أظهرت الوثائق، التي حصلت عليها وزارة الداخلية الألمانية من المركز الإسلامي في هامبورغ، أن رئيس هذا المركز، محمد هادي مفتح، كان يتلقى تعليماته مباشرة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، كما كان حلقة وصل مباشرة بين إيران وحزب الله اللبناني، وكان بمثابة "ممثل أجنبي مباشر" لنظام طهران.
منذ اليوم الأول لمقتل إسماعيل هنية في طهران، والسلطات العسكرية والسياسية والقضائية والدينية الإيرانية تؤكد باستمرار "الرد المدمر على انتهاك السيادة في اغتيال الضيف"، و"الثأر"، و"الرد بقوة وحزم"، و"الانتقام الدموي"، و"الانتقام الصعب"، و"الوعد الصادق".
وظل الإيرانيون والمراقبون الدوليون ينتظرون هذا الرد، ولكن على الرغم من التحذيرات المتكررة للرحلات الجوية الدولية لتجنب سماء غرب إيران والاتصالات المتكررة مع الدول المجاورة والقوى العالمية، فقد طال أمد هذا الرد وتأخر طويلًا، لدرجة أن الكثيرين باتوا يعتقدون أنه قد لا يكون هناك أي رد من طهران على الإطلاق.
وسيكون الانتقام والثأر فعالين في الرأي العام المحلي والدولي، عندما لا تكون هناك مسافة زمنية طويلة تفصل عن الحدث المنشود للانتقام.
لكن لماذا تتردد سلطات الجمهورية الإسلامية في الانتقام والثأر؟ إلى متى يمكنهم تأخيره؟ وما العوامل التي جعلت السلطات تؤجل اتخاذ القرار؟
يمكن الإجابة عن هذه الأسئلة من ثلاث زوايا: السياسة الداخلية، والدبلوماسية الدولية والإقليمية، وبنية النظام، ونستعرض كلاً منها كما يلي:
السياسة الداخلية
في مجال السياسة الداخلية، كانت وما زالت هناك قضية واحدة في صدارة أولويات النظام، وهي:
بقاؤه من خلال منع الاحتجاجات الشعبية الواسعة، وإظهار القوة والسلطة.
ويعود التأخير في الرد من هذا المنظور إلى ثلاثة مخاوف:
أولاً: الوقوع في فخ بنيامين نتنياهو لسحب الحرب مع إسرائيل إلى داخل إيران، وتعرض البنية التحتية للخدمات في البلاد، مثل الكهرباء والغاز والوقود أو المنشآت الصاروخية والنووية لضربات خطيرة؛ حيث يعرف المسؤولون في إيران أن ضغط عمليات القمع الداخلي والصعوبات الااقتصادية الحالية سيؤدي إلى انفجار غضب المواطنين في طوابير البنزين أو انقطاع الكهرباء لفترات طويلة.
ثانيًا: الانتباه إلى أن النظام سيضعف، وتتعزز حركة الإطاحة به في حرب لا يلعب فيها المواطنون دورًا، ولا يريدون أن يلعبوا دورًا.
ثالثًا: الدخول في حرب أوسع يؤدي إلى تشكيل وتعزيز حركة السلام في البلاد، التي يتجنبها النظام لاستمرار طموحاته التوسعية في المنطقة. وللأسف، في الظروف الحالية لا توجد مثل هذه الحركة في البلاد.
الاختلاف في الهيكل العسكري- الأمني للنظام
بعد سقوط مروحية الرئيس الإإيراني السابق، براهيم رئيسي، وعدم كفاءة حكومته في الوفاء بالوعود وإدارة أمور البلاد، توصل علي خامنئي إلى نتيجة مفادها أن جزءًا من القدرة الإدارية للإصلاحيين يجب أن يعود إلى هيكل الحكومة، وتم تأكيد صلاحية مسعود بزشکیان في مجلس صيانة الدستور من هذا المنطلق.
والإصلاحيون لا يوافقون على خلق المزيد من التوتر مع أميركا وإسرائيل، ولكن بزشكيان ليست لديه القدرة على المعارضة الجدية لمثيري الحرب في مجلس الأمن القومي، كما أنه ليس لديه تاريخ مثل حسن روحاني في الأجهزة الأمنية، مقابل خامنئي والحرس الثوري، ولأ أصوات كافية مثل محمد خاتمي، وبالطبع لم يكن لكل منهما تأثير كبير.
لكن مع وصول الإصلاحيين إلى السلطة، فإن الازدواجية في الحكم، التي كان يتجنبها المرشد، ستتشكل من جديد، ولا يريد خامنئي تأجيج التوترات الناجمة عن هذه الازدواجية بحرب واسعة النطاق في المنطقة. وينبغي لنا أن ننظر بعين الشك إلى الأخبار المتعلقة بمعارضة بزشكيان لسياسة الانتقام، التي ينتهجها خامنئي، في ظل عدم تشكيل حكومته بعد.
ومن المحتمل أيضًا أن يكون هناك خلاف جدي حتى بين كبار المسؤولين في المؤسسات العسكرية والأمنية وكبار صناع القرار حول نوع هذا العمل وتوقيته ونطاقه وأدواته العسكرية؛ مثل إطلاق الصواريخ من قبل النظام الإيراني، والهجوم بالطائرات المُسيّرة والصواريخ من قِبل الميليشيات التابعة لفيلق القدس، بشكل متزامن، أو منفصل، أوضبط النفس وعدم الهجوم.
كما تجدر الإشارة إلى أن خيارات الرد لدى النظام الإيراني محدودة؛ بسبب تركيزه على الطائرات المُسيُرة والصواريخ، وهي أصبحت أكثر محدودية، لأن إرسال أكثر من 300 طائرة لم يسفر سوى عن فضيحة، ولا يستطيع أيضًا استهداف القادة العسكريين.
كما أن التوسع الإضافي في الحرب يمكن أن يؤدي إلى إضعاف أو التضحية بالمزيد من الميليشيات التابعة لفيلق القدس، مثل حزب الله اللبناني. وهذه هي الكارثة التي تحل بحركة حماس الآن.
الدبلوماسية الإقليمية والدولية
ومن هذا المنطلق فإن تأخر رد إيران يمكن أن يكون سببه أربع مسائل:
أولاً: إطالة أمد التنسيق مع دول المنطقة لتجنب مآسٍ، مثل إسقاط الطائرة الأوكرانية.
ثانيًا: التفاوض مع الحكومات الإقليمية، مثل روسيا، على أساس دعوتها إلى توخي الحذر أو الحد من نطاق الهجوم، أو على أساس الحاجة إلى المساعدة اللوجستية أو المعلوماتية، أو على أساس الإقناع، مثل الاجتماع الاستثنائي للجنة التنفيذية لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي.
ثالثًا: حساب فوائد وخسائر الرد أو عدم الرد وفقًا لتحذيرات الحكومات الغربية.
رابعًا: الرضا باستبدال يحيى السنوار، الذي يعيش في أنفاق غزة، وهو أقل دبلوماسيًا، ويمكن لإيران أن تكون سعيدة بانتخابه زعيمًا سياسيًا إلى جانب القيادة العسكرية لحماس.
وسيكون القلق الأهم هنا هو نوع الرد الإسرائيلي على هذا الإجراء، والذي قد يؤدي إلى ترتيبات إقليمية جديدة مثل تشجيع الدول العربية على الانضمام إلى حلف إبراهيم (اتفاقيات السلام التي عُقِدت بين إسرائيل ودول عربية برعاية الولايات المتحدة).
وفي هذا الصراع، ستقف الدول العربية بالمنطقة في الجانب الذي سيظهر المزيد من القوة ويجلب الاستقرار، كما تتطلع الصين وروسيا أيضًا إلى الاستقرار في المنطقة.
لقد تدخل علي خامنئي سريعًا على خلفية انتشار أخبار الفساد الفلكي، وأمر أبواق النظام بـ "التوقف عن إثارتها"، لكن في هذا السياق، وبحسب النقاط المطروحة، يمكننا أن نفهم لماذا صدر على الأرجح أمر "بإطالة أمد السكوت عن الرد".
يستمر الإيرانيون في إطلاق التهديدات ضد إسرائيل ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، لكن بعض الصحف الأصولية تعتقد بأن خلق اضطراب أمني في الداخل الإسرائيلي قد يكون ردا أكثر فاعلية من إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل.
صحيفة "خراسان"، التابعة للتيار الأصولي التقليدي دعت، في مقال لها الثلاثاء 6 أغسطس (آب)، النظام الإيراني إلى الرد على إسرائيل بنفس الطريقة والأسلوب الذي تم في اغتيال هنية، وقالت: "كما كان الرد على استهداف القنصلية جاء متناسبا مع طبيعة الاعتداء الإسرائيلي، فيجب أن يكون الرد على اغتيال هنية بنفس الطريقة والأسلوب، وليس عبر إطلاق الصواريخ والمسيرات".
وأوضحت الصحيفة أنه "من الأفضل لنظام طهران اعتماد أسلوب خلق فوضى وعدم استقرار أمني داخل إسرائيل، وتحديدا في العاصمة تل أبيب".
ورأت الصحيفة أن "محور المقاومة" يجب أن يخفف من اعتماده على الصواريخ في القوة الردعية تجاه إسرائيل.
كما شددت الصحيفة بشكل لافت على أن الرد الإيراني على إسرائيل يجب أن يتم من خارج حدود إيران.
في السياق نفسه، قالت صحيفة "جمهوري إسلامي"، وهي أيضا صحيفة أصولية تقليدية، في مقال نشرته الأربعاء 7 أغسطس (آب)، إن إيران عليها بالتأكيد أن تنتقم لمقتل هنية، لكن لا ينبغي لها أن تقع في الفخ الذي نصبته لها إسرائيل.
وبحسب صحيفة "جمهوري إسلامي"، هناك جدل واسع بشأن "النتيجة العملية والملموسة" التي يطالب بها البعض في الرد الإيراني المنتظر، لكن النقطة الأهم- حسب الصحيفة- هي: "ضرورة توجيه ضربة تعادل ما فعله العدو ومنعه من مواصلة الجريمة".
وتضيف هذه الصحيفة أن الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي فشل في تحقيق هدفه المتمثل في الردع، ولذلك أقدمت إسرائيل دون خوف على قتل هنية في طهران.
وكتبت الصحيفة: "إذا سألنا أنفسنا كم قتلت إسرائيل في الأشهر العشر الأخيرة من قادة المقاومة والمسؤولين الإيرانيين؟ وكم قتلنا نحن من قادة إسرائيل وضباطها العسكريين؟ ما هو الجواب؟ استعراض القوة العسكرية أمر لا بأس به، لكن بالنسبة لإيران فإن هذا الاستعراض لن يكون له فائدة تردع إسرائيل".
مثل هذه التصريحات من منابر شبه حكومية تكون في الغالب معدودة جدا، إذ لا يسمح لوسائل الإعلام بنقد الهجوم الإيراني على إسرائيل، الذي يحاولون تضخيمه، لكن بالنسبة للرأي العام الإيراني فإن الجميع واع بهذه الحقيقة، وأصبحت صواريخ الحرس الثوري ومبالغته في التفاخر محل سخرية واستهزاء بين الإيرانيين، وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكرت صحيفة "خراسان" أن استراتيجية الصواريخ الإيرانية لم تعد مناسبة للرد على الدولة العبرية، وكتبت: "الآن المنطقة ومحور المقاومة ملزم برد مناسب ضد إسرائيل".
ولا يعرف بالتحديد ما إذا كان هذا الموقف هو رأي الصحيفة والقائمين عليها أم إنها مجرد آراء لكاتب المقال برديا عطاران، لكن بشكل عام فإن الدعوة إلى عدم التدخل بشكل مباشر من قبل إيران- في ظل دعوة خامنئي للرد- هي دعوة مثيرة وتطرح تساؤلات واستفهامات جمة، إذ إنها تكشف عدم انسجام منظومة الحكم في إيران إزاء القرار المرتقب ضد إسرائيل.
وادعت الصحيفة أن استخدام إيران للصواريخ في هجومها السابق على إسرائيل حقق الغاية، وأثبت قدرات طهران العسكرية والصاروخية، لكن تكرار نفس الأسلوب وإطلاق نفس الصواريخ لا يتضمن أي فائدة، بل الأمثل هو اعتماد استراتيجية جديدة من قبل محور المقاومة وإيران للإضرار بإسرائيل وحلفائها.
قال زفيكا هيموفيتش، الرئيس السابق لسلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي لـ"إيران إنترناشيونال"، إن التهديد الحالي بالحرب مع إيران يختلف عما كان عليه عندما شنت طهران أول هجوم مباشر لها على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي. ويعتقد هيموفيتش أن حزب الله سيلعب دورا مهما هذه المرة.
ولم تلعب المجموعات والميلشيات الموالية لإيران في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في جنوب لبنان والحوثيين في اليمن، أي دور في الهجوم الإيراني على إسرائيل في 13 أبريل (نيسان)، إذ قامت طهران بمفردها بشن هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة على أهداف في إسرائيل، دون أن تحقق إصابات تذكر.
ووقع هجوم إيران بعد أقل من أسبوعين من الهجوم الإسرائيلي على سوريا، والذي قُتل خلاله اثنان من كبار قادة فيلق القدس الإيراني بعد استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق.
وتزايدت احتمالات الحرب بعد مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الذي كان في طهران لحضور حفل تنصيب مسعود بزشكيان رئيسا جديدا لإيران.
ويوم الأربعاء 31 يوليو (تموز) الماضي وعد المرشد الإيراني علي خامنئي، بالانتقام من إسرائيل . كما أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه "سينتقم لمقتل هنية".
ويعتقد الجنرال زفيكا هيموفيتش، الرئيس السابق لسلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي بين عامي 2015 و2018، أن حزب الله اللبناني سيلعب هذه المرة دورا حيويا في الرد الإيراني المرتقب على إسرائيل.
وأضاف: "غير انتقام إيران لمقتل هنية، لا يمكن تصور أي وضع آخر".
ونسبت طهران هذا الاغتيال إلى إسرائيل، ولم تؤكد تل أبيب أو تنفي حتى الآن تورطها فيه.
وقال هيموفيتش لـ"إيران إنترناشيونال": لا تزال هناك أسئلة كثيرة، ستحدد إجاباتها ما إذا كانت حرب واسعة النطاق ستحدث أم لا.
والسؤال الأول: هل ستهاجم إيران وسط إسرائيل مثل تل أبيب أم ستقتصر الهجمات على الشمال بالقرب من مدينة حيفا؟
السؤال الثاني: هل ستستخدم طهران الصواريخ الدقيقة والمحددة أم ستلجأ إلى الأسلحة البسيطة؟
السؤال الثالث: هل ستطلق طهران جميع الصواريخ في نفس الوقت أم لا؟
وأكد هيموفيتش، الذي دخل نظام القبة الحديدية حيز الخدمة أثناء توليه لمنصب رئاسة سلاح الدفاع الجوي الإسرائيلي، أن "الجميع تحت الضغط؛ خاصة المدنيين، والقوات العسكرية الذين هم في حالة تأهب قصوى على الحدود. الجيش والبحرية والقوات الجوية كذلك. نحن ننتظر".
وليس من الواضح متى ستتحرك إيران، وإلى أي مدى يمكن أن تذهب، والناس في المنطقة ينتظرون.
ومن الممكن أن يحدث هجوم "فوري" خلال أقل من 48 ساعة أو خلال الأيام المقبلة، بحسب هيموفيتش.
وأفاد المتحدث باسم البنتاغون أن أميركا لم تشهد أي تحرك محدد في إيران يشير إلى هجمات محتملة على إسرائيل في الساعات المقبلة.
وبعد إصابة عدد من الجنود الأميركيين في هجوم صاروخي على قاعدة "عين الأسد" في العراق، توعدت الولايات المتحدة بالرد.
وأعلنت قناة "صابرين نيوز"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، أن المسلحين المدعومين من قبل إيران يقفون وراء هذا الهجوم.
وقال هذا القائد الإسرائيلي السابق إن كيفية رد إسرائيل على انتقام إيران تعتمد بالكامل على طبيعة وأسلوب هجوم طهران.
وكان قائد القيادة المركزية الأميركية، مدير وكالة الاستخبارات المركزية "CIA" السابق، ديفيد بترايوس، قال في وقت سابق في لقاء خاص مع قناة "إيران إنترناشيونال"، إن إيران وإسرائيل ستحاولان تجنب الحرب الشاملة؛ خوفًا من الدمار الذي قد تلحقه بكل منهما، وذلك وسط تقارير عن هجوم إيراني "وشيك" على إسرائيل.
وقال بترايوس لمراسلة قناة "إيران إنترناشيونال"، مرضية حسيني: "أعتقد أن (الإيرانيين) يجب أن يردوا. هذه ضربة هائلة لشرف إيران، وفشل استخباراتي ضخم، وإخفاق أمني؛ لذا يجب عليهم الرد. لكنني لا أعتقد أن طهران تريد الدخول في حرب مباشرة حقيقية مع إسرائيل، وبصراحة لا أعتقد أيضًا أن تل أبيب تريد الدخول في حرب شاملة حقيقية مع حزب الله أو مع إيران، ولا أعتقد أنهم يريدون الدخول في هذا مع بعضهم البعض، لأن الضرر الذي سيلحق بالجانبين سيكون كبيرًا للغاية".
وقال هيموفيتش إن الضربة الانتقامية الإسرائيلية في أبريل (نيسان) بعثت برسالة قوية إلى الجمهورية الإسلامية، لكنها ربما لم تكن "كافية".
وأشار إلى أن الهجوم على نظام الرادار المتطور في أصفهان، بعد أيام قليلة من إطلاق طهران أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ على إسرائيل، أظهر أن القوة الدفاعية الإيرانية لا يمكن أن تضاهي القوة العسكرية الإسرائيلية.
وأضاف هيموفيتش: "بعد الرد الإسرائيلي في أبريل (نيسان)، فهم نظام إيران بالضبط ما هي قدرات إسرائيل".
وتابع: "الأمر معقد للغاية"- في إشارة إلى الجبهات المتعددة لحرب إسرائيل في غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران- "أعتقد أننا بحاجة إلى إنهاء الحرب المتعددة الجبهات التي نخوضها في المدى القصير".
وخلص المسؤول العسكري الإسرائيلي الكبير السابق إلى القول: "على المدى الطويل، أعتقد أننا يجب أن نركز على القدرات النووية لإيران، وبناء تحالف قوي ومستقر بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك الدول العربية السنية ضد طهران".
نشر المجلس التنسيقي لنقابات المعلمين في إيران صورة لوثيقة حكومية على قناته بتطبيق "تليغرام"، وذكر أن الحكومة تخطط لإنفاق مئات المليارات من التومان على "مراسم الأربعين" من خلال تأمين صناديق التقاعد، في حين أن الكثير من المتقاعدين يعيشون تحت خط الفقر.
ويأتي توفير نفقات "مراسم الأربعين" من جيوب المتقاعدين، بالتزامن مع احتجاجات متقاعدي البلاد؛ بسبب الضغوط الاقتصادية وارتفاع الأسعار وعدم تنفيذ خطة معادلة الرواتب والمستحقات في مدن مختلفة.
وأشار مفتش مركز معاشات الضمان الاجتماعي في طهران، حسن ايزدان، في شهر إبريل (نيسان) الماضي، إلى الوضع الاقتصادي السائد في إيران، قائلاً: "إن زيادة 22 بالمائة في معاشات المتقاعدين ليست كافية، وستتسبب في وقوع عدد كبير من متقاعدي الضمان الاجتماعي تحت الحد الأدنى للأجور والفقر المدقع".
وكانت صورة لوثيقة خاصة باجتماع فريق عمل بوزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية، قد نُشرت خلال الأيام الماضية، في بعض وسائل الإعلام المحلية، الأمر الذي أثار اهتمام الرأي العام.
وذكرت هذه الوثيقة، في 24 يوليو (تموز) الماضي، أنه تقرر استلام وإنفاق 250 مليار تومان من جميع صناديق التقاعد التابعة لوزارة التعاون والعمل والرعاية الاجتماعية "لأغراض مثل: المراسم الدينية"، وذلك في اجتماع "مجموعة العمل الأولى للمسؤولية الاجتماعية".
ويأتي هذا الاجتماع بعد 19 يومًا من انتخاب مسعود بزشكيان رئيسًا لإيران.
وتنص هذه الوثيقة على أن صناديق التقاعد يجب أن تدفع مبلغًا يعادل 100 مليار تومان لتوفير موارد لتمويل "مقر أربعين الحسين".
كما يتعين على هذه الصناديق دفع 110 مليارات تومان لتغطية نفقات "مراسم الغدير، وراهيان نور، جهاد التبيين... إلخ".
كما وافقت مجموعة العمل هذه على تخصيص ما مجموعه 40 مليار تومان لأمور مثل "تعزيز مدرسة الحكم، وعقد دورات تدريبية حول أساسيات الفكر الإسلامي، ومشروع نظام سوق العمل الإيراني، وتعزيز أسطول النقل في محافظة بلوشستان".
آلاف المليارات لمسيرة الأربعين تنفق إيران آلاف المليارات من التومان، سنويًا، من ميزانية المؤسسات العامة لحضور "مراسم الأربعين".
وأعلن مقر الأربعين أنه تم إنفاق نحو 8400 مليار تومان على إعداد البنية التحتية لهذا الحدث، في سبتمبر (أيلول) 2022.
ولا توجد قائمة دقيقة بإجمالي التكاليف والمصادر الممولة لهذا الحدث، لكن الأدلة تشير إلى أن منظمات حكومية مختلفة، بما في ذلك بلدية طهران، تشارك في هذه العملية.
وأعلن رئيس مجلس بلدية طهران، مهدي تشمران، في العام الماضي، تخصيص بلدية طهران 30 مليار تومان لهذا الحفل، وقال إن كل بلدية من بلديات المناطق ستقيم مقرًا لها في إحدى النقاط الحدودية بين إيران والعراق.
وبالنظر إلى تمويل المؤسسات العامة لمثل هذه المراسم، فمن الممكن فهم تصريح رئيس دائرة التوجيه السياسي للقوات المسلحة عبد العلي كواهي، الذي قال إن تكلفة مسيرة الأربعين هي "من الناس أنفسهم"، وذلك في أغسطس (آب) 2023.
أربعين 2024 إن أحد أهداف نظام الجمهورية الإسلامية في مراسم الأربعين هو الاستغلال الإعلامي والسياسي في المنطقة.
وفي هذا الصدد، قال يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري لعلي خامنئي، في 18 يوليو (تموز) الماضي، إن "20 مليون شخص" سيسيرون من النجف إلى كربلاء هذا العام، وإذا غيروا الطريق واذهبوا إلى القدس فلا يستطيع أحد مقاومتهم".
وقد صرح المساعد الأمني لوزير الداخلية، مجيد ميراحمدي، ردًا على المخاطر المحتملة لمراسم الأربعين هذا العام، بأن إيران لا تفكر في فرض أي قيود على إقامة هذه المراسم.
وأضاف، في 25 يونيو (حزيران الماضي): "أن الأعداء استخدموا فزاعة الخوف من حرارة الجو وحُمى الضنك لإثارة الرعب حول مسيرة الأربعين، لكن لا يوجد سبب للخوف من أي منها".
تسهيلات خاصة ومن الإجراءات الجديدة بمقر الأربعين لمراسم هذا العام تركيب أنفاق تبريد وأجهزة تبريد أخرى على مسار السير.
وتوقعت وزارة الطرق والتنمية الحضرية وصول 100 ألف زائر باكستاني إلى إيران لحضور هذه المسيرة، وأشارت إلى "تمهيد الطرق المؤدية إلى المنافذ الحدودية، وإصلاح نقاط الحوادث المرتفعة، ووضع علامات على المحاور، وتركيب اللافتات، وزيادة المرافق الصحية".
وبينما تشير تقارير وسائل الإعلام المحلية إلى أن معظم المحافظات الإيرانية تواجه نقصًا في المياه، أعلن محمد زارع، المدير العام للمقر التنفيذي لأمر الإمام، تخزين "أكثر من أربعة ملايين زجاجة من المياه المعدنية" في مخازن التبريد لمسيرة الأربعين الدينية، وشدد على أنه نظرًا لارتفاع تكلفة المواد الغذائية فإنهم سيدعمون المواكب بقوة ولن يسمحوا بأن ينطفأ "ضوء الخدمة".
ووفقًا لقوله، فإن "جميع خدمات المقر التنفيذي لأمر الإمام مجانية تمامًا" لزوار الأربعين.
وأظهرت الأدلة أنه على الرغم من كل هذه الترتيبات الحكومية وتخصيص القروض والخدمات، انخفض الطلب على المشاركة في مراسم الأربعين بمقدار الثلث، في العام الماضي.
وكتب الناشط السياسي الإصلاحي، والكاتب الصحافي عباس عبدي، على منصة "إكس" يوم أمس الجمعة، مشيرًا إلى الوثيقة التي نشرتها وزارة العمل الإيرانية: "سيأتي يوم تُصرف فيه كل الموازنة على مثل هذه الأمور، ولن تكفي".
إن مقتل إسماعيل هنية، أقرب شخص بين قادة حركة حماس إلى نظام الجمهورية الإسلامية، هو هزيمة مذلة وتاريخية للنظام الإيراني بكل المقاييس، ولها عواقب عديدة ومتعددة الأوجه على نظام لا يفهم إلا السلطة والقمع والقتل واغتيال المواطنين العُزل داخل إيران وخارجها.
ويعد مقتل هنية في قلب العاصمة الإيرانية، وفي مبنى شديد الحراسة، يُقال إنه تابع للحرس الثوري، وفي مساء حفل أداء اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان، تتويجًا لعمليات مختلفة يقال إن إسرائيل نفذتها في إيران خلال السنوات الأخيرة وتراوحت أبعادها بين إخراج وثائق البرنامج النووي الإيراني بشاحنة، وبين اغتيال شخصيات مؤثرة وتخريب المنشآت النووية.
وما يجعل هذه العملية مختلفة عن غيرها من الإجراءات المنسوبة لإسرائيل على الأراضي الإيرانية، يعود إلى هوية الشخص، الذي تم اغتياله، وهو ما يعطي في الواقع أبعادًا إقليمية ودولية لمبدأ العملية ونتائجها.
إن اغتيال إسماعيل هنية، أينما وكيفما حدث، له عواقب على حرب غزة، وعملية مفاوضات وقف إطلاق النار والقضية الفلسطينية والإسرائيلية بشكل عام، وقد أثر أيضًا بشكل مباشر أو غير مباشر على نظام الجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك، لا يمكن الشك في أنه بسبب مقتله في طهران، وبعد مشاركته مباشرة في مراسم أداء اليمين لبزشكيان والاجتماع مع المرشد، علي خامنئي، سيكون للنظام الإيراني نصيب أكبر بكثير في تحمل التبعات المتعددة ودفع تكاليف مقتله.
ويمكن تصنيف هذه العواقب إلى أربع مجموعات رئيسية: أولاً: الإذلال التاريخي والدولي الذي تعرضت له إيران في مواجهة عدوها الرئيس. ثانيًا: الرغبة في الانتقام، وعدم القدرة عليه.
ثالثًا: مستقبل العلاقات بين حماس وإيران وموقع طهران فيما يسمى جبهة المقاومة. رابعًا: الأوضاع الداخلية ووضع حكومة بزشكيان.
أولاً- الإهانة التاريخية والدولية للنظام الإيراني:
لم تتمكن إيران من رعاية الضيف، الذي تعرض للتهديد العلني بالقتل من قِبل قادة إسرائيل.
وخلافًا لبعض الجيران، مثل قطر وتركيا، اللذين يمكنهما بكل ثقة استضافة إسماعيل هنية، فإن إيران ليست في وضع يسمح لها بالحصول على مثل هذه الضمانات من الآخرين.
وبصرف النظر عن هذا الضعف الناجم عن فقدان السمعة والعزلة الدولية، كما يتضح من عشرات العمليات الصغيرة والكبيرة، فإن الجهاز الأمني الاستخباراتي في إيران، مثل الأجهزة الرسمية الأخرى، ضعيف للغاية وغير فعال في مواجهة أو احتواء الأزمات أو التدابير الجادة للدول الأخرى، وخاصة في هذه الحالة، وفي مواجهة إسرائيل.
وهذا الوضع واضح لدرجة أنه لا حاجة لمعارضي النظام أو المراقبين المستقلين للحديث عنه.
وقبل ثلاث سنوات من اغتيال شخص مثل إسماعيل هنية، تزامنًا مع اليمين الدستورية لرئيس الحكومة في إيران، كان وزير الاستخبارات الأسبق، علي يونسي، قد حذّر من مستوى التغلغل في أجهزة المخابرات والأمن وعدم كفاءة هذه الأجهزة، لدرجة أن قادة النظام يجب أن يشعروا بالقلق على حياتهم، وقد كشف اغتيال هنية عن نقاط الضعف والثغرات هذه أمام أعين العالم بأوضح صورة ممكنة.
وفي هذا الصدد، فإن وضع إيران في المعارك الاستخباراتية والأمنية للدول المتحاربة في التاريخ المعاصر، إن لم يكن فريدًا، فقد قل نظيره بالتأكيد، ومن الصعب العثور على أمثلة مماثلة لإخفاقاتها الواسعة النطاق.
ثانيًا- الرغبة في التدمير وعدم القدرة على الفعل:
إن قادة إيران يتمنون تدمير الآخرين، على حد تعبيرهم، بطريقة تكاد تكون أكثر وقاحة من قادة أي بلد آخر.
ومع ذلك، من الناحية العملية، وبسبب عدم الكفاءة والفساد المستشري في جميع جوانب حكم قادة النظام الإيراني، فإنهم إذا لم يساعدوا في تقوية الدول المعادية، فإنهم لم يتمكنوا من اتخاذ خطوة فعالة في اتجاه تحقيق أحلامهم، أو إذا تمكنوا من اتخاذ خطوة فإن خسارتهم كانت أكثر من ربحهم، ويمكن اعتبار الربح الكبير الوحيد لهم هو الحفاظ على مثل هذا النظام غير الكفء وغير الشرعي وغير المقبول، وبقاؤه لأكثر من أربعة عقود.
وفي حين تمكنت إسرائيل أو الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من توجيه ضربات خطيرة ومميتة للغاية للموارد البشرية والمعدات الإيرانية والجماعات الوكيلة لها، فإن إيران في المقابل لم تتمكن أبدًا من توجيه ضربة مضادة لأعدائها، على الرغم من ضجيجها الهائل ووعودها العديدة.
ويكفي المقارنة بين عدد العمليات التخريبية والاغتيالات الناجحة لشخصيات مهمة للنظام الإيراني، سواء داخل إيران أو بين الجماعات الوكيلة، مع الجهود الفاشلة لهذا النظام والفضائح التي نتجت عنها.
وبينما تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولين رئيسين مثل قاسم سليماني ومحسن فخري زاده وكبار قادة حزب الله وحماس، سعت إيران في قبرص وتركيا وتايلاند وغيرها إلى اغتيال السياح أو رجال الأعمال الإسرائيليين؛ لكن لحسن الحظ لم تتمكن من تنفيذ هذه الاغتيالات، وكانت تسبب في كل مرة فضائح دولية وإعلامية لها.
إن إعلام النظام الإيراني يعكس بشكل علني وجهة نظر الفقهاء الشيعة الحاكمين في إيران، ويقولون إنه لا يوجد مواطنون مدنيون في إسرائيل، حتى يتمكنوا من التوصل إلى مبرر لاعتداءاتهم على المدنيين، مثلما فعلوا في تفجير مركز أميا في بوينس آيرس، أو بإطلاق صاروخ على ملعب للأطفال الدروز في هضبة الجولان يوم السبت 27 يوليو (تموز) الماضي.
وفي مجال المواجهة العسكرية، الوضع ليس أفضل بكثير. وكمثال على المواجهة المباشرة، بعد الهجوم الإسرائيلي على قنصلية إيران في دمشق، أطلق الحرس الثوري الإيراني أكثر من 300 طائرة مُسيّرة وصواريخ كروز وصواريخ باليستية على إسرائيل، مما أدى إلى إصابة فتاة واحدة فقط بفعل حطام الصواريخ المدمرة.
وفي حالة شهيرة أخرى، بعد مقتل قاسم سليماني، أطلقت إيران عدة صواريخ على الأراضي الفارغة والقاحلة لقاعدة عين الأسد، ثم أطلقت صاروخين وأسقطت طائرة ركاب أوكرانية فوق طهران، خوفًا من الرد الأميركي.
ثالثًا- مستقبل ما يسمى "جبهة المقاومة":
على الرغم من أن حماس، بشكل عام، كانت على علاقة مع النظام الإيراني منذ تأسيسها، فإن العلاقات بين الطرفين لم تكن دائمًا وطيدة، كما كانت في الأشهر والسنوات الأخيرة.
وقد أصبحت العلاقة بين حماس وإيران متوترة للغاية، خاصة منذ الربيع العربي والحرب الأهلية السورية، واستمر هذا التوتر حتى تمت إقالة خالد مشعل من قيادة المكتب السياسي وحل محله إسماعيل هنية؛ حيث حاولت إيران كسب ولاء حركة حماس بمساعدات مالية لا حصر لها وإرسال الأموال في حقائب، بالإضافة إلى تجهيزها بالسلاح ووضع هذه الجماعة السُّنية ضمن الجماعات الشيعية الداعمة لها تحت عنوان عام "جبهة المقاومة".
وكان مثل هذا الإجراء يتطلب أن تنأى إيران بنفسها عن وجهة النظر الشيعية والتمييزية تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى، بما في ذلك السُّنة، والتي تطبقها في البلاد دون أي اعتبار، والتركيز بدلاً من ذلك على مجالات مشتركة أخرى، مثل معاداة أميركا وإسرائيل، تمامًا مثل النهج نفسه، الذي اتبعته تجاه "طالبان" و"القاعدة".
ورغم كل ذلك، فإن مقتل إسماعيل هنية في طهران أثار بالفعل احتجاجات لدى بعض الجماعات في "جبهة المقاومة"، وهناك همسات عن دور إيران ومسؤوليتها في مقتله. ويبدو من المحتمل جدًا أن يتم سماع هذا الرأي بشكل أكبر خلال الأسابيع المقبلة، لكن القلق الرئيس لقادة إيران ليس هذه الاحتجاجات، لأن المساعدات المالية يمكن أن تغطي مؤقتًا على الأقل هذا الاستياء والانزعاج بعباءة الصمت.
ويبقى الشغل الشاغل لقادة النظام الإيراني هو من سيحل محل هنية في "حماس"، وإلى أي مدى سيميل فريق القيادة الجديد نحو إيران، وإلى أي مدى سيعارض رغبة الدول العربية أو حتى تركيا في إبعاد الحركة الفلسطينية عن طهران. وتعد تجربة خالد مشعل، الذي يعتبر الخليفة المرجح لهنية، كافية لتخوف إيران من مستقبل علاقاتها مع "حماس".
وعلاوة على ذلك، فإن العجز عن حماية كبار القادة في الجماعات الوكيلة، مثل حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، وتضارب المصالح والتنافس الداخلي لهذه الجماعات، وفقدان الثقة في قدرة إيران على حمايتهم، يمكن أن يحوّل سلسلة الاغتيالات، التي طالت كبار قادة حزب الله، وعلى رأسهم فؤاد شكر، ومقتل أكثر من نصف فريق قيادة حماس، إلى نقطة تحول في العلاقات بين إيران والجماعات العميلة لها.
رابعًا- حكومة بزشكيان:
بعد تقديمه رئيسًا جديدًا للحكومة في إيران، ربما لم يخطر ببال مسعود بزشكيان وأنصاره الإصلاحيين أنهم سيبدؤون عملهم بأزمة كهذه؛ سواء عندما بعث برسالة إلى قادة الجماعات العميلة، أو عندما احتضن إسماعيل هنية في حفل أداء اليمين الدستورية، أو عندما صفق له وممثلو الجماعات العميلة الآخرون أثناء إلقاء كلمته، وشعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل، التي رددها النواب دفاعًا عن جبهة المقاومة.
لا شك أن الإصلاحيين يريدون الصيد في الماء العكر، والنظر في الاتجاه الحتمي لبزشكيان وحكومته على أنه نتيجة لهذا الاغتيال، لكن الحقيقة هي أن أيدي حكومة بزشكيان مكبلة في هذه المجالات؛ حيث لا يمكنها اتخاذ خطوة لتحسين العلاقات مع العالم الغربي من خلال قطع الدعم عن الجماعات الوكيلة.
ومن وصلوا إلى رئاسة الحكومة في العقود الماضية بالكثير من الوعود، لم ينجحوا تمامًا في السير على هذا الطريق، ناهيك عمن يقدم نفسه منذ البداية على أنه منفذ سياسات علي خامنئي. إن اغتيال إسماعيل هنية في طهران، بالتزامن مع اليمين الدستورية للرئيس الجديد، مسعود بزشكيان" لا يؤدي إلا إلى زيادة سرعة تلاشي الأحلام التي بيعت قبل الانتخابات، ويكشف عن الوجه الحقيقي لحكومته. فإذا كان حوله أناس يؤمنون حقًا بـ "اللطف مع الأصدقاء والتسامح مع الأعداء"، فمع هذه الحادثة وعواقبها، سوف يسقطون قريبًا من سُحب الوهم الناعمة إلى أرض الواقع الصلبة، وربما سيبدؤون حملة ندم على التصويت، مثلما حدث في عهد الرئيس الأسبق، حسن روحاني، وينضمون أخيرًا إلى غالبية الناس، الذين رأوا أنه إذا كان النظام الإيراني يتمتع بأي سلطة، فهي تتمثل فقط في قمع النساء، وقتل الأطفال، وإعدام الشباب، وسجن آباء وأمهات ضحاياه.
وكشف قرار إغلاق المركز الإسلامي في هامبورغ، المكون من 220 صفحة، الصادر عن وزارة الداخلية الفيدرالية الألمانية، مدى قرب علاقات هذه المؤسسة مع مكتب خامنئي، وكيف امتدت هذه العلاقات إلى حزب الله اللبناني.
وبحسب الوثائق، التي حصلت عليها مجلة "شبيغل" الألمانية، يبدو أن رئيس المركز الإسلامي في هامبورغ، محمد هادي مفتح، كان على اتصال دائم مع مهدي مصطفوي، نائب مدير الاتصالات والشؤون الدولية في مكتب المرشد علي خامنئي، عبر تطبيق التراسل الفوري "واتساب".
وتبادل هذان الشخصان أكثر من 650 رسالة منذ أواخر عام 2021 إلى نهاية عام 2023.
وأضاف التقرير أن مصطفوي أعطى في هذه المراسلات تعليمات مفصلة إلى "مفتح" في عام 2023، والتي تضمنت رسائل خامنئي للمتحدثين بالألمانية، الذين كانوا يأتون إلى المركز الإسلامي في هامبورغ (ربما الألمان الذين حوّلتهم إيران إلى شيعة).
وكان محور أنشطة هذا المركز في عام 2024 من بين محتويات أخرى لهذه الرسائل.
تعليمات لتبرير هجوم حماس على إسرائيل
تم إرسال تعليمات بـ "الدعاية المناهضة لإسرائيل"، وتفسير خلفيات هجوم حركة حماس على إسرائيل، في تلك الرسائل المتبادلة بين مفتح ومكتب خامنئي.
وطلب مكتب المرشد الإيراني من مفتح ترديد عدة شعارات وتبريرات، ومنها أن "المقاومة الإسلامية ليس لديها طريقة أخرى لوقف جرائم إسرائيل" و"لن يعود النظام الصهيوني بعد ذلك كما كان بفضل شجاعة الشباب الفلسطيني".
الوثائق المكشوفة
وبحسب وثائق وزارة الداخلية الألمانية، فقد تم الكشف عن إرسال المساعدات المالية لليمن، بتوقيع شخصي لعلي خامنئي، وبجانبه عبارة "قائد الثورة"، إلى جانب اسم رئيس المركز الإسلامي في هامبورغ.
وبحسب وزارة الداخلية الاتحادية الألمانية، فإن هذه الوثائق تظهر أن مركز هامبورغ الإسلامي كان بمثابة "ممثل أجنبي مباشر" للنظام الإيراني.
وتوصل المحققون من الوثائق، التي تم الحصول عليها أثناء تفتيش المركز الإسلامي في هامبورغ، إلى أن هذا المركز ومديره كانا على اتصال بحزب الله اللبناني.
وبحسب وثائق سرية، فقد تشاور ممثلون عن حزب الله والمركز الإسلامي في هامبورغ حول مشروع بناء جمعية (مسجد) في منطقة هانوفر، يقال إنها مرتبطة بالمركز الإسلامي في هامبورغ.
وبحسب تقرير وزارة الداخلية الألمانية، فإن "إدارة العلاقات الخارجية في حزب الله اللبناني الإرهابي" كان لها دور كبير في التخطيط لهذا المشروع.