خامنئي.. عصيّ على التغيير حتى الموت

قدّم دونالد ترامب يوم الاثنين 13 أكتوبر في الكنيست الإسرائيلي عرضاً للنظام الإيراني، داعياً إياه إلى تغيير سلوكه والمشاركة في عملية السلام في الشرق الأوسط.

قدّم دونالد ترامب يوم الاثنين 13 أكتوبر في الكنيست الإسرائيلي عرضاً للنظام الإيراني، داعياً إياه إلى تغيير سلوكه والمشاركة في عملية السلام في الشرق الأوسط.
وقال الرئيس الأميركي إنه لا يوجّه هذا العرض من موقع ضعف، بل من موقع قوة، تلك القوة التي تجلّت في قصف منشأة فوردو. فما الذي يمكن أن يكون ردّ خامنئي على هذا العرض؟
في الواقع، عبّر ترامب عن مطالب أميركا الواضحة من النظام الإيراني: وقف تخصيب اليورانيوم، وإنهاء برنامج الصواريخ الباليستية، وقطع الدعم عن شبكة الجماعات الوكيلة التي تزعزع استقرار المنطقة.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن هذه المطالب الثلاثة واضحة ويجب القبول بها. وبسبب رفض النظام الإيراني التوصل إلى اتفاق بشأن هذه القضايا الثلاث، اندلعت "الحرب التي استمرت 12 يوماً"؛ إذ شنت إسرائيل هجمات على منشآت النظام الإيراني النووية والصاروخية واستهدفت قادة في الحرس الثوري والعاملين في البرنامج النووي، كما قصفت الولايات المتحدة منشآت مثل فوردو.
وبعد الحرب، سعت الولايات المتحدة وأوروبا إلى التوصل لاتفاق مع النظام الإيراني. وقد منحت أوروبا مهلة مدتها 45 يوماً، لكن طهران رفضت الاتفاق، وكانت النتيجة إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة.
الرسالة الأساسية لترامب هي أنّ الولايات المتحدة لن تترك النظام الإيراني وشأنه. فهو يقول عملياً إنّ طهران لا يمكنها الجلوس جانباً بانتظار تغيّر الأوضاع. أميركا لا تثق بأنّ النظام الإيراني سيتخلى عن مساعيه السرية لتطوير السلاح النووي أو الصواريخ العابرة للقارات أو إعادة بناء شبكاته الوكيلة.
الاستراتيجية التي اختارها ترامب هي عدم المجازفة بترك الأمور للصدفة؛ بل يجب إجبار النظام الإيراني على الاستسلام، وقد استخدم فعلاً عبارة "الاستسلام غير المشروط".
ولا يهمّ ترامب إن كان خامنئي أو النظام الإيراني يرضيان بهذا التعبير أم لا؛ فقد أثبت أنّ استراتيجيته هي استخدام القوة لتحقيق الهدف.
يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى إجبار النظام الإيراني على الاستسلام، ولن تسمح له بالعودة إلى الوضع السابق من دون اتفاق.
قد تختلف طريقة تعامل واشنطن وأوروبا مع خامنئي عن طريقة إسرائيل؛ فالأولويات ووسائل المواجهة تختلف، لكن في ما يتعلق بالخطر النووي والصاروخي وشبكات الوكلاء، فالموقف واحد.
ويبدو أنّ إسرائيل تفضّل إسقاط النظام الإيراني وإقناع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بشنّ هجوم واسع على برنامجه الصاروخي، بينما تميل أميركا وأوروبا إلى عدم اللجوء إلى ضربة فورية، مفضّلتين أن تؤدي العقوبات إلى إضعاف النظام تدريجياً، مع زيادة الضغط السياسي والإبقاء على تهديد القوة العسكرية قائماً كأداة ضغط إذا لم يوقّع النظام اتفاقاً.
في ظل هذه الظروف، الجميع ينتظر ردّ خامنئي. ويبدو أنه لن يتراجع في ما يتعلق بالقضايا النووية أو الصاروخية أو القوات الوكيلة، ما يعني أنّ التوصل إلى اتفاق شامل لحلّ الأزمات الراهنة غير مرجّح.
رؤية خامنئي ليست رؤية اتفاق، بل مواجهة. فباستعراض خطاباته خلال السنوات الأخيرة، يمكن استنتاج أنّه غير قابل للتغيير؛ فجوهر تفكيره يقوم على معاداة أميركا وإسرائيل. وهو يؤمن بأنّ التخصيب والبرنامج الصاروخي والشبكات الوكيلة أدوات قوة لا يمكن التفاوض عليها.
وعلى الرغم من أن جزءاً كبيراً من وكلاء النظام الإيراني قد تمّ تدميره خلال العامين الماضيين – فقد تلقّى كلّ من حماس وحزب الله ضربات موجعة وسقط الأسد – إلا أنه لا توجد أي مؤشرات على أنّ خامنئي سيتراجع عن مواقفه.
ولو كان ينوي التراجع، لفعل ذلك قبل الحرب، وقبل تدمير منشآته النووية، وقبل إعادة ملف إيران إلى مجلس الأمن. أما الآن، وبعد أن فُقدت هذه الأوراق، فإنّ أي تراجع محتمل سيُضعف مكانته حتى بين أنصاره القلائل المتبقّين.
ولو كان النظام يعتزم التراجع أمام الولايات المتحدة، فلماذا دفع الأمور إلى الحرب وتدمير منشآته النووية؟ ولماذا سمح بعودة الملف إلى مجلس الأمن؟ كلّ ذلك يؤكد أنّ خامنئي لن يتراجع، وأنّ اتفاقاً مع واشنطن غير مطروح.
إضافة إلى ذلك، لو كان خامنئي ينوي إبداء المرونة، لظهرت بوادر ذلك في سلوكه وخطابه. حالياً، خامنئي وقادة الحرس الثوري يمسكون بكلّ مفاصل السلطة. شخصيات مثل شمخاني وقاليباف ولاريجاني – الذين هم إما من خلفيات عسكرية أو قادة سابقون في الحرس – يشاركونه الموقف نفسه، بل إنّ بعضهم أكثر تشدّداً، ويدعون إلى مواقف راديكالية مثل السعي لامتلاك قنبلة نووية.
بناءً على ذلك، سيواصل خامنئي وقادة الحرس الثوري نهجهم القائم على المواجهة مع أميركا وإسرائيل، ولا مؤشرات على أي تغيير جوهري في استراتيجية النظام تجاه الولايات المتحدة أو إسرائيل أو أوروبا.
شخصيات مثل مسعود بزشکیان وعباس عراقجي لا تملك دوراً حاسماً في السياسة الخارجية؛ فبزشکیان خاضع تماماً لإرادة خامنئي، وعراقجي مجرد منفّذ مطيع للمرشد والحرس الثوري. لذلك، فإنّ احتمال حدوث أي تغيير في السياسة الخارجية للنظام ضعيف جداً.
سيستمرّ خامنئي والحرس في اتباع النهج ذاته، والذي يقود في نهايته إلى حرب أخرى محتملة، وإن كان توقيتها غير معروف وقد يتقدّم أو يتأخر. ربما يفضّل النظام الإيراني حالياً التهدئة وعدم التصرف باستفزاز نتيجة الضغط الشديد من ترامب ونتنياهو، لكن هذا مجرد احتمال، وقد تعود طهران إلى التصعيد مع تقدمها في تصنيع الصواريخ العابرة للقارات، ما يمنح أميركا وإسرائيل ذريعة جديدة للهجوم.
ردّ خامنئي على ترامب واضح: النظام الإيراني لن يتخلى عن تخصيب اليورانيوم، ولن يتراجع عن برنامجه الصاروخي الباليستي، ولن يتوقف عن إعادة بناء شبكاته الوكيلة، ولن يتخلى عن معاداة أميركا أو إسرائيل، والأهم من ذلك، لن يتجه في الداخل نحو تلبية المطالب الحقيقية للشعب الإيراني.
هذا النظام، طالما بقي قائماً، لن يتغيّر جوهرياً. ولا يهمّ من يكون رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية؛ فقد تحدث تغييرات سطحية، لكنّ السياسات الجوهرية ستظلّ بيد خامنئي، ولن تتبدّل.