طلبات "بلومبرغ" للتعليق على التقرير.
وذكرت "شيري" في تقرير طرح أسهمها للاكتتاب في هونغ كونغ أنها ستُنهي تعاونها مع إيران وكوبا بحلول نهاية عام 2024، وتخطط لتقليص أنشطتها في روسيا إلى الحد الأدنى بحلول عام 2027.
انتقادات في إيران تجاه السيارات الصينية
تأتي واردات السيارات الصينية إلى إيران في وقت واجهت فيه هذه الخطوة انتقادات من بعض النواب والمسؤولين النقابيين.
ففي يوليو (تموز) 2023، انتقد لطف الله سياه كلي، النائب السابق في البرلمان الإيراني، الأسعار المرتفعة للسيارات الصينية في البلاد، قائلاً: "السيارات الصينية التي تُعرض في إيران تتراوح قيمتها الحقيقية بين 300 و350 مليون تومان، لكنها تُستورد بسعر 750 إلى 800 مليون تومان، ونبيعها في السوق بثلاثة مليارات تومان".
كما انتقدت نقابة عمال صناعة السيارات عقدًا سريًا أبرمته بلدية طهران لشراء حافلات صينية.
وسبق أن انتقد مهدي دادفر، الأمين العام لجمعية مستوردي السيارات، حظر استيراد السيارات وهيمنة السيارات والقطع الصينية على السوق، قائلاً: "لقد بذلوا جهدًا كبيرًا لمنع استيراد العلامات التجارية العالمية، وحوّلونا إلى واحدة من محافظات الصين. هذا الكمّ من السيارات الصينية لا تراه حتى في معارض الصين نفسها".
كما وجّه كمال هاديانفر، رئيس شرطة المرور الإيرانية، انتقادًا إلى شركات صناعة السيارات الإيرانية لاستخدامها قطعًا أجنبية، قائلاً: "ليأتِ أحد ويسأل شركات صناعة السيارات: لماذا تستوردون القطع من الصين؟".

ذكرت وسائل إعلام في إيران أن محكمة الاستئناف في بريطانيا رفضت الطلب، الذي تقدمت به شركة النفط الوطنية الإيرانية لمنع نقل ملكية مبنى فاخر وباهظ الثمن تابع لها في وسط لندن، لتسديد حكم التحكيم القاضي بدفع 2.4 مليار دولار لصالح شركة "كريسنت بتروليوم" الإماراتية.
وبحسب هذه التقارير الإعلامية، فإن محكمة الاستئناف في بريطانيا "أكدت الحكم السابق الذي قضى بأن هذا المبنى نُقل بطريقة غير قانونية إلى صندوق ائتماني بهدف إبعاده عن متناول الدائنين".
وحتى الآن، استطاعت شركة "كريسنت بتروليوم" الإماراتية تحصيل جزء من تعويضات عقدها مع إيران عبر المحاكم الأجنبية.
وكانت محكمة في بريطانيا قد أصدرت حكمًا، في 18 أبريل (نيسان) 2024، بمصادرة مبنى مملوك لشركة النفط الوطنية الإيرانية في وسط لندن بقيمة 100 مليون جنيه إسترليني (125 مليون دولار).
ويُعرف هذا المبنى باسم "بيت شركة النفط الوطنية الإيرانية" (NIOC House)، ويقع بالقرب من البرلمان البريطاني وكنيسة وستمنستر، وكان في ملكية طهران منذ 50 عامًا.
وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن شركة "كريسنت" قالت إن نقل ملكية هذا المبنى تم بهدف منع وصول الدائنين إليه، ولذلك تقدمت بشكوى إلى المحكمة.
وبحسب هذه التقارير، فإن المحكمة الابتدائية أصدرت حكمًا لصالح "كريسنت بتروليوم" يقضي بإلغاء عملية نقل الملكية، فيما أيدت محكمة الاستئناف في 30 سبتمبر (أيلول) الحكم السابق، رافضةً اعتراض شركة النفط الوطنية الإيرانية، ومؤكدةً قرار مصادرة مبنى "بيت شركة النفط الوطنية الإيرانية".
ويُعد عقد "كريسنت" من أكثر الملفات السياسية والجدلية في قطاع النفط والغاز الإيراني. فقد تم توقيع هذا العقد عام 2002 في عهد وزير النفط بيجن نامدار زنغنه، خلال حكومة الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، لبيع 500 مليون قدم مكعب يوميًا من "الغاز الحامض" من حقل سلمان النفطي إلى شركة "كريسنت بتروليوم".
ولكن في إحدى القضايا المتعلقة بالعقد، حُكم على إيران بدفع تعويض قدره 607 ملايين دولار للشركة الإماراتية؛ بسبب إخلالها ببنود الاتفاق.
مصادرة ممتلكات شركة النفط الوطنية الإيرانية في أوروبا
كانت شركة النفط الوطنية الإيرانية تمتلك مكاتب في خمس دول، هي: بريطانيا، والصين، وسنغافورة، وهولندا، والهند.
وبعد مصادرة مكاتب لندن وروتردام، لم يعد لدى الشركة أي مكاتب في أوروبا.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، قد ذكر في فبراير (شباط) الماضي، أن التقارير عن مصادرة مبنى آخر تابع لشركة النفط الوطنية الإيرانية في روتردام "غير دقيقة"، دون أن يوضح ما الذي جرى للمبنى.
وبحسب التقارير المنشورة، ورغم اعتراض شركة النفط الوطنية الإيرانية، فقد تم تأكيد نقل ملكية مبنى الشركة في روتردام بهولندا مقابل ديونها البالغة 2.6 مليار دولار لصالح شركة "كريسنت" الإماراتية، وأصبح المبنى مملوكًا رسميًا لشركة "هوفل" (Heuvel).
وكان هذا المبنى قد تم تجميده بموجب حكم تحكيم دولي، وتمت مصادرته عبر مزاد علني في 20 أبريل 2023 لصالح الشركة المذكورة.
وذكرت صحيفة "شرق" الإيرانية أن شركة النفط الوطنية الإيرانية كانت قد طلبت من محكمة هولندية إلغاء مزاد أبريل 2023 وإعادة ملكية المبنى، مبررةً ذلك بأن المبنى مملوك لشركة حكومية، وبموجب القوانين الدولية يجب أن تكون الممتلكات الحكومية محصّنة من المصادرة أو البيع.
ولكن الشركة، التي اشترت المبنى، ردّت بأنها اقتنته من خلال مزاد قانوني، وأنها تُعدّ المالك الرسمي له.
وفي النهاية، رفضت المحكمة جميع طلبات شركة النفط الوطنية الإيرانية، بما في ذلك استعادة المبنى.
وذكرت صحيفة "إيران" الحكومية أن سبب مصادرة المبنى يعود إلى المطالبات الناجمة عن إلغاء عقد شركة "كريسنت" الإماراتية، ووصفت الخسائر بأنها نتيجة تلاعب الجهات النافذة من وراء الستار بسبب إلغاء العقد.

جعلت العقوبات الأميركية المفروضة على طهران دفع ثمن النفط الإيراني شبه مستحيل، غير أن الصين، وهي المشتري الرئيس له، وجدت في اتفاق سري ومعقّد وسيلة للالتفاف على تلك العقوبات. وقد كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في تقرير لها، طريقة دفع بكين ثمن النفط الإيراني.
وذكرت الصحيفة الأميركية، نقلاً عن مسؤولين حاليين وسابقين في عدة دول غربية، بينها الولايات المتحدة، أن النظام القائم بين طهران وبكين، والذي يشبه نظام المقايضة، يعمل على النحو الآتي: "تقوم إيران بإرسال نفطها إلى الصين، وفي المقابل تتولى شركات صينية مدعومة من الحكومة تنفيذ مشاريع بنى تحتية تحتاجها طهران".
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن شركة تأمين حكومية صينية تصف نفسها بأنها أكبر وكالة ائتمان تصديري في العالم، إلى جانب مؤسسة مالية صينية غامضة، لدرجة أن اسمها لا يرد في أي قائمة علنية للبنوك أو الشركات المالية الصينية، تكملان هذه الحلقة.
وكتبت "وول ستريت جورنال" أن هذا الاتفاق، عبر التفافه على النظام المصرفي الدولي، وفر طوق نجاة للاقتصاد الإيراني، الذي أنهكته العقوبات.
وقال بعض المسؤولين إن ما يصل إلى 8.4 مليار دولار من المدفوعات النفطية، تم تسديدها العام الماضي عبر هذه القناة المالية، مما موّل أنشطة الشركات الصينية في مشاريع بنى تحتية كبرى داخل إيران.
ووفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد بلغت صادرات إيران العام الماضي 43 مليار دولار، معظمها من النفط الخام. ويقدّر المسؤولون الغربيون أن نحو 90 في المائة من هذه الصادرات تذهب إلى الصين.
ومنذ عام 2018، عندما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، في ولايته الأولى، وأعاد فرض العقوبات الأميركية على طهران، أصبحت الصين المشتري الرئيس للنفط الإيراني.
وعندما عاد ترامب إلى السلطة في بداية هذا العام، أمر بتطبيق سياسة "الضغط الأقصى" لإجبار طهران على تقييد برنامجها النووي ووقف دعمها للميليشيات المتحالفة معها، وكان الهدف من هذه السياسة تصفير صادرات النفط الإيراني.
ومنذ ذلك الحين، فرضت واشنطن عقوبات على أفراد وكيانات صينية، لكن صادرات النفط الإيراني إلى الصين استمرت إلى حد كبير دون تراجع.
كيف يعمل نظام الالتفاف على العقوبات بين إيران والصين؟
بحسب تقرير "وول ستريت جورنال"، فإن النظام، الذي يتم بموجبه مبادلة النفط الخام الإيراني بمشاريع بنى تحتية في إيران يعتمد على طرفين رئيسين، وهما: شركة "سايناشور" (Sinosure)، وهي شركة التأمين الائتماني للتصدير التابعة للحكومة الصينية، وآلية تمويل مقرها الصين يُشار إليها من قِبل المسؤولين باسم "تشوشين" (Chuxin).
وقال بعض المسؤولين للصحيفة إن شركة خاضعة لسيطرة إيران تسجل بيع النفط إلى مشترٍ صيني تديره الشركة الحكومية "تشوهاي جنرونغ"، المدرجة على قائمة العقوبات الأميركية.
وأضاف المسؤولون أن المشتري الصيني يودع في المقابل مئات ملايين الدولارات شهريًا في آلية التمويل "تشوشين". ثم تقوم هذه الآلية بتحويل الأموال إلى المقاولين الصينيين العاملين في مشاريع هندسية داخل إيران، والممولة من "سايناشور" والمؤمّن عليها من قِبلها. في الواقع، تعمل "سايناشور" كحلقة وصل تبقي المشاريع مترابطة.
وأضافت "وول ستريت جورنال" أن اسم "تشوشين" غير مدرج بين نحو 4300 مؤسسة مصرفية مسجلة لدى الهيئة العليا المشرفة على القطاع المصرفي في الصين، ولا يظهر في القوائم الرسمية للشركات المالية المتاحة للعامة.
ووفق الحكومة الأميركية وخبراء صناعة النفط، فإن النفط الخام الإيراني الذي يُصدّر إلى الصين يسلك مسارًا غير مباشر لإخفاء مصدره، يشمل عمليات نقل من سفينة إلى أخرى وخلط النفط مع نفط من دول أخرى.
ما هي "سايناشور"؟
"سايناشور"، التي كان اسمها الرسمي "شركة تأمين الصادرات والائتمان الصينية"، هي أداة مالية تابعة للحكومة المركزية الصينية تدعم أولويات التنمية الدولية لبكين، وهي ذات أهمية خاصة في منطقة حساسة سياسيًا، مثل إيران.
ووفق بيانات الشركة، فقد دعمت، حتى نهاية العام الماضي، أنشطة تجارية واستثمارية حول العالم، بأكثر من 9 تريليونات دولار.
وفي إيران، عادة ما تكون مشاريع البنى التحتية الصينية مشاريع ضخمة حكومية، تشمل مطارات ومصافي نفط ومشاريع نقل، ويديرها أكبر البنوك والمجموعات الهندسية المملوكة للحكومة في الصين.
وبحسب تقرير "إيد داتا" (AidData)، وهو مختبر بحثي في ولاية فيرجينيا الأميركية، فقد قدمت الصين بين عامي 2000 و2023 أكثر من 25 مليار دولار في شكل التزامات مالية لبناء مشاريع بنى تحتية في إيران.
وكانت "سايناشور" طرفًا مباشرًا في 16 من أصل 54 عقدًا موثقًا.
ووفق "وول ستريت جورنال"، فإن واشنطن، التي فرضت عقوبات محددة على شركات صينية، لم تدرج الشركات العاملة في مشاريع مدنية بإيران ضمن قائمتها السوداء، كما لم يُستهدف أي من البنوك الصينية الكبرى بالعقوبات الأميركية.
ولم يُعثر على أي وثائق عامة تربط مباشرة "سايناشور" باتفاق "النفط مقابل البناء" في إيران.
ما موقف طهران وبكين من التقرير؟
قالت وزارة الخارجية الصينية، ردًا على أسئلة "وول ستريت جورنال"، إنها لا علم لها بهذا الاتفاق، مؤكدة معارضتها "للعقوبات الأحادية غير القانونية"، وأن القوانين الدولية تسمح بـ "التعاون الطبيعي" بين الدول.
أما شركتا "تشوهاي جنرونغ" و"سايناشور" فلم تردا على طلبات الصحيفة للتعليق على الاتفاق. كذلك لم يعلّق ممثلو إيران في الأمم المتحدة على آلية الدفع أو شراء الصين للنفط الإيراني.
وقال المدير التنفيذي لـ "إيد داتا"، براد باركس، للصحيفة الأميركية: "إن الإطار الذي تستخدمه الصين لتنفيذ مشاريع بنى تحتية في إيران ربما يعكس اتفاق (سايناشور) المبرم مع العراق، والذي يمتد لعشرين عامًا، ويدعم بموجبه قروضًا صينية لمشاريع مقابل النفط".
وأضاف: "ينبغي أن يخضع كل دائن ومقاول بناء لهذا المظلة".
وكذلك لدى طهران وبكين "اتفاقية التعاون التجاري والاستراتيجي لمدة 25 عامًا"، التي وُقّعت رسميًا في مارس (آذار) 2021 من قِبل وزيري خارجية البلدين.
ومنذ ذلك الحين، لم تُكشف سوى تفاصيل محدودة عن مضمون الاتفاقية والتزامات كل طرف.
وينتقد معارضو الاتفاقية ما يعتبرونه تنازلات مفرطة، مقارنين إياه بـ "معاهدة تركمانجاي"، ويعتبرونها مخالفة لبعض بنود الدستور الإيراني.
وقد تزايدت المشاريع الصينية في إيران منذ توقيع هذه الاتفاقية، وهي مشاريع حيوية للنظام الإيراني، الذي يكافح للحفاظ على الخدمات الأساسية، مثل توفير الماء والكهرباء.
وبحسب تقييم "وول ستريت جورنال"، فإن إيران تستطيع كذلك استعادة جزء من عائدات مبيعات نفطها عبر شراء السلع مباشرة من الصين، فيما يقول المسؤولون الأميركيون إن النظام الإيراني يمكنه أيضًا إعادة جزء من هذه العائدات لاستخدامها داخل المنطقة.
ولم تُدرج "سايناشور" ولا "تشوشين" ضمن الكيانات الخاضعة للعقوبات الأميركية، ورفضت وزارة الخزانة الأميركية التعليق على تفاصيل أنشطة هاتين المؤسستين الصينيتين.