وفي منتصف عام 2025، وصف وزير التعليم العالي العراقي عدد الطلاب العراقيين الدارسين في إيران بأنه رقم قياسي، مشيرًا إلى أن عددهم وصل إلى 100 ألف طالب.
وفي الوقت نفسه، أعلن أوميد رضائي فر، رئيس مركز التعاونات العلمية الدولية بوزارة العلوم الإيرانية، أن 60 ألف طالب عراقي يدرسون في إيران.
وبحسب بعض التقارير، ارتفع هذا الرقم في عام 2025 إلى أكثر من 70 ألف طالب.
وفقًا لمصادر عراقية، تشمل هذه الإحصاءات الطلاب الدارسين في جميع المراحل الجامعية من البكالوريوس إلى الدكتوراه، بالإضافة إلى برامج ما بعد الدكتوراه، في مجموعة واسعة من التخصصات من الهندسة إلى العلوم الإنسانية والطبية.
وبحسب قول ياسر عبد الزهراء الحجاج، المستشار الثقافي للسفارة العراقية في طهران، يشكل العراقيون أكبر عدد من الطلاب الأجانب الدارسين في التخصصات الطبية في جامعات إيران.
كما أشار إلى أن جزءًا كبيرًا من هؤلاء الطلاب العراقيين هم موظفو الحكومة الذين جاؤوا إلى إيران لرفع مستواهم العلمي.
لا يُعرف بالضبط عدد الطلاب المرتبطين بالحشد الشعبي أو الجماعات شبه العسكرية والإيديولوجية المقربة من النظام الإيراني. إلا أن سلوك بعض الطلاب أو ما يُتداول عنهم أثار ردود فعل من ناشطين والمجتمع الطلابي في إيران.
ووفقًا لمقاطع فيديو وصلت إلى "إيران إنترناشيونال"، في أحد هذه الحالات، تجمّع طلاب جامعة بوعلي همدان يوم الاثنين 6 أكتوبر (تشرين الأول) مع مجموعة من السكان احتجاجًا على "وجود الطلاب العراقيين المرتبطين بالحشد الشعبي ومضايقتهم للطالبات"، وطالبوا بطردهم.
وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية حضور مجيد درويشي، قائم مقام همدان، بين المتظاهرين، ونقلت عنه قوله: "نتابع الموضوع دون أي تساهل، وإذا ثبت صحة الأمر، سيتم التعامل مع الموضوع، وسيتم عزل أي مسؤول قصّر في أداء واجبه".
في أي جامعات يدرس العراقيون في إيران؟
يدرس الطلاب العراقيون في إيران في مختلف الجامعات: الحكومية، والجامعات الحرة، وعلوم الطب، والمؤسسات غير الحكومية المعترف بها.
وتصدر وزارة التعليم العالي العراقية كل عام قائمة بالجامعات المعتمدة للدراسة في الخارج، بما فيها إيران. ووفق تقييم الوزارة لعام 2023، اعتُبرت 62 جامعة في إيران صالحة لدراسة الطلاب العراقيين.
ومن بين الجامعات المتميزة المعتمدة من الجانب العراقي: جامعة طهران، وجامعة شريف الصناعية، وجامعة تربيّت مدرس، وجامعة أمير كبير الصناعية، وجامعة علم وصنعت إيران، وجامعة فردوسي مشهد، وجامعة تبريز، وجامعة شيراز، وجامعة شهيد بهشتي وجامعة أصفهان.
وتستقطب هذه الجامعات الطلاب العراقيين الممنوحين للمنح الدراسية، نظرًا لمكانتها في التصنيفات الدولية مثل شانغهاي، وتايمز، وQS.
وبحسب الجانب الإيراني، كانت 23 جامعة للعلوم الطبية في إيران ضمن قائمة الجامعات المعتمدة من العراق لعام 2023، ومن بينها: جامعة طهران للعلوم الطبية، وشهيد بهشتي، وشيراز، وأصفهان، ومشهد، وغيرها من الجامعات الطبية الكبرى التي تُقيّم شهاداتها وتُعترف بها الحكومة العراقية.
وعلى الرغم من أن غالبية الطلاب العراقيين يدرسون في الجامعات الحكومية، إلا أن بعض فروع جامعة آزاد مثل فرع نجف آباد تستضيفهم أيضًا.
وبحسب المستشار الثقافي العراقي، فإن التوزيع الجغرافي للطلاب العراقيين في إيران يعتمد على اعتبارات ثقافية، وخدمية، وقنصلية، ويركز بشكل رئيسي على المدن التي توفر "خدمات ثقافية واجتماعية وقنصلية جيدة"، مثل محافظات مشهد، وقم، وشيراز، وأصفهان وطهران.
مصادر التمويل
وبحسب المستشار الثقافي العراقي، فإن حوالي 90 إلى 95 بالمائة من الطلاب العراقيين في إيران هم طلاب يدفعون الرسوم بأنفسهم، حيث اختاروا جامعاتهم بتكلفة شخصية.
بينما يشمل حوالي 5 إلى 10 بالمائة من الطلاب برامج منح دراسية تمولها الحكومة العراقية أو النظام الإيراني.
وتخصص وزارة التعليم العالي العراقية كل عام حصة من المنح الدراسية لإرسال الطلاب المتميزين إلى الخارج، بما في ذلك إيران، وغالبًا ما تغطي هذه المنح كامل أو جزء كبير من تكاليف الدراسة.
ويعطي العراق الأولوية للمنح الدراسية لأفضل الجامعات الإيرانية، بحيث في عام 2023 تم اختيار الجامعات الإيرانية المصنفة عالميًا ضمن أفضل الجامعات فقط للمنح الدراسية الحكومية.
وفي سبتمبر (أيلول)الماضي، تم توقيع اتفاقية منح دراسية ثنائية لأول مرة بين إيران والعراق، تتضمن تبادل منح دراسية حكومية، حيث التزم الجانب العراقي باستقبال 100 طالب إيراني في أفضل الجامعات العراقية.
بالإضافة إلى منح الحكومة العراقية، تقدم بعض المؤسسات الإيرانية (جامعية وغير جامعية) منحًا أو تخفيضات للطلاب العراقيين، لكنها تشكل أقل من 5 بالمائة من الإحصاءات الإجمالية، إلا أنها مهمة من الناحية السياسية والثقافية.
وتتركز هذه المنح الإيرانية بشكل رئيسي في المؤسسات المرتبطة بالنظام الإيراني والجماعات الحليفة له في العراق.
ومنذ 2020–2021، بدأ الحشد الشعبي العراقي والمؤسسات المرتبطة به إرسال أعضائه وذويهم لإكمال دراستهم في إيران، حيث تتكفل إيران جزئيًا بتمويل هذه المنح.
ووفقًا لتقارير "واشنطن بوست"، أُنشئت قبل عقد من الزمن إدارة باسم "تدريب قوات الحشد الشعبي" لتكريم العراقيين الذين تركوا وظائفهم "لدعم الحشد الشعبي في مكافحة داعش"، وتشمل هذه الإدارة أيضًا الطلاب السابقين الذين تركوا تعليمهم للانضمام للحشد، والمقاتلين الحاليين، وعائلات القتلى، وتعمل كأداة لنشر النفوذ الإيديولوجي للنظام الإيراني.
ويشمل اختيار هؤلاء الطلاب، بالإضافة إلى الكفاءة العلمية، مقابلات إيديولوجية واختبارات ولاء لضمان التزام الطالب بما يسمى "أهداف محور المقاومة".
وفي عام 2020، أعلنت إدارة التدريب بالحشد عن توفير 500 منحة دراسية مجانية لأسر قتلى الحشد للدراسة في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ممولة بالكامل من إيران.
وفي أغسطس (آب) 2022، أعلن محمد مقیمي، رئيس جامعة طهران حينها، عن زيادة قبول أعضاء الحشد الشعبي في الجامعة، موضحًا أنهم يدرسون في مجال "الإدارة".
وتغطي هذه المنح غالبًا تخصصات العلوم الإنسانية والعلوم الأساسية، بما في ذلك الرسوم الدراسية كاملة ونفقات الدراسة.
كما أن جامعة المصطفى العالمية في قم، المختصة بتعليم طلاب غير إيرانيين، تلعب دورًا غير مباشر في دعم الطلاب العراقيين، خصوصًا في الدراسات الإسلامية، من خلال تقديم مساعدات مالية.
حجم المنح الدراسية والدعم المالي
تختلف القيمة المالية للمنح حسب نوعها (عراقية أو إيرانية) والمستوى الدراسي، لكنها تشمل في كل الأحوال الإعفاء من الرسوم الجامعية وفي بعض الحالات دعمًا جزئيًا لتكاليف المعيشة.
وللفهم التقريبي، يدفع الطلاب العراقيون في مرحلة البكالوريوس حوالي 1200 يورو لكل فصل دراسي في الجامعات الإيرانية، وفقًا لما صرح به رئيس جامعة طهران في أغسطس (آب) 2024.
وبحسب رسوم جامعة فردوسي مشهد لعام 2023–2024، فإن رسوم الطلاب الدوليين غير الحاصلين على منحة تتراوح في البكالوريوس من 600 إلى 1100 يورو للفصول الإنسانية، ومن 1000 إلى 1500 يورو للفصول الهندسية والعلوم الأساسية والطبية لكل فصل.
وفي الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه)، تتراوح رسوم العلوم الإنسانية بين 900 و1400 يورو، والبقية بين 1300 و1800 يورو لكل نصف سنة دراسية.
وتغطي هذه الرسوم الدراسة فقط، بينما السكن والطعام والمصروفات الأخرى منفصلة.
وبناءً على ذلك، يمكن أن تغطي منحة كاملة للطالب العراقي من 2 إلى 3 آلاف يورو سنويًا من الرسوم الجامعية، وقد تصل لمبالغ أكبر للطلاب في مجال الطب.
الارتباط بالمؤسسات العسكرية والسياسية
يعد أحد الجوانب الحساسة لدراسة الطلاب العراقيين في إيران، هو السياسات والخطط التي ترسل الطلاب عبر مؤسسات سياسية وعسكرية في كلا البلدين، خصوصًا دور الحشد الشعبي العراقي والمؤسسات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
وتشير الأدلة إلى أن بعض الطلاب العراقيين في السنوات الأخيرة كانوا أعضاء أو مرتبطين بجماعات شبه عسكرية، وتم قبولهم في الجامعات الإيرانية بموجب تفاهمات خاصة، أبرزها الاتفاق الرسمي بين جامعة طهران والحشد الشعبي العراقي عام 2023.
وفي يوليو (تموز) 2023، وافقت جامعة طهران على طلب الحشد لمنح فرص دراسية لأعضاء الحشد، حيث يمكنهم الدراسة في بعض التخصصات دون اجتياز اختبار القبول المعتاد.
ومع ذلك، أثار هذا الاتفاق جدلًا كبيرًا، واعترضت بعض جمعيات طلاب جامعة طهران على هذه الخطوة، معتبرين أنها تسعى لتسليح الجامعات، ويمثل دخول عناصر عسكرية إلى الجامعة تهديدًا لاستقلالية التعليم الأكاديمي وزيادة احتمال مشاركتهم في قمع الحركات الطلابية.
وجهة نظر الإعلام والمصادر العراقية
ووفق صحفيين ومحللين عراقيين، يمكن أن تؤثر الدراسة الطويلة في إيران على الطلاب، وتضعهم تحت تأثير القوة الناعمة للنظام الإيراني من حيث الثقافة والسياسة والدين.
وقد وصف تقرير لصحيفة "الشرق الأوسط" هذه السياسة بأنها ذات "دوافع إيديولوجية وسياسية" لإيران.
بعد احتجاجات عام 2019 في العراق، التي شملت معارضة نفوذ إيران، أصبح المعارضون العراقيون أكثر يقظة وحذرًا تجاه هذه السياسات، معتبرين أن وزارة التعليم العالي، تحت إدارة شخصية مقربة من إيران (الوزير الحالي نعيم العبودي من عصائب أهل الحق)، قد تنفذ ما يشبه "ثورة ثقافية عكسية" لتعزيز النفوذ الإيراني في العراق.
ويرى هؤلاء المعارضون أن إرسال آلاف الطلاب إلى إيران ودخول عناصر شبه عسكرية للجامعات يشكل جزءًا من "مشروع ولاية الفقيه" لاستهداف عقول الشباب العراقي.